الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابٌ) بِالتَّنْوِينِ (فِي صَلَاةِ النَّفْلِ) هُوَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ، وَاصْطِلَاحًا مَا عَدَا الْفَرَائِضِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْحَسَنِ وَالْمُرَغَّبِ فِيهِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَالتَّطَوُّعِ فَهِيَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ لِتَرَادُفِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَذَهَبَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ غَيْرَ الْفَرْضِ ثَلَاثَةٌ: تَطَوُّعٌ وَهُوَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ بِخُصُوصِهِ بَلْ يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً.
وَسُنَّةٌ وَهِيَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ أَحْيَانًا أَوْ أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْبَقِيَّةِ لِعُمُومِهَا الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ بَعْضَ الْمَسْنُونَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْمِ، وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» لِأَنَّهَا تِلْوَ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْقُرَبِ وَأَشْبَهُ بِهِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى نُطْقٍ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٍ بِالْأَرْكَانِ وَاعْتِقَادٍ بِالْجَنَانِ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بَابُ صَلَاةِ النَّفْلِ (قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا) قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِهِ أَنَّ تَسْمِيَةَ مَا ذُكِرَ نَفْلًا مِنْ وَضْعِ الْفُقَهَاءِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَا تَلَقَّى تَسْمِيَتُهُ مِنْ الشَّارِعِ يُقَالُ فِيهِ وَشَرْعًا (قَوْلُهُ: مَا عَدَا الْفَرَائِضَ) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ، وَهُوَ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ فَمَا عِبَارَةٌ عَنْ مَطْلُوبٍ فَيَخْرُجُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ: وَالتَّطَوُّعِ) زَادَ سم فِي شَرْحِهِ لِلْوَرَقَاتِ الْكَبِيرِ: وَالْإِحْسَانِ، وَزَادَ حَجّ: وَالْأَوْلَى: أَيْ الْأَوْلَى بِفِعْلِهِ مِنْ تَرْكِهِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ) فِيهِ بَحْثٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ لِشُمُولِهِ الْوَاجِبَ وَالْمُبَاحَ أَيْضًا كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ الْحَسَنُ الْمَأْذُونُ فِيهِ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا وَمُبَاحًا انْتَهَى. إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ التَّرَادُفَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ مَاصَدَقَاتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. أَوْ أَنَّ مُرَادَفَةَ الْحَسَنِ اصْطِلَاحٌ آخَرُ لِلْفُقَهَاءِ أَوْ لِغَيْرِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَثَوَابُ الْفَرْضِ يَفْضُلُهُ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً كَمَا فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالسَّبْعِينَ الْحَصْرَ. وَزَعْمُ أَنَّ الْمَنْدُوبَ قَدْ يَفْضُلُهُ كَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ وَإِنْظَارِهِ وَابْتِدَاءِ سَلَامٍ وَرَدِّهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَضْلِ فِي هَذَيْنِ اشْتِمَالُ الْمَنْدُوبِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَزِيَادَةً، إذْ بِالْإِبْرَاءِ زَالَ الْإِنْظَارُ وَبِالِابْتِدَاءِ حَصَلَ أَمْنٌ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْجَوَابِ. اهـ حَجّ: أَيْ فَفَضْلُهُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَلَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَنْدُوبًا (قَوْلُهُ: وَذَهَبَ الْقَاضِي) مُقَابِلُ قَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْبَقِيَّةِ) وَهِيَ النَّفَلُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْحَسَنُ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِسْلَامِ) أَيْ أَمَّا هُوَ فَهُوَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا، وَجَعَلَهُ مِنْ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ حَيْثُ احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَهُمَا مِنْ الْبَدَنِ، لَكِنْ سَيَأْتِي قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِعِبَادَاتِ الْبَدَنِ عِبَادَاتُ الْقَلْبِ وَهُوَ يُفِيدُ تَخْصِيصَ الْبَدَنِ بِالْهَيْكَلِ الظَّاهِرِ، فَلَعَلَّهُ جَعَلَ الْإِسْلَامَ مِنْ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تِلْوُ الْإِيمَانِ) أَيْ تَابِعَةٌ لَهُ فِي الشَّرَفِ وَالذِّكْرِ نَحْوَ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة: 3](قَوْلُهُ: وَعَمَلٍ بِالْأَرْكَانِ) هَذَا قَدْ يُوهِمُ أَنَّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَهِيَ قِسْمَانِ] [
قِسْمٌ لَا يُسَنُّ فِيهِ النَّفَلُ جَمَاعَةً]
بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِسْلَامِ) أَيْ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ إذْ هَذَا حَقِيقَتُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْبَدَنِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ» إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا بَلْ بِقَيْدِ كَوْنِهَا فِي وَقْتِهَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا لَيْسَتْ أَفْضَلَ (قَوْلُهُ: وَأَشْبَهُ بِهِ لِاشْتِمَالِهَا إلَخْ) لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ
«اسْتَقِيمُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى إيمَانًا، فَقَالَ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَيْ صَلَاتَكُمْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلِأَنَّهَا تَجْمَعُ مِنْ الْقُرَبِ مَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَاللُّبْثِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَالطَّهَارَةِ وَالسُّتْرَةِ وَتَرْكِ الْأَكْلِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ اخْتِصَاصِهَا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ الصَّوْمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» لِأَنَّهُ لَمْ يُتَقَرَّبْ إلَى أَحَدٍ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَحَسُنَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ خُلُوَّ الْجَوْفِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ يَرْجِعُ إلَى الصَّمَدِيَّةِ، لِأَنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ، وَالصَّمَدِيَّةُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَحَسُنَتْ الْإِضَافَةُ لِاخْتِصَاصِ الصَّوْمِ بِصِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِخْلَاصِ لِخَفَائِهِ دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا أَعْمَالٌ ظَاهِرَةٌ يُطَّلَعُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ الرِّيَاءُ فِيهَا أَغْلَبَ، فَحَسُنَتْ الْإِضَافَةُ لِلشَّرَفِ الَّذِي حَصَلَ لِلصَّوْمِ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَفْضَلُهَا الطَّوَافُ، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْحَجُّ أَفْضَلُ، وَقَالَ ابْنُ عَصْرُونٍ: الْجِهَادُ أَفْضَلُ. وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: الْعِبَادَاتُ تَخْتَلِفُ أَفْضَلِيَّتُهَا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَفَاعِلِيهَا، فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَفْضَلِيَّةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخُبْزَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْجَائِعِ وَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِلْعَطْشَانِ، فَإِنَّ اجْتَمَعَا نُظِرَ لِلْأَغْلَبِ فَتَصَدُّقُ الْغَنِيِّ الشَّدِيدِ الْبُخْلِ بِدِرْهَمٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَصِيَامٍ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ حُبِّ الدُّنْيَا، وَالصَّوْمُ لِمَنْ اسْتَحْوَذَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ.
وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَلِي الصَّلَاةَ الصَّوْمُ ثُمَّ الْحَجُّ ثُمَّ الزَّكَاةُ وَقِيلَ الزَّكَاةُ بَعْدَهَا.
وَالْخِلَافُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْآكَدِ مِنْ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَصَوْمُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ، وَخَرَجَ بِعِبَادَاتِ الْبَدَنِ عِبَادَاتُ الْقَلْبِ: كَالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّفَكُّرِ وَالتَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْأَعْمَالَ جُزْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا حَقِيقَتُهُ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا مُكَمِّلَاتٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الصَّوْمُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ عِبَادَاتِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ) وَمِنْهَا أَنَّهُ الَّذِي يُقْصَدُ فِي الْحَوَائِجِ (قَوْلُهُ: وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ) مِنْ الْبَعْضِ حَجّ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِهِ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ اعْتِمَادُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ الزَّكَاةُ بَعْدَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ هِيَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ زِيَادِيٌّ: أَيْ وَعَلَيْهِ فَاَلَّذِي يَلِيهَا الصَّوْمُ ثُمَّ الْحَجُّ (قَوْلُهُ: مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْآكَدِ) وَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ، وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بِالْآكَدِ دُونَ الْمُؤَكَّدِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ سم عَلَى حَجّ. (قَوْلُهُ: عِبَادَاتُ الْقَلْبِ) أَيْ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَالتَّفَكُّرُ) أَيْ فِي مَصْنُوعَاتِ اللَّهِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ.
قَالَ سم عَلَى حَجّ: ظَاهِرُهُ، وَإِنْ قَلَّ التَّفَكُّرُ سَاعَةً مَعَ صَلَاةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالتَّوَكُّلُ) أَيْ التَّفْوِيضُ إلَى اللَّهِ فِي الْأُمُورِ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ مَعَ تَيَسُّرِ الْأَسْبَابِ (قَوْلُهُ: وَالصَّبْرُ) أَيْ وَهُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى الطَّاعَةِ وَمَنْعُهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِالْقَلْبِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيمَانِ الْكَامِلِ (قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمٍ فَإِنَّ صَوْمَ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِكْثَارَ مِنْ الصَّوْمِ وَمِنْ الصَّلَاةِ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَقْتَصِرَ مِنْ الْآخَرِ عَلَى الْمُتَأَكَّدِ مِنْهُ فَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وَالصَّحِيحُ تَفْضِيلُ جِنْسِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِعِبَادَاتِ الْبَدَنِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ: عِبَادَاتُ الْقَلْبِ) أَيْ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ حَجّ. قَالَ الشِّهَابُ سم: وَظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ كَتَفَكُّرِ سَاعَةٍ مَعَ صَلَاةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ
تَعَالَى وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ وَالتَّوْبَةِ، وَالتَّطَهُّرِ مِنْ الرَّذَائِلِ، وَأَفْضَلُهَا الْإِيمَانُ، وَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا بِالتَّجْدِيدِ، وَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ كَمَا مَرَّ فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفُرُوضِ وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ، وَلَا يَرِدُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَحِفْظُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُمَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ.
وَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ كَمَا قَالَ (صَلَاةُ النَّفْلِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) بِنَصَبِهِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ: أَيْ لَا تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَلَوْ صُلِّيَ جَمَاعَةً لَمْ يُكْرَهْ لَا عَلَى الْحَالِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، إذْ مُقْتَضَاهُ نَفْيُ السُّنِّيَّةِ حَالَ الْجَمَاعَةِ لَا الِانْفِرَادُ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ (فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ) وَهِيَ السُّنَنُ التَّابِعَةُ لَهَا.
وَالْحِكْمَةُ فِيهَا أَنَّهَا تُكَمِّلُ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرَائِضِ بِنَقْصِ نَحْوِ خُشُوعٍ كَتَرْكِ تَدَبُّرِ قِرَاءَةٍ (وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ) يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُمَا لِلِاتِّبَاعِ، وَأَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِآيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ أَوْ بِالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَنْ الْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ: وَالتَّطَهُّرُ مِنْ الرَّذَائِلِ) أَيْ أَنْ يُبْعِدَ نَفْسَهُ بَاطِنًا عَنْهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا بِالتَّجْدِيدِ) وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي التَّوْبَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَلَّى جَمَاعَةً لَمْ يُكْرَهْ) أَيْ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ سم عَلَى حَجّ بِالْمَعْنَى.
وَهَلْ الْأَوْلَى تَرْكُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي اقْتِدَاءِ الْمُسْتَمِعِ بِالْقَارِئِ أَوْ لَا وَيُفَرَّقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ فَيَكُونُ فِعْلُهَا فِي الْجَمَاعَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَقَدْ يُشْعِرُ بِهِ جَعْلُهَا كَذَلِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَحَلِّيِّ فِي التَّرَاوِيحِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ الِانْفِرَادَ بِهَا أَفْضَلُ كَغَيْرِهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ لَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى حُصُولُ الثَّوَابِ فِيهَا فَإِنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي عَدَمَ الثَّوَابِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمْ يُرِدْ بِكَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى كَوْنَهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ بَلْ إنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ (قَوْلُهُ: فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ) وَانْظُرْ فِي أَيِّ وَقْتٍ طُلِبَتْ الرَّوَاتِبُ (قَوْلُهُ: وَالْحِكْمَةُ فِيهَا أَنَّهَا تُكَمِّلُ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرَائِضِ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجَابِرَ لِلْفَرَائِضِ هُوَ الرَّوَاتِبُ دُونَ غَيْرِهَا وَلَوْ مِنْ جِنْسِ الْفَرَائِضِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَفِي كَلَامِ سم عَلَى حَجّ تَبَعًا لِظَاهِرِ حَجّ مَا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ.
وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ: وَشُرِعَ لِتَكْمِيلِ إلَخْ، عِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَإِذَا انْتَقَصَ فَرْضُهُ كُمِّلَ مِنْ نَفْلِهِ وَكَذَا بَاقِي الْأَعْمَالِ اهـ. وَقَوْلُهُ نَفْلُهُ قَدْ يَشْمَلُ غَيْرَ سُنَنِ ذَلِكَ الْفَرْضِ مِنْ النَّوَافِلِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ «فَإِذَا انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْئًا قَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهِ مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ» اهـ. بَلْ قَدْ يَشْمَلُ هَذَا تَطَوُّعًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْفَرِيضَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الْجَامِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَوَّلُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّتِي الصَّلَاةَ» إلَخْ. نَصُّهَا: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ سبحانه وتعالى لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ غَالِبًا إلَّا وَجَعَلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ نَافِلَةً، حَتَّى إذَا قَامَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ وَفِيهِ خَلَلٌ مَا يُجْبَرُ بِالنَّافِلَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِهِ، فَلِذَا أَمَرَ بِالنَّظَرِ فِي فَرِيضَةِ الْعَبْدِ، فَإِذَا أَقَامَ بِهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ جُوزِيَ عَلَيْهَا وَأُثْبِتَتْ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا خَلَلٌ كُمِّلَتْ مِنْ نَافِلَتِهِ حَتَّى قَالَ الْبَعْضُ: إنَّمَا ثَبَتَتْ لَك نَافِلَةٌ إذَا سَلِمَتْ لَك الْفَرِيضَةُ اهـ.
وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي خِلَافِ مَا اسْتَظْهَرَهُ سم، بَلْ وَقَعَ فِي الْمُنَاوِيِّ أَيْضًا مَا يُصَرِّحُ بِتَخْصِيصِ الْجَبْرِ بِالرَّوَاتِبِ وَعِبَارَتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فِي الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةٍ مَفْصِلٍ» إلَخْ مَا نَصَّهُ: وَخُصَّتْ الضُّحَى بِذَلِكَ لِتَمَحُّضِهَا لِلشُّكْرِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ جَابِرَةً لِغَيْرِهَا بِخِلَافِ الرَّوَاتِبِ. اهـ
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَال: أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا الْجَبْرَ لِغَيْرِهَا، وَإِنْ اتَّفَقَ حُصُولُهُ بِهَا فَلَيْسَ أَصْلِيًّا فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا هَذَا وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ نَوَى بِهَا ابْتِدَاءَ جَبْرِ الْخَلَلِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَلَوْ عَلِمَ الْخَلَلَ كَتَرْكِهِ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ مَثَلًا (قَوْلُهُ: مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرَائِضِ) بَلْ وَلِتَقُومَ فِي الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا خِلَافًا لِبَعْضِ السَّلَفِ مَقَامَ مَا تَرَكَ مِنْهَا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ. اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: بِآيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ) وَهُمَا قَوْله تَعَالَى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] إلَى قَوْلِهِ {مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136] وَقَوْلُهُ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 64] إلَى قَوْلِهِ أَيْضًا {مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64](قَوْلُهُ: وَالْإِخْلَاصُ) قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِأَوْ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ تَخْفِيفُ الرَّكْعَتَيْنِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا فِيهِ تَطْوِيلٌ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنْ ثَبَتَ وُرُودُ كُلٍّ فِي رِوَايَةٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهَا أَفْضَلُ لِيَتَحَقَّقَ الْعَمَلُ بِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَانْظُرْ لَوْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَأَنْ يَضْطَجِعَ وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ بَعْدَهُمَا وَلَعَلَّ مِنْ حِكْمَتِهِ أَنَّهُ يَتَذَكَّرُ بِذَلِكَ ضَجْعَةَ الْقَبْرِ حَتَّى يَسْتَفْرِغَ وُسْعَهُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَيَتَهَيَّأَ لِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَصَلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْفَرْضِ بِنَحْوِ كَلَامٍ أَوْ تَحَوُّلٍ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْمَقْضِيَّةِ، وَفِيمَا لَوْ أَخَّرَ سُنَّةَ الصُّبْحِ عَنْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَا صَحَّ مِنْ مُوَاظَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمَا وَلِخَبَرِ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَلَهُ فِي نِيَّتِهَا كَيْفِيَّاتٌ: سُنَّةُ الصُّبْحِ، سُنَّةُ الْفَجْرِ، سُنَّةُ الْبَرْدِ، سُنَّةُ الْوُسْطَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا الْوُسْطَى، سُنَّةُ الْغَدَاةِ، وَلَهُ أَنْ يَحْذِفَ لَفْظَ السُّنَّةِ وَيُضِيفَ فَيَقُولُ: رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ، رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، رَكْعَتَيْ الْبَرْدِ، رَكْعَتَيْ الْوُسْطَى، رَكْعَتَيْ الْغَدَاةِ (وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَكَذَا) رَكْعَتَانِ (بَعْدَهَا)(وَ) رَكْعَتَانِ (بَعْدَ الْمَغْرِبِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ» .
وَذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ فِي رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ بَعْدَهَا أَنَّهُ يُسَنُّ تَطْوِيلُهُمَا حَتَّى يَنْصَرِفَ أَهْلُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَحَدِهَا، فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ تَقْدِيمُ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ لِمَا وَرَدَ فِيهِمَا.
ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ عَلَى الشَّمَائِلِ مَا نَصُّهُ قُبَيْلَ بَابِ صَلَاةِ الضُّحَى عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رَكْعَتَيْنِ حِينَ يَطْلُعَ الْفَجْرُ إلَخْ: فَيُسَنُّ تَخْفِيفُهُمَا اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي مُسْلِمٍ: «كَانَ صلى الله عليه وسلم كَثِيرًا مَا يَقْرَأُ فِي الْأُولَى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] آيَةَ الْبَقَرَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى مُسْلِمُونَ» آيَةَ آلِ عِمْرَانَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَخْفِيفِهِمَا عَدَمُ تَطْوِيلِهِمَا عَلَى الْوَارِدِ فِيهِمَا مَعَ لَوْ قَرَأَ الشَّخْصُ فِي الْأُولَى آيَةَ الْبَقَرَةِ وَأَلَمْ نَشْرَحْ وَالْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَةِ آيَةَ آلِ عِمْرَانَ وَأَلَمْ تَرَ كَيْفَ وَالْإِخْلَاصَ لَمْ يَكُنْ مُطَوِّلًا لَهُمَا تَطْوِيلًا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَدِّ السُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ، رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53] وَ {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119] » فَيُسَنُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِيَتَحَقَّقَ الْإِتْيَانُ بِالْوَارِدِ أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي " إنِّي ظَلَمَتْ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا " وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ فِي هَذَا رَدَدْته فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ فِي مَبْحَثِ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَضْطَجِعَ) وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ فُعِلَتْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّهَا الْهَيْئَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْقَبْرِ فَهِيَ أَقْرَبُ لِتَذْكِيرِ أَحْوَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ تِلْكَ الْحَالَةَ فِي مَحَلِّهِ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا يَسْهُلُ فِعْلُهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: فَصَلَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ كَلَامٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ الذِّكْرِ أَوْ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَمْيِيزُ الصَّلَاةِ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا مِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي يَشْرَعُ فِيهَا، وَيَنْبَغِي أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِنَحْوِ الْكَلَامِ لَا يُفَوِّتُ سَنَّ الِاضْطِجَاعِ حَتَّى لَوْ أَرَادَهُ بَعْدَ الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ حَصَلَ بِهِ السُّنَّةُ (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْمَقْضِيَّةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ سُنَّةَ الصُّبْحِ عَنْهَا نُدِبَ لَهُ الِاضْطِجَاعُ بَعْدَ السُّنَّةِ لَا بَيْنَ الْفَرْضِ وَبَيْنَهَا.
وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الِاضْطِجَاعِ الْفَصْلُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَصَلَ بَيْنَهُمَا إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلِ) أَيْ الْمَرْجُوحِ (قَوْلُهُ: وَيُضِيفَ) لَعَلَّ هَذَا مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ لِمَا مَرَّ أَنَّ ذِكْرَ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ أُصَلِّي الْغَدَاةَ أَوْ الْفَجْرَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَيَقُولَ) هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتُ مَا عَدَا رَكْعَتَيْ الْوُسْطَى، بَلْ قَدْ يُقَالُ حَتَّى هِيَ أَيْضًا بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةً تَصْلُحُ لِلْفَرْضِ كَمَا تَصْلُحُ لَلسُّنَّةِ، وَلَعَلَّ الْمُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا وُجُوبُ التَّعَرُّضِ لِلْفَرِيضَةِ فِي الْفَرْضِ وَوُجُوبُ عَدَمِهِ فِي السُّنَّةِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُسَنُّ تَطْوِيلُهُمَا) وَيَلْحَقُ بِهِمَا بَقِيَّةُ السُّنَنِ الْمُتَأَخِّرَةِ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِمَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالِانْصِرَافِ عَقِبَ فِعْلِ الْمَغْرِبِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْصَرِفَ) لَا أَنَّ تَطْوِيلَهُمَا سُنَّةٌ لِكُلِّ أَهْلِ الْمَسْجِدِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُغْيَا بِانْصِرَافِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَنَّ ذَلِكَ لِكُلِّ أَحَدٍ حَتَّى يَنْصَرِفَ مَنْ يَنْصَرِفُ عَادَةً أَوْ مَنْ دَعَاهُ إلَى الِانْصِرَافِ أَمْرٌ عَرَضَ لَهُ. اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَالْكَلَامُ حَيْثُ فَعَلَهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بَعْدَهُمَا) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ تَقْدِيمِهِمَا عَلَى الْفَرْضِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَصَلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْفَرْضِ إذْ يُعْلَمُ مِنْهُ
الْمَسْجِدِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ يُنْدَبُ فِيهِمَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ خِلَافُهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِأَصْلِ السُّنَّةِ وَذَاكَ لِكَمَالِهَا (وَ) رَكْعَتَانِ بَعْدَ (الْعِشَاءِ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ وَشَمِلَ ذَلِكَ الْحَاجَّ بِمُزْدَلِفَةَ، وَإِنَّمَا سُنَّ لَهُ تَرْكُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ لِيَسْتَرِيحَ، وَلِيَتَهَيَّأَ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ يَوْمَ النَّحْرِ (وَقِيلَ لَا رَاتِبَةَ لِلْعِشَاءِ) ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا يَجُوزُ كَوْنُهُمَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَيُرَدُّ «بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَيَفْتَتِحُهَا بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ يُطَوِّلُهَا» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَيْنِكَ لَيْسَتَا مِنْهَا، وَنَفَى الْوَجْهَ لِمَا ذَكَرَ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّأْكِيدِ لَا لِأَصْلِ السُّنِّيَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إلَى آخِرِهِ، وَمَعْنَى تَعْلِيلِهِ بِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا جَازَ كَوْنُهُمَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ انْتَفَتْ الْمُوَاظَبَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلتَّأْكِيدِ (وَقِيلَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ) لِعَدَمِ تَرْكِهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا) لِخَبَرِ «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» (وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ) لِخَبَرِ «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» (وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ) رَاتِبَةٌ قَطْعًا لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّاتِبِ الْمُؤَكَّدِ) مِنْ حَيْثُ التَّأْكِيدُ وَهُوَ الْعَشَرُ الْأُوَلُ فَقَطْ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَكَانَ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ لَا تَقْتَضِي تَكْرَارًا كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ انْصِرَافَهُ لِيَفْعَلَهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ: الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ) وَيُسَنُّ هَذَانِ أَيْضًا فِي سَائِرِ السُّنَنِ الَّتِي لَمْ تَرِدْ لَهَا قِرَاءَةٌ مَخْصُوصَةٌ كَمَا بَحَثَ حَجّ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ لِكَمَالِهَا) وَيَنْبَغِي حَيْثُ أَرَادَ الْأَكْمَلَ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَافِرُونَ لِوُرُودِهَا بِخُصُوصِهَا ثُمَّ يَضُمَّ إلَيْهَا مَا شَاءَ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْإِخْلَاصَ إلَخْ. وَالْأَوْلَى فِيمَا يَضُمُّهُ رِعَايَةُ تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ إذَا رَاعَى ذَلِكَ تَطْوِيلٌ ضَمَّ إلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ، وَإِنْ خَالَفَ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ (قَوْلُهُ: بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) وَحِكْمَةُ تَخْفِيفِهِمَا الْمُبَادَرَةُ إلَى حِلِّ الْعُقْدَةِ الَّتِي تَبْقَى بَعْدَ حِلِّ الْعُقْدَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي الْإِنْسَانَ بَعْدَ نَوْمِهِ فَيَعْقِدُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَهُ عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى انْحَلَّتْ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ الثَّانِيَةُ، وَإِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ انْحَلَّتْ الثَّالِثَةُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُطَوِّلُهَا) أَيْ صَلَاةَ اللَّيْلِ (قَوْلُهُ: فَدَلَّ ذَلِكَ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُسَنُّ تَعْجِيلُ سُنَّةِ الْعِشَاءِ الْبَعْدِيَّةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ وَوَثِقَ بِالْيَقِظَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ تَيْنِكَ) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يَشْكُلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا إلَخْ. وَعِبَارَةُ ع: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ إلَخْ، اُنْظُرْ هَلْ يَشْكُلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ فِي رَاتِبَةِ الْعِشَاءِ وَمَا ذَكَرَ بَعْدَهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى حَجّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْإِشْكَالِ: فَالْوَجْهُ اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ مِنْ الْقَطْعِ الْآتِي بِأَنَّ الْجَمِيعَ سُنَّةٌ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ كحج وَمَعْنَى تَعْلِيلِهِ بِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا كَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ:«حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» ) أَيْ مَنَعَهُ مِنْ دُخُولِهَا (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ رَحِمَ اللَّهُ إلَخْ) مُرَادُهُ الدُّعَاءُ (قَوْلُهُ: وَكَانَ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ) هُوَ قَوْلُهُ: «كَانَ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ اللَّيْلِ» وَعِبَارَةُ حَجّ: وَكَانَ فِي الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الضَّجْعَةِ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْفَرْضِ فَإِذَا قَدَّمَ الْفَرْضَ فَعَلَهَا بَعْدَهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَنَفْيُ الْوَجْهِ) اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ: أَيْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى تَعْلِيلِهِ) أَيْ الْوَجْهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذِهِ الْإِحَالَةِ لِلشِّهَابِ حَجّ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدَّمَهُمَا، وَهُمَا فِي كَلَامِ الشِّهَابِ الْمَذْكُورِ قَدَّمَ أَحَدَهُمَا عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَقِيلَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَهُوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَدَعُهَا، وَثَانِيهمَا عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَهُوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ.
ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ فِي الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي أَرْبَعِ الظُّهْرِ وَأَرْبَعِ الْعَصْرِ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا عَلَى
وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ مَثَلًا، وَلَمْ يَنْوِ الْمُؤَكَّدَ وَلَا غَيْرَهُ انْصَرَفَ لِلْمُؤَكَّدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ، وَالطَّلَبُ فِيهِ أَقْوَى (وَقِيلَ) مِنْ الرَّوَاتِبِ غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ (رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ) لِمَا يَأْتِي (قُلْت هُمَا سُنَّةٌ) غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ (عَلَى الصَّحِيحِ) (فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْأَمْرُ بِهِمَا) وَلَفْظُهُ «صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ» كَرَاهَةَ أَنْ يَتَّخِذَهُ النَّاسُ سُنَّةً: أَيْ طَرِيقَةً لَازِمَةً.
وَصَحَّ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ لَهَا إذَا أَذَّنَ الْمَغْرِبُ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لِيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا يُصَلِّيهِمَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ قَادِحٍ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَفْيٌ غَيْرُ مَحْصُورٍ وَعَجِيبٌ مِمَّنْ زَعَمَ كَوْنَهُ مَحْصُورًا، إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَزْمِنَةِ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحْضُرْهُ ابْنُ عُمَرَ وَلَا أَحَاطَ بِمَا يَقَعُ فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ الْحَصْرُ فَالْمُثْبِتُ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَلْيُقَدَّمْ كَمَا قَدَّمُوا رِوَايَةَ مُثْبِتِ صَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْكَعْبَةِ عَلَى رِوَايَةِ نَافِيهَا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا، عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا مَعَهُ فِيهَا.
مَعَ أَنَّ مُدَّعَاهُ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ نَفْيُ رُؤْيَةِ غَيْرِهِ، وَبِفَرْضِ التَّسَاقُطِ يَبْقَى مَعْنَى «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهُ وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ " بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ " أَيْ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ " صَلَاةٌ " إذْ هُوَ يَشْمَلُهُمَا نَصًّا وَمِنْ ثَمَّ أَخَذُوا مِنْهُ اسْتِحْبَابَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي أَرْبَعِ الظُّهْرِ وَأَرْبَعِ الْعَصْرِ إلَخْ، وَأَرَادَ بِأَرْبَعِ الظُّهْرِ وَأَرْبَعِ الْعَصْرِ مَا قَدَّمَهُ فِيهِمَا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَدَعُهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَوْلُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْعَشْرِ لِلْخَبَرِ الْحَسَنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ» ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَكَانَ فِي الْخَبَرِ إلَخْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ كَانَ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا ذِكْرٌ فِي كَلَامِهِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْخَبَرِ جِنْسَهُ فَيَشْمَلُ الْخَبَرَيْنِ مَعًا، وَأَنَّهُ أَرَادَ الْوَارِدَ فِي سُنَّةِ الْعَصْرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْوَارِدَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ اشْتَمَلَ عَلَى مَا يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا يَدَعُهَا فَالتَّكْرَارُ مُسْتَفَادٌ مِنْ غَيْرِ كَانَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْأَرْبَعَ الْقَبْلِيَّةَ وَفَصَلَ بَيْنَهَا بِالسَّلَامِ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُ الْأُولَيَيْنِ لِلْمُؤَكَّدِ، بَلْ يَقَعُ ثِنْتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ وَثِنْتَانِ غَيْرُ مُؤَكَّدَتَيْنِ بِلَا تَعْيِينٍ.
وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ وَالطَّلَبُ فِيهِ أَقْوَى صَرْفُ الْأُولَيَيْنِ لِلْمُؤَكَّدَتَيْنِ مُطْلَقًا، وَهَلْ الْقَبْلِيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَعْدِيَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ هُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؟ قَالَ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ: إنَّ الْبَعْدِيَّةَ أَفْضَلُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى فِعْلِ الْفَرِيضَةِ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ حَمْدَانَ. اهـ أَقُولُ: الْأَقْرَبُ التَّسَاوِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْبَهْجَةِ حَيْثُ قَالَ مَا بِالْوَاوِ لَا تُرَتَّبُ. اهـ: أَيْ مَا ذَكَرْته مِنْ الرَّوَاتِبِ مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ وَلَا تَرْتِيبَ فِيهِ وَهَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ عَطَفَهُمَا بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْوِ الْمُؤَكَّدَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ فِي نِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُؤَكَّدِ اخْتَصَّ بِهِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَطْلَقَ سُنَّةَ الظُّهْرِ القَبْلِيَّةَ أَوْ الْبَعْدِيَّةِ بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِعَدَدٍ هُوَ يَقْتَصِرُ عَلَى ثِنْتَيْنِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى ثِنْتَيْنِ. اهـ.
وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ نَصُّهَا: فَرْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ فِي نِيَّةِ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَثَلًا وَيَتَخَيَّرَ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ م ر اهـ. وَفِي كَلَامِهِ أَيْضًا عَلَى الْبَهْجَةِ: لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ الضُّحَى حُمِلَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَلْيُرَاجِعْ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَرْقَ بَيْنَ الضُّحَى وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَ الرَّوَاتِبِ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الثَّالِثَةِ) أَيْ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَقَوْلُهُ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا: أَيْ قَالَ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهَةً (قَوْلُهُ: مَعَ اتِّفَاقِهِمَا) أَيْ الْمُثْبِتِ وَالنَّافِي (قَوْلُهُ: وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ) أَيْ وَيَبْقَى مَعْنَى الْخَبَرِ الصَّحِيحِ إلَخْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْأَصَحِّ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ، وَمُبَادَرَتُهُ مِنْهَا أَمْرٌ عُرْفِيٌّ لَا وَضْعِيٌّ، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يُؤْخَذُ فِيهَا مَنْ كَانَ بَلْ مَنْ لَا يَدَعُ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لِلْأَغْلَبِ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -