الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ) وَأَحْكَامِهَا
. وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةَ. أَمَرَ بِهَا فِي الْخَوْفِ، فَفِي الْأَمْنِ أَوْلَى وَلِلْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا. وَأَقَلُّهَا إمَامٌ وَمَأْمُومٌ لِخَبَرِ «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» (هِيَ) أَيْ الْجَمَاعَةُ (فِي الْفَرَائِضِ) أَيْ الْمَكْتُوبَاتِ (غَيْرَ) بِالنَّصْبِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِمَعْنَى إلَّا أُعْرِبَتْ إعْرَابَ الْمُسْتَثْنَى وَأُضِيفَتْ إلَيْهِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي فَنِّ النَّحْوِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْجَرُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ إلَّا إنْ وَقَعَتْ بَيْنَ ضِدَّيْنِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اللَّامَ لِلْجِنْسِ فَلَا يَضُرُّ الْوَصْفُ بِالنَّكِرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ بِهَا فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ، وَيَجُوزُ نَصْبُهَا عَلَى الْحَالِ (الْجُمُعَةُ) لِمَا يَأْتِي أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ فِيهَا، وَشَرْطٌ لِصِحَّتِهَا بِالِاتِّفَاقِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) لِخَبَرِ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ» أَيْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
[كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَأَحْكَامِهَا]
كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. (قَوْلُهُ: كِتَابُ) كَأَنَّ حِكْمَةَ التَّرْجَمَةِ بِهِ دُونَ جَمِيعِ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إلَى الْجَنَائِزِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَتْ فِعْلًا حَتَّى تَكُونَ مِنْ جِنْسِهَا فَكَانَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَأَفْرَدَهَا بِكِتَابٍ، وَلَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا صِفَةٌ تَابِعَةٌ لِلصَّلَاةِ فَوَسَّطَهَا بَيْنَ أَبْوَابِهَا، وَلَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ مُغَايِرَةً لِمُطْلَقِ الصَّلَاةِ مُغَايِرَةً ظَاهِرَةً أَفْرَدَهَا بِكِتَابٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ جَمِيعِ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ نَظَرًا لِتِلْكَ الْمُغَايَرَةِ. اهـ حَجّ.
[فَائِدَةٌ] قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ سُلَيْمَانَ الدَّارَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَفُوتُ أَحَدًا صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِذَنْبٍ أَذَنْبَهُ.
قَالَ: وَكَانَ السَّلَفُ يُعَزُّونَ أَنْفُسَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى، وَسَبْعَةً إذَا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهَا إمَامٌ وَمَأْمُومٌ) هَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: لَا تَقُومُ فِيهِمْ الْجَمَاعَةُ وَلَوْ أَقَامَهَا إمَامٌ وَمَأْمُومٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وَلَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ هَلْ يَجُوزُ؟ لِلْأَذْرَعِيِّ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَلَعَلَّ الْوَجْهَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حُصُولُ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ بِوَاسِطَةِ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ الِاقْتِدَاءَ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ حِينَئِذٍ جَمَاعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ فَقَدْ حَصَلَتْ الْجَمَاعَةُ بِذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَقَوْلُ سم فِيهِ احْتِمَالٌ: أَيْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ وَقَعَتْ بَيْنَ ضِدَّيْنِ) وَمَثَلُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ الْحَرَكَةُ غَيْرَ السُّكُونِ (قَوْلُهُ: إنَّ اللَّامَ لِلْجِنْسِ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهَا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ نَصْبُهَا عَلَى الْحَالِ) يُتَأَمَّلُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَقَوْلِهِ أُعْرِبَتْ إعْرَابَ الْمُسْتَثْنَى فَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ غَيْرَ تُعْرِبُ إعْرَابَ الْمُسْتَثْنَى أَنَّهَا تُنْصَبُ إذَا كَانَتْ بَعْدَ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ هَذَا مُقَابِلٌ لِكَوْنِهَا أُعْرِبَتْ إعْرَابَ الْمُسْتَثْنَى، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ اللَّامُ فِي الْفَرَائِضِ لِلْجِنْسِ جَازَ فِي غَيْرِ أَنْ تَكُونَ صِفَةً وَأَنْ تَكُونَ حَالًا؛ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ فَاللَّامُ الْجِنْسِ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ النَّكِرَاتِ وَالْمَعَارِفِ، لَكِنْ قَالَ عَمِيرَةُ: أَعْرَبَهُ الْإِسْنَوِيُّ حَالًا.
وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَقْعَدُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ وَأَمَّا جَعْلُهَا صِفَةً فَمُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ كَوْنِهَا مَعْرِفَةً اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَالِيَّةَ إعْرَابُهَا غَيْرُ إعْرَابِ الْمُسْتَثْنَى فَلْيُتَأَمَّلْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
(قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ) أَيْ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ إلَى قَوْلِهِ فَنِّ النَّحْوِ، إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ عِلْمِ النَّحْوِ وَإِنْ أَوْهَمَ صَنِيعُهُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ اللَّامَ لِلْجِنْسِ) أَيْ خِلَافُ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّهَا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ إلَّا أَنَّ جَعْلَهَا لِلْجِنْسِ
بِالْمُعْجَمَةِ «بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» فِي رِوَايَةٍ «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَلَا مُنَافَاةَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ، أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ، أَوْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بِحَسَبِ قُرْبِ الْمَسْجِدِ وَبُعْدِهِ، أَوْ أَنَّ الْأُولَى فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَالثَّانِيَةَ فِي السَّرِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ عَنْ الْجَهْرِيَّةِ بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَالتَّأْمِينِ لِتَأْمِينِهِ.
وَمَكَثَ صلى الله عليه وسلم مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُصَلِّي بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا مَقْهُورِينَ يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ، فَلَمَّا هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ أَقَامَ الْجَمَاعَةَ وَوَاظَبَ عَلَيْهَا، وَحِكْمَةُ كَوْنِهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ كَمَا أَفَادَهُ السَّرَّاجُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ ثَلَاثَةٌ وَالْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَقَدْ حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشْرَةٌ فَالْجُمْلَةُ ثَلَاثُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ رَأْسُ مَالِهِ وَاحِدٌ يَبْقَى تِسْعَةٌ تُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَرَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا يُعْطِي كُلَّ إنْسَانٍ مَا لِلْجَمَاعَةِ فَصَارَ لِكُلٍّ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَحِكْمَةُ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ كَمَا قَالَهُ أَنَّ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا يُعْطِيهِمَا بِمَنِّهِ وَكَرْمِهِ مَا يُعْطِي الثَّلَاثَةَ، وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ غَايَةَ الْإِيضَاحَ مَعَ زِيَادَةِ حِكَمٍ لِذَلِكَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي الْأَمَالِي وَأَفْرَدَهُ فِي جُزْءٍ سَمَّاهُ [مَعْرِفَةُ الْخِصَالِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى الظِّلَالِ] وَأَلْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: «بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِهَا التَّعْبِيرُ بِالضَّعْفِ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِذَلِكَ. اهـ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ رحمه الله (قَوْلُهُ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً) وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْخَمْسَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا فُرِضَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: يُصَلِّي بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ: أَيْ مِنْ غَيْرِ مُوَاظَبَةٍ عَلَى الْجَمَاعَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ، فَيَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي جَمَاعَةً فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ صَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ جَمَاعَةً، وَقَوْلُ الْمَحَلِّيِّ: وَوَاظَبَ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا، وَفِي كَلَامِ الشَّامِيِّ فِي مَرَاتِبِ الْوَحْيِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِخَدِيجَةَ وَعَلِيٍّ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ» . اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى جَمَاعَةً قَبْلَ الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ: إنَّ الْجَمَاعَةَ ثَلَاثَةٌ) أَيْ أَقَلُّهَا لُغَةً ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ) أَيْ الَّتِي لَهَا ذَلِكَ الثَّوَابُ وَإِلَّا فَكَانَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الِاثْنَيْنِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ.
[فَرْعٌ] وَقَفَ شَافِعِيٌّ بَيْنَ حَنَفِيَّيْنِ وَاقْتَدَى بِشَافِعِيٍّ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ وَالصَّفُّ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنْ تَحَقَّقَ مِنْ الْحَنَفِيِّ عَدَمُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ. لَا يُقَالُ: حَيْثُ عَلِمَ تَرْكَ الْحَنَفِيِّ الْقِرَاءَةَ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيَصِيرُ فِي اعْتِقَادِهِمْ مُنْفَرِدًا. لِأَنَّا نَقُولُ: صَرَّحُوا بِأَنَّ فِعْلَ الْمُخَالِفِ لِكَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ اعْتِقَادٍ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ السَّهْوِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ فَسَجَدَ لِتِلَاوَةِ سَجْدَةِ صَ ~ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الشَّافِعِيِّ بِفِعْلِ الْحَنَفِيِّ، وَلَا تَبْطُلُ قُدْوَتُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا يَبْطُلُ عَمْدَهُ سَهْوًا فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَحَصَلَتْ لَهُ الْجَمَاعَةُ لِوُجُودِ صُورَتِهَا حَتَّى فِي الْجُمُعَةِ حَيْثُ كَانَ الْإِمَامُ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ. لَا يُقَالُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَسَجْدَةِ صَ ~ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى سُجُودَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
يَلْزَمُهُ فَسَادٌ لَا يَخْفَى مَعَ أَنَّهُ يُنَافِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ إذْ هُوَ آيَةُ الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَهِيَ طَرِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ (قَوْلُهُ: يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ) صَرِيحُ هَذَا أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا صلى الله عليه وسلم قَبْلَ فَرْضِ الْخَمْسِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ ثَلَاثَةٌ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ اللُّغَةِ، لَكِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الِاثْنَيْنِ بِمَنْزِلَتِهِمْ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَحِكْمَةُ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ) هَذَا مِنْ تَمَامِ الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ، وَلَيْسَ حِكْمَةً مُسْتَقِلَّةً فَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا قَبْلَهُ إذْ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ ثَلَاثَةٌ، وَهُوَ مَعْنًى لُغَوِيٌّ، وَالْجَمَاعَةُ
فِي الْفَرَائِضِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَاتِ خَمْسٌ فَهُوَ مُسَاوٍ لِقَوْلِ أَصْلِهِ فِي الْخَمْسِ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ.
وَخَرَجَتْ الْمَنْذُورَةُ الَّتِي لَا تُشْرَعُ فِيهَا جَمَاعَةً فَلَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِأَنَّهَا شِعَارُ الْمَكْتُوبَةِ كَالْأَذَانِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي عَشَرَةِ آلَافٍ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ ذَلِكَ لَكِنْ دَرَجَاتُ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ (وَقِيلَ) هِيَ (فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلرِّجَالِ) الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءِ الْأَحْرَارِ الْمَسْتُورِينَ الْمُقِيمِينَ فِي الْمُؤَدَّاةِ فَقَطْ لِخَبَرِ «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» أَيْ غَلَبَ، فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ، وَخَرَجَ بِالرِّجَالِ غَيْرُهُمْ وَسَيَأْتِي، وَبِالْبَالِغِينَ: الصِّبْيَانُ، وَبِالْعُقَلَاءِ: أَضْدَادُهُمْ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَبِالْأَحْرَارِ: مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَوْ مُبَعَّضًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، وَالتَّوْبَةُ لَهُ سَوَاءٌ انْفَرَدَ الْأَرِقَّاءُ بِبَلَدٍ أَمْ لَا خِلَافًا لِمَنْ رَجَّحَ خِلَافَ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْأُجَرَاءِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِالْمَسْتُورِينَ: الْعُرَاةُ فَلَا تَكُونُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ بَلْ هِيَ وَالِانْفِرَادُ فِي حَقِّهِمْ سَوَاءٌ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَتُسْتَحَبُّ لَهُمْ، وَبِالْمُقِيمِينَ: الْمُسَافِرُونَ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
التِّلَاوَةِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: وَيَرَى سُقُوطَ الْفَاتِحَةِ عَنْ الْمَأْمُومِ فِي الْجُمْلَةِ أَيْضًا كَأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا.
(قَوْلُهُ: وَخَرَجَتْ الْمَنْذُورَةُ) أَيْ بِقَوْلِهِ: أَيْ الْمَكْتُوبَاتُ (قَوْلُهُ: الَّتِي لَا تُشْرَعُ فِيهَا جَمَاعَةٌ) أَيْ قَبْلَ النَّذْرِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ مَثَلًا بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَالْعِيدِ فَتُشْرَعُ فِيهَا لَا مِنْ حَيْثُ النَّذْرُ (قَوْلُهُ: فَلَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا) أَيْ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا لَيْسَتْ قُرْبَةً، بِخِلَافِ مَا شُرِعَتْ فِيهَا الْجَمَاعَةُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَوْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا صَحَّتْ، لَكِنْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا جَمَاعَةً لِلنَّذْرِ وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا أَوْ لَا؟ قَالَ سم: فِيهِ نَظَرٌ، وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فِي بَابِ النَّذْرِ حِكَايَةُ خِلَافٍ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْمُعْتَمَدُ مِنْهُ الْوُجُوبُ فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ) أَيْ أَوْ مَعَ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ) لَفْظَةُ مِنْ زَائِدَةٌ: أَيْ مَا ثَلَاثَةٌ فِي قَرْيَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ: أَوْ بَدْوٍ، وَفِي الْمَحَلِّيِّ أَيْضًا بَدَلُ الْجَمَاعَةِ الصَّلَاةُ فَلْيُرَاجَعْ، وَلَعَلَّ فِي الْحَدِيثِ رِوَايَاتٌ. ثُمَّ رَأَيْت فِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةِ) أَيْ الْبَعِيدَةِ.
وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُقَالُ أَمَرَ بِالْجَمَاعَةِ حَالَ الْخَوْفِ، فَقِيَاسٌ عَلَيْهِ حَالُ الْأَمْنِ بِالْأَوْلَى. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ لَا دَلَالَةَ لِمَا ذَكَرَ عَلَى خُصُوصِ الْوُجُوبِ، وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَهُ الشَّارِحُ فِي التَّرْجَمَةِ دَلِيلًا عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ الصَّادِقَةِ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَيَتَمَسَّكُ بِهِ حَتَّى يُوجَدَ صَارِفٌ (قَوْلُهُ: وَبِالْبَالِغِينَ الصِّبْيَانِ) أَيْ فَلَوْ فَعَلَهَا الصِّبْيَانُ أَوْ الْخَنَاثَى ثُمَّ تَبَيَّنَ بُلُوغُ الصِّبْيَانِ وَاتِّضَاحُ الْخَنَاثَى بِالذُّكُورَةِ فَهَلْ يَسْقُطُ الطَّلَبُ عَنْ الْبَالِغِينَ بِذَلِكَ أَوْ لَا لِتَقْصِيرِهِمْ؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْفِعْلِ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الطَّلَبِ فَسَقَطَ الْوَاجِبُ بِفِعْلِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ السُّقُوطِ لِنِسْبَةِ الْقَوْمِ إلَى التَّقْصِيرِ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلُوهَا، وَفِي سم عَلَى الْعُبَابِ: لَوْ اتَّكَلُوا عَلَى فِعْلِ نَحْوِ الْخَنَاثَى ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ بِفِعْلِهِمْ يَسْقُطُ الطَّلَبُ عَنْهُمْ هَلْ يُقَاتَلُوا مَعَ هَذَا الظَّنِّ أَمْ لَا. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَاتَلُوا لِلشُّبْهَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْهُمْ فِي تَرْكِ ذَلِكَ سَوَاءٌ عُذِرُوا فِي هَذَا الظَّنِّ أَمْ لَا حَيْثُ حَصَلَ بِهِمْ الشِّعَارُ؛ وَلِأَنَّ الْقِتَالَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْأُجَرَاءِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ) عِبَارَتُهُ ثُمَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْإِجَارَةِ. نَعَمْ تَبْطُلُ بِاسْتِثْنَائِهَا مِنْ إجَارَةِ أَيَّامٍ مُعَيَّنَةٍ كَمَا فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ لِلْجَهْلِ بِمِقْدَارِ الْوَقْتِ الْمُسْتَثْنَى مَعَ إخْرَاجِهِ عَنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ، وَإِنْ وَافَقَ الِاسْتِثْنَاءَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ رحمه الله اهـ (قَوْلُهُ: وَبِالْمُقِيمِينَ الْمُسَافِرُونَ) أَيْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَايَةٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِي الشَّرْعِ اثْنَانِ (قَوْلُهُ: وَبِالْعُقَلَاءِ أَضْدَادُهُمْ) إنَّمَا عَبَّرَ بِهِ لِيَشْمَلَ نَحْوَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ
الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهَا مَحْمُولٌ عَلَى نَحْوِ عَاصٍ بِسَفَرِهِ، وَبِالْمُؤَدَّاةِ الْمَقْضِيَّةُ فَلَا تَكُونُ فَرْضًا فِيهَا بَلْ هِيَ سُنَّةٌ إنْ كَانَتْ مِنْ نَوْعِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا لَمْ تُسَنَّ أَيْضًا، وَمَتَى كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ (فَتَجِبُ) إقَامَتُهَا (بِحَيْثُ يَظْهَرُ) بِهَا (الشِّعَارُ) أَيْ شِعَارُ الْجَمَاعَةِ فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ بِإِقَامَتِهَا فِي كُلِّ مُؤَدَّاةٍ مِنْ الْخَمْسِ بِجَمَاعَةٍ ذُكُورٍ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ فِيمَا يَظْهَرُ كَرَدِّ السَّلَامِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ مَقْصُودَهَا الدُّعَاءُ وَهُوَ مِنْ الصَّغِيرِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً اُشْتُرِطَ تَعَدُّدُهَا فِيهَا بَادِيَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَلَا يَكْفِي فِعْلُهَا فِي نَحْوِ مَحَلٍّ وَلَا فِي الْبُيُوتِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي الْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّ الشِّعَارَ لَا يَحْصُل بِذَلِكَ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ بِهَا الشِّعَارُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، كَأَنْ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا بِحَيْثُ لَا يَحْتَشِمُ كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ مِنْ دُخُولِهَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءَ بِإِقَامَتِهَا فِي الْأَسْوَاقِ إنْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ لِأَكْثَرِ النَّاسِ مُرُوءَاتٍ تَأْبَى دُخُولُ بُيُوتِ النَّاسِ وَالْأَسْوَاقِ.
وَلَا يُشْتَرَطُ إقَامَتُهَا بِجُمْهُورِهِمْ بَلْ تَسْقُطُ بِطَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ ظَهَرَ الشِّعَارُ بِهِمْ، وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي طَائِفَةِ مُسَافِرِينَ أَقَامُوا الْجَمَاعَةَ فِي بَلْدَةٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ الرَّاحَةِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ سَفَرَ نُزْهَةٍ، وَسَيَأْتِي عَنْ الزِّيَادِيِّ فِي الْأَعْذَارِ أَنَّ بَعْضَهُمْ تَوَقَّفَ فِي جَوَازِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي السَّفَرِ عِنْد ارْتِحَالِ الرُّفْقَةِ.
قَالَ: وَالتَّوَقُّفُ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْقَصْرِ لَوْ كَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى السَّفَرِ لِلنُّزْهَةِ فَقَطْ فَلَا تُرَخَّصُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهَا) أَيْ عَلَى الْمُسَافِرِينَ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ مِنْ نَوْعِهَا) أَيْ بِأَنْ اتَّفَقَا فِي عَيْنِ الْمَقْضِيَّةِ كَظُهْرَيْنِ أَوْ عَصْرَيْنِ، وَلَوْ مِنْ يَوْمَيْنِ، بِخِلَافِ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ وَإِنْ اتَّفَقَا فِي كَوْنِهِمَا رُبَاعِيَّتَيْنِ، وَعِبَارَةُ ابْنُ حَجَرٍ وَلِمُصَلِّينَ مَقْضِيَّةٌ اتَّحَدَتْ (قَوْلُهُ: لَمْ تُسَنَّ أَيْضًا) أَيْ وَتَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَظْهَرُ بِهَا الشَّعَارُ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِهَا لُغَةً الْعَلَامَةُ حَجّ، وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ جَمْعُ شَعِيرَةٍ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ. اهـ.
وَمَا قَالَهُ حَجّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمِصْبَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَالشَّعَارُ أَيْضًا عَلَامَةُ الْقَوْمِ فِي الْحَرْبِ، وَهُوَ مَا يُنَادُونَ بِهِ لِيَعْرِفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْعِيدُ شِعَارٌ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَالشَّعَائِرُ أَعْلَامُ الْحَجِّ وَأَفْعَالُهُ. الْوَاحِدَةُ شَعِيرَةٌ أَوْ شِعَارَةٌ بِالْكَسْرِ. اهـ.
فَلَعَلَّ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ مِنْ أَنَّ الْعَلَامَةَ الشَّعِيرَةُ قَوْلٌ فِي اللُّغَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: ذُكُورٍ أَحْرَارٍ) بَالِغِينَ وَمُقِيمِينَ أَخْذٌ مِمَّا يَأْتِي، وَهَذَا السِّيَاقُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يُوصَفُونَ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَاَلَّذِينَ يَحْكُمُ لَهُمْ مِنَّا بِالْبُلُوغِ وَالصِّبَا فَيَخْرُجُ بِهِ الْجِنُّ فَلَا يَكْفِي إقَامَتُهَا بِهِمْ فِي بَلَدٍ وَإِنْ ظَهَرَ بِهِمْ الشَّعَارُ.
وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَمَاعَةِ حَثُّ أَهْلِ الْبَلَدِ عَلَى التَّعَارُفِ بِإِقَامَتِهَا، وَبِحَثِّ بَعْضِهِمْ عَنْ أَحْوَالِ بَعْضٍ بِالِاجْتِمَاعِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَتَسْهِيلُ الْجَمَاعَةِ عَلَى طَالِبِيهَا. وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ الْمُقِيمِينَ مِنْ الْجِنِّ يَنْفِرُ مِنْهُمْ وَلَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ، سِيَّمَا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ كَمَالُ عَقْلٍ، وَقَدْ يُؤَيِّدُ هَذَا عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِإِقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَمْثَالِ أَهْلِ مَحَلَّتِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَاحْفَظْهُ وَارْفُضْ مَا عَدَاهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَخْ) أَيْ وَبِخِلَافِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ إذَا قَامَ بِهِ الصِّبْيَانُ كَفَى، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ نِكَايَةُ الْكُفَّارِ، وَهِيَ إذَا حَصَلَتْ بِالصِّبْيَانِ كَانَتْ أَقْوَى فِي حُصُولِ الْمُرَادِ. ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِي الْأَسْوَاقِ) أَيْ وَفِي الْمَحَلَّاتِ الْخَارِجَةِ عَنْ الصُّوَرِ أَيْضًا حَيْثُ ظَهَرَ مِنْهَا الشَّعَارُ. اهـ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ بِالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: تَأْبَى) أَيْ تَمْنَعُ (قَوْلُهُ: الشَّعَارُ بِهِمْ) أَيْ وَمِثْلُهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَنَحْوُهُمْ اهـ زِيَادِيٌّ، وَمِنْ النَّحْوِ الْعُرَاةُ. اهـ سم عَلَى حَجّ: أَيْ وَالْأَرِقَّاءُ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ جَمَاعَةٌ ذُكُورٌ إلَخْ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ، وَقَوْلُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي الْأَسْوَاقِ) أَيْ ظُهُورًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الشِّعَارُ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ
وَأَظْهَرُوهَا هَلْ يَحْصُلُ بِهِمْ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِهِمْ الطَّلَبُ عَنْ الْمُقِيمِينَ بِعَدَمِ حُصُولِ الشِّعَارِ بِهِمْ وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهِمْ الطَّلَبُ عَنْ الْمُقِيمِينَ، فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إذَا أَقَامَ الْجَمَاعَةَ طَائِفَةً يَسِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ وَلَمْ يَحْضُرْهَا جُمْهُورُ الْمُقِيمِينَ فِي الْبَلَدِ حَصَلَتْ الْجَمَاعَةُ، وَلَا إثْمَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ كَمَا لَوْ صَلَّى الْجِنَازَةَ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ، هَكَذَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا فِي أَهْلِ قَرْيَةٍ صَلَّوْا رَكْعَةً مِنْ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ نَوَوْا قَطَعَ الْقُدْوَةِ وَأَتَمُّوهَا مُنْفَرِدِينَ بِأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُمْ طَلَبُ الْجَمَاعَةِ لِتَأْدِي شِعَارِهَا بِصَلَاتِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْفَرِيضَةُ الْجُمُعَةَ وَتَلْزَمُ أَهْلَ الْبَوَادِي السَّاكِنِينَ بِهَا.
وَأَمَّا فِي الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعَدُّدُهَا فِيهَا؛ لِحُصُولِ الْفَرْضِ بِدُونِهِ. وَضَبَطَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْقَرْيَةَ الصَّغِيرَةَ بِأَنْ يَكُونَ فِيهَا نَحْوَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَقْرِيبٌ، بَلْ لَوْ ضُبِطَ ذَلِكَ بِالْعُرْفِ لَكَانَ أَقْرَبَ إلَى الْمَعْنَى، وَكَلَامُهُمْ بِمَحَلٍّ فِي الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ وَفِي الْكَبِيرَةِ وَالْبَلَدِ بِمَحَلَّيْنِ مَثَلًا مَفْرُوضٌ فِيمَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَنْ يَقْصِدُهَا إدْرَاكَهَا مِنْ غَيْرِ كَبِيرِ مَشَقَّةٍ فِيهَا فِيمَا يَظْهَرُ، فَلَا يُشْتَرَطُ إقَامَتُهَا فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ مِنْهَا خِلَافًا لِجَمْعٍ (فَإِنْ)(امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ) مِنْ فِعْلِهَا بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ أَوْ فُعِلَتْ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (قُوتِلُوا) أَيْ قَاتَلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ الْمُمْتَنِعِينَ لِإِظْهَارِ هَذَا الشِّعَارِ الْعَظِيمِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الزِّيَادِيُّ أَيْضًا: وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِمَنْ لَا يَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ عَلَيْهِمْ كَالنِّسَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِعَدَمِ حُصُولِ الشَّعَارِ) أَيْ وَعَلَى هَذَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّظْلِيلُ أَوْ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ أَدَّى إلَى مَنْعِ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْ إقَامَتِهَا فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ غَرَضِ الْوَاقِفِ مِنْ إحْيَاءِ الْبُقْعَةِ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ.
لَا يُقَالُ: الِاعْتِكَافُ أَيْضًا مِنْ مَقَاصِدِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدِ شَغْلُهُ بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ اعْتِكَافٍ أَوْ غَيْرِهَا. لِأَنَّا نَقُولُ: الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ مِنْ وَقْفِ الْمَسَاجِدِ الصَّلَاةُ فِيهَا فَيُمْنَعُ مِنْ شَغْلِهَا بِمَا يُفَوِّتُ ذَلِكَ الْمَقْصُودَ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ بِذَلِكَ الْمَنْفَعَةَ عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا، وَبَقِيَ مَا لَوْ نَذَرَ الْمُسَافِرُ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا فِي الْمَسْجِدِ مُدَّةً تَقْطَعُ السَّفَرَ ثُمَّ نَوَى الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدِ قَرْيَةٍ وَكَانَ اعْتِكَافُهُ فِيهِ يَمْنَعُ مِنْ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ، فَهَلْ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ مُدَّةَ صَلَاتِهِمْ يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ نَذَرَ مُدَّةً مُطْلَقَةً، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ إلَّا ذَلِكَ الْمَسْجِدُ فَهُوَ مُقَصِّرٌ بِاعْتِكَافِهِ فِيهِ فَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ، وَهُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ تَأْخِيرِ الِاعْتِكَافِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الِاعْتِكَافِ بِمَسْجِدٍ لَا يُعَارَضُ فِيهِ، وَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً اتَّفَقَ وُقُوعُهَا فِي سَفَرِهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَسْجِدٌ مَهْجُورٌ مَثَلًا أَوْ وَاسِعٌ لَا يُعَارِضُهُ فِيهِ أَحَدٌ إذَا اعْتَكَفَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ انْقَطَعَ تُتَابِعُهُ بِإِخْرَاجِهِ لِتَقْصِيرِهِ بِاعْتِكَافِهِ فِيهِ مَعَ تَيَسُّرِ غَيْرِهِ، وَإِنْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مُكْرَهًا عَلَى الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ) عَطْفٌ عَلَى عَدَمِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ) غَرَضُهُ مِنْهُ الِاسْتِظْهَارُ عَلَى الْإِفْتَاءِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ يُفِيدُ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَنَّ غَيْرَ أَهْلِ الْبَلَدِ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ الطَّلَبُ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَتَلْزَمُ أَهْلَ الْبَوَادِي) أَيْ الْجَمَاعَةُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الْقَرْيَةِ) قَسِيمُ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً إلَخْ (قَوْلُهُ: لَكَانَ أَقْرَبُ) مُعْتَمَدٌ. (قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُمْ) أَيْ حَيْثُ اكْتَفَوْا بِمَحَلٍّ إلَخْ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَاكْتِفَاؤُهُمْ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: الْمُمْتَنِعِينَ) أَشْعَرَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْجَأَهُمْ بِالْقِتَالِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ بَلْ حَتَّى يَأْمُرَهُمْ فَيَمْتَنِعُوا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ. اهـ حَجّ: أَيْ فَهُوَ كَقِتَالِ الْبُغَاةِ، وَوَجْهُ الْإِشْعَارِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِعَلِيَّةِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْقِتَالَ لِامْتِنَاعِهِمْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) مَحَلُّ هَذَا عَقِبَ قَوْلِهِ االْمَارِّ، وَلَا إقَامَتُهَا بِجُمْهُورِهِمْ إلَخْ إذْ هُوَ مِنْ تَعَلُّقِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ إلَخْ
وَلَا يُقَاتِلُهُمْ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ (وَلَا يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ لِلنِّسَاءِ تَأَكُّدُهُ لِلرِّجَالِ) لِمَزِيَّتِهِمْ عَلَيْهِنَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لَهُنَّ (فِي الْأَصَحِّ) لِخَشْيَةِ الْمَفْسَدَةِ فِيهِنَّ وَكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَأَتَّى غَالِبًا إلَّا بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لَهُمْ لَا لَهُنَّ، وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ نَعَمْ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا) عِنْدَ وُجُودِ سَائِرِ شُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فَلَيْسَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ الْمَارِّ فَإِنَّ الْمُفَاضَلَةَ تَقْتَضِي جَوَازَ الِانْفِرَادِ، وَذِكْرُ أَفْضَلَ فِي الْخَبَرِ قَبْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا لِقِيَامِ غَيْرِهِ بِهَا أَوْ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ.
أَمَّا إذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا مَرَّ فَلَا تَجِبُ بَلْ تَارَةً تُسَنُّ وَتَارَةً لَا وَتُسَنُّ لِمُمَيِّزٍ. نَعَمْ يَلْزَمُ وَلِيُّهُ أَمْرَهُ بِهَا لِيَتَعَوَّدَهَا إذَا كَمُلَ (وَقِيلَ) هِيَ فَرْضُ (عَيْنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَا يُقَاتِلُهُمْ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ) أَيْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْأَذَانِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ فِي الْإِقَامَةِ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ كُلَّ سُنَّةٍ يَجْرِي فِي الْقِتَالِ عَلَى تَرْكِهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. اهـ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ.
وَقَدْ صَرَّجَ الْمَحَلِّيُّ هُنَا بِحِكَايَةِ وَجْهٍ بِنَاءً عَلَى السُّنِّيَّةِ أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَيْهِمْ حَذَرًا مِنْ إمَاتَتِهَا، وَقَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ عَلَى السُّنِّيَّةِ فِي الْأَذَانِ وَنَحْوِهِ قَطْعًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا فَلَعَلَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى حِكَايَتِهِ فِي الْجَمَاعَةِ لِكَوْنِهِ أَشْهَرُ (قَوْلُهُ: لِمَزِيَّتِهِمْ) أَيْ شَرَفِهِمْ (قَوْلُهُ: لَا لَهُنَّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ سَهُلَ عَلَيْهِنَّ تَحْصِيلُهَا إمَّا فِي بُيُوتِهِنَّ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَمَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ لِكَوْنِهِنَّ غَيْرَ مُشْتَهَيَاتٍ. (قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ السَّابِقِ) هُوَ قَوْلُهُ: مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ الْمَارِّ) هُوَ قَوْلُهُ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ» إلَخْ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ هِيَ فِيهِ لَمْ يَذْكُرْهُ عَنْ الشَّيْخَيْنِ وَعِبَارَةُ حَجّ لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مِنْ رِوَايَتِهِمَا (قَوْلُهُ: فِي الْخَبَرِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ قَوْلِهِ مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَخْ الَّذِي عَنَاهُ بِقَوْلِهِ الْخَبَرِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: بَلْ تَارَةً تُسَنُّ) وَهَلْ يَحْتَاجُ الْعَبْدُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ؟ قَالَ الْقَاضِي: إنْ زَادَ زَمَنُهَا عَلَى زَمَنِ الِانْفِرَادِ احْتَاجَ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ شَغْلٌ، وَاعْتَمَدَ م ر فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ إذَا كَانَ زَمَنُهَا عَلَى الْعَادَةِ وَإِنْ زَادَ عَلَى زَمَنِ الِانْفِرَادِ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: وَتُسَنُّ لِمُمَيِّزٍ) أَيْ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُهَا دُونَ ثَوَابِ الْوَاجِبِ لَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ فَإِنَّهُ لَا خِطَابَ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ (قَوْلُهُ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ إلَخْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ وَالْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ الْمُتَوَعَّدِ عَلَى تَرْكِهَا بِالتَّحْرِيقِ هَلْ هِيَ الْعِشَاءُ أَوْ هِيَ الصُّبْحُ أَوْ الْجُمُعَةُ؟ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعِشَاءُ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ: لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ.
وَقِيلَ هِيَ الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ مَعًا، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي بَعْضِ طَرِيقِ هَذَا الْحَدِيثِ «إنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت» فَذَكَرَهُ.
وَقِيلَ هِيَ الْجُمُعَةُ، وَيَدُلُّ لَهُ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ «فَأُحَرِّقَ عَلَى قَوْمٍ بُيُوتَهُمْ لَا يَشْهَدُونَ الْجُمُعَةَ» وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ لَقَدْ هَمَمْت» فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ فِي كَوْنِهَا الْجُمُعَةَ، وَرِوَايَةُ كَوْنِهَا الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَوْنِهَا الْجُمُعَةَ حَدِيثٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَقْدَحُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَنْظُرُ فِي اخْتِلَافِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ فِيهِ عَلَى رِوَايَةِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْجُمُعَةِ عَنْ الْجَمَاعَةِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ: بَلْ هُمَا رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ فِي الْجُمُعَةِ وَرِوَايَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. اهـ مُلَخَّصًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْهُ فَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَاتِ، يَحْتَمِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ بَاعِثًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى إرَادَةِ التَّحْرِيقِ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .