الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ
هُوَ لُغَةٌ: طَلَبُ السُّقْيَا، وَشَرْعًا: طَلَبُ سُقْيَا الْعِبَادِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، يُقَالُ سَقَاهُ وَأَسْقَاهُ بِمَعْنًى غَالِبًا. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الِاتِّبَاعُ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَاسْتَأْنَسُوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ} [البقرة: 60] الْآيَةُ (هِيَ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِمُقِيمٍ وَلَوْ بِقَرْيَةٍ، أَوْ بَادِيَةٍ وَمُسَافِرٍ وَلَوْ سَفَرَ قَصْرٍ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِمَا مَرَّ فِي الْعِيدِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ثَابِتَةٌ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ أَدْنَاهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ مُطْلَقًا فُرَادَى، أَوْ مُجْتَمِعِينَ، وَأَوْسَطُهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ نَافِلَةً كَمَا فِي الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَقْيِيدُهُ بِالْفَرَائِضِ، وَأَفْضَلُهَا أَنْ يَكُونَ بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا وَإِنَّمَا تُطْلَبُ، (عِنْدَ الْحَاجَةِ) كَانْقِطَاعِ الْمَاءِ أَوْ مُلُوحَتِهِ، أَوْ قِلَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ كَافِيًا، وَعُلِمَ مِنْهُ عَدَمُ سَنِّهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ، وَالْحَاجَةُ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ الْحَاجَةَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ
(قَوْلُهُ: صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ) أَيْ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَكَرَاهَةِ سَبِّ الرِّيحِ (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً طَلَبُ السُّقْيَا) وَهِيَ اسْمٌ مِنْ سَقَاهُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: سَقَيْت الزَّرْعَ سَقْيًا وَأَسْقَى بِالْأَلِفِ لُغَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ سَقَيْته وَأَسْقَيْته: دَعَوْت لَهُ فَقُلْت سُقْيًا لَك، وَفِي الدُّعَاءِ " سُقْيَا رَحْمَةٍ وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ " عَلَى فُعْلَى بِالضَّمِّ: أَيْ اسْقِنَا غَيْثًا فِيهِ نَفْعٌ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا تَخْرِيبٍ اهـ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا طَلَبُ سُقْيَا الْعِبَادِ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى غَالِبًا) أَيْ فِي أَكْثَرِ اللُّغَاتِ، وَقِيلَ يُقَالُ سَقَاهُ لِشَفَتِهِ وَأَسْقَاهُ لِمَاشِيَتِهِ وَأَرْضِهِ اهـ مُخْتَارٌ. وَقِيلَ سَقَاهُ لِشَفَتِهِ وَأَسْقَاهُ إذَا دَلَّهُ عَلَى الْمَاءِ. وَقِيلَ سَقَاهُ إذَا نَاوَلَهُ الْمَاءَ لِيَشْرَبَ وَأَسْقَاهُ إذَا جَعَلَ لَهُ سَقْيًا اهـ شَرْحُ رَوْضِ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَاسْتَأْنَسُوا لَهُ إلَخْ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ (قَوْلُهُ: لِمُقِيمٍ) أَيْ وَلَوْ عَاصِيًا بِإِقَامَتِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَفَرَ قَصْرٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الدُّعَاءُ وَهُوَ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْمُطِيعِ يَكُونُ مِنْ الْعَاصِي (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَالصَّارِفُ عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ هَلْ عَلَى غَيْرِهَا. . إلَخْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ خَلْقُ الصَّلَوَاتِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَافِلَةً) أَيْ وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ لَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ (قَوْلُهُ بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ) اُنْظُرْ لَوْ نَذَرَ الِاسْتِسْقَاءَ فَهَلْ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ بِإِحْدَى الْكَيْفِيَّاتِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ يُحْمَلُ نَذْرُهُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْكَامِلَةِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى الدُّعَاءِ بِنَوْعَيْهِ صَارَ كَالِاسْتِعْمَالِ الْمَهْجُورِ فَحُمِلَ اللَّفْظُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْهَا وَهُوَ الْأَكْمَلُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي فَلَا يُبَرَّرُ بِمُطْلَقِ الدُّعَاءِ وَلَا بِهِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْحَاجَةِ) أَيْ نَاجِزَةٌ أَوْ غَيْرُهَا، كَأَنْ طَلَبَ عِنْدَ عُدْمِ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ حَالًا حُصُولَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ يَحْتَاجُونَ فِيهَا إلَيْهِ كَأَنْ طَلَبَ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ حُصُولَهُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُلُوحَتِهِ) أَلْحَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَحْثًا عَدَمَ طُلُوعِ الشَّمْسِ الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّ عَدَمَهَا يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ نُمُوِّ الزَّرْعِ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]
ِ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ فِي الْعِيدِ) وَمَرَّ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ) الصَّوَابُ وَهُوَ أَيْ الِاسْتِسْقَاءُ إذْ الصَّلَاةُ لَا تَنْقَسِمُ إلَى صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا.
مَا لَوْ احْتَاجَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمَاءِ فَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُصَلُّوا وَيَسْتَسْقُوا لَهُمْ وَيَسْأَلُوا الزِّيَادَةَ لِأَنْفُسِهِمْ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَصَحَّ «دَعْوَةُ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَك بِمِثْلٍ» وَهُوَ مُقَيَّدٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ ذَا بِدْعَةٍ وَضَلَالَةٍ وَبَغْيٍ وَإِلَّا لَمْ يُنْدَبْ زَجْرًا لَهُ وَتَأْدِيبًا؛ وَلِأَنَّ الْعَامَّةَ تَظُنُّ بِالِاسْتِسْقَاءِ لَهُمْ حُسْنَ طَرِيقَتِهِمْ وَالرِّضَا بِهَا وَفِيهَا مَفَاسِدُ.
وَيُسَنُّ أَيْضًا الِاسْتِسْقَاءُ لِطَلَبِ زِيَادَةٍ فِيهَا نَفْعٌ لَهُمْ (وَتُعَادُ) الصَّلَاةُ مَعَ الْخُطْبَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ (ثَانِيًا وَثَالِثًا) وَأَكْثَرَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ وَالْمَرَّةُ الْأُولَى آكَدُ فِي الِاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ إذَا عَادُوا مِنْ الْغَدِ، أَوْ بَعْدَهُ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ فِيهِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً عَلَى تَوَقُّفِ كُلِّ خُرُوجٍ عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامَ قَبْلَهُ وَمَرَّةً أُخْرَى عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ؛ لِأَنَّهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ مُنَزَّلَانِ عَلَى حَالَيْنِ: الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا اقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ كَانْقِطَاعِ مَصَالِحِهِمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ.
وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يَسْقُوا) حَتَّى يَسْقِيَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا، اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ) لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى تَعْجِيلِ مَا عَزَمُوا عَلَى طَلَبِهِ، قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] (وَالدُّعَاءُ) بِالزِّيَادَةِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ (وَيُصَلُّونَ) صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ الْمُقَرَّرَةِ شُكْرًا لِلَّهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ بَلْ هُوَ مِنْ قِسْمِ الزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ الْآتِي فَتُسَنُّ لَهُ الصَّلَاةُ فُرَادَى عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِمْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوهُمْ (قَوْلُهُ: بِظَهْرِ الْغَيْبِ) لَفْظُ ظَهْرٍ مُقْحَمَةٌ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي، قِيلَ وَالْمُرَادُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ: أَنْ يَدْعُوَ لَا عَنْ وَجْهٍ يَرْجُو مَعَهُ بُلُوغَ الدُّعَاءِ لِلْمَدْعُوِّ لَهُ (قَوْلُهُ: مَلَكٌ مُوَكَّلٌ) أَيْ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَك بِمِثْلٍ) أَيْ بِمِثْلِهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِمِثْلِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُقَيَّدٌ) أَيْ قَوْلُهُ وَشَمِلَ إطْلَاقَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: ذَا بِدْعَةٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِهَا بَلْ وَإِنْ لَمْ يَفْسُقْ بِهَا وَبَقِيَ مَا لَوْ احْتَاجَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَسَأَلُوا الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، فَهَلْ يَنْبَغِي إجَابَتُهُمْ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَفَاءً بِذِمَّتِهِمْ، وَلَا يُتَوَهَّمُ مَعَ ذَلِكَ إنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لِحُسْنِ حَالِهِمْ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ مُحَقَّقٌ مَعْلُومٌ، وَتُحْمَلُ إجَابَتُنَا لَهُمْ عَلَى الرَّحْمَةِ بِهِمْ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِمْ مِنْ ذَوِي الرُّوحِ، بِخِلَافِ الْفَسَقَةِ وَالْمُبْتَدِعَةِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ) عِبَارَةُ حَجّ لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» وَإِنْ ضَعُفَ.
[فَرْعٌ] أَخْبَرَ مَعْصُومٌ بِالْقَطْعِ بِاسْتِجَابَةِ دُعَاءِ شَخْصٍ فِي الْحَالِ وَاضْطَرَّ النَّاسُ لِلسُّقْيَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ أَمْ لَا؟ اهـ سم عَلَى حَجّ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَا كَانَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ لَا تُرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، سِيَّمَا وَمَنْ وَصَلَ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ حَالُهُمْ التَّسْلِيمُ إلَى اللَّهِ فِي أَفْعَالِهِ وَعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَفْعَلُهُ سبحانه وتعالى. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: أَقُولُ: قَدْ يُتَّجَهُ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ جَوَّزَ إجَابَةَ غَيْرِهِ مَعَ عَدَمِ حُصُولِ ضَرَرٍ لَمْ يَجِبْ وَإِنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلَا يَبْعُدُ الْوُجُوبُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ الْغَيْرِ اشْتِدَادُ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ) لَك أَنْ تَقُولَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِسْقَاءِ حَيْثُ طَلَبَ فِيهِ هَذِهِ الْأُمُورَ بَعْدَ السُّقْيَا قَبْلَ الصَّلَاةِ شُكْرًا وَبَيْنَ الْكُسُوفِ حَيْثُ لَا يَطْلُبُ فِيهِ هَذِهِ الْأُمُورَ بَعْدَ زَوَالِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَعَ جَرَيَانِ التَّوْجِيهِ الْأَوَّلِ فِيهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّوْجِيهَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ الشُّكْرُ وَطَلَبُ الْمَزِيدِ، أَوْ بِأَنَّ الْحَاجَةَ لِلسُّقْيَا أَشَدُّ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الْفَرْقَ بِنَحْوِ الثَّانِي
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ) لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُسُوفِ حَيْثُ لَا يُصَلَّى لَهُ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ أَنَّ مَا هُنَا حُصُولُ نِعْمَةٍ وَمَا هُنَاكَ انْدِفَاعُ نِقْمَةٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا هُنَا بَقِيَ أَثَرُهُ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْجَهُ مِمَّا فَرَّقَ بِهِ الشِّهَابُ سم مِمَّا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهِ.
تَعَالَى أَيْضًا، وَيَخْطُبُ بِهِمْ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُمْ يَنْوُونَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ شُكْرًا (عَلَى الصَّحِيحِ) كَاجْتِمَاعِهِمْ لِلدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ لَا يُصَلُّونَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ قَبْلَهَا عَمَّا إذَا سُقُوا بَعْدَهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ لِذَلِكَ وَلَوْ سُقُوا فِي أَثْنَائِهَا أَتَمُّوهَا جَزْمًا كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُمْ.
(وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ) اسْتِحْبَابًا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)(أَوَّلًا) مُتَتَابِعَةٍ مَعَ يَوْمِ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مَعِينٌ عَلَى الرِّيَاضَةِ وَالْخُشُوعِ وَصَحَّ «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالْمَظْلُومُ» وَالتَّقْدِيرُ بِالثَّلَاثَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي الْكَفَّارَةِ، وَبِأَمْرِهِ يَصِيرُ الصَّوْمُ وَاجِبًا امْتِثَالًا لَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ جَمْعٌ كَالسُّبْكِيِّ وَالْقَمُولِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَأَفْتَى بِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ شُكْرًا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى فِعْلِهَا هُوَ الشُّكْرُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ نِيَّتَهُمْ بِهَا الِاسْتِسْقَاءَ.
(قَوْلُهُ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) قَالَ سم عَلَى حَجّ يُتَّجَهُ لُزُومُ الصَّوْمِ أَيْضًا إذَا أَمَرَهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ اهـ.
[فَائِدَةٌ] الْوَلِيُّ لَا يَلْزَمُهُ أَمْرُ مُوَلِّيهِ الصَّغِيرِ بِالصَّوْمِ وَإِنْ أَطَاقَهُ اهـ حَجّ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: يُتَّجَهُ الْوُجُوبُ إنْ شَمِلَهُ أَمْرُ الْإِمَامِ: أَيْ بِأَنْ أَمَرَ بِصِيَامِ الصِّبْيَانِ، وَفِيهِ أَيْضًا: وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِامْتِثَالِ أَمْرِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ مَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ وِلَايَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، فَلَوْ أَمَرَ مَنْ فِي وِلَايَتِهِ وَشَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ وِلَايَتِهِ فَهَلْ يَسْتَمِرُّ الْوُجُوبُ اعْتِبَارًا بِالِابْتِدَاءِ؟ لَا يَبْعُدُ الِاسْتِمْرَارُ (قَوْلُهُ: مَعَ يَوْمِ الْخُرُوجِ) صَرَّحَ بِهِ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَيَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ فِي الرَّابِعِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْ الْإِمَامِ أَمْرُهُمْ بِهِ وَلَكِنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُمْ الصَّوْمَ لِأَنْفُسِهِمْ (قَوْلُهُ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ) التَّعْبِيرُ بِمَا ذُكِرَ يُشْعِرُ بِأَنَّ النَّهَارَ كُلَّهُ ظَرْفٌ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَأَنَّهُ بِالْفِطْرِ يَنْتَهِي وَقْتُ الْإِجَابَةِ (قَوْلُهُ: وَبِأَمْرِهِ يَصِيرُ الصَّوْمُ وَاجِبًا) قَالَ حَجّ: ظَاهِرًا وَبَاطِنًا اهـ. وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَلَوْ أَمَرَ بِالصَّوْمِ لِنَحْوِ طَاعُونٍ ظَهَرَ فِي الْبَلَدِ وَاجِبٌ أَيْضًا كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ م ر وَطِبّ أَخْذًا مِمَّا قَرَّرُوهُ الْمَذْكُورُ اهـ. وَقَوْلُهُ وَاجِبًا: أَيْ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ، لِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَا الصَّوْمَ عَلَى غَيْرِهِ بَذْلًا لِطَاعَتِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَذْلُ الطَّاعَةِ لِنَفْسِهِ اهـ سم أَيْضًا. وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.
[فَرْعٌ] أَمَرَهُمْ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ فَسَقَوْا قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الصَّوْمِ، قَالَ م ر: لَزِمَهُمْ صَوْمُ بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ اهـ. أَقُولُ: يُوَجَّهُ بِأَنَّ هَذَا الصَّوْمَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَفَائِدَتُهُ لَمْ تَنْقَطِعْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا فِي الْمَزِيدِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَبَقِيَ مَا لَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّوْمِ فَسَقَوْا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ هَلْ يَجِبُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ أَخْذًا مِمَّا عَلَّلَ بِهِ سم، وَيُحْتَمَلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِأَمْرٍ وَقَدْ فَاتَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَمَرَهُمْ بِالصِّيَامِ ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إتْمَامُ بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي.
[فَائِدَةٌ] لَوْ رَجَعَ الْإِمَامُ عَنْ الْأَمْرِ وَأَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ لَا لَشَقَّ الْعَصَا. وَنُقِلَ فِي الدَّرْسِ عَنْ شَيْخِنَا الْحَلَبِيِّ وَشَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ.
[فَائِدَةٌ أُخْرَى] لَوْ حَضَرَ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ مَنْ كَانَ مُسَافِرًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ مَا بَقِيَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا الصَّوْمُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا حَالَ النِّدَاءِ. وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّوْمِ بَعْدَ انْتِصَافِ شَعْبَانَ هَلْ يَجِبُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَمْتَنِعُ صَوْمُهُ بَعْدَ النِّصْفِ هُوَ الَّذِي لَا سَبَبَ لَهُ وَهَذَا سَبَبُهُ الِاحْتِيَاجُ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ بِهِ أَمْرًا بِمَعْصِيَةٍ بَلْ بِطَاعَةٍ. وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَقْتَ أَمْرِ الْإِمَامِ ثُمَّ طَهُرَتْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ فِي مَوْضِعٍ، وَقَوْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنَّهُ مَرْدُودٌ لِنَصِّ الْأُمِّ هُوَ الْمَرْدُودُ بِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي مُدَّعَاهُ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهُوَ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ كَلَامِهِ فِي بَابِ الْبُغَاةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَأْمُرْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ فِي هَذَا الصَّوْمِ التَّبْيِيتُ وَالتَّعْيِينُ، فَلَوْ لَمْ يُبَيِّتْهُ لَمْ يَصِحَّ، وَيَصِحُّ صَوْمُهُ عَنْ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ الصَّوْمِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَلَا يَجِبُ هَذَا الصَّوْمُ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ بَذْلًا لِطَاعَتِهِ، لَكِنْ لَوْ فَاتَ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ، إذْ وُجُوبُهُ لَيْسَ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ وَهُوَ أَمْرُ الْإِمَامِ وَالْقَصْدُ مِنْهُ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ لَا مُطْلَقًا، وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ لَا تَفُوتُ بِالسُّقْيَا بَلْ تُفْعَلُ شُكْرًا كَمَا مَرَّ، أَفْتَى بِجَمِيعِ ذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيَدُلُّ لِوُجُوبِ مَا مَرَّ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى: تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ. وَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَنَدُ الْإِسْنَوِيِّ فِي قَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الصَّوْمُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَهْلًا لِلْخِطَابِ وَقْتَ الْأَمْرِ. وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ الْأَمْرِ هَلْ يَجِبُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهُوَ) أَيْ نَصُّ الْأُمِّ مَحْمُولٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ بِقَرِينَةِ كَلَامِهِ: أَيْ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ وَالتَّعْيِينُ) كَأَنْ يَقُولَ عَنْ الِاسْتِسْقَاءِ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يُبَيِّتْهُ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ عَنْ الصَّوْمِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ وَالْإِمَامُ فَهُوَ نَفْلٌ مُطْلَقٌ، وَلَا وَجْهَ لِفَسَادِهِ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ لِعَدَمِ امْتِثَالِ أَمْرِ الْإِمَامِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ حَنَفِيًّا وَلَمْ يُبَيِّتْ الْمَأْمُورُ النِّيَّةَ ثُمَّ نَوَى نَهَارًا فَهَلْ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِصَوْمٍ مُجْزِئٍ عِنْدَ الْإِمَامِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَلَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ صَوْمُهُ عَنْ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ) قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَمِثْلُهُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ اهـ سم عَلَى حَجّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا ظَاهِرٌ إذَا أُمِرَ قَبْلَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى دَخَلَ فَصَامُوا عَنْ رَمَضَانَ ثُمَّ خَرَجُوا فِي الرَّابِعِ. أَمَّا لَوْ وَقَعَ الْأَمْرُ فِي رَمَضَانَ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ إذْ الصَّوْمُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، قُلْنَا: بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّهُمْ لَوْ أَخَّرُوا لِشَوَّالٍ بِأَنْ قَصَدُوا تَأْخِيرَ الِاسْتِسْقَاءِ وَمُقَدَّمَاتِهِ إلَيْهِ لَزِمَهُمْ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَوْ كَانُوا مُسَافِرِينَ وَقُلْنَا الْمُسَافِرُ كَغَيْرِهِ فَيَلْزَمُهُمْ الصَّوْمُ عَنْ رَمَضَانَ لِيُجْزِيَ عَنْ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَيْسَ لَهُمْ الْفِطْرُ وَإِنْ جَازَ لِلْمُسَافِرِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُ صَوْمِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ الصَّوْمِ) قَضِيَّةُ كَوْنِ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فِي نِيَّتِهِ، وَيُخَالِفُهُ قَوْلُهُ وَالتَّعْيِينُ، إلَّا أَنْ يَحْمِلَ وُجُوبَ التَّعْيِينِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثُمَّ صَوْمُ غَيْرِهِ وَاجِبًا وَعَدَمُ التَّعْيِينِ عَلَى خِلَافِهِ، أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ هُنَا عَلَى مَا إذَا نَوَى النَّذْرَ مَثَلًا وَالِاسْتِسْقَاءَ. وَعِبَارَةُ حَجّ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الَّذِي طَلَبَ لَهُ الْأَدَاءَ وَأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ نَحْوَ قَضَاءٍ أَثِمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ امْتِثَالُهُ بَاطِنًا كَمَا تَقَرَّرَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نَوَى هُنَا الْأَمْرَيْنِ اُتُّجِهَ أَنْ لَا إثْمَ لِوُجُودِ الِامْتِثَالِ وَوُقُوعُ غَيْرِهِ مَعَهُ لَا يَمْنَعُهُ (قَوْلُهُ بَذْلًا لِطَاعَتِهِ) أَيْ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَذْلُ الطَّاعَةِ لِنَفْسِهِ انْتَهَى سم (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَوْ فَاتَ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ) وَفِي فَتَاوَى حَجّ وُجُوبُ الْقَضَاءِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَفِي شَرْحِهِ الْجَزْمُ بِمَا يُوَافِقُ كَلَامَ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْقَضَاءَ) أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَقَوْلُهُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ: أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ) هَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ الْمُبَاحِ إذَا أَمَرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ. وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ أَنَّهُ يُنَاقِضُ كَلَامَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَعِبَارَتُهُ: وَقَضِيَّةُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ صَوْمُهُ عَنْ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ) فِي حَوَاشِي الشَّيْخِ نَقْلًا عَنْ الزِّيَادِيِّ نَقْلًا عَنْ إفْتَاءِ شَيْخِهِ الرَّمْلِيِّ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ صَوْمُهُ عَنْ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ لَا تَخْفَى، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْ إفْتَاءِ الرَّمْلِيِّ لَمْ أَرَهُ فِي فَتَاوِيهِ
يَقْتَضِي التَّعَدِّيَ إلَى كُلِّ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ صَدَقَةٍ وَغَيْرِهَا، قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ.
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّعَدِّي الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ قِتَالِ الْبُغَاةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُتَوَجَّهَ عَلَيْهِ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ بِالْأَمْرِ الْمَذْكُورِ مَنْ يُخَاطَبُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، فَمَنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يُعْتَبَرُ، ثُمَّ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِأَقَلَّ مُتَمَوِّلٍ، هَذَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْإِمَامُ قَدْرًا، فَإِنْ عَيَّنَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ فَالْأَنْسَبُ بِعُمُومِ كَلَامِهِمْ لُزُومُ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ لَكِنْ يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا فَضَلَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ عَنْ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ يُقَارِبُ الْوَاجِبَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ قُدِّرَ بِهَا، أَوْ فِي أَحَدِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ قُدِّرَ بِهِ وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ فَحَيْثُ لَزِمَهُ بَيْعُهُ فِي أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ عِتْقُهُ إذَا أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ (وَالتَّوْبَةُ) بِالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالنَّدَمِ عَلَيْهَا وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهَا (وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوبِ الْبِرِّ) مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ، قَالَ تَعَالَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا قَرَّرَهُ السَّابِقَ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِمُبَاحٍ وَجَبَ، وَارْتَضَاهُ م ر وَفِي وَقْتٍ آخَرَ قَالَ: لَا يَجِبُ فِي الْمُبَاحِ، فَقُلْت لَهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ، فَوَافَقَ وَمَشَى عَلَى أَنَّهُ إذَا أَمَرَ بِالْخُرُوجِ إلَى الصَّحْرَاءِ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَجَبَ اهـ. وَفِي حَجّ أَنَّهُ إنْ أَمَرَ بِمُبَاحٍ وَجَبَ ظَاهِرًا أَوْ بِمَنْدُوبٍ أَوْ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ وَجَبَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا اهـ. وَخَرَجَ بِالْمُبَاحِ الْمَكْرُوهِ كَأَنْ أَمَرَ بِتَرْكِ رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ فَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا مَا لَمْ يَخْشَ الْفِتْنَةَ. وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ مَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ) أَيْ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ التَّعَدِّي (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) هُوَ قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: مَنْ يُخَاطَبُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْآتِي لَهُ (قَوْلُهُ: لُزُومُ ذَلِكَ) أَيْ الصَّدَقَةِ أَوْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ لَكِنْ يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إلَخْ) نُقِلَ عَنْ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ م ر: يَنْبَغِي فِي نَحْوِ الصِّدْقِ وَالْعِتْقِ أَنَّهُ يَجِبُ أَقَلُّ مَا يَنْطِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ بِشَرْطِ فَضْلِهِ عَمَّا يَحْتَاجُهُ فِي الْفِطْرِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ الْإِمَامُ زَائِدًا لَغَا التَّعْيِينُ وَوَجَبَ الْأَقَلُّ الْمَذْكُورُ اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَأَخْرَجَهَا بِقَصْدِ الْكَفَّارَةِ هَلْ يُجْزِيهِ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ بِأَنَّ الصَّوْمَ عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ النَّذْرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَافَقَ خُصُوصَ مَا أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ فَسُومِحَ فِيهِ، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ بِالْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مُسَمَّى الصَّدَقَةِ لَكِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِخُصُوصِهِ أَمْرُ الْإِمَامِ، عَلَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ لَفْظِ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ الْمَنْدُوبَةُ، وَأَنَّ إطْلَاقَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْوَاجِبَةِ تَجُوزُ، فَأَمْرُ الْإِمَامِ مَصْرُوفٌ لِغَيْرِ الْمَنْذُورَةِ وَنَحْوِهَا، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ مَثَلًا وَكَانَ لَا يَمْلِكُ إلَّا نِصْفَهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الدِّينَارِ بِخُصُوصِهِ مَطْلُوبٌ فِي ضِمْنِ كُلِّهِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي أَحَدِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ) يَشْمَلُ الْإِطْعَامَ وَالْكِسْوَةَ، وَعِبَارَةُ حَجّ إنَّمَا يُخَاطَبُ بِهِ: أَيْ مَا أَمَرَ بِهِ الْمُوسِرُونَ بِمَا يُوجِبُ الْعِتْقَ فِي الْكَفَّارَةِ وَبِمَا يَفْضُلُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الصَّدَقَةِ اهـ. وَهَذَا يَقْرُبُ مِنْ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ أَوْ فِي أَحَدِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ: أَيْ غَيْرِ الْعِتْقِ لِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا الْعِتْقُ إلَخْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبْقَى قَوْلُهُ أَحَدَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ عَلَى عُمُومِهِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ أَمَّا الْعِتْقُ عَلَى مَا لَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِإِعْتَاقِ مُعَيَّنٍ مِنْ أَرِقَّائِهِ فَيُقَالُ: إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ بِخُصُوصِهِ لِزَمَانَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لَا يَجِبُ إعْتَاقُهُ وَإِلَّا وَجَبَ (قَوْلُهُ: قُدِّرَ بِهِ) أَيْ الْعُمُرُ الْغَالِبُ، وَقَوْلُهُ لَمْ تَجِبْ: أَيْ مُوَافَقَتُهُ، وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إلَخْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ جَعْلِ هَذَا احْتِمَالًا لَا مُجَرَّدًا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ لَكِنْ يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ إلَخْ.
[فَرْعٌ] هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ إجْزَاؤُهُ فِي الْكَفَّارَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمَّى الْمَأْمُورِ بِهِ (قَوْلُهُ: بِالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي) وَمِنْهُ رَدُّ الْمَظَالِمِ إلَى أَهْلِهَا، وَقَوْلُهُ إلَيْهَا: أَيْ إلَى مِثْلِهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: 52] وَقَالَ {إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} [يونس: 98] الْآيَةُ (وَالْخُرُوجُ مِنْ الْمَظَالِمِ) نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ شُرُوطِ التَّوْبَةِ إتْمَامًا بِذِكْرِهَا لِعِظَمِ أَمْرِهَا فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَسَوَاءٌ فِي الْمَظَالِمِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِبَادِ كَانَتْ دَمًا أَمْ عِرْضًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ.
وَقَدْ يَكُونُ الْجَدْبُ بِتَرْكِ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ «وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إلَّا حُبِسَ عَنْهُمْ الْمَطَرُ» . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إذَا بَخَسَ النَّاسُ الْمِكْيَالَ مُنِعُوا قَطْرَ السَّمَاءِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159] تَلْعَنُهُمْ دَوَابُّ الْأَرْضِ تَقُولُ: نُمْنَعُ الْمَطَرَ بِخَطَايَاهُمْ وَالتَّوْبَةُ مِنْ الذَّنْبِ وَاجِبَةٌ فَوْرًا أَمَرَ بِهَذَا الْإِمَامُ، أَوْ لَا (وَيَخْرُجُونَ) أَيْ النَّاسُ مَعَ الْإِمَامِ (إلَى الصَّحْرَاءِ) بِلَا عُذْرٍ تَأَسِّيًا بِهِ صلى الله عليه وسلم؛ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ فَلَا يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ غَالِبًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَكَّةَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ لِفَضْلِ الْبُقْعَةِ وَسَعَتِهَا؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِحْضَارِ الصِّبْيَانِ وَمَأْمُورُونَ بِأَنَّا نُجَنِّبُهُمْ الْمَسَاجِدَ (فِي الرَّابِعِ) مِنْ ابْتِدَاءِ صَوْمِهِمْ (صِيَامًا) لِخَبَرِ:«ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ وَعَدَّ مِنْهُمْ الصَّائِمَ» ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ مَعِينٌ عَلَى الرِّيَاضَةِ وَالْخُشُوعِ، وَيَنْبَغِي لَهُ تَخْفِيفُ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَا أَمْكَنَ، وَفَارَقَ مَا هُنَا صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ حَيْثُ لَا يُسَنُّ لِلْحَاجِّ بِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ وَالسَّفَرِ، وَبِأَنَّ مَحَلَّ الدُّعَاءِ ثَمَّ آخِرُ النَّهَارِ، وَالْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَةُ مُضَعَّفَةٌ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَقَضِيَّةُ الْفَرْقَيْنِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا هُنَا مُسَافِرِينَ وَصَلَّوْا آخِرَ النَّهَارِ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمْ، بَلْ قَضِيَّةُ الْأَوَّلِ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ صَلَّوْا أَوَّلَ النَّهَارِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَمَرَ هُنَا صَارَ وَاجِبًا، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ وُجُوبُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الْمُسَافِرُ، فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ فَلَا وُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِكَوْنِ الْفِطْرِ أَفْضَلَ، وَرَدَّهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: إنَّ الْمُعْتَمَدَ طَلَبُ الصَّوْمِ مُطْلَقًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ لِمَا مَرَّ «إنَّ دَعْوَةَ الصَّائِمِ لَا تُرَدُّ» وَيَخْرُجُونَ غَيْرَ مُتَطَيِّبِينَ وَلَا مُتَزَيِّنِينَ بَلْ (فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ مِهْنَةٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ: أَيْ مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ فِي وَقْتِ الشُّغْلِ وَمُبَاشَرَةِ الْخِدْمَةِ وَتَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِحَالِهِمْ وَهُوَ يَوْمُ مَسْأَلَةٍ وَاسْتِكَانَةٍ وَبِهِ فَارَقَ الْعِيدُ.
قَالَ الْقَمُولِيُّ: وَلَا يُلْبَسُ الْجَدِيدُ مِنْ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ أَيْضًا وَيَتَنَظَّفُونَ بِالْمَاءِ وَالسِّوَاكِ وَقَطْعِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: تَقُولُ نَمْنَعُ إلَخْ) لَعَلَّهَا تَذْكُرُ هَذَا لِسَبَبِ اللَّعْنِ وَإِلَّا فَهَذَا بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ لَعْنًا (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ) مُرَادُهُ حَجّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلِأَنَّا إلَخْ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِفَضْلِ الْبُقْعَةِ (قَوْلُهُ وَعَدَّ مِنْهُمْ الصَّائِمَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ (قَوْلُهُ: عَلَى الرِّيَاضَةِ) هِيَ طَهَارَةُ الْبَاطِنِ (قَوْلُهُ: بَلْ قَضِيَّةُ الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ بِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: طَلَبُ الصَّوْمِ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ مَعَ ضَرَرٍ يُحْتَمَلُ عَادَةً (قَوْلُهُ وَيَخْرُجُونَ غَيْرَ مُتَطَيِّبِينَ) شَمِلَ قَوْلَهُ مَا لَوْ كَانَ بِبَدَنِهِ رَائِحَةٌ لَا يُزِيلُهَا إلَّا الطِّيبُ الَّذِي تَظْهَرُ رَائِحَتُهُ فِي الْبَدَنِ، وَقَدْ يُلْتَزَمُ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي نَفْسِهِ يُنَافِي مَا هُوَ مَقْصُودٌ لِلْمُسْتَسْقِينَ مِنْ إظْهَارِ التَّبَذُّلِ وَعَدَمِ التَّرَفُّهِ، وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَذَى بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهُ بِتَرْكِ التَّطَيُّبِ قَدْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ اللَّائِقَ فِيهِ احْتِمَالُ الْأَذَى فِي جَنْبِ طَلَبِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ (قَوْلُهُ: مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ) وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ فِي ثِيَابٍ مُبْتَذَلَةٍ، وَيُمْكِنُ كَوْنُ الْإِضَافَةِ حَقِيقِيَّةً؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِضَافَةِ أَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ: أَيْ مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ فِي وَقْتِ الشُّغْلِ إلَخْ (قَوْلُهُ: قَالَ الْقَمُولِيُّ وَلَا يَلْبَسُ الْجَدِيدَ) أَيْ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ لَا يَلْبَسَ، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ كَانَ مَكْرُوهًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَمَرَ بِهِ هُنَا صَارَ وَاجِبًا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ الْإِمَامُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ صَوْمُهُ (قَوْلُهُ: مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ) فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِهِ لَا يُنَاسِبُ
الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ (وَ) فِي (تَخَشُّعٍ) أَيْ تَذَلُّلٍ مَعَ سُكُونِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ فِي مَشْيِهِمْ وَجُلُوسِهِمْ وَكَلَامِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ تَخَشُّعٍ مَعْطُوفٌ عَلَى ثِيَابٍ لَا عَلَى بِذْلَةٍ كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِصِفَتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَالْمَقْصُودَةُ الَّتِي ثِيَابُ الْبِذْلَةِ وَصْلَةٌ لَهَا، وَقَدْ يُقَالُ بِصِحَّةِ عَطْفِهِ عَلَى بِذْلَةٍ أَيْضًا إذْ ثِيَابُ التَّخَشُّعِ غَيْرُ ثِيَابِ الْكِبْرِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ لِنَحْوِ طُولِ أَكْمَامِهَا وَأَذْيَالِهَا وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابَ عَمَلٍ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا أُمِرُوا بِإِظْهَارِ التَّخَشُّعِ فِي مَلْبُوسِهِمْ فَفِي ذَوَاتِهِمْ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ الْخُرُوجُ مِنْ طَرِيقِ الرُّجُوعِ فِي أُخْرَى مُشَاةً فِي ذَهَابِهِمْ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ لَا حُفَاةً مَكْشُوفِي الرَّأْسِ، وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي: لَوْ خَرَجَ أَيْ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ حَافِيًا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّوَاضُعِ بَعِيدٌ كَمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ.
(وَيُخْرِجُونَ) مَعَهُمْ اسْتِحْبَابًا (الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ) وَالْعَجَائِزَ وَالْخُنْثَى الْقَبِيحَ الْمَنْظَرِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ، إذْ الشَّيْخُ أَرَقُّ قَلْبًا وَالصَّبِيُّ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، وَصَحَّ «هَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ الْمُؤْنَةَ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي حَمْلِ الصِّبْيَانِ تُحْسَبُ مِنْ مَالِهِمْ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُنْدَبُ إخْرَاجُ الْأَرِقَّاءِ بِإِذْنِ سَادَاتِهِمْ (وَكَذَا الْبَهَائِمُ) يُسَنُّ إخْرَاجُهَا (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا قَالَاهُ، وَإِنْ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ كَرَاهَتَهُ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْحَابِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «خَرَجَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي بِقَوْمِهِ، فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ هَذِهِ النَّمْلَةِ» وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ هُوَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَتَأَذَّى) أَيْ وَمَعَ حُصُولِ التَّأَذِّي لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَحْتَمِلُ سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (قَوْلُهُ: لَا حُفَاةً) أَيْ لَا يُسَنُّ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ بَعِيدٌ إلَخْ، وَحَيْثُ كَانَ مَكْرُوهًا أَسْقَطَ الْمُرُوءَةَ حَيْثُ لَمْ يَلْقَ بِمِثْلِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ) عِبَارَةُ حَجّ اسْتَبْعَدَهُ الشَّاشِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَخْرُجُونَ الصِّبْيَانُ وَالشُّيُوخُ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى صِبْيَانِ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ: وَالْعَجَائِزُ وَالْخُنْثَى) نَصَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ خُرُوجِهِمَا لِلْأُنُوثَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِي الْعَجَائِزِ وَالْمُحْتَمَلَةِ فِي الْخَنَاثَى (قَوْلُهُ: هَلْ تُرْزَقُونَ) هُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ: أَيْ لَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَخْ (قَوْلُهُ: تُحْسَبُ مِنْ مَالِهِمْ) أَيْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا فِي الْحَجِّ أَنَّ هَذِهِ حَاجَةٌ نَاجِزَةٌ، بِخِلَافِ تِلْكَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ هَلْ يُخْرِجُونَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُمْ بِغَيْرِهِمْ قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَلَوْ خَرَجَتْ الزَّوْجَةُ لِلِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَهِيَ مَعَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا. أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ، أَوْ بِإِذْنِهِ وَهِيَ وَحْدَهَا فَهَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ خُرُوجًا لِحَاجَتِهِمَا كَمَا قَدْ يُفْهِمُهُ كَلَامٌ الْإِسْنَوِيِّ الْمَذْكُورِ حَتَّى تَجِبُ نَفَقَتُهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الِاسْتِسْقَاءِ لَا تَخُصُّ الزَّوْجَ وَلَمْ نَنْدُبْهَا لَهَا وَلَا احْتِيَاجَ إلَيْهَا فِي تَحْصِيلِهَا وَغَيْرُهَا يَقُومُ بِذَلِكَ وَلَا تُعَدُّ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا فِي حَاجَةِ الزَّوْجِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْقَلْبُ إلَى الثَّانِي أَمْيَلُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا خَرَجَتْ لِغَرَضِهَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ قَدْ يَعُودُ عَلَى الزَّوْجِ نَفْعٌ بِوَاسِطَةِ زَوْجِهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَبْعَثْهَا إلَيْهِ وَلَا طَلَبَهُ مِنْهَا وَأَمَّا مُؤْنَةُ خُرُوجِهَا الزَّاهِدَةُ عَلَى نَفَقَةِ التَّخَلُّفِ، فَأَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْبَهَائِمُ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: لَوْ تَرَكُوا الْخُرُوجَ فَهَلْ يُسَنُّ إخْرَاجُ الْبَهَائِمِ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَطْلُبُ وَيُسْتَجَابُ لَهَا أَخْذًا مِنْ قَضِيَّةِ النَّمْلَةِ؟ قَدْ يُتَّجَهُ عَدَمُ سَنِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا إنَّمَا هُوَ بِالتَّبَعِ، وَلَا دَلَالَةَ فِي قَضِيَّةِ النَّمْلَةِ إذْ لَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ أَخْرَجَهَا، وَإِنَّمَا فِيهَا الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرٍ وَقَعَ اتِّفَاقًا، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْبَهَائِمِ مَا يَشْمَلُ نَحْوَ الْكِلَابِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الشُّمُولُ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَرْزِقَةٌ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ فَهَلْ الْعَقُورُ مِنْهَا كَذَلِكَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ كَذَلِكَ حَيْثُ تَأَخَّرَ قَتْلُهُ لِأَمْرٍ اقْتَضَاهُ كَأَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِهِ وَتَزَوُّدِهِ لِيَأْكُلَهُ طَرِيًّا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا) قَالَ الدَّمِيرِيِّ: اسْمُهَا عَيْجَلُونُ اهـ. وَبِبَعْضِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سُلَيْمَانُ عليه الصلاة والسلام، وَتُوقَفُ الْبَهَائِمُ مَعْزُولَةً عَنْ النَّاسِ، فَقَدْ وَرَدَ «لَوْلَا بَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» وَالْمُرَادُ بِالرُّكَّعِ مَنْ انْحَنَتْ ظُهُورُهُمْ مِنْ الْكِبَرِ، وَقِيلَ مِنْ الْعِبَادَةِ.
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَوْلَادِهَا لِيَكْثُرَ الصِّيَاحُ وَالضَّجَّةُ فَيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ وَأَقَرَّهُ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يُسَنُّ إخْرَاجُهَا وَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ.
(وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ) ، أَوْ الْعَهْدِ (الْحُضُورَ) أَيْ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَرْزِقُونَ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ، وَقَدْ يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا. قَالَ تَعَالَى {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [القلم: 44] (وَلَا يَخْتَلِطُونَ) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ (بِنَا) ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا سَبَبَ الْقَحْطِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] وَفِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا: لَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ كِبَارِهِمْ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِكُفْرِهِمْ، نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ حِكَايَةِ الْبَغَوِيّ لَهُ، لَكِنْ عَبَّرَ بِخُرُوجِ صِبْيَانِهِمْ بَدَلَ إخْرَاجِهِمْ، وَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِإِخْرَاجِهِمْ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُمْ لَا تُكْرَهُ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ. قَالَ: أَعْنِي الْمُصَنِّفَ وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي كُفْرَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ إذَا مَاتُوا، فَقَالَ الْأَكْثَرُ إنَّهُمْ فِي النَّارِ، وَطَائِفَةٌ لَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ، وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَوُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ، وَتَحْرِيرُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحَوَاشِي قِيلَ اسْمُهَا حَرَمًا، وَقِيلَ طَافِيَةٌ، وَقِيلَ شَاهِدَةٌ، وَكَانَتْ عَرْجَاءَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ) لَكِنْ لَا يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ إلَّا بِإِذْنٍ كَمَا فِي غَيْرِ الِاسْتِسْقَاءِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْعَهْدِ) أَيْ أَوْ الْمُؤْمِنِينَ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ) أَيْ لَا يُطْلَبُ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ وَكَذَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَخْتَطِلُونَ بِنَا أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مَنْعُهُمْ مِنْ الْخُرُوجِ فِي يَوْمِنَا، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ إلَخْ، الْغَرَضُ مِنْهُ حِكَايَةُ قَوْلٍ مُقَابِلٍ، لِمَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: قَالَ الرُّويَانِيُّ: لَا يَجُوزُ التَّأْمِينُ عَلَى دُعَاءِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ: أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14] اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَنُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَجَابُ لَهُ اسْتِدْرَاجًا كَمَا اُسْتُجِيبَ لِإِبْلِيسَ فَيُؤَمَّنُ عَلَى دُعَائِهِ هَذَا، وَلَوْ قِيلَ: وَجْهُ الْحُرْمَةِ أَنَّ فِي التَّأْمِينِ عَلَى دُعَائِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَغْرِيرًا لِلْعَامَّةِ بِحُسْنِ طَرِيقَتِهِ لَكَانَ حَسَنًا، وَفِي حَجّ مَا نَصُّهُ: وَبِهِ أَيْ بِكَوْنِهِمْ قَدْ تُعَجَّلُ لَهُمْ الْإِجَابَةُ اسْتِدْرَاجًا يَرُدُّ قَوْلَ الْبَحْرِ يَحْرُمُ التَّأْمِينُ عَلَى دُعَاءِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ اهـ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَخْتِمُ لَهُ بِالْحُسْنَى فَلَا عِلْمَ بِعَدَمِ قَبُولِهِ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ مَوْتِهِ عَلَى كُفْرِهِ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ قَالَ: إطْلَاقُهُ بَعِيدٌ، وَالْوَجْهُ جَوَازُ التَّأْمِينِ بَلْ نَدْبُهُ إذَا دَعَا لِنَفْسِهِ بِالْهِدَايَةِ وَلَنَا بِالنَّصْرِ مَثَلًا وَمُنِعَهُ إذَا جَهِلَ مَا يَدْعُو بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْعُو بِإِثْمٍ: أَيْ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ.
[فَرْعٌ] فِي اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ لِلْكَافِرِ خِلَافٌ اهـ. وَاعْتَمَدَ م ر الْجَوَازَ، وَأَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَحْرُمُ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ إلَّا إذَا أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ لَهُ مَعَ مَوْتِهِ عَلَى الْكُفْرِ، وَسَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ الدُّعَاءِ لِلْكَافِرِ بِالْمَغْفِرَةِ. نَعَمْ إنْ أَرَادَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ أَسْلَمَ أَوْ أَرَادَ بِالدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ سَبَبُهُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ ثُمَّ هِيَ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا بِالْجَوَازِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَيَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِالتَّعْظِيمِ وَإِلَّا امْتَنَعَ خُصُوصًا إذَا قَوِيَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى تَعْظِيمِهِ وَتَحْقِيرِ غَيْرِهِ كَأَنْ فَعَلَ فِعْلًا دَعَا لَهُ بِسَبَبِهِ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْعَرَ بِتَحْقِيرِ ذَلِكَ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالذُّنُوبِ مَا يُعَدُّ ذَنْبًا فِي الشَّرْعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ خِطَابٌ لِلصَّبِيِّ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، بَلْ وَبِالْكُفْرِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ، وَعَدَمُ تَكْلِيفِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ اتِّصَافِهِ بِفِعْلِ الْقَبِيحِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي) مُعْتَمَدَ (قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَوُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ) عِبَارَةُ حَجّ فِي الْفَتَاوَى: سُئِلَ نَفْعُ اللَّهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ حِكَايَةِ الْبَغَوِيّ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ حِكَايَةِ الْبَغَوِيّ لَهُ، وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَيْضًا، لَكِنْ عَبَّرَ بِخُرُوجِ صِبْيَانِهِمْ بَدَلَ إخْرَاجِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي تَهْذِيبِ الْبَغَوِيّ أَيْضًا وَهُوَ مُؤَوَّلٌ إلَخْ.
هَذَا أَنَّهُمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ، وَفِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ الْإِمَامُ عَلَى أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ فِي غَيْرِ يَوْمِ خُرُوجِنَا لِئَلَّا تَقَعَ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُضَاهَاةُ فِي ذَلِكَ اهـ.
لَا يُقَالُ: فِي خُرُوجِهِمْ وَحْدَهُمْ مَظِنَّةُ مَفْسَدَةٍ وَهُوَ مُصَادَفَةُ يَوْمِ الْإِجَابَةِ فَيَظُنُّ ضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ خَيْرًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: فِي خُرُوجِهِمْ مَعَنَا مَفْسَدَةٌ مُحَقَّقَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ. .
(وَهِيَ رَكْعَتَانِ) لِلِاتِّبَاعِ (كَالْعِيدِ) أَيْ كَصَلَاتِهِ فِي الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا إلَّا فِيمَا يَأْتِي فَيُكَبِّرُ بَعْدَ افْتِتَاحِهِ قَبْلَ التَّعَوُّذِ وَالْقِرَاءَةِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى جَهْرًا بِسُورَةِ ق وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ بِسَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ قِيَاسًا وَلِوُرُودِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ (لَكِنْ) تَجُوزُ زِيَادَتُهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا مُحَصِّلُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْأَطْفَالِ هَلْ هُمْ فِي الْجَنَّةِ خُدَّامٌ لِأَهْلِهَا ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَهَلْ تَتَفَاضَلُ دَرَجَاتُهُمْ فِي الْجَنَّةِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: أَمَّا أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فَفِي الْجَنَّةِ قَطْعًا بَلْ إجْمَاعًا، وَالْخِلَافُ فِيهِ شَاذٌّ بَلْ غَلَطٌ.
وَأَمَّا أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فَفِيهِمْ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] وَقَوْلُهُ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] إلَخْ. الثَّانِي أَنَّهُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ لَكِنَّهُ نُوزِعَ إلَخْ. الثَّالِثُ الْوُقُوفُ، وَيُعَبِّرُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ إلَخْ. الرَّابِعُ أَنَّهُمْ يُجْمَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُؤَجَّجُ لَهُمْ نَارٌ يُقَالُ اُدْخُلُوهَا، فَيَدْخُلَهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ شَقِيًّا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ إلَخْ اهـ. مُلَخَّصًا. وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ هَلْ يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَهَلْ وَرَدَ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَأَنَّ الْقَبْرَ يَضُمُّهُمْ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَهَلْ يَتَأَلَّمُونَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ يُعَذَّبُونَ مُصِيبٌ فِيهِ أَمْ مُخْطِئٌ، وَمَا الْحُكْمُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ هَلْ هُمْ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَمْ هُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ لَا يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي، إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ، وَالْعَذَابُ عَلَى ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِينَ، وَلَا يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ حَجّ وَلِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْلُ إنَّ الطِّفْلَ يُسْأَلُ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا لَا يَصِحُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَقَّنَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ، وَلَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الطِّفْلِ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ مَا فِيهِ عُقُوبَةٌ وَلَا السُّؤَالُ، بَلْ مُجَرَّدُ أَلَمِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّغْطَةِ الَّتِي تَعُمُّ الْأَطْفَالَ وَغَيْرَهُمْ. وَأَخْرَجَ عَلِيُّ بْنُ مَعِينٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ فَمَرَّتْ جِنَازَةُ صَبِيٍّ صَغِيرٍ فَبَكَتْ، فَقُلْت لَهَا: مَا يُبْكِيك؟ قَالَتْ: هَذَا الصَّبِيُّ بَكَيْت شَفَقَةً عَلَيْهِ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ. وَالْقَائِلُ الْمَذْكُورُ إنْ أَرَادَ بِيُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ أَوْ عَلَى الْمَعَاصِي فَغَيْرُ مُصِيبٍ بَلْ هُوَ مُخْطِئٌ أَشَدَّ الْخَطَأِ لِمَا تَقَرَّرَ، وَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ عَلَى نَحْوِ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ، الرَّاجِحُ مِنْهَا أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ. وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ الْأَطْفَالِ فِي النَّارِ، فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَطْفَالَ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ أَطْفَالَ كُفَّارٍ عَلَى الصَّحِيحِ. نَعَمْ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلْقًا وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ وَخَلْقًا يُدْخِلُهُمْ النَّارَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ اهـ بِحُرُوفِهِ، وَالْعَشَرَةُ أَقْوَالٍ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا سَرَدَهَا فِي فَتْحِ الْبَارِّي فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَنْبَغِي) أَيْ يَجِبُ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ لِئَلَّا إلَخْ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا تَقَعَ الْمُسَاوَاةُ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَيَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ إلَخْ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَيْنَهُمَا مَا يَقُولُهُ فِي الْعِيدِ، وَقَدْ يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ فِي الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا. . إلَخْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ تَجُوزُ زِيَادَتُهَا) وَهَلْ إذَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ يَفْصِلُ بَيْنَ أَنْ يَتَشَهَّدَ تَشَهُّدًا أَوَّلَ فَيُسِرُّ بَعْدَهُ أَمْ لَا فَيَجْهَرُ مُطْلَقًا. وَهَلْ الزِّيَادَةُ تَشْمَلُ الرَّكْعَةَ، وَهَلْ إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِهَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ تَجِبُ كَذَلِكَ وَيَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بِخِلَافِ الْعِيدِ، وَأَيْضًا (قِيلَ) هُنَا إنَّهُ (يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ) بَدَلَ اقْتَرَبَتْ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ اللَّائِقَيْنِ بِالْحَالِ وَرَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ وَيُنَادِي لَهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّهَا كَالْعِيدِ رُبَّمَا تُوُهِّمَ إعْطَاؤُهَا حُكْمَهُ فِي وَقْتِهِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ وَجَّهَ دَفْعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلَا تَخْتَصُّ) صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ (بِوَقْتِ)(الْعِيدِ فِي الْأَصَحِّ) بَلْ وَلَا بِوَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ، بَلْ يَجُوزُ فِعْلُهَا مَتَى شَاءَ وَلَوْ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ فَدَارَتْ مَعَهُ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ تَخْتَصُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ (وَيَخْطُبُ كَالْعِيدِ) فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَالسُّنَنِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَجْلِسَ أَوَّلَ مَا يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ، ثُمَّ يَقُومَ فَيَخْطُبَ (لَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى بَدَلَ التَّكْبِيرِ) فَيَقُولُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى تِسْعًا وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ سَبْعًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْحَالِ وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «مَنْ قَالَهُ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ» وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ أَكْثَرَ دُعَائِهِ وَمِنْ قَوْلِهِ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] إلَى {وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 12](وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى) جَهْرًا وَيَقُولُ (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (أَسْقِنَا) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَسْقَى (غَيْثًا) بِمُثَلَّثَةٍ أَيْ مَطَرٌ (مُغِيثًا) بِضَمِّ الْمِيمِ: أَيْ مُنْقِذًا مِنْ الشِّدَّةِ بِإِرْوَائِهِ (هَنِيئًا) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ أَيْ طَيِّبًا لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ (مَرِيئًا) أَيْ مَحْمُودَ الْعَاقِبَةِ (مَرِيعًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ وَيُرْوَى بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَمَرْتَعًا بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقَ: أَيْ ذَا رِيعٍ: أَيْ بِمَاءٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الْمَرَاعَةِ (غَدَقًا) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ: أَيْ كَثِيرَ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ، وَقِيلَ الَّذِي قَطْرُهُ كِبَارٌ (مُجَلِّلًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ يُجَلِّلُ الْأَرْضَ: أَيْ يَعُمُّهَا كَجُلِّ الْفَرَسِ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُجَلِّلُ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ (سَحًّا) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ شَدِيدَ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ (طَبَقًا) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مُطْبِقًا عَلَى الْأَرْضِ: أَيْ مُسْتَوْعِبًا لَهَا فَيَصِيرُ كَالطَّبَقِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ الْإِحْرَامِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ، وَهَلْ يُكَبِّرُ فِي الزَّائِدِ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأُولَيَيْنِ، وَإِذَا كَبَّرَ فَهَلْ يُكَبِّرُ فِي الثَّالِثَةِ سَبْعًا وَالرَّابِعَةِ خَمْسًا مَثَلًا، وَهَلْ يَقْرَأُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مَثَلًا سُورَةً أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَكُلٌّ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى. كَذَا بِهَامِشٍ عَنْ شَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ جَهَرَ وَقَرَأَ وَإِلَّا فَلَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ وَجَبَ فِعْلُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِيدِ) مِثْلُهُ فِي حَجّ وَبِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ هَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَنَّ الشَّارِحَ رحمه الله ضَرَبَ عَلَيْهِ فِي نُسْخَتِهِ، وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ كَالْعِيدِ اهـ وَهُوَ قَرِيبٌ (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ أَنْ يَجْلِسَ) أَيْ بِقَدْرِ أَذَانِ الْجُمُعَةِ قِيَاسًا عَلَى الْعِيدِ (قَوْلُهُ: مَنْ قَالَهُ غُفِرَ لَهُ) أَيْ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَلَا بِكَوْنِهِ تِسْعًا.
(قَوْلُهُ: وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى جَهْرًا) زَادَ حَجّ بِأَدْعِيَتِهِ صلى الله عليه وسلم الْوَارِدَةِ عَنْهُ وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا إلَخْ (قَوْلُهُ: بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَسْقَى) وَبِوَصْلِهَا مِنْ سَقَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ) أَيْ وَيُنَمِّي الْحَيَوَانَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: مَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ) زَادَ حَجّ: فَالْهَنِيءُ النَّافِعُ ظَاهِرًا وَالْمَرِيءُ النَّافِعُ بَاطِنًا (قَوْلُهُ: يُجَلِّلُ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ) أَيْ يُصَيِّرُهَا عَظِيمَةً مَسْتُورَةً بِالنَّبَاتِ (قَوْلُهُ: مُطْبَقًا عَلَى الْأَرْضِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ) أَيْ مُتَقَدِّمٍ وَهُوَ الْمَحَلُّ (قَوْلُهُ: فَيَقُولُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى تِسْعًا إلَخْ) لَمْ يُذْكَرْ مَقُولُ هَذَا الْقَوْلِ فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتهَا، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ فَلْتُرَاجَعْ لَهُ نُسْخَةٌ صَحِيحَةٌ. لَا يُقَالُ: قَوْلُهُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَخْ تُنَازِعُهُ يَقُولُ هَذَا وَيَقُولُ الْآتِي بَعْدَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَقُولَ الْأَوَّلِ مُطْلَقُ الِاسْتِغْفَارِ الشَّامِلُ لِمَا ذُكِرَ وَغَيْرِهِ فَهُوَ غَيْرُ خُصُوصِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ) وَبِوَصْلِهَا أَيْضًا كَمَا فِي الدَّمِيرِيِّ
عَلَيْهَا (دَائِمًا) إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَذَابٌ (اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ (وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ) أَيْ الْآيِسِينَ بِتَأْخِيرِ الْمَطَرِ. اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنْ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالضَّنْكِ مَا لَا نَشْكُو إلَّا إلَيْك. اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرْ لَنَا الضَّرْعَ وَأَسْكِنَّا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ. اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك (اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّك كُنْت غَفَّارًا، فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ) أَيْ الْمَطَرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَطَرُ مَعَ السَّحَابِ (عَلَيْنَا مِدْرَارًا) أَيْ دُرًّا كَثِيرًا: أَيْ مَطَرًا كَثِيرًا (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) اسْتِحْبَابًا (بَعْدَ صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ) وَهُوَ نَحْوُ ثُلُثِهَا كَمَا فِي الدَّقَائِقِ، فَإِنْ اسْتَقْبَلَ لَهُ فِي الْأُولَى لَمْ يَعُدَّهُ فِي الثَّانِيَةِ، نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ اسْتَدْبَرَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ يَحُثُّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى فَرَاغِهِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ (وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ) حِينَئِذٍ (سِرًّا وَجَهْرًا) فَيُسِرُّ الْقَوْمُ أَيْضًا حَالَةَ إسْرَارِهِ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ حَالَةَ جَهْرِهِ بِهِ قَالَ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وَيَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ جَاعِلِينَ ظُهُورَ أَكُفِّهِمْ إلَى السَّمَاءِ كَدَاعٍ لِكُلِّ رَفْعِ بَلَاءٍ وَمَنْ دَعَا بِحُصُولِ شَيْءٍ عَكْسِ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ لَهُ رَفْعُ يَدٍ مُتَنَجِّسَةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِلٌ احْتَمَلَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ قَالَ إمَامُنَا رضي الله عنه: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ دُعَائِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: اللَّهُمَّ إنَّكَ أَمَرْتنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتنَا إجَابَتَك وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدَتْنَا اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا وَإِجَابَتِك فِي سُقْيَانَا وَسَعَةٍ فِي رِزْقِنَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مُخَفَّفَةً، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: وَأَطْبَقَ الشَّيْءُ غَطَّاهُ اهـ. أَوْ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَطَبَّقَ الشَّيْءَ تَطْبِيقًا عَمَّ، وَالسَّحَابُ الْجَوُّ غَشَّاهُ وَالْمَاءُ وَجْهُ الْأَرْضِ غِطَاءً (قَوْلُهُ: إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ) زَادَ حَجّ وَالْخَلْقَ (قَوْلُهُ: مِنْ اللَّأْوَاءِ) هُوَ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ شِدَّةُ الْمَجَاعَةِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَقْبَلَ لَهُ فِي الْأُولَى) أَيْ لَا تُطْلَبُ إعَادَتُهُ بَلْ يَنْبَغِي كَرَاهَتُهَا، وَكَذَا يَنْبَغِي كَرَاهَةُ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْأُولَى وَإِنْ أَجْزَأَ فِيهَا عَنْ الِاسْتِقْبَالِ فِي الثَّانِيَةِ.
(قَوْلُهُ: ظُهُورَ أَكُفَّهُمْ إلَى السَّمَاءِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى فِي قَوْلِهِمْ اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَنَحْوِهِ لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ بِهِ رَفْعُ الْبَلَاءِ، وَيُخَالِفُهُ مَا مَرَّ لَهُ فِي الْقُنُوتِ وَعِبَارَتُهُ وَيُجْعَلُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ إنْ دَعَا لِرَفْعِ بَلَاءٍ وَنَحْوِهِ عَكْسُهُ إنْ دَعَا لِتَحْصِيلِ شَيْءٍ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَيُمْكِنُ رَدُّ مَا فِي الْقُنُوتِ إلَى مَا هُنَا بِأَنْ يُقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنْ طَلَبَ رَفْعَ شَيْءٍ: أَيْ إنْ طَلَب مَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ رَفْعُ شَيْءٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ دَعَا لِتَحْصِيلِ شَيْءٍ أَيْ إنْ دَعَا بِطَلَبِ تَحْصِيلِ شَيْءٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِلٌ احْتَمَلَ إلَخْ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الْقُنُوتِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ وَيُكْرَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ رَفْعُ الْيَدِ الْمُتَنَجِّسَةِ وَلَوْ بِحَائِلٍ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: مَا قَارَفْنَا) أَيْ ارْتَكَبْنَا مِنْ الذُّنُوبِ (قَوْلُهُ: وَسَعَةٍ فِي أَرْزَاقِنَا) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَبِهَا جَاءَ التَّنْزِيلُ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الدَّنَوْشَرِيُّ فَقَالَ:
وَسَعَةٌ بِالْفَتْحِ فِي الْأَوْزَانِ
…
وَالْكَسْرُ مَحْكِيٌّ عَنْ الصَّغَانِي
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ اسْتِقْبَالِهِ الْقِبْلَةَ وَإِنْ أَوْهَمَ سِيَاقُهُ خِلَافَهُ وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ، فَإِنْ اسْتَقْبَلَ لَهُ فِي الْأُولَى إلَخْ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا لَكَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: جَاعِلِينَ ظُهُورَ أَكُفِّهِمْ إلَى السَّمَاءِ) ظَاهِرُهُ فِي جَمِيعِ الدُّعَاءِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، إذْ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى طَلَبِ الْحُصُولِ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَقَدْ يُقَالُ: الْمَطْلُوبُ رَفْعُ مَا هُوَ وَاقِعٌ مِنْ الْجَدْبِ وَإِنْ طُلِبَ فِيهِ مَا ذُكِرَ
ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمُحَرَّرِ اخْتِصَارًا (وَيُحَوِّلُ) الْخَطِيبُ (رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ) الْقِبْلَةَ تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْحَالِ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ لِلِاتِّبَاعِ وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ (فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ) أَيْ يَمِينِ رِدَائِهِ (يَسَارَهُ وَعَكْسُهُ لِلِاتِّبَاعِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَانَ طُولُ رِدَائِهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرًا (وَيُنَكِّسُهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا وَبِضَمِّهِ مُثَقَّلًا عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ (فِي الْجَدِيدِ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسُهُ) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَهْمُهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَتَرْكِهِ لِلسَّبَبِ الْمَذْكُورِ، وَالْقَدِيمُ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلُهُ، وَمَتَى جَعَلَ الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَالْآخَرَ عَلَى الْأَيْسَرِ حَصَلَ التَّنْكِيسُ وَالتَّحْوِيلُ جَمِيعًا، وَالْخِلَافُ فِي الرِّدَاءِ الْمُرَبَّعِ أَمَّا الْمُدَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ فَلَيْسَ فِيهِمَا إلَّا التَّحْوِيلُ قَطْعًا وَكَذَا الطَّوِيلُ، وَمُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِعَدَمِ تَأَتِّي ذَلِكَ تَعَسُّرُهُ لَا تَعَذُّرُهُ (وَيُحَوِّلُ النَّاسُ) وَيُنَكِّسُونَ وَهُمْ جُلُوسٌ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مِثْلُهُ فَهُوَ مُسَاوٍ لِقَوْلِ أَصْلِهِ وَيُجْعَلُ عَلَى أَنَّهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَبَّرَ بِعِبَارَةِ أَصْلِهِ (مِثْلَهُ) تَبَعًا لَهُ لِلِاتِّبَاعِ (قُلْت وَيُتْرَكُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ رِدَاءُ الْخَطِيبِ وَالنَّاسِ (مُحَوَّلًا حَتَّى يَنْزِعَ الثِّيَابَ) عِنْدَ رُجُوعِهِمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ غَيَّرَ رِدَاءَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَاسْتِحْبَابُ التَّحْوِيلِ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى جَزَمَ بِهِ ابْنُ كَبْنٍ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَأْخَذِهِ (وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ النَّاسُ) كَسَائِرِ السُّنَنِ؛ لِأَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ كَمَا هُوَ مُحْتَاجٌ بَلْ أَشَدُّ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ مَعَ وُجُودِ الْوَالِي فِي الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ (وَلَوْ خَطَبَ) لَهُ (قَبْلَ الصَّلَاةِ)(جَازَ) لِمَا صَحَّ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ، ثُمَّ صَلَّى، لَكِنَّهُ فِي حَقِّنَا خِلَافُ الْأَفْضَلِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْخُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يَفْعَلُ التَّحْوِيلَ عِنْدَ إرَادَةِ الِاسْتِقْبَالِ أَوْ مَعَهُ أَوْ عَقِبَهُ اهـ عَمِيرَةُ. أَقُولُ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِنْدِيَّةِ الْأَوَّلُ وَالْأَقْرَبُ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا قَبْلَ الِاسْتِقْبَالِ مَشْغُولٌ بِالْوَعْظِ وَمَعَهُ يُورِثُ مَشَقَّةً فِي الْجَمْعِ بَيْنَ التَّحْوِيلِ وَالِالْتِفَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَكَانَ طُولُ رِدَائِهِ صلى الله عليه وسلم) قَالَ حَجّ فِي آخِرِ اللِّبَاسِ: فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَرَّرْ كَمَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ فِي طُولِ عِمَامَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَرْضِهَا شَيْءٌ، وَمَا وَقَعَ لِلطَّبَرِيِّ فِي طُولِهَا أَنَّهُ نَحْوُ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ وَلِغَيْرِهِ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَبْعَةٌ فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ، وَأَنَّهَا كَانَتْ فِي السَّفَرِ بَيْضَاءَ وَفِي الْحَضَرِ سَوْدَاءَ مِنْ صُوفٍ وَأَنَّ عَذْبَتَهَا كَانَتْ فِي السَّفَرِ مِنْ غَيْرِهَا وَفِي الْحَضَرِ مِنْهَا، فَهُوَ شَيْءٌ اسْتَرْوَحَا فِيهِ وَلَا أَصْلَ لَهُ. نَعَمْ وَقَعَ خِلَافٌ فِي الرِّدَاءِ فَقِيلَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَقِيلَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ أَوْ شِبْرَانِ فِي عَرْضِ ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرٍ، وَقِيلَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعَيْنِ وَنِصْفٍ، وَلَيْسَ فِي الْإِزَارِ إلَّا الْقَوْلُ الثَّانِي اهـ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ) أَيْ كِسَاءٌ (قَوْلُهُ: جَزَمَ بِهِ ابْنُ كَبٍّ) وَفِي نُسْخَةٍ كَبْنٍ (قَوْلُهُ: فَعَلَهُ النَّاسُ) أَيْ الْبَالِغُونَ الْكَامِلُونَ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةُ عَيْنٍ فَلَا يَسْقُطُ طَلَبُهَا بِفِعْلِ بَعْضِهِمْ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا؛ لِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا يُقَالُ فِي سُنَنِ الْكِفَايَةِ وَهَذِهِ سُنَّةُ عَيْنٍ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ) وَيَحْرُمُ ذَلِكَ إنْ ظَنُّوا فِتْنَةً اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ حَيْثُ فَعَلُوهَا فِي الْبَلَدِ خَطَبُوا وَلَوْ بِلَا إذْنٍ وَلَعَلَّهُ غَيْرَ مُرَادٍ، بَلْ مَتَى خَافُوا الْفِتْنَةَ لَمْ يَخْطُبُوا إلَّا بِإِذْنٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ جَازَ) أَيْ بِخِلَافِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ خَطَبَ قَبْلَهُمَا. وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ: اُنْظُرْ مَانِعَ الصِّحَّةِ فِي الْعِيدِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ وَيُنَكِّسُونَ وَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ كَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُسَاوٍ لِقَوْلِ أَصْلِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ وَالنَّاسُ يَفْعَلُونَ بِأَرْدِيَتِهِمْ كَمَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ
وَمِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْبَابِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ الِاسْتِسْقَاءَ أَنْ يَسْتَشْفِعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى سِرًّا بِخَالِصِ عَمَلٍ يَتَذَكَّرُهُ، لِخَبَرِ الَّذِينَ أَوَوْا إلَى الْغَارِ وَبِأَهْلِ الصَّلَاحِ، لَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَقَارِبِهِ صلى الله عليه وسلم (وَيُسَنُّ) لِكُلِّ أَحَدٍ (أَنْ يَبْرُزَ) أَيْ يَظْهَرَ (لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ) مِنْ جَسَدِهِ (غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ) شَيْءٌ مِنْهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ «أَنَسٍ قَالَ أَصَابَنَا مَطَرٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَسَرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْت هَذَا قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» أَيْ بِتَكْوِينِهِ وَتَنْزِيلِهِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَطَرِ أَوَّلِ السَّنَةِ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ: أَيْ فَهُوَ لِأَوَّلِ كُلِّ مَطَرٍ أَوْلَى مِنْهُ لِآخِرِهِ (وَأَنْ)(يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي) مَاءٍ (السَّيْلِ) لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْكُسُوفِ، وَلَا يُقَالُ الِاتِّبَاعُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ لِجَوَازِ الْقِيَاسِ فِيمَا لَمْ يَرُدَّ عَلَى مَا وَرَدَ، وَلَا يُقَالُ الِاهْتِمَامُ بِأَمْرِ الْحَثِّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْوَعْظِ اقْتَضَى صِحَّةَ التَّقْدِيمِ؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِهِ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ الصِّحَّةِ بَلْ الْأَوْلَوِيَّةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ اهـ مِنْ حَوَاشِي التَّحْرِيرِ.
وَقَدْ رَفَعَ ذَلِكَ نُعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ اهـ بَيْضَاوِيٌّ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف: 9] الْآيَةَ (قَوْلُهُ: لِأَوَّلِ مَطَرِ السُّنَّةِ) وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بَعْدَ انْقِطَاعِ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي الْمُحَرَّمِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ النِّيلُ فَيَبْرُزُ لَهُ وَيَفْعَلُ مَا ذَكَرَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى اهـ زِيَادِي بِهَامِشٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى الْمَاءِ عِنْدَ قَطْعِ الْخُلْجَانِ وَنَحْوِهَا إجْرَاءٌ لِمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ فِي النَّهْرِ فَلَيْسَ كَالْمَطَرِ فَإِنَّ نُزُولَهُ الْآنَ قَرِيبُ عَهْدٍ بِالتَّكْوِينِ وَلَا كَذَلِكَ مَاءُ النِّيلِ.
[فَرْعٌ] قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: يَحْرُمُ تَأْخِيرُ قَطْعِ الْخَلِيجِ وَنَحْوِهِ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَحَقَّ أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ كَبُلُوغِ النِّيلِ بِمِصْرِنَا سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا اهـ. وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ أَنَّ فِيهِ تَأْخِيرًا لَهُ عَنْ شُرْبِ الدَّوَابِّ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْهُ، فَتَأْخِيرُهُ مُفَوِّتٌ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ اهـ (قَوْلُهُ غَيْرَ عَوْرَتِهِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ، وَأَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِكَشْفِ جُزْءٍ مَا مِنْ بَدَنِهِ وَإِنْ قَلَّ كَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي السَّيْلِ) أَيْ سَوَاءٌ حَصَلَ بِالِاسْتِسْقَاءِ أَوْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ الْحَدِيثُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ هِيَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ: اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرُ مِنْهُ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ» وَهُوَ صَادِقٌ بِالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ هُنَا كَالرَّوْضَةِ بِأَوْ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ أَحَدِهِمَا بِالْمَنْطُوقِ وَكِلَيْهِمَا بِمَفْهُومِ الْأَوْلَى فَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، فَقَالَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ.
وَالْمُتَّجَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ، ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نِيَّةٌ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَخِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، إلَّا إنْ صَادَفَ وَقْتَ وُضُوءٍ، أَوْ غُسْلٍ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ هِيَ الْحِكْمَةُ فِي كَشْفِ الْبَدَنِ لِيَنَالَهُ أَوَّلُ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتُهُ (وَ) أَنْ (يُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ وَ) عِنْدَ (الْبَرْقِ) لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ " أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ "، وَقِيسَ بِالرَّعْدِ الْبَرْقُ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ: سُبْحَانَ مَنْ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا، وَفِي الْأُمِّ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ وَالْبَرْقَ أَجْنِحَتُهُ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيَكُونُ الْمَسْمُوعُ صَوْتَهُ: أَيْ صَوْتَ تَسْبِيحِهِ، أَوْ صَوْتَ سَوْقِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ وَأُطْلِقَ الرَّعْدُ عَلَيْهِ مَجَازًا، وَرُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعَثَ اللَّهُ السَّحَابَ فَنَطَقَتْ أَحْسَنَ النُّطْقِ وَضَحِكَتْ أَحْسَنَ الضَّحِكِ، فَالرَّعْدُ نُطْقُهَا وَالْبَرْقُ ضَحِكُهَا» (وَ) أَنْ (لَا يَتْبَعَ بَصَرُهُ الْبَرْقَ) لِمَا فِي الْأُمِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الْبَرْقَ أَوْ الْوَدْقَ فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ، وَالْوَدْقُ بِالْمُهْمَلَةِ: الْمَطَرُ، وَفِيهِ زِيَادَةُ الْمَطَرِ، وَزَادَ الْمَاوَرْدِيُّ الرَّعْدُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَطَرُ، فَقَالَ: وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، فَيَخْتَارُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ.
(وَ) أَنْ (يَقُولَ عِنْدَ) نُزُولِ (الْمَطَرِ) نَدْبًا كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ (اللَّهُمَّ صَيِّبًا) بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ: أَيْ عَطَاءً (نَافِعًا) وَفِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحِكْمَةُ (قَوْلُهُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى الْغُسْلِ لِشَرَفِ أَعْضَائِهِ كَمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نِيَّةٌ) لَعَلَّ الْمُرَادَ لِحُصُولِ السُّنَّةِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِكَوْنِهِ مُمْتَثِلًا آتِيًا بِمَا أُمِرَ بِهِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا بِنِيَّتِهِ كَأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت سُنَّةَ الْغُسْلِ مِنْ هَذَا السَّيْلِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت حَجّ قَالَ: وَلَوْ قِيلَ يَنْوِي سُنَّةَ الْغُسْلِ فِي السَّيْلِ لَمْ يَبْعُدْ اهـ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وُصُولُ الْمَاءِ لِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ التَّرْتِيبِ وَبِبَعْضِ الْهَوَامِشِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُسَنُّ الْغُسْلُ فِي أَيَّامِ زِيَادَةِ النِّيلِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُدَّةَ أَيَّامِ الزِّيَادَةِ اهـ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ.
(قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ) وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَفِي الْمُهِمَّاتِ: الْمُتَّجَهُ الْجَمْعُ ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ، وَأَنَّهُ لَا نِيَّةَ فِيهِ إذَا لَمْ يُصَادِفْ وَقْتَ وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ سُقُوطُ قَوْلِهِ: تَبَعًا إلَخْ، عَلَيْهَا فِعْلُ الْمُرَادِ أَنَّ الشَّيْخَ بَحَثَهُ فِي غَيْرِ شَرْحِ مَنْهَجِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ بَحَثَهُ: أَيْ بَحَثَ الِاشْتِرَاطَ فَهُوَ قَيْدٌ لِلْمَنْفِيِّ، وَعَلَيْهِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: لَمَّا رَوَاهُ مَالِكٌ) قَالَ حَجّ: وَلِأَنَّ الذِّكْرَ عِنْدَ الْأُمُورِ الْمَخُوفَةِ تُؤْمَنُ بِهِ غَائِلَتُهَا (قَوْلُهُ: إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ) أَيْ مَا كَانَ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قُرْآنًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ قِيَاسًا عَلَى إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ لَا بِبَصَرِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: شَامِلٌ لِلْإِشَارَةِ بِغَيْرِ الْبَصَرِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ فَيَخْتَارُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ) أَيْ وَتَحْصُلُ سُنَّةُ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: «كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ: اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا» إلَخْ) يُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ مَاءَ النِّيلِ كَمَاءِ السَّيْلِ، فَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى مِمَّا نُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ مِنْ إلْحَاقِهِ بِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ الْمَارِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَخِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ إلَّا إنْ صَادَفَ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ إلَّا إنْ صَادَفَ إذْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لِلْإِسْنَوِيِّ، وَلَعَلَّ لَفْظَ فِي قَوْلِهِ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ أَسْقَطَهُ الْكَتَبَةُ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ الْمَتْنُ الْمَطَرُ فَلَا يُتْبِعُهُ الْبَصَرَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ بَلَدٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَطَرُ.
رِوَايَةٍ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ، وَفِي أُخْرَى مَعَ الْأَوَّلِ نَافِعًا. فَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ) حَالَ نُزُولِهِ لِخَبَرِ؟ «اُطْلُبُوا اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَنُزُولِ الْغَيْثِ» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ «تُفَتَّحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ: الْتِقَاءُ الصُّفُوفِ، وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ، وَعِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ» (وَ) أَنْ يَقُولَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَطَرِ: أَيْ فِي أَثَرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ) عَلَيْنَا (وَرَحْمَتِهِ) لَنَا.
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا أَنْ يَقُولَ (مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا) بِفَتْحِ نُونِهِ وَهَمْزِ آخِرِهِ: أَيْ بِوَقْتِ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي إضَافَةِ الْأَمْطَارِ إلَى الْأَنْوَاءِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ النَّوْءَ مُمْطِرٌ حَقِيقَةً، فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْفَاعِلُ حَقِيقَةً كَفَرَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَمَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ» ، وَأَفَادَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْبَاءِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مُطِرْنَا فِي نَوْءِ كَذَا لَمْ يُكْرَهْ وَهُوَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ ظَاهِرٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَطَرِ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ ثُمَّ يَقْرَأُ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا اسْتِثْنَاءَ، إذْ لَا إيهَامَ فِيهِ أَصْلًا، وَالنَّوْءُ: سُقُوطُ نَجْمٍ مِنْ الْمَنَازِلِ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الْفَجْرِ وَطُلُوعُ رَقِيبِهِ مِنْ الْمَشْرِقِ مُقَابِلَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَكَذَا كُلُّ نَجْمٍ إلَى انْقِضَاءِ السَّنَةِ مَا خَلَا الْجَبْهَةَ فَإِنَّ لَهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا (وَ) يُكْرَهُ (سَبُّ الرِّيحِ) بَلْ يُسَنُّ الدُّعَاءُ عِنْدَهَا لِخَبَرِ «الرِّيحُ مِنْ رُوحِ اللَّهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ. فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا» (وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ) وَهِيَ ضِدُّ الْقِلَّةِ مُثَلَّثَةُ الْكَافِ (فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ) تَعَالَى (رَفْعَهُ) بِأَنْ يَقُولُوا نَدْبًا مَا قَالَهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ (اللَّهُمَّ) اجْعَلْ الْمَطَرَ (حَوَالَيْنَا) فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْمَرَاعِي (وَلَا) تَجْعَلْهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ) أَيْ سَيْبًا بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ اهـ حَجّ. وَعِبَارَةُ ع: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ صَيِّبًا: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مِنْ صَابَ يَصُوبُ: إذَا نَزَلَ مِنْ عُلُوٍّ إلَى أَسْفَلَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ: اللَّهُمَّ سَيْبًا، وَهُوَ الْعَطَاءُ اهـ (قَوْلُهُ: وَفِي أُخْرَى مَعَ الْأَوَّلِ) أَيْ صَيِّبًا.
(قَوْلُهُ: نَاقِعًا) بِالْقَافِ: أَيْ شَافِيًا لِلْغَلِيلِ وَمَزِيدٌ لِلْعَطَشِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مُخْتَارِ الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ) يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِقَلْبِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ وَبَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ أَوْ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يُجِيبُ بِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَلِيمِيُّ ثُمَّ، وَاعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ رحمه الله، وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ عِنْدَ الْقَوْلِ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ تَوْفِيقِيَّةٌ، ثُمَّ إذَا دَعَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَيَقَّنَ حُصُولَ الْمَطْلُوبِ لِإِخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ نَسَبَ تَخَلُّفَهُ إلَى فَسَادِ نِيَّتِهِ وَفَقْدِ شُرُوطِ الدُّعَاءِ مِنْهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ وَرُؤْيَتُهُ لَهَا وَكَانَ الزَّمَنُ قَرِيبًا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ) أَيْ فِي غَيْرِ شَرْحِ مِنْهَجِهِ (قَوْلُهُ: عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ) قَالَ حَجّ هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ سَبُّ الرِّيحِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَادَةً أَوْ غَيْرَ مُعْتَادَةٍ، لَكِنَّ السَّبَّ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْعَادَةِ لِغَيْرِ الْمُعْتَادَةِ خُصُوصًا إذَا شَوَّشَتْ ظَاهِرًا عَلَى السَّابِّ، وَلَا تَتَقَيَّدُ الْكَرَاهَةُ بِذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ: «الرِّيحُ مِنْ رُوحِ اللَّهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ» هَلْ الْمُرَادُ فِي الْجُمْلَةِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الَّتِي تَأْتِي بِالْعَذَابِ مِنْ رَحْمَتِهِ أَيْضًا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ: أَيْ أَوْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ صُدُورِهَا بِخَلْقِ اللَّهِ وَإِيجَادِهِ رَحْمَةٌ فِي ذَاتِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَأْتِي بِالْعَذَابِ لِمَنْ أَرَادَهُ اللَّهُ لَهُ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي (قَوْلُهُ:«وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا» ) وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَإِنَّ لَهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا) هَذَا فِي السَّنَةِ الْكَبِيسَةِ وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ أَيَّامُ النَّسِيءِ فِيهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ، بِخِلَافِ الْبَسِيطَةِ وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ النَّسِيءُ فِيهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، فَلَوْ قَالَ إلَّا الْغَفْرَ لَكَانَ أَوْلَى،؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ دَائِمًا عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ.