الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا.
(وَ) الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ كَوْنُهُمَا (بَعْدَ الزَّوَالِ) لِلْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ وَجَرَيَانِ أَهْلِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَازَ تَقْدِيمُهَا لَقَدَّمَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَخْفِيفًا عَلَى الْمُبَكِّرِينَ وَإِيقَاعًا لِلصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ.
(وَ) الثَّالِثُ مِنْ الشُّرُوطِ (الْقِيَامُ فِيهِمَا إنْ قَدَرَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَإِنْ عَجَزَ خَطَبَ قَاعِدًا ثُمَّ مُضْطَجِعًا كَالصَّلَاةِ، وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ سَوَاءٌ أَقَالَ لَا أَسْتَطِيعُ أَمْ سَكَتَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ لِعُذْرٍ، فَإِنْ بَانَتْ قُدْرَتُهُ لَمْ يُؤْثِرْ، وَالْأَوْلَى لِلْعَاجِزِ الِاسْتِنَابَةُ.
(وَ) الرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ (الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا) مُطْمَئِنًّا فِيهِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَى عَاجِزٍ جَلَسَ وَقَائِمٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجُلُوسِ بَلْ أَوْلَى فَصْلٌ بِسَكْتَةٍ، وَلَا يَكْتَفِي بِالِاضْطِجَاعِ، وَعُدَّ الْقِيَامُ وَالْجُلُوسُ هُنَا شَرْطَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِجُزْأَيْنِ مِنْ الْخُطْبَةِ إذْ هِيَ الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ، وَفِي الصَّلَاةِ رُكْنَيْنِ لِأَنَّهُمَا جُمْلَةُ أَعْمَالٍ، وَهِيَ كَمَا تَكُونُ أَذْكَارًا تَكُونُ غَيْرَ أَذْكَارٍ، ثُمَّ هَلْ يَسْكُتُ فِيهِ أَوْ يَقْرَأُ أَوْ يَذْكُرُ، سَكَتُوا عَنْهُ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا " أَفَادَ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ.
(وَ) الْخَامِسُ مِنْ الشُّرُوطِ (إسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ) بِأَنْ يَرْفَعَ الْخَطِيبُ صَوْتَهُ بِأَرْكَانِهِمَا حَتَّى يُسْمِعَهَا تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سِوَاهُ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهَا وَعْظُهُمْ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ بِالْقُوَّةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَنَحْوِهِ فِي الصَّلَاةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الضَّرَرِ فِي الثَّانِيَةِ إلْحَاقًا لَهَا بِمَا لَوْ لَحَنَ فِي الْفَاتِحَةِ لَحْنًا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّشَهُّدِ بِأَنَّ التَّشَهُّدَ وَرَدَ فِيهِ أَلْفَاظٌ بِخُصُوصِهَا لَا يَجُوزُ إبْدَالُهَا بِغَيْرِهَا، كَمَا لَوْ أَبْدَلَ النَّبِيَّ بِالرَّسُولِ فَقَوَّى شَبَهَهُ بِالْفَاتِحَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الْخُطْبَةُ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ لِلصَّلَاةِ فِيهَا صِيغَةٌ بِعَيْنِهَا. وَأَمَّا الْأُولَى فَالْأَقْرَبُ فِيهَا الضَّرَرُ لِأَنَّ اللَّحْنَ حَيْثُ غَيَّرَ الْمَعْنَى خَرَجَتْ الصِّيغَةُ عَنْ كَوْنِهَا حَمْدًا مَثَلًا وَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا، وَمِنْ ثَمَّ جُعِلَ الْمُغَيِّرُ لِلْمَعْنَى فِي الصَّلَاةِ مُبْطِلًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَ اللَّحْنُ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا.
(قَوْلُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ هَجَمَ وَخَطَبَ وَتَبَيَّنَ دُخُولُ الْوَقْتِ هَلْ يُعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ فِيهِ، وَمُقْتَضَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ الْأَوَّلُ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ مُضْطَجِعًا كَالصَّلَاةِ) يُؤْخَذُ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالصَّلَاةِ: يَعْنِي الْمَفْرُوضَةَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الِاضْطِجَاعِ خَطَبَ مُسْتَلْقِيًا (قَوْلُهُ أَمْ سَكَتَ) بَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ اخْتِصَاصَ هَذَا بِالْفَقِيهِ الْمُوَافِقِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ انْتَهَى عَمِيرَةُ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَانَتْ قُدْرَتُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ) وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ، لَكِنَّ فِي كَلَامِ عَمِيرَةَ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ فَهُوَ أَيْ مَنْ بَانَتْ قُدْرَتُهُ كَمَا لَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْقَوْمِ وَسَمَاعِهِمْ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِحَالِ نَفْسِهِ اقْتَضَى عَدَمَ اعْتِبَارِ سَمَاعِهِ وَصَلَاتِهِ لِعِلْمِهِ بِفَقْدِ شَرْطِهِمَا.
(قَوْلُهُ: وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا) ع خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي الِاضْطِجَاعُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ السُّكُوتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْقِيَامِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ سَقَطَ وَبَقِيَ الْخِطَابُ بِالْجُلُوسِ، فَفِي الِاضْطِجَاعِ تَرْكٌ لِلْوَاجِبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لَكِنَّ فِي سم مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: كَانَ الْمُرَادُ الِاضْطِجَاعَ مِنْ غَيْرِ سَكْتَةٍ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا) قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُسَنُّ كَوْنُ مَا يَقْرَؤُهُ الْإِخْلَاصَ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: إسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ) أَيْ فِي آنٍ وَاحِدٍ كَمَا يَظْهَرُ، حَتَّى لَوْ سَمِعَ بَعْضُ الْأَرْبَعِينَ بَعْضَ الْأَرْكَانِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَحَضَرَ غَيْرُهُ وَأَعَادَهَا لَهُ لَا يَكْفِي، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِسْمَاعَيْنِ لِدُونِ الْأَرْبَعِينَ فَيَقَعُ لَغْوًا. وَنَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا يُوَافِقُهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَرْفَعَ الْخَطِيبُ صَوْتَهُ بِأَرْكَانِهِمَا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْإِسْرَارُ بِغَيْرِ الْأَرْكَانِ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَطُلْ بِهِ الْفَصْلُ وَإِلَّا ضَرَّ لِقَطْعِهِ الْمُوَالَاةَ كَالسُّكُوتِ (قَوْلُهُ: وَالسَّمَاعُ بِالْقُوَّةِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
[شُرُوطُ الْخُطْبَتَيْنِ فِي الْجُمُعَة]
قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ) أَيْ فِي صَلَاتِهِ قَاعِدًا لِمَا سَيَأْتِي
(قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ) فِي عِلْمِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، بَلْ الَّذِي يُعْلَمُ مِنْهُ الْعَكْسُ وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي الْإِمْدَادِ وَالشَّارِحُ تَبِعَهُ فِي التَّعْبِيرِ وَخَالَفَهُ فِي الْحُكْمِ فَلَمْ يُنَاسِبْ
لَا بِالْفِعْلِ، إذْ لَوْ كَانَ سَمَاعُهُمْ بِالْفِعْلِ وَاجِبًا لَكَانَ الْإِنْصَاتُ مُتَحَتِّمًا، فَلَا يَكْفِي الْإِسْرَارُ كَالْأَذَانِ وَلَا إسْمَاعُ دُونَ أَرْبَعِينَ وَلَا مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ إذَا كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَصَمَّ لَمْ يَكْفِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَعِيدٌ، بَلْ لَا مَعْنًى لَهُ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مَا يَقُولُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَلَا مَعْنًى لِأَمْرِهِ بِالْإِنْصَاتِ لِنَفْسِهِ، وَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الْخَطِيبِ أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ رُدَّ بِأَنَّ الْوَجْهَ خِلَافُهُ كَمَنْ يَؤُمُّ بِالْقَوْمِ وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْفَاتِحَةِ، وَلَوْ شَكَّ الْخَطِيبُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ خُطْبَتِهِ فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِهَا لَمْ يُؤْثِرْ كَالشَّكِّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ.
(وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمْ عَلَيْهِمْ) يَعْنِي الْحَاضِرِينَ سَمِعُوا أَوْ لَا، وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ لِلْأَرْبَعَيْنِ الْكَامِلِينَ، وَيُسْتَفَادُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ عَلَى مِثْلِهِمْ وَغَيْرِهِ بِالْمُسَاوَاةِ أَوْ الْأُولَى، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ تَفْصِيلُ الْقَدِيمِ فِيهِمْ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ (الْكَلَامُ) لِمَا صَحَّ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا؛ وَأَنَّ رَجُلًا آخَرَ قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَوْمَأَ النَّاسُ إلَيْهِ بِالسُّكُوتِ فَلَمْ يَقْبَلْ وَأَعَادَ الْكَلَامَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا أَعْدَدْت لَهَا؟ قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: إنَّك مَعَ مَنْ أَحْبَبْت» فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبُ السُّكُوتِ، وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلنَّدَبِ، وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ مِنْ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ تَكَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي مَوْضِعٍ وَلَا حُرْمَةَ حِينَئِذٍ قَطْعًا، أَوْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، أَوْ أَنَّهُ مَعْذُورٌ لِجَهْلِهِ يُرَدُّ بِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ قَوْلِيَّةٌ وَالِاحْتِمَالُ يَعُمُّهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْقُطُ بِاحْتِمَالِ الْوَاقِعَةِ الْفِعْلِيَّةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ. لَا يُقَالُ بَلْ هِيَ فِعْلِيَّةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّهُ بِعَدَمِ إنْكَارِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ، بَلْ جَوَابُهُ لَهُ قَوْلٌ مُتَضَمِّنٌ لِجَوَازٍ سُؤَالِهِ عَلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ بِحَيْثُ لَوْ أَصْغَى لَسَمِعَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَنْ نَعَسَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا لَا يُعْتَدُّ بِحُضُورِهِ (قَوْلُهُ: لَا بِالْفِعْلِ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَعِيدٌ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ أَصَمَّ أَوْ سَمِيعًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: مِنْ اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الْخَطِيبِ) أَيْ مَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ كَمَنْ يَؤُمُّ بِالْقَوْمِ إلَخْ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ سم مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي فِي اعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا هُنَا مَا مَرَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ إذَا شَكَّ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْأُولَى أَوْ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْأُولَى، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ مِنْ الضَّرَرِ وَبَقِيَ مَا لَوْ عَلِمَ تَرْكَ رُكْنٍ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هُوَ مِنْ الْأُولَى أَمْ مِنْ الثَّانِيَةِ، هَلْ تَجِبُ إعَادَتُهَا أَمْ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ فَقَطْ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَجْلِسُ ثُمَّ يَأْتِي بِالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ مِنْ الْأُولَى فَيَكُونُ جُلُوسُهُ لَغْوًا فَتَكْمُلُ بِالثَّانِيَةِ وَيُجْعَلُ مَجْمُوعُهُمَا خُطْبَةً وَاحِدَةً فَيَجْلِسُ بَعْدَهَا وَيَأْتِي بِالثَّانِيَةِ، وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَالْجُلُوسُ بَعْدَهَا لَا يَضُرُّ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ جُلُوسٌ فِي الْخُطْبَةِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ، وَمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَهُ تَكْرِيرٌ لِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَاسْتِدْرَاكٌ لِمَا تَرَكَهُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ تَفْصِيلُ الْقَدِيمِ) لَمْ يَأْتِ لَهُ تَفْصِيلٌ فِي حِكَايَتِهِ الْآتِيَة، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ: يَحْرُمُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ لَا عَلَى مَنْ زَادَ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ) أَيْ وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ رَجُلًا) هُوَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ، كَذَا بِهَامِشٍ عَنْ خَصَائِصِ الْجُمُعَةِ لِلسُّيُوطِيِّ (قَوْلُهُ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) هُوَ بِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ أَعْدَدْت، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ. وَالْمَعْنَى: حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَعْدَدْته لَهَا، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِأَنَّ الْجَوَابَ يُقَدَّرُ مَعَهُ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ (قَوْلُهُ: وَالِاحْتِمَالُ يَعُمُّهَا) أَيْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيُسْتَفَادُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ عَلَى مِثْلِهِمْ) أَيْ فِي الْكَمَالِ
أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ فَهِيَ قَوْلِيَّةٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. نَعَمْ يُكْرَهُ الْكَلَامُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» وَمَعْنَاهُ: تَرَكْت الْأَدَبَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَرْبَعِينَ بَلْ سَائِرُ الْحَاضِرِينَ فِيهِ سَوَاءٌ.
نَعَمْ الْأَوْلَى لِغَيْرِ السَّامِعِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ، وَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلَوْ بَعْدَ الْجُلُوسِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا بَعْدَهَا وَلَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَلَا كَلَامُ الدَّاخِلِ إلَّا إذَا اتَّخَذَ لَهُ مَكَانًا وَاسْتَقَرَّ فِيهِ، لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى الْكَلَامِ غَالِبًا، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُبَاحُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لِمُسْتَمِعِ الْخَطِيبِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَرْفَعَ بِهَا صَوْتَهُ إذَا سَمِعَ ذِكْرَهُ صلى الله عليه وسلم، لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِكَرَاهَتِهِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاسْتِمَاعَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِهَا خِلَافُ الْأَوْلَى. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالرَّفْعُ الْبَلِيغُ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ، وَالْقَدِيمُ يَحْرُمُ الْكَلَامَ، وَيَجِبُ الْإِنْصَاتُ، وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامَ عَلَى الْخَطِيبِ قَطْعًا. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي كَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ عَقْرَبًا تَدِبُّ عَلَى إنْسَانٍ فَأَنْذَرَهُ، أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ، أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا قَطْعًا بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِشَارَةِ إنْ أَغْنَتْ (وَيُسَنُّ) إقْبَالُهُمْ عَلَيْهِ بِوُجُوهِهِمْ عَمَلًا بِالْأَدَبِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَوْجِيهِهِمْ الْقِبْلَةَ وَ (الْإِنْصَاتُ) لَهُ لِمَا مَرَّ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَرَدَ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ بَلْ أَكْثَرُهُمْ وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُذْكَر الِاسْتِمَاعُ مَعَ الْإِنْصَاتِ كَغَيْرِهِ عَلَى وِزَانِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَلْزَمْ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُصَيِّرهَا عَامَّةً (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: إذَا قُلْت لِصَاحِبِك إلَخْ) رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» وَلَفْظُ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا» (قَوْلُهُ: أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ) أَيْ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ اشْتِغَالُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُقَدَّمًا عَلَى التِّلَاوَةِ لِغَيْرِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَالذِّكْرِ، لِأَنَّهَا شِعَارُ الْيَوْمِ (قَوْلُهُ إذَا سَمِعَ ذِكْرَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَمَاعِهِ مِنْ الْخَطِيبِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَعِبَارَةُ عَمِيرَةَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْآتِي: وَلِمُسْتَمِعِ الْخَطِيبِ إذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ هَذَا أَنَّهُ مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى مُحَافَظَةً عَلَى الِاسْتِمَاعِ (قَوْلُهُ: خِلَافُ الْأَوْلَى) قَالَ حَجّ: الرَّفْعُ بِهَا مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ إقْبَالُهُمْ)[فَائِدَةٌ] لَوْ كَلَّمَ شَافِعِيٌّ مَالِكِيًّا وَقْتَ الْخُطْبَةِ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ لَعِبَ الشَّافِعِيُّ مَعَ الْحَنَفِيِّ الشِّطْرَنْجَ لِإِعَانَتِهِ لَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَوْ لَا الْأَقْرَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ لَعِبَ الشِّطْرَنْجِ لَمَّا لَمْ يَتَأَتَّ إلَّا مِنْهُمَا كَانَ الشَّافِعِيُّ كَالْمُلْجِئِ لَهُ، بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ حَيْثُ أَجَابَهُ الْمَالِكِيُّ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ كَانَ اخْتِيَارَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ لَا يُجِيبَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا لَمْ يُجِبْهُ لَحَصَلَ لَهُ مِنْهُ ضَرَرٌ لِكَوْنِ الشَّافِعِيِّ الْمُكَلِّمِ أَمِيرًا أَوْ ذَا سَطْوَةٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا مِنْ جِهَةِ الْكَلَامِ بَلْ مِنْ جِهَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِوُجُوهِهِمْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْظُرُوا لَهُ، وَهَلْ يُسَنُّ النَّظَرُ إلَيْهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي أَخْذًا مِمَّا وَجَّهُوا بِهِ حُرْمَةَ أَذَانِ الْمَرْأَةِ يُسَنُّ النَّظَرُ لِلْمُؤَذِّنِ دُونَ غَيْرِهِ وَبَقِيَ الْخَطِيبُ هَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ النَّظَرُ إلَيْهِمْ فَيُكْرَهُ لَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204][تَنْبِيهٌ] قَالَ الرَّاغِبُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّمْتِ وَالسُّكُوتِ وَالْإِنْصَاتِ وَالْإِصَاخَةِ أَنَّ الصَّمْتَ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا قُوَّةَ فِيهِ لِلنُّطْقِ وَفِيمَا لَهُ قُوَّةُ النُّطْقِ، وَلِهَذَا قِيلَ لِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُطْقٌ الصَّامِتُ وَالسُّكُوتُ لِمَا لَهُ نُطْقٌ فَتَرَكَ اسْتِعْمَالَهُ وَالْإِنْصَاتُ سُكُوتٌ مَعَ اسْتِمَاعٍ، وَمَتَى انْفَكَّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَر لَمْ يَكُنْ لَهُ إنْصَاتٌ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] فَقَوْلُهُ وَأَنْصِتُوا بَعْدَ الِاسْتِمَاعِ ذِكْرُ خَاصٍّ بَعْدَ عَامٍّ، وَالْإِصَاخَةُ: الِاسْتِمَاعُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، إذْ الْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ، وَالِاسْتِمَاعُ شُغْلُ السَّمْعِ بِالسَّمَاعِ. .
وَلَوْ سَلَّمَ دَاخِلٌ عَلَى مُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ السَّلَامُ مَكْرُوهًا لِمَا سَيَأْتِي فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إذْ الْقَاعِدَةُ أَغْلَبِيَّةٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ عَلَى نَحْوِ قَاضِي الْحَاجَةِ لِأَنَّ الْخِطَابَ مِنْهُ وَمَعَهُ سَفَهٌ وَقِلَّةُ مُرُوءَةٍ فَلَا يُلَائِمُهُ إيجَابُ الرَّدِّ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ يُلَائِمُهُ لِأَنَّ عَدَمَ مَشْرُوعِيَّتِهِ لِعَارِضٍ لَا لِذَاتِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَلَا إشْكَالَ.
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ كَسَائِرِ الْكَلَامِ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَهْرِيٌّ.
وَكُرِهَ تَحْرِيمًا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ تَنَفُّلٌ مِنْ أَحَدِ الْحَاضِرِينَ بَعْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجُلُوسِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ بِالْكُلِّيَّةِ لِاشْتِغَالِهِ بِصُورَةِ عِبَادَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ فَارَقَتْ الصَّلَاةُ الْكَلَامَ بِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ لَا يُعَدُّ إعْرَاضًا عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَيْضًا فَمِنْ شَأْنِ الْمُصَلِّي الْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَى صَلَاتِهِ بِخِلَافِ الْمُتَكَلِّمِ، وَأَيْضًا فَقَطْعُ الْكَلَامِ هَيِّنٌ مَتَى ابْتَدَأَ الْخَطِيبُ الْخُطْبَةَ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ بِهَا سَمَاعُ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ بَلْ لَوْ أَمِنَ فَوَاتَ ذَلِكَ كَانَ مُمْتَنِعًا أَيْضًا خِلَافًا لِمَا فِي الْغُرَرِ الْبَهِيَّةِ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الطَّوَافَ لَيْسَ كَالصَّلَاةِ هُنَا، وَيُمْنَعُ مِنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَشَمَلَهُ كَلَامُهُمْ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ صَلَاةً وَإِنَّمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهَا، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ تَخْفِيفُهَا عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ الْمِنْبَرَ وَجُلُوسِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ، وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُهُ فَالْإِطَالَةُ كَالْإِنْشَاءِ، وَمَتَى حُرِّمَتْ الصَّلَاةُ، فَالْأَوْجَهُ كَمَا فِي التَّدْرِيبِ عَدَمُ انْعِقَادِهَا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمَكْرُوهَةِ بَلْ أَوْلَى، بَلْ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ وَمَنْعِهِمْ مِنْ الرَّاتِبَةِ مَعَ قِيَاسِ سَبَبِهَا أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَهَا فَرْضًا لَا يَأْتِي وَإِنْ كَانَ وَقْتُهُ مَضِيقًا وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَتَعْبِيرُ جَمَاعَةٍ بِالنَّافِلَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَيُسْتَثْنَى التَّحِيَّةُ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَالْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيُسَنُّ لَهُ فِعْلُهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَى مَا يَصْعُبُ اسْتِمَاعُهُ وَإِدْرَاكُهُ كَالسَّبِّ وَالصَّوْتِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ اهـ مُنَاوِيٌّ عِنْدَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الصَّمْتُ زَيْنٌ لِلْعَالِمِ وَسَتْرٌ لِلْجَاهِلِ» .
(وَلَوْ سَلَّمَ دَاخِلٌ عَلَى مُسْتَمِعٍ) وَمِثْلُهُ الْخَطِيبُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَدَّ نِسْيَانُهُ لِمَا هُوَ فِيهِ عُذْرًا فِي وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَيَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ غَلِطَ.
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ) أَيْ الْمُسْتَمِعِ، وَمِثْلُهُ الْخَطِيبُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ) أَيْ التَّشْمِيتُ
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَحْرِيمًا إلَخْ) أَيْ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إلَى فَرَاغِ الْخُطْبَةِ وَتَوَابِعِهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سم أَنَّ الشَّارِحَ ذَهَبَ إلَيْهِ، وَفِي كَلَامِ حَجّ مَا يُصَرِّحُ بِهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُسَنُّ الْإِنْصَاتُ وَيَحْرُمُ إجْمَاعًا صَلَاةُ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ وَلَوْ فِي حَالِ الدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ اهـ. وَمَا نَقَلَهُ سم عَلَى حَجّ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي التَّوَابِعِ لَعَلَّهُ فِي غَيْرِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ) أَمَّا بَعْدَ الصُّعُودِ وَقَبْلَ الْجُلُوسِ فَلَا يَحْرُمُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ) أَيْ الْكَلَامِ وَإِنْ طَالَ (قَوْلُهُ: الْغُرَرِ الْبَهِيَّةِ) مُرَادُهُ شَرْحُ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ الْمِنْبَرَ وَجُلُوسِهِ) قَالَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ وَقْتُهُ مَضِيقًا) أَيْ فَلَا يَفْعَلُهُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَعَادَ إلَيْهِ بِسَبَبِ فِعْلِهِ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ يَقْصِدُ التَّحِيَّةَ (قَوْلُهُ: فَيُسَنُّ لَهُ فِعْلُهَا) أَيْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ سُنَّةُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا كَفَائِتَةٍ حَيْثُ لَمْ تَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ.
[فَرْعٌ] مَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ م ر ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ: لَوْ كَانَ مَحَلُّ الْخُطْبَةِ غَيْرَ الْمَسْجِدِ لَا صَلَاةَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَالَ: إذَا دَخَلَ حَالَ الْخُطْبَةِ. فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ مَسْجِدًا صَلَّى التَّحِيَّةَ أَوْ رَكْعَتَيْنِ رَاتِبَةً أَوْ نَحْوَ فَائِتَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا جَلَسَ وَلَا صَلَاةَ مُطْلَقًا اهـ فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِشَيْخِنَا مَنْعُ رَكْعَتَيْنِ غَيْرُ الرَّاتِبَةِ وَالسُّكُوتُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ وَفِيهِ: لَكِنْ لَوْ أَحْرَمَ بِأَرْبَعٍ قَضَاءً قَبْلَ الْجُلُوسِ ثُمَّ جَلَسَ وَقَدْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَشَمِلَهُ كَلَامُهُمْ) أَيْ حَيْثُ عَبَّرُوا بِالتَّنَفُّلِ.
وَيُخَفِّفُهَا وُجُوبًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَجَلَسَ، فَقَالَ: يَا سُلَيْكُ: قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» هَذَا إنْ صَلَّى سُنَّةَ الْجُمُعَةِ، وَإِلَّا صَلَّاهَا مُخَفَّفَةً وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ تَحِيَّةٌ كَأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ. أَمَّا الدَّاخِلُ آخِرَ الْخُطْبَةِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنَّ صَلَّاهَا فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ بَلْ يَقِفُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ وَلَا يَقْعُدُ لِئَلَّا يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَوْ صَلَّاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اُسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي كَلَامِ الْخُطْبَةِ بِقَدْرِ مَا يُكَمِّلُهَا. قَالَ الشَّيْخُ: وَمَا قَالَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ فِيمَا ذُكِرَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَا الْإِسْرَاعُ. قَالَ: وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَأَرَادَ الْوُضُوءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَاضِحٌ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَرْكُ التَّطْوِيلِ عُرْفًا (قُلْت:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بَقِيَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ هَلْ تَسْتَمِرُّ صِحَّتُهَا وَيَجِبُ التَّخْفِيفُ، أَوْ تَبْطُلُ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ بَعْدَ الْجُلُوسِ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ التَّطْوِيلِ، وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الْجُلُوسِ إنْشَاءُ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ الِاسْتِمْرَارُ سِيَّمَا إذَا أَحْرَمَ عَلَى ظَنِّ سَعَةِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ جَالِسًا بِالْمَسْجِدِ وَعَلِمَ بِقُرْبِ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ كَأَنْ كَانَ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْمُقْرِئِ الْآيَةَ فَأَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ فَهَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ وَيُكْمِلُهُمَا بَعْدَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ وَيُخَفِّفُ فِيهِمَا كَمَا لَوْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَمْ لَا، لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُعَدُّ بِهِ مُقَصِّرًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ حَالَ شُرُوعِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَهَيِّئًا لِشَيْءٍ يَسْمَعُهُ فَيُعَدُّ مُعْرِضًا عَنْهُ بِاشْتِغَالِهِ بِالصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: قُمْ فَارْكَعْ) وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ جَلَسَ جَاهِلًا بِطَلَبِ التَّحِيَّةِ مِنْهُ فَلَمْ تَفُتْ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: هَذَا إنْ صَلَّى سُنَّةَ الْجُمُعَةِ) وَمَرَّ قَرِيبًا عَنْ سم أَنَّ مِثْلَ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الْفَائِتَةِ إذَا كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ كَالصُّبْحِ، وَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ قَرِيبًا مِنْ امْتِنَاعِ الْفَائِتَةِ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْجُلُوسِ وَأَرَادَ فِعْلهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ حَيْثُ عَلِمَ بِالزِّيَادَةِ. أَمَّا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً سُنَّ لَهُ رَكْعَةٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ تَحِيَّةٌ) شَمَلَ مَا لَوْ نَوَى سُنَّةَ الصُّبْحِ مَثَلًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُمَا تَحِيَّةٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِمَا التَّحِيَّةَ كَانَتْ نَفْلًا مُطْلَقًا حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُ التَّحِيَّةِ، لَكِنْ قَالَ حَجّ: وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ التَّحِيَّةِ وَهُوَ الْأَوْلَى " أَوْ رَاتِبَةُ الْجُمُعَةِ الْقَبَلِيَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا، وَحِينَئِذٍ الْأَوْلَى نِيَّةُ التَّحِيَّةِ مَعَهَا، فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ فَالْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ نِيَّةُ التَّحِيَّةِ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِفَوَاتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ إذَا لَمْ يَنْوِ، بِخِلَافِ الرَّاتِبَةِ الْقَبْلِيَّةَ لِلدَّاخِلِ، فَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْهُمَا أَوْ صَلَاةً أُخْرَى بِقَدْرِهِمَا لَمْ تَنْعَقِدْ. فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ أَنَّ نِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ جَائِزَةٌ، بِخِلَافِ نِيَّةِ رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الصُّبْحِ مَثَلًا مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي حُصُولِ التَّحِيَّةِ بِهَا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي بَابِهَا. قُلْت: يُفَرَّقُ بِأَنَّ نِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ لَيْسَ فِيهِ صَرْفٌ عَنْ التَّحِيَّةِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ نِيَّةِ سَبَبٍ آخَرَ، فَأُبِيحَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِيهِمَا عَلَى أَقَلِّ مُجْزِئٍ عَلَى مَا قَالَهُ جَمْعٌ، وَبَيَّنْت مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، لَكِنَّ عَدَمَ انْعِقَادِ سُنَّةِ الصُّبْحِ بِنِيَّتِهَا مُشْكِلٌ عَلَى نِيَّةِ الْفَائِتَةِ، فَإِنْ وَصَفَهَا بِكَوْنِهَا فَائِتَةً يَفُوتُ التَّعَرُّضُ لِلتَّحِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: كَأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ) شَمَلَ مَا لَوْ تَطَهَّرَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَأَرَادَ فِعْلَ الرَّكْعَتَيْنِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَلَا تَنْعَقِدُ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَمْ تُسَنَّ لَهُ التَّحِيَّةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِعْ وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَحَلِّهَا وَقَدْ نَوَاهَا مَعَهُمْ بِمَحَلِّهِ وَإِنْ حَالَ مَانِعُ الِاقْتِدَاءِ الْآنَ فِيمَا يَظْهَرُ إلَخْ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَقَدْ نَوَاهَا مَعَهُمْ بِمَحَلِّهِ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ بَعُدَ عَنْ الْمَسْجِدِ وَتَطَهَّرَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فِي مَوْضِعِ طَهَارَتِهِ حَيْثُ قَصَدَ فِعْلَهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الطَّهَارَةِ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ) أَيْ نَدْبًا (قَوْلُهُ: تَرْكُ التَّطْوِيلِ عُرْفًا) أَيْ فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِسُورَةٍ قَصِيرَةٍ بَعْدَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْأَصَحُّ أَنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ بِدُونِهِ، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأُمِّ وَالْمَبْسُوطِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ فَقَطْ.
