الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ الدَّارِمِيِّ وَغَيْرِهِ وَاضِحٌ، فَإِنَّهُ بِاقْتِدَائِهِ بِهِ صَارَ اللَّازِمُ لَهُ مُرَاعَاةَ تَرْتِيبِ صَلَاةِ إمَامِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى تَشَهَّدَ الْإِمَامُ سَجَدَ، فَإِنْ فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ وَلَوْ بِالرَّفْعِ مِنْهُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلْ حَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ وَأَدْرَكَ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ رَفَعَ مِنْهُ بَعْدَ سَلَامِهِ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا، وَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُتَابِعُهُ فَلَا يَسْجُدُ بَلْ يَجْلِسُ مَعَهُ، ثُمَّ بَعْدَ سَلَامِهِ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا.
وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَيُوَجَّهُ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ السُّبْكِيّ وَالْإِسْنَوِيِّ فِي نَظِيرِهَا وَهُوَ أَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ لَهُ السُّجُودَ حِينَئِذٍ لَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ وَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ الْمُتَابَعَةِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالْعُذْرِ مِنْ تِلْكَ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مُقَصِّرٌ بِخِلَافِ هَذَا.
، ثُمَّ جَمِيعُ مَا مَرَّ مِنْ تَخَلُّفِهِ لِزَحْمَةٍ أَمَّا تَخَلُّفُهُ لِغَيْرِهَا فَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ)(تَخَلَّفَ بِالسُّجُودِ) فِي الْأُولَى (نَاسِيًا) لِلسُّجُودِ (حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لِلثَّانِيَةِ) فَذَكَرَهُ (رَكَعَ مَعَهُ حَتْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ) وَحَصَلَ لَهُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَسَقَطَ الْبَاقِي مِنْهُمَا، وَالثَّانِي يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاةِ نَفْسِهِ كَالْمَزْحُومِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِتَقْصِيرِهِ بِالنِّسْيَانِ وَالتَّخَلُّفِ لِمَرَضٍ كَتَخَلُّفِهِ لِلنِّسْيَانِ فِيمَا ذُكِرَ. .
[بَابٌ كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]
[النَّوْعُ الْأَوَّلِ كَوْنُ الْعَدُوِّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ]
(بَابٌ) كَيْفِيَّةُ (صَلَاةِ الْخَوْفِ) وَهُوَ لُغَةً ضِدُّ الْأَمْنِ، وَحُكْمُ صَلَاتِهِ كَصَلَاةِ الْأَمْنِ، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ بِبَابٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ مَا لَا يُحْتَمَلُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
رَكْعَةً، هَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِمَّا ذُكِرَ، لَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِيمَا لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ فِي تَشَهُّدِ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ، فَالْأَوْلَى جَعْلُ الْإِشَارَةِ رَاجِعَةً لِتَطْوِيلِ الْجُلُوسِ، وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ بَلْ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ رَفَعَ مِنْهُ بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ فَرَاغِهِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ مُقَارِنًا لِسَلَامِهِ فَإِنَّهَا تَحْصُلُ لَهُ (قَوْلُهُ: فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ) مُعْتَمَدٌ.
(بَابٌ صَلَاةُ الْخَوْفِ) . (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَفْرَدَ بِبَابٍ) أَيْ الْخَوْفِ أَيْ صَلَاتِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ فِي الصَّلَاةِ) شَمَلَ تَعْبِيرُهُ بِالصَّلَاةِ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، وَسَيَأْتِي لَهُ التَّصْرِيحُ بِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ لَا مُطْلَقًا بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَيْفِيَّةِ الرَّابِعَةِ وَغَرِيمٍ عِنْدَ الْإِعْسَارِ إلَخْ، وَعِبَارَةُ حَجّ هُنَا: وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْفَرْضِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَإِلَّا فَلَوْ صَلَّوْا فِيهِ عِيدًا مَثَلًا جَازَ فِيهِ الْكَيْفِيَّاتُ الْآتِيَةُ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الرَّابِعَةِ مِنْ جَوَازِ نَحْوِ عِيدٍ وَكُسُوفٍ لَا اسْتِسْقَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ، وَحِينَئِذٍ فَيُحْتَمَلُ اسْتِثْنَاؤُهُ أَيْضًا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ، وَيُحْتَمَلُ الْعُمُومُ؛ لِأَنَّ الرَّابِعَةَ يُحْتَاطُ لَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُبْطِلَاتِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا اهـ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ إلَخْ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ أَنَّهَا تُشْرَعُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا كَسُنَّةِ الْفَرِيضَةِ وَالتَّرَاوِيحِ، وَأَنَّهَا لَا تُشْرَعُ فِي الْفَائِتَةِ بِعُذْرٍ إلَّا إذَا خِيفَ فَوْتُهَا بِالْمَوْتِ اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا لَا تُشْرَعُ فِي النَّفْلِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ الدَّارِمِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: يَصِيرُ اللَّازِمُ لَهُ مُرَاعَاةَ تَرْتِيبِ صَلَاةِ إمَامِهِ) اُنْظُرْ هَلْ يَنْقَلِبُ هَذَا الِاعْتِدَالُ قِيَامًا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِ وَلَوْ فَارَقَ فِيهِ الْإِمَامُ بَعْدُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِإِلْغَائِهِ أَوْ يَبْقَى عَلَى مَنْ الِاعْتِدَالُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضِدُّ مَا ذُكِرَ.
ظَاهِرُ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِتَرْتِيبِ صَلَاةِ الْإِمَامِ يُشْعِرُ بِالْأَوَّلِ، وَظَاهِرُ اسْتِشْهَادِ الشَّيْخِ بِهِ لِمَا اخْتَارَهُ يُشْعِرُ بِالثَّانِي فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَنَبَّهَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ) الْبَاءُ فِيهِ بِمَعْنَى عَلَى
(بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ)
فِيهَا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَيَتْبَعُهُ بَيَانُ حُكْمِ اللِّبَاسِ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي السُّنَّةِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مِنْهَا الْأَنْوَاعَ الْأَرْبَعَةَ الْآتِيَةَ، وَدَعْوَى الْمُزَنِيّ نَسْخَ آيَتِهَا وَهِيَ {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] لِتَرْكِهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَرْدُودَةٌ بِتَأَخُّرِ نُزُولِهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ خَمْسٍ وَهِيَ نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُطْلَقِ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي فِيمَا لَمْ تُفْعَلْ جَمَاعَةً كَالرَّوَاتِبِ، بَلْ وَالْمَكْتُوبَاتِ إذَا صُلِّيَتْ فُرَادَى إلَّا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ دُونَ غَيْرِهَا لِعَدَمِ تَأَتِّي صِفَتِهَا مِنْ التَّفْرِيقِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ أَمْكَنَهُمْ التَّنَاوُبُ بِأَنْ تُصَلِّيَ كُلُّ جَمَاعَةٍ وُحْدَانًا مَعَ حِرَاسَةِ غَيْرِهِمْ فَعَلُوا وَإِلَّا صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ، ثُمَّ تَقْيِيدُهُ الْفَائِتَةَ بِالْعُذْرِ يُفْهِمُ أَنَّ الْفَائِتَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ تُفْعَلُ فِي الْخَوْفِ.
وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَفُوتُ أَيْضًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ مَأْمُورًا بِالْمُبَادَرَةِ إلَى فِعْلِهَا خُرُوجًا مِنْ الْمَعْصِيَةِ رُخِّصَ فِي فِعْلِهَا مُسَارَعَةً لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الْإِثْمِ، ثُمَّ رَأَيْت وَالِدَ الشَّارِحِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَيَتْبَعُهُ بَيَانُ حُكْمِ اللِّبَاسِ) أَيْ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ نَحْوِ الِاسْتِصْبَاحِ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ جَاءَتْ فِي السُّنَّةِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا) عِبَارَةُ حَجّ تَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا بَعْضُهَا فِي الْأَحَادِيثِ وَبَعْضُهَا فِي الْقُرْآنِ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مِنْهَا الثَّلَاثَةَ الْآتِيَةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ وَأَقَلُّ تَغْيِيرًا وَذَكَرَ الرَّابِعَ الْآتِيَ لِمَجِيءِ الْقُرْآنِ بِهِ اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ كَمَا تَرَى لِقَوْلِ الشَّارِحِ جَاءَتْ فِي السُّنَّةِ إلَخْ، فَلْيُرَاجَعْ فَإِنَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الرَّابِعَ مِنْ السِّتَّةَ عَشَرَ.
وَفِي حَجّ أَيْضًا بَعْدَ قَوْلِهِ لِمَجِيءِ الْقُرْآنِ بِهِ: تَنْبِيهٌ: هَذَا الِاخْتِيَارُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَ مَا عَدَا تِلْكَ الثَّلَاثَةِ لَا عُذْرَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَقَدْ جَاءَتْ فِي السُّنَّةِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ هِيَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ، ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَابِعَهَا وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَاخْتَارَ بَقِيَّتَهَا مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا مَذْكُورَةٍ فِي الْأَخْبَارِ وَبَعْضُهَا فِي الْقُرْآنِ انْتَهَتْ، وَمِثْلُهَا فِي التُّحْفَةِ.
وَقَوْلُهُ: ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَابِعَهَا: أَيْ أَضَافَهُ فِي الذِّكْرِ لِمَا اخْتَارَهُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَخْبَارِ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ.
وَقَوْلُهُ: وَبَعْضُهَا فِي الْقُرْآنِ: يَعْنِي صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى اخْتِيَارِ الشَّافِعِيِّ لِهَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ قَصَرَ كَلَامَهُ عَلَيْهَا وَبَيَّنَ أَحْكَامَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكَلَامِ عَلَى غَيْرِهَا، لَا لِبُطْلَانِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ بِهِ الْحَدِيثُ بَلْ لِقِلَّةِ مَا فِيهَا مِنْ الْمُبْطِلَاتِ وَلِإِغْنَائِهَا عَنْ الْبَاقِيَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَحَادِيثُهَا لَمْ تُنْقَلْ لِلشَّافِعِيِّ، إذْ ذَاكَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ، فَكَمْ مِنْ أَحَادِيثَ لَمْ تَسْتَقِرَّ صِحَّتُهَا إلَّا بَعْدَ عَصْرِ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَحَادِيثُ إذْ ذَاكَ إنَّمَا كَانَتْ تُتَلَقَّى مِنْ أَفْوَاهِ الرُّوَاةِ لَا مِنْ الْكُتُبِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ رضي الله عنه: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي، خَشْيَةَ أَنْ تَسْتَقِرَّ صِحَّةُ حَدِيثٍ عَلَى خِلَافِ حُكْمٍ ذَهَبَ إلَيْهِ.
وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا صَحِيحًا. اهـ. مَعَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ صَاحِبُ الْبَاعِ الْأَطْوَلِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ بِذَلِكَ الْعِلْمِ، وَبِذَلِكَ يَسْقُطُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ أَحَادِيثَهَا صَحِيحَةٌ لَا عُذْرَ لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا.
وَوَجْهُ سُقُوطِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا فِي نَفْسِهَا وُصُولُهَا إلَيْهِ بِطُرُقٍ صَحِيحَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ اطَّلَعَ فِيهَا عَلَى قَادِحٍ فَتَأَمَّلْ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ كَافٍ فِي دَفْعِ هَذَا التَّشْنِيعِ عَلَى عَالِمِ قُرَيْشٍ مَنْ مَلَأَ طِبَاقَ الْأَرْضِ عِلْمًا رَضِي اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنَّا بِهِ مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَضْعَفِ عِبَادِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَدَعْوَى الْمُزَنِيّ نَسْخَ آيَتِهَا وَهِيَ {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي خُصُوصِ نَوْعٍ مِنْ جُمْلَةِ الْأَنْوَاعِ، وَبَقِيَّةُ الْأَنْوَاعِ جَاءَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ بِفَرْضِهِ نَسْخُ صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنْ أَصْلِهَا مَعَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُزَنِيّ إنَّمَا هُوَ نَسْخُ صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنْ أَصْلِهَا.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: وَقَالَ الْمُزَنِيّ صَلَاةُ الْخَوْفِ مَنْسُوخَةٌ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ إلَخْ.
وَتَجُوزُ فِي الْحَضَرِ أَيْضًا وَقَدْ أَشَارَ لِأَنْوَاعِهَا بِقَوْلِهِ (هِيَ أَنْوَاعٌ) أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ فَالرَّابِعُ أَوَّلًا وَالْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَالْأَوَّلُ، أَوْ فِي غَيْرِهَا فَالْآخَرَانِ (الْأَوَّلُ) مِنْ الصَّلَاةِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ (يَكُونُ) أَيْ كَوْنٌ عَلَى حَدِّ: تَسْمَعُ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ أَنْ تَرَاهُ، فَانْدَفَعَ مَا لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ هُنَا (الْعَدُوُّ فِي) جِهَةِ (الْقِبْلَةِ) وَلَا سَاتِرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ بِحَيْثُ تُقَاوِمُ كُلُّ فِرْقَةٍ الْعَدُوَّ (فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ) فَأَكْثَرَ (وَيُصَلِّي بِهِمْ) جَمِيعًا إلَى اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إذْ الْحِرَاسَةُ الْآتِيَةُ مَحِلُّهَا الِاعْتِدَالُ لَا الرُّكُوعُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (فَإِذَا سَجَدَ) الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ (سَجْدَتَيْهِ وَحَرَسَ) حِينَئِذٍ (صَفٌّ) آخَرُ فِي الِاعْتِدَالِ الْمَذْكُورِ (فَإِذَا قَامُوا) أَيْ الْإِمَامُ وَمَنْ سَجَدَ مَعَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي مُخَالَفَتِهَا مَعَ صِحَّتِهَا وَإِنْ كَثُرَ تَغْيِيرُهَا، وَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الْكَثْرَةُ الَّتِي صَحَّ فِعْلُهَا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ نَاسِخٍ لَهَا مُقْتَضِيَةً لِلْإِبْطَالِ، وَلَوْ جُعِلَتْ مُقْتَضِيَةً لِلْمَفْضُولِيَّةِ لَاتُّجِهَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ مَا تَشَيَّدَ بِهِ فَخْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَاضْرَبُوا بِقَوْلِي الْحَائِطَ، وَهُوَ وَإِنْ أَرَادَ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ، لَكِنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَصِحُّ مُعَارِضًا كَمَا يُعْرَفُ مِنْ قَوَاعِدِهِ فِي الْأُصُولِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَالشَّارِحِ أَنَّ مَنْ تَتَبَّعَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَعَرَفَ كَيْفِيَّةً مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ السِّتَّةَ عَشَرَ جَازَ لَهُ صَلَاتُهَا بِتِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ م ر خِلَافُهُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَالْأَقْرَبُ مَا قُلْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ فِي الْحَضَرِ أَيْضًا) أَيْ بِأَنْ دَهَمَ الْمُسْلِمِينَ الْعَدُوُّ بِبِلَادِهِمْ، أَمَّا فِي الْأَمْنِ فَلَا تَجُوزُ لَهُمْ صَلَاةُ عُسْفَانَ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّخَلُّفِ الْفَاحِشِ، وَتَجُوزُ صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ وَذَاتِ الرِّقَاعِ إذَا نَوَتْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ الْمُفَارَقَةَ كَالْأُولَى (قَوْلُهُ يَكُونُ أَيْ كَوْنُ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ فِي الْكَلَامِ لِيَصِحَّ الْحَمْلُ: أَيْ ذُو كَوْنٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى حَدِّ تَسْمَعُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ شَاذًّا سَمَاعِيًّا عَلَى خِلَافٍ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَشَرْطُ هَذِهِ كَثْرَةُ الْمُسْلِمِينَ وَكَوْنُ الْعَدُوِّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ مَرْئِيًّا اهـ.
وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ شَرْطُ الْجَوَازِ فَحَرِّرْهُ، ثُمَّ رَأَيْت م ر يُوَافِقُ عَلَى كَوْنِهَا شُرُوطَ الْجَوَازِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ: أَيْ فَبِدُونِهِ يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ عَمِيرَةَ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ سم أَنَّ مَحَلَّ سُنِّيَّتِهَا أَوْ صِحَّتِهَا عَلَى مَا قِيلَ إذَا كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَكَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ عَلَى حَجّ يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ الْحِلُّ وَالصِّحَّةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهَا تَغْيِيرًا مُبْطِلًا فِي حَالِ الْأَمْنِ وَهُوَ التَّخَلُّفُ بِالسُّجُودَيْنِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا اهـ.
لَكِنْ يُشْكِلُ كَوْنُ الْكَثْرَةِ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ هُنَا مَعَ كَوْنِهَا شَرْطًا لِلنَّدَبِ فِيمَا يَأْتِي اهـ لَهُ عَلَى حَجّ.
وَقَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي: أَيْ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ لِلْفَرْقِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: وَيُفَارِقُ صَلَاةَ عُسْفَانَ بِجَوَازِهَا فِي الْأَمْنِ لِغَيْرِ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ) قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَنْ يَسْجُدُ مَعَهُ وَمَنْ يَتَخَلَّفُ لِلْحِرَاسَةِ حَتَّى لَا يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ اهـ: أَيْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ طَلَبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَلَوْ اخْتَلَفُوا بِأَنْ سَجَدَ بَعْضُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْأُولَى وَبَعْضُ الثَّانِي وَالْبَعْضُ الْبَاقِي مِنْ الصَّفَّيْنِ فِي الثَّانِيَةِ اعْتَدَّ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَحَرَسَ) أَيْ نَاظِرًا لِلْعَدُوِّ فِيمَا يَظْهَرُ لَا لِمَوْضِعِ سُجُودِهِ (قَوْلُهُ: فِي الِاعْتِدَالِ الْمَذْكُورِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَجْلِسُوا وَيَحْرُسُوا وَهُمْ جَالِسُونَ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَارِدُ وَفِي جُلُوسِهِمْ إحْدَاثُ صُورَةٍ غَيْرِ مَعْهُودَةٍ فِي الصَّلَاةِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ كَانُوا عَالِمِينَ بِذَلِكَ، فَلَوْ جَلَسُوا جَهْلًا أَوْ سَهْوًا فَهَلْ يُدِيمُونَ الْجُلُوسَ أَوْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ كَلَا فِعْلٍ، فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.
وَكَذَا لَوْ هَوَوْا بِقَصْدِ السُّجُودِ نَاوِينَ الْحِرَاسَةَ فِيمَا بَعْدَ تِلْكَ الرَّكْعَةِ فَعَرَضَ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ كَسَبْقِ غَيْرِهِمْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْذُونٌ لَهُمْ فِي الْهَوِيِّ وَإِرَادَةُ الْحِرَاسَةِ عَارِضَةٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَخَلَّفُوا لِلزَّحْمَةِ، لَكِنَّهَا إنَّمَا عَرَضَتْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مِنْ الصَّلَاةِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ لَفْظُ الْأَنْوَاعِ بَعْدَ مِنْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ صَنِيعُهُ يَأْتِي فِي بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ أَوْ أَنَّ مِنْ زَائِدَةٌ
(سَجَدَ مَنْ حَرَسَ) فِيهَا (وَلَحِقُوهُ وَسَجَدَ مَعَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَ الْآخَرُونَ) أَيْ الْفِرْقَةُ الَّتِي سَجَدَتْ مَعَ الْإِمَامِ (فَإِذَا جَلَسَ) الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ (سَجَدَ مَنْ حَرَسَ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (وَتَشَهَّدَ) الْإِمَامُ (بِالصَّفَّيْنِ وَسَلَّمَ) بِهِمْ (وَهَذِهِ) الْكَيْفِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ (صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ صِفَةُ صَلَاتِهِ (بِعُسْفَانَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ خُلَيْصٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ بُرْدٍ، سُمِّيَتْ بِهِ لِعَسْفِ السُّيُولِ بِهَا.
وَعِبَارَتُهُ كَغَيْرِهِ صَادِقَةٌ بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِمَكَانِهِ أَوْ تَحَوَّلَ بِمَكَانٍ آخَرَ، وَبِعَكْسِ ذَلِكَ فَهِيَ أَرْبَعُ كَيْفِيَّاتٍ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ.
نَعَمْ إنْ كَثُرَتْ أَفْعَالُهُمْ فِي التَّحَوُّلِ ضَرَّ. وَالْأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ، وَهُوَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي الَّذِي حَرَسَ أَوَّلًا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِيَسْجُدَ وَيَتَأَخَّرَ الَّذِي سَجَدَ أَوَّلًا لِيَحْرُسَ وَلَمْ يَمْشِ كُلٌّ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ خُطْوَتَيْنِ، وَذَلِكَ لِجَمْعِهِ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْأَفْضَلِ وَهُوَ الْأَوَّلُ لِسُجُودِهِ مَعَ الْإِمَامِ وَجَبْرِ الثَّانِي بِتَحَوُّلِهِ مَكَانَ الْأَوَّلِ، وَيَنْفُذُ كُلُّ وَاحِدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَإِنْ مَشَى أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ خُطْوَتَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (وَ) لَهُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ صُفُوفًا، ثُمَّ يَحْرُسَ صَفَّانِ بَلْ (لَوْ حَرَسَ) بَعْضُ كُلِّ صَفٍّ بِالْمُنَاوَبَةِ، أَوْ حَرَسَ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (فِرْقَتَا صَفٍّ) عَلَى الْمُنَاوَبَةِ وَدَامَ غَيْرُهُمَا عَلَى الْمُتَابَعَةِ (جَازَ) لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْحَارِسَةُ مُقَاوِمَةً لِلْعَدُوِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَارِسُ وَاحِدًا اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى اثْنَيْنِ (وَكَذَا) يَجُوزُ لَوْ حَرَسَ فِيهِمَا (فِرْقَةٌ) وَاحِدَةٌ وَلَوْ وَاحِدًا (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِكُلِّ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ، لَكِنَّ الْمُنَاوَبَةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا الثَّابِتَةُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَهُمْ بَعْدَ الْجُلُوسِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الْعَوْدُ كَمَا قَالَهُ حَجّ، وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ الْعَوْدِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي مَنْعِهِمْ الْعَدُوَّ مِنْهُ فِي جُلُوسِهِمْ، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي الزَّحْمَةِ (قَوْلُهُ: سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَلَحِقُوهُ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: يَأْتِي هُنَا مَا قِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الزَّحْمَةِ لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَهُ بَعْدَ السُّجُودِ فَيَكُونُونَ كَالْمَسْبُوقِينَ، ثُمَّ رَأَيْت فِي مَتْنِ الرَّوْضِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَعِبَارَتُهُ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ وَبَعْدَ مَجِيئِهِمْ: أَيْ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَيَرْكَعُ بِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِرْهُمْ وَأَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ أَدْرَكُوهَا كَالْمَسْبُوقِ اهـ.
فَقَوْلُهُ كَالْمَسْبُوقِ يُشْعِرُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ: فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ) أَيْ بَعْدَ تَقَدُّمِهِ وَتَأَخُّرِ الْأَوَّلِ وَهَلْ تَفُوتُ فَضِيلَةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ بِتَأَخُّرِهِ وَتَقَدُّمِ الْآخَرِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا تَفُوتُ فِيمَا تَأَخَّرَ فِيهِ، وَتَحْصُلُ لِلْمُتَقَدِّمِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ حُصُولِ ثَوَابٍ لَهُ عَلَى التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ مِنْ حَيْثُ الِامْتِثَالُ يُسَاوِي فَضِيلَةَ الصَّفَّ الْأَوَّلِ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لِعَسْفِ السُّيُولِ بِهَا) قَالَ عَمِيرَةُ: فَسَّرَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِتَسَلُّطِهَا عَلَيْهَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ كَثُرَتْ أَفْعَالُهُمْ فِي التَّحَوُّلِ ضَرَّ) قَدْ يُسْتَشْكَلُ اشْتِرَاطُ عَدَمِ كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ عُمَرَ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَإِنَّهُ اُغْتُفِرَ فِيهَا الْأَفْعَالُ الْكَثِيرَةُ الْمُتَوَالِيَةُ كَمَا يُعْلَمُ بِتَصَوُّرِ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْأَفْعَالِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا مَا أَذِنَ فِيهِ الشَّارِعُ وَلَمْ يَثْبُتْ الْإِذْنُ هُنَا لِخِلَافِهِ هُنَاكَ، وَبِأَنَّ مِنْ شَأْنِ تَقَدُّمِ أَحَدِ الصَّفَّيْنِ إلَى مَكَانِ الْآخَرِ وَتَأَخُّرِ أَحَدِهِمَا إلَى مَكَانِ الْآخَرِ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ الْمُتَوَالِيَةِ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا عَادَةً وَشَرْعًا، وَلَا كَذَلِكَ مَجِيءُ أَحَدِ الصَّفَّيْنِ مِنْ تُجَاهِ الْعَدُوِّ إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ ذَهَابُهُ مِنْ مَكَانِ الصَّلَاةِ إلَى تُجَاهِ الْعَدُوِّ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ لِجَمْعِهِ) أَيْ هَذَا الْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَيَسْهُلُ وَحَالَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ) وَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِأَنْ يَقِفُوا عَلَى حَالَةٍ يَسْهُلُ مَعَهَا مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْحَارِسَةُ) أَيْ لِلْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَاحِدًا) أَيْ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ اثْنَيْنِ فَقَطْ كَمَا يُؤْخَذُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كُلُّ صَفٍّ بِالْمُنَاوَبَةِ) هَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَحْرُسُ بَعْضَ هَذَا وَبَعْضَ هَذَا مَعًا أَوْ أَنَّهُ فِي رَكْعَةٍ يَحْرُسُ