الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِيَةِ (لَا) سَجْدَةَ (ص) وَهِيَ عِنْدَ قَوْلِهِ {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] فَلَيْسَتْ مِنْ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " ص لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ " أَيْ مِنْ مُتَأَكِّدَاتِهِ وَقَدْ تُكْتَبُ ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ إلَّا فِي الْمُصْحَفِ (بَلْ هِيَ) أَيْ سَجْدَةُ ص (سَجْدَةُ شُكْرٍ) لِلَّهِ تَعَالَى يَنْوِي بِهَا سُجُودَ الشُّكْرِ عَلَى تَوْبَةِ دَاوُد عليه الصلاة والسلام مِنْ خِلَافِ الْأَوْلَى الَّذِي ارْتَكَبَهُ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِ شَأْنِهِ لِوُجُوبِ عِصْمَتِهِ كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ عَنْ وَصْمَةِ الذَّنْبِ مُطْلَقًا، وَإِنْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ التَّفَاسِيرِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ، بَلْ لَوْ صَحَّ كَانَ تَأْوِيلُهُ وَاجِبًا لِثُبُوتِ عِصْمَتِهِمْ وَوُجُوبِ اعْتِقَادِ نَزَاهَتِهِمْ عَنْ ذَلِكَ السَّفْسَافِ الَّذِي لَا يَقَعُ مِنْ أَقَلِّ صَالِحِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَكَيْفَ بِمَنْ اصْطَفَاهُمْ اللَّهُ لِنُبُوَّتِهِ، وَأَهَّلَهُمْ لِرِسَالَتِهِ وَجَعَلَهُمْ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ دَاوُد بِذَلِكَ مَعَ وُقُوعِ نَظِيرِهِ لِآدَمَ وَأَيُّوبَ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَقِيَ مِمَّا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ حَتَّى نَبَتَ مِنْ دُمُوعِهِ الْعُشْبُ وَالْقَلِقِ الْمُزْعِجِ مَا لَقِيَهُ، فَجُوزِيَ بِأَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَعَلَى قُرْبِهِ وَأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْهِ نِعْمَةً تَسْتَوْجِبُ دَوَامَ الشُّكْرِ مِنْ الْعَالِمِ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَرَأَ ص، فَلَمَّا مَرَّ بِالسُّجُودِ نَشَزْنَا: أَيْ تَهَيَّأْنَا لِلسُّجُودِ، فَلَمَّا رَآنَا قَالَ: إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيِّ اللَّهِ وَلَكِنْ قَدْ اسْتَعْدَدْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْحِ الْبُخَارِيِّ.
(تُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَتِهَا لِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُنَافِي قَوْلُنَا سَبَبُهَا الشُّكْرُ قَوْلَهُمْ سَبَبُهَا التِّلَاوَةُ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِتَذَكُّرِ قَبُولِ تِلْكَ التَّوْبَةِ: أَيْ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَفِي الِانْشِقَاقِ آخِرُهَا. اهـ حَجّ.
أَقُولُ: وَالْأَوْلَى لَهُ فِي الِانْشِقَاقِ تَأْخِيرُ السُّجُودِ إلَى آخِرِهَا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَسُئِلَ السُّيُوطِيّ هَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ كُلِّ مَحَلٍّ سَجْدَةٌ عَمَلًا بِالْقَوْلَيْنِ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ آتٍ بِسَجْدَةٍ لَمْ تُشْرَعْ. اهـ سم عَلَى حَجّ. (قَوْلُهُ: لَا سَجْدَةَ ص) يَجُوزُ قِرَاءَةِ ص بِالْإِسْكَانِ وَبِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِينٍ وَبِهِ مَعَ التَّنْوِينِ، وَإِذَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ كُتِبَتْ حَرْفًا وَاحِدًا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا بِاعْتِبَارِ اسْمِهَا ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ اهـ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا إلَخْ: أَيْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا حَرْفًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: يَنْوِي بِهَا سُجُودَ الشُّكْرِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِصِحَّتِهَا مِنْ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهَا عَلَى قَبُولِ تَوْبَةِ دَاوُد وَلَيْسَ مُرَادًا.
ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ فِي أَثْنَاءِ عِبَارَتِهِ مَا نَصُّهُ: وَهَلْ يَتَعَرَّضُ لِكَوْنِهِ شُكْرًا لِقَبُولِ تَوْبَةِ دَاوُد عليه الصلاة والسلام أَوْ يَكْفِي مُطْلَقُ نِيَّةِ الشُّكْرِ؟ ارْتَضَى الثَّانِي طب وم ر. اهـ. بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ نَوَيْت السُّجُودَ لِقَبُولِ تَوْبَةِ دَاوُد هَلْ يَكْفِي أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِذِكْرِهِ السَّبَبَ.
وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ نَوَى الشُّكْرَ وَالتِّلَاوَةَ أَيْضًا خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَيَنْبَغِي فِيهِ الضَّرَرُ؛ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّجَدَاتِ الْمَشْرُوعَةِ كَانَ بَاطِلًا، فَإِذَا نَوَى التِّلَاوَةَ وَالشُّكْرَ فَقَدْ نَوَى مُبْطِلًا وَغَيْرَهُ فَيُغَلَّبُ الْمُبْطِلُ (قَوْلُهُ: مِنْ خِلَافِ الْأَوْلَى) مُتَعَلِّقٌ بِتَوْبَةٍ (قَوْلُهُ: الَّذِي ارْتَكَبَهُ) أَيْ مِنْ إضْمَارِهِ أَنَّ وَزِيرَهُ إنْ قُتِلَ تَزَوَّجَ بِزَوْجَتِهِ. اهـ حَجّ. (قَوْلُهُ: مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ ارْتَكَبَ أَمْرًا مُحَرَّمًا وَهُوَ كَمَا فِي قَصَصِ الثَّعَالِبِيِّ أَمْرُهُ حِين أَرْسَلَ وَزِيرَهُ لِلْقِتَالِ يَتَقَدَّمُهُ أَمَامَ الْجَيْشِ لِيَقْتُلَ (قَوْلُهُ: السَّفْسَافِ) الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالْأَمْرُ الْحَقِيرُ، وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا» وَيَرْوِي " وَيَبْغَضُ ". اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: مَعَ وُقُوعِ نَظِيرِهِ) أَيْ مِنْ ارْتِكَابِ مَا يُنَافِي كَمَالِهِمْ فَنَدِمُوا فَقَبِلَ اللَّهُ تَعَالَى تَوْبَتَهُمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ؛ وَلِأَنَّهُ وَقَعَ فِي قِصَّتِهِ التَّنْصِيصُ عَلَى سُجُودِهِ، بِخِلَافِ قَصَصِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْهُمْ سُجُودٌ عِنْدَ حُصُولِ التَّوْبَةِ لَهُمْ (قَوْلُهُ: مَا لَقِيَهُ) إلَّا مَا جَاءَ عَنْ آدَمَ لَكِنَّهُ مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ عَلَى فِرَاقِ الْجَنَّةِ. اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: تَسْتَوْجِبُ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
[سَجَدَاتُ التِّلَاوَةِ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكِ عَنْ غَيْرِهِ إلَخْ) وَأَيْضًا فَلَمْ يَرِدْ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ سَجَدَ لِتَوْبَةٍ.
لَمْ يَنْظُرْ هُنَا لِمَا يَأْتِي فِي سُجُودِ الشُّكْرِ مِنْ هُجُومِ النِّعْمَةِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ سَجْدَةِ مَحْضِ التِّلَاوَةِ وَسَجْدَةِ مَحْضِ الشُّكْرِ (وَتَحْرُمُ فِيهَا) وَتُبْطِلُهَا (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ انْضَمَّ لِقَصْدِ الشُّكْرِ قَصْدُ التِّلَاوَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُبْطِلُ وَغَيْرُهُ غُلِّبَ الْمُبْطِلُ وَشَمِلَ ذَلِكَ قَارِئَهَا وَسَامِعَهَا وَمُسْتَمِعَهَا، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الطَّوَافَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَإِلْحَاقُهُ بِالصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهَا وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ وَالْبُطْلَانِ فِي حَقِّ الْعَامِدِ الْعَالِمِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ سَجَدَهَا إمَامُهُ لِاعْتِقَادِهِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ انْتِظَارِهِ وَمُفَارَقَتِهِ وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَا يَرَى الْمَأْمُومُ جِنْسَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِحَنَفِيٍّ يَرَى الْقَصْرَ فِي إقَامَةٍ لَا نَرَاهَا نَحْنُ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْقَصْرِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمُفَارَقَةِ، وَقَوْلُهَا إنَّهُ لَا يَسْجُدُ: أَيْ بِسَبَبِ انْتِظَارِ إمَامِهِ قَائِمًا وَإِنْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ لِاعْتِقَادِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ تَسْتَدْعِي ثُبُوتَ الشُّكْرِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: قَصْدُ التِّلَاوَةِ) أَيْ وَإِنَّمَا لَمْ يَضُرَّ قَصْدُ التَّفْهِيمِ مَعَ الْقِرَاءَةِ مَعَ أَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْمُبْطِلِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْقِرَاءَةِ مَطْلُوبٌ وَقَصْدَ التَّفْهِيمِ طَارِئٌ، بِخِلَافِ السُّجُودِ بِلَا سَبَبٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ أَصْلًا، وَهَذِهِ السَّجْدَةُ لَمَّا لَمْ تُسْتَحَبَّ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ كَاَلَّتِي بِلَا سَبَبٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُبْطِلُ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ التِّلَاوَةَ وَحْدَهَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّ قَصْدَ التِّلَاوَةِ إنَّمَا يَكُونُ مَانِعًا لِلْبُطْلَانِ حَيْثُ كَانَ مِنْ السَّجَدَاتِ الْمَشْرُوعَةِ، وَهُوَ هُنَا لَيْسَ مَشْرُوعًا، وَكُلُّ مَنْ قَصَدَ التِّلَاوَةَ وَالشُّكْرَ مُبْطِلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ ذَلِكَ) أَيْ اسْتِحْبَابَهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ الطَّوَافَ) أَيْ فَيَسْجُدُ فِيهِ شُكْرًا، وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَحْرُمُ فِيهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا أَشْبَهَ الصَّلَاةَ وَبِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْهَا فَأَخَّرَهُ؛ لِيَكُونَ كَالِاسْتِدْرَاكِ بِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِمَّا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ) أَيْ خِلَافًا لحج حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَيَأْتِي فِي الْحَجِّ أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ الْمُحَرَّمَةَ هِيَ فِيهَا فَلَمْ تُطْلَبْ فِيمَا يُشْبِهُهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ فِيهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُلْحَقًا بِهَا فِي كُلِّ أَحْكَامِهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا) أَيْ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ مَحَلِّيٌّ.
أَقُولُ: وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ حُرْمَةَ السُّجُودِ ضَرَّ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ مِنْ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ لِنِسْيَانِهِ حُرْمَةَ الْكَلَامِ فِيهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَقِيَاسُ عَدَمِ الضَّرَرِ فِيمَا لَوْ قَامَ عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ سَهْوًا وَعَادَ لِجَهْلِهِ حُرْمَةَ الْعَوْدِ أَوْ نِسْيَانِهِ الْحُكْمَ عَدَمُ الضَّرَرِ فَلْيَحْرُمْ (قَوْلُهُ: لِاعْتِقَادِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ حَنَفِيًّا (قَوْلُهُ: وَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ كَمَا يَأْتِي، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ نَسِيَ الْإِمَامُ التَّشَهُّدَ وَقَامَ وَانْتَصَبَ مَعَهُ الْمَأْمُومُ ثُمَّ عَادَ وَقَعَدَ الْمَأْمُومُ لِلتَّشَهُّدِ نَاسِيًا وَقَدْ قَامَ الْإِمَامُ ثُمَّ عَادَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُوَافَقَتُهُ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الِانْتِظَارِ وَالْمُفَارَقَةِ، وَهِيَ أَوْلَى أَنَّ هَذَا زَمَنُهُ قَصِيرٌ وَذَاكَ زَمَنُهُ طَوِيلٌ فَكَانَ انْتِظَارُهُ هُنَا أَوَّلًا تَنْزِيلًا لِزَمَنِ السُّجُودِ لِقِصَرِهِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ فَكَانَ لَا مُخَالَفَةَ، وَإِنْ فَعَلَ الْإِمَامُ هُنَا لِكَوْنِهِ عَنْ اعْتِقَادٍ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ عِنْدَهُ بِخِلَافِهِ ثُمَّ فَإِنَّ الْعَوْدَ إنْ كَانَ عَمْدًا أَبْطَلَ حَتَّى عِنْدَ الْإِمَامِ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً عَلَى احْتِمَالٍ فَطَلَبَتْ الْمُفَارَقَةُ بِخِلَافِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: أَيْ بِسَبَبِ) خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَقَوْلُهَا وَالْغَرَضُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَمَّا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَيْهَا مِنْ أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ يُبْطِلُ عَمْدُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ) بَقِيَ مَا لَوْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ قَبْلَ سُجُودِ إمَامِهِ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُبْطِلُ وَغَيْرُهُ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ تَصِحُّ بِنِيَّةِ التِّلَاوَةِ، وَيُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ فَلَيْسَتْ مِنْ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ، وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ أَنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: فِي إقَامَةٍ لَا نَرَاهَا) أَيْ لَا نَرَى الْقَصْرَ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهَا إنَّهُ لَا يَسْجُدُ) .
أَنَّ إمَامَهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا تَحْرُمُ فِيهَا، وَلَا تُبْطِلُهَا؛ لِتَعَلُّقِهَا بِالتِّلَاوَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ سُجُودِ الشُّكْرِ.
(وَيُسَنُّ) السُّجُودُ (لِلْقَارِئِ) حَيْثُ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ مَشْرُوعَةً وَلَوْ صَبِيًّا: أَيْ مُمَيِّزًا فِيمَا يَظْهَرُ، أَوْ امْرَأَةً بِحَضْرَةِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ إذْ حُرْمَةُ رَفْعِ صَوْتِهَا بِهَا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ إنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ لَا لِذَاتِ قِرَاءَتِهَا؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ خَطِيبًا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ عَلَى مِنْبَرِهِ أَوْ أَسْفَلَهُ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ أَوْ مُصَلِّيًا إنْ قَرَأَ فِي قِيَامٍ (وَالْمُسْتَمِعِ) وَهُوَ مَنْ قَصَدَ السَّمَاعَ، وَالْأَوْجَهُ فِي قَارِئٍ وَسَامِعٍ وَمُسْتَمِعٍ لَهَا قَبْلَ صَلَاتِهِ التَّحِيَّةَ أَنَّهُ يَسْجُدُ ثُمَّ يُصَلِّيهَا؛ لِأَنَّهُ جُلُوسٌ قَصِيرٌ لِعُذْرٍ فَلَا تَفُوتُ بِهِ فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالسُّجُودُ أَفْضَلُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ، وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْقَارِئُ كَافِرًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ قَبْلَ خُرُوجِهِ عَنْ مُسَمَّى الْقِيَامِ لَمْ يَسْجُدْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَفْعَلْ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ فِي زَمَنِ الْقُدْوَةِ، وَإِنْ نَوَاهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ أَوْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِينَ مِثْلًا سَجَدَ لِفِعْلِ الْإِمَامِ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبِيًّا) لَمْ يَقُلْ أَوْ كَافِرًا لِعَدَمِ تَأَتِّي السُّجُودِ مِنْهُ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ عَقِبَ قِرَاءَتِهِ وَتَطَهَّرَ فَوْرًا سُنَّ السُّجُودُ فِي حَقِّهِ (قَوْلُهُ: أَيْ مُمَيِّزًا) هَذَا تَقْيِيدٌ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي السُّجُودِ مِنْ غَيْرِ الْقَارِئِ، أَمَّا هُوَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ سُجُودٌ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ أَسْفَلَهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي النُّزُولِ كُلْفَةٌ وَإِلَّا سُنَّ تَرْكُهُ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَرَأَ فِي قِيَامٍ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَرَأَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَسْجُدُ لِقِرَاءَتِهِ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا ثُمَّ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ) أَيْ وَلَوْ لِبَعْضِ الْآيَةِ كَأَنْ سَمِعَ بَعْضَهَا وَاشْتَغَلَ بِكَلَامٍ عَنْ اسْتِمَاعِ الْبَعْضِ الْآخَرِ وَلَكِنْ سَمِعَ الْبَاقِيَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ السَّمَاعِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُ الْقَارِئِ وَالسَّامِعِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْمَلُ بِاعْتِقَادِ نَفْسِهِ إذْ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَهُمَا.
[فَائِدَةٌ] . وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ قَرَأَ الْمَيِّتُ آيَةَ سَجْدَةٍ هَلْ يَسْجُدُ السَّامِعُ لَهُ أَمْ لَا؟ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ لَمْ تَنْقَطِعْ بِمَوْتِهِمْ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يَقْرَأَ الْمَيِّتُ قِرَاءَةً تَامَّةً حَسَنَةً لِيَلْتَذَّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَلَيْسَ هُوَ كَالسَّاهِي وَالْجَمَادِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ مُسِخَ وَقَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْحَاصِلُ مَسْخَ صِفَةٍ سُجِدَ لِقِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ مَسْخَ ذَاتٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا حَيَوَانٌ أَوْ جَمَادٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُسْجَدُ لِقِرَاءَتِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جُلُوسٌ قَصِيرٌ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَكَرَّرَ سَمَاعُهُ لِآيَةِ السَّجْدَةِ مِنْ قَارِئٍ أَوْ أَكْثَرَ احْتَمَلَ أَنْ يَسْجُدَ لِمَا لَا تَفُوتُ مَعَهُ التَّحِيَّةُ وَيَتْرُكُ لِمَا زَادَ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ السُّجُودِ، وَإِنْ فَاتَتْ بِهِ التَّحِيَّةُ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالسُّجُودُ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْقَارِئُ كَافِرًا) أَيْ وَلَوْ جُنُبًا مُعَانِدًا؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ وَلَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الْقِرَاءَةِ مَعَ مَا ذُكِرَ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ نَقْلًا عَنْ الشَّارِحِ.
وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ الْجُنُبُ فَيَسْجُدُ لِقِرَاءَتِهِ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ حُرْمَةَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمْ مَعَ الْجَنَابَةِ وَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا فَيَجُوزُ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالْحُكْمِ فَلَا يَتَحَقَّقُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
: (قَوْلُهُ: مَشْرُوعَةً) يُؤْخَذُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِيَخْرُجَ قِرَاءَةُ الطُّيُورِ وَالسَّاهِي وَالسَّكْرَانِ وَنَحْوِهِمْ، وَأَنْ تَكُونَ مَأْذُونًا فِيهَا شَرْعًا لِيَخْرُجَ قِرَاءَةُ الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: كَافِرًا) وَإِنْ كَانَ مُعَانِدًا لَا يُرْجَى إسْلَامُهُ كَمَا نَقَلَهُ الشِّهَابُ سم عَنْ الشَّارِحِ
أَوْ مَلَكًا أَوْ جِنِّيًّا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَلَا سُجُودَ لِقِرَاءَةِ جُنُبٍ وَسَكْرَانَ وَسَاهٍ وَنَائِمٍ وَمَا عُلِمَ مِنْ الطُّيُورِ كُدْرَةٌ وَنَحْوُهَا وَلَا لِقِرَاءَةٍ فِي جِنَازَةٍ أَوْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ فِي نَحْوِ رُكُوعٍ؛ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَوَاءٌ أَسَجَدَ الْقَارِئُ أَمْ لَا، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ قَرَأَ آيَةً بَيْنَ يَدَيْ مُدَرِّسٍ لِيُفَسِّرَ لَهُ مَعْنَاهَا فَيَسْجُدُ لِذَلِكَ كُلٌّ مِنْ الْقَارِئِ وَمَنْ سَمِعَهُ؛ لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ مَشْرُوعَةٌ بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَةِ الْكَافِرِ.
لَا يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التِّلَاوَةَ فَلَا سُجُودَ لَهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ قَصَدَ تِلَاوَتَهَا لِتَقْرِيرِ مَعْنَاهَا (وَتَتَأَكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى طَلَبِهَا مِنْهُ حِينَئِذٍ وَإِذَا سَجَدَ مَعَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَالْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، فَلَوْ فَعَلَ كَانَ جَائِزًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ. (قُلْت:) (وَيُسَنُّ لِلسَّامِعِ) لِجَمِيعِ الْآيَةِ مِنْ قِرَاءَةٍ مَشْرُوعَةٍ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ السَّمَاعَ وَتَتَأَكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ لَكِنْ دُونَ تَأَكُّدِهَا لِلْمُسْتَمِعِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَيَسْجُدُ وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُهُمْ مَوْضِعًا لِجَبْهَتِهِ» .
وَلَوْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ آيَةَ سَجْدَةٍ أَوْ سُورَتَهَا بِقَصْدِ السُّجُودِ فِي غَيْرِ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
النَّهْيُ فِي حَقِّهِمْ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكَافِرٍ: أَيْ رُجِيَ إسْلَامُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا سُجُودَ لِقِرَاءَةِ جُنُبٍ) أَيْ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ: أَيْ فَلَوْ فَعَلَهَا لَا تَنْعَقِدُ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَيَسْجُدُ لِقِرَاءَتِهِ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا لِعَدَمِ نَهْيِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَمْنَعْهُ وَلِيُّهُ مِنْهَا، فَلَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ غُسْلًا لَا يَقُولُ بِهِ السَّامِعُ أَوْ فَعَلَ مَا يَحْصُلُ الْجَنَابَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ دُونَ غَيْرِهِ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ السَّامِعِ فَلَا يَسْجُدُ حَيْثُ كَانَ شَافِعِيًّا يَرَى بَقَاءَ الْجَنَابَةِ أَوْ حُصُولَهَا أَوْ بِعَقِيدَةِ الْقَارِئِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْقَارِئِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى التَّحْرِيمَ، وَيُؤَيِّدُهُ السُّجُودُ لِقِرَاءَةِ الْكَافِرِ الْجُنُبِ حَيْثُ عَلَّلُوهُ بِأَنَّ قِرَاءَتَهُ مَشْرُوعَةٌ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِ حُرْمَتَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْمَلُ بِعَقِيدَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ (قَوْلُهُ: وَسَكْرَانَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ. اهـ حَجّ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي نَحْوِ الرُّكُوعِ مَكْرُوهَةٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَرَأَ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ فِيهِمَا مَشْرُوعَةٌ لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً، وَفَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ الطَّلَبِ وَطَلَبِ الْعَدَمِ، وَيُعَلَّلُ فِي السَّاهِي وَالنَّائِمِ إلَخْ بَعْدَهُ الْقَصْدُ (قَوْلُهُ: لِيُفَسِّرَ لَهُ مَعْنَاهَا) أَيْ وَالْقَارِئُ عَلَى الشَّيْخِ لِتَصْحِيحِ قِرَاءَتِهِ أَوْ لِلْأَخْذِ عَنْهُ حَجّ (قَوْلُهُ: فَيَسْجُدُ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: لِتَقْرِيرِ مَعْنَاهَا) وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مِثْلَهُ الْمُسْتَدِلُّ بِالْآيَةِ فَيَسْجُدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِوُجُودِ هَذِهِ الْعِلَّةِ فِي الْمُسْتَدِلِّ وَفِي كَلَامِ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى حَجّ خِلَافُهُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ (قَوْلُهُ: وَتَتَأَكَّدُ) أَيْ السَّجْدَةُ، وَقَوْلُهُ لَهُ: أَيْ لِلْمُسْتَمِعِ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ وَيَنْبَغِي كَمَا بَحَثَهُ م ر أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ قِرَاءَةً فِي السُّوقِ سَجَدَ وَإِنْ كُرِهَتْ بِأَنْ أُلْهِيَ الْقَارِئُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِخَارِجٍ لَا لِذَاتِ الْقِرَاءَةِ.
وَسُئِلَ م ر هَلْ يَسْجُدُ لِسَمَاعِ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ؟ قَالَ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِعَارِضٍ، وَكَذَا لِسَمَاعِ الْقِرَاءَةِ فِي الْخَلَاءِ لِذَلِكَ انْتَهَى فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُحَرَّرْ. وَلَوْ قَرَأَ وَاحِدٌ بَعْضَ آيَةِ السَّجْدَةِ وَأَخَّرَ بَاقِيَهَا فَهَلْ يُسَنُّ السُّجُودُ لِلسَّامِعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْمَيْلُ لِعَدَمِ السُّجُودِ أَكْثَرُ وِفَاقًا لِمَا مَالَ لَهُ م ر.
وَقَوْلُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ لَعَلَّ وَجْهَ الْأَمْرِ بِالتَّأَمُّلِ أَنَّ السُّجُودَ لَمَّا ذُكِرَ يُشْكِلُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ لِلْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، فَإِنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ ثُمَّ كَرَاهَةَ الْقِرَاءَةِ فِي نَحْوِ الرُّكُوعِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا (قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الِاقْتِدَاءِ) وَهَلْ يَجُوزُ لِلْقَارِئِ أَنْ يَقْتَدِيَ فِيهَا بِالسَّامِعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَازُ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى عَدَمُ الِاقْتِدَاءِ كَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ (قَوْلُهُ: مِنْ قِرَاءَةٍ مَشْرُوعَةٍ) أَيْ حَيْثُ اتَّحَدَ الْقَارِئُ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ الْمَارِّ) هُوَ قَوْلُهُ: كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا إلَخْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ سُورَتَهَا إلَخْ) أَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ لِغَرَضِ السُّجُودِ فَقَطْ أَوْ سَجَدَ الْمُصَلِّي لِغَيْرِ سَجْدَةِ إمَامِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ حَرُمَ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: بِقَصْدِ السُّجُودِ) وَخَرَجَ بِقَصْدِ السُّجُودِ مَا لَوْ قَرَأَ بِقَصْدِ أَدَاءِ سُنَّةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَسَكْرَانَ) أَيْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ فِيهِمَا سَجْدَةٌ لِيَسْجُدَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي وَقْتِ كَرَاهَتِهَا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لَا لِغَرَضِ صَلَاةٍ سِوَى التَّحِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تُكْرَهُ لَهُ الصَّلَاةُ. اهـ.
فَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحْرِيمِ وَأَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِهَا، وَبِهِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَنْهِيٌّ عَنْ زِيَادَةِ سَجْدَةٍ فِيهَا إلَّا السُّجُودَ لِسَبَبٍ، كَمَا أَنَّ الْأَوْقَاتَ الْمَكْرُوهَةَ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا إلَّا لِسَبَبٍ، فَالْقِرَاءَةُ بِقَصْدِ السُّجُودِ كَتَعَاطِي السَّبَبِ بِاخْتِيَارِهِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ لِيَفْعَلَ الصَّلَاةَ وَقَدْ جَرَى عَلَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ مُخْتَصَرٌ وَكَلَامُهُ وَغَيْرُهُمْ، وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ: وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً أَوْ سُورَةً تَتَضَمَّنُ سَجْدَةً لِيَسْجُدَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ الْمَسْجِد لَا لِغَرَضٍ سِوَى التَّحِيَّةِ، وَقَدْ سَبَقَ انْتَهَى.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ جَوَازُهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِ {الم} [السجدة: 1] فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مَمْنُوعٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فَيَسْجُدُ وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَنَّ فِيمَا يَقْرَؤُهُ آيَةَ سَجْدَةٍ وَأَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ السُّجُودُ إذَا قَرَأَهَا (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ بِالسُّجُودِ لَا بِمُجَرَّدِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيهَا لَيْسَ شُرُوعًا فِي الْمُبْطِلِ، كَمَا لَوْ عَزَمَ أَنْ يَأْتِيَ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ مُتَوَالِيَةٍ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِيهَا (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) أَيْ أَمَّا الْجَاهِلُ وَالنَّاسِي فَلَا، وَمِنْهُ لَوْ أَخْطَأَ فَظَنَّ غَيْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَوْمَهَا فَقَرَأَ فِيهِ {الم} [السجدة: 1] بِقَصْدِ السُّجُودِ.
[فَائِدَةٌ] . يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْجُدَ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ بِسَبَبِ سَهْوٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةً، وَذَلِكَ فِيمَنْ اقْتَدَى فِي رُبَاعِيَّةٍ بِأَرْبَعَةٍ بِأَنْ اقْتَدَى بِالْأَوَّلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ثُمَّ بِالْبَاقِينَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاتِهِمْ ثُمَّ صَلَّى الرَّابِعَةَ وَحْدَهُ وَسَهَا كُلُّ إمَامٍ مِنْهُمْ فَيَسْجُدُ مَعَهُ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ أَنَّهُ سَهَا فِي رَكْعَتِهِ الرَّابِعَةِ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِ كُلٍّ مِنْهُمْ خَلْفَهُ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُ سَهَا فِي رَكْعَتِهِ فَسَجَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ فَسَجَدَ ثَانِيًا فَهَذِهِ ثَنَتَا عَشْرَةَ سَجْدَةً انْتَهَى حَوَاشِي الرَّمْلِيِّ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يُكْرَهْ) أَيْ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تُكْرَهُ لَهُ الصَّلَاةُ) أَيْ وَلَا تَنْعَقِدُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ جَرَى عَلَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ) أَيْ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً إلَخْ مِنْ كَرَاهَتِهَا فِيمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَقَدْ سَبَقَ) أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ قَرَأَهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِيَسْجُدَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ هَلْ يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ سُجُودًا غَيْرَ جَائِزٍ، وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا لِغَرَضٍ سِوَى التَّحِيَّةِ فَإِنَّهُ حَصَرَ الْمَنْعَ فِيمَا لَوْ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِخُصُوصِ التَّحِيَّةِ.
[فَرْعٌ] . نَذَرَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَطَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالسُّجُودِ هَلْ يَفُوتُ وَيَأْثَمُ أَوْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ ظَهَرَ عَلَى الْفَوْرِ وَوَافَقَ م ر عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّذْرِ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: قَوْلُهُ: هَلْ يَجِبُ إلَخْ الْقِيَاسُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا السَّبَبَ إذَا فَاتَ لَا يُقْضَى، وَالْقَلْبُ إلَى الْفَرْقِ أَمْيَلُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَا شُرِعَ لِسَبَبٍ إذَا فَاتَ لَا يُقْضَى وَهَذَا مِنْهُ. [فَرْعٌ] . لَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَقْرَأَ إلَّا مُتَطَهِّرًا فَهَلْ يَنْعَقِدُ ذَلِكَ النَّذْرُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ صِيغَتِهِ نَذْرُ عَدَمِ الْقِرَاءَةِ إذَا كَانَ مُحْدِثًا وَلَيْسَ عَدَمُهَا قُرْبَةً حَتَّى يَنْعَقِدَ نَذْرُهُ، وَبِقَدْرِ انْعِقَادِهِ فَهُوَ لَمْ يَلْتَزِمْ الْقِرَاءَةَ إذَا كَانَ مُتَطَهِّرًا، فَبِقِرَاءَتِهِ مَعَ الْحَدَثِ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا الْتَزَمَ فِعْلَهُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ فِي ذِمَّتِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ السُّجُودُ إذَا قَرَأَ آيَةَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَإِنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ ذَلِكَ عَنْ قَصْدٍ، وَلِذَلِكَ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ السُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ السُّنِّيَّةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَرَأَ السَّجْدَةَ لِيَسْجُدَ فِيهَا مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ وَبِوُجُودِ سَبَبِهَا، إذْ الْقَصْدُ فِيهَا اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فِي قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ وَالسُّجُودِ فِيهَا، وَخَرَجَ بِالسَّامِعِ غَيْرُهُ، وَإِنْ عَلِمَ بِرُؤْيَةِ السُّجُودِ، وَمَنْ زَعَمَ دُخُولَهُ فِي قَوْلِهِ {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ وَبِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قُرِئَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ سَمِعَهُ (فَإِنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ) فِي مَحَلِّ قِرَاءَتِهِ وَهُوَ الْقِيَامُ أَوْ بَدَلُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا فِي الْجُمْلَةِ (سَجَدَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ بِدَلِيلِ إفْرَادِهِ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِقِرَاءَتِهِ، وَاخْتَارَ التَّعْبِيرَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي التَّقْسِيمِ كَمَا هُنَا أَجْوَدُ مِنْ أَوْ: أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا فَحِينَئِذٍ يَتَنَازَعُهُ كُلُّ مَنْ قَرَأَ وَسَجَدَ، فَالْفَرَّاءُ يُعْمِلْهُمَا فِيهِ، وَالْكِسَائِيُّ يَقُولُ حَذْفُ فَاعِلِ الْأَوَّلِ، وَالْبَصْرِيُّونَ يُضْمِرُونَهُ وَالْفَاعِلُ الْمُضْمَرُ عِنْدَهُمْ مُفْرَدٌ لَا مُثَنَّى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ضَمِيرَ تَثْنِيَةٍ لَبَرَزَ عَلَى رَأْيِهِمْ فَيَصِيرُ، وَإِنْ قَرَآ ثُمَّ الْإِفْرَادُ مَعَ عَوْدِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ بِتَأْوِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَالتَّرْكِيبُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ قَبْلَهُ، وَلَيْسَتْ صِحَّتُهُ خَاصَّةً بِالْمَذْهَبَيْنِ قَبْلَهُ نَظَرًا إلَى عَدَمِ تَثْنِيَةِ الضَّمِيرِ لِلتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ (لِقِرَاءَتِهِ فَقَطْ) أَيْ كُلٍّ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ مَنْ قَرَأَ بَدَلًا عَنْ الْفَاتِحَةِ لِعَجْزِهِ عَنْهَا آيَةَ سَجْدَةٍ فَلَا يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ، وَمِثْلُهُ الْجُنُبُ الْفَاقِدُ لِطَهُورَيْنِ الْعَاجِزُ عَنْ الْفَاتِحَةِ إذَا قَرَأَ بَدَلَهَا آيَةَ سَجْدَةٍ لِئَلَّا يَقْطَعَ الْقِيَامَ الْمَفْرُوضَ، وَاعْتَمَدَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ، وَوَجْهُهُ بِأَنَّ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لَا يُتْرَكُ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْقَطْعِ لِأَجْنَبِيٍّ. أَمَّا هُوَ لِمَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ لَا يُسَمَّى قَطْعًا، وَقَدْ يُوَجَّهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْبَدَلَ يُعْطَى حُكْمَ مُبْدَلِهِ، فَكَمَا أَنَّ الْأَصْلَ لَا سُجُودَ فِيهِ فَبَدَلُهُ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِقِرَاءَتِهِ فَقَطْ مَا لَوْ سَجَدَ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَامِدًا عَالِمًا فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
السَّجْدَةِ مُحْدِثًا، وَكَذَا تُسَنُّ لِمَنْ سَمِعَهُ (قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم) الْأَوْلَى حَذْفُ فِي (قَوْلُهُ: مِنْ التَّعْلِيلِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَنْهِيٌّ عَنْ زِيَادَةِ سَجْدَةٍ فِيهَا إلَّا السُّجُودَ لِسَبَبٍ إلَخْ، وَالسَّبَبُ هُوَ وُرُودُ السُّنَّةِ بِهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ السُّنِّيَّةِ بِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْعِلْمِ بِسَنِّهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِذَلِكَ قَصْدُ الْأَدَاءِ عَنْ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ وَارِدٌ فِي الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ: أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا) حَلُّ مَعْنَى لَا إعْرَابٍ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ جَعْلِ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ بِكُلٍّ (قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ) أَيْ لِمَا يَأْتِي مِنْ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِئَلَّا يَقْطَعَ إلَخْ.
وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: بِخِلَافِ مَا لَوْ كَرَّرَهُ بَدَلًا عَنْ السُّورَةِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ. اهـ (قَوْلُهُ: الْعَاجِزُ عَنْ الْفَاتِحَةِ) قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُوَجَّهُ) أَيْ عَدَمُ اسْتِحْبَابِ السُّجُودِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ سَجَدَ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: بِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ) أَيْ فِي كَلَامِ الْبُلْقِينِيِّ نَفْسِهِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ إلَخْ وَهَذَا أَقْرَبُ مِمَّا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ: الْمُضْمَرُ) أَيْ بَدَلٌ مِنْ الْفَاعِلِ وَخَبَرُهُ مُفْرَدٌ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْجُنُبُ إلَخْ) هَذَا فِيهِ مَانِعَانِ: الْأَوَّلُ يَشْتَرِك فِيهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي لِئَلَّا يَقْطَعَ الْقِيَامَ الْمَفْرُوضَ.
الثَّانِي عَدَمُ جَوَازِ غَيْرِ الْأَرْكَانِ لَهُ فَلَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ كَمَا مَرَّ إذْ صَلَاتُهُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ يَقُولُ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا فَاقِدًا لِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَمَا قَبْلَهُ مُغْنٍ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَقْطَعَ الْقِيَامَ الْمَفْرُوضَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قِيَامٌ لِمَفْرُوضٍ وَهُوَ بَدَلُ الْفَاتِحَةِ، وَخَرَجَ بِهِ الْقِيَامُ لِلسُّورَةِ، وَالْمُرَادُ قَطْعُ الْقِيَامِ الْمَفْرُوضِ لِمَفْرُوضٍ كَالسُّجُودِ
(وَ) سَجَدَ (الْمَأْمُومُ لِسَجْدَةِ إمَامِهِ) فَتَبْطُلُ بِسُجُودِهِ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ مُطْلَقًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَشَمِلَ مَا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُ إمَامِهِ عَقِبَ قِرَاءَتِهِ لَهَا (فَإِنْ)(سَجَدَ إمَامُهُ فَتَخَلَّفَ) عَنْهُ (أَوْ انْعَكَسَ) الْحَالُ بِأَنْ سَجَدَ هُوَ دُونَ إمَامِهِ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِوُجُودِ الْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ انْتَظَرَهُ أَوْ قَبْلَهُ هَوَى، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ سُجُودِهِ رَفَعَ مَعَهُ وَلَا يَسْجُدُ إلَّا إنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ، وَهِيَ مُفَارَقَةٌ بِعُذْرٍ.
وَلَا يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ قِرَاءَةُ آيَةِ سَجْدَةٍ عَلَى مَا مَرَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَشَمِلَ مَا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُ إمَامِهِ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ بَلْ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ فَوْرًا. وَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ حَجّ عَنْ قَوْلِ الشَّخْصِ {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] عِنْدَ تَرْكِ السُّجُودِ لِآيَةِ السَّجْدَةِ لِحَدَثٍ أَوْ عَجْزٍ عَنْ السُّجُودِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ عِنْدَنَا هَلْ يَقُومُ الْإِتْيَانُ بِهَا مَقَامَ السُّجُودِ كَمَا قَالُوا بِذَلِكَ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَنَّهُ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إلَخْ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْإِحْيَاءِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: إنَّ ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ، فَلَا يَقُومُ مَقَامَ السَّجْدَةِ: بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ وَلَا يَتَمَسَّكُ بِهَا فِي الْإِحْيَاءِ.
أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ يَعْدِلُ رَكْعَتَيْنِ فِي الْفَضْلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ بِفَرْضِ صِحَّتِهِ فَكَيْفَ مَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَسَاغٌ؛ لِأَنَّ قِيَامَ لَفْظٍ مَفْضُولٍ مَقَامَ فِعْلٍ فَاضِلٍ مَحْضُ فَضْلٍ، فَإِذَا صَحَّ فِي صُورَةٍ لَمْ يَجُزْ قِيَاسُ غَيْرِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي التَّحِيَّةِ فِيهَا فَضَائِلُ وَخُصُوصِيَّاتٌ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا. اهـ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدَ لِلَّهِ إلَخْ لَا يَقُومُ مَقَامَ السُّجُودِ وَإِنْ قِيلَ بِهِ فِي التَّحِيَّةِ لَمَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ الْمَأْمُومُ، وَقَوْلُهُ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ: أَيْ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مُفَارَقَةٌ بِعُذْرٍ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ السَّجْدَةِ وَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ قَبْلَ سُجُودِ الْمَأْمُومِ مَعَهُ لِعُذْرٍ أَنَّهُ إذَا فَارَقَهُ بِالنِّيَّةِ سَجَدَ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ صَارَ مُنْفَرِدًا، وَهُوَ لَا يَسْجُدُ لِغَيْرِ قِرَاءَةِ نَفْسِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَأْمُومَ قَرَأَ آيَةً ثُمَّ فَارَقَ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ قِرَاءَةَ إمَامِهِ نُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ قِرَاءَتِهِ هُوَ، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى حَجّ صَرَّحَ بِالْجَوَابِ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت الْمَأْمُومُ بَعْدَ فِرَاقِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ وَالْمُنْفَرِدُ لَا يَسْجُدُ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ.
قُلْت: فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ تَتَعَلَّقُ بِالْمَأْمُومِ وَلِذَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْإِصْغَاءُ لَهَا فَتَأَمَّلْهُ.
[تَنْبِيهٌ] : إنْ قِيلَ: لِمَ اخْتَصَّتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ بِالسُّجُودِ عِنْدَهَا مَعَ ذِكْرِ السُّجُودِ، وَالْأَمْرُ بِهِ لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَآخِرِ الْحِجْرِ وَهَلْ أَتَى؟ قُلْنَا: لِأَنَّ تِلْكَ فِيهَا مَدْحُ السَّاجِدِينَ صَرِيحًا وَذَمُّ غَيْرِهِمْ تَلْوِيحًا أَوْ عَكْسُهُ فَيُشْرَعُ لَنَا السُّجُودُ حِينَئِذٍ لِغُنْمِ الْمَدْحِ تَارَةً وَالسَّلَامَةِ مِنْ الذَّمِّ أُخْرَى، وَأَمَّا مَا عَدَاهَا فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ نَحْوُ أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم مُجَرَّدًا عَنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا دَخْلَ لَنَا فِيهِ فَلَمْ يُطْلَبْ مِنَّا سُجُودٌ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ سَبْرًا وَفَهْمًا يَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ.
وَأَمَّا {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113] فَهُوَ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ ذِكْرِ فَضْلِ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: مِنْ السُّجُودِ) أَيْ مِنْ عَدَمِ قَصْدٍ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهَا، وَهَذِهِ سَاقِطَةٌ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ: وَشَمِلَ) أَيْ قَوْلُهُ: لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُ إمَامِهِ عَقِبَ قِرَاءَتِهِ لَهَا) أَيْ فَلَا يَسْجُدُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِمَامٍ لَهُ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ عَقِبَ قِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَقَبْلَ السُّجُودِ أَوْ فَارَقَهُ الْمَأْمُومُ حِينَئِذٍ كَمَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا مَنَعْنَا الْقِرَاءَةَ بِالسُّجُودِ لِلْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ وَقَدْ زَالَتْ، لَكِنْ قَالَ الشِّهَابُ سم: إنَّهُ مَحَلُّ نَظَرٍ اهـ.
وَيُدْفَعُ النَّظَرُ بِمَا يَأْتِي فِي الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ) أَيْ فَإِنْ فَارَقَهُ سَجَدَ جَوَازًا بَلْ نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ السُّجُودِ
وَلَوْ فِي سِرِّيَّةٍ. نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُهَا فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَمَحَلُّهُ إنْ قَصَرَ الْفَصْلُ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْجَهْرِيَّةَ كَذَلِكَ إذَا بَعُدَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ عَنْ إمَامِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ وَلَا يُشَاهِدُ أَفْعَالَهُ أَوْ أَخْفَى جَهْرَهُ أَوْ وُجِدَ حَائِلٌ أَوْ صَمَمٌ أَوْ نَحْوُهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَلَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ سُنَّ لِلْمَأْمُومِ بَعْدَ السَّلَامِ إنْ قَصَرَ الْفَصْلُ لِمَا يَأْتِي مِنْ فَوَاتِهَا بِطُولِهِ، وَلَوْ مَعَ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى عَلَى الْأَصَحِّ. وَمَا صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّهُ سَجَدَ فِي الظُّهْرِ لِلتِّلَاوَةِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُسْمِعُهُمْ الْآيَةَ أَحْيَانًا فَلَعَلَّهُ أَسْمَعَهُمْ آيَتَهَا مَعَ قِلَّتِهِمْ فَأَمِنَ عَلَيْهِمْ التَّشْوِيشَ أَوْ قَصَدَ بَيَانَ جَوَازِ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ إصْغَاءٌ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِمَا.
(وَمَنْ سَجَدَ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ (خَارِجَ الصَّلَاةِ نَوَى) سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وُجُوبًا لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّلَفُّظُ بِهَا (وَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ) كَالصَّلَاةِ (رَافِعًا يَدَيْهِ) كَرَفْعِهِ فِي تَحَرُّمِهِ بِالصَّلَاةِ، وَلَا يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ لِيُكَبِّرَ مِنْ قِيَامٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِ شَيْءٍ فِيهِ (ثُمَّ) كَبَّرَ نَدْبًا (لِلْهَوِيِّ) لِلسُّجُودِ (بِلَا رَفْعٍ) لِيَدَيْهِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَكْبِيرَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَنْوِ التَّحَرُّمَ وَحْدَهُ نَظِيرُ مَا يَأْتِي (وَسَجَدَ) سَجْدَةً (كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ) فِي أَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا وَسُنَنِهَا (وَرَفَعَ) رَأْسَهُ (مُكَبِّرًا) وَجَلَسَ (وَسَلَّمَ) مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ كَتَسْلِيمِ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ (وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ شَرْطٌ) فِيهَا (عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا كَالنِّيَّةِ رُكْنٌ، وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُ الْمُصَنِّفُ بِالشَّرْطِ وَيُرِيدُ بِهِ مَا قُلْنَاهُ. وَالثَّانِي أَنَّهَا سُنَّةٌ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ (وَكَذَا السَّلَامُ) لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهَا (فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى التَّحَرُّمِ.
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إذَا سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ مِنْ قِيَامٍ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، إذْ لَيْسَ لَنَا سَلَامُ تَحَلُّلٍ مِنْ قِيَامٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ.
(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ إذَا قَصَرَ الْفَصْلُ) أَيْ أَمَّا إذَا طَالَ فَلَا يُطْلَبُ تَأْخِيرُهَا بَلْ يَسْجُدُ، وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّشْوِيشِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ) هُوَ قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُشَوِّشَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ) أَيْ فَلَوْ نَوَى السُّجُودَ وَأَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ: وَلَا يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا قَامَ كَانَ مُبَاحًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: لَا يُسَنُّ دُونَ يُسَنُّ أَنْ لَا يَفْعَلَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَكْبِيرَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ سَجْدَتُهُ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالصَّلَاةِ تَجَوُّزًا عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَمَعْنَى بَطَلَتْ لَمْ تَنْعَقِدْ لَا أَنَّهَا انْعَقَدَتْ ثُمَّ بَطَلَتْ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ) أَيْ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى التَّشَهُّدِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ سَنِّهِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدُ: وَلَا يُسَنُّ تَشَهُّدٌ (قَوْلُهُ: مَا قُلْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهَا لَا بُدَّ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا السَّلَامُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ بَعْدَ جُلُوسِهِ: وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: هَلْ يَجِبُ هَذَا الْجُلُوسُ لِأَجْلِ السَّلَامِ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ سَلَّمَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ يَسِيرًا كَفَى؟ مَالَ م ر إلَى الْوُجُوبِ وطب إلَى خِلَافِهِ انْتَهَى.
أَقُولُ الْمُتَبَادَرُ مَا قَالَهُ م ر (قَوْلُهُ: وَلَا يُسَنُّ تَشَهُّدٌ) أَيْ فَلَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ طَوَّلَ الْجُلُوسَ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ وَمَا أَتَى بِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ مُجَرَّدُ ذِكْرٍ وَهُوَ لَا يَضُرُّ بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَهُ وَقَامَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ: مِنْ قِيَامٍ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِي حَقِّهِ حَالَ الْقُدْوَةِ فَلْيَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَلَا يَضُرُّ فِي ذَلِكَ فِعْلُهُ بَعْدَ الِانْفِرَادِ قَالَ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ: وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ لِسُجُودِ إمَامِهِ لَا لِقِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْقُدْوَةِ وَلِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَسْجُدُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُلْقَةَ بَيْنَهُمَا وَالِانْفِرَادُ هُنَا عَارِضٌ.
(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ إنْ قَصُرَ الْفَصْلُ) ظَاهِرُ هَذَا التَّعْبِيرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصُرْ الْفَصْلُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ: أَيْ بَلْ يَسْجُدُ وَإِنْ شَوَّشَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ جَازِمًا بِهِ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْعُبَابِ: وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُ سُجُودِهِ فِي السِّرِّيَّةِ عَنْ السَّلَامِ وَفِعْلُهَا بَعْدَهُ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ انْتَهَتْ.
إلَّا فِي حَقِّ الْعَاجِزِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. نَعَمْ يَظْهَرُ جَوَازُ سَلَامِهِ مِنْ اضْطِجَاعٍ قِيَاسًا عَلَى النَّافِلَةِ (وَتُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ) كَاسْتِقْبَالٍ وَسَتْرٍ وَطَهَارَةٍ وَدُخُولِ وَقْتٍ وَيَحْصُلُ بِقِرَاءَةٍ أَوْ سَمَاعِ جَمِيعِ آيَتِهَا كَمَا مَرَّ فَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ انْتِهَائِهِ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ، وَالْكَفُّ عَنْ مُفْسِدَاتِهَا كَأَكْلٍ وَكَلَامٍ وَفِعْلٍ مُبْطِلٍ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ فَصْلٌ عُرْفًا بَيْنَ آخِرِ الْآيَةِ وَالسُّجُود " كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي.
(وَمَنْ سَجَدَ) أَيْ أَرَادَ السُّجُودَ (فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (كَبَّرَ لِلْهَوِيِّ) إلَيْهَا (وَلِلرَّفْعِ) مِنْهَا نَدْبًا وَنَوَى سُجُودَ التِّلَاوَةِ حَتْمًا مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ وَلَا تَكْبِيرٍ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْمَلْهَا، وَقَوْلُهُ وَلِلرَّفْعِ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِيهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا مِنْهَا ثُمَّ يَرْكَعَ؛ لِأَنَّ الْهَوِيَّ مِنْ الْقِيَامِ وَاجِبٌ، وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَ رُكُوعِهِ فِي قِيَامِهِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ. وَلَوْ قَرَأَ آيَتَهَا فَرَكَعَ بِأَنْ بَلَغَ أَقَلَّ الرُّكُوعِ ثُمَّ بَدَا لَهُ السُّجُودُ لَمْ يَجُزْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، أَوْ فَسَجَدَ ثُمَّ بَدَا لَهُ الْعَوْدُ قَبْلَ كَمَالِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهَا نَفْلٌ فَلَمْ تَلْزَمْ بِالشُّرُوعِ (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) فِيهِمَا (قُلْت: وَلَا يَجْلِسُ) نَدْبًا بَعْدَهَا (لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهِ.
(وَيَقُولُ) فِيهَا مُصَلِّيًا أَوَّلًا (سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ) فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، وَهَذَا أَفْضَلُ مَا وَرَدَ فِيهَا وَالدُّعَاءُ فِيهَا بِمُنَاسِبِ الْآيَةِ حَسَنٌ
(وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً) فِيهَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ: أَيْ أَتَى بِهَا مَرَّتَيْنِ (فِي مَجْلِسَيْنِ سَجَدَ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا عَقِبَهَا لِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ بَعْدَ تَوْفِيَةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ (وَكَذَا الْمَجْلِسُ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي تَكْفِيهِ السَّجْدَةُ الْأُولَى عَنْ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ كَرَّرَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ الْأُولَى، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى كَفَاهُ عَنْهُمَا سَجْدَةٌ جَزْمًا، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إنْ قَصَرَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالسُّجُودِ وَاقْتَضَى تَعْبِيرُهُمْ بِكَفَاهُ جَوَازَ تَعَدُّدِهَا، وَقَوْلُ الْجَوْجَرِيِّ تَبَعًا لِأَبِي زُرْعَةَ لَا يَسْجُدُ إلَّا وَاحِدَةً يُرَدُّ بِقَوْلِهِمْ لَوْ طَافَ أَسَابِيعَ وَلَمْ يُصَلِّ عَقِبَ كُلِّ سُنَّةٍ سُنَّ فَضْلًا عَنْ الْجَوَازِ أَنْ يُوَالِيَ رَكَعَاتِهَا كَمَا وَالَاهَا فَيُقَالُ بِمِثْلِهِ هُنَا،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَدْ يَرُدُّ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُتَنَفِّلُ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ قِيَامٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُسَافِرُ رُخِّصَ لَهُ فِي جَوَازِ السَّلَامِ مِنْ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ مِنْ السَّفَرِ وَلَيْسَ لِلرَّاكِبِ أَنْ يَقُومَ لِيُسَلِّمَ (قَوْلُهُ: مِنْ اضْطِجَاعٍ) لَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ وُجُوبِ الْجُلُوسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْرَدَهُ عَنْهُ فِي مُقَابَلَةِ الِاكْتِفَاءِ بِمُجَرَّدِ الرَّفْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَجِبُ الْجُلُوسُ أَوْ بَدَلُهُ مِمَّا يَجُوزُ فِي النَّافِلَةِ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ فَصْلٌ عُرْفًا) وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَأَفْتَى الْوَالِدُ فِيمَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ نَاسِيًا وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا ثُمَّ تَذَكَّرَ بِوُجُوبِ اسْتِئْنَافِهَا إلَخْ، مِنْ أَنَّهُ يَحْصُلُ الطُّولُ بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: كَبَّرَ لِلْهَوِيِّ إلَيْهَا) أَيْ وَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَقِفَ بَعْدَ آيَتِهَا وَقْفَةً لَطِيفَةً لِلْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَوِيِّ السُّجُودِ كَمَا قِيلَ بِهِ قَبْلَ هَوِيِّ الرُّكُوعِ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَ رُكُوعِهِ إلَخْ) أَيْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السَّجْدَةِ وَالرُّكُوعِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَلَغَ أَقَلَّ الرُّكُوعِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَقَلَّ الرُّكُوعِ جَازَ السُّجُودُ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ السَّجْدَةَ لَا تَفُوتُ بِقَصْدِ الْإِعْرَاضِ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ ذَلِكَ، وَإِنْ صَارَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّهُ خَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ مُسَمَّى الْقِيَامِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ) أَيْ وَهُوَ هَوِيُّهُ مِنْ قِيَامٍ.
(قَوْلُهُ: بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْحَوْلُ الْحِيلَةُ، وَهُوَ أَيْضًا الْقُوَّةُ. انْتَهَى. وَعَلَيْهِ فَعَطْفُ الْقُوَّةِ عَلَى الْحَوْلِ هُنَا عَطْفُ تَفْسِيرٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَصَوَّرَهُ بِقُوَّتِهِ (قَوْلُهُ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرُ الْفَاءِ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ حَذْفَ الْفَاءِ، وَقَوْلُهُ الْخَالِقِينَ زَادَ حَجّ: رَوَاهُ جَمْعٌ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَّا وَصَوَّرَهُ فَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ أَتَى بِهَا مَرَّتَيْنِ) أَيْ أَوْ أَكْثَرَ، وَحِكْمَةُ تَفْسِيرِهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّكْرَارِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ إعَادَةُ الشَّيْءِ مِرَارًا، وَأَقَلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إعَادَةُ الشَّيْءِ بَعْدَ الْمَرَّةِ الْأُولَى مَرَّتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ اثْنَانِ (قَوْلُهُ: إنْ قَصَرَ الْفَصْلُ) لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَحْصُلُ بِهِ الطُّولُ هُنَا وَيُحْتَمَلُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي حَقِّ الْعَاجِزِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ) أَيْ وَالْمَاشِي فِي نَافِلَةِ السَّفَرِ