الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(عَلَيْنَا) فِي الْأَبْنِيَةِ وَالدُّورِ. وَأَفَادَتْ الْوَاوُ أَنَّ طَلَبَ الْمَطَرِ حَوَالَيْنَا الْقَصْدُ مِنْهُ بِالذَّاتِ وِقَايَةُ أَذَاهُ فَفِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ: أَيْ اجْعَلْهُ حَوَالَيْنَا وَلِئَلَّا يَكُونَ عَلَيْنَا، وَفِيهِ تَعْلِيمُنَا أَدَبَ الدُّعَاءِ حَيْثُ لَمْ يَدْعُ بِرَفْعِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ لِاسْتِمْرَارِهِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْأَوْدِيَةِ وَالْمَزَارِعِ، فَطَلَبَ مَنْعَ ضَرَرِهِ وَبَقَاءَ نَفْعِهِ وَإِعْلَامَنَا بِأَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ وَصَلَتْ إلَيْهِ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ أَنْ لَا يَتَسَخَّطَ لِعَارِضٍ قَارَنَهَا، بَلْ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى رَفْعَهُ وَإِبْقَاءَهَا وَبِأَنَّ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الْمَطَرِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَالتَّفْوِيضَ " اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ "(وَلَا يُصَلِّي لِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ وُرُودِهَا لَهُ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّهَا تُسَنُّ لِنَحْوِ الزَّلْزَلَةِ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا نَحْوُهَا فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا تُشْرَعُ الْهَيْئَةُ الْمَخْصُوصَةُ.
(بَابٌ) فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ
أَصَالَةً جَحْدًا، أَوْ غَيْرَهُ، وَتَقْدِيمُهُ هُنَا عَلَى الْجَنَائِزِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ أَلْيَقُ (إنْ تَرَكَ) الْمُكَلَّفُ (الصَّلَاةَ) الْمَعْهُودَةَ شَرْعًا الصَّادِقَةَ بِإِحْدَى الْخَمْسِ (جَاحِدًا وُجُوبَهَا) بِأَنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ (كَفَرَ) بِالْجَحْدِ فَقَطْ لَا بِهِ مَعَ التَّرْكِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَجَلِ التَّقْسِيمِ، إذْ الْجَحْدُ وَحْدَهُ مُقْتَضٍ لِلْكُفْرِ كَمَا مَرَّ لِإِنْكَارِهِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَذَلِكَ جَارٍ فِي كُلِّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.
أَمَّا مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ خَفَاؤُهُ عَلَيْهِ، أَوْ نَشْئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مُرْتَدًّا بَلْ يَعْرِفُ وُجُوبَهَا، فَإِنْ عَادَ بَعْدَهُ صَارَ مُرْتَدًّا، وَلَا يُقِرُّ مُسْلِمٌ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَبَهَ صَغِيرٌ مُسْلِمٌ بِصَغِيرٍ كَافِرٍ، ثُمَّ بَلَغَا وَلَمْ يُعْلَمْ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا وَلَا قَافَةَ وَلَا انْتِسَابَ، وَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ شَهْرًا فَأَكْثَرَ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُبْتَدَأَةُ إذَا ابْتَدَأَهَا الدَّمُ الضَّعِيفُ، ثُمَّ أَقْوَى مِنْهُ ثُمَّ أَقْوَى مِنْهُ (أَوْ)(تَرَكَهَا كَسَلًا) ، أَوْ تَهَاوُنًا مَعَ اعْتِقَادِهِ وُجُوبَهَا (قُتِلَ) بِالسَّيْفِ (حَدًّا) لَا كُفْرًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِمَفْهُومِ «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْبَابِ عِنْدَ شَرْحِ الرَّوْضِ مَا كَانَ يَقُولُهُ عليه الصلاة والسلام إذَا رَأَى الرِّيحَ الْعَاصِفَةَ (قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ) الْآكَامُ بِالْمَدِّ جَمْعُ أُكُمٍ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ إكَامٍ كَكِتَابٍ جَمْعُ أَكَمٍ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ أَكَمَةٍ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ لِنَحْوِ الزَّلْزَلَةِ) أَيْ فَيَصِلُهَا وَيَنْوِي بِهَا نِيَّةَ رَفْعِ الْمَطَرِ. .
(بَابٌ) فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ
(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَعْيَانِ) خَرَّجَ فُرُوضَ الْكِفَايَاتِ، وَقَوْلُهُ أَصَالَةً خَرَّجَ الْمَنْذُورَةَ (قَوْلُهُ: أَلْيَقُ) أَيْ مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْهَا وَمِنْ ذِكْرِهِ فِي الْحُدُودِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَاةِ الْعَيْنِيَّةِ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ خَاتِمَةً لَهَا (قَوْلُهُ: جَاحِدًا وُجُوبَهَا) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ صَيَّرَهُ فِي حُكْمِ الْعَالِمِ اهـ حَجّ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآتِي:.
أَمَّا مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ جَاهِلًا إلَخْ حَيْثُ قَيَّدَ عَدَمَ رِدَّةِ الْجَاهِلِ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[بَابٌ فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ]
(بَابٌ) فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ مِمَّنْ يَجُوزُ خَفَاؤُهُ عَلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ
نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ» وَقَالَ «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ كَفَرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِهَا جَحْدًا أَوْ عَلَى التَّغْلِيظِ، أَوْ الْمُرَادُ بَيْنَ مَا يُوجِبُهُ الْكُفْرُ مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
وَلَوْ تَرَكَ الطَّهَارَةَ لَهَا قُتِلَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لَهَا، وَيُقَاسُ بِهَا الْأَرْكَانُ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ. نَعَمْ مَحَلُّهُ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ وَاهٍ بِخِلَافِ الْقَوِيِّ، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: لَوْ تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا، أَوْ مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ، أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بَحْثًا بِمَا إذَا قَلَّدَ الْقَائِلُ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا قَائِلَ حِينَئِذٍ بِجَوَازِ صَلَاتِهِ. قَالَ: فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لَهَا عِنْدَ إمَامِهِ وَغَيْرِهِ فَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَ التَّيَمُّمِ كَتَرْكِ الْوُضُوءِ إنْ وَجَبَ إجْمَاعًا، أَوْ مَعَ خِلَافٍ، وَلَمْ يُقَلِّدْ الْقَائِلُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِالْإِطْلَاقِ، وَلَا يُقَاسُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ تَرْكُ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُحْبَسُ طُولَ النَّهَارِ نَوَاهُ فَأَجْدَى الْحَبْسُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ يُمْكِنُ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا بِالْمُقَاتَلَةِ مِمَّنْ امْتَنَعُوا مِنْهَا وَقَاتَلُونَا، فَكَانَتْ الْمُقَاتَلَةُ الْوَارِدَةُ فِيهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا، بِخِلَافِهَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُهَا بِالْمُقَاتَلَةِ فَكَانَتْ فِيهَا بِمَعْنَى الْقَتْلِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ اهـ.
فَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِالْإِطْلَاقِ (وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ) حَتْمًا (بِصَلَاةٍ فَقَطْ) عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ (بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ) فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِأَنْ تُجْمَعَ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا. فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَيُقْتَلُ فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إنْ ضَاقَ وَقْتُهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْتِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُطَالِبَ وَالْمُتَوَعِّدَ هُوَ الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ فَلَا يُفِيدُ طَلَبُ غَيْرِهِ وَتَوَعُّدُهُ تَرَتُّبَ الْقَتْلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَنْصِبِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَلِخَبَرِ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ»
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَقَدْ: بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ) أَيْ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ (قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ) أَيْ وَعْدٌ مِنْهُ لَا يُخْلَفُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ إلَخْ) الَّذِي فِي مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْت جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» فَلَعَلَّهَا رِوَايَةٌ أُخْرَى.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ) أَيْ فَكَانَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ مَانِعَةً مِنْ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِالْإِطْلَاقِ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَعَدَمِهِ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ (قَوْلُهُ: فَأَجْدَى) أَيْ أَفَادَ (قَوْلُهُ: فَوُضِّحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَقَوْلُهُ وَبَيْنَهَا أَيْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) أَيْ أَمَّا الْجُمُعَةُ فَيُقْتَلُ بِهَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ أَقَلِّ مُمْكِنٍ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ هُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) وَمِنْهُ الْقَاضِي الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ كَالْقَاضِي الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) أَيْ جَمَاعَةِ الْإِسْلَامِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا قَائِلَ حِينَئِذٍ بِجَوَازِ صَلَاتِهِ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْحَنَفِيُّ يَقُولُ بِجَوَازِ صَلَاةِ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا وَلَمْ يُقَلِّدْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمُوَافَقَتِهِ لِاعْتِقَادِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الْمَذْكُورِ الشِّهَابُ حَجّ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِالْإِطْلَاقِ) أَيْ فَمَتَى كَانَ فِيهِ خِلَافٌ غَيْرُ وَاهٍ فَلَا قَتْلَ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ (قَوْلُهُ: إخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ) بِمَعْنَى وَقْتِ الْعُذْرِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ) لَوْ سَاقَ هَذَا عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمَارِّ قُتِلَ حَدًّا لَكَانَ أَنْسَبَ وَأَوْضَحَ (قَوْلُهُ: وَالْحَجُّ) لَا وَجْهَ لِلتَّمْثِيلِ بِهِ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى
وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ وَالْخَبَرُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذُكِرَ وَقَتْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ، عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ لِتَرْكِ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا، إذْ مَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا فِي الْوَقْتِ وَيُهَدَّدُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَقُلْ أَفْعَلُهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَقْتَ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَقْتَانِ: أَحَدُهُمَا وَقْتُ أَمْرٍ، وَالْآخَرُ وَقْتُ قَتْلٍ. فَوَقْتُ الْأَمْرِ هُوَ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَنْ فِعْلِهَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَأْمُرَ التَّارِكَ فَنَقُولَ لَهُ صَلِّ، فَإِنْ صَلَّيْت تَرَكْنَاك، وَإِنْ أَخْرَجْتهَا عَنْ الْوَقْتِ قَتَلْنَاك، وَفِي وَقْتِ الْأَمْرِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا، إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ زَمَنٌ يَسَعُ مِقْدَارَ الْفَرِيضَةِ وَالطَّهَارَةِ، وَالثَّانِي إذَا بَقِيَ زَمَنٌ يَسَعُ رَكْعَةً وَطَهَارَةً كَامِلَةً، وَيُقْتَلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّاشِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: إنَّهُ الْأَقْوَى لِتَرْكِهَا بِلَا قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا، وَمَحَلُّهُ حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ إجْمَاعًا، وَأَفْتَى الشَّيْخُ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِهَا حَيْثُ أَمَرَ بِهَا وَامْتَنَعَ مِنْهَا، أَوْ قَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ خُطْبَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الظُّهْرِ: أَيْ عَنْ أَقَلِّ مُمْكِنٍ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، لِأَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لَيْسَ وَقْتًا لَهَا فِي حَالَةٍ بِخِلَافِ الظُّهْرِ. لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي قَتْلُهُ عَقِبَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: شُبْهَةُ احْتِمَالٍ تَبَيَّنَ فَسَادُهَا وَإِعَادَتُهَا فَيُدْرِكُهَا أَوْجَبَتْ التَّأْخِيرَ لِلْيَأْسِ مِنْهَا بِكُلِّ تَقْدِيرٍ وَهُوَ مَا مَرَّ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَوْجَهُ: أَحَدُهَا يُقْتَلُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ يُحْتَمَلُ تَرْكُهَا لِشُبْهَةِ الْجَمْعِ ثَانِيهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ أَقَلُّ الْجَمْعِ فَاغْتُفِرَتْ.
ثَالِثُهَا إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَنَدَ إلَى تَأْوِيلٍ مِنْ تَرْكِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، رَابِعُهَا إذَا صَارَ التَّرْكُ لَهُ عَادَةً، خَامِسُهَا لَا يُعْتَبَرُ وَقْتُ الضَّرُورَةِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ الشَّارِحِ فِي حِكَايَةٍ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ (وَيُسْتَتَابُ) مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ نَدْبًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ وُجُوبِهَا كَالْمُرْتَدِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا أَفَادَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الرِّدَّةَ تُخَلِّدُ فِي النَّارِ فَوَجَبَ إنْقَاذُهُ مِنْهَا، بِخِلَافِ تَرْكِ الصَّلَاةِ، بَلْ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ تُسْقِطُ الْإِثْمَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ فِي عَزْمِهِ أَنَّهُ إنْ عَاشَ لَمْ يُصَلِّ أَيْضًا مَا بَعْدَهَا فَهُوَ أَمْرٌ آخَرُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ.
وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِأَنْ تَرَكَ مَا هُوَ عِمَادُ الدِّينِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْنَا) أَيْ عَلَى الْمُخَاطَبِ مِنَّا، وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (قَوْلُهُ: إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ زَمَنٌ إلَخْ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِفِعْلِهِ بِأَخَفَّ مُمْكِنٍ (قَوْلُهُ مِقْدَارَ الْفَرِيضَةِ) أَيْ تَامَّةٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ هَدَّدَ عَلَيْهَا فِي وَقْتِهَا وَلَمْ تُفْعَلْ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ ثُمَّ تَابَ وَقَالَ: أُصَلِّي الْجُمُعَةَ الْقَابِلَةَ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ ظُهْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يُقْتَلْ بِتَرْكِهِ لِكَوْنِهِ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى الشَّارِحِ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْقَتْلِ بِالْقَضَاءِ إذَا لَمْ يُهَدِّدْ بِهِ أَوْ بِأَصْلِهِ كَمَا هُنَا فَإِنَّ التَّهْدِيدَ عَلَى الْجُمُعَةِ تَهْدِيدٌ عَلَى تَرْكِهَا وَبَدَلُهَا قَائِمٌ مَقَامَهَا فَكَأَنَّهُ هَدَّدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إجْمَاعًا) أَيْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ وَتَرَكَ فِعْلَهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالسَّابِقَةِ فَهَلْ يُقْتَلُ لِتَرْكِهِ لَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ أَوْ لَا لِعُذْرِهِ بِالشَّكِّ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّا نَقُولُ شُبْهَةُ احْتِمَالٍ تَبَيَّنَ فَسَادُهَا وَإِعَادَتُهَا إلَخْ) أَيْ وَإِنْ أَيِسْنَا مِنْ ذَلِكَ عَادَةً حَقْنًا لِلدَّمِ مَا أَمْكَنَ (قَوْلُهُ خَامِسُهَا لَا يُعْتَبَرُ إلَخْ) هَذَا الْوَجْهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمَحَلِّيُّ وَقَوْلُهُ لِوَقْتِ الضَّرُورَةِ: أَيْ بِالسَّابِقِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ تَرْكِ الصَّلَاةِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُدُ بَلْ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَهُوَ أَمْرٌ آخَرُ) أَيْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ عَلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَفِي وَقْتِ الْأَمْرِ وَجْهَانِ) أَقَامَ فِيهِ الْمُظْهَرَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ، وَسَكَتَ عَنْ مُقَابِلِهِ وَهُوَ وَقْتُ الْقَتْلِ لِعِلْمِهِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ خُطْبَتَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُقْتَلُ وَسَكَتَ عَنْ وَقْتِ الْأَمْرِ بِالْجُمُعَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ الشَّارِحِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْ الْخَامِسَ
مَا تَقَرَّرَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا عَلَى التَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ هُنَا لَيْسَ هُوَ عَلَى مَعْصِيَةٍ سَابِقَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ حَمْلٌ لَهُ عَلَى فِعْلِ مَا تَرَكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ بِأَنَّهُ عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَمْدًا مَعَ تَرْكِهَا، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ فَإِذَا صَلَّى زَالَتْ الْعِلَّةُ، وَقَالَ الرِّيمِيُّ فِي التَّفْقِيهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْبَةَ هُنَا تُفِيدُ تَدَارُكَ الْفَائِتِ، بِخِلَافِ التَّوْبَةِ عَنْ الزِّنَا وَشِبْهِهِ فَإِنَّ التَّوْبَةَ لَا تُفِيدُ تَدَارُكَ مَا مَضَى مِنْ الْجَرِيمَةِ بَلْ تُفِيدُ الِامْتِنَاعَ عَنْهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بِخِلَافِ تَوْبَتِهِ هُنَا فَإِنَّهَا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يُحَقِّقُ الْمُرَادَ فِي الْمَاضِي.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَارِكُ الصَّلَاةِ يَسْقُطُ حَدُّهُ بِالتَّوْبَةِ وَهُوَ الْعَوْدُ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ كَالْمُرْتَدِّ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ، وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: كَيْفَ تَنْفَعُ التَّوْبَةُ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا، ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ، وَهَذَا كَلَامُ مَنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
وَتَوْبَتُهُ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْإِمْهَالَ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ صَلَوَاتٍ، وَقِيلَ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُمَا فِي النَّدْبِ، وَقِيلَ فِي الْوُجُوبِ، وَلَوْ قَتَلَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ، أَوْ قَبْلَهَا إنْسَانٌ لَيْسَ مِثْلَهُ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ، وَلَوْ جُنَّ، أَوْ سَكِرَ قَبْلَ فِعْلِ الصَّلَاةِ لَمْ يُقْتَلْ، فَإِنْ قُتِلَ وَجَبَ الْقَوَدُ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُرْتَدِّ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ لِقِيَامِ الْكُفْرِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَعَانَدَ بِالتَّرْكِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، أَمَّا تَارِكُ الْمَنْذُورَةِ الْمُؤَقَّتَةِ فَلَا يُقْتَلُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ.
(ثُمَّ) إذَا لَمْ يَتُبْ (يُضْرَبُ عُنُقُهُ) بِالسَّيْفِ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِخَبَرِ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» (وَقِيلَ) لَا يُقْتَلُ لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ عَلَى قَتْلِهِ (بَلْ يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ) وَقِيلَ يُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ: أَيْ عَصَا (حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ) إذْ الْمَقْصُودُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ لَا قَتْلُهُ وَمَرَّ رَدُّهُ (وَ) بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ الصَّلَاةَ مِنْ أَنَّهُ (يُغَسَّلُ) ، ثُمَّ يُكَفَّنُ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) بَعْدَ ظُهْرِهِ (وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ) فِي مَقَابِرِهِمْ (وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ) كَبَقِيَّةِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَبْدَى عُذْرًا كَنِسْيَانٍ، أَوْ بَرْدٍ أَوْ عَدَمِ مَاءٍ، أَوْ نَجَاسَةٍ عَلَيْهِ صَحِيحَةً كَانَتْ الْأَعْذَارُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ بَاطِلَةً، كَمَا لَوْ قَالَ صَلَّيْت وَظَنَنَّا كَذِبَهُ لَمْ نَقْتُلْهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ تَعَمُّدِهِ تَأْخِيرَهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، نَعَمْ نَأْمُرُهُ بِهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ بِأَنْ نَقُولَ لَهُ صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ سَوَاءٌ أَقَالَ وَلَا أُصَلِّيهَا أَمْ سَكَتَ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: لَوْ زَعَمَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ وَعَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ وَجَدَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَهَا) أَيْ إذَا كَانَ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ اهـ زِيَادِيٌّ.
أَمَّا قَبْلَهُ فَيَضْمَنُ (قَوْلُهُ: لَيْسَ مِثْلَهُ) أَيْ فِي الْإِهْدَارِ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَبَبُهُ كَزَانٍ مُحْصَنٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ مَعَ تَارِكِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: أَمَّا تَارِكُ الْمَنْذُورَةِ) مُحْتَرِزُ قَوْلِهِ أَصَالَةً.
(قَوْلُهُ: يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ) أَيْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّى الْمَقَاتِلَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ بِالتَّعْذِيبِ وَنَخْسُهُ فِي الْمُقَاتِلِ قَدْ يُفَوِّتُ ذَلِكَ الْغَرَضَ (قَوْلُهُ: بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَمَرَ بِهَا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْأَمْرِ بِهَا عِنْدَ الضَّيِّقِ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ، وَهَذَا قَدْ تَحَقَّقَتْ جِنَايَتُهُ بِاعْتِرَافِهِ. وَجَوَّزَ م ر أَنْ يُقَيِّدَ هَذَا بِمَا إذَا كَانَ قَدْ أَمَرَ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا جَزَمَ بِهَذَا التَّقْيِيدِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ: وَمَتَى قَالَ تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ سَوَاءٌ قَالَ لَا أُصَلِّيهَا أَمْ سَكَتَ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ: أَيْ مَعَ الطَّلَبِ فِي الْوَقْتِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ اهـ. وَالْأَقْرَبُ مَا قَيَّدَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ هُنَا لَيْسَ هُوَ عَلَى مَعْصِيَةٍ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ لَيْسَ حَدًّا إلَّا فِي الصُّورَةِ حَتَّى يُلَاقِيَ الْإِشْكَالَ.
(قَوْلُهُ: وَمَرَّ رَدُّهُ) كَأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ رَدُّهُ وَهُوَ خَبَرُ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَهُوَ تَابِعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلشِّهَابِ حَجّ، لَكِنَّ ذَاكَ صَرَّحَ أَوَّلًا بِرَدِّهِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ كَسَلًا قُتِلَ مَا نَصُّهُ: وَنَخْسُهُ بِالْحَدِيدِ الْآتِي لَيْسَ مِنْ إحْسَانِ الْقِتْلَةِ فِي شَيْءٍ فَلَمْ نَقُلْ بِهِ. .