الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَقَلِّ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ فَهُوَ مُسَاوٍ لِعِبَارَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ قَدْرُ طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي بِمَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْأَذْرَعِيِّ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فِي الشَّرْطِ السَّادِسِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِزِيَادَةِ جِلْسَةٍ يَسِيرَةٍ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.
(بَابُ) كَيْفِيَّةِ (صَلَاةِ الْمُسَافِرِ)
مِنْ حَيْثُ الْقَصْرُ وَيَتْبَعُهُ الْكَلَامُ فِي قَصْرِ فَوَائِتِ الْحَضَرِ، وَالْجَمْعُ وَيَتْبَعُهُ الْجَمْعُ بِالْمَطَرِ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ التَّرْجَمَةَ نَاقِصَةٌ، عَلَى أَنَّ الْمَعِيبَ أَنْ يُتَرْجِمَ لِشَيْءٍ وَيَذْكُرَ أَنْقَصَ مِنْهُ، أَمَّا ذِكْرُ زَائِدٍ عَلَى الْبَابِ عَنْ التَّرْجَمَةِ فَلَا، وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْبُخَارِيِّ كَثِيرًا.
وَالْأَصْلُ فِي الْقَصْرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101] الْآيَةَ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالْخَوْفِ لَكِنْ صَحَّ جَوَازُهُ فِي الْأَمْنِ لِخَبَرِ «لَمَّا سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَةٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ) أَيْ لَا ضَرَرَ.
بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ: صَلَاةُ الْمُسَافِرِ) اُنْظُرْ مَشْرُوعِيَّةَ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فِي أَيِّ سَنَةٍ كَانَتْ. وَفِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْقَلْيُوبِيِّ: وَشُرِعَتْ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ، وَقِيلَ فِي رَبِيعِ الْآخَرِ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَهُ الدُّولَابِيُّ وَقِيلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَوَّلُ الْجَمْعِ كَانَ فِي سَفَرِ غَزْوَةِ تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْقَصْرُ) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ.
(قَوْلُهُ: وَيَتْبَعُهُ الْكَلَامُ فِي قَصْرِ فَوَائِتِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الْقَصْرِ إذْ هُوَ شَامِلٌ لِمَا يُفْعَلُ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ فِي الْحَضَرِ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ وَالْجَمْعُ عَطْفٌ عَلَى الْقَصْرِ.
[فَائِدَةٌ] قَالَ ع: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ «خِيَارُ أُمَّتِي مَنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَاَلَّذِينَ إذَا أَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا وَإِذَا أَسَاءُوا اسْتَغْفَرُوا وَإِذَا سَافَرُوا قَصَرُوا وَأَفْطَرُوا» اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: لَمَّا سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ حَيْثُ قَالَ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. «قُلْت: لِعُمَرَ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101]
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِلَّا فَأَصْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ فَهُمَا مُسْتَوِيَتَانِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَرْجِعَ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثِ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: لِأَقَلِّ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ) لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ الْقَصِيرِ إلَّا أَنَّهُ نَظَرَ فِيهِ لِمَا مَثَّلَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي) إنْ أَرَادَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَلَعَلَّهُ سَبْقُ نَظَرٍ مِمَّا فِي الشَّرْحِ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَيَحْرُمُ مُكْثُهُ، قَالَ الشَّارِحُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْتَفَرَ قَدْرُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ أَشَارَ إلَيْهِ. انْتَهَى.
وَإِنْ أَرَادَ فِي الشَّرْطِ السَّادِسِ فَسَتَعْلَمُ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ) يُوهِمُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْهَا عِبَارَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ عِبَارَتَهَا قَدْ تَشْمَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ بِالْحَرْفِ وَإِنَّمَا عِبَارَتُهَا: وَإِنْ تَرَكَ سُنَّةً وَكَانَ فِي الِاشْتِغَالِ بِهَا تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لَمْ يَأْتِ بِهَا الْمَأْمُومُ فَإِنْ فَعَلَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ لَهَا يَسِيرًا كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَلَا بَأْسَ كَمَا لَا بَأْسَ بِزِيَادَتِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا انْتَهَتْ.
[بَابُ كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]
بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» وَيَجُوزُ فِيهِ الْإِتْمَامُ كَمَا صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ " يَا رَسُولَ اللَّهِ قَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ وَأَفْطَرْتَ وَصُمْتُ ": أَيْ بِفَتْحِ التَّاءِ الْأُولَى وَضَمَّ الثَّانِيَةِ فِيهِمَا وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، فَقَالَ:" أَحْسَنْت يَا عَائِشَةَ " وَأَمَّا خَبَرُ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ» أَيْ فِي السَّفَرِ فَمَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ. .
وَلَمَّا كَانَ الْقَصْرُ أَهَمَّ هَذِهِ الْأُمُورِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهِ فَقَالَ (إنَّمَا)(تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ) لَا صُبْحٌ وَمَغْرِبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِالْأُخْرَى، إذْ الصُّبْحُ لَوْ قَصُرَتْ لَمْ تَكُنْ شَفْعًا وَخَرَجَتْ عَنْ مَوْضُوعِهَا، وَالْمَغْرِبُ لَا يُمْكِنُ قَصْرُهَا إلَى رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا وِتْرًا وَلَا إلَى رَكْعَةٍ لِخُرُوجِهَا بِذَلِكَ عَنْ بَاقِي الصَّلَوَاتِ.
وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرُّبَاعِيَّةُ مَكْتُوبَةً مِنْ الْخَمْسِ فَلَا تُقْصَرُ مَنْذُورَةٌ وَلَا نَافِلَةٌ لِعَدَمِ وُرُودِهِ (مُؤَدَّاةٌ) وَفَائِتَةُ السَّفَرِ الْآتِيَةِ مُلْحَقَةٌ بِهَا فَلَا يُنَافِي الْحَضَرَ، أَوْ أَنَّهُ إضَافِيٌّ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا تُقْصَرُ فَائِتَةُ الْحَضَرِ فِي السَّفَرِ كَمَا سَيَأْتِي (فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ) اتِّفَاقًا فِي الْأَمْنِ وَعَلَى الْأَظْهَرِ فِي الْخَوْفِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ: عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: صَدَقَةٌ» إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ عَكْسُهُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ، وَإِلَّا فَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ قَضِيَّةٍ وَقَعَتْ وَلَيْسَتْ هِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ حَتَّى يَجُوزَ كُلٌّ، فَإِنْ كَانَ الْقَاصِرُ وَالْمُفْطِرُ هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَعَيَّنَ فَتْحُ التَّاءِ فِي الْأَوَّلَيْنِ مِنْهُمَا أَوْ عَائِشَةُ تَعَيَّنَ الْعَكْسُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْقَصْرَ وَالْإِتْمَامَ وَقَعَا فِي يَوْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَيُؤَيِّدُهُ: أَيْ جَوَازُ الْقَصْرِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَتَمَّ فِي السَّفَرِ» ، «وَأَنَّ عَائِشَةَ اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ وَصُمْتَ وَأَفْطَرْتُ، فَقَالَ: أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ» .
(قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ الْقَصْرُ أَهَمَّ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَرْكَ بَعْضِ الصَّلَاةِ وَلِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا صُبْحَ وَمَغْرِبَ بِالْإِجْمَاعِ) نَعَمْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا جَوَازُ قَصْرِ الصُّبْحِ فِي الْخَوْفِ إلَى رَكْعَةٍ اهـ حَجّ. وَكَأَنَّهُ لِشُذُوذِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فِي مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، وَفِي حَجَرٍ أَيْضًا: وَعَمَّمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ الْقَصْرَ إلَى رَكْعَةٍ فِي الْخَوْفِ فِي الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرَّبَاعِيَةُ مَكْتُوبَةً) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَصْرُ الْمُعَادَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ شَرْطُ الْقَصْرِ الْمَكْتُوبَةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَكْتُوبَةُ وَلَوْ أَصَالَةً، وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ الْقَصْرُ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مَكْتُوبَةٍ فِي حَقِّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْفَرْضَ إحْدَاهُمَا، وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَتْ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فَلَيْسَتْ نَفْلًا مَحْضًا مُبْتَدَأً حَتَّى يَمْتَنِعَ الْقَصْرُ، وَلَهُ إعَادَتُهَا تَامَّةً: أَيْ إنْ صَلَّاهَا مَقْصُورَةً، وَلَوْ صَلَّاهَا تَامَّةً يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ إعَادَتُهَا مَقْصُورَةً م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ: أَيْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْإِعَادَةَ فِعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا بِصِفَتِهِ الْأُولَى، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا قَصَرَ الْأُولَى لَا يُعِيدُهَا إلَّا مَقْصُورَةً، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْإِتْمَامُ هُوَ الْأَصْلُ جَازَ إعَادَتُهَا تَامَّةً، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُعِدْهَا لِخَلَلٍ فِي الْأُولَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ عَكْسُهُ) يُتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّجْوِيزِ مَعَ أَنَّ الضَّبْطَ تَابِعٌ لِلْوَاقِعِ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَصَرَ وَأَتَمَّتْ وَأَفْطَرَ وَصَامَتْ تَعَيَّنَ فَتْحُ الْأَوَّلَيْنِ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ تَعَيَّنَ ضَمُّهُمَا.
وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِمُجَرَّدِ الْإِعْرَابِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ التَّاءَ قَابِلَةٌ فِي حَدِّ ذَاتِهَا لِلْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: السَّفَرُ الَّذِي سَأَلَتْ فِيهِ عَائِشَةُ وَقَعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا، فَتَارَةً صَامَتْ وَأَفْطَرَ وَأَتَمَّتْ وَقَصَرَ وَتَارَةً بِالْعَكْسِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا سَأَلَتْ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ مُرَّةٍ عَنْ حَالَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا سَأَلَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً عَنْ إحْدَاهُمَا فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيمَا سَأَلَتْ عَنْهُ مِنْ الْحَالَتَيْنِ لِوُقُوعِهِمَا إنْ كَانَ هُنَاكَ رِوَايَاتٌ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ إضَافِيٌّ) أَيْ لَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَظْهَرِ فِي الْخَوْفِ) لَعَلَّ مُقَابِلَ الْأَظْهَرِ
(الْمُبَاحِ) أَيْ الْجَائِزِ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَمْ مَنْدُوبًا مُبَاحًا أَمْ مَكْرُوهًا، وَمِنْهُ أَنْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ مُنْفَرِدًا لَا سِيَّمَا فِي اللَّيْلِ لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ «كَرِهَ صلى الله عليه وسلم الْوَحْدَةَ فِي السَّفَرِ وَلَعَنَ رَاكِبَ الْفَلَاةِ وَحْدَهُ» أَيْ إنْ ظَنَّ لُحُوقَ ضَرَرٍ بِهِ وَقَالَ «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» فَيُكْرَهُ أَيْضًا اثْنَانِ فَقَطْ لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِمَا أَخَفُّ، وَصَحَّ خَبَرُ «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا أَعْلَمُ فِي الْوَحْدَةِ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ» نَعَمْ مَنْ كَانَ أُنْسُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِحَيْثُ صَارَ أُنْسُهُ مَعَ الْوَحْدَةِ كَأُنْسِ غَيْرِهِ مَعَ الرُّفْقَةِ لَمْ يُكْرَهْ فِي حَقِّهِ مَا ذُكِرَ فِيمَا يَظْهَرُ، كَمَا لَوْ دَعَتْ حَاجَةٌ إلَى الِانْفِرَادِ وَالْبَعْدِ عَنْ الرُّفْقَةِ إلَى حَدٍّ لَا يَلْحَقُهُ غَوْثُهُمْ فَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْدَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَا قَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ خَرَجَ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَبَعًا لِشَخْصٍ لَا يَعْلَمُ سَبَبَ سَفَرِهِ أَوْ لِتَنْفِيذِ كِتَابٍ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ " فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهُ بِالْمُبَاحِ.
(لَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ) وَلَوْ عَلَى احْتِمَالٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِي سَفَرٌ يَمْتَنِعُ الْقَصْرُ فِيهِ فَلَا يَقْصُرُهَا وَإِنْ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ تَامَّةً فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِفِعْلِهَا كَذَلِكَ، وَلَوْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُهَا فَإِنْ كَانَتْ قَضَاءً لَمْ تُقْصَرْ وَإِلَّا قَصَرَهَا. قِيلَ وَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ فِي السَّفَرِ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ قَصْرَهَا وَإِلَّا فَلَا وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ.
(وَلَوْ قَضَى)(فَائِتَةَ السَّفَرِ) الْمُبِيحِ لِلْقَصْرِ (فَالْأَظْهَرُ قَصْرُهُ فِي السَّفَرِ) الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَوْ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَإِلَّا جَازَ لَهُ قَصْرُ الثَّانِيَةِ وَإِتْمَامُهَا حَيْثُ كَانَ يَقُولُ بِهِ الْمُخَالِفُ، وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ أَنَّ الْأَوْجَهَ إعَادَتُهَا مَقْصُورَةً بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ لَحْظَةً لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَكْرُوهِ، وَقَوْلُهُ أَنْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ وَلَوْ قَصُرَ السَّفَرُ، وَقَوْلُهُ مُنْفَرِدًا فِي حَجّ إسْقَاطُ مُنْفَرِدًا وَهُوَ أَوْلَى لِلْعِلْمِ بِالِانْفِرَادِ عَنْ قَوْلِهِ وَحْدَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدٌ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ» ) أَيْ كَالشَّيْطَانِ فِي أَنَّهُ يَبْعُدُ عَنْ النَّاسِ لِئَلَّا يُطَّلَعَ عَلَى أَفْعَالِهِ الْقَبِيحَةِ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِمَا أَخَفُّ) أَيْ مِنْ الْوَاحِدِ.
(قَوْلُهُ: مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ) خَصَّ الرَّاكِبَ وَاللَّيْلَ؛ لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةُ الْخَوْفِ أَكْثَرُ، وَإِلَّا فَمِثْلُ الرَّاكِبِ الْمَاشِي وَمِثْلُ اللَّيْلِ النَّهَارُ.
(قَوْلُهُ: تَبَعًا لِشَخْصٍ لَا يَعْلَمُ سَبَبَ سَفَرِهِ) دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ لَمْ يَظُنَّ مِنْ حَالِ مَتْبُوعِهِ شَيْئًا، وَقَوْلُهُ سَبَبُ سَفَرِهِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ مَتْبُوعَهُ مُسَافِرٌ لِمَعْصِيَةٍ لَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ مَعَهُ وَلَا التَّرَخُّصُ بِتَقْدِيرِ سَفَرِهِ لِعِصْيَانِهِ بِهِ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ إذَا كَانَ التَّابِعُ لَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي سَافَرَ لِأَجْلِهَا، ثُمَّ رَأَيْت مَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَى الْمَتْبُوعِ الْقَصْرُ فِيمَا يَظْهَرُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إيصَالِهِ وَعَلِمَ أَنَّ فِيهِ مَعْصِيَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إيصَالِهِ وُقُوعُ الْمَعْصِيَةِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى احْتِمَالٍ) بِأَنْ شَكَّ.
(قَوْلُهُ: إلَّا بِفِعْلِهَا كَذَلِكَ) أَيْ تَامَّةً.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ قَضَاءً) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُ رَكْعَةً كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَمُقْتَضَى إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ) أَيْ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَتْ قَضَاءً إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ) وَوُجِدَ بِبَعْضِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لَا يُشْتَرَطُ الطُّولُ فِي الْخَوْفِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَيْ إنْ ظَنَّ لُحُوقَ ضَرَرٍ بِهِ) هَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَدِيثِ الثَّانِي،؛ لِأَنَّ اللَّعْنَ فِيهِ يُؤْذِنُ بِالْحُرْمَةِ فَهُوَ قَاصِرٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: تَبَعًا لِشَخْصٍ لَا يَعْلَمُ سَبَبَ سَفَرِهِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَهُ وَأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا يَقْصُرُ، وَأَشَارَ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ إلَى أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ غَيْرُ مُرَادٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ، وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَى الْمَتْبُوعِ الْقَصْرُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَقَدْ يَمْنَعُ هَذَا الْأَخْذَ بِعُمُومِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْتِي مَفْرُوضٌ فِي الْأَسِيرِ فَهُوَ مَقْهُورٌ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبٌ فِي مَعْصِيَةٍ أَصْلًا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ عُمُومِ التَّابِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْهُورًا فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ قَضَاءً) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَقَعْ جَمِيعُهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى الْمَرْجُوحِ، أَوْ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ قَدْرُ رَكْعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ عَلَى الرَّاجِحِ (قَوْلُهُ: قِيلَ وَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ إلَخْ) لَفْظُ قِيلَ أَلْحَقَهُ الشَّارِحُ فِي النُّسَخِ
كَانَ سَفَرًا آخَرَ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا إقَامَةٌ طَوِيلَةٌ لِوُجُودِ سَبَبِ الْقَصْرِ فِي قَضَائِهَا كَأَدَائِهَا، وَبِهِ فَارَقَ عَدَمَ قَضَاءِ الْجُمُعَةِ جُمُعَةً وَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي السَّفَرِ الْآخَرِ غَيْرُ وَارِدٍ عَلَى الْمُصَنَّفِ، وَلَوْ قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ إذَا أُعِيدَتْ تَكُونُ عَيْنَ الْأَوْلَى، إذْ قَوْلُهُ دُونَ الْحَضَرِ يُبَيِّنُ عَدَمَ الْفَرْقِ، وَمَحَلُّ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ نِزَاعٍ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةٍ تَصْرِفُ الثَّانِيَةَ لِغَيْرِ الْأُولَى أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرُ يَقْصُرُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ مَا كَانَ يَلْزَمُهُ فِي الْأَدَاءِ، وَفِي قَوْلِ يُتِمُّ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ رُدَّتْ إلَى رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا فَاتَتْ أَتَى بِالْأَرْبَعِ كَالْجُمُعَةِ، وَفِي قَوْلٍ أَيْضًا: إنْ قَضَاهَا فِي ذَلِكَ السَّفَرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا (دُونَ الْحَضَرِ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ لِفَقْدِ سَبَبِ الْقَصْرِ حَالَ فِعْلِهَا.
(وَمَنْ)(سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ) لَهَا سُورٌ (فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ سُورِهَا) الْمُخْتَصِّ بِهَا وَلَوْ مُتَعَدِّدًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَوْ كَانَ دَاخِلَهُ مَزَارِعُ وَخَرَابٌ، إذْ مَا فِي دَاخِلِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
النُّسَخِ بِإِصْلَاحِ الْمُؤَلِّفِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَمُقْتَضَى إلَخْ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجَرٍ قَوْلُهُ: وَلَوْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ إلَخْ، هَلْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ شَرَعَ فِيهَا وَأَدْرَكَ فِي الْوَقْتِ رَكْعَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يَشْرَعْ بَلْ أَخَّرَهَا عَنْ الْوَقْتِ امْتَنَعَ قَصْرُهَا إذْ مُجَرَّدُ بَقَاءِ قَدْرِ رَكْعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ السَّفَرِ مُجَوِّزٌ لِقَصْرِهَا وَإِنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْتِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الصَّغِيرِ كَالصَّرِيحِ فِي الثَّانِي وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهَا حِينَئِذٍ فَائِتَةُ سَفَرٍ، وَقَوْلُ الْبَهْجَةِ: وَلَوْ أَخَّرَ وَقْتَ فَرْضِهِ وَقَدْ بَقِيَ قَدْرُ رَكْعَةٍ إلَخْ دَالٌّ عَلَى الثَّانِي دَلَالَةً لَا خَفَاءَ مَعَهَا بَلْ لَا تَكَادُ تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى شَيْخِنَا الشِّهَابِ أَحْمَدَ الرَّمْلِيِّ الْأَوَّلُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ خِلَافُهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَيْ فَيَقْصِرُهَا إذَا سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً سَوَاءٌ شَرَعَ فِيهِ فِي الْوَقْتِ أَمْ لَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزِّيَادِيُّ اهـ. وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَجِبُ كَوْنُ التَّأْخِيرِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ مَا يُوَافِقُهُ، حَيْثُ قَالَ ثَمَّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الْقَصْرِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ عَدَمِ قَضَاءِ الْجُمُعَةِ جُمُعَةً) أَيْ لِانْتِفَاءِ سَبَبِ كَوْنِهَا جُمُعَةً وَهُوَ الْوَقْتُ.
(قَوْلُهُ: وَمَا قَرَّرْنَاهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بِالْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَدَلٌ مِنْ الْمَشْهُورِ، وَالْبَدَلُ عَلَى نِيَّةِ تَكْرَارِ الْعَامِلِ فَالْبَاءُ مُقَدَّرَةٌ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: يُبَيِّنُ عَدَمَ الْفَرْقِ) أَيْ بَيْنَ قَضَائِهَا فِي السَّفَرِ الَّذِي فَاتَتْ فِيهِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةٍ) أَيْ وَقَدْ وُجِدَتْ هُنَا، وَهِيَ قَوْلُهُ دُونَ الْحَضَرِ.
(قَوْلُهُ: وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ يَقْصِرُ فِيهِمَا) أَيْ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَلَوْ أَخَّرَ هَذَا عَنْ قَوْلِهِ الْآتِي دُونَ الْحَضَرِ كَانَ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَمَا أُلْحِقَ بِهِ) أَيْ كَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ.
(قَوْلُهُ: مُجَاوَزَةُ سُورِهَا) هُوَ بِالْهَمْزِ الْبَقِيَّةُ وَبِعَدَمِهِ الْمُحِيطُ بِالْبَلَدِ اهـ عَمِيرَةَ. وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: اعْلَمْ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ بَابَ السُّورِ لَهُ كَتِفَانِ خَارِجَانِ عَنْ مُحَاذَاةِ عَتَبَتِهِ بِحَيْثُ إنَّ الْخَارِجَ يُجَاوِزُ الْعَتَبَةَ، وَهُوَ فِي الْمُحَاذَاةِ الْكَتِفَيْنِ، فَهَلْ يَتَوَقَّفُ جَوَازُ الْقَصْرِ عَلَى مُجَاوَزَةِ مُحَاذَاتِهِ الْكَتِفَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ ذَلِكَ وَإِنْ انْفَصَلَ عَنْ الْعَتَبَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَمَالَ م ر لِلتَّوَقُّفِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. أَقُولُ: وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ لِلتَّوَقُّفِ التَّوَقُّفُ عَلَى مُجَاوَزَةِ السُّورِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُجَاوِزًا لِلسُّورِ إلَّا بِمُجَاوَزَةِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَمِنْهَا الْكَتِفَانِ. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الْقَرْيَةِ أَيْضًا مُجَاوَزَةُ مَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَوَافَقَ عَلَيْهِ م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَبِبَعْضِ الْهَوَامِشِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُ سم هَذِهِ طَرِيقَةٌ. وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ أَظْهَرُ. وَوَجْهُهُ أَنَّا إذَا لَمْ نَعْتَبِرْ الْبَسَاتِينَ وَإِنْ كَانَتْ تُسْكَنُ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا ذَكَرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ تُمْنَعُ الْأَوْلَوِيَّةُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَكَذَا قَوْلُهُ: آخِرَ السِّوَادَةِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ، وَكَأَنَّهُ مَشَى أَوَّلًا عَلَى مَا نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى وَالِدِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ بِالْفِعْلِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَالْحَقُّ مَا ذَكَرَ، فَالشَّرْطُ حِينَئِذٍ أَنْ يُسَافِرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ رَكْعَةٍ سَوَاءٌ أَشَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا إذْ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ وَمَا نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى وَالِدِهِ لَيْسَ مَوْجُودًا فِيهَا
السُّورِ مَعْدُودٌ مِنْ نَفْسِ الْبَلَدِ مَحْسُوبٌ مِنْ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا بَعْضُ سُورٍ وَهُوَ صَوْبُ مَقْصِدِهِ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ، وَلَوْ كَانَ السُّورُ مُتَهَدِّمًا وَبَقِيَتْ لَهُ بَقَايَا اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَيُحْمَلُ الْكَلَامَانِ عَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَالْخَنْدَقُ فِيمَا لَا سُورَ لَهَا كَالسُّورِ، وَبَعْضُهُ كَبَعْضِهِ وَإِنْ خَلَا عَنْ الْمَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ مَعَ وُجُودِ السُّورِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَوْ أُنْشِئَتْ إلَى جَانِبِ جَبَلٍ لِيَكُونَ كَالسُّورِ لَهَا اُشْتُرِطَ فِي حَقِّ مَنْ يُسَافِرُ إلَى جِهَتِهِ أَنْ يَقْطَعَهُ إذَا كَانَ أَرْتِفَاعُهُ مُقْتَصَدًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَصَدًا اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَةُ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ عُرْفًا كَمَا قَالُوا فِي النَّازِلِ إلَى وَهْدَةٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَصْعَدَ عِنْدَ الِاعْتِدَالِ وَلَا نَقْلَ عِنْدِي، وَيَلْحَقُ بِالسُّورِ تَحْوِيطُ أَهْلِ الْقُرَى عَلَيْهَا بِتُرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عِمَارَةٌ) كَدُورٍ مُلَاصِقَةٍ لَهُ عُرْفًا (اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا) أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِدَاخِلِهِ فَيَثْبُتُ لَهَا حُكْمُهُ (قُلْت: الْأَصَحُّ لَا يُشْتَرَطُ) مُجَاوَزَتُهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ عَدِّهَا مِنْ الْبَلَدِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ سَكَنَ فُلَانٌ خَارِجَ الْبَلَدِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ فِي الْبَلَدِ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ لِمَنْ هُوَ خَارِجُ السُّورِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلزَّكَاةِ، وَلَا يُنَافِيهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بَلْ وَالْمُسَاوَاةُ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَسَاتِينِ وَمَرَافِقِ الْقَرْيَةِ بِأَنَّ الْبَسَاتِينَ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا إلَّا نَادِرًا، بِخِلَافِ مَرَافِقِ الْقَرْيَةِ مِنْ نَحْوِ مَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ الْمُؤَكَّدَةَ بَلْ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهَا فَاشْتُرِطَتْ مُجَاوَزَتُهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ اشْتِرَاطَ مُجَاوَزَةِ الْمَقَابِرِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْقَرْيَةِ الَّتِي لَا سُوَرَ لَهَا اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ هُجِرَتْ الْمَقْبَرَةُ الْمَذْكُورَةُ وَاُتُّخِذَ غَيْرُهَا، هَلْ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِنِسْبَتِهَا لَهُمْ وَاحْتِرَامِهَا. نَعَمْ لَوْ انْدَرَسَتْ وَانْقَطَعَتْ نِسْبَتُهَا لَهُمْ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ عَنْ م ر مِنْ اشْتِرَاطِ مُجَاوَزَتِهَا.
(قَوْلُهُ: اشْتَرَطَ مُجَاوَزَتَهُ) أَيْ السُّورِ الَّذِي بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ) أَيْ الْخَنْدَقِ (قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِ السُّورِ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَوْ كَانَ عَلَى بَابِ الْبَلَدِ قَنْطَرَةٌ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ اهـ. عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَالْخَنْدَقِ كَالسُّورِ، وَكَذَا قَنْطَرَةُ الْبَابِ اهـ. وَلَوْ كَانَتْ الْقَنْطَرَةُ عَلَى بَابِ السُّورِ فَيَتَّجِهُ اشْتِرَاطُ مُجَاوَزَتِهَا، وَلَا يَكْفِي مُجَاوَزَةُ السُّورِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُوَرٌ اُشْتُرِطَ. ثُمَّ رَأَيْت م ر قَالَ: لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْخَنْدَقِ أَوْ الْقَنْطَرَةِ سَوَاءٌ السُّورُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُوَرٌ اُشْتُرِطَ اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ خَنْدَقٌ وَقَنْطَرَةٌ وَلَا سُوَرَ هُنَاكَ فَهَلْ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُمَا مَعًا أَوْ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاَلَّذِي يَمُرُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا مِنْهُمَا. وَنُقِلَ عَنْ سم بِهَامِشِ الْعُبَابِ مَا يُوَافِقُهُ، وَانْظُرْ مَا سُورَةُ الْقَنْطَرَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا مَعَ أَنَّ الَّذِي نَعْرِفُهُ فِي الْقَنَاطِرِ إنَّمَا هُوَ جَعْلُهَا لِلْمُرُورِ عَلَيْهَا لَا لِحِفْظِ الْبَلَدِ.
(قَوْلُهُ: لَوْ أُنْشِئَتْ) أَيْ قَرْيَةٌ، وَقَوْلُهُ إلَى جَانِبِ جَبَلٍ لِيَكُونَ كَالسُّورِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَقْصِدُوا كَوْنَهُ كَالسُّورِ بَلْ حَصَلَ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا اُتُّفِقَ عِنْدَ إرَادَةِ الْبِنَاءِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَةِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَثَلًا لَمْ يُشْتَرَطْ مُجَاوَزَتُهُ، وَأَسْقَطَ هَذَا التَّعْلِيلَ حَجَرٌ فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ حَصَلَ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ.
(قَوْلُهُ: مُقْتَصِدًا) أَيْ مُتَوَسِّطًا.
(قَوْلُهُ: اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَةُ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ) أَيْ الْمَنْشَأُ بِجَانِبِ الْبَلَدِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا قَالُوا فِي النَّازِلِ) أَيْ الْمُقِيمِ فِي وَهْدَةٍ فَإِلَى فِيهِ بِمَعْنَى فِي.
(قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِالسُّورِ تَحْوِيطُ أَهْلِ الْقُرَى عَلَيْهَا) أَيْ لِإِرَادَةِ حِفْظِهَا مِنْ الْمَاءِ مَثَلًا. أَمَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ إلْقَاءِ الرَّمَادِ وَنَحْوِهِ حَوْلَ الْبَلَدِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ كَالسُّورِ لَكِنَّهُ يُعَدُّ مِنْ مَرَافِقِهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي كَلَامِ سم نَقْلًا عَنْ م ر.
(قَوْلُهُ: مَنْ هُوَ خَارِجَ السُّورِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْآخِرُ مِنْ الَّذِينَ بُيُوتُهُمْ دَاخِلَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: الْكَلَامَانِ) أَيْ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ اشْتِرَاطَ مُجَاوَزَةِ السُّورِ الْمَهْدُومِ وَكَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَقْطَعَهُ) أَيْ يَصْعَدَهُ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ.
وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ بِهِ قَرْيَةً أُنْشِئَتْ بِجَانِبِ جَبَلٍ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ سَافَرَ
مَا يَأْتِي أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ بِنَاءُ قَرْيَةٍ بِأُخْرَى اُشْتُرِطَتْ مُجَاوَزَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا السُّورَ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَنْ بِالْعُمْرَانِ الَّذِي إذَا أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ مِنْ جِهَةِ السُّورِ لَمْ يُشْتَرَطْ مُجَاوَزَةُ السُّورِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ خَارِجِهِ كَبَلْدَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ أُخْرَى، وَلَا مَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ سَافَرَ قَبْلَ فَجْرِ رَمَضَانَ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُمْرَانِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى سَفَرِهِ مِنْ بَلْدَةٍ لَا سُورَ لَهَا لِيُوَافِقَ مَا هُنَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُورٌ) أَصْلًا أَوْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ أَوْ كَانَ لَهَا سُورٌ غَيْرُ خَاصٍّ بِهَا كَقُرًى مُتَفَاصِلَةٍ جَمَعَهَا سُورٌ وَلَوْ مَعَ التَّقَارُبِ (فَأَوَّلُهُ) أَيْ سَفَرِهِ (مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ) وَإِنْ تَخَلَّلَهُ خَرَابٌ لَا أُصُولُ أَبْنِيَةٍ بِهِ أَوْ نَهْرٌ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا أَوْ مَيْدَانًا لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْإِقَامَةِ (لَا) مُجَاوَزَةُ (الْخَرَابِ) الَّذِي لَمْ يَبْقَ أُصُولُهُ أَوْ هَجَرُوهُ بِالتَّحْوِيطِ عَلَيْهِ أَوْ اتَّخَذُوهُ مَزَارِعَ فَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ اشْتِرَاطِ مُجَاوَزَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَا قُلْنَاهُ (وَ) لَا (الْبَسَاتِينِ) وَالْمَزَارِعِ كَمَا عَلِمْت بِالْأَوْلَى، وَلِهَذَا أَسْقَطَهَا مِنْ الْمُحَرَّرِ وَإِنْ اتَّصَلَتَا بِمَا سَافَرَ مِنْهُ أَوْ كَانَتَا مُحَوَّطَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّخَذَانِ لِلْإِقَامَةِ، وَلَا فَرْقَ كَمَا شَمَلَهُ كَلَامُهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِهَا قُصُورٌ أَوْ دُورٌ تُسْكَنُ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ أَوْ لَا، وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْبَلَدِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ اشْتَرَطَ فِي الرَّوْضَةِ مُجَاوَزَتَهَا (وَالْقَرْيَةُ) كَبَلْدَةٍ فِيمَا تَقَرَّرَ وَالْقَرْيَتَانِ الْمُتَّصِلَتَانِ عُرْفًا (كَبَلْدَةٍ) وَاحِدَةٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ اسْمُهُمَا وَإِلَّا اُكْتُفِيَ بِمُجَاوَزَةِ قَرْيَةِ الْمُسَافِرِ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ: يَكْفِي فِي الِانْفِصَالِ ذِرَاعٌ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْعُرْفُ.
(وَأَوَّلُ)(سَفَرِ سَاكِنِ الْخِيَامِ) كَالْأَعْرَابِ (مُجَاوَزَةُ الْحِلَّةِ) فَقَطْ وَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
السُّورِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِمِصْرِنَا كَثِيرًا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا السُّورَ فَاصِلًا) أَيْ فَارِقًا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ بَيْنَ الْمُتَّصِلَتَيْنِ سُوَرًا.
(قَوْلُهُ: مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَمِنْهُ الْمَقَابِرُ الْمُتَّصِلَةُ وَمَطْرَحُ الرَّمَادِ وَمَلْعَبُ الصِّبْيَانِ وَنَحْوُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَبَيَّنْت مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَأَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ وَالسُّبْكِيِّ مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْحَالَةِ الْآتِيَةِ وَاضِحٌ اهـ حَجَرٌ. وَقَوْلُهُ مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّارِحِ مَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ: لَا أُصُولَ أَبْنِيَةٍ) صِفَةٌ لِخَرَابٍ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْخَرَابَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الْعُمْرَانِ إذَا صَارَ أَرْضًا مَحْضَةً لَا أَثَرَ لِلْبِنَاءِ فِيهِ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ.
(قَوْلُهُ: لَا مُجَاوَزَةُ الْخَرَابِ) قَالَ وَالِدُ الشَّارِحِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: لَوْ سَوَّرُوا عَلَى الْعَامِرِ سُوَرًا وَعَلَى الْخَرَابِ سُوَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ السُّورَيْنِ اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ، وَيُقَالُ الْأَقْرَبُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ مُجَاوَزَةِ السُّورِ الثَّانِي إذْ لَا عِبْرَةَ بِهِ مَعَ وُجُودِ التَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ (قَوْلُهُ: كَمَا عَلِمْت) أَيْ الْمُزَارِعُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اتَّصَلَتَا) أَيْ الْبَسَاتِينُ وَالْمَزَارِعُ وَهُوَ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا اكْتَفَى) أَيْ إلَّا يَتَّصِلَا
(قَوْلُهُ: سَاكِنُ الْخِيَامِ)[فَائِدَةٌ] الْخَيْمَةُ أَرْبَعَةُ أَعْوَادٍ، وَتُنْصَبُ وَتُسْقَفُ بِشَيْءٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، وَجَمْعُهَا خَيْمٌ بِحَذْفِ الْهَاءِ كَتَمْرَةٍ وَتَمْرٍ ثُمَّ تُجْمَعُ عَلَى خِيَامٍ كَكَلْبٍ وَكِلَابٍ فَالْخِيَامُ جَمْعُ الْجَمْعِ. وَأَمَّا الْمُتَّخَذُ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ وَبَرٍ فَلَا يُقَالُ لَهُ خَيْمَةٌ بَلْ خِبَاءٌ وَقَدْ يَتَجَوَّزُونَ فَيُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِ انْتَهَى أَسَنَوِيٌّ. وَقَوْلُهُ وَتُسْقَفُ بِتَخْفِيفِ الْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ وَقَدْ تُشَدَّدُ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: سَقَفْت الْبَيْتَ سَقْفًا مِنْ بَابِ قَتَلَ عَمِلْت لَهُ سَقْفًا، وَأَسْقَفْتُهُ بِالْأَلِفِ كَذَلِكَ، وَسَقَّفْتُهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِي صَوْبِهِ قَطْعُ ارْتِفَاعِهِ إنْ اعْتَدَلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا أُصُولُ أَبْنِيَةٍ بِهِ) أَيْ فَمَا بِهِ ذَلِكَ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: لَا مُجَاوَزَةُ الْخَرَابِ) أَيْ خَارِجَ الْعُمْرَانِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: بِالتَّحْوِيطِ عَلَيْهِ) يَعْنِي عَلَى الْعُمْرَانِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ اتَّخَذُوهُ أَيْ الْخَرَابَ فَفِيهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ (قَوْلُهُ: جَرَى عَلَى الْغَالِبِ) يُتَأَمَّلُ.
أَوْ مُتَفَرِّقَةٌ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ أَهْلُهَا لِلسَّمَرِ فِي نَادٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَعِيرُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ مَرَافِقِهَا أَيْضًا كَمَلْعَبِ صِبْيَانٍ وَنَادٍ وَمَطْرَحِ رَمَادٍ وَمَعْطِنِ إبِلٍ، وَكَذَا مَاءٌ وَحَطَبٌ اخْتَصَّا بِهَا، وَقَدْ تَشْمَلُ الْحِلَّةُ جَمِيعَ ذَلِكَ فَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ مَحَلِّ إقَامَتِهِمْ. وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ حَيْثُ كَانَتْ بِمُسْتَوٍ، فَإِنْ كَانَتْ بِوَادٍ وَسَافَرَ فِي عَرْضِهِ أَوْ بِرَبْوَةٍ أَوْ وَهْدَةٍ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَةُ الْعَرْضِ وَمَحَلِّ الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ إنْ كَانَتْ الثَّلَاثَةُ مُعْتَدِلَةً، وَإِلَّا بِأَنْ أَفْرَطَتْ سَعَتُهَا أَوْ كَانَتْ بِبَعْضِ الْعَرْضِ اُكْتُفِيَ بِمُجَاوَزَةِ الْحِلَّةِ وَمَرَافِقِهَا عُرْفًا، وَلَوْ نَزَلَ بِمَحَلٍّ مِنْ بَادِيَةٍ وَحْدَهُ اُشْتُرِطَ مُفَارَقَتُهُ وَمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ عُرْفًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَهُوَ مَحْمَلُ مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ رَحْلَهُ كَالْحِلَّةِ فِيمَا ذُكِرَ.
وَيُعْتَبَرُ فِي سَفَرِ الْبَحْرِ الْمُتَّصِلِ سَاحِلُهُ بِالْبَلَدِ جَرْيُ السَّفِينَةِ أَوْ الزَّوْرَقِ إلَيْهَا، قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُهُ مَعَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِالتَّشْدِيدِ مُبَالَغَةٌ.
(قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ أَهْلُهَا لِلسَّمَرِ) وَهُوَ الْحَدِيثُ لَيْلًا، وَقَوْلُهُ فِي نَادٍ. النَّادِي مُجْتَمَعُ الْقَوْمِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: نَدَا الْقَوْمُ نَدْوًا مِنْ بَابِ قَتَلَ: اجْتَمَعُوا، وَمِنْهُ النَّادِي وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَوْمِ وَمُتَحَدَّثَهُمْ اهـ. وَقَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ مَرَافِقِهَا قَضِيَّةُ اعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ فِي الْحِلَّةِ وَعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ فِي الْقَرْيَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ فِيهَا وَعَلَيْهِ جَرَى حَجَرٌ وَتَقَدَّمَ عَنْ سم عَنْ الشَّارِحِ مَا يُخَالِفُهُ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا مَاءٌ وَحَطَبٌ اخْتَصَّا بِهَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ بَعِدَا وَلَوْ قِيلَ بِاشْتِرَاطِ نِسْبَتِهِمَا إلَيْهَا عُرْفًا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا.
(قَوْلُهُ: اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَةُ الْعَرْضِ) كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْعَرْضِ وَالْمَهْبِطِ وَالْمِصْعَدِ فِيمَا ذَكَرَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحِلَّةُ عَامَّةً لَهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُفِيدُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، فَإِذَا كَانَتْ الْحِلَّةُ بِمَرَافِقِهَا فِي أَثْنَاءِ الْوَادِي وَأَرَادَ السَّفَرَ إلَى جِهَةِ الْعَرْضِ لَا تَكْفِي مُجَاوَزَةُ الْحِلَّةِ بِمَرَافِقِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْعَرْضِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ جَزَمَ م ر بِخِلَافِهِ فَقَالَ: بَلْ يَكْفِي كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ) أَيْ إنْ اسْتَوْعَبَتْهُ الْبُيُوتُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ كَانَتْ بِبَعْضِ الْعَرْضِ إلَخْ. هَذَا وَيُقَالُ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةً بِمَا ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ عَرْضِ الْوَادِي إذْ الْبُيُوتُ الْمُسْتَوْعِبَةُ الْعَرْضَ دَاخِلَةٌ فِي الْحِلَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَطَ مُجَاوَزَةَ الْعَرْضِ لَا يَشْتَرِطُ اسْتِيعَابَ الْبُيُوتِ لَهُ، وَمَنْ اشْتَرَطَ اسْتِيعَابَ الْبُيُوتِ لِلْعَرْضِ لَمْ يَذْكُرْهُ بَعْدَ الْحِلَّةِ، وَلَعَلَّهُمَا طَرِيقَتَانِ: إحْدَاهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ مُجَاوَزَةِ الْحِلَّةِ عَرْضُ الْوَادِي حَيْثُ كَانَتْ الْحِلَّةُ بِبَعْضِ عَرْضِ الْوَادِي لَا جَمِيعِهِ. وَالثَّانِيَةُ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ أَنَّ الْحِلَّةَ بِجَمِيعِ الْوَادِي فَيُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا وَإِنْ كَانَتْ بِبَعْضِهِ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَةُ الْحِلَّةِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَزَلَ بِمَحَلٍّ) أَيْ سَكَنٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ الزَّوْرَقِ إلَيْهَا) أَيْ آخِرًا (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ) قَالَ فِي ابْنِ حَجَرٍ: وَإِنْ كَانَ فِي هَوَاءِ الْعُمْرَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ بِوَادٍ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى كَوْنِ الْوَادِي الْمَذْكُورِ مِنْ جُمْلَةِ مَفْهُومِ الْمُسْتَوِي. لَا يُقَالُ: مُرَادُهُ بِالْمُسْتَوِي بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ الْمُعْتَدِلُ فَقَدْ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْمُسْتَوِي فِي حَقِيقَتِهِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صُعُودٌ وَلَا هُبُوطٌ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّبْوَةِ وَالْوَهْدَةِ وَفِي مَجَازِهِ بِمَعْنَى الْمُعْتَدِلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَادِي.
لِأَنَّا نَقُولُ: يُنَافَى هَذَا قَوْلُهُ بَعْدُ: إنْ كَانَتْ الثَّلَاثَةُ مُعْتَدِلَةً فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَسَافَرَ فِي عَرْضِهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِجَمِيعِ الْعَرْضِ، لَكِنْ يُنَافِيهِ أَخْذُهُ مَفْهُومَ هَذَا بِقَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ كَانَتْ بِبَعْضِ الْعَرْضِ، وَهُوَ فِي الْإِطْلَاقِ هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشِّهَابُ سم عَنْ اعْتِمَادِ وَالِدِهِ، وَمُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ نَفْسُهُ وَفِي أَخْذِهِ الْمَفْهُومَ الْآتِيَ بِالْعَكْسِ فَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ لِمُوَافَقَتِهِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ خُصُوصًا وَهُوَ مَنْطُوقٌ فِي كَلَامِهِ هُنَا، بِخِلَافِ عَدَمِ التَّقْيِيدِ فَهُوَ مَفْهُومٌ وَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بِأَنْ أَفْرَطَتْ سِعَتُهَا إلَيْهِ قَوْلُهُ: اُكْتُفِيَ بِمُجَاوَزَةِ الْحِلَّةِ) مُرَادُهُ بِالْحِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا إذَا أَفْرَطَتْ السَّعَةُ مَا بَعُدَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ مِنْ حِلَّةٍ هُوَ فِيهَا، كَمَا لَوْ سَافَرَ فِي طُولِ الْوَادِي كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: جَرَى السَّفِينَةُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ فِي عَرْضِ الْبَلَدِ " لَكِنْ نَقَلَ عَنْ الشِّهَابِ ابْنِ قَاسِمٍ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَرْضِ الْبَلَدِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ
مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَغَوِيّ نَفْسِهِ فِي الْخَرَابِ أَنَّ سَيْرَ الْبَحْرِ يُخَالِفُ سَيْرَ الْبَرِّ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَعُدُّ الْمُسَافِرَ فِيهِ مُسَافِرًا إلَّا بَعْدَ رُكُوبِ السَّفِينَةِ أَوْ الزَّوْرَقِ، بِخِلَافِهِ فِي الْبَرِّ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ الْعُمْرَانِ وَإِنْ أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِهِ يُعَدُّ مُسَافِرًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ كَلَامَ الْبَغَوِيّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا سُورَ لَهُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ السَّفَرِ لِتَعَلُّقِ الْقَصْرِ فِي الْآيَةِ بِالضَّرْبِ وَيُخَالِفُ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ كَالْقُنْيَةِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ، كَذَا فَرَّقَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمَرَاوِزَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي نِيَّةِ الْإِقَامَةِ الْمُكْثُ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا سَيَأْتِي فَالْمَسْأَلَتَانِ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مُسْتَوِيَتَانِ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَكْفِي فَلَا حَاجَةَ لِفَارِقٍ، وَيَنْتَهِي السَّفَرُ بِبُلُوغِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً مِمَّا مَرَّ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهِ إلَيْهِ أَمْ لَا بِأَنْ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ كَمَا قَالَ.
(وَإِذَا رَجَعَ) إلَى مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِحَاجَةٍ كَتَطَهُّرٍ وَأَخْذِ مَتَاعٍ، أَوْ نَوَى الرُّجُوعَ لَهُ وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ وَإِنْ كَانَ بِمَكَانٍ غَيْرِ صَالِحٍ لِلْإِقَامَةِ، فَإِنْ كَانَ وَطَنُهُ صَارَ مُقِيمًا بِابْتِدَاءِ رُجُوعِهِ أَوْ بِنِيَّتِهِ وَلَا يَتَرَخَّصُ فِي إقَامَتِهِ وَلَا رُجُوعِهِ إلَى مُفَارَقَةِ وَطَنِهِ تَغْلِيبًا لِلْوَطَنِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ تَرَخَّصَ، وَإِنْ دَخَلَهَا وَلَوْ كَانَ دَارَ إقَامَتِهِ لِانْتِفَاءِ الْوَطَنِ فَكَانَتْ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ، فَإِنْ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ الطَّوِيلِ (انْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً) مِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إطْلَاقُهُمْ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ رُكُوبِ السَّفِينَةِ) هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ نُزُولِ السَّفِينَةِ وَإِنْ لَمْ تَسِرْ أَوْ الزَّوْرَقِ يَقْصُرُ وَمُدَّعَاهُ خِلَافُهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ بِرُكُوبِ السَّفِينَةِ نُزُولُهُ فِيهَا مَعَ سَيْرِهَا بِقَرِينَةِ مَا قَدَّمَهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُجَاوِرَةِ لِلنَّهْرِ. أَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَأْتِي إلَيْهِمْ بِقَصْدِ نُزُولِ السَّفِينَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ قَصْرُهُمْ عَلَى سَيْرِ السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْصُرُونَ بِمُجَاوَزَةِ عُمْرَانِ بَلَدِهِمْ أَوْ سُوَرِهَا. قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: بَقِيَ أَنَّ م ر قَالَ: إذَا جَرَتْ السَّفِينَةُ فِي طُولِ الْبَلَدِ لَا يُعَدُّ مُسَافِرًا حَتَّى يُجَاوِزَهَا، وَهَذَا قَالَهُ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا سَارَتْ عَلَى مُحَاذَاةِ الْمِقْدَارِ الَّذِي كَانَتْ وَاقِفَةً فِيهِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ ابْتِدَاءً فِي مَحَلِّ السَّيْرِ وَاحْتِيجَ فِي السَّفَرِ إلَى جَرْيِهَا عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَعُدَتْ عَنْ الشَّطِّ وَصَارَتْ فِي جِهَةِ طُولِ الْبُعْدِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ لِفَارِقٍ) أَيْ بَيْنَ نِيَّةِ السَّفَرِ وَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ.
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهِ إلَيْهِ) عِبَارَةُ حَجَرٍ: سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ دُخُولِهِ إلَخْ وَهِيَ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَلَا رُجُوعِهِ إلَى مُفَارَقَةِ) أَيْ لَا يَتَرَخَّصُ حَتَّى يُفَارِقَهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ جَمْعٌ) مُرَادُهُ حَجَرٌ تَبَعًا لِغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: انْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شَرَطَ مُجَاوَزَتَهُ ابْتِدَاءً) أَيْ وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فِيمَا يَظْهَرُ. وَعِبَارَةُ وَالِدِ الشَّارِحِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَصُّهَا: قَوْلُهُ وَيَنْتَهِي سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ هَذِهِ عِبَارَةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ؛ لِأَنَّ مَبْدَأَ سَفَرِهِ يَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلَ سَفَرِهِ، فَهُوَ بِبُلُوغِهِ فِي الرُّجُوعِ مُسَافِرٌ لَا مُقِيمٌ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا لَهُ سُوَرٌ خَارِجَ السُّورِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَلَا يَكْفِي الِانْتِهَاءُ بِبُلُوغِهِ بَلْ بِبُلُوغِ نَفْسِ السُّورِ بِأَنْ لَا يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يُقَالَ: يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِمُجَاوَزَتِهِ مَبْدَأِ سَفَرِهِ إلَخْ انْتَهَى. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي سَفَرِ الْبَحْرِ أَنَّ مَنْ بِالسَّفِينَةِ يَتَرَخَّصُ إلَى إرْسَائِهَا بِالسَّاحِلِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْرَقٌ، وَإِلَى مُفَارَقَةِ الزَّوْرَقِ لَهَا آخِرًا إنْ كَانَ لَهَا زَوْرَقٌ حَيْثُ أَتَى مَحَلَّ إقَامَتِهِ فِي عَرْضِ الْبَحْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتَى فِي طُولِهِ فَيَنْقَطِعُ تَرَخُّصُهُ بِمُحَاذَاتِهِ أَوَّلَ عُمْرَانِ بَلَدِهِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ سم نَقْلًا عَنْ الشَّارِحِ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: قَالَ شَيْخُنَا بِرّ: أَقُولُ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الرُّجُوعِ مِنْ السَّفَرِ الطَّوِيلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الشِّهَابُ حَجّ (قَوْلُهُ: مَا نَقَلَ عَنْ الْبَغَوِيّ نَفْسِهِ فِي الْخَرَابِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ انْدَرَسَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ بَقِيَ فِيهِ بَقَايَا حِيطَانٍ وَاِتَّخَذُوهُ مَزَارِعَ أَوْ هَجَرُوهُ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ رُكُوبِ السَّفِينَةِ) أَيْ مَعَ الْجَرْيِ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ
سُورٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ فَيَتَرَخَّصُ إلَى وُصُولِهِ. لِذَلِكَ لَا يُقَالُ: الْقِيَاسُ عَدَمُ انْتِهَاءِ سَفَرِهِ إلَّا بِدُخُولِهِ الْعُمْرَانَ أَوْ السُّورَ كَمَا لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِخُرُوجِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ فَلَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِتَحَقُّقِ السَّفَرِ وَتَحَقُّقُهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا السَّفَرُ فَعَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَانْقَطَعَ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ مِنْ وَطَنِهِ وَلَوْ مَارًّا بِهِ فِي سَفَرٍ كَأَنْ خَرَجَ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ بَعِيدٍ قَاصِدًا مُرُورَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةٍ لَا مِنْ بَلَدِ مَقْصِدِهِ وَلَا بَلَدَ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ وَلَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ إلَيْهِمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِمَا فَإِنَّهُ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِذَلِكَ كَمَا يَنْتَهِي فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ
(وَلَوْ نَوَى) الْمُسَافِرُ الْمُسْتَقِلُّ وَإِنْ كَانَ مُحَارِبًا (إقَامَةَ) مُدَّةٍ مُطْلَقَةٍ أَوْ (أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) مَعَ لَيَالِيِهَا (بِمَوْضِعٍ) عَيَّنَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ (انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ) أَيْ بِوُصُولِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلْإِقَامَةِ، فَإِنْ نَوَاهَا وَقَدْ وَصَلَ لَهُ أَوْ بَعْدَهُ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِمُجَرَّدِ نِيَّتِهِ وَخَرَجَ مَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ، وَلَوْ أَقَامَهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِتَمَامِهَا أَوْ نَوَى إقَامَةً وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا يُؤَثِّرُ أَيْضًا، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْقَصْرَ بِشَرْطِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ: أَيْ السَّفَرِ، وَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّ إقَامَةَ مَا دُونَ الْأَرْبَعِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَبَاحَ لِلْمُهَاجِرِ إقَامَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِمَكَّةَ مَعَ حُرْمَةِ الْمُقَامِ بِهَا عَلَيْهِ وَأَلْحَقَ بِإِقَامَتِهَا نِيَّةَ إقَامَتِهَا» ، وَشَمِلَ قَوْلُهُ بِوُصُولِهِ مَنْ خَرَجَ نَاوِيًا سَفَرًا طَوِيلًا ثُمَّ عَنَّ لَهُ الْإِقَامَةُ بِبَلَدٍ قَرِيبٍ مِنْهُ فَلَهُ الْقَصْرُ مَا لَمْ يَصِلْهُ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ فِي حَقِّهِ فَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِوُصُولِ مَا غَيَّرَ النِّيَّةَ إلَيْهِ، وَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي زَمَنِنَا مِنْ دُخُولِ بَعْضِ الْحُجَّاجِ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِنَحْوِ يَوْمٍ مَعَ عَزْمِهِمْ عَلَى الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ مِنًى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ، هَلْ يَنْقَطِعُ سَفَرُهُمْ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِمْ لِمَكَّةَ نَظَرًا لِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِهَا وَلَوْ فِي الْأَثْنَاءِ، أَوْ يَسْتَمِرُّ سَفَرُهُمْ إلَى رُجُوعِهِمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُقَالَ: إنْ كَانَ لِحَاجَةٍ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْقَصْرِ وَلَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ، وَإِنْ كَانَ لِوَطَنِهِ فَيَنْقَطِعُ التَّرَخُّصُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الرُّجُوعِ وَبَعْدَهُ سَفَرٌ جَدِيدٌ فَيَقْصُرُ حِينَئِذٍ. وَأَقُولُ: مَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ خِلَافُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ طب وم ر بَعْدَ الْمُبَاحَثَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ لِوَطَنِهِ لَمْ يَتَرَخَّصْ قَبْلَ ارْتِحَالِهِ انْتَهَى. ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَمَنْ قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلًا إلَخْ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مَارًّا بِهِ) يَصْدُقُ بِمَا لَوْ حَاذَاهُ لَكِنْ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بُولَاقَ وَكَانَ فِي رُجُوعِهِ مُتَّصِلًا بِبِرِّ أنبابة أَوْ مُتَّصِلًا بِبُولَاقَ وَسَكَنُهُ بِالْقَاهِرَةِ، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي انْقِطَاعِ التَّرَخُّصِ بِالْمُحَاذَاةِ مِنْ قُرْبِهِ مِنْهَا عُرْفًا، ثُمَّ يَكُونُ مَا بَعْدَ وَطَنِهِ سَفَرًا مُبْتَدَأً، فَإِنْ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ تَرَخَّصَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: كَأَنْ خَرَجَ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَ) أَيْ يَكُونُ مَا بَعْدَهُ سَفَرًا مُبْتَدَأً، فَإِنْ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ تَرَخَّصَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا) أَيْ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّخَلُّفُ مِنْ الْقَافِلَةِ عَادَةً، ثُمَّ إنْ اتَّفَقَتْ لَهُ الْإِقَامَةُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيَكُونُ مُسَافِرًا جَدِيدًا بِمُجَاوَزَةِ مَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ مَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ) أَيْ وَيُتَصَوَّرُ بِالنِّيَّةِ لِوُضُوحِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ بِالْإِقَامَةِ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: مَعَ حُرْمَةِ الْمُقَامِ بِهَا لَا عَلَيْهِ) زَادَ الْإِسْنَوِيُّ قَبْلَ الْفَتْحِ انْتَهَى. عَمِيرَةُ.
(قَوْلُهُ: فَلَهُ الْقَصْرُ) أَيْ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الرُّخَصِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَيُتَرَخَّصُ إلَى وُصُولِهِ لِذَلِكَ) أَيْ إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ لِلرُّجُوعِ وَهُوَ غَيْرُ مَاكِثٍ، فَإِنْ كَانَ مَاكِثًا انْقَطَعَ تَرَخُّصُهُ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْعَوْدِ فَلَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ مَا دَامَ مَاكِثًا حَتَّى يَشْرَعَ فِي الْعَوْدِ فَهُوَ حِينَئِذٍ سَفَرٌ جَدِيدٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي: وَمَنْ قَصْد سَفَرًا طَوِيلًا فَصَارَ ثُمَّ نَوَى رُجُوعًا انْقَطَعَ، فَإِنْ سَافَرَ فَسَفَرٌ جَدِيدٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَارًّا بِهِ) أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ وَصَلَ لِمَبْدَإِ سَفَرِهِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ، فَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ صِدْقِ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ الْمُرُورُ مِنْ بَعِيدٍ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ
إلَيْهَا مِنْ مِنًى؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَقْصِدِهِمْ؟ فَلَا تَأْثِيرَ لِنِيَّتِهِمْ الْإِقَامَةَ الْقَصِيرَةَ قَبْلَهَا وَلَا الطَّوِيلَةَ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ مِنًى وَدُخُولِهِمْ مَكَّةَ. لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَكَلَامُهُمْ مُحْتَمَلٌ، وَالثَّانِي كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ أَقْرَبُ (وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ (يَوْمَا) أَوْ لَيْلَتَا (دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ عَلَى الصَّحِيحِ) إذْ فِي الْأَوَّلِ الْحَطُّ وَفِي الثَّانِي الرَّحِيلُ، وَهُمَا مِنْ مُهِمَّاتِ أَشْغَالِ السَّفَرِ الْمُقْتَضِي لِتَرَخُّصِهِ، وَبِهِ فَارَقَ حُسْبَانُهُمَا مِنْ مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: لَوْ دَخَلَ لَيْلًا لَمْ يُحْسَبْ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهَا مَرْدُودٌ، وَالثَّانِي يُحْسَبَانِ كَمَا يُحْسَبُ فِي مُدَّةِ الْخُفِّ يَوْمَ الْحَدَثِ وَيَوْمَ النَّزْعِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَسْتَوْعِبُ النَّهَارَ بِسَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَسِيرُ فِي بَعْضِهِ وَهُوَ فِي يَوْمَيْ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ سَائِرٌ فِي بَعْضِ النَّهَارِ، بِخِلَافِ اللَّبْسِ فَإِنَّهُ مُسْتَوْعِبٌ لِلْمُدَّةِ، وَخَرَجَ غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ كَقِنٍّ وَزَوْجَةٍ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ الْمُخَالِفَةِ لِنِيَّةِ مَتْبُوعِهِ.
(وَلَوْ)(أَقَامَ بِبَلَدٍ) مَثَلًا (بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ) أَوْ بَعْدَ زَمَنٍ لَا يَبْلُغُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَلَوْ عَلِمَ بَقَاءَهَا إلَى آخِرِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ انْتِظَارُ الرِّيحِ لِمُسَافِرٍ بِالْبَحْرِ وَخُرُوجُ الرُّفْقَةِ لِمَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ مَعَهُمْ إنْ خَرَجُوا وَإِلَّا فَوَحْدَهُ (قَصَرَ) يَعْنِي تَرَخَّصَ إذْ لَهُ سَائِرُ رُخَصِ السَّفَرِ، وَمَا اسْتَثْنَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَصَلَاةِ النَّافِلَةِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، إذْ الْمَدَارُ فِي الْأُولَى عَلَى غَلَبَةِ الْمَاءِ وَفَقْدِهِ، وَالْأَمْرُ فِي الثَّانِيَةِ مَنُوطٌ بِالسَّيْرِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا) كَامِلَةً لَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ لِخَبَرٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَقَامَهَا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ لِحَرْبِ هُوَازِنَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» وَلَا نَظَرَ لِابْنِ جُدْعَانَ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَإِنْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ لِاعْتِضَادِهِ بِشَوَاهِدَ جَبَرَتْهُ وَصَحَّتْ رِوَايَةُ عِشْرِينَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الْكَلَامِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ) مُرَادُهُ حَجَرٌ.
(قَوْلُهُ: الدَّارَكِيُّ) قَالَ فِي الْأَنْسَابِ بِفَتْحِ الرَّاءِ: دَارَكُ قَرْيَةٌ بِأَصْبَهَانَ انْتَهَى سُيُوطِيّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ) أَيْ وَتُحْسَبُ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَلِي يَوْمَ الدُّخُولِ، وَكَذَا الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي لَيْلَةَ الدُّخُولِ، وَبِهِ يَظْهَرُ رَدُّ مَا قَالَهُ الدَّارَكِيُّ.
(قَوْلُهُ: مِنْ مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ) أَيْ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ الْمُدَّةُ مِنْ آخِرِ الْحَدَثِ وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ (قَوْلُهُ: فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ) قَالَ سم عَلَى حَجَرٍ: قَوْلُهُ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ إلَخْ: أَيْ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَكَذَا لَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لَوْ نَوَاهَا غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ كَالْعَبْدِ وَلَوْ مَاكِثًا كَمَا سَيَأْتِي: أَيْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ انْتَهَى. لَكِنْ لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ مَاكِثًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَصَمَّمَ عَلَى قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ أَثَّرَتْ نِيَّتُهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ: أَيْ كُلٌّ مِنْ الْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ قَادِرٌ: أَيْ كَنِسَاءِ أَهْلِ مِصْرَ. .
(قَوْلُهُ: كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ) فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا عَلَى مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُخْرِجُ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ تَنْقَضِي حَاجَتُهُ قَبْلَ الْأَرْبَعِ أَوْ بَعْدَهَا فَيَشْمَلُهُ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ اهـ سم عَلَى حَجَرٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَوَحْدَهُ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَزَمَ عَلَى أَنَّهُ إلَخْ إذَا لَمْ يَخْرُجْ الرُّفْقَةُ رَجَعَ فَلَا يَقْصُرُ انْتَهَى سم عَلَى حَجَرٍ، وَسَيَأْتِي لَهُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا نَظَرَ لِابْنِ جُدْعَانَ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يُجِزْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، وَجُدْعَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَعِبَارَتُهُ: هُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ الْقُرَشِيُّ الْبَصْرِيُّ التَّيْمِيُّ، يُعَدُّ فِي تَابِعِي الْبَصْرِيِّينَ، وَهُوَ مَكِّيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. جُدْعَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا، وَالنَّهْدِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ ضَعَّفَهُ) أَيْ ابْنُ جُدْعَانُ.
(قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ رِوَايَةُ عِشْرِينَ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَلَا نَظَرَ لِابْنِ جُدْعَانَ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ قَلَاقَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ فَهِمَ مِنْهَا الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ خِلَافَ الْمُرَادِ، وَحَقُّ الْعِبَارَةِ: وَلَا يَقْدَحُ فِي حُسْنِهِ أَنَّ ابْنَ جُدْعَانَ أَحَدُ رُوَاتِهِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَوْلُهُ: لِاعْتِضَادِهِ بِشَوَاهِدَ إلَخْ: أَيْ فَهُوَ حَسَنٌ بِالْغَيْرِ لَا بِالذَّاتِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ) بِالتَّاءِ الْمَجْرُورَةِ كَمَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ فَهُوَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ، وَجَعَلَهُ
وَسَبْعَةَ عَشَرَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهَا بِحَمْلِ عِشْرِينَ عَلَى عَدِّهِ يَوْمَيْ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ وَتِسْعَةَ عَشَرَ عَلَى عَدِّهِ أَحَدَهُمَا وَسَبْعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ الْوَارِدَةِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ حَسَبَ بَعْضَ الْمُدَّةِ بِحَسَبِ مَا وَصَلَ لِعِلْمِهِ، وَذِكْرُ الْأَقَلِّ لَا يَنْفِي الْأَكْثَرَ لَا سِيَّمَا وَغَيْرُهُ زَادَ عَلَيْهِ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ إذْ لَا مُعَارَضَةَ فِيهَا (وَقِيلَ) يَقْصُرُ (أَرْبَعَةً) غَيْرَ كَامِلَةٍ لِمَا مَرَّ أَنَّ نِيَّةَ إقَامَتِهَا تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ فَإِقَامَتُهَا أَوْلَى إذْ الْفِعْلُ أَبْلَغُ مِنْ النِّيَّةِ (وَفِي قَوْلِ) يَقْصُرُ (أَبَدًا) إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ دَامَتْ الْحَاجَةُ لَدَامَ الْقَصْرُ (وَقِيلَ الْخِلَافُ) فِيمَا فَوْقَ الْأَرْبَعَةِ (فِي خَائِفِ الْقِتَالِ إلَّا التَّاجِرَ وَنَحْوَهُ) كَالْمُتَفَقِّهَةِ فَلَا يَقْصُرَانِ فِيمَا فَوْقَهَا؛ لِأَنَّ الْوَارِدَ إنَّمَا كَانَ فِي الْقِتَالِ وَالْمُقَاتِلُ أَحْوَجُ لِلتَّرَخُّصِ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُرَخِّصَ إنَّمَا هُوَ وَصْفُ السَّفَرِ وَالْمُقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ فَارَقَ مَكَانَهُ ثُمَّ رَدَّتْهُ الرِّيحُ إلَيْهِ فَأَقَامَ فِيهِ اسْتَأْنَفَ الْمُدَّةَ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ فِيهِ إقَامَةٌ جَدِيدَةٌ فَلَا تُضَمُّ إلَى الْأُولَى بَلْ تُعْتَبَرُ مُدَّتُهَا وَحْدَهَا، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَفِيهِ أَيْضًا: لَوْ خَرَجُوا وَأَقَامُوا بِمَكَانٍ يَنْتَظِرُونَ رُفْقَتَهُمْ فَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ إنْ أَتَوْا سَافَرُوا أَجْمَعِينَ وَإِلَّا رَجَعُوا لَمْ يَقْصُرُوا لِعَدَمِ جَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ وَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَأْتُوا سَافَرُوا قَصَرُوا لِجَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ.
(وَلَوْ عَلِمَ بَقَاءَهَا) أَيْ حَاجَتِهِ (مُدَّةً طَوِيلَةً) وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ فَمَا فَوْقَهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَوْ أُكْرِهَ وَعَلِمَ بَقَاءَ إكْرَاهِهِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَمَنْ بَحَثَ جَوَازَ التَّرَخُّصِ لَهُ مُطْلَقًا فَقَدْ أَبْعَدَ أَوْ سَهَا (فَلَا قَصْرَ لَهُ) أَيْ لَا تَرَخُّصَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ هَيْئَةِ الْمُسَافِرِينَ، وَضَمِيرُ عَلِمَ رَاجِعٌ لِخَائِفِ الْقِتَالِ لَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ، كَمَا ذُكِرَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ رُجُوعَهُ لِغَيْرِهِ غَلَطٌ، بَلْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
هُوَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَتَاؤُهُ عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِابْنِ جُدْعَانَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَيُجْمَعُ عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ غَيْرُ كَامِلَةٍ) وَفِي نُسْخَةٍ فَقَطْ أَيْ غَيْرُ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ يَمْتَنِعُ بِنِيَّةِ إقَامَةِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَبِفِعْلِهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ النِّيَّةِ وَالنُّسْخَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ.
(قَوْلُهُ: كَالْمُتَفَقِّهَةِ) أَيْ مَرِيدِ الْفِقْهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِقَصْدِ السُّؤَالِ عَنْ حُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ مَسَائِلَ مُعَيَّنَةٍ مَثَلًا وَأَنَّهُ إذَا تَعَلَّمَهَا رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ) مُعْتَمَدٌ.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ الْمَجْمُوعِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَقْصُرُوا) أَيْ ثُمَّ إذَا جَاءَتْ الرُّفْقَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ يَقْصُرُونَ بِمُجَرَّدِ مَجِيئِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُفَارِقُوا مَوْضِعَهُمْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ سَفَرِهِمْ حَصَلَ بِمُجَاوَزَةِ الْبِلَادِ لَكِنَّهُمْ مُتَرَدِّدُونَ فِيهِ، وَبِمَجِيءِ الرُّفْقَةِ انْتَفَى التَّرَدُّدُ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْقَصْرِ إلَّا بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَحَلِّهِمْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُمْ مَحْكُومٌ بِإِقَامَتِهِمْ مَا دَامُوا بِمَحَلَّتِهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَخُرُوجُ الرُّفْقَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ بَحَثَ جَوَازَ التَّرَخُّصِ لَهُ مُطْلَقًا) أَيْ عَلِمَ بَقَاءَ الْإِكْرَاهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
(قَوْلُهُ: كَمَا ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ رُجُوعَهُ لِغَيْرِهِ) قَالَ سم عَلَى حَجَرٍ: قَوْلُهُ فَيَتَعَيَّنُ رُجُوعُ ضَمِيرِ عَلِمَ إلَخْ قَدْ يُمْنَعُ التَّعَيُّنُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي لِصِحَّةِ التَّعْبِيرِ بِالْمَذْهَبِ حِكَايَةُ طَرِيقَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ غَلِطَتْ حِكَايَةُ إحْدَاهُمَا، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي غَيْرِ الْمُحَارِبِ بِالْمَذْهَبِ مَعَ تَغْلِيظِهِ حِكَايَةَ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحَارِبٍ كَالْمُتَفَقِّهِ وَالتَّاجِرِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ أَبَدًا، وَقِيلَ هُوَ كَالْمُحَارِبِ وَهُوَ غَلَطٌ انْتَهَى. فَلَوْلَا أَنَّهُ يَكْفِي لِصِحَّةِ التَّعْبِيرِ بِالْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَ مَا عَبَّرَ بِهِ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالتَّغْلِيظِ الْمَذْكُورِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي الْمَذْهَبِ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَذْهَبِ الْإِشَارَةُ إلَى طَرِيقَيْنِ، فَأَمَّا الْمُحَارِبُ فَحَكَاهُمَا فِيهِ الرَّافِعِيُّ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحِ إحْدَاهُمَا قَاطِعَةٌ بِالْمَنْعِ، وَالثَّانِيَةِ بِالتَّخْرِيجِ عَلَى الْكَلَامِ فِي الْمُتَوَقَّعِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُحَارِبِ فَالْمَعْرُوفُ فِيهِ الْجَزْمُ بِالْمَنْعِ وَالتَّخْرِيجُ عَلَى التَّوَقُّعِ شَاذٌّ وَغَلَطٌ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ انْتَهَى.
وَلَوْ سُلِّمَ فَيَجُوزُ تَعْمِيمُ الضَّمِيرِ؛ لِأَنَّهُ الْأَفْيَدُ، وَلَا يُنَافِيهِ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ بِنَاءً عَلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ بِصِيغَةِ الِاسْمِ مَعْطُوفًا عَلَى ابْنِ جُدْعَانَ: أَيْ وَلَا نَظَرَ لِصِحَّةِ إلَخْ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ فِي قَوْلِهِ، وَلَا نَظَرَ لِابْنِ جُدْعَانَ إلَخْ، وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ كَمَا عَلِمْت وَهُوَ يُوجِبُ أَنْ لَا تَكُونَ التَّاءُ مَجْرُورَةً (قَوْلُهُ: وَيُجْمَعُ بَيْنَهَا) جَعَلَهُ الشَّيْخُ مَعْطُوفًا عَلَى وَصِحَّةِ مِنْ عَطْفِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ. .