وَأَشَارَ إلَى سَادِسٍ لَهَا أَثَرًا ظَاهِرًا بِقَوْلِهِ (وَالْأَظْهَرُ:)(اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ) بَيْنَ أَرْكَانِهَا وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّ الشُّرُوطَ فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَحَدُّ الْمُوَالَاةِ مَا حُدَّ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ. وَالثَّانِي لَا تُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْوَعْظُ، وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ تَفْرِيقِ الْكَلِمَاتِ، وَذَكَرَ هَذَا هُنَا بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ لِعُمُومِهِ دَفْعًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ ذَاكَ خَاصٌّ بِحَالَةِ الِانْفِضَاضِ.
(وَ) السَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ (طَهَارَةُ الْحَدَثِ) الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ (وَالْخَبَثِ) غَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ عَلَى مَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ (وَ) الثَّامِنُ مِنْ الشُّرُوطِ (السَّتْرُ) أَيْ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ اسْتَأْنَفَهَا وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَقَصُرَ الْفَصْلُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُؤَدَّى بِطَهَارَتَيْنِ كَالصَّلَاةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَتَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَضُرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ طُهْرُ السَّامِعِينَ وَلَا سَتْرُهُمْ، وَأَغْرُبُ مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَاشْتِرَاطُ السَّتْرِ لَا يُغْنِي عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِهِ وَلَوْ فِي الْخَلْوَةِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْوُجُوبِ الِاشْتِرَاطُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُهُمْ بِمَحَلِّ الصَّلَاةِ وَلَا فَهْمُهُمْ لِمَا يَسْمَعُونَهُ كَمَا تَكْفِي قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ لِمَنْ لَا يَفْهَمُهَا، وَأَفَادَ اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُطْبَةِ وَنِيَّةُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْفَاتِحَةِ.
(قَوْلُهُ: مَا حُدَّ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ) أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ.
(قَوْلُهُ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ) قَضِيَّةُ صَنِيعِهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَمَا بَعْدَهَا بِالرَّفْعِ وَجَرِّهِ أَظْهَرُ لِيُفِيدَ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ صَرِيحًا، وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ الْآتِي وَاشْتِرَاطُ السَّتْرِ إلَخْ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا حَتَّى لَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فِي غَيْرِ الْأَرْكَانِ بَطَلَتْ خُطْبَتُهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْأَرْكَانِ وَأَتَى مَعَ حَدَثِهِ بِشَيْءٍ مِنْ تَوَابِعِ الْخُطْبَةِ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ عَنْ قُرْبٍ فَلَا يَضُرُّ فِي خُطْبَتِهِ مَا أَتَى بِهِ مِنْ غَيْرِ الْأَرْكَانِ مَعَ الْحَدَثِ، فَجَمِيعُ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْأَرْكَانِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ) أَيْ فَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا أَوْ ذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ. قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: لَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِالْخُطْبَةِ كَمَا لَوْ بَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ اهـ. وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ لَوْ خَطَبَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ ثُمَّ بَانَ قَادِرًا عَلَى السُّتْرَةِ.
[فَرْعٌ] اعْتَمَدَ م ر أَنَّ الْخَطِيبَ لَوْ أَحْدَثَ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ وَالْبِنَاءُ عَلَى خُطْبَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا أَهْلِيَّةَ لَهُ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ إذَا بَانَ مُحْدِثًا، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُقَالُ: هَلَّا جَازَ لِلْقَوْمِ اسْتِخْلَافُ مَنْ يَبْنِي عَلَى خُطْبَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، كَمَا جَازَ لَهُمْ الِاسْتِخْلَافُ فِي الصَّلَاةِ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهَا، كَمَا شَمَلَهُ قَوْلُهُمْ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُمْ الِاسْتِخْلَافُ وَيُفَرَّق بِأَنَّ الصَّلَاةَ بَاقِيَةٌ مِنْ الْقَوْمِ وَإِنَّمَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَحْدَهُ فَجَازَ الِاسْتِخْلَافُ، بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْخَطِيبِ وَحْدَهُ، فَإِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَا يُسْتَخْلَفُ لِئَلَّا تَصِيرَ نَفْسُ الْخُطْبَةِ مُلَفَّقَةً مِنْ شَخْصَيْنِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَقَوْلُ سم وَيُفَرَّقُ بِأَنْ إلَخْ: أَيْ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ إلَخْ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ لَا مِنْ الْإِمَامِ وَلَا مِنْ الْقَوْمِ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ) أَيْ أَمَّا لَوْ اسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ بَنَى عَلَى مَا مَضَى، وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا لَوْ تَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبِنَاءُ وَبَيْنَ مَا لَوْ اسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ أَنَّ فِي بِنَاءِ الْخَطِيبِ تَكْمِيلًا عَلَى مَا فَسَدَ بِحَدَثِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَلَا كَذَلِكَ فِي بِنَاءِ غَيْرِهِ لِأَنَّ سَمَاعَهُ لِمَا مَضَى مِنْ الْخُطْبَةِ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ مَا يُبْطِلُهُ فَجَازَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ اهـ حَجّ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا فَهْمُهُمْ لِمَا يَسْمَعُونَهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الْأَلْفَاظَ لَكِنْ لَا يَعْرِفُونَ مَدْلُولَاتِهَا، وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْفِي سَمَاعُهُمْ مُجَرَّدَ الصَّوْتِ مِنْ بَعِيدٍ مِنْ غَيْرِ سَمَاعِ الْأَلْفَاظِ وَتَقَاطِيعِ الْحُرُوفِ فَلْيُرَاجَعْ
فَرْضِيَّتِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لِأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَازٌ بِصُورَتِهِ مُنْصَرِفٌ إلَى اللَّهِ بِحَقِيقَتِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ صَرْفِهِ إلَيْهِ، وَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ. نَعَمْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الصَّارِفِ فِيمَا يَظْهَرُ.
وَالشَّرْطُ التَّاسِعُ مِنْ الشُّرُوطِ تَقْدِيمُهَا عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُسْتَحَبَّاتِ الْخُطْبَةِ فَقَالَ (وَتُسَنُّ) الْخُطْبَةُ (عَلَى مِنْبَرٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، وَأَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ مُصَلَّى الْإِمَامِ لِأَنَّ مِنْبَرَهُ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا وُضِعَ، وَكَانَ يَخْطُبُ قَبْلَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَعَنْ يَسَارِهِ جِذْعُ نَخْلَةٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ كَانَ ثَلَاثَ دَرَجٍ غَيْرَ الدَّرَجَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسْتَرَاحِ، وَكَانَ يَقِفُ عَلَى الثَّالِثَةِ، فَيُنْدَبُ الْوُقُوفُ عَلَى الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ، فَإِنْ طَالَ الْمِنْبَرُ فَعَلَى السَّابِعَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، لِمَا نُقِلَ أَنَّ مَرْوَانَ زَادَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ الْأَوَّلِ سِتَّ دَرَجٍ فَصَارَ عَدَدُ دَرَجِهِ تِسْعَةً، وَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَقِفُونَ عَلَى السَّابِعَةِ وَهِيَ الْأَوْلَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ، قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اسْتِحْبَابُهَا عَلَى مِنْبَرٍ وَلَوْ بِمَكَّةَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: الْخَطَابَةُ بِمَكَّةَ عَلَى مِنْبَرٍ بِدْعَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُخْطَبَ عَلَى الْبَابِ كَمَا فَعَلَ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَ الْمِنْبَرَ بِمَكَّةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَيُكْرَهُ مِنْبَرٌ كَبِيرٌ يُضَيِّقُ عَلَى الْمُصَلِّينَ، وَيُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ فِي الْمِنْبَرِ الْوَاسِعِ (أَوْ) عَلَى مَوْضِعٍ (مُرْتَفِعٍ) لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي الْإِعْلَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْكِتَابِ التَّسْوِيَةَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتَنَدَ إلَى نَحْوِ خَشَبَةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ قَبْلَ الْمِنْبَرِ (وَيُسَلِّمُ) عِنْدَ دُخُولِهِ عَلَى الْحَاضِرِينَ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ (عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) نَدْبًا إذَا انْتَهَى إلَيْهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمُفَارِقَتِهِ إيَّاهُمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَتْ الصُّفُوفُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْمِنْبَرِ لَا يُسَلِّمُ إلَّا عَلَى الصَّفِّ الَّذِي عِنْدَ الْبَابِ وَالصَّفِّ الَّذِي عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ سَنُّ السَّلَامِ عَلَى كُلِّ صَفٍّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، وَلَعَلَّ اقْتِصَارَهُمْ عَلَى ذَيْنِك لِأَنَّهُمَا آكَدُّ، وَقَدْ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا تُسَنُّ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَائِدَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ رَأَى حَنَفِيًّا مَسَّ فَرْجَهُ مَثَلًا ثُمَّ خَطَبَ فَهَلْ تَصِحُّ خُطْبَتُهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ، وَيُوَجَّهُ بِمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّا نَحْكُمُ بِصِحَّةِ عِبَادَةِ الْمُخَالِفِينَ حَيْثُ قَلَّدُوا تَقْلِيدًا صَحِيحًا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ الْقُدْوَةُ بِهِمْ لِلرَّبْطِ الْحَاصِلِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ الْمُقْتَضِي لِجَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى اعْتِقَادِ صِحَّةِ صَلَاتِهِ، وَلَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ السَّامِعِينَ وَالْخَطِيبِ، فَحَيْثُ حُكِمَ بِصِحَّةِ عِبَادَتِهِ اُكْتُفِيَ بِخُطْبَتِهِ لَكِنَّا لَا نُصَلِّي خَلْفَهُ، فَإِنْ أَمَّ غَيْرُهُ جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ: بَلْ الْمُتَعَيَّنُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا رَابِطَةٌ لَكِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ لِاعْتِقَادِهِ حِينَ النِّيَّةِ أَنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةً لَمْ تُسْبَقْ بِخُطْبَةٍ فِي اعْتِقَادِهِ.
(قَوْلُهُ: فَصَارَ عَدَدُ دَرَجِهِ تِسْعَةً) لَعَلَّهُ لَمْ يَعُدَّ الدَّرَجَةَ الْمُسَمَّاةَ بِالْمُسْتَرَاحِ وَإِلَّا فَيَكُونُ عَشَرَةً (قَوْلُهُ: عَلَى السَّابِعَةِ وَهِيَ الْأُولَى) وَعَلَيْهِ فَصُورَةُ مَا فَعَلُوهُ أَنَّهُ رَفَعَ الْمِنْبَرَ بَاقِيًا بِصُورَتِهِ وَجَعَلَ تَحْتَهُ الدَّرَجَ الْمَذْكُورَ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ) لَعَلَّ حِكْمَتَهُ أَنْ يَتَأَتَّى لَهُ الْمُبَادَرَةُ لِلْقِبْلَةِ مَعَ فَرَاغِ الْإِقَامَةِ، وَعَلَيْهِ فَمَا يَفْعَلُ الْآنَ مِنْ قُرْبِهِ مِنْهُ جِدًّا خِلَافُ الْأَوْلَى، لَكِنَّهُ ادَّعَى الْمُبَادَرَةَ إلَى الْمِحْرَابِ بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَخْطُبَ عَلَى الْبَابِ) أَيْ بَابِ الْكَعْبَةِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ) أَيْ لِلْخَطِيبِ وَهُوَ الْقُرْبُ مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُرْتَفِعٍ) وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ لَا يُبَالَغَ فِي ارْتِفَاعِهِ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى الْمَنَابِرِ الْمُعْتَادَةِ (قَوْلُهُ: وَلِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُمْ) أَيْ بِاشْتِغَالِهِ بِصُعُودِهِ الْمِنْبَرَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ فَارَقَ الْقَوْمَ لِشُغْلٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ سَنَّ لَهُ السَّلَامُ وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ جِدًّا (قَوْلُهُ وَلَا يُسَنُّ لَهُ تَحِيَّةٌ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّحِيَّةَ لِمَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَتَاهُ، وَمِنْهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ) بِوَجْهِهِ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِأَدَبِ الْخِطَابِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغِ لِقَبُولِ الْوَعْظِ وَتَأْثِيرِهِ وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ خِلَافُهُ. نَعَمْ يَظْهَرُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي اسْتِقْبَالِهِمْ لِنَحْوِ ظَهْرِهِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الْمَارَّةِ، وَلِأَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ لِذَلِكَ فِيهِ غَالِبًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الِاسْتِدَارَةِ الْمَنْدُوبَةِ لَهُمْ كَمَا مَرَّ (إذَا صَعِدَ) الدَّرَجَةَ الَّتِي تَحْتَ الْمُسْتَرَاحِ أَوْ اسْتَنَدَ إلَى مَا يُسْتَنَدُ إلَيْهِ (وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ) نَدْبًا لِلِاتِّبَاعِ وَلِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ، وَيَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ، وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْأَعْلَامِ (وَيَجْلِسُ) بَعْدَ سَلَامِهِ عَلَى الْمُسْتَرَاحِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ (ثُمَّ) هِيَ بِمَعْنَى الْفَاءِ الَّتِي أَفَادَتْهَا عِبَارَةُ أَصْلِهِ (يُؤَذَّنُ) بِفَتْحِ الذَّالِ فِي حَالِ جُلُوسِهِ، قَالَهُ الشَّارِحُ، وَضَبَطَهُ الدَّمِيرِيِّ بِكَسْرِهَا لِيُوَافِقَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ وَاحِدًا لَا جَمَاعَةً كَمَا اسْتَحَبَّهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ: وَأُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ إذَا كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا جَمَاعَةُ الْمُؤَذِّنِينَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ أَذَّنُوا جَمَاعَةً كَرِهْت ذَلِكَ، وَلَا يُفْسِدُ شَيْءٌ مِنْهُ الصَّلَاةَ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ إلَيْهَا، وَمَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْمُؤَذِّنِ وَاحِدًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زَمَنِنَا مِنْ مَرَقٍ يَخْرُجُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ الْآيَةَ ثُمَّ يَأْتِي بِالْحَدِيثِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَمْ يُفْعَلْ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَلْ كَانَ يُمْهِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا خَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ جَاوِيشٍ يَصِيحُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَأْخُذُ بِلَالٌ فِي الْأَذَانِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ لَا بِأَثَرٍ وَلَا خَبَرٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ، إذْ فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَنْبِيهٌ وَتَرْغِيبٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ كَانَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَأَرَادَ الْخُطْبَةَ سُنَّ لَهُ فِعْلُ رَاتِبَتِهَا قَبْلَ الصُّعُودِ.
(قَوْلُهُ: اللَّائِقُ بِأَدَبِ الْخِطَابِ) وَفِي نُسْخَةِ الْخُطَبَاءِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي اسْتِقْبَالِهِمْ) أَيْ لِأَنَّهُمْ يَسْتَدْبِرُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا يَتَأَتَّى لِجَمِيعِهِمْ الِاسْتِقْبَالُ، بَلْ بَعْضُهُمْ يَسْتَقْبِلُ وَجْهَهُ وَبَعْضُهُمْ يَسْتَقْبِلُ ظَهْرَهُ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الْمَارَّةِ) هِيَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ إلَخْ (قَوْلُهُ: إذَا صَعِدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَيَجْلِسُ بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَبْلَ الْجُلُوسِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ وَيَحْصُلُ لَهُ أَصْلُ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ) أَيْ لَمْ يُؤَذِّنْ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَذَّنُوا جَمَاعَةً كَرِهْت ذَلِكَ) قَالَ حَجّ: إلَّا لِعُذْرٍ انْتَهَى: أَيْ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ بِأَنْ اتَّسَعَ الْمَسْجِدُ جِدًّا وَلَمْ يَكْفِ الْوَاحِدُ تَعَدَّدَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي نَوَاحِي الْمَسْجِدِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَلَا يَجْتَمِعُونَ لِلْأَذَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَهْجَةِ حَيْث ُ قَالَ:
وَهِيَ فُرَادَى أُدْرِجَتْ وَيُنْدَبُ
…
لِمَنْ يُؤَذِّنُونَ أَنْ يُرَتَّبُوا
إنْ يَتَّسِعْ لَهُمْ جَمِيعًا زَمَنٌ
…
فَإِنْ يَضِقْ تَفَرَّقُوا وَأَذَّنُوا
أَيْ فِي نَوَاحِي مَسْجِدٍ يَحْتَمِلُ
(قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْتِي بِالْحَدِيثِ) أَيْ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ إذَا قُلْت لِصَاحِبِك إلَخْ بَعْدَ الْأَذَانِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: بَلْ كَانَ بِمَهْلٍ) أَيْ إلَخْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الْمَارَّةِ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَيُسَنُّ الْإِنْصَاتُ وَهِيَ مَا فِيهِ مِنْ تَوَجُّهِهِمْ لِلْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ) يَعْنِي بِالْخُطْبَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَذَا لِمَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ الشِّهَابُ حَجّ لَكِنَّهَا حَسَنَةٌ، وَإِلَّا فَفِي عِلْمِ كَوْنِهَا حَسَنَةً مِمَّا ذَكَرَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ
فِي الْإِتْيَانِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ الْمَطْلُوبِ فِيهِ إكْثَارُهَا، وَفِي قِرَاءَةِ الْخَبَرِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَقَبْلَ الْخُطْبَةِ تَيَقُّظٌ لِلْمُكَلَّفِ لِاجْتِنَابِ الْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمَكْرُوهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي خُطْبَتِهِ، وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ تَكُونَ) الْخُطْبَةُ (بَلِيغَةً) أَيْ فَصَيْحَةً جَزْلَةً لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ الْمُبْتَذَلِ الرَّكِيكِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي الْقُلُوبِ (مَفْهُومَةً) لَا غَرِيبَةً وَحْشِيَّةً إذْ لَا يَنْتَفِعُ أَكْثَرُ النَّاسِ بِهَا، وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: يَكُونُ كَلَامُهُ مُسْتَرْسِلًا مُبَيِّنًا مُعْرِبًا مِنْ غَيْرِ تَغَنٍّ وَلَا تَمْطِيطٍ، وَكَرِهَ الْمُتَوَلِّي الْكَلِمَاتِ الْمُشْتَرَكَةَ وَالْبَعِيدَةَ عَنْ الْأَفْهَامِ وَمَا يُنْكِرُهُ عُقُولُ الْحَاضِرِينَ، وَقَدْ يَحْرُمُ الْأَخِيرُ إنْ أَوْقَعَ فِي مَحْظُورٍ (قَصِيرَةً) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ» فَتَكُونُ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ، وَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ صَلَاتَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا وَمِنْ أَنَّ قِصَرَهَا عَلَامَةٌ عَلَى الْفِقْهِ لِأَنَّ الْقِصَرَ وَالطُّولَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ، فَالْمُرَادُ بِاقْتِصَارِهَا إقْصَارُهَا عَنْ الصَّلَاةِ وَبِإِطَالَةِ الصَّلَاةِ إطَالَتُهَا عَلَى الْخُطْبَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ سَنَّ قِرَاءَةِ " ق " فِي الْأُولَى لَا يُنَافِي كَوْنَ الْخُطْبَةِ قَصِيرَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَحَسُنَ أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالٍ وَأَزْمَانٍ وَأَسْبَابٍ، وَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ الْإِسْهَابَ كَالْحَثِّ عَلَى الْجِهَادِ إذَا طَرَقَ الْعَدُوُّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْبِلَادَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْخَمْرِ وَالْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا وَالظُّلْمِ إذَا تَتَابَعَ النَّاسُ فِيهَا وَحَسَنٌ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ: وَيَقْصِدُ إيرَادُ الْمَعْنَى الصَّحِيحَ وَاخْتِيَارَ اللَّفْظِ الْفَصِيحِ وَلَا يُطَوِّلُ إطَالَةً تُمِلُّ وَلَا يُقَصِّرُ قَصْرًا يُخِلُّ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ غَيْرُ مُنَافٍ لِمَا مَرَّ، إذْ الْإِطَالَةُ عِنْدَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِعَارِضٍ لَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَصِدًا.
(وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَ) لَا (شِمَالًا) وَلَا خَلْفًا (فِي شَيْءٍ مِنْهَا) لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إلَى فَرَاغِهَا، وَلَا يَعْبَثُ بَلْ يَخْشَعُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَوْ اسْتَدْبَرَهَا الْحَاضِرُونَ أَجْزَأَ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَأَنْ يَعْتَمِدَ) فِي حَالِ خُطْبَتِهِ اسْتِحْبَابًا (عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا) وَنَحْوِهِ مِنْ قَوْسٍ أَوْ رُمْحٍ لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَكَّأَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا» وَحِكْمَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ، وَلِهَذَا قَبَضَهُ بِالْيُسْرَى عَلَى عَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا تَنَاوُلًا حَتَّى يَكُونَ بِالْيَمِينِ بَلْ هُوَ اسْتِعْمَالٌ وَامْتِهَانٌ بِالِاتِّكَاءِ، فَكَانَتْ الْيَسَارُ بِهِ أَلْيَقُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَمَامِ الْإِشَارَةِ إلَى الْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيَشْغَلُ يَمِينَهُ بِالْمِنْبَرِ إنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ نَجَاسَةٌ كَذَرْقٍ طَيْرٍ لَا يُعْفِي عَنْهُ وَهِيَ مُلَاقِيَةٌ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ صَدْرِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا، وَالْغَرَضُ أَنْ يَخْشَعَ وَلَا يَعْبَثَ بِهِمَا كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ شُغْلُ الْيُمْنَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ وَإِرْسَالِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُؤَخِّرُ الْخُرُوجَ (قَوْلُهُ يَقُولُ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي خُطْبَتِهِ) لَمْ يَقُلْ فِي افْتِتَاحِ خُطْبَتِهِ فَأَشْعَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ كَيْفَ اتَّفَقَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِهِ بِمَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ، وَلَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُهُ فِي ابْتِدَاءِ الْخُطْبَةِ لِكَوْنِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ.
(قَوْلُهُ: يَكُونُ كَلَامُهُ) أَيْ يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ مُعْرِبًا: أَيْ وَاضِحًا (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَغَنٍّ وَلَا تَمْطِيطٍ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ) بِضَمِّ الصَّادِ مَحَلِّيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ الْآتِي بِالْإِقْصَارِ كَسْرُ الصَّادِ وَفَتْحُ الْهَمْزَةِ، وَيَكُونُ مَأْخُوذًا مِنْ أَقَصَرَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ ضَمَّ الصَّادِ هِيَ الرِّوَايَةُ مِنْ قَصَرَ وَهُوَ لَا يُنَافِي أَنَّ أَقْصَرَ لُغَةٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ قَصُرَ هُوَ الْكَثِيرُ، وَأَنَّ تَعْدِيَتَهُ بِالْهَمْزِ أَوْ التَّضْعِيفِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ ضَمُّ الصَّادِ مُخَفَّفَةً مِنْ قَصُرَ وَكَسْرُهَا مَعَ فَتْحِ الْهَمْزِ مَعَ أَقْصَرَ وَكَسْرُهَا مُشَدَّدَةً مِنْ قَصَّرَ (قَوْلُهُ: الْإِسْهَابَ) أَيْ التَّطْوِيلَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عَصَا) أَيْ تَارَةً عَلَى هَذَا وَتَارَةً عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ: أَوْ أَرْسَلَهُمَا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَالْغَرَضُ أَنْ يَخْشَعَ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ وِجْدَانِهِ لِمَا مَرَّ فَلَا يُنَافِي الْحِكْمَةَ الْمَارَّةَ
الْأُخْرَى فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَيُكْرَهُ لَهُ وَلَهُمْ الشُّرْبُ مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ، فَإِنْ حَصَلَ فَلَا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا.
وَيُكْرَه مَا ابْتَدَعَهُ جَهَلَةُ الْخُطَبَاءِ مِنْ الْإِشَارَةِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا وَالِالْتِفَاتِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَدَقِّ الدَّرَجَةِ فِي صُعُودِهِ بِنَحْوِ سَيْفٍ أَوْ رِجْلِهِ، وَالدُّعَاءِ إذَا انْتَهَى إلَى الْمُسْتَرَاحِ قَبْلَ جُلُوسِهِ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ: يَقِفُ فِي كُلِّ مِرْقَاةٍ وَقْفَةً خَفِيفَةً يَسْأَلُ الْمَعُونَةَ وَالتَّسْدِيدَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ، وَمُبَالَغَتُهُ لِلْإِسْرَاعِ فِي الثَّانِيَةِ وَخَفْضُ الصَّوْتِ بِهَا وَالِاحْتِبَاءُ حَالَ الْخُطْبَةِ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْهُ وَلِجَلْبِهِ النَّوْمَ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخْتِمَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ كَابْنِ النَّحَّاسِ وَغَيْرِهِ كَتْبُ كَثِيرٍ أَوْرَاقًا يُسَمُّونَهَا حَفَائِظَ آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ حَالَ الْخُطْبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَكِتَابَةِ مَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ، وَقَدْ يَكُونُ دَالًّا عَلَى مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ مِنْ بَلْدَتِنَا أَنْ يُمْسِكَ الْخَطِيبُ حَالَ خُطْبَتِهِ حَرْفَ الْمِنْبَرِ وَيَكُونُ فِي جَانِبِ ذَلِكَ الْمِنْبَرِ عَاجٌ غَيْرُ مُلَاقٍ لَهُ، وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِصِحَّةِ خُطْبَتِهِ، كَمَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى عَلَى سَرِيرٍ قَوَائِمُهُ فِي نَجَسٍ أَوْ عَلَى حَصِيرٍ مَفْرُوشٍ عَلَى نَجَسٍ أَوْ بِيَدِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ فِي سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ وَهِيَ كَبِيرَةٌ لَا تَنْجَرُّ بِجَرِّهِ لِأَنَّهَا كَالدَّارِ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً تَنْجَرُّ بِجَرِّهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ أَنْ تَكُونَ فِي الْبَحْرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَرِّ لَمْ تَبْطُلْ قِطَعًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً انْتَهَى. وَإِنَّمَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَابِضِ طَرَفَ شَيْءٍ عَلَى نَجَسٍ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ لِحَمْلِهِ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِنَجَسٍ، وَلَا يُتَخَيَّلُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ حَامِلٌ لِلْمِنْبَرِ.
(وَأَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) تَقْرِيبًا (وَإِذَا فَرَغَ) مِنْ الْخُطْبَةِ (شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَبَادَرَ الْإِمَامُ) نَدْبًا (لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْإِقَامَةِ مُبَالَغَةً فِي تَحَقُّقِ الْمُوَالَاةِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْحَاضِرِينَ.
وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ الْخَطِيبِ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ الْمِحْرَابِ أَوْ بَطِيءُ النَّهْضَةِ سُنَّ لَهُ الْقِيَامُ بِقَدْرٍ يَبْلُغُ بِهِ الْمِحْرَابَ، وَإِنْ فَاتَتْهُ سُنَّةُ تَأَخُّرِ الْقِيَامِ إلَى فَرَاغِ الْإِقَامَةِ (وَيَقْرَأُ) نَدْبًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى الْجُمُعَةَ وَ) فِي (الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ) بِكَمَالِهِمَا أَوْ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَوْلَى لِلْأَمْرِ بِهَا فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ يُشْعِرُ بِهِ التَّقْدِيمُ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ) أَيْ حَالَ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ: يَقِفُ فِي كُلِّ مِرْقَاةٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْمِرْقَاةُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: الدَّرَجَةُ، فَمَنْ كَسَرَ شَبَّهَهَا بِالْآلَةِ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا، وَمَنْ فَتَحَ جَعَلَهَا مَوْضِعَ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ: غَرِيبٌ ضَعِيفٌ) أَيْ فَلَا يُسَنُّ، بَلْ قَدْ يَقْضِي كَلَامُهُ كَرَاهَةَ ذَلِكَ فَيُطْلَبُ مِنْهُ الصُّعُودُ مُسْتَرْسِلًا فِي مَشْيِهِ عَلَى الْعَادَةِ. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَيَصْعَدُ بِتُؤَدَةٍ وَرِفْقٍ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ، وَمِثْلُهُ فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ نَقْلًا عَنْ الْعُبَابِ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ) أَيْ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِ جَهَلَةِ الْخُطَبَاءِ مِنْ تَكْرِيرِهَا ثَلَاثًا لَا أَصْلَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَكِتَابَةُ مَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ) قَالَ حَجّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: أَيْ وَقَدْ جَزَمَ أَئِمَّتُنَا وَغَيْرُهُمْ بِحُرْمَةِ كِتَابَةِ وَقِرَاءَةِ الْكَلِمَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِصِحَّةِ خُطْبَتِهِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَنْجَرَّ بِجَرِّهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي.
(قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ) قَالَ حَجّ: فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ: أَيْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَسُنَّتْ لَهُ السُّورَةُ فَقَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِيهَا: أَيْ الْأُولَى احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ: وَيَقْرَأُ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا شَمَلَهُ كَلَامُهُمْ، وَأَنْ يُقَالَ: يَقْرَأُ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّ السُّورَةَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِي حَقِّهِ انْتَهَى. وَالْأَقْرَبُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ خَلَتْ صَلَاتُهُ مِنْ الْجُمُعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَرَأَ الْجُمُعَةَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَكِتَابَةُ مَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ.