الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحَسُنَ إعْدَادِهِ، لَكِنْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ بَلْ لِلْوَارِثِ إبْدَالُهُ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ بِنَاءِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ قَالَ اقْضِ دَيْنِي مِنْ هَذَا الْمَالِ الْوُجُوبُ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُومِئُ إلَيْهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَوْ نَزَعَ الثِّيَابَ الْمُلَطَّخَةَ بِالدَّمِ عَنْ الشَّهِيدِ وَكَفَّنَهُ فِي غَيْرِهَا جَازَ مَعَ أَنَّ فِيهَا أَثَرَ الْعِبَادَةِ الشَّاهِدَةِ لَهُ بِالشَّهَادَةِ فَهَذَا أَوْلَى انْتَهَى.
وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ فِي الْمَبْنِيِّ كَالْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ وَإِنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْوَارِثِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ثِيَابِ الشَّهِيدِ وَاضِحٌ، إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةُ أَمْرِ الْمُورِثِ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي
كَيْفِيَّةِ حَمْلِ الْمَيِّتِ
وَلَيْسَ فِي حَمْلِهِ دَنَاءَةٌ وَلَا سُقُوطُ مُرُوءَةٍ، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ فَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَقَالَ (وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ فِي الْأَصَحِّ)" لِحَمْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَحَمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ " رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، الْأَوَّلَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَالثَّانِيَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.
وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِلْمَيِّتِ، بَلْ حُكِيَ وُجُوبُهُ لِأَنَّ مَا دُونَهُ إزْرَاءٌ بِالْمَيِّتِ، هَذَا إنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْأَفْضَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ تَارَةً بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَتَارَةً بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ، ثُمَّ بَيَّنَ حَمْلَهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَمْلُ بَيْنَهُمَا (أَنْ يَضَعَ الْخَشَبَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ) أَيْ الْعَمُودَيْنِ (عَلَى عَاتِقِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْعُنُقِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَقِيلَ مُؤَنَّثٌ (وَرَأْسُهُ بَيْنَهُمَا وَيَحْمِلَ) الْخَشَبَتَيْنِ (الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ) أَحَدُهُمَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَيْسَرِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ اثْنَانِ وَلَمْ يَعْكِسْ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَوْ تَوَسَّطَهُمَا كَانَ وَجْهُهُ لِلْمَيِّتِ فَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ، وَإِنْ وَضَعَ الْمَيِّتَ عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَ عَنْ حَمْلِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَأَدَّى إلَى ارْتِفَاعِ مُؤَخِّرَةِ النَّعْشِ وَتَنَكُّسِ الْمَيِّتِ عَلَى رَأْسِهِ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْحَمْلِ أَعَانَهُ اثْنَانِ بِالْعَمُودَيْنِ وَيَأْخُذُ اثْنَانِ بِالْمُؤَخَّرَتَيْنِ فِي حَالِ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ، فَحَامِلُوهُ عِنْدَ فَقَدْ الْعَجْزِ ثَلَاثَةٌ وَمَعَ وُجُودِهِ خَمْسَةٌ، فَإِنْ عَجَزُوا فَسَبْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ.
ثُمَّ بَيَّنَ حَمْلَهَا عَلَى هَيْئَةِ التَّرْبِيعِ فَقَالَ (وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ) يَضَعُ أَحَدُهُمَا الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَالْآخَرُ عَكْسُهُ (وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ) يَحْمِلَانِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْحَامِلُونَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجُهُ الْوُجُوبُ فِي الْمَبْنِيِّ) هُوَ قَوْلُهُ قَضِيَّتُهُ بِنَاءُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ كَالْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ عَلَى مَا لَوْ قَالَ اقْضِ دَيْنِي (قَوْلُهُ إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةٌ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ التَّكْفِينِ فِيمَا أَعَدَّهُ لِنَفْسِهِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ إعْدَادِهِ كَفِّنُونِي فِي هَذَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
أَمَّا مَا أَعَدَّهُ بِلَا لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ التَّكْفِينِ فِيهِ كَأَنْ اسْتَحْسَنَ لِنَفْسِهِ ثَوْبًا أَوْ ادَّخَرَهُ وَدَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ كَفَنًا لَهُ فَلَا يَجِبُ التَّكْفِينُ فِيهِ.
نَعَمْ الْأَوْلَى ذَلِكَ كَمَا فِي ثِيَابِ الشَّهِيدِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى بَهْجَةٍ بَعْدُ مِثْلُ مَا ذَكَرَ مَا نَصُّهُ: قَدْ يُوَجَّهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ بِأَنَّ ادِّخَارَهُ بِقَصْدِ هَذَا الْغَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالتَّكْفِينِ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَقَدْ فَعَلَهُ) وَتَشْيِيعُ الْجِنَازَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ مَا لَمْ يُخْشَ مِنْهُ فِتْنَةٌ أَيْ مِنْهُنَّ أَوْ عَلَيْهِنَّ وَإِلَّا حَرُمَ كَمَا هُوَ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَحَمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَاشَرَ حَمْلَهُ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ أَمَرَ بِحَمْلِهِ كَذَلِكَ فَنُسِبَ إلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّ الشَّارِحَ إنَّمَا لَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ لَا دَنَاءَةَ فِيهِ إلَخْ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ يَفْعَلُ الْمَكْرُوهَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيَكُونُ وَاجِبًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مُشَرِّعًا بِخِلَافِ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُذَكَّرٌ) هَذَا عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَا تَعَدَّدَ فِي الْإِنْسَانِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ فِي الْمَبْنِيِّ كَالْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ) أَيْ فِي الْكَفَنِ الَّذِي أَعَدَّهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ وَظَاهِرُ السِّيَاقِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَنِ إذَا كَانَ مِنْ حِلٍّ أَوْ أَثَرِ ذِي صَلَاحٍ، وَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ عَلَى مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ الْإِطْلَاقِ فَلْيُرَاجَعْ.
[كَيْفِيَّةِ حَمْلَ الْمَيِّتِ]
(قَوْلُهُ: لِحَمْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ) أَيْ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَلَعَلَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ كَحَمْلِ
أَرْبَعَةً وَلِهَذَا سُمِّيَتْ هَدّه الْكَيْفِيَّةِ بِالتَّرْبِيعِ، فَإِنْ عَجَزَ الْأَرْبَعَةُ عَنْهَا حَمَلَهَا سِتَّةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ، وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ يَحْمِلُ مِنْ جَوَانِبِ السَّرِيرِ أَوْ يُزَادُ أَعْمِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ تَحْتَ الْجِنَازَةِ كَمَا فُعِلَ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِبَدَانَتِهِ.
وَأَمَّا الصَّغِيرُ، فَإِنْ حَمَلَهُ وَاحِدٌ جَازَ لِعَدَمِ الْإِزْرَاءِ فِيهِ، وَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِحَمْلِهَا بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بَدَأَ بِحَمْلِ الْمُقَدَّمَ عَلَى كَتِفِهِ ثُمَّ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ الْمُؤَخَّرَ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا فَيَأْخُذُ الْأَيْمَنَ الْمُؤَخَّرَ أَوْ يَحْمِلُهَا بِالْهَيْئَتَيْنِ أَتَى فِيمَا يَظْهَرُ بِمَا أَتَى بِهِ فِي الْأُولَى وَيَحْمِلُ الْمُقَدَّمَ عَلَى كَتِفِهِ مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ، لَكِنَّهُ جَعَلَ حَمْلَ الْمُقَدَّمِ عَلَى كَتِفِهِ مُؤَخَّرًا وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مُؤَنَّثٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فَعَلَ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِبَدَانَتِهِ) أَيْ سِمَنِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا) وَإِنَّمَا طَلَبَ هَذَا دُونَ مَجِيئِهِ مِنْ خَلْفِهَا؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ أَقْرَبُ لِكَوْنِهِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
[فَائِدَةٌ] سُئِلَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَادِ عَنْ وُقُوفِ الْجِنَازَةِ وَرُجُوعِهَا فَقَالَ: يُحْتَمَلُ مَتَى كَثُرَتْ الْمَلَائِكَةُ بَيْنَ يَدَيْهَا رَجَعَتْ أَوْ وَقَفَتْ، وَمَتَى كَثُرَتْ خَلْفَهَا أَسْرَعَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلَوْمِ النَّفْسِ لِلْجَسَدِ وَلَوْمُ الْجَسَدِ لِلنَّفْسِ يَخْتَلِفُ حَالُهَا تَارَةً تُقَدِّمُ وَتَارَةً تُؤَخِّرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهَا فِي حَالِ رُجُوعِهَا لِيَتِمَّ أَجَلُ بَقَائِهَا فِي الدُّنْيَا، وَسُئِلَ عَنْ خِفَّةِ الْجِنَازَةِ وَثِقَلِهَا فَقَالَ: إذَا خَفَّتْ فَصَاحِبُهَا شَهِيدٌ؛ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ وَالْحَيُّ أَخَفُّ مِنْ الْمَيِّتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 169] الْآيَةُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي طَبَقَاتِهِ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ أَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّامِيُّ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ فِي قَتْلِ أَبِي جَابِرٍ حَيْثُ قَالَ: وَقُتِلَ أَبُو جَابِرٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بْنِ حَرَامٍ بِالرَّاءِ، قَالَ ابْنُهُ جَابِرٍ: كَانَ أَبِي أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ، وَقَدْ حَمَلَتْهُ أُخْتُهُ هِنْدٌ هِيَ وَزَوْجُهَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَابْنُهَا خَلَّادٌ عَلَى بَعِيرٍ وَرَجَعَتْ بِهِمْ إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَتْهَا عَائِشَةُ وَقَالَتْ لَهَا: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَتْ: أَخِي وَابْنِي خَلَّادٌ وَزَوْجِي عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، قَالَتْ: فَأَيْنَ تَذْهَبِينَ بِهِمْ؟ قَالَتْ: إلَى الْمَدِينَةِ أُقْبِرُهُمْ فِيهَا، ثُمَّ زَجَرَتْ بَعِيرَهَا فَبَرَكَ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: لِمَا عَلَيْهِ: أَيْ بَرَكَ لِثِقَلِ مَا عَلَيْهِ، قَالَتْ: مَا ذَاكَ بِهِ فَإِنَّهُ لَرُبَّمَا حَمَلَ مَا يَحْمِلُ بَعِيرَانِ وَلَكِنْ أَرَاهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَزَجَرَتْهُ ثَانِيًا فَقَامَ وَبَرَكَ، فَوَجَّهَتْهُ رَاجِعَةً إلَى أُحُدٍ فَأَسْرَعَ، فَرَجَعَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ الْجَمَلَ مَأْمُورٌ، هَلْ قَالَ عَمْرٌو شَيْئًا؟ قَالَتْ: إنَّهُ لَمَّا تَوَجَّهَ إلَى أُحُدٍ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَرُدَّنِي إلَى أَهْلِي وَارْزُقْنِي الشَّهَادَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَلِذَلِكَ الْجَمَلُ لَا يَمْضِي، إنَّ فِيكُمْ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَلَقَدْ رَأَيْته يَطَأُ بِعَرْجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي عَدَمِ سَيْرِ الْجَمَلِ إلَى الْمَدِينَةِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَلِذَلِكَ الْجَمَلُ لَا يَمْضِي، أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ نَزَلَ الْأَمْرُ بِدَفْنِهِمْ ثَمَّةَ، وَلِذَلِكَ لَمَّا أَرَادَ أَهْلُ الْقَتْلَى أَخْذَهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَ صلى الله عليه وسلم مُنَادِيَهُ فَنَادَى رُدُّوا الْقَتْلَى إلَى مَضَاجِعِهِمْ (قَوْلُهُ: وَيَحْمِلُ الْمُقَدَّمَ) بِأَنْ يَجْعَلَ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ مِنْ الْمُقَدَّمِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ مَرَّةً، وَالْعَمُودَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِالْكَافِ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْمَحَلِّيِّ، وَأَسْقَطَ الْكَتَبَةُ جَرَّةَ الْكَافِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَحْمِلُهَا بِالْهَيْئَتَيْنِ أَتَى فِيمَا يَظْهَرُ بِمَا أَتَى بِهِ فِي الْأُولَى) أَيْ فِي هَيْئَةِ التَّرْبِيعِ، وَقَوْلُهُ: وَيَحْمِلُ الْمُقَدَّمُ عَلَى كَتِفَيْهِ: أَيْ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ كُلٌّ مِنْ الْهَيْئَتَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعِبَارَةُ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ يَاسِرَةَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَاسِرَتَهُ الْمُؤَخَّرَةَ ثُمَّ يَدُورُ مِنْ أَمَامِهَا حَتَّى لَا يَمْشِيَ خَلْفَهَا فَيَضَعُ يَامِنَةَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَامِنَتَهُ الْمُؤَخَّرَةَ فَيَكُونُ قَدْ حَمَلَهَا عَلَى التَّرْبِيعِ ثُمَّ يُدْخِلُ رَأْسَهُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَيَكُونُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ. انْتَهَتْ.
وَبِهَا يُعْلَمُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ نِعْمَ مَا اقْتَضَتْهُ ثُمَّ فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ تَأْخِيرٍ إدْخَالُ رَأْسِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ عَنْ حَمْلِهِ بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الْهَيْئَتَيْنِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ.
الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ (وَ) يُسَنُّ (الْمَشْيُ) لِلْمُشَيِّعِ لَهَا وَيُكْرَهُ لَهُ الرُّكُوبُ فِي ذَهَابِهِ مَعَهَا "؛ لِأَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم رَأَى نَاسًا رُكَّابًا فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ: أَلَا تَسْتَحْيُونَ، إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ» هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، فَإِنْ كَانَ بِهِ كَمَرَضٍ فَلَا، وَلَا كَرَاهَةَ فِي الرُّكُوبِ فِي الْعَوْدِ كَمَا سَيَأْتِي:.
وَيُسَنُّ كَوْنُهُ (أَمَامَهَا) لِلِاتِّبَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ شَافِعٌ وَحَقُّ الشَّافِعِ التَّقَدُّمُ، وَأَمَّا خَبَرُ «امْشُوا خَلْفَ الْجِنَازَةِ» فَضَعِيفٌ، وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ رَاكِبًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ، وَنَقَلَهُ فِيهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ تَبَعًا لِلْخَطَّابِيِّ، وَلَوْ مَشَى خَلْفَهَا حَصَلَ لَهُ فَضِيلَةُ أَصْلِ الْمُتَابَعَةِ دُونَ كَمَالِهَا،
وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى الْمَقْبَرَةِ لَمْ يُكْرَهْ، ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَامَ حَتَّى تُوضَعَ الْجِنَازَةُ وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ.
(وَ) يُسَنُّ كَوْنُهُ (بِقُرْبِهَا) بِحَيْثُ لَوْ الْتَفَتَ رَآهَا فَهُوَ (أَفْضَلُ) مِنْ بُعْدِهَا فَلَا يَرَاهَا لِكَثْرَةِ الْمَاشِينَ مَعَهَا (وَيُسْرَعُ بِهَا) اسْتِحْبَابًا بِأَنْ يَذْهَبَ بِهَا فَوْقَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ، وَدُونَ الْخَبَبُ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ الضُّعَفَاءُ، فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ بِالتَّأَنِّي زِيدَ فِي الْإِسْرَاعِ لِخَبَرِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» هَذَا (إنْ لَمْ يَخَفْ تَغَيُّرَهُ) أَيْ الْمَيِّتِ بِالْإِسْرَاعِ وَإِلَّا فَيُتَأَنَّى بِهِ، وَلَوْ مَرَّتْ عَلَيْهِ جِنَازَةٌ اُسْتُحِبَّ الْقِيَامُ لَهَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي بِكَرَاهَتِهِ.
وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ عَنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ فِيهَا مَنْسُوخٌ، وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ أَنْ يَدْعُوَا لَهَا وَيُثْنَى عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَأَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَوْ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ اهـ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا رَأَى جِنَازَةً قَالَ: هَذَا مَا وَعَدَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا " ثُمَّ أَسْنَدَ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ رَأَى جِنَازَةً فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هَذَا مَا وَعَدَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا، كُتِبَ لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً»
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الثَّانِيَ مِنْ الْمُقَدَّمِ أَيْضًا مَرَّةً عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ مَرَّةً وَيُقَدِّمُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْيَمِينِ، وَإِذَا أَرَادَ حَمْلَ الثَّانِي تَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهَا ثُمَّ أَخَذَهُ (قَوْلُهُ إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ لَا يَسْتَحِي؟ فَقَالَ: إنَّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ كَوْنُهُ أَمَامَهَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ بَعِيدًا وَلَوْ مَشَى خَلْفَهَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ أَمَامَهَا مَعَ الْقُرْبِ وَالْمَشْيِ أَمَامَهَا مَعَ الْبُعْدِ هَلْ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الرُّكُوبِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةَ وَلَوْ تَعَارَضَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فَانْظُرْ مَاذَا يُرَاعَى اهـ وَالْأَقْرَبُ مُرَاعَاةُ الْإِمَامِ وَإِنْ بَعُدَ.
(قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَوْ الْتَفَتَتْ رَآهَا) زَادَ حَجّ رُؤْيَةً كَامِلَةً، وَضَابِطُهُ أَنْ لَا يَبْعُدَ عَنْهَا بُعْدًا يَقْطَعُ عِرْقًا نِسْبَتُهُ إلَيْهَا اهـ (قَوْلُهُ: زِيدَ فِي الْإِسْرَاعِ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: اُسْتُحِبَّ الْقِيَامُ لَهَا) أَيْ كَبِيرًا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ صَغِيرًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعْظِيمُ لِلْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْقُعُودِ شَيْءٌ إلَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي النَّسْخِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ فِيهَا مَنْسُوخٌ) أَيْ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ أَهْلًا لِذَلِكَ) أَيْ فَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ أَهْلٍ فَهَلْ يَذْكُرُهَا بِمَا هِيَ أَهْلٌ لَهُ أَوْ لَا يَذْكُرُ شَيْئًا نَظَرًا إلَى أَنَّ السَّتْرَ مَطْلُوبٌ، أَوْ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ «مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهِ شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ» وَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ ذَلِكَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْغَاسِلَ لَوْ رَأَى مَا يَكْرَهُ مِنْ الْمَيِّتِ يَكْتُمُهُ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ جِنَازَةَ كَافِرٍ (قَوْلُهُ: وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَوْ قِيلَ بِتَكْرِيرِهِ ثَلَاثًا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا. . .
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .