الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَعْرُوفُ الْجَزْمُ بِالْمَنْعِ فِي غَيْرِهِ.
فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَتَوَابِعِهَا
وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: أَحَدُهَا سَفَرٌ طَوِيلٌ وَ (طَوِيلُ السَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا) ذَهَابًا فَقَطْ تَحْدِيدًا لَا تَقْرِيبًا، وَيَكْفِي الظَّنُّ عَمَلًا بِقَوْلِهِمْ لَوْ شَكَّ فِي الْمَسَافَةِ اجْتَهَدَ، وَفَارَقَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ بِأَنَّ الْقَصْرَ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَأَشْبَهَ الِاحْتِيَاطَ وَالْقُلَّتَيْنِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بَيَانٌ لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِيهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ مَا هُنَا (هَاشِمِيَّةً) ؛ لِأَنَّ ابْنَيْ عُمَرَ وَعَبَّاسٍ رضي الله عنهم كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرْدٍ وَلَا يُعْرَفُ مُخَالِفٌ لَهُمَا، وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَالْبَرِيدُ: أَرْبَعُ فَرَاسِخَ، وَالْفَرْسَخُ: ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، وَالْمِيلُ: أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ، وَالْخُطْوَةُ: ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ، فَهُوَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ قَدَمٍ، وَبِالذِّرَاعِ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ، وَالذِّرَاعُ: أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَاتٍ، وَالْأُصْبُعُ: سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ مُعْتَرِضَاتٍ، وَالشُّعَيْرَةُ: سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ، فَمَسَافَةُ الْقَصْرِ بِالْأَقْدَامِ خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ وَسِتَّةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا، وَبِالْأَذْرُعِ مِائَتَا أَلْفٍ وَثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ أَلْفًا، وَبِالْأَصَابِعِ سِتَّةُ آلَافِ أَلْفٍ وَتِسْعُمِائَةِ أَلْفٍ وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَبِالشُّعَيْرَاتِ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَأَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ أَلْفًا، وَبِالشَّعَرَاتِ مِائَتَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
التَّغْلِيبِ وَكَوْنُهُ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: الْجَزْمُ بِالْمَنْعِ فِي غَيْرِهِ) أَيْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ أَقَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ انْقَطَعَ تَرَخُّصُهُ بِإِقَامَتِهِ أَوْ الْعِلْمِ بِعَدَمِ انْقِضَاءِ حَاجَتِهِ قَبْلَهَا.
فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَتَوَابِعِهَا.
(قَوْلُهُ: سَفَرٌ طَوِيلٌ) أَيْ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ الْمَتْنُ لِتَقَدُّمِ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي قَوْلِهِ السَّفَرُ الطَّوِيلُ الْمُبَاحُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي الظَّنُّ عَمَلًا) أَيْ النَّاشِئُ عَنْ قَرِينَةٍ قَوِيَّةٍ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُهُ عَمَلًا بِقَوْلِهِمْ لَوْ شَكَّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَفَارَقَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ) أَيْ حَيْثُ قَالُوا فِيهَا تَقْرِيبًا.
(قَوْلُهُ: بَيَانٌ لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِيهِمَا) أَيْ الْقُلَّتَيْنِ، وَكَذَا لَمْ يَرِدْ بَيَانُ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ. نَعَمْ وَرَدَ التَّقْدِيرُ بِالْقُلَّتَيْنِ عَنْ الشَّارِعِ وَلَمْ يَرِدْ فِي مِقْدَارِ الْقُلَّةِ شَيْءٌ عَنْهُ وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ، بِخِلَافِ الْمَسَافَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ عَنْ الشَّارِعِ صَرِيحًا، وَإِنْ وَرَدَ مَا يَقْتَضِيهِ لِكَوْنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي التَّفْرِقَةِ فِي كَلَامِهِ بَيْنَ الْمَسَافَةِ وَالْقُلَّتَيْنِ وَبِإِفْرَادِ الْأُولَى بِفَرْقٍ، إلَّا أَنَّهُ يُعَارِضُهُ مَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ.
(قَوْلُهُ: هَاشِمِيَّةٌ) هُوَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ.
(قَوْلُهُ: فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ) عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَمِثْلُهُ إنَّمَا يُفْعَلُ عَنْ تَوْقِيفٍ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: زَادَ غَيْرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ نَقَلَ أَنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا اهـ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: وَالْبَرِيدُ أَرْبَعُ فَرَاسِخَ) الْأَوْلَى أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْسَخَ مُذَكَّرٌ.
(قَوْلُهُ: أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ.
وَنَقَلَ عَنْ مِرْآةِ الزَّمَانِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ مَا نَصُّهُ: وَالْخُطْوَةُ ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ: أَيْ بِقَدَمِ الْبَعِيرِ اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْبَعِيرَ لَا قَدَمَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ خُفُّهُ يُسَمَّى قَدَمًا فَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ قَدَمُ الْآدَمِيِّ حَيْثُ قَدَّرُوهُ بِالْأَصَابِعِ ثُمَّ الشُّعَيْرَاتِ ثُمَّ الشَّعَرَاتِ ثُمَّ رَأَيْت عَنْ مِرْآةِ الزَّمَانِ مَا نَصُّهُ: فَائِدَةٌ عَرْضُ الدُّنْيَا ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ دَرَجَةً، وَالدَّرَجَةُ خَمْسَةُ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا، وَالْفَرْسَخُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ ذِرَاعٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَتَوَابِعِهَا]
فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ
أَلْفِ أَلْفٍ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ أَلْفٍ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا.
وَالْهَاشِمِيَّةُ نِسْبَةٌ لِبَنِي هَاشِمٍ لِتَقْدِيرِهِمْ لَهَا وَقْتَ خِلَافَتِهِمْ بَعْدَ تَقْدِيرِ بَنِي أُمَيَّةَ لَهَا لَا إلَى هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَخَرَجَ بِالْهَاشِمِيَّةِ الْأُمَوِيَّةُ، وَهِيَ الْمَنْسُوبَةُ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَالْمَسَافَةُ عِنْدَهُمْ أَرْبَعُونَ مِيلًا، إذْ كُلُّ خَمْسَةٍ مِنْهَا قَدْرُ سِتَّةٍ هَاشِمِيَّةٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِهَا ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْمَنْصُوصُ وَمَا نُصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ كَوْنِهَا سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ، وَمِنْ كَوْنِهَا أَرْبَعِينَ غَيْرُ مُنَافٍ لِذَلِكَ لِإِرَادَتِهِ بِالْأَوَّلِ الْجَمِيعَ وَبِالثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَبِالْآخِرِ وَبِالثَّالِثِ الْأُمَوِيَّةَ.
قُلْت: كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَمُرَادُ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ ذَلِكَ إفَادَةُ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ النَّوَوِيُّ، وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ مُوَافِقٌ لَهُ عَلَيْهِ أَيْضًا (وَهُوَ) أَيْ السَّفَرُ الطَّوِيلُ (مَرْحَلَتَانِ) وَهُمَا سَيْرُ يَوْمَيْنِ مِنْ غَيْرِ لَيْلَةٍ عَلَى الِاعْتِدَالِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ بِلَا يَوْمٍ كَذَلِكَ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَعَ النُّزُولِ الْمُعْتَادِ لِنَحْوِ اسْتِرَاحَةٍ وَأَكْلٍ وَصَلَاةٍ (بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ) أَيْ الْحَيَوَانَاتِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ وَدَبِيبُ الْأَقْدَامِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَارِّ (وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ) فِي اشْتِرَاطِ الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ (فَلَوْ قَطَعَ الْأَمْيَالَ فِيهِ فِي سَاعَةٍ مَثَلًا) لِشِدَّةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ بِخُطْوَةِ الْبَعِيرِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ؛ إلَى أَنْ قَالَ: وَهَذَا الذِّرَاعُ قَدْرُهُ الْمَأْمُونُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُهَنْدِسِينَ، وَهُوَ بَيْنَ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ دُونَ ذِرَاعِ النَّجَّارِ وَالذِّرَاعِ الْهَاشِمِيِّ اهـ. وَلَيْسَ فِيهَا تَقْدِيرُ الْقَدَمِ بِكَوْنِهِ قَدَمَ الْبَعِيرِ.
(قَوْلُهُ: لِبَنِي هَاشِمٍ) وَهُمْ الْعَبَّاسِيُّونَ اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ: لَا إلَى هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ كَمَا وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ: الْأُمَوِيَّةُ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْأَنْسَابِ: الْأُمَوِيُّ بِالْفَتْحِ إلَى أَمَةَ بْنِ بَجَالَةَ ابْنِ زَمَانِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَالْأُمَوِيُّ بِالضَّمِّ إلَى بَنِي أُمَيَّةَ انْتَهَى. قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ بَعْدَ ذِكْرِ الْفَتْحِ وَالضَّمِّ: وَالْفَتْحُ قَلِيلٌ انْتَهَى. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْمَنْسُوبِينَ إلَى أَمَةَ قَلِيلٌ وَالْكَثِيرُ هُمْ الْمَنْسُوبُونَ إلَى بَنِي أُمَيَّةَ، لَا أَنَّ فِي هَذِهِ النِّسْبَةِ لُغَتَيْنِ مُطْلَقًا فَمَا هُنَا بِالضَّمِّ لَا غَيْرُ.
(قَوْلُهُ: وَبِالثَّانِي) أَيْ كَوْنِهَا سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ، وَقَوْلُهُ غَيْرَ الْأَوَّلِ: أَيْ الْمِيلِ الْأَوَّلِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: قَالَ ذَلِكَ) أَيْ قَالَ كَمَا قَالَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ بِالثَّالِثِ هُوَ كَوْنُهَا ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ.
(قَوْلُهُ: مَعَ النُّزُولِ الْمُعْتَادِ) وَوَصَفَ الْيَوْمَيْنِ وَاللَّيْلَتَيْنِ بِالِاعْتِدَالِ، وَأَطْلَقَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ يَوْمًا وَلَيْلَةً مُتَّصِلَتَيْنِ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَهُمَا قَدْرُ الْيَوْمَيْنِ أَوْ اللَّيْلَتَيْنِ الْمُعْتَدِلَتَيْنِ وَقَدْرُ ذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ دَرَجَةً انْتَهَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْحَيَوَانَاتُ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ الْجِمَالُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ، وَلَكِنْ بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَثْقَالِ الْجِمَالُ وَيَلْحَقُ بِهَا الْبِغَالُ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَارِّ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ مَعَ النُّزُولِ الْمُعْتَادِ، لَكِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ بِهِ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ. وَفِي كَلَامِ حَجّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي السَّيْرِ كَوْنُهُ عَلَى الْعَادَةِ: يَعْنِي فِي صِفَتِهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بِالتَّأَنِّي وَلَا الْإِسْرَاعِ وَهُوَ غَيْرُ وَقْتِ النُّزُولِ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَهُمَا قَيْدَانِ مُخْتَلِفَانِ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ قَطَعَ الْأَمْيَالَ فِيهِ فِي سَاعَةٍ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: إذَا قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي لَحْظَةٍ صَارَ مُقِيمًا، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَرَخُّصُهُ فِيهَا، قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ وُصُولِ الْمَقْصِدِ انْتِهَاءُ الرُّخْصَةِ لِكَوْنِهِ نَوَى فِيهِ إقَامَةً لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّحْظَةِ الْقِطْعَةُ مِنْ الزَّمَنِ الَّتِي تَسَعُ التَّرَخُّصَ اهـ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ. أَقُولُ: وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَصْرَ بَعْدَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَعْدَ قَطْعِهَا لَا يَتَأَتَّى تَرَخُّصٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ أَنَّهُ يُحْرِمُ فِي ابْتِدَاءِ سَيْرِ السَّفِينَةِ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ ثُمَّ يَصِلُ إلَى مَقْصِدِهِ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَا قَطْعَ الْمَسَافَةِ بِالْفِعْلِ فِي يَوْمَيْنِ لَزِمَ أَنَّهُ بِهَذِهِ الْإِقَامَةِ يَتَبَيَّنُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ مُوَافِقٌ لَهُ عَلَيْهِ) أَيْ فَيَكُونُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا عِنْدَ التَّعَارُضِ (قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الِاعْتِدَالِ (قَوْلُهُ: وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِسَيْرٍ
جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ (قَصَرَ) فِيهَا لِوُجُودِ الْمَسَافَةِ الصَّالِحَةِ لَهُ، وَلَا يَضُرُّ قَطْعُهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا لَوْ قَطَعَهَا فِي الْبَرِّ فِي بَعْضِ يَوْمٍ عَلَى مَرْكُوبٍ جَوَادٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَ هَذَا التَّفْرِيعِ بَيَانُ أَنَّ اعْتِبَارَ قَطْعِ هَذِهِ الْمَسَافَةِ فِي الْبَحْرِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي لُحُوقِهِ بِالْبَرِّ فِي اعْتِبَارِهَا مُطْلَقًا، فَانْدَفَعَ مَا قَدْ يُقَالُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى يُحْتَاجَ لِذَكَرِ ذَلِكَ بَلْ الْعِبْرَةُ بِقَصْدِ مَوْضِعٍ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ قَصْرِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ قَبْلَ قَطْعِ شَيْءٍ مِنْهَا.
(وَ) ثَانِيهَا عِلْمُ مَقْصِدِهِ فَحِينَئِذٍ (يُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ) مَعْلُومٍ وَلَوْ غَيْرَ (مُعَيَّنٍ) وَقَدْ يُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ الْمَعْلُومُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ (أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ سَفَرِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ طَوِيلٌ فَيَتَرَخَّصَ فِيهِ، أَوْ لَا فَلَا.
نَعَمْ لَوْ سَافَرَ مُتَبَرِّعٌ وَمَعَهُ تَابِعُهُ كَأَسِيرٍ وَقِنٍّ وَزَوْجَةٍ وَجَيْشٍ وَلَمْ يَعْرِفْ مَقْصِدَهُ قَصَرَ بَعْدَ الْمَرْحَلَتَيْنِ لِتَحَقُّقِ كَوْنِ السَّفَرِ طَوِيلًا، وَقَدْ تَشْمَلُ عِبَارَتُهُ مَا لَوْ قَصَدَ كَافِرٌ مَرْحَلَتَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي أَثْنَائِهِمَا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِيمَا بَقِيَ لِقَصْدِهِ أَوَّلًا مَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْقَصْرُ لَوْ كَانَ مُتَأَهِّلًا لَهُ كَمَا سَيَأْتِي (فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ) وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ سَوَاءٌ أَسَلَكَ طَرِيقًا أَمْ لَا، وَيُسَمَّى أَيْضًا رَاكِبَ التَّعَاسِيفِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ: هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَخَالَفَهُ الدَّمِيرِيِّ، فَقَالَ: الْهَائِمُ هُوَ خَارِجٌ عَلَى وَجْهِهِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا مَسْلُوكًا وَرَاكِبُ التَّعَاسِيفِ لَا يَسْلُكُ طَرِيقًا وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي أَنَّهُمَا لَا يَقْصِدَانِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى. وَيَدُلُّ لَهُ جَمْعُ الْغَزَالِيِّ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ طَالَ تَرَدُّدُهُ) وَبَلَغَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِطُولِهِ أَوَّلَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَصْرُ سَفَرِهِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، لَكِنَّا لَا نَقُولُ بِذَلِكَ لِحُكْمِنَا بِأَنَّ السَّفَرَ طَوِيلٌ وَلَا نَظَرَ لِقَطْعِهِ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ (قَوْلُهُ: لِشِدَّةِ جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ) وَمِنْ النَّحْوِ مَا لَوْ كَانَ وَلْيًا
(قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ) أَيْ بِالْمَسَافَةِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
(قَوْلُهُ: قَصَرَ بَعْدَ الْمَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَقْصِدَ مَتْبُوعِهِ أَوْ عَلِمَهُ وَكَانَ الْبَاقِي دُونَهُمَا.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِيمَا بَقِيَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ نَوَى الْكَافِرُ أَوْ الصَّبِيُّ سَفَرَ قَصْرٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ هَامَ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ بَابِ بَاعَ وَهَيَمَانًا أَيْضًا بِفَتْحَتَيْنِ ذَهَبَ مِنْ الْعِشْقِ أَوْ غَيْرِهِ اهـ مُخْتَارٌ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى أَيْضًا) أَيْ الْهَائِمُ فَهُمَا عَلَى هَذَا مُتَسَاوِيَانِ.
(قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُمَا لَا يَقْصِدَانِ مَوْضِعًا) أَيْ وَعَلَى هَذَا فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ يَجْتَمِعَانِ فِيمَنْ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقًا وَلَمْ يَقْصِدْ مَحَلًّا مَعْلُومًا، وَيَنْفَرِدُ الْهَائِمُ فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ مَحَلًّا وَسَلَكَ طَرِيقًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ، فَيُفَسَّرُ رَاكِبُ التَّعَاسِيفِ بِمَنْ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقًا وَإِنْ قَصَدَ مَحَلًّا مَعْلُومًا، وَالْهَائِمُ بِمَنْ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَتَوَجَّهُ سَلَكَ طَرِيقًا أَوْ لَا فَيَجْتَمِعَانِ فِيمَنْ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقًا وَلَمْ يَقْصِدْ مَحَلًّا، وَيَنْفَرِدُ الْهَائِمُ فِيمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا وَلَمْ يَقْصِدْ مَحَلًّا مَعْلُومًا، وَرَاكِبُ التَّعَاسِيفِ فِيمَنْ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقًا وَقَصَدَ مَحَلًّا مَعْلُومًا.
(قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لَهُ) أَيْ لِمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيِّ، وَقَوْلُهُ جَمَعَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ مَا قَدْ يُقَالُ إلَخْ) فِي انْدِفَاعِهِ بِمَا ذَكَرَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، إذْ حَاصِلُهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ عِبَارَتَهُ فِي هَذَا التَّفْرِيعِ تُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي الْبَحْرِ إلَّا إذَا قَطَعَ الْمَسَافَةَ بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ لِمَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ لَا يَنْدَفِعُ بِمَا ذَكَرَ وَإِنَّمَا يَنْدَفِعُ بِهِ مَا قَدْ يُقَالُ: لَا وَجْهَ لِإِلْحَاقِ الْبَحْرِ بِالْبَرِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ فِيهِ فِي سَاعَةٍ، فَيَنْبَغِي فِي تَقْدِيرِهِ بِمَسَافَةٍ أَوْسَعَ مِنْ مَسَافَةِ الْبَرِّ، فَفَرَّعَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مَا ذَكَرَهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مَعْلُومٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ صَمَّمَ الْهَائِمُ عَلَى سَيْرِ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ أَوَّلِ سَفَرِهِ لَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا فِي جِهَةٍ كَأَنْ قَالَ إنْ سَافَرْت لِجِهَةِ الشَّرْقِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ مَرْحَلَتَيْنِ أَوْ لِجِهَةِ الْغَرْبِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَقْصُرُ، وَهُوَ وَاضِحٌ بِقَيْدِهِ الْآتِي فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِ كَوْنِ السَّفَرِ طَوِيلًا) أَيْ مَعَ الْعُذْرِ الْقَائِمِ لِيُفَارِقَ الْهَائِمَ الْآتِيَ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِطُولِهِ أَوَّلَهُ) يَأْتِي مِثْلُهُ فِي نَحْوِ الْأَسِيرِ وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عُذْرُ هَذَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَيَكُونُ
فَيَكُونُ عَابِثًا لَا يَلِيقُ بِهِ التَّرَخُّصُ، وَسَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي حُرْمَةُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَهُوَ مَحْمَلٌ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ حُرْمَتَهُ، وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ مِنْ حُرْمَتِهِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ الْآتِي لَوْ قَصَدَ مَرْحَلَتَيْنِ أَوَّلًا قَصَرَ فِيهِمَا (وَلَا طَالِبِ غَرِيمٍ وَ) لَا طَالِبِ (آبِقٍ) عِنْدَ سَفَرٍ بِنِيَّةِ أَنَّهُ (يَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ) أَيْ مَطْلُوبَهُ مِنْهُمَا (وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ) وَلَوْ طَالَ سَفَرُهُ لِعَدَمِ عَزْمِهِ عَلَى سَفَرٍ طَوِيلٍ.
نَعَمْ لَوْ قَصَدَ مَرْحَلَتَيْنِ أَوَّلًا كَأَنْ عَلِمَ عَدَمَ وُجُودِ مَطْلُوبِهِ قَبْلَهُمَا قَصَرَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَمِثْلُهُ الْهَائِمُ فِي ذَلِكَ كَمَا شَمَلَتْهُ عِبَارَةُ الْمُحَرِّرُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ اسْتِمْرَارُ التَّرَخُّصِ وَلَوْ فِيمَا زَادَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، وَلَوْ عَلِمَ الْأَسِيرُ طُولَ سَفَرِهِ وَنَوَى الْهَرَبَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَلَهُ الْقَصْرُ بَعْدَهُمَا، وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَى الْمَتْبُوعِ الْقَصْرُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَا أَثَرَ لِلنِّيَّةِ لِقَطْعِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ إذَا نَوَتْ أَنَّهَا تَرْجِعُ مَتَى تَخَلَّصَتْ، وَأَنَّهُ مَتَى عَتَقَ رَجَعَ فَلَا تَرَخُّصَ لَهُمَا قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَأُلْحِقَ بِالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ الْجُنْدِيُّ، وَبِالْفِرَاقِ النُّشُوزُ، وَبِالْعِتْقِ الْإِبَاقُ بِأَنْ نَوَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَهُ الْإِبَاقُ أَبَقَ، وَلَوْ جَاوَزَ مَرْحَلَتَيْنِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَصْرُ قَبْلَهُمَا قَضَى مَا فَاتَهُ قَبْلَهُمَا مَقْصُورًا فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ طَوِيلٍ كَمَا شَمَلَ ذَلِكَ كَلَامُهُمْ أَوَّلَ الْبَابِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْمَارِّ أَوَّلًا عَمَّا لَوْ نَوَى مَسَافَةَ قَصْرٍ ثُمَّ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَحَلِّ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ مُسَافِرًا نَوَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إنْ وَجَدَ غَرَضَهُ أَوْ يُقِيمُ فِي طَرِيقِهِ وَلَوْ بِمَحَلٍّ قَرِيبٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَتَرَخَّصُ إلَى وُجُودِ غَرَضِهِ، أَوْ دُخُولِهِ ذَلِكَ الْمَحَلَّ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ فِي حَقِّهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ مُسْتَمِرًّا إلَى وُجُودِ مَا غَيَّرَ النِّيَّةَ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَضَ ذَلِكَ لَهُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
لَا يُقَالُ: قِيَاسُ مَنْعِهِمْ تَرَخُّصَ مَنْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مَعْصِيَةٍ مَنْعُهُ فِيمَا لَوْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْغَزَالِيُّ بَيْنَهُمَا: أَيْ وَالْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايِرَةُ.
(قَوْلُهُ: وَسَيُعْلَمُ بِمَا يَأْتِي حُرْمَةُ ذَلِكَ) أَيْ سَفَرِ الْهَائِمِ، وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ: أَيْ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ غَرَضٌ فِي إتْعَابِ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حُرْمَتِهِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ خُرُوجُهُ لِغَرَضٍ أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ الْمَنْعَ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَصَدَ إلَخْ) يُمْكِنُ جَعْلُ هَذَا مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ عِنْدَ سَفَرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ ابْتِدَاؤُهُ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَمَّا لَوْ قَصَدَ مَرْحَلَتَيْنِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْهَائِمُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا قَصَدَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْصُرُ إذَا كَانَ سَفَرُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَمِنْ الْغَرَضِ مَا لَوْ خَرَجَ خَوْفًا مِنْ ظَالِمٍ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ) تَبِعَهُ حَجّ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ وَيَقْصُرُ بَعْدَهُمَا وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ وِفَاقًا لِلرَّمْلِيِّ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَى الْمَتْبُوعِ) أَيْ وَهُوَ الْآسِرُ لِكَوْنِهِ عَاصِيًا بِالسَّفَرِ أَوْ كَافِرًا.
(قَوْلُهُ: فَلَا تَرَخُّصَ لَهُمَا قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ وَلَهُمَا التَّرَخُّصُ بَعْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهُمَا.
(قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَصْرُ) أَيْ كَالْأَسِيرِ وَالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ إلَخْ، قَالَهُ سم
ــ
[حاشية الرشيدي]
عَابِثًا (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْهَائِمُ فِي ذَلِكَ) حَتَّى لَوْ قَصَدَ مَرْحَلَتَيْنِ تَرَخَّصَ: أَيْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ حَتَّى لَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِيهِ.
قَالَهُ الزِّيَادِيُّ، وَمِنْ صُوَرِ الْغَرَضِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فَارًّا مِنْ نَحْوِ ظَالِمٍ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ (قَوْلُهُ: بَعْدَ مَرْحَلَتَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقَصْرِ (قَوْلُهُ: وَبِالْفِرَاقِ النُّشُوزُ وَبِالْعِتْقِ الْإِبَاقُ) أَيْ وَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ إلَى الْآنَ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ حَتَّى يَحْصُلَ النُّشُوزُ أَوْ الْإِبَاقُ بِالْفِعْلِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْمَارُّ أَوَّلًا إلَخْ) فِي هَذَا السِّيَاقِ نَوْعُ خَفَاءٍ، وَكَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِاشْتِرَاطِ مَا ذَكَرَ أَوَّلًا عَنْ الدَّوَامِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَتَّى لَوْ نَوَى مَسَافَةَ قَصْرٍ إلَخْ.
نَوَى إقَامَةً بِمَحَلٍّ قَرِيبٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: النَّقْلُ لِمَعْصِيَةٍ يُنَافِي التَّرَخُّصَ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ هَذَا، وَلَوْ سَافَرَ سَفَرًا قَصِيرًا ثُمَّ نَوَى زِيَادَةَ الْمَسَافَةِ فِيهِ إلَى صَيْرُورَتِهِ طَوِيلًا فَلَا تَرَخُّصَ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَحَلِّ نِيَّتِهِ إلَى مَقْصِدِهِ مَسَافَةَ قَصْرٍ وَيُفَارِقُ مَحَلَّهُ لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِ بِالنِّيَّةِ وَيَصِيرُ بِالْمُفَارَقَةِ مُنْشِئَ سَفَرٍ جَدِيدٍ، وَلَوْ نَوَى قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى سَفَرِ قَصْرٍ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ فَلَا قَصْرَ لَهُ لِانْقِطَاعِ كُلِّ سَفْرَةٍ عَنْ الْأُخْرَى.
(وَلَوْ)(كَانَ لِمَقْصِدِهِ) بِكَسْرِ الصَّادِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ (طَرِيقَانِ) طَرِيقٌ (طَوِيلٌ) أَيْ مَرْحَلَتَانِ (وَ) طَرِيقٌ (قَصِيرٌ) لَا يَبْلُغُهُمَا (فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ) دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ إبَاحَةِ الْقَصْرِ (كَسُهُولَةٍ) لِلطَّرِيقِ، أَوْ رُخْصِ سِعْرِ بِضَاعَةٍ، أَوْ زِيَارَةٍ، أَوْ عِيَادَةٍ (أَوْ أَمْنٍ) كَفِرَارٍ مِنْ الْمَكَّاسِينَ (قَصَرَ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ الْمُبَاحُ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَ الْغَرَضُ تَنَزُّهًا؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ انْضَمَّ لَهُ مَا ذُكِرَ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ: إنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ التَّنَزُّهَ هُنَا لَيْسَ هُوَ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ بَلْ الْحَامِلُ عَلَيْهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ، وَلَكِنَّهُ سَلَكَ أَبْعَدَ الطَّرِيقَيْنِ لِلتَّنَزُّهِ فِيهِ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فِيمَا يَأْتِي فَإِنَّهُ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ كَانَ كَالتَّنَزُّهِ هُنَا، أَوْ كَانَ التَّنَزُّهُ هُوَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ كَانَ كَمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فِي تِلْكَ انْتَهَى. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّنَزُّهَ لِإِزَالَةِ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ كَانَ غَرَضًا صَحِيحًا دَاخِلًا فِيمَا قَدَّمَهُ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ سَلَكَهُ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ أَوْ بِلَا قَصْدِ شَيْءٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (فَلَا) يَقْصُرُ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ طَوَّلَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ فَكَانَ شَبِيهًا بِمَنْ سَلَكَ قَصِيرًا وَطَوَّلَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِتَرَدُّدِهِ فِيهِ حَتَّى بَلَغَ مَرْحَلَتَيْنِ. وَالثَّانِي يَقْصُرُ؛ لِأَنَّهُ طَوِيلٌ مُبَاحٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ مَا لَوْ كَانَا طَوِيلَيْنِ فَسَلَكَ أَطْوَلَهُمَا وَلَوْ لِغَرَضِ الْقَصْرِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِيهِ جَزْمًا، وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ فِيمَا إذَا سَلَكَ الْأَطْوَلَ لِغَيْرِ الْقَصْرِ فَقَطْ بِأَنَّ إتْعَابَ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ حَرَامٌ يُمْكِنُ رَدُّهُ بِأَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَا عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْقَصْرِ لِبَقَاءِ أَصْلِ السَّفَرِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ هَذَا) أَيْ فَإِنَّهُ وَإِنْ غَيَّرَ النِّيَّةَ فِيهِ إلَى مَسَافَةٍ يَمْتَنِعُ مَعَهَا الْقَصْرُ لَوْ كَانَتْ مَقْصُودَةً ابْتِدَاءً لَكِنَّهَا لَا تُنَافِي التَّرَخُّصَ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْ قَاصِدِهَا، وَكَذَا سُقُوطُ الْقَضَاءِ مَعَ التَّيَمُّمِ فِيهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ) عَوَّلَ عَلَى خَطِّهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْفَتْحُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ فِيهِ لُغَةً أُخْرَى (قَوْلُهُ مَا لَوْ كَانَ الْغَرَضُ تَنَزُّهًا) وَهُوَ إزَالَةُ الْكُدُورَةِ النَّفْسِيَّةِ بِرُؤْيَةِ مُسْتَحْسَنٍ يَشْغَلُهَا عَنْهَا اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّنَزُّهُ.
(قَوْلُهُ: انْضَمَّ لَهُ مَا ذَكَرَ) أَيْ وُجُودُ الشَّرْطِ.
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ) أَيْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: إنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُفَرَّقَ) أَيْ بَيْنَ التَّنَزُّهِ هُنَا وَبَيْنَ التَّنَقُّلِ الْآتِي.
(قَوْلُهُ: كَالتَّنَزُّهِ هُنَا) أَيْ فَيَقْصُرُ.
(قَوْلُهُ: لِإِزَالَةِ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِذَلِكَ طَبِيبٌ.
(قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْقَصْرِ فَقَطْ) وَفِي نُسْخَةٍ لِغَرَضِ الْقَصْرِ، وَمَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَوْفَقُ بِقَوْلِهِ بِأَنَّ إتْعَابَ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ أَصْلِ السَّفَرِ) هَذَا قَدْ يُشْكِلُ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّنَزُّهَ بِذَاتِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَقْصُودٍ آخَرَ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّنَزُّهَ لِإِزَالَةِ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ خِلَافُهُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الثَّانِي مَا ذَكَرَ مِنْ فَرْقِ الشَّيْخِ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ قَاسِمٍ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ اعْتِمَادَ الْأَوَّلِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ مُبَاحٌ وَقَدْ أَنَاطُوا التَّرَخُّصَ بِالسَّفَرِ الْمُبَاحِ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ إنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُفَرَّقَ) أَيْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ سَافَرَ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَاقِي كَلَامِهِ، وَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ قَبْلَ هَذَا مَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ فِي عِبَارَةِ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: سَلَكَ أَبْعَدَ الطَّرِيقَيْنِ لِيُبِيحَ لَهُ الْقَصْرَ فَقَطْ لَمْ يَقْصُرْ، وَيَقْصُرُ إنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَلَوْ تَنَزُّهًا. قَالَ الشَّارِحُ: بِخِلَافِ سَفَرِهِ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْقَاصِدَ فِي هَذَا غَيْرُ جَازِمٍ بِمَقْصِدٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الْقَاصِدَ فِيهِ كَالْهَائِمِ بِخِلَافِهِ فِي التَّنَزُّهِ وَالْوَجْهُ أَنْ يُفَرَّقَ إلَخْ.
عَلَى إبَاحَتِهِ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا عَلَّلَ بِهِ الْأَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْمُتَعَمِّدِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْغَالِطِ وَالْجَاهِلِ بِالْأَقْرَبِ فَإِنَّ الْأَوْجَهَ قَصْرُهُمَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا غَرَضٌ فِي سُلُوكِهِ.
(وَلَوْ)(تَبِعَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْجُنْدِيُّ) أَوْ الْأَسِيرُ (مَالِكَ أَمْرِهِ) وَهُوَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ وَالْأَمِيرُ وَالْآسِرُ (فِي السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُ كُلٌّ) مِنْهُمْ (مَقْصِدَهُ فَلَا قَصْرَ) لَهُمْ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ، وَهَذَا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ مَرْحَلَتَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ رُؤْيَةَ قَصْرِ مَتْبُوعِهِ الْعَالِمِ بِشُرُوطِ الْقَصْرِ بِمُجَرَّدِ مُفَارَقَتِهِ لِمَحَلِّهِ كَعِلْمِ مَقْصِدِهِ، بِخِلَافِ إعْدَادِهِ عُدَّةً كَثِيرَةً لَا تَكُونُ إلَّا لِلسَّفَرِ الطَّوِيلِ عَادَةً فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ تَيَقُّنَ سَفَرٍ طَوِيلٍ لِاحْتِمَالِهِ مَعَ ذَلِكَ لِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِمَفَازَةٍ قَرِيبَةٍ زَمَنًا طَوِيلًا (فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ) وَحْدَهُمْ دُونَ مَتْبُوعِهِمْ أَوْ جَهِلُوا (قَصَرَ الْجُنْدِيُّ دُونَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ قَهْرِ الْأَمِيرِ بِخِلَافِهِمَا فَنِيَّتُهُمَا كَالْعَدَمِ وَالْجَيْشُ تَحْتَ قَهْرِ الْأَمِيرِ فَنِيَّتُهُ كَالْعَدَمِ أَيْضًا، وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَرَّرَ فِي الْجُنْدِيِّ، إذْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْجَيْشُ تَحْتَ أَمْرِ الْأَمِيرِ وَطَاعَتِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْجَيْشَ إذَا بَعَثَهُ الْإِمَامُ وَأَمَّرَ أَمِيرًا عَلَيْهِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ شَرْعًا كَانَ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ طَاعَةُ سَيِّدِهِ.
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجُنْدِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَأْجَرًا وَلَا مُؤَمَّرًا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَأْجَرًا فَلَهُ حُكْمُ الْعَبْدِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُهُ عَلَى مُسْتَأْجَرٍ أَوْ مُؤَمَّرٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَالَفَ أَمْرَ الْأَمِيرِ وَسَافَرَ يَكُونُ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً فَلَا يَقْصُرُ أَصْلًا، أَوْ يُقَالُ الْكَلَامُ فِي مَسْأَلَتِنَا فِيمَا إذَا نَوَى جَمِيعُ الْجَيْشِ فَنِيَّتُهُمْ كَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ التَّخَلُّفُ عَنْ الْأَمِيرِ، وَالْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْجُنْدِيِّ الْوَاحِدِ مِنْ الْجَيْشِ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَتَهُ الْجَيْشَ مُمْكِنَةٌ فَاعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ هُنَا بِالْجَيْشِ، وَقَدْ أَشَارَ لِهَذَا الْأَخِيرِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُهُ مَالِكَ أَمْرِهِ لَا يُنَافِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْجُنْدِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَمِيرَ الْمَالِكَ لِأَمْرِهِ لَا يُبَالِي بِانْفِرَادِهِ عَنْهُ وَمُخَالَفَتِهِ لَهُ، بِخِلَافِ مُخَالَفَةِ الْجَيْشِ إذْ يَخْتَلُّ بِهَا نِظَامُهُ وَهَذَا أَوْجَهُ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ، وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ السَّفَرَ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَلْيُتَأَمَّلْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ هُنَا عَلَى مَنْعِ تَسْلِيمِ الْحُرْمَةِ، فَإِنَّ الْعُدُولَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ إتْعَابَ النَّفْسِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ الْحَاصِلَةُ فِي الطَّرِيقِ الْأَطْوَلِ قَرِيبَةً مِنْ الْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصِدِ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّكْضُ الْآتِي فَإِنَّهُ مَحْضُ عَبَثٍ، وَالتَّعَبُ مَعَهُ مُحَقَّقٌ أَوْ غَالِبٌ، أَوْ تُسَلَّمُ الْحُرْمَةُ وَيُحْمَلُ مَا يَأْتِي عَلَى مَا إذَا كَانَ الرَّكْضُ هُوَ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ وَمُقَارِنًا لِأَوَّلِ الْمُدَّةِ، لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ فَالْأَوْلَى الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَبِعَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ) أَيْ وَالْمُبَعَّضُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ كَالْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ فَفِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْعَبْدِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ فِي نَوْبَتِهِ ثُمَّ دَخَلَتْ نَوْبَةُ السَّيِّدِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَقَامَ فِي مَحَلِّهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَافَرَ وَتُرُخِّصَ لِعَدَمِ عِصْيَانِهِ بِالسَّفَرِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ سَافَرَتْ الْمَرْأَةُ بِإِذْنِ زَوْجِهَا ثُمَّ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهَا يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي سَافَرَتْ مِنْهُ أَوْ الْإِقَامَةُ بِمَحَلِّهَا إنْ لَمْ يَتَّفِقْ عَوْدُهَا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَتَمَّتْ السَّفَرَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِهِ مَعَ ذَلِكَ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَقَدْ يُقَالُ جَوَّزُوا الِاجْتِهَادَ فِي الطَّوِيلِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ قَصْدُ الْمَتْبُوعِ مَرْحَلَتَيْنِ بِقَرِينَةِ كَثْرَةِ الزَّادِ فَيَنْبَغِي جَوَازُ اعْتِمَادِ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْقَرَائِنِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا لَمْ يَكُونُوا مُسْتَقِلَّتَيْنِ لَمْ يُعْتَبَرْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ تَأَمَّلْ. وَقَدْ يُقَالُ: مَا وُجِّهَ بِهِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْعِلْمِ بِالْمَسَافَةِ وَقَدْ أُطْلِقَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي مَعْرِفَةِ طُولِ السَّفَرِ فِي الِابْتِدَاءِ فَشَمِلَ الْمُسْتَقِلَّ وَغَيْرَهُ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِمَا فَنِيَّتُهُمَا كَالْعَدَمِ) لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا لَوْ نَوَى الْأَسِيرُ مَسَافَةً غَيْرَ مَسَافَةِ آسِرِهِ لَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْفِرَادِ لَغْوٌ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْهَرَبِ هَرَبَ فَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ عَلِمَ الْأَسِيرُ طُولَ سَفَرِهِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَجَبَتْ طَاعَتُهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَوْ أَمَّرُوا أَمِيرًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي السِّيَرِ خِلَافُهُ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْجَهٌ) لَكِنْ يُحْتَاجُ عَلَيْهِ لِلْجَوَابِ عَمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مُسْتَأْجَرًا) أَيْ أَوْ مُؤَجَّرًا عَلَيْهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاحِدَ وَالْجَيْشَ مِثَالٌ، وَإِلَّا فَالْمَدَارُ عَلَى مَا يَخْتَلُّ بِهِ نِظَامُهُ لَوْ خَالَفَ وَمَا لَا يَخْتَلُّ بِذَلِكَ.
(وَمَنْ)(قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلًا فَسَارَ ثُمَّ نَوَى) وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ (رُجُوعًا) عَنْ مَقْصِدِهِ إلَى وَطَنِهِ مُطْلَقًا أَوْ غَيْرِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ (انْقَطَعَ) سَفَرُهُ بِمُجَرَّدِ نِيَّتِهِ حَيْثُ كَانَ نَازِلًا لَا سَائِرًا لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ مَعَ السَّيْرِ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فَنِيَّةُ الرُّجُوعِ مَعَهُ كَذَلِكَ، وَمَتَى قِيلَ بِانْتِهَاءِ سَفَرِهِ امْتَنَعَ قَصْرُهُ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ كَمَا جَزَمُوا بِهِ وَمَا أَفْهَمُهُ كَلَامُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّهُ يَقْصُرُ فَغَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ (فَإِنْ سَارَ) لِمَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ لِمَا خَرَجَ مِنْهُ (فَسَفَرٌ جَدِيدٍ) فَإِنْ كَانَ مَا أَمَامَهُ سَفَرُ قَصْرٍ تَرَخَّصَ بِمُفَارَقَةِ مَا تُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهُ وَإِلَّا فَلَا.
أَمَّا إذَا نَوَاهُ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِحَاجَةٍ فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِذَلِكَ، وَكُنْيَةُ الرُّجُوعِ فِيمَا ذُكِرَ التَّرَدُّدُ فِيهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيّ.
(وَ) ثَالِثُهَا جَوَازُ سَفَرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَصْرِ وَجَمِيعِ الرُّخَصِ إلَّا التَّيَمُّمَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، لَكِنْ مَعَ إعَادَةِ الصَّلَاةِ بِهِ كَمَا مَرَّ فَحِينَئِذٍ (لَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ) وَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَمُسَافِرٍ بِلَا إذْنٍ أَصْلًا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ فِيهِ وَمُسَافِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ قَادِرٌ عَلَى وَفَائِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ، إذْ مَشْرُوعِيَّةُ التَّرَخُّصِ فِي السَّفَرِ لِلْإِعَانَةِ وَالْعَاصِي لَا يُعَانُ؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، وَيَلْحَقُ بِمَنْ ذُكِرَ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ أَوْ يُسَافِرَ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ صَحِيحٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مُسْتَأْجَرًا أَوْ مُؤَمَّرًا عَلَيْهِ وَخَالَفَ الْأَمِيرَ يَكُونُ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا هُنَا فِيمَا إذَا نَوَى السَّفَرَ وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ بَقِيَ مَعَ الْأَمِيرِ وَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا سَافَرَ فَلَا تَنَافِيَ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ مَا حَكَاهُ قَبْلُ بِقِيلَ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: أَوْ يُقَالُ الْكَلَامُ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَخْ
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لِحَاجَةٍ أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: لَا سَائِرًا لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا نَوَى الرُّجُوعَ وَهُوَ سَائِرٌ لِغَيْرِ مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ لَا يَنْقَطِعُ تَرَخُّصُهُ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ سَارَ فَسَفَرٌ جَدِيدٌ.
(قَوْلُهُ: التَّرَدُّدُ فِيهِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ التَّرَدُّدُ
(قَوْلُهُ: يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ بِأَنْ أَرَادَ السَّفَرَ لِلْجِهَادِ وَأَصْلُهُ مُسَلَّمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِهِ.
(قَوْلُهُ: وَمُسَافِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ.
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ) أَيْ أَوْ ظَنِّ رِضَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْجِهَادِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمُعَاصَى) ظَاهِرُهُ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ مَحَلِّ رَبِّ الدَّيْنِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ أَوْ التَّوْكِيلُ فِي الْوَفَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى تَوْفِيَتِهِ إذَا قَدَرَ بِالتَّوْكِيلِ أَوْ نَحْوِهِ وَنَدِمَ عَلَى خُرُوجِهِ بِلَا إذْنٍ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْمَظَالِمِ وَعَزَمَ عَلَى رَدِّهَا إذَا قَدَرَ كَمَا اقْتَضَى كَلَامُ الشَّارِحِ فِي أَوَّلِ الْجَنَائِزِ فِيهِ قَبُولُ تَوْبَتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِمَنْ ذُكِرَ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ إلَخْ) هَذَا سَفَرُ مَعْصِيَةٍ فَمَا وَجْهُ الْإِلْحَاقِ، انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ، إلَّا أَنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ نَازِلًا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ مَاكِثٌ وَخَرَجَ بِهِمَا مَا إذَا كَانَ سَائِرًا إلَى مَقْصِدِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ: لَا سَائِرًا لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ فِيهِ قُصُورٌ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ سَارَ، وَلَفْظُ مَاكِثٍ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.
(قَوْلُهُ: وَيُلْحَقُ بِمَنْ ذَكَرَ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي سَفَرِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّ سَفَرَهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إتْعَابُ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ خِلَافًا لِمَنْ ادَّعَاهُ أَنَّ الْبَاعِثَ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ، فَالْحُرْمَةُ إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ إتْعَابِ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ بِأَنْ أَسْرَعَ فِي الْمَشْيِ وَرَكْضِ الدَّابَّةِ فَوْقَ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ هَذَا ظَاهِرَ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِيُلْحَقُ وَبِالرَّكْضِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته أَنَّ الثَّانِيَ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ قَرِيبًا وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ فِيمَا إذَا سَلَكَ الْأَطْوَلَ لِغَرَضِ الْقَصْرِ فَقَطْ بِأَنَّ إتْعَابَ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ حَرَامٌ يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَخْ، فَقَوْلُهُ: فِي الرَّدِّ لِبَقَاءِ أَصْلِ السَّفَرِ عَلَى إبَاحَتِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ السَّفَرَ إذَا كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ غَرَضًا صَحِيحًا لَا يَضُرُّ فِي إبَاحَتِهِ إتْعَابُ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا مَا ذَكَرَتْهُ.
نَعَمْ قَوْلُهُ: ثُمَّ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ حُرْمَةُ إتْعَابِ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ،
كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ، وَإِنْ قَالَ مُحَلَّيْ فِي الْأَكْلِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْحِلُّ وَفِي الثَّانِي أَنَّهُ مُبَاحٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ الرُّخَصُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُقَالَ: الْمُرَادُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ نَفْسَ الْمَعْصِيَةِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَمَا هُنَا الْحَامِلُ عَلَيْهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَالتِّجَارَةِ، لَكِنَّهُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ بِالرَّكْضِ فِي سَيْرِهِ لِذَلِكَ الْغَرَضِ فَكَانَ فِعْلُهُ هَذَا كَفِعْلِ الْعَاصِي فِي السَّفَرِ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ عَاصِيًا بِنَفْسِ الرَّكْضِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ أُلْحِقَ بِالْعَاصِي بِالسَّفَرِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ مُجَلَّيْ فِي الْأَوَّلِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: الْآتِي وَإِنْ قَالَ مُجَلِّي إلَخْ، الصَّرِيحُ فِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِالْحُرْمَةِ فِيمَا ذُكِرَ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا تَنَاقُضَ إذَا مَا مَرَّ ثُمَّ أَصْلُ السَّفَرِ فِيهِ لِبَاعِثٍ صَحِيحٍ وَمَا ذَكَرَ وَقَعَ بَعْدَ عَقْدِ السَّفَرِ الْمُبَاحِ فَلَمْ يَكُنْ حَرَامًا لِوُقُوعِهِ تَابِعًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّهُ لَا بَاعِثَ لَهُ عَلَى السَّفَرِ سَوْقُ عِبَارَةِ مُجَلِّي الْمُخَالِفِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَنَصُّهَا حَسَبَ مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ: فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي سَفَرِهِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: يَكُونُ عَاصِيًا، وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ كَرَكْضِ دَابَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ، وَكَذَلِكَ السَّفَرُ لِرُؤْيَةِ الْبِلَادِ وَالتَّنَزُّهِ فِيهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُبَاحٌ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ السَّفَرُ لِيَرَى الْبِلَادَ وَلَا أَرَبَ لَهُ سِوَاهُ. اهـ كَلَامُ مُجَلِّي. فَقَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي سَفَرِهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي سَفَرِهِ، يَكُونُ عَاصِيًا؛ لِأَنَّهُ مُتْعِبٌ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ، وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْ أَتْعَبَهُمَا لِغَيْرِ غَرَضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَفَرِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ ظَاهِرٌ فِيمَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهَا الْمَعْرُوفَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَيُصَرِّحُ بِهِ أَنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ فِي كَلَامِهِ عَلَى مَعْنَى هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا عُطِفَتْ عَلَيْهِ اكْتِفَاءً بِهَا لِعُمُومِهَا، ثُمَّ صَرَّحَ بِأَنَّ مُجَلِّيًا خَالَفَ فِي حُكْمِهَا مَعَ أَنَّ خِلَافَ مُجَلِّي مَعَ غَيْرِهِ إنَّمَا وَقَعَ أَصَالَةً فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي سَفَرِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَمَا عَرَفْت مِنْ عِبَارَتِهِ، فَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الشَّارِحِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَمُجَلِّي أَوْ يُسَافِرُ لِرُؤْيَةِ الْبِلَادِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، بَلْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُمَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، لَكِنْ يَتَعَيَّنُ أَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْته لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعَمُّ مِنْ الثَّانِي، وَعِبَارَتُهُ أَعَنَى الْأَذْرَعِيَّ بَعْدَ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَمِمَّا أُلْحِقَ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إتْعَابُ نَفْسِهِ وَتَعْذِيبُهُ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ لَا لِغَرَضٍ ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ لَمْ يَتَرَخَّصْ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: السَّفَرُ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا لَيْسَ مِنْ الْأَغْرَاضِ الصَّحِيحَةِ. اهـ.
نَصُّهَا: أَعَنَى عِبَارَةَ الْأَذْرَعِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَيْ النَّوَوِيِّ نَقَلَ ثَلَاثَ صُوَرٍ وَالْمُوَافَقَةُ عَلَيْهَا، وَعَزَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْأُولَةَ: أَيْ إتْعَابَ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ إلَى الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا: أَيْ مَسْأَلَةَ الِانْتِقَالِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَالسَّفَرِ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ انْتَهَتْ، فَجَعَلَ مُؤَدَّى الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَاحِدًا وَفِيهِ مَا قَدَّمْته، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى مَا بَحَثَهُ بِكَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَإِمَامِهِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ عِنْدَ الشَّارِحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ قَالَ مُجَلِّي إلَخْ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ عَنْهُ الشِّهَابُ حَجّ بِقَوْلِهِ وَمِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ إلَخْ، فَمَا وَجْهُ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ فِيهِ كَالرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِمَا وَيُلْحَقُ؟ قُلْت: وَجْهُهُ أَنَّ صُورَةَ السَّفَرِ فِيهِ لَيْسَتْ مَعْصِيَةً؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَيْهِ لَيْسَ إتْعَابَ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ، وَإِنَّمَا نَشَأَ مِنْ انْتِفَاءِ الْغَرَضِ فِي السَّفَرِ فَكَانَ السَّفَرُ حَيْثُ لَا غَرَضَ فِيهِ صَحِيحًا مَقْصُودُهُ إتْعَابُ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ الْمُسَافِرُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ السَّفَرِ لِنَحْوِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا الْبَاعِثَةُ عَلَيْهِ، فَكَانَ السَّفَرُ لَهَا سَفَرَ مَعْصِيَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَالصُّورَةُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْبَاعِثَ فِيهَا إتْعَابُ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ بِأَنْ لَاحَظَ الْمُسَافِرُ ذَلِكَ عِنْدَ سَفَرِهِ كَانَ السَّفَرُ كَسَفَرِ نَحْوِ السَّرِقَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَانَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ، وَبِمَا قَرَّرْته فِي هَذَا الْجَوَابِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الشِّهَابِ سم هَذَا سَفَرُ مَعْصِيَةٍ، فَمَا وَجْهُ الْإِلْحَاقِ. اهـ.
وَقَدْ اتَّضَحَ وَجْهُهُ بِمَا ذَكَرْته وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ مِمَّا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى السَّفَرِ فِي مَسْأَلَتِنَا غَرَضٌ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ أَتْعَبَ فِيهِ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ فَتَأَمَّلْهُ.
لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي أَنَّ فِعْلَ الرُّخْصَةِ مَتَى تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ، فَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ فِي نَفْسِهِ حَرَامًا امْتَنَعَ مَعَهُ فِعْلُ الرُّخْصَةِ وَإِلَّا فَلَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآبِقَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ كَالْبَالِغِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْإِثْمُ وَخَرَجَ بِالْعَاصِي بِسَفَرِهِ الْعَاصِي فِيهِ وَهُوَ مَنْ يَقْصِدُ سَفَرًا مُبَاحًا فَتَعْرِضُ لَهُ فِيهِ مَعْصِيَةٌ فَيَرْتَكِبُهَا فَلَهُ التَّرَخُّصُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ تَرَخُّصِهِ مُبَاحٌ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا (فَلَوْ)(أَنْشَأَ) سَفَرًا (مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً فَلَا تَرَخُّصَ) لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) مِنْ حِينِ جَعْلِهِ كَمَا لَوْ أَنْشَأَهُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ.
وَالثَّانِي يَتَرَخَّصُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِ السَّفَرِ مُبَاحًا فِي ابْتِدَائِهِ، فَإِنْ تَابَ تَرَخَّصَ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ نَظَرًا لِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ مِمَّا يُوهَمُ خِلَافَهُ مُؤَوَّلٌ (وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا) بِهِ (ثُمَّ تَابَ) تَوْبَةً صَحِيحَةً (فَمَنْشَأُ السَّفَرِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ) فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَحَلِّهَا وَمَقْصِدِهِ مَرْحَلَتَانِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا. وَفَارَقَ مَا مَرَّ بِتَقْصِيرِهِ بِإِنْشَائِهِ عَاصِيًا فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّخْفِيفُ، وَمَا لَا يُشْتَرَطُ لِلتَّرَخُّصِ طُولُهُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ يَسْتَبِيحُهُ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ مُطْلَقًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا صَحِيحَةً مَا لَوْ عَصَى بِسَفَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ تَابَ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ بَلْ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ، وَمِنْ وَقْتِ فَوَاتِهَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ نَوَى الْكَافِرُ أَوْ الصَّبِيُّ سَفَرَ قَصْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ فِي الطَّرِيقِ قَصَرَ فِي بَقِيَّتِهِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ قَصْرِ الصَّبِيِّ دُونَ مَنْ أَسْلَمَ.
(وَ) رَابِعُهَا عَدَمُ اقْتِدَائِهِ بِمُتِمٍّ (وَلَوْ) احْتِمَالًا، فَمَتَى (اقْتَدَى بِمُتِمٍّ) وَلَوْ مُسَافِرًا (لَحْظَةً) كَأَنْ أَدْرَكَهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَلَوْ تَامَّةً فِي نَفْسِهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
هُوَ قَوْلُهُ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ وَقَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ رُؤْيَةُ الْبِلَادِ.
(قَوْلُهُ: كَالْبَالِغِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْإِثْمُ) أَيْ فَإِذَا سَافَرَ الصَّبِيُّ بِلَا إذْنٍ مِنْ وَلِيِّهِ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَبِهِ صَرَّحَ سم، وَكَذَا النَّاشِزَةُ الصَّغِيرَةُ؛ وَيُنْظَرُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ بَلَغَ مَرْحَلَتَيْنِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُصَاةً حَالَ السَّفَرِ لَهُمْ حُكْمُ الْعُصَاةِ. وَقَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ يَقْصُرُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ سَافَرَ بِلَا إذْنٍ مِنْ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاصٍ، وَامْتِنَاعُ الْقَصْرِ فِي حَقِّهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ مَا هُوَ بِصُورَةِ الْمَعْصِيَةِ وَلَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ لَهُ حُكْمُ الْعَاصِي وَأَنَّى بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا) أَيِّ، وَكَذَا فِيهَا كَأَنْ سَارَ لِمَقَاصِدِهِ وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَالسَّيْرُ مُبَاحٌ مَعَ إثْمِهِ بِالشُّرْبِ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ أَنْشَأَ سَفَرًا مُبَاحًا) أَيْ شَرَعَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ: فَإِنْ تَابَ فَأَوَّلُهُ مَحَلُّ تَوْبَتِهِ انْتَهَى.
وَتَأْوِيلُهَا كَأَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ مَحَلُّ تَوْبَتِهِ: أَيْ حَيْثُ ابْتَدَأَ سَفَرَهُ مَعْصِيَةً، فَإِنْ ابْتَدَأَهُ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً ثُمَّ تَابَ تُرُخِّصَ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: فَمَنْشَأُ السَّفَرِ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالشِّينِ: أَيْ فَمَوْضِعُ إنْشَاءِ السَّفَرِ يُعْتَبَرُ مِنْ حِينِ إلَخْ. هَذَا وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ فَمُنْشِئُ السَّفَرِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الشِّينِ انْتَهَى. وَهِيَ تُفِيدُ أَنَّهُ اسْمٌ لِذَاتِ الْمُسَافِرِ لَا لِمَكَانِ السَّفَرِ وَمَآلُهَا وَاحِدٌ.
(قَوْلُهُ: وَفَارِقُ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَنْشَأَهُ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً ثُمَّ تَابَ يَتَرَخَّصُ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ مُطْلَقًا) بَقِيَ مَرْحَلَتَانِ أَمْ لَا؟ (قَوْلُهُ: حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ) أَيْ بِسَلَامِ الْإِمَامِ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ غَلَبَةِ ظَنِّهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَتَرَخَّصُ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ إدْرَاكُهَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ الصَّبِيُّ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ بِصُورَةِ الْمَعْصِيَةِ بِأَنْ كَانَ آبِقًا أَوْ نَاشِزَةً أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآبِقَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ كَالْبَالِغِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْإِثْمُ.
(قَوْلُهُ: قَصَرَ فِي بَقِيَّتِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَلَا مَعْصِيَةَ، فَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِمَا ذَكَرَ لِلرَّدِّ عَلَى الْبَغَوِيّ (قَوْلُهُ: قَصَرَ فِي بَقِيَّتِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُسَافِرًا لَحْظَةً) وَلَوْ دُونَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ حَجّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ احْتِمَالًا) قَدْ يُقَالُ يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ قَصَرَ.
كَصُبْحٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ مَغْرِبٍ أَوْ نَحْوِ عِيدٍ أَوْ رَاتِبَةٍ وَلَا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا تَامَّةٌ فِي نَفْسِهَا (لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ) لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّهُ السُّنَّةُ، وَالْأَوْجَهُ جَوَازُ قَصْرِ مُعَادَةٍ صَلَّاهَا أَوَّلًا مَقْصُورَةً وَفَعَلَهَا ثَانِيًا إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا بِقَاصِرٍ، وَلَوْ لَزِمَ الْإِمَامَ الْإِتْمَامُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمَأْمُومِ نَفْسَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِمَامٍ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، إذْ مُتِمٌّ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي حَالِ التَّلَبُّسِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْإِتْمَامَ حَالَ الِاقْتِدَاءِ فَلَا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَتَنْعَقِدُ صَلَاةُ الْقَاصِرِ خَلْفَ مُتِمٍّ جَهِلَ الْمَأْمُومُ وَتَلْغُو نِيَّةُ الْقَصْرِ، بِخِلَافِ الْمُقِيمِ لَوْ نَوَى الْقَصْرَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ وَالْمُسَافِرُ مِنْ أَهْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ صَارَ مُقِيمًا.
(وَلَوْ رَعَفَ) بِتَثْلِيثِ عَيْنِهِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَهُوَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ (الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ) الْقَاصِرُ (وَاسْتَخْلَفَ) لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِرُعَافِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ سَوَاءٌ أَكَانَ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا لِاخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْفَضَلَاتِ مَعَ نُدْرَتِهِ فَلَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَقَالَ الْقَمُولِيُّ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ رَدًّ اعَلَى أَبِي غَانِمٍ صَاحِبِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي تَأْوِيلِ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِخْلَافِ بِعُذْرٍ وَهَذَا اسْتِخْلَافٌ قَبْلَ وُجُودِ الدَّمِ لِتَكْثِيرِ الْمُبْطِلِ لِلصَّلَاةِ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الرُّعَافِ لَا يُبْطِلُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِتَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ، لَكِنَّ النَّوَوِيَّ رَجَّحَ الْعَفْوَ عَنْ الْكَثِيرِ أَيْضًا. وَفِي الْمَجْمُوعِ حِكَايَةُ مَا ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ، قَالَ الْبَكْرِيُّ: وَمَا يُتَخَيَّلُ أَنَّ فِي دَمِ الرُّعَافِ غَيْرَهُ مِنْ الْفَضَلَاتِ خَيَالٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ اهـ.
وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ (مُتِمًّا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدِيًا بِهِ (أَتَمَّ الْمُقْتَدُونَ) الْمُسَافِرُونَ وَلَوْ لَمْ يَنْوُوا الِاقْتِدَاءَ بِهِ لِصَيْرُورَتِهِمْ مُقْتَدِينَ بِهِ حُكْمًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ وَمِنْ ثَمَّ لَحِقَهُمْ سَهْوُهُ وَتَحَمَّلَ سَهْوَهُمْ. نَعَمْ لَوْ نَوَوْا فِرَاقَهُ عِنْدَ إحْسَاسِهِ بِأَوَّلِ رُعَافِهِ أَوْ حَدَثِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: صَلَّاهَا أَوَّلًا مَقْصُورَةً) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْأُولَى كَوْنُهَا مَقْصُورَةً؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ فِعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا بِصِفَتِهِ الْأُولَى. لَا يُقَالُ: عَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ إعَادَتُهَا تَامَّةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا كَانَ التَّمَامُ هُوَ الْأَصْلُ وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى نِيَّتِهِ يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ لِلْأَصْلِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَأْمُومِ.
(قَوْلُهُ: وَتَنْعَقِدُ صَلَاةُ الْقَاصِرِ) أَيْ تَامَّةً، فَالْمُرَادُ مَنْ نَوَى الْقَصْرَ خَلْفَ إلَخْ لَا أَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِالْقَصْرِ حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَتِهِ مَعَ كَوْنِهِ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً
(قَوْلُهُ: وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ) قَالَ ع: وَالضَّمُّ ضَعِيفٌ وَالْكَسْرُ أَضْعَفُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَمُولِيُّ فِي الْبَحْرِ) أَيْ وَهُوَ شَرْحُ الْوَسِيطِ لَهُ وَاخْتَصَرَ مِنْهُ الْجَوَاهِرَ (قَوْلُهُ: قَالَ الْبَكْرِيُّ) أَيْ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ لَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَمُولِيُّ إلَخْ) أَيْ مُخَالِفًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ مَنْ ذَكَرَ، فَغَرَضُ الشَّارِحِ مِنْ ذِكْرِهِ بَيَانُ خِلَافِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ الْخِلَافُ) مَقُولُ قَوْلِ الْقَمُولِيِّ (قَوْلُهُ: فَقَدْ صَرَّحَ) أَيْ الْقَمُولِيُّ، وَهَذَا أَوَّلُ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدَ كَلَامِ الْقَمُولِيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِتَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ) أَيْ فِي أَصْلِ مَسْأَلَةِ الدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ الْإِنْسَانِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَا فِي خُصُوصِ مَسْأَلَةِ الرُّعَافِ وَإِنْ تُوُهِّمَ، وَإِلَّا لَنَافَى قَوْلَهُ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، وَقَوْلُهُ: لَكِنَّ النَّوَوِيَّ رَجَّحَ الْعَفْوَ عَلَى الْكَثِيرِ أَيْضًا: أَيْ فِي مُطْلَقِ دَمِ الْإِنْسَانِ كَمَا عَرَفْت: أَيْ وَالرُّعَافُ مُسْتَثْنًى لِمَا مَرَّ مِنْ الْعِلَّةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَرَضَ الشَّارِحِ وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَتِهِ قَلَاقَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ فُهِمَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ مُخْتَارَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ طِبْقَ مَا مَرَّ لَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ تَبَعًا لِوَالِدِهِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ كَلَامَ الْقَمُولِيِّ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُخَالِفِ لِاخْتِيَارِهِ، وَقَوْلُهُ: فِيهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِتَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ لَكِنَّ النَّوَوِيَّ رَجَّحَ إلَخْ مِنْ بَابِ التَّنَزُّلِ مَعَ الْقَمُولِيِّ كَأَنَّهُ يَقُولُ حَيْثُ لَمْ يَسْتَثْنِ نَحْوَ الرُّعَافِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْعِلَّةِ مِنْ مُطْلَقِ دَمِ الْإِنْسَانِ، فَتَقْيِيدُهُ بِالْكَثِيرِ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ وُجُودِ الدَّمِ الْكَثِيرِ الْمُبْطِلِ لِلصَّلَاةِ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ الْمَارَّةِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَالنَّوَوِيُّ رَجَّحَ الْعَفْوَ فِي دَمِ الْإِنْسَانِ مُطْلَقًا: أَيْ بِشَرْطِهِ،
قَبْلَ تَمَامِ اسْتِخْلَافِهِ قَصَرُوا اكَمَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ هُوَ وَلَا الْمَأْمُومُ أَوْ اسْتَخْلَفَ قَاصِرًا (وَكَذَا لَوْ عَادَ الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِهِ) يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِاقْتِدَائِهِ بِمُتِمٍّ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَاسْتَخْلَفَ مُتِمًّا عَمَّا لَوْ اسْتَخْلَفَ قَاصِرًا أَوْ اسْتَخْلَفُوهُ أَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفُوا أَحَدًا فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْمُتِمُّونَ مُتِمًّا وَالْقَاصِرُونَ قَاصِرًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ (وَلَوْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ مُقْتَدِيًا فَفَسَدَتْ) بَعْدَ ذَلِكَ (صَلَاتُهُ أَوْ صَلَاةُ إمَامِهِ أَوْ بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا) أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ ذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ لِمَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ هَؤُلَاءِ وَحُصُولِ الْجَمَاعَةِ بِهِمْ (أَتَمَّ) ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ قَصْرُهَا كَفَائِتَةِ الْحَضَرِ، وَخَرَجَ " بِفَسَدَتْ " صَلَاتُهُ مَا لَوْ بَانَ عَدَمُ انْعِقَادِهَا فَلَهُ قَصْرُهَا، وَالضَّابِطُ كَمَا أَفَادَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا عَرَضَ بَعْدَ مُوجِبِ الْإِتْمَامِ فَسَادَهُ يَجِبُ إتْمَامُهُ وَمَا لَا فَلَا، وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْإِتْمَامُ، وَلَوْ فَقَدَ الطَّهُورَيْنِ فَشَرَعَ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ فِيهَا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: قَصَرَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ صَلَاةٍ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ شَرْعِيَّةٍ بَلْ تُشْبِهُهَا، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْأُوَلُ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةً شَرْعِيَّةً لَمْ يَسْقُطْ بِهَا طَلَبُ فِعْلِهَا وَإِنَّمَا أَسْقَطَ حُرْمَةَ الْوَقْتِ فَقَطْ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ بِمَنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ أَعَادَهَا.
(وَلَوْ)(اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا) فَنَوَى الْقَصْرَ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مُطْلَقًا، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لحج حَيْثُ قَالَ بِالْعَفْوِ عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْمَنَافِذِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ تَمَامِ اسْتِخْلَافِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ مَعَهُ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ عَادَ الْإِمَامُ) حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَوْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِهَذِهِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا أَعَادَ ذَلِكَ هُنَا دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ مَتْبُوعًا لَا يَصِيرُ تَابِعًا لِخَلِيفَتِهِ فَلَا يَسْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ.
(قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَاسْتَخْلَفَ مُتِمًّا) بَيَّنَ بِهِ كَوْنَهُ مُحْتَرَزَ الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ هُوَ وَلَا الْمَأْمُومُونَ أَوْ اسْتَخْلَفَ قَاصِرًا (قَوْلُهُ: أَوْ بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا) أَيْ بَعْدَ لُزُومِ الْإِتْمَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ الْحَدَثُ قَبْلَ لُزُومِ الْإِتْمَامِ أَوْ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ قَاصِرٍ فِي ظَنِّهِ.
(قَوْلُهُ: مَا لَوْ بَانَ عَدَمُ انْعِقَادِهَا) أَيْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِأَنْ بَانَ لَهُ حَدَثُ نَفْسِهِ أَوْ نَجَاسَةٌ فِي نَحْوِ بَدَنِهِ أَوْ لِكَوْنِ إمَامِهِ ذَا نَجَاسَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ أُمِّيًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: لَزِمَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْإِتْمَامُ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ تَامَّةً بِإِحْرَامِهِ مُنْفَرِدًا لِعَدَمِ نِيَّتِهِ الْقَصْرَ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مُقْتَدِيًا لَيْسَ بِقَيْدٍ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوَهُ لَيْسَ لَهُ صَلَاةٌ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الصَّلَاةِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَاءً فِي الْوَقْتِ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ وِجْدَانِهِ وَأَنَّهُ مَا دَامَ يَرْجُو الْمَاءَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ بَنَى صَلَاتَهُ عَلَى ظَنٍّ بَانَ خَطَؤُهُ فَتَبَيَّنَ عَدَمُ انْعِقَادِ صَلَاتِهِ فَيُعِيدُهَا مَقْصُورَةً وَلَا يَكُونُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ.
(قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرَهُ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الْأُوَلُ) أَيْ جَوَازُ الْقَصْرِ وَهَلْ لَهُ الْجَمْعُ أَيْضًا؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَسَيَأْتِي عَنْ الشَّارِحِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي مَا يُفِيدُ أَنَّهُ كَالْمُتَحَيِّرَةِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ تَقْدِيمًا لَا تَأْخِيرًا فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَسْقُطْ بِهَا طَلَبُ فِعْلِهَا) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهَا حَيْثُ وُصِفَتْ بِالصِّحَّةِ سَقَطَ بِهَا طَلَبُ الْفِعْلِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ حَيْثُ كَانَ فَبِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: إنَّ الصِّحَّةَ إسْقَاطُ الطَّلَبِ. وَقِيلَ فِي الْعِبَادَةِ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ، فَلَعَلَّ الشَّارِحَ جَرَى عَلَى الثَّانِي أَوْ أَرَادَ بِطَلَبِ الْفِعْلِ الْقَضَاءَ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
فَلَوْ جَرَى الْقَمُولِيُّ عَلَى طَرِيقَتِهِ لَمْ يُقَيِّدْ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ) هُوَ قَاصِرٌ عَلَى مَا إذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا إلَخْ) هَذَا مِنْ أَفْرَادِ الضَّابِطِ.
(قَوْلُهُ: هُوَ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ إنَّهُ نَوَاهُ
حَالِ الْمُسَافِرِ أَنَّهُ نَوَاهُ (فَبَانَ مُقِيمًا) يَعْنِي مُتِمًّا وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا أَتَمَّ حَتْمًا، أَمَّا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا ثُمَّ مُقِيمًا أَوْ بَانَا مَعًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ حَقِيقَةً بَاطِنًا لِحَدَثِهِ (أَوْ) اقْتَدَى نَاوِيًا الْقَصْرَ (بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ) بِأَنْ تَرَدَّدَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا (أَتَمَّ) لُزُومًا وَإِنْ بَانَ مُسَافِرًا قَاصِرًا لِظُهُورِ شِعَارِ الْمُسَافِرِ غَالِبًا وَالْأَصْلُ الْإِتْمَامُ، وَلَوْ صَحَّتْ الْقُدْوَةُ بِأَنْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ بَانَ مُقِيمًا أَتَمَّ وَإِنْ عَلِمَ حَدَثَهُ أَوَّلًا، وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ مَعَ تَبَيُّنِ حَدَثِ إمَامِهَا الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ لِلِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِصُورَةِ الْجَمَاعَةِ، بَلْ حَقِيقَتِهَا لِقَوْلِهِمْ إنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ جَمَاعَةً كَامِلَةٌ كَمَا مَرَّ، وَلَمْ يُكْتَفَ بِذَلِكَ فِي إدْرَاكِ الْمَسْبُوقِ الرَّكْعَةَ خَلْفَ الْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ تَحَمُّلَهُ عَنْهُ رُخْصَةٌ وَالْمُحْدِثُ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَانْدَفَعَ مَا لِلْإِسْنَوِيِّ هُنَا (وَلَوْ عَلِمَهُ) أَوْ ظَنَّهُ؛ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ الْعِلْمَ كَثِيرًا وَيُرِيدُونَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ (مُسَافِرًا وَشَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ (فِي نِيَّتِهِ) الْقَصْرَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ حَنَفِيٍّ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ فَجَزَمَ هُوَ بِنِيَّتِهِ الْقَصْرَ (قَصَرَ) إذَا بَانَ قَاصِرًا؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ وَلَا تَقْصِيرَ فَإِنْ بَانَ مُتِمًّا أَتَمَّ.
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ عَمَّا لَوْ عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَلَمْ يَشُكَّ كَأَنْ كَانَ الْإِمَامُ حَنَفِيًّا فِي دُونِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ فَلَهُ قَصْرُهَا
(قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا) أَيْ مِنْ ابْتِدَائِهِ الصَّلَاةَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْحَدَثُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ صَحَّتْ الْقُدْوَةُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ بَانَ) غَايَةُ (قَوْلِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ) أَيْ الْإِمَامُ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ بَانَ مُقِيمًا) أَتَمَّ أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اقْتَدَى قَبْلَ الْحَدَثِ بِمُتِمٍّ (قَوْلُهُ: بَلْ حَقِيقَتُهَا) أَيْ بَلْ بِوُجُودِ حَقِيقَتِهَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ ظَنَّهُ) الْأَوْلَى: أَيْ ظَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ الْعِلْمَ كَثِيرًا إلَخْ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ ظَنَّهُ: بَلْ كَثِيرًا مَا يُرِيدُونَ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ انْتَهَى. فَلَمْ يُجْعَلُ ذَلِكَ تَعْلِيلًا لِعَطْفِ الظَّنِّ، بَلْ أَفَادَ بِهِ أَنَّ الظَّنَّ دَاخِلٌ فِي عِبَارَتِهِ.
(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ غَيْرَ حَنَفِيٍّ) وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ حَنَفِيًّا وَاقْتَدَى بِهِ مَنْ عَلِمَهُ مُسَافِرًا بَعْدَ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ نَوَى الْإِتْمَامَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِإِتْمَامِ إمَامِهِ وَيُحْمَلُ عَلَى السَّهْوِ أَوْ لَا، كَمَا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُهُ ثُمَّ إقَامَتُهُ لِعَدَمِ الْقُدْوَةِ حَقِيقَةً؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي. وَلَا يُقَالُ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ فِي تَبَيُّنِ الْحَدَثِ تَبَيَّنَ لَهُ عَدَمُ حَقِيقَةِ الْقُدْوَةِ وَهُنَا الْقُدْوَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَحَلُّ كَوْنِ الْعِبْرَةِ بِعَقِيدَةِ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ نَاسِيًا كَمَا مَرَّ عَنْ صَاحِبِ الْخَوَاطِرِ السَّرِيعَةِ وَهُنَا لَمْ يُعْلَمْ نِسْيَانُهُ أَوْ تَعَمُّدُهُ عَلَى أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ نِسْيَانِهِ هُنَا بَعْدَ نِيَّةِ الْقَصْرِ مِنْهُ مَا فَعَلَهُ يَكُونُ لَغْوًا حَتَّى عِنْدَنَا.
(قَوْلُهُ: فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُجَوِّزُ الْقَصْرَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ خُرُوجًا مِنْ إيجَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَصْرَ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِتْمَامَ فِي الثَّانِي انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَنْشَأَ الشَّكِّ هُنَا تَجْوِيزُ أَنَّ إمَامَهُ قَلَّدَ الشَّافِعِيَّ مَثَلًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ حَنَفِيًّا وَعَلَيْهَا فَلَا يُرَدُّ مَا ذَكَرَ.
(قَوْلُهُ: قَصَرَ) لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا أَنَّهُ ثَمَّ لَمَّا جَهِلَ سَفَرَ الْإِمَامِ كَانَ الْحَاصِلُ عِنْدَهُ مَحْضَ التَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الْقَصْرُ وَإِنْ عَلِمَ سَفَرَ إمَامِهِ، وَهُنَا لَمَّا عَلِمَ سَفَرَهُ أَوْ ظَنَّهُ وَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ نِيَّةَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: حَقِيقَةً بَاطِنًا) الْأَوْلَى بَلْ الصَّوَابُ حَذْفُهُمَا (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا) كَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ ذَاهِلٌ عِنْدَ النِّيَّةِ عَنْ حَالَةِ الْإِمَامِ لَمْ تَخْطِرْ بِبَالِهِ لَكِنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ اعْتِبَاطًا (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ شِعَارِ الْمُسَافِرِ غَالِبًا) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: لِقَصِيرِهِ بِشُرُوعِهِ مُتَرَدِّدًا فِيمَا يَسْهُلُ كَشْفُهُ لِظُهُورِ شِعَارِ الْمُسَافِرِ غَالِبًا، فَلَعَلَّ صَدْرَ الْعِبَارَةِ أَسْقَطَهُ النُّسَّاخُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: بَلْ حَقِيقَتُهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلِاكْتِفَاءِ لَا عَلَى مَدْخُولِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ الْعِلْمَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يُنَاسِبُ الْعَطْفَ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: أَوْ ظَنَّهُ بَلْ كَثِيرًا مَا يُرِيدُونَ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ، فَأَشَارَ إلَى جَوَابَيْنِ (قَوْلُهُ: غَيْرَ حَنَفِيٍّ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ) إنَّمَا قَيَّدَ بِالْحَنَفِيِّ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّ فِي أَقَلِّ مِنْ الثَّلَاثِ مُتَيَقِّنُ الْإِتْمَامِ وَفِيمَا فَوْقَهَا مُتَيَقِّنُ الْقَصْرِ فَلَا تُتَصَوَّرُ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ غَيْرَ الْحَنَفِيِّ بِمَا إذَا كَانَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لِيَبْقَى الشَّكُّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَبِالْأَوْلَى إذَا كَانَ فَوْقَ الثَّلَاثِ، لَكِنَّ الْمَوْجُودَ حِينَئِذٍ ظَنٌّ لَا شَكٌّ، إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ حِينَئِذٍ الْقَصْرُ حُمِدَ لَهُ عَلَى الْكَمَالِ مِنْ الْعَمَلِ بِالسُّنَّةِ
ثَلَاثِ مَرَاحِلَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ لِامْتِنَاعِ الْقَصْرِ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْمَسَافَةِ، وَيَتَّجِهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ مَا إذَا أَخْبَرَ الْإِمَامُ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِأَنَّ عَزْمَهُ الْإِتْمَامُ.
(وَلَوْ)(شَكَّ فِيهَا) أَيْ فِي نِيَّةِ إمَامِهِ (فَقَالَ) مُعَلِّقًا عَلَيْهَا فِي نِيَّتِهِ (إنْ قَصَرَ قَصُرَتْ وَإِلَّا) بِأَنْ أَتَمَّ (أَتْمَمْت)(قَصَرَ فِي الْأَصَحِّ) إنْ قَصْر وَلَا يَضُرُّ تَعْلِيقُهَا عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ أَنَّ مَحَلَّ اخْتِلَالِ النِّيَّةِ بِالتَّعْلِيقِ مَا لَمْ يَكُنْ تَصْرِيحًا بِمُقْتَضَى الْحَالِ وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ.
وَالثَّانِي لَا يَقْصُرُ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ، أَمَّا لَوْ بَانَ إمَامُهُ مُتِمًّا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ كُنْت نَوَيْت الْإِتْمَامَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِتْمَامُ أَوْ نَوَيْت الْقَصْرَ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ مَا نَوَاهُ الْإِمَامُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ احْتِيَاطًا.
(وَ) خَامِسُهَا نِيَّةُ الْقَصْرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَصَلَاةِ السَّفَرِ أَوْ الظُّهْرِ مَثَلًا رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ (يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ نِيَّتُهُ) لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَاحْتَاجَ لِصَارِفٍ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْإِتْمَامِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تُوجَدَ بِنِيَّةٍ (فِي الْإِحْرَامِ) كَبَقِيَّةِ النِّيَّاتِ بِخِلَافِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ طُرُوُّ الْجَمَاعَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ كَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ هُنَا يُرْجَعُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْقَصْرِ لَا يُمْكِنُ طُرُوُّهُ عَلَى الْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ كَمَا تَقَرَّرَ.
(وَ) سَادِسُهَا (التَّحَرُّرُ عَنْ مُنَافِيهَا) أَيْ نِيَّةِ الْقَصْرِ (دَوَامًا) أَيْ فِي دَوَامِ الصَّلَاةِ بِأَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي الْإِتْمَامِ فَضْلًا عَنْ الْجَزْمِ بِهِ كَمَا قَالَ (وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَمْ يُتِمُّ) أَتَمَّ (أَوْ) تَرَدَّدَ أَيْ شَكَّ (فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا)(أَتَمَّ) وَلَوْ تَذَكَّرَ حَالًا أَنَّهُ نَوَاهُ لِتَأْدِيَتِهِ جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ حَالَ تَرَدُّدِهِ عَلَى التَّمَامِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ قَسِيمٌ لِمَنْ أَحْرَمَ قَاصِرًا لَا قَسْمَ مِنْهُ رُدَّ بِأَنَّ كَوْنَهُ قَاصِرًا فِي أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَشْكُوكِ فِيهِمَا لَا يُسَوِّغُ جَعْلَهُ قِسْمًا وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ وَلَمْ يُصَدِّرْهُمَا بِالْفَاءِ. قَالَ الشَّارِحُ لِضَمِّهِ إلَيْهِمَا فِي الْجَوَابِ مَا لَيْسَ مِنْ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ اخْتِصَارًا فَقَالَ (أَوْ)(قَامَ) عَطْفٌ عَلَى أَحْرَمَ (إمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَشَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ (هَلْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْقَصْرِ كَانَتْ نِيَّتُهُ مَبْنِيَّةً عَلَى أَصْلٍ رَاجِحٍ وَهُوَ نِيَّةُ الْقَصْرِ فَاكْتُفِيَ بِهِ وَصَارَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا عَلَى قَصْرِ الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ إحْرَامِهِ) أَيْ الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ عَزْمَهُ الْإِتْمَامُ) أَيْ فَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ الْإِتْمَامُ وَإِنْ قَصَرَ إمَامُهُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ تَنْعَقِدُ تَامَّةً لِظَنِّهِ إتْمَامَ إمَامِهِ
(قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ) أَيْ وَلَوْ فَاسِقًا؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ: أَيْ بِحَدَثٍ مَثَلًا، ثُمَّ إنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ فَرَاغِ الْمَأْمُومِ مِنْ صَلَاتِهِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ بَعْدَ سَلَامِ الْمَأْمُومِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِنِيَّةِ الْقَصْرِ أَوَّلًا، فَإِنَّ قِصَرَ الْفَصْلِ بَيْنَ السَّلَامِ وَالْإِخْبَارَ بُنِيَ عَلَى مَا فَعَلَهُ، وَإِنْ طَالَ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ مَا نَوَاهُ) أَيْ كَأَنْ اقْتَدَى بِهِ وَلَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الْإِحْرَامَ وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ الْقَصْرَ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَذَهَبَ إلَى سَبِيلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ هُنَا) غَيْرُ الِانْفِرَادِ يُرْجَعُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ فِي النِّيَّةِ فَيَرْجِعُ إلَى الْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ بِخِلَافِ الْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَيَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ انْتَهَى وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ لحج
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَذَكَّرَ) غَايَةُ (قَوْلِهِ لِتَأْدِيَتِهِ جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى لَيْسَ فِيهَا شَكٌّ فِي النِّيَّةِ، لَكِنَّ تَرَدُّدَهُ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ مُنَافٍ لِلْجَزْمِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ.
(قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ) هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ تَرَدُّدٌ فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ.
(قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى أَحْرَمَ) الْأَوْلَى عَطَفَهُ عَلَى تَرَدَّدَ؛ لِأَنَّ عَطْفَهُ عَلَى أَحْرَمَ يُصَيِّرُ التَّقْدِيرَ أَوْ لَمْ يُحْرِمْ قَاصِرًا بَلْ أَحْرَمَ مُتِمًّا وَقَامَ إمَامُهُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ مَعَ الْمَعْطُوفِ بِأَوْ نَقِيضُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ صُورَتُهُ أَنَّهُ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ قَامَ إمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَتَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ نَوَى إلَى آخِرِهِ، وَعَلَى هَذَا يُشْكِلُ جَعْلُ هَذِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ الْجَوَابَ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِضَمِّهِ إلَيْهَا فِي الْجَوَابِ مَا لَيْسَ مِنْ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ) فِي كَوْنِ مَا ذُكِرَ لَيْسَ مِنْ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ وَقْفَةٌ، فَإِنَّ التَّرَدُّدَ قَائِمٌ فِيهِ بِالْمُقْتَدِي وَهُوَ مُنَافٍ لِنِيَّةِ الْقَصْرِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ التَّرَدُّدَ هُنَا فِي فِعْلِ الْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ التَّرَدُّدِ قَائِمًا بِالْمُقْتَدِي، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَالْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ مِنْ تَوْجِيهِ كَلَامِ
هُوَ مُتِمٌّ أَوْ سَاهٍ) (أَتَمَّ) ، وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ كَوْنُهُ سَاهِيًا كَمَا لَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ نَفْسِهِ وَفَارَقَ هَذَا مَا مَرَّ مِنْ نَظِيرِهِ فِي الشَّكِّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ حَيْثُ لَا يَضُرُّ لَوْ تَذَكَّرَ عَنْ قُرْبٍ بِأَنَّ زَمَنَهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ مَعَ قُرْبِ زَوَالِهِ غَالِبًا، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الْمَوْجُودَ حَالَ الشَّكِّ مَحْسُوبٌ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ الْإِتْمَامَ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ، فَصَارَ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى التَّمَامِ كَمَا مَرَّ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَفَارَقَ أَيْضًا مَا مَرَّ فِي شَكِّهِ فِي نِيَّةِ الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ ابْتِدَاءً بِأَنْ ثَمَّ قَرِينَةٌ عَلَى الْقَصْرِ وَهُنَا الْقَرِينَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْإِتْمَامِ وَهُوَ قِيَامُهُ لِلثَّالِثَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ إمَامُهُ يُوجِبُ الْقَصْرَ بَعْدَ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ كَحَنَفِيٍّ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ حَمْلًا لِقِيَامِهِ عَلَى أَنَّهُ سَاهٍ.
(وَلَوْ)(قَامَ الْقَاصِرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلَا مُوجِبٍ لِلْإِتْمَامِ)(بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) كَمَا لَوْ قَامَ الْمُتِمُّ لِرَكْعَةٍ زَائِدَةٍ (وَإِنْ كَانَ) قِيَامُهُ لَهَا (سَهْوًا) ثُمَّ تَذَكَّرَ أَوْ جَهْلًا فَعَلِمَ (عَادَ) حَتْمًا (وَسَجَدَ لَهُ) أَيْ لِهَذَا السَّهْوِ نَدْبًا كَغَيْرِهِ مِمَّا يُبْطِلُ عَمْدُهُ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ صَارَ لِلْقِيَامِ أَقْرَبَ لِمَا مَرَّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ لَكِنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ كَلَامَهُ فِيمَنْ قَامَ (وَسَلَّمَ فَإِنْ أَرَادَ) حَالَةَ تَذَكُّرِهِ وَهُوَ قَائِمٌ (أَنْ يُتِمَّ عَادَ) لِلْجُلُوسِ حَتْمًا (ثُمَّ نَهَضَ مُتِمًّا) أَيْ نَاوِيًا الْإِتْمَامَ لِإِلْغَاءِ نُهُوضِهِ لِسَهْوِهِ فَوَجَبَتْ إعَادَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِتْمَامَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَهُوَ قَاصِرٌ.
(وَ) سَابِعُهَا دَوَامُ سَفَرِهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ كَمَا قَالَ وَ (يُشْتَرَطُ) لِلْقَصْرِ (أَيْضًا كَوْنُهُ) أَيْ النَّاوِي لَهُ (مُسَافِرًا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ)(فَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ) الْقَاطِعَةَ لِلتَّرَخُّصِ (فِيهَا) أَوْ شَكَّ فِي نِيَّتِهَا (أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ) فِيهَا (دَارَ إقَامَةٍ) أَوْ شَكَّ هَلْ بَلَغَتْهَا أَوْ لَا (أَتَمَّ) لِزَوَالِ تَحَقُّقِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ.
(وَ) ثَامِنُهَا الْعِلْمُ بِجَوَازِ الْقَصْرِ فَلَوْ قَصَرَ جَاهِلًا بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ كَمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُحْتَرَزِ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي حَالِ الْإِمَامِ إنَّمَا يُنَافِي الْقَصْرَ لَا النِّيَّةَ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْعَطْفِ بِأَنَّ كَوْنَ الْمَعْطُوفِ يُقَدَّرُ مَعَهُ نَقِيضُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَمْرٌ غَالِبِيٌّ، فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ التَّقْدِيرُ هُنَا: وَلَوْ أَقَامَ الْإِمَامُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: أَتَمَّ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَنْتَظِرُهُ فِي التَّشَهُّدِ إنْ جَلَسَ إمَامُهُ لَهُ حَمْلًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ قَامَ سَاهِيًا، أَوْ تَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، كَمَا لَوْ رَأَى مُرِيدُ الِاقْتِدَاءِ الْإِمَامَ جَالِسًا وَتَرَدَّدَ فِي حَالِهِ هَلْ جُلُوسُهُ لِعَجْزِهِ أَمْ لَا مِنْ أَنَّهُ يُمْنَعُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، فَكَمَا امْتَنَعَ الِاقْتِدَاءُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَفْعَلُهُ قُلْنَا هُنَا بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ كَوْنُهُ سَاهِيًا) أَيْ لَمَضَى جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى التَّمَامِ.
(قَوْلُهُ: حَمْلًا لِقِيَامِهِ عَلَى أَنَّهُ سَاهٍ) أَيْ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ انْتِظَارِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ صَارَ لِلْقِيَامِ أَقْرَبَ) قَالَ حَجّ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذَكَرَ: بَلْ وَإِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَقْرَبَ لِمَا مَرَّ، ثُمَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنْ تَعَمُّدَ الْخُرُوجَ عَنْ حَدِّ الْجُلُوسِ مُبْطِلٌ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فَرَضَ كَلَامَهُ فِيمَنْ قَامَ) وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ لَمْ يَسْجُدْ لَكِنْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ، وَحَيْثُ كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ نَاوِيًا الْإِتْمَامَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا تَكْفِيه نِيَّةُ الْإِرَادَةِ السَّابِقَةِ عَنْ هَذِهِ النِّيَّةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَامَ مُسْتَصْحِبًا لِلْأُولَى. وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ نَاوِيًا الْإِتْمَامَ قَدْ يُشْكِلُ اعْتِبَارُ نِيَّةِ الْإِتْمَامِ مَعَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ، فَإِنَّ إرَادَتَهُ الْإِتْمَامَ لَا تَنْقُصُ عَنْ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ يُتِمُّ بَلْ تَزِيدُ مَعَ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْإِتْمَامِ، فَأَيُّ حَاجَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى نِيَّةِ الْإِتْمَامِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ اعْتِبَارَ نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ لِلْإِتْمَامِ بَلْ مَا يَشْمَلُ نِيَّتَهُ الْحَاصِلَةَ بِإِرَادَةِ الْإِتْمَامِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ صَرَفَ الْقِيَامَ لِغَيْرِ الْإِتْمَامِ انْتَهَى
(قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ) أَيْ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِالْمِيمِ مِنْ عَلَيْكُمْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ شَكَّ فِي نِيَّتِهَا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
الشَّارِحِ لَا يُجْدِي كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهِ (قَوْلُهُ: مَحْسُوبٌ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ) أَيْ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِي أَنَّهُ نَوَى فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا فَلَا، فَهُوَ بِأَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فَرْضُ كَلَامِهِ فِيمَنْ قَامَ) أَيْ وَأَمَّا إذَا صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى سَكَتَ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ تُشَارِكُ هَذِهِ فِي الْحُكْمِ، وَالنَّصُّ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ.
(قَوْلُهُ: الْقَاطِعَةُ لِلتَّرَخُّصِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ نَوَى إقَامَةَ دُونِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَوَاهَا وَهُوَ سَائِرُ.
فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَكَأَنَّهُ: تَرَكَهُ لِبُعْدٍ أَنْ يَقْصُرَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ جَوَازَهُ وَ (الْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا بَلَغَ) سَفَرُهُ الْمُبِيحُ لِلْقَصْرِ (ثَلَاثَ مَرَاحِلَ) وَإِلَّا فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ إيجَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَصْرَ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِتْمَامَ فِي الثَّانِي، وَلَا يُكْرَهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَمَا نُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ كَرَاهَةِ الْقَصْرِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةٍ غَيْرِ شَدِيدَةٍ فَهِيَ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَأَكْثَرُ عَمَلًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ دَائِمُ الْحَدَثِ إذَا كَانَ لَوْ قَصَرَ لَخَلَا زَمَنُ صَلَاتِهِ عَنْ جَرَيَانِ حَدَثِهِ وَلَوْ أَتَمَّ لَجَرَى حَدَثُهُ فِيهَا فَيَكُونُ الْقَصْرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ أَوْ كَانَ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ كَرَاهَةَ الْقَصْرِ أَوْ الشَّكَّ فِيهِ بِأَنْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ لِذَلِكَ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ الْإِتْمَامُ، أَمَّا الْمَلَّاحُ الَّذِي مَعَهُ أَهْلُهُ فَإِتْمَامُهُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ وَطَنُهُ وَخُرُوجًا مِنْ مَنْعِ أَحْمَدَ الْقَصْرَ لَهُ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ وَأَدَامَ السَّفَرَ بَرًّا وَقُدِّمَ عَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ.
وَقَدْ يَكُونُ الْقَصْرُ وَاجِبًا كَأَنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ لِيَجْمَعَ تَأْخِيرًا إلَى أَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَّا مَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَيَلْزَمُهُ قَصْرُ الظُّهْرِ لِيُدْرِكَ الْعَصْرَ ثُمَّ قَصَرَ الْعَصْرَ لِتَقَعَ كُلُّهَا فِي الْوَقْتِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الرِّفْعَةِ: لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَأَرْهَقَهُ الْحَدَثُ بِحَيْثُ لَوْ قَصَرَ مَعَ مُدَافَعَتِهِ أَدْرَكَهَا فِي الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَلَوْ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ لَمْ يُدْرِكْهَا فِيهِ لَزِمَهُ الْقَصْرُ. وَيَأْتِي مَا ذُكِرَ فِي الْعِشَاءِ أَيْضًا إذَا أَخَّرَ الْمَغْرِبَ لِيَجْمَعَهَا مَعَهَا، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ ضَاقَ وَقْتُهَا عَنْ إتْمَامِهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْإِقَامَةِ
(قَوْلُهُ: وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ) فَلَوْ نَذَرَ الْإِتْمَامَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ نَذْرُهُ لِكَوْنِ الْمَنْذُورِ لَيْسَ قُرْبَةً، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا لَوْ نَذَرَ الْقَصْرَ وَسَفَرُهُ دُونَ الثَّلَاثِ لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ قُرْبَةً فِيمَا دُونَهَا.
(قَوْلُهُ: إذَا بَلَغَ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ) أَيْ إذَا كَانَ يَبْلُغُ ثَلَاثَ إلَخْ فَيَقْصُرُ مِنْ أَوَّلِ سَفَرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ) أَيْ الْقَصْرُ.
(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ بَلَغَ سَفَرُهُ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْقَصْرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا) أَمَّا لَوْ كَانَ لَوْ قَصَرَ خَلَا زَمَنُ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ عَنْهُ فَيَجِبُ الْقَصْرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ انْتَهَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَامَ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِحَاجَةٍ) أَيْ فَيَكُونُ الْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ. وَفِي كَوْنِ الْقَصْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَفْضَلَ نَظَرٌ لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا الْمُتَقَدِّمِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ بَلْ الْقِيَاسُ أَفْضَلِيَّةُ الْإِتْمَامِ لِمَا ذُكِرَ. وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ، وَنَبَّهَ أَيْضًا: أَيْ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ أَقَامَ يَنْتَظِرُ حَاجَةً وَزَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنَّ هَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ، فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا إلَخْ خِلَافَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ كَأَنْ يَجِدَ فِي نَفْسِهِ إلَخْ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ كَوْنِ الْإِتْمَامِ أَفْضَلَ مِنْ الْقَصْرِ.
(قَوْلُهُ: الَّذِي مَعَهُ أَهْلُهُ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ وَأَوْلَادٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا كَانَ كَمَنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَهُمْ مَعَهُ فَيَكُونُ إتْمَامُهُ أَفْضَلَ.
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ بَلَغَ سَفَرُهُ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: لَوْ ضَاقَ وَقْتُهَا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْقَصْرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ) قَالَ الشِّهَابُ حَجّ: أَمَّا لَوْ كَانَ لَوْ قَصَرَ خَلَا زَمَنُ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ عَنْهُ فَيَجِبُ الْقَصْرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ بَلَغَ سَفَرُهُ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ أَمْ لَا هُوَ مَحَلُّ الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَامَ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) أَيْ فَالْإِتْمَامُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ كَوْنِ الْقَصْرِ فِيمَا فَوْقَ الثَّلَاثِ مَرَاحِلَ أَفْضَلَ وَإِنْ أَوْهَمَ عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَعَطْفُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ خِلَافَهُ.
وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ: وَأَمَّا إذَا أَقَامَ لِتَنَجُّزِ حَاجَةِ إقَامَةٍ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قُلْنَا يَقْصُرُ فَالْإِتْمَامُ لَهُ أَفْضَلُ. قَالَ: وَأُلْحِقَ بِهِمَا: أَيْ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ مُدِيمِ السَّفَرِ كُلُّ صُورَةٍ اخْتَلَفَ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ فِيهَا.