الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّوَسُّطِ أَبْدَاهُ لِنَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ جَازِمًا يُرَدُّ بِأَنَّهُ قَدْ يَعِنُّ لَهُ بَعْدَ الْجَزْمِ عَدَمُ الْحُضُورِ، فَكَمْ مِنْ جَازِمٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ يُعْرِضُ عَنْهُ.
[شُرُوطُ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ]
فَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ (وَلِصِحَّتِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (مَعَ شَرْطِ) أَيْ شُرُوطِ (غَيْرِهَا) مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ (شُرُوطٌ) خَمْسَةٌ (أَحَدُهَا)(وَقْتُ الظُّهْرِ) بِأَنْ تَقَعَ كُلُّهَا فِيهِ لِأَنَّ الْوَقْتَ شَرْطٌ لِافْتِتَاحِهَا فَكَانَ شَرْطًا لِتَمَامِهَا، وَلِأَنَّهُمَا فَرْضَا وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَخْتَلِفْ وَقْتُهُمَا كَصَلَاةِ الْحَضَرِ وَصَلَاةِ السَّفَرِ لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَمَا رَوَيَاهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مِنْ قَوْلِهِ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يُسْتَظَلُّ بِهِ» مَحْمُولٌ عَلَى شِدَّةِ التَّعْجِيلِ بَعْدَ الزَّوَالِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا يَنْفِي ظِلًّا يُسْتَظَلُّ بِهِ لَا أَصْلَ الظِّلِّ، وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِالْمُبَادَرَةِ بِهَا فَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الِامْتِثَالِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بَاقِيًا فَجُمُعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَظُهْرٌ ثُمَّ بَانَ بَقَاؤُهُ فَوَجْهَانِ: أَقِيسُهُمَا الصِّحَّةُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ، وَلِأَنَّهُ نَوَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ (فَلَا تُقْضَى) إذَا فَاتَتْ (جُمُعَةٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ بَلْ تُقْضَى ظُهْرًا إجْمَاعًا،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: أَيْ شُرُوطِ غَيْرِهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ الْجُمُعَةِ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَإِلَى أَنَّ الشَّرْطَ بِمَعْنَى الشُّرُوطِ، وَيُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ: أَيْ مَعَ كُلِّ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: شُرُوطٌ خَمْسَةٌ) لَا يُنَافِيهِ عَدَدُهَا فِي الْمَنْهَجِ سِتَّةٌ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ كَوْنَ الْعَدَدِ أَرْبَعِينَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا بِخِلَافِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَقَعَ كُلُّهَا فِيهِ) أَيْ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِالتَّسْمِيَةِ الْأُولَى، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَتَى بِهَا فَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ هَلْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَقْتَ شَرْطٌ لِافْتِتَاحِهَا) أَيْ أَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَلَيْسَ الْوَقْتُ شَرْطًا لِافْتِتَاحِهَا بِدَلِيلِ الْقَضَاءِ خَارِجَهُ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَخْتَلِفْ وَقْتُهُمَا) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِالْمُبَادَرَةِ) أَيْ أَوْ بِتَأْخِيرِهَا انْتَهَى حَجّ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم فِيهِ تَأَمُّلٌ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَ بِغَيْرِ مَطْلُوبٍ لَا يَجِبُ امْتِثَالُهُ، وَيَرُدُّ هَذَا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ وُجُوبِ امْتِثَالِ الْإِمَامِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ التَّأْخِيرُ هُنَا لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا الْإِمَامُ، وَقَوْلُهُ بِهَا: أَيْ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ هَذَا: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ يُعْلَمُ بَقَاءُ مَا يَسَعُهَا مِنْ الْوَقْتِ أَوْ يُظَنُّ ذَلِكَ فَلَا يُرَدُّ مَا عَسَاهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي بَقَاءِ الْوَقْتِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَجَبَ الْإِحْرَامُ بِالظُّهْرِ انْتَهَى. وَهَذَا التَّصْوِيرُ هُوَ الْمُلَاقِي لِعِبَارَةِ الشَّارِحِ، وَفِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ مَا يُنَافِي هَذَا التَّصْوِيرَ حَيْثُ قَالَ: لَوْ شَكَّ فَنَوَى الْجُمُعَةَ إنْ بَقِيَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَالظُّهْرُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلَمْ يَضُرَّ هَذَا التَّعْلِيقُ، وَهُوَ مُنَافٍ لِمَفْهُومِ قَوْلِ سم: يَعْلَمُ بَقَاءَ مَا يَسَعُهَا مِنْ الْوَقْتِ أَوْ يَظُنُّ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ مَعَ الشَّكِّ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، عَلَى أَنَّ الزِّيَادِيَّ نَظَرَ تَبَعًا لِ حَجّ فِي الصِّحَّةِ الَّتِي نَقَلَ الْجَزْمَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا تُقْضَى)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ شَرْطٌ لِافْتِتَاحِهَا فَكَانَ شَرْطًا لِتَمَامِهَا) الْغَرَضُ هُنَا إثْبَاتُ كَوْنِ الْوَقْتِ شَرْطًا لِافْتِتَاحِهَا وَلِدَوَامِهَا، فَقَوْلُهُ: لِأَنَّ جُمُعَةَ الْوَقْتِ شَرْطٌ لِافْتِتَاحِهَا إلْزَامٌ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ إلَى الْآنَ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَتِمَّةٍ هِيَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ مَعَ تَتِمَّةٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهْم فِيهَا وَجَبَتْ الظُّهْرُ وَمَحَلُّهُ لَيْسَ إلَّا هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُمَا فَرْضًا وَقْتٌ وَاحِدٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِأَصْلِ الْمَتْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا أَرْدَفَهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ تَقَعَ كُلُّهَا فِيهِ، لَكِنَّ هَذَا التَّعْبِيرَ يَرْجِعُ لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ وَقْتَهُمَا مُتَّحِدٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِلِاتِّبَاعِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّهُ سَقَطَتْ مِنْهُ وَاوٌ مِنْ النُّسَّاخِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بَاقِيًا فَجُمُعَةٌ إلَخْ) لَعَلَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ ظَانٌّ إبْقَاءَ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَسَيَأْتِي
وَجُمُعَةً فِي كَلَامِهِ بِالنَّصْبِ لِفَسَادِ الرَّفْعِ، وَالْفَاءُ هِيَ مَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ، وَرُجِّحَ بَلْ أُفْسِدَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ اشْتِرَاطِ وَقْتِ الظُّهْرِ لِشُمُولِهِ الْقَضَاءَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ، وَلَك رَدُّهُ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّهْرِ الْأَعَمُّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِهَا وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ ظُهْرُ يَوْمِهَا كَمَا أَفَادَهُ السِّيَاقُ، وَحِينَئِذٍ فَالتَّفْرِيعُ صَحِيحٌ كَمَا لَا يَخْفَى.
(فَلَوْ)(ضَاقَ) الْوَقْتُ (عَنْهَا) بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُ خُطْبَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ احْتِمَالًا (صَلَّوْا ظُهْرًا) كَمَا لَوْ فَاتَ شَرْطُ الْقَصْرِ يَرْجِعُ لِلْإِتْمَامِ، فَلَوْ شَكُّوا فِي خُرُوجِ وَقْتِهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ بِالظُّهْرِ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا. وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ مَدَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى حَتَّى تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَا يَسَعُ الثَّانِيَةَ هَلْ تَنْقَلِبُ ظُهْرًا الْآنَ أَوْ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ؟ وَرَجَّحَ مِنْهَا الْأَوَّلَ، وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ فِي الْيَوْمِ هَلْ يَحْنَثُ حَالًا أَوْ غَدًا؟ الْأَرْجَحُ الثَّانِي (وَلَوْ خَرَجَ) الْوَقْتُ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا (وَهُمْ فِيهَا) فَاتَتْ وَ (وَجَبَ الظُّهْرُ) سَوَاءٌ أَصَلَّوْا فِي الْوَقْتِ رَكْعَةً أَمْ لَا، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا بَعْدَهُ فَتَنْقَطِعُ بِخُرُوجِهِ كَالْحَجِّ يَتَحَلَّلُ فِيهِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، وَإِلْحَاقًا لِلدَّوَامِ بِالِابْتِدَاءِ كَدَارِ الْإِقَامَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كُلُّ شَرْطٍ اُخْتُصَّ بِالْجُمُعَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
هَلْ سُنَّتُهَا كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ صَلَّى جُمُعَةً مُجْزِئَةً وَتَرَكَ سُنَّتَهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَمْ تُقْضَ أَوَّلًا بَلْ يَقْضِيهَا وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَرْضُهَا الْقَضَاءَ؟ فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ اهـ سم عَلَى حَجّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى الْمِنْهَاجِ مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَتَانِ لَمْ أَرَ فِيهِمَا نَقْلًا: إحْدَاهُمَا تَابِعَةُ الْجُمُعَةِ إذَا لَمْ يُصَلِّهَا فِي وَقْتِهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُقْضَى: أَيْ سُنَّةُ جُمُعَةٍ انْتَهَى. وَنَقَلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ شَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ مَثَلًا وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِجُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ وَدَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ أَنَّ النَّفَلَ الْمُؤَقَّتَ يُسَنُّ قَضَاؤُهُ (قَوْلُهُ: وَجُمُعَةً فِي كَلَامِهِ بِالنَّصْبِ) أَيْ عَلَى الْحَالِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِفَسَادِ الرَّفْعِ) لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا فَاتَتْ لَا تُقْضَى جُمُعَةً وَلَا ظُهْرًا. وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ الرَّفْعُ عَلَى مَا قِيلَ وَمَرَّ آنِفًا مَا فِيهِ، وَمُرَادُهُ بِمَا مَرَّ قَوْلُهُ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْآتِيَ بَلْ تُقْضَى ظُهْرًا فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَأَنَّ الرَّفْعَ فِي قَوْلِهِ جُمُعَةً صَحِيحٌ لِمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الظُّهْرَ لَيْسَتْ قَضَاءً عَنْهَا انْتَهَى
(قَوْلُهُ: فَلَوْ شَكُّوا فِي خُرُوجِ وَقْتِهَا) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالشَّكِّ الِاسْتِوَاءُ أَوْ مَعَ رُجْحَانِ الْخُرُوجِ فَإِنْ ظَنَّ الْبَقَاءَ فَتَبْقَى الْجُمُعَةُ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّنُّ نَاشِئًا عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ بِالظُّهْرِ) أَيْ فَلَوْ أَحْرَمَ ظَانًّا خُرُوجَ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ سَعَتُهُ تَبَيَّنَ عَدَمُ انْعِقَادِ الظُّهْرِ فَرْضًا وَوَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ آخَرُ وَإِلَّا وَقَعَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَيُمْكِنُ فِيهِ فِعْلُ الْجُمُعَةِ فَعَلَهَا وَإِلَّا قَضَى الظُّهْرَ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ) جَرَى عَلَيْهِ حَجّ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي) أَيْ فَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينَئِذٍ وَهَذَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ. وَكَتَبَ سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهَا فِي وَقْتٍ يَسَعُهَا لَكِنَّهُ طَوَّلَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ، أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَا يَسَعُهَا فَالْوَجْهُ عَدَمُ انْعِقَادِهَا جُمُعَةً، وَهَلْ تَنْعَقِدُ ظُهْرًا أَوْ نَفْلًا مُطْلَقًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالثَّانِي أَوْجَهُ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِهَا فِي وَقْتٍ لَا يَقْبَلُهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْوَقْتِ جَاهِلًا فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى. وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ وَالثَّانِي أَوْجَهُ لَا وَجْهَ لَهُ بَلْ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِهَا فِي وَقْتٍ لَا يَقْبَلُهَا: أَيْ جُمُعَةً: أَيْ وَيَقْبَلُهَا ظُهْرًا فَتَنْعَقِدُ ظُهْرًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَحْرَمَ بِهَا فِيمَا لَا يُقْبَلُ ظُهْرًا وَلَا جُمُعَةً، وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِهَا فِي وَقْتٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَنَّهُمْ لَوْ شَكُّوا فِيهِ وَجَبَتْ نِيَّةُ الظُّهْرِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ احْتِمَالًا) لَعَلَّهُ غَايَةٌ لِيَسَعَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ كُلُّ شَرْطٍ اُخْتُصَّ بِالْجُمُعَةِ إلَخْ) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ حَيْثُ اُشْتُرِطَتْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَطْ مَعَ الِاخْتِصَاصِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا لِافْتِتَاحِهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ افْتِتَاحُ الْإِمَامِ قَبْلَ انْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا وُقُوعُهَا فِي افْتِتَاحِ صَلَاةِ
فِي افْتِتَاحِهَا يَجِبُ اسْتِدَامَتُهُ إلَى تَمَامِهَا (بِنَاءً) عَلَى مَا فَعَلَ مِنْهَا فَيُسِرُّ بِقِرَاءَتِهِ مِنْ حِينَئِذٍ.
وَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِلظُّهْرِ وَإِتْمَامُهَا ظُهْرًا بِنَاءٌ مُتَحَتِّمٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَمَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَى أَنَّهُمْ إنْ شَاءُوا أَتَمُّوهَا ظُهْرًا وَإِنْ شَاءُوا قَلَبُوهَا نَفْلًا وَاسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ. وَقَالَ: إنَّ الْأَشْبَهَ فَرْضُ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ وَعَدَمِهِ لَا تَحَتُّمُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ، وَهَلْ نَقُولُ الْبِنَاءُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ إبْطَالِهَا أَوْ الِاسْتِئْنَافُ لِتَصِحَّ ظُهْرُهُ وِفَاقًا؟ الْأَقْرَبُ الثَّانِي إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَحِينَئِذٍ يُقَلِّبُهَا نَفْلًا وَيُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الظُّهْرَ انْتَهَى. قَالَ الْغَزِّيِّ: وَقَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيلِ الْبِنَاءِ إنَّهُمَا صَلَاتَا وَقْتٍ فَجَازَ بِنَاءُ أَطْوَلِهِمَا عَلَى أَقْصَرِهِمَا كَصَلَاةِ الْحَضَرِ مَعَ السَّفَرِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ، نَعَمْ يَجِبُ الْبِنَاءُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الظُّهْرِ أَوْ اُسْتُؤْنِفَتْ اهـ. قُلْت: كُلٌّ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ وَالْغَزِّيِّ غَيْرُ مُتَأَتٍّ فِي مَسْأَلَتِنَا إذْ صُورَتُهَا أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ خَرَجَ وَهُمْ فِيهَا فَتَأَمَّلْ (وَفِي قَوْلٍ اسْتِئْنَافًا) فَيَنْوِي الظُّهْرَ حِينَئِذٍ وَيَنْقَلِبُ مَا فَعَلَ مِنْ الْجُمُعَةِ نَفْلًا أَوْ تَبْطُلُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَوَّلُهُمَا، وَلَوْ شَكُّوا فِي خُرُوجِهِ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَوْ أَخْبَرَهُمْ عَدْلٌ بِخُرُوجِهِ فَفِي فَوْتِهَا احْتِمَالَانِ نَقَلَهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ، أَوْجُهُهُمَا كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ فَوْتُهَا عَمَلًا بِخَبَرِ الْعَدْلِ كَمَا فِي غَالِبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ.
(وَ) أَمَّا (الْمَسْبُوقُ) الْمُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَهُوَ (كَغَيْرِهِ) فِيمَا مَرَّ فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِهِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ ظُهْرًا (وَقِيلَ يُتِمُّهَا جُمُعَةً) لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِجُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَوْ سَلَّمُوا مِنْهَا أَوْ الْمَسْبُوقُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى خَارِجَ الْوَقْتِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِخُرُوجِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ كَالسَّلَامِ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ عَمْدًا، فَإِنْ كَانُوا جَاهِلِينَ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا لِعُذْرِهِمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحَطَّ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْوَقْتُ فِيمَا يَتَدَارَكُهُ كَمَا حُطَّ عَنْهُ الْعَدَدُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَا يَسَعُهَا فَالْوَقْتُ قَابِلٌ لَا لِلْجُمُعَةِ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا كَفَوَاتِ الْعَدَدِ وَنَحْوِهِ وَقَعَتْ ظُهْرًا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الظُّهْرِ) قَضِيَّةُ نَفْيِ الِاحْتِيَاجِ جَوَازُ نِيَّةِ الظُّهْرِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّ اسْتِئْنَافَ الظُّهْرِ يُصَيِّرُهُ قَضَاءً مَعَ إمْكَانِ وُقُوعِهِ أَدَاءً وَهُوَ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَهَلْ نَقُولُ إلَخْ) مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ وَمَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ) يُتَأَمَّلُ مَعَ فَرْضِ الْكَلَامِ فِي أَنَّهُ خَرَجَ وَهُمْ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ فِي قَوْلِهِ قُلْت إلَخْ (قَوْلُهُ: إنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ خَرَجَ وَهُمْ فِيهَا فَتَأَمَّلْ) أَيْ فَلَعَلَّ كَلَامَهُمَا مُصَوَّرٌ بِمَا لَوْ فَاتَ شَرْطٌ يَخْتَصُّ بِهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا كَأَنْ نَقَصَ الْعَدَدُ فِي أَثْنَائِهَا فَإِنَّهُ يَبْطُلُ كَوْنُهَا جُمُعَةً وَتَنْقَلِبُ ظُهْرًا، وَيُقَالُ: الْأَفْضَلُ اسْتِئْنَافُهَا حِينَئِذٍ ظُهْرًا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَكَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي الْجُمُعَةِ فَأَخْبَرُوهُمْ بِأَنَّ طَائِفَةً إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيَنْقَلِبُ مَا فَعَلَ مِنْ الْجُمُعَةِ نَفْلًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، وَهُوَ مُشْكِلٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا نَفْلٌ بِدُونِ رَكْعَةٍ وَلَا بِهَا بِدُونِ تَشَهُّدٍ أَوْ سَلَامٍ، فَيُحْتَمَلُ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا فَيُتِمُّهَا رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ، وَيُحْتَمَلُ انْقِلَابُهَا مِنْ الْآنِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا فَعَلَهُ، وَيَخُصُّ كَوْنَ الصَّلَاةِ لَا تَكُونُ بِدُونِ تَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ بِالِاخْتِيَارِ وَهَذِهِ لِلْعُذْرِ فِيهَا لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا جَاهِلِينَ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا) أَيْ وَسَجَدُوا لِلسَّهْوِ لِفِعْلِهِمْ مَا يَبْطُلُ عَمْدُهُ (قَوْلُهُ كَمَا حُطَّ عَنْهُ الْعَدَدُ) قَدْ يُقَالُ: لَمْ يُحَطَّ الْعَدَدُ عَنْ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّ مَعْنَى اعْتِبَارِ الْعَدَدِ صَلَاةُ أَرْبَعِينَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَانْفِرَادُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْمَأْمُومِينَ فَإِنَّمَا هُوَ لِضَرُورَةِ تَقَدُّمِ افْتِتَاحِ الْإِمَامِ الْمُشْتَرَطِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَرْضُ الْخِلَافِ إلَخْ) أَيْ فَالْقَوْلُ الثَّانِي يَقُولُ: يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ وَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَقُولُ: بَلْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ: أَيْ مَعَ الِاسْتِئْنَافِ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ) رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ وَالضَّمِيرُ فِي لَفْظِهِ لِلْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: كُلٌّ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ وَالْغَزِّيِّ غَيْرُ مُتَأَتٍّ) يَعْنِي آخِرَ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ وَالِاسْتِدْرَاكُ الَّذِي اسْتَدْرَكَهُ الْغَزِّيِّ وَإِلَّا فَصَدْرُ كَلَامِهِمَا مُتَأَتٍّ.
لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِرِعَايَةِ الْوَقْتِ أَكْثَرُ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي الِانْفِضَاضِ الْمُخِلِّ بِالْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ اخْتِلَافِهِ فِي فَوَاتِ الْجُمُعَةِ بِوُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ خَارِجَ الْوَقْتِ وَبِدَلِيلِ تَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَوَاتِ عَلَى دُخُولِ وَقْتِهَا وَحُرْمَةِ تَأْخِيرِهَا عَنْهُ بِخِلَافِ الْقُدْوَةِ وَالْعَدَدِ. وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ الْأُولَى وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فِيهِ وَسَلَّمَهَا الْبَاقُونَ خَارِجَهُ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ فَقَطْ دُونَ الْمُسَلِّمِينَ خَارِجَهُ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ، وَكَذَا جُمُعَةُ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ لَوْ نَقَصُوا عَنْ أَرْبَعِينَ كَأَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فِيهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَعَهُ أَوْ بَعْضُهُمْ خَارِجَهُ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لَهُ وَحْدَهُ فِيمَا لَوْ كَانُوا مُحْدِثِينَ دُونَهُ لِأَنَّ سَلَامَهُمْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ فَتَمَّتْ فِيهِ صُورَةُ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَلِأَنَّ الْمُحْدِثَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي الْجُمْلَةِ فِيمَا إذَا فَقَدَ الطَّهُورَيْنِ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ خَارِجَ الْوَقْتِ، وَلِأَنَّهُ هُنَا مُقَصِّرٌ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ بَعْضِهَا عَنْ الْوَقْتِ، بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ بَلْ سَلَّمَ فِي الْوَقْتِ فَأَخَّرُوا إلَى أَنْ خَرَجَ الْوَقْتُ اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إلْحَاقًا لِلْفَرْدِ النَّادِرِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَلْزَمَ فِيهَا صِحَّةُ جُمُعَتِهِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَهُوَ أَوْجَهُ، هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ.
(الثَّانِي) مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ)(تُقَامَ فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةٍ) التَّعْبِيرُ بِهَا لِلْجِنْسِ فَيَشْمَلُ الْوَاحِدَ إذَا كَثُرَ فِيهِ عَدَدٌ مُعْتَبَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى (أَوْطَانِ الْمُجَمِّعِينَ) لِتَشْدِيدِ الْمِيمِ: أَيْ الْمُصَلِّينَ لَهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَبْنِيَّةً لِطِينٍ أَوْ قَصَبٍ أَمْ سَعَفٍ أَمْ غَيْرِهَا أَمْ أَسْرَابًا وَهِيَ بُيُوتٌ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ فِي عَصْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ إلَّا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَسْبُوقِ عَنْ الْجَمَاعَةِ بِعَدَمِ سَلَامِ الْإِمَامِ كَانْفِرَادِ الْمُوَافِقِ لَوْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ بَعْدَ تَمَامِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَطَوَّلَ فِي قِرَاءَتِهِ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ وَذَلِكَ غَيْرُ مُضِرٍّ، وَالْمُوَافِقُ وَالْمَسْبُوقُ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ تَابِعًا) أَيْ الْمَسْبُوقُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْقُدْوَةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ) أَيْ ثُمَّ إنْ سَلَّمُوا عَالِمِينَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ وَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا إنْ عَلِمُوا بِالْحَالِ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا صَحَّتْ لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: فِيمَا لَوْ كَانُوا مُحْدِثِينَ) وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَرَضَ أَنَّهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْجَوَابِ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْبُطْلَانِ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ) أَيْ مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ حَيْثُ نَقَصُوا عَنْ الْأَرْبَعِينَ.
(قَوْلُهُ: فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَهِيَ أَرْضٌ يَخْتَطُّهَا الرَّجُلُ بِأَنْ يُعَلِّمَ عَلَيْهَا عَلَامَةً بِالْخَطِّ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ اخْتَارَهَا لِيَبْنِيَهَا دَارًا، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ انْتَهَى شَرْحُ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلَهُ فِي خِطَّةٍ إلَخْ: لَوْ أَحْرَمَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ خَارِجَ الْخِطَّةِ بِالظُّهْرِ وَأَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ دَاخِلَ الْخِطَّة أَرْبَعُونَ مُقْتَدُونَ فَهَلْ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ أَوْ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ بِالْجُمُعَةِ فِي قَرْيَتِهِمْ مُقْتَدِينَ بِإِمَامِ جُمُعَةٍ أُخْرَى تُقَامُ بَقَرِيَّة أُخْرَى بِقُرْبِ قَرْيَتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ وَعَدَمِ الْحَائِلِ فَهَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فِي الصُّورَتَيْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ عِنْدِي صِحَّتُهَا فِيهِمَا انْتَهَى. وَفِي حَجّ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: أَمْ أَسْرَابًا) فِي جَعْلِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبِنَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ مَا يَشْمَلُ ذَلِكَ إمَّا بِجَعْلِهِ بِنَاءً تَجَوُّزًا أَوْ بِإِطْلَاقِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا، وَعِبَارَةُ حَجّ التَّعْبِيرُ بِالْبِنَاءِ وَبِالْجَمْعِ لِلْغَالِبِ، إذْ نَحْوُ الْغِيرَانِ وَالسَّرَادِيبِ فِي نَحْوِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَلَامَهُمْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ إلَخْ) هَذَا فَرْقٌ بِعَيْنِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ هُنَا مُقَصِّرٌ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَخْ) أَيْ بِتَسَبُّبِهِ بِالتَّأْخِيرِ الْمُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ سَلَامِ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ خَارِجَ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَصَلَاتُهُ هُوَ وَقَعَتْ جَمِيعًا فِي الْوَقْتِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمُحْدِثَ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَفَارَقَ ذَلِكَ مَا لَوْ بَانَ حَدَثُ غَيْرِ الْإِمَامِ فَإِنَّهَا تَقَعُ لَهُ جُمُعَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ تَصِحُّ مَعَ الْمُحْدِثِ فِي الْجُمْلَةِ كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَلَا كَذَلِكَ خَارِجَ الْوَقْتِ، فَكَانَ ارْتِبَاطُهَا بِهِ أَتَمَّ مِنْهُ بِالطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: بَلْ سَلَّمَ فِي الْوَقْتِ) أَيْ مَعَ اتِّسَاعِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدُ فَأَخَّرُوا إلَخْ وَإِلَّا فَالْمَسْأَلَةُ قَبْلَهَا لِذَلِكَ
فِي دَارِ الْإِقَامَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا مَسْجِدٌ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ أَوْ أُحْرِقَتْ وَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى عِمَارَتِهَا وَلَوْ فِي غَيْرِ مَظَالٍّ لَمْ يُقْدَحْ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ، وَلَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ بِنَاءٍ إلَّا فِي هَذِهِ، وَفَارَقَ مَا لَوْ نَزَلُوا مَكَانًا وَأَقَامُوا فِيهِ لِيُعَمِّرُوهُ قَرْيَةً حَيْثُ لَا تَصِحُّ فِيهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِاسْتِصْحَابِ الْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ خِطَّةٌ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَرْضٌ خُطَّ عَلَيْهَا أَعْلَامٌ لِلْبِنَاءِ فِيهَا الْفَضَاءُ الْمَعْدُودُ مِنْ الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْدُودِ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي الْكِنِّ الْخَارِجِ عَنْهَا، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْدُودِ مِنْهَا بَيْنَ الْمُتَّصِلِ بِالْأَبْنِيَةِ وَالْمُنْفَصِلِ عَنْهَا كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْقُرَى يُؤَخِّرُونَ الْمَسْجِدَ عَنْ جِدَارِ الْقَرْيَةِ قَلِيلًا صِيَانَةً عَنْ نَجَاسَةِ الْبَهَائِمِ، وَعَدَمُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِيهِ بَعِيدٌ، وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَنَى أَهْلُ الْقَرْيَةِ مَسْجِدَهُمْ خَارِجَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْبُنْيَانِ مَحْمُولٌ عَلَى انْفِصَالٍ لَا يُعَدُّ بِهِ مِنْ الْقَرْيَةِ انْتَهَى. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الضَّابِطَ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ بِحَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ، وَلَوْ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْجَبَلِ كَذَلِكَ انْتَهَى (قَوْلُهُ: فِي دَارِ الْإِقَامَةِ) أَيْ وَكَانَتْ أَبْنِيَةً.
(قَوْلُهُ: أَوْ أُحْرِقَتْ وَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى عِمَارَتِهَا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ غَيْرُ أَهْلِهَا لِعِمَارَتِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَتُهَا فِيهَا إذْ لَا اسْتِصْحَابَ فِي حَقِّهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ. وَهُوَ ظَاهِرٌ مَا لَوْ أَقَامَ أَوْلِيَاؤُهُمْ عَلَى الْعِمَارَةِ وَهُمْ عَلَى نِيَّةِ عَدَمِهَا أَوْ الْعَكْسِ هَلْ الْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ نِيَّتِهِمْ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وُجُودًا وَعَدَمًا، لِأَنَّ غَيْرَ الْكَامِلِ لَا اعْتِدَادَ بِنِيَّتِهِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ كَانَ ثَمَّ أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ مُسْتَوْطِنُونَ فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ مِنْهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ تَبَعًا لَهُمْ، وَإِنْ قُلْنَا الْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ غَيْرِ الْكَامِلِينَ لِكَوْنِ الْقَرْيَةِ مِلْكَهُمْ لَا تَصِحُّ مِنْ الْكَامِلِينَ إذَا فَعَلُوا وَأَمَّا غَيْرُ الْكَامِلِينَ إذَا فَعَلُوهَا اسْتِقْلَالًا لَمْ تَنْعَقِدْ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. أَيْضًا مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ نِيَّةُ الْكَامِلِينَ فَبَعْضُهُمْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَبَعْضُهُمْ نَوَى عَدَمَهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِنِيَّةِ مَنْ نَوَى الْبِنَاءَ وَكَانَ غَيْرُهُمْ مَعَهُمْ جَمَاعَةً أَغْرَابُ دَخَلُوا بَلْدَةَ غَيْرِهِمْ فَتَصِحُّ مِنْهُمْ تَبَعًا لِأَهْلِ الْبَلَدِ (قَوْلُهُ عَلَى عِمَارَتِهَا) أَيْ أَوْ أَطْلَقُوا (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا تَصِحُّ فِيهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ) وَانْظُرْ مَا ضَابِطُ الْبِنَاءِ هُنَا هَلْ هُوَ مَا يُسَمَّى بِنَاءً عُرْفًا أَوْ هُوَ تَهْيِئَتُهُ لِلسُّكْنَى أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ لَا تُقْصَرُ فِيهِ) أَيْ فَتَصِحُّ فِيهِ اسْتِقْلَالًا وَتَبَعًا هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ إنْ كَانُوا بِمَكَانٍ لَا يَقْصُرُ فِيهِ مَنْ سَافَرَ إلَخْ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ الْأَذْرَعِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَعَدَمُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِيهِ بَعِيدٌ) مَا لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْعُمْرَانِ ثُمَّ خَرِبَ مَا حَوَالَيْهِ وَصَارَ مُنْفَصِلًا عَنْ الْعِمَارَةِ هَلْ تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيَّنُ صِحَّتُهَا فِيهِ لِتَحَقُّقِ كَوْنِهِمَا مِنْ الْبَلَدِ أَوَّلًا، وَطُرُوُّ الْخَرَابِ لَا يَمْنَعُ نِسْبَتَهُ إلَيْهَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَابْنِ الْبَزْرِيِّ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ انْتَصَرَ لَهُمَا جَمْعٌ وَمَنَعُوا جَوَازَ التَّرَخُّصِ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ لَكِنَّهُ نَظَرَ فِيهِ وَمَالَ إلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَرَابِ الْمُتَخَلَّلِ بِالْعُمْرَانِ فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ إقَامَتِهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ) أَيْ وَالْمَسْجِدِ حَيْثُ نُسِبَ لِلْبَلَدِ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْقَصْرِ مُجَاوَزَتُهُ كَبَعْضِ الْبُيُوتِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ الْبَلَدِ. وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ مِثْلِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ نَقْلًا عَنْهُ: فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَرَاكِبِ الرَّاسِيَةِ بِسَاحِلِ بُولَاقَ تَبَعًا لِمَنْ بِالْمَدْرَسَةِ الْبَاشِيَّةِ إذَا كَانُوا أَرْبَعِينَ، لِأَنَّ الْمَرَاكِبَ لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِيهَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَيْرِهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ الْقَصْرِ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَرِيمَ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ فِيهِ إلَّا تَبَعًا لِأَرْبَعَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ، وَغَيْرُ الْحَرِيمِ لَا تَجُوزُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْجَهُ صِحَّةُ الْجُمُعَةِ تَبَعًا وَاسْتِقْلَالًا فِي كُلِّ مَا لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ ثُمَّ سَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَوَافَقَ عَلَى هَذَا الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ الْوَجْهُ ثُمَّ قَرَّرَهُ مِرَارًا انْتَهَى.
سُئِلَ عَنْ قَرْيَةٍ لَهَا سُورٌ وَلَا يَكْمُلُ الْعَدَدُ إلَّا بِمَنْ هُوَ دَاخِلَهُ وَخَارِجَهُ، فَهَلْ تَلْزَمُ الْكُلَّ وَتَجُوزُ إقَامَتُهَا دَاخِلَ السُّورِ وَخَارِجَهُ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فِي مَحَلٍّ تَصِحُّ فِيهِ وَامْتَدَّتْ الصُّفُوفُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَوَرَاءَ مَعَ الِاتِّصَالِ الْمُعْتَبَرِ حَتَّى خَرَجَتْ إلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ مَثَلًا صَحَّتْ جُمُعَةُ الْخَارِجِينَ إنْ كَانُوا بِمَكَانٍ لَا يَقْصِرُ فِيهِ مَنْ سَافَرَ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ لِكَوْنِهَا فِي غَيْرِ خِطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِهِمْ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ كَالصَّرِيحِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ إقَامَتِهَا فِي مَحَلٍّ يُتَرَخَّصُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَ مَحَلَّ إقَامَتِهَا مُنْفَصِلًا عَنْ الْبَلَدِ وَأَنْ يَطْرَأَ انْفِصَالُهُ عَنْهَا لِخَرَابِ مَا بَيْنَهُمَا، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ إذَا كَانَ الْبَلَدُ كَبِيرًا وَخُرِّبَ مَا حَوَالَيْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ حُكْمُ الْوَصْلَةِ فَتَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْسَخٌ.
(وَلَوْ) (لَازَمَ أَهْلُ الْخِيَامِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَكَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إقَامَتُهَا خَارِجَ السُّورِ لِجَوَازِ الْقَصْرِ لِمُجَاوَزَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بُنْيَانٌ، لَكِنَّ سُكْنَى بَعْضِهِمْ خَارِجَهُ لَا تَمْنَعُ كَوْنَهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ الْمُسْتَوْطِنِينَ فَيَتِمُّ الْعَدَدُ بِهِ إذَا أُقِيمَتْ دَاخِلَهُ. أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَهُ أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرَ وَدَاخِلَهُ كَذَلِكَ فَتَصِحُّ لِلْخَارِجِينَ عَنْهُ حَيْثُ عَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان دَاخِلَهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ إقَامَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِينَ مَحَلَّ سَفَرٍ انْتَهَى. وَسُئِلَ رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ: قَالُوا لَا بُدَّ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ، فَهَلْ إذَا أَقَامَهَا مَنْ دُورُهُمْ خَارِجَ السُّورِ وَتَكَمَّلُوا بِوَاحِدٍ مِمَّنْ دَارُهُ دَاخِلَ السُّورِ تَنْعَقِدُ بِهِ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ لِأَنَّهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِيهِ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ إذْ لَيْسَ هُوَ دَارَ إقَامَتِهِ، وَلَوْ دَخَلَ مِنْ دَارِهِ خَارِجَ السُّورِ إلَى دَاخِلِهِ انْعَقَدَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى مَا أَفْتَيْت بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ السَّفَرَ وَاحْتَاجَ إلَى قَطْعٍ دَاخِلَ السُّورِ لِكَوْنِهِ فِي مَقْصِدِهِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ السُّورِ ثُمَّ يُجَاوِزَ الْعُمْرَانَ الَّذِي وَرَاءَهُ، لِأَنَّ السُّورَ لَا عِبْرَةَ بِهِ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا الْعُمْرَانُ الَّذِي خَارِجَهُ كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ دَارُ إقَامَتِهِ انْتَهَى ابْنُ حَجَرٍ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانُوا بِمَكَانٍ لَا يَقْصُرُ فِيهِ) دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي قَرْيَةٍ وَاقْتَدَى بِإِمَامِهَا أَهْلُ قَرْيَةٍ أُخْرَى مُنْفَصِلَةٍ عَنْهَا عُرْفًا فَلَا تَصِحُّ جُمُعَةُ الْقَرْيَةِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ مَنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ إلَى تِلْكَ الْقَرْيَةِ جَازَ الْقَصْرُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لَكِنَّ صَمَّمَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَلَى الصِّحَّةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ فَلْيُرَاجَعْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجَرٍ عَلَى الْمِنْهَاجِ مَا نَصُّهُ: وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ هُنَا فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةٍ وَفِيمَا يَأْتِي بِأَرْبَعِينَ أَنَّ شَرْطَهُ الصِّحَّةُ كَوْنُ الْأَرْبَعِينَ فِي الْخِطَّةِ وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ خُرُوجُ مَنْ عَدَاهُمْ عَنْهَا فَيَصِحُّ رَبْطُ صَلَاتِهِمْ الْجُمُعَةَ بِصَلَاةِ إمَامِهَا لِشَرْطِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَكَلَامُهُمْ فِي شُرُوطِ الْقُدْوَةِ الْمَكَانِيَّةِ يَقْتَضِيهِ أَيْضًا، فَعَلَيْهِ لَوْ اقْتَدَى أَهْلُ بَلَدٍ سَمِعُوا وَهُمْ بِبَلَدِهِمْ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ فِي بَلْدَةٍ وَتَوَفَّرَتْ شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ جَازَ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَنْ تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِمَا نَصُّهُ: أَرْبَعِينَ فَأَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ الِانْعِقَادِ وَإِنْ كَانَ إمَامُهَا الزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ خَارِجًا عَمَّا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ لِلْقَصْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِأَنْ اقْتَدُوا بِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَقَدْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ وَنَوَى غَيْرَهَا أَوْ اقْتَدَى بِمَنْ فِي قَرْيَةِ أُخْرَى حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ بِهِمَا مِنْ الْقُرْبِ وَعَدَمِ الْحَيْلُولَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ نَقْلًا عَنْ حَوَاشِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ.
(قَوْلُهُ: مَنْ سَافَرَ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ إلَى فَضَاءٍ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِيهِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ لَا تَبَعًا وَلَا اسْتِقْلَالًا، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ طب، لَكِنَّهُ نُقِلَ عَنْ ع احْتِمَالًا بِخِلَافِهِ، وَجَرَى ابْنُ حَجَرٍ عَلَى صِحَّةِ جُمُعَةِ الْخَارِجِينَ تَبَعًا حَيْثُ زَادُوا عَلَى الْأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ الْمَعْدُودَ مِنْ الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ تَصِحُّ فِيهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَزُلْ عَنْهُ حُكْمُ الْوَصْلَةِ) وَجَرَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: مَعَ الِاتِّصَالِ الْمُعْتَبَرِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ الْمُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الْقُدْوَةِ الْمَارُّ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ، وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ لَا يُعْتَبَرُ لَهَا اتِّصَالٌ خَاصٌّ، عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِفْتَاءَ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ لَوْ أُنْشِئَتْ الْجُمُعَةُ فِي هَذَا
الصَّحْرَاءَ) أَيْ مَوْضِعًا مِنْهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (أَبَدًا) وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ النِّدَاءُ مِنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ (فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ) وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ الْمُقِيمِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ بِهَا. وَالثَّانِي تَجِبُ وَيُقِيمُونَهَا فِي مَوْضِعِهِمْ لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ وَطَنُهُمْ، فَإِنْ بَلَغَهُمْ النِّدَاءُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَلَوْ لَمْ يُلَازِمُوهُ أَبَدًا بِأَنْ انْتَقَلُوا عَنْهُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ جُمُعَةٌ جَزْمًا وَلَمْ تَصِحَّ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعِهِمْ جَزْمًا.
(الثَّالِثُ) مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا) وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةً وَكَثُرَتْ مَسَاجِدُهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ لَمْ يُقِيمُوا سِوَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ (إلَّا إذَا كَبُرَتْ) أَيْ الْبَلَدُ (وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ) يَقِينًا عَادَةً (فِي مَكَانِ) مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ تَعَدُّدُهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ دَخَلَ بَغْدَادَ وَأَهْلُهَا يُقِيمُونَ بِهَا جُمُعَتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثًا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: أَوْ بَعُدَتْ أَطْرَافُ الْبَلَدِ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَالْأَوَّلُ مُحْتَمَلٌ إنْ كَانَ الْبَعِيدُ بِمَحَلٍّ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ نِدَاؤُهَا لِشُرُوطِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَوْ خَرَجَ مِنْهُ عَقِبَ الْفَجْرِ لَمْ يُدْرِكْهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ اجْتَمَعَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلِّ الْبَعِيدِ كَذَلِكَ أَرْبَعُونَ صَلَّوْا الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَالظُّهْرَ، وَالثَّانِي ظَاهِرٌ أَيْضًا فَكُلُّ فِئَةٍ بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ يَلْزَمُهَا إقَامَةُ الْجُمُعَةِ، وَهَلْ الْمُرَادُ اجْتِمَاعُ مَنْ تَلْزَمُهُ أَوْ مَنْ تَصِحُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَنْ قَالَ بِذَلِكَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقَصْرِ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ إلْحَاقًا لِمَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْعُمْرَانِ بِالْخَرَابِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ عُمْرَانِ الْبَلَدِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ بَلَغَهُمْ النِّدَاءُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا بِنَفْسِ الْخِيَامِ أَمْ بِمَا يُنْسَبُ إلَيْهَا كَمَرَافِقِهَا فَيَجِبُ الْحُضُورُ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الْخِيَامِ فِيمَا يَظْهَرُ لِنِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهَا وَعَدِّهِ مِنْهَا، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْقَرْيَتَيْنِ (قَوْلُهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ) أَيْ بِمَحَلِّهِمْ أَمَّا غَيْرُهُ فَإِنْ بَلَغَهُمْ مِنْهُ النِّدَاءُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُقَارِنُهَا جُمُعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا) . [فَرْعٌ] لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ خُطْبَتَانِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِمَا ثُمَّ أَرَادَ شَخْصٌ آخَرُ إحْدَاثَ خُطْبَةٍ ثَالِثَةٍ فَهَلْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إنْشَائِهَا وُقُوعُ خَلَلٍ فِيهَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ هِيَ السَّابِقَةَ عَلَى غَيْرِهَا، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ تَكْثُرَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَيَحْتَاجُونَ لِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنْ يُقَالَ: يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ خَلَلٍ فِيهَا لِسَبْقِهَا لَكِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خَلَلٍ فِي الْقَدِيمَتَيْنِ إنْ وَقَعَتَا مَعًا بَعْدَ الْحَادِثَةِ أَوْ بُطْلَانِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إنْ تَرَتَّبَتَا، وَاحْتِمَالُ كَثْرَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ بِحَيْثُ يَحْتَاجُونَ إلَى ذَلِكَ الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلَا يُتْرَكُ الْأَمْرُ الْحَاصِلُ لِلْمُتَوَهِّمِ. (قَوْلُهُ: فِي مَكَانِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَسْجِدِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَسْجِدَانِ وَكَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ إذَا صَلَّوْا فِيهِمَا وَسِعَاهُمْ مَعَ التَّعَدُّدِ وَكَانَ هُنَاكَ مَحَلٌّ مُتَّسَعٌ كَزَرِيبَةٍ مَثَلًا إذَا صَلَّوْا فِيهِ لَا يَحْصُلُ التَّعَدُّدُ هَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ فِعْلُهَا فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ الثَّانِيَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي حِرْصًا عَلَى عَدَمِ التَّعَدُّدِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) مِنْ كَلَامِ م ر (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي ظَاهِرٌ أَيْضًا) هُوَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْمَوْضِعِ ابْتِدَاءً فَهِيَ مُنْعَقِدَةٌ كَمَا عُلِمَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَوْضِعًا مِنْهَا) أَيْ وَإِلَّا فَالْمَتْنُ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانُوا يَنْتَقِلُونَ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ مَوْضِعٍ لِمَوْضِعٍ إذْ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ مُلَازِمُونَ لِلصَّحْرَاءِ: أَيْ لَمْ يَسْكُنُوا الْعُمْرَانَ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ بِمَحَلٍّ وَخَرَجَ مِنْهُ عَقِبَ الْفَجْرِ لَمْ يُدْرِكْهَا) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُدْرِكُهَا فَلَا يَجُوزُ التَّعَدُّدُ وَيَجِبُ السَّعْيُ لِمَحَلِّهَا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ النِّدَاءَ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَةِ هَذَا بِمَا قَبْلَهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ فَفَارَقَ اشْتِرَاطَ السَّمْعِ فِي الْخَارِجِ عَنْ الْبَلَدِ وَكَانَ غَرَضُهُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ: وَالْأَوَّلُ مُحْتَمَلٌ إنْ كَانَ الْبَعِيدُ إلَخْ أَنَّ كَلَامَ الْأَنْوَارِ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَيُحْتَمَلُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَسْمَعْ النِّدَاءَ، وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِمَحَلٍّ لَوْ خَرَجَ مِنْهُ عَقِبَ الْفَجْرِ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) لَمْ يَمُرَّ هَذَا فِي كَلَامِهِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي الْإِحَالَةِ لِلشِّهَابِ حَجّ، لَكِنَّ ذَاكَ قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ
لَا يَفْعَلُهَا أَوْ مَنْ يَفْعَلُهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ غَالِبًا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ أَقْرَبَهَا الْأَخِيرُ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقِيلَ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ) وَتُحْتَمَلُ فِيهَا الْمَشَقَّةُ فِي الِاجْتِمَاعِ، وَاقْتَصَرَ فِي التَّنْبِيهِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمُتَابِعِيهِ عَلَى هَذَا وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَسُكُوتُ الشَّافِعِيِّ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُنْكِرُ عَلَى مُجْتَهِدٍ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالتَّعَدُّدِ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا بَعِيدٌ، ثُمَّ انْتَصَرَ لَهُ وَصَنَّفَ فِيهِ أَرْبَعُ مُصَنَّفَاتٍ وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا.
(وَقِيلَ إنْ حَالَ نَهْرٌ عَظِيمٌ) يُحْوِجُ إلَى سِبَاحَةٍ (بَيْنَ شِقَّيْهَا) كَبَغْدَادَ (كَانَا) أَيْ الشِّقَّانِ (كَبَلَدَيْنِ) فَيُقَامُ فِي كُلِّ شِقٍّ جُمُعَةٌ (وَقِيلَ إنْ كَانَتْ) أَيْ الْبَلْدَةُ (قُرًى) مُتَفَاصِلَةً (فَاتَّصَلَتْ) أَبْنِيَتُهَا (تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا) فَيُقَامُ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ جُمُعَةٌ كَمَا كَانَ، (فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ) فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّعَدُّدُ (فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ) لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِهَا، وَاللَّاحِقَةُ بَاطِلَةٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى وَاحِدَةٍ (وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ) إمَامًا كَانَ أَوْ مُقْتَدِيًا (فَهِيَ الصَّحِيحَةُ) وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ بِمُبَادَرَةِ شِرْذِمَةٍ إلَى ذَلِكَ.
وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ حُكْمَ الْخَطِيبِ الْمَنْصُوبِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ أَوْ مِنْ جِهَةِ نَائِبِهِ كَحُكْمِ السُّلْطَانِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُقَيَّدٌ فِي الْأُمِّ بِأَنْ لَا يَكُونَ وَكِيلُ الْإِمَامِ مَعَ السَّابِقَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا فَالْجُمُعَةُ هِيَ السَّابِقَةُ (وَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ) مِنْ الْإِمَامِ بِتَمَامِ التَّكْبِيرِ وَهُوَ الرَّاءُ وَإِنْ سَبَقَهُ الْآخِرُ بِالْهَمْزِ لِأَنَّ بِهِ الِانْعِقَادَ، وَشَمَلَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ كَوْنِ الْعِبْرَةِ بِتَمَامِ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ دُونَ تَكْبِيرِ مَنْ خَلَفَهُ مَا لَوْ أَحْرَمَ إمَامٌ بِالْجُمُعَةِ ثُمَّ إمَامٌ آخَرُ بِهَا ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ ثُمَّ بِالْأَوَّلِ مِثْلُهُمْ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْأَوَّلِ، إذْ بِإِحْرَامِهِ تَعَيَّنَتْ جُمُعَتُهُ لِلسَّبْقِ وَامْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ أُخْرَى وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ (وَقِيلَ) الْمُعْتَبَرُ سَبْقُ الْهَمْزَةِ، وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ (سَبْق التَّحَلُّلِ) أَيْ بِتَمَامِ السَّلَامِ لِلْأَمْنِ مَعَهُ مِنْ عُرُوضِ فَسَادِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ (وَقِيلَ بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلٌ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي الْجُمُعَةِ فَأَخْبَرُوهُمْ بِأَنَّ طَائِفَةً سَبَقَتْهُمْ بِهَا اُسْتُحِبَّ لَهُمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ يَفْعَلُهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ غَالِبًا) أَيْ يَغْلِبُ فِعْلُهُمْ لَهَا (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ أَقْرَبَهَا الْأَخِيرُ) عِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ قَوْلِهِ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ، الْمُرَادُ فِيمَا يَظْهَرُ وِفَاقًا م ر عَسُرَ اجْتِمَاعُ الْحَاضِرِينَ بِالْفِعْلِ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ، وَهَذَا مُخَالِفٌ كَمَا تَرَى لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَلَعَلَّ أَقْرَبَهَا إلَخْ لِاعْتِبَارِ الشَّارِحِ الْغَلَبَةَ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا لَهَا حَيْثُ اعْتَبَرَا مَنْ يَحْضُرْ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا بَعِيدٌ) أَيْ الْقَوْلُ بِالتَّعَدُّدِ.
(قَوْلُهُ: فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّعَدُّدُ) أَيْ وَذَلِكَ بِأَنْ عَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ بِمَكَانٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَمُطْلَقًا عَلَى الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَحُلْ نَهْرٌ عَلَى الثَّالِثِ وَمَا إذَا لَمْ تَكُنْ قُرًى عَلَى الرَّابِعِ (قَوْلُهُ: فَالْجُمُعَةُ هِيَ السَّابِقَةُ) أَيْ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْإِمَامِ مَعَ الثَّانِيَةِ، وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهِ لَمَّا فُوِّضَ الْأَمْرُ إلَيْهِ كَأَنَّهُ رَفَعَ وِلَايَةَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ مَا دَامَ الْوَكِيلُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بِهِ) أَيْ التَّحَرُّمِ الِانْعِقَاد إلَخْ (قَوْلُهُ: فَأَخْبَرُوهُمْ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ فَأَخْبَرُوا انْتَهَى. وَهِيَ صَادِقَةٌ بِمَا لَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا بِخِلَافِ كَلَامِ الشَّارِحِ. لَكِنْ قَدْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
كَبَعْدِهِ فِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ السَّفَرُ مُبَاحًا (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ أَقْرَبَهَا الْأَخِيرُ) اُنْظُرْ لَوْ اتَّفَقَ حُضُورُ غَيْرِ مَنْ يَفْعَلُهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ غَالِبًا مِمَّنْ تَلْزَمُهُمْ وَلَمْ يَسَعْهُمْ الْمَحَلُّ الَّذِي يَسَعُ مَنْ يَفْعَلُهَا غَالِبًا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ هَلْ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ حِينَئِذٍ أَوْ تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَمَّنْ ضَاقَ عَنْهُ الْمَحَلُّ؟ فَإِنْ قَالَ الشَّارِحُ بِالْأَوَّلِ رَجَعَ قَوْلُهُ: إلَى النَّظَرِ إلَى مَنْ يَحْضُرُ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ نَقَلَهُ عَنْهُ الشِّهَابُ سم وَذَكَرَ أَنَّهُ اخْتَارَهُ، وَإِنْ قَالَ بِالثَّانِي فَفِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَبِعَكْسِهِ لَوْ اتَّفَقَتْ قِلَّتُهُمْ عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ فَإِنْ قَالَ بِوُجُوبِ انْحِصَارِهِمْ فِي قَدْرِ الْمُحْتَاجِ رَجَعَ إلَى مَا قُلْنَا.
وَإِنْ جُوِّزَ التَّعَدُّدُ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَاجَةِ فَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا، فَإِنْ قِيلَ الْمُعْتَبَرُ مَنْ يَغْلِبُ حُضُورُهُ فَإِنْ اتَّفَقَتْ كَثْرَةً أَوْ قِلَّةً عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ أَدَرْنَا الْحُكْمَ عَلَى ذَلِكَ، قُلْنَا: وَأَيُّ مَعْنًى لِاعْتِبَارِ مَنْ يَحْضُرُ بِالْفِعْلِ غَيْرِ هَذَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا بَعِيدٌ) يَعْنِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ.
اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ، وَلَهُمْ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا. وَقَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا كَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ التَّشْبِيهَ رَاجِعٌ إلَى الْإِتْمَامِ فَقَطْ.
(فَلَوْ)(وَقَعَتَا) بِمَحَلٍّ يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُهَا فِيهِ (مَعًا أَوْ شَكَّ) فِي الْمَعِيَّةِ فَلَمْ يَدْرِ أَوْقَعَتَا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا (اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ) أَيْ إنْ وَسِعَ الْوَقْتُ لِأَنَّ إبْطَالَ إحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَوَجَبَ إبْطَالُهُمَا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ، وَبَحَثَ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا تَقَدُّمُ إحْدَى الْجُمُعَتَيْنِ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَةٌ أُخْرَى فَيَنْبَغِي لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِمْ بِيَقِينٍ أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَهَا ظُهْرًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ كَافِيَةٌ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا قَالُوهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ. قَالَ غَيْرُهُ: وَلِأَنَّ السَّبْقَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَوْ يُظَنَّ لَمْ يُؤَثِّرْ احْتِمَالُهُ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ أَوْ ظَنِّهِ لَا إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ (وَإِنْ)(سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ) كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ أَوْ مُسَافِرَانِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ تَكْبِيرَتَيْنِ مَثَلًا فَأَخْبَرَا بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفَا الْمُتَقَدِّمَةَ مِمَّنْ، وَإِخْبَارُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ (أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ) بَعْدَهُ (صَلَّوْا ظُهْرًا) لِتَيَقُّنِ وُقُوعِ جُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَيَمْتَنِعُ إقَامَةُ جُمُعَةٍ بَعْدَهَا وَالطَّائِفَةُ الَّتِي صَحَّتْ الْجُمُعَةُ بِهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْفَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الظُّهْرُ (وَفِي قَوْلِ جُمُعَةٍ) لِأَنَّ الْمَفْعُولَتَيْنِ غَيْرُ مُجْزِئَتَيْنِ فَصَارَ وُجُودُهُمَا كَعَدَمِهِمَا، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَرْجِيحُ طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ فِي الثَّانِيَةِ بِالْأَوَّلِ، وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجُمَعِ الْوَاقِعَةِ فِي مِصْرَ الْآنَ بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ، سَوَاءٌ أَوْقَعَتْ مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ عُسْرُ الِاجْتِمَاعِ بِأَمْكِنَةِ تِلْكَ الْجُمُعَةِ، فَلَا يَجِبُ أَحَدٌ مِنْ مُصَلِّيهَا صَلَاةَ ظُهْرٍ يَوْمَهَا لَكِنَّهَا تُسْتَحَبُّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ تَعَدُّدَ الْجُمُعَةِ بِالْبَلَدِ وَإِنْ عَسُرَ الِاجْتِمَاعُ فِي مَكَان فِيهِ، ثُمَّ الْجُمَعُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ انْتِفَاءِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُرْشِدُ إلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ كَافٍ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَإِخْبَارُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ كَافٍ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ إلَى الْإِتْمَامِ فَقَطْ) أَيْ لَا لَهُ مَعَ صِفَتِهِ الَّتِي هِيَ الِاسْتِحْبَابُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ شَكَّ) قَالَ حَجّ: وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ فِي الْمَعِيَّةِ وُقُوعُهُمَا عَلَى حَالَةِ يُمْكِنُ فِيهَا الْمَعِيَّةُ. (قَوْلُهُ: اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ) أَيْ فَلَوْ أَيِسَ مِنْ ذَلِكَ جَازَ نَقْلُ الظُّهْرِ عَقِبَ سَلَامِ الْجُمُعَةِ لِلْيَأْسِ مِنْ فِعْلِهِمْ لَهَا جُمُعَةً كَمَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ: نَعَمْ لَوْ كَانَ عَدَمُ إقَامَتِهِمْ لَهَا أَمْرًا عَادِيًا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَبَحْثُ الْإِمَامِ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا) أَيْ فِي الشَّكِّ (قَوْلُهُ: كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ أَوْ مُسَافِرَانِ) أَيْ أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّخَلُّفُ كَقُرْبِ مَحَلِّهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَزِيَادَتِهِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ لِتَصِحَّ الْخُطْبَةُ فِي غَيْبَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بِالْكَافِ (قَوْلُهُ: وَإِخْبَار الْعَدْلِ الْوَاحِدِ) : بَقِيَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ مُخْبِرَانِ. فَفِي الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْمُخْبِرُ بِالسَّبَقِ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَنَازَعَهُ فِي الْإِيعَابِ بِأَنَّ السَّبْقَ إنَّمَا يُرَجَّحُ إذَا كَانَ مُسْتَنَدُهُ يُحَصِّلُ زِيَادَةَ الْعِلْمِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا مُتَعَارِضَانِ فَيَرْجِعُ ذَلِكَ لِلشَّكِّ وَهُوَ يُوجِبُ اسْتِئْنَافَ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا تُسْتَحَبُّ) وَهَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَتْ وَاحْتَمَلَ كَوْنَ جُمُعَتِهِ مَسْبُوقَةً.
أَمَّا إذَا لَمْ تَتَعَدَّدْ أَوْ تَعَدَّدَتْ وَعُلِمَ أَنَّهَا السَّابِقَةُ فَلَا يَجُوزُ إعَادَتُهَا جُمُعَةً بِمَحَلِّهِ لِاعْتِقَادِ بُطْلَانِ الثَّانِيَةِ، وَلَا ظُهْرًا لِسُقُوطِ فَرْضِهِ بِالْجُمُعَةِ، وَلَمْ يُخَاطَبْ بِالظُّهْرِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَهُمْ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا) لَا يَخْفَى إشْكَالُهُ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِينَ وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ إخْبَارِهِمْ بِسَبْقِ أُخْرَى لَهُمْ أَنَّ تَحَرُّمَ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ لِوُقُوعِهِ مَسْبُوقًا بِجُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهْم فِيهَا أَنَّهُمْ هُنَاكَ أَحْرَمُوا بِالْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا، وَالصُّورَةُ أَنَّهُمْ يَجْهَلُونَ خُرُوجَهُ فِي أَثْنَائِهَا فَعُذِرُوا بِخِلَافِ هَذِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ إلَى الْإِتْمَامِ فَقَطْ) أَيْ لَا إلَى مَا قَبْلَهُ أَيْضًا مِنْ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِئْنَافِ إذْ هُوَ مُنْتَفٍ ثَمَّ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الْإِتْمَامِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ وَاجِبًا، وَإِلَّا فَاَلَّذِي مَرَّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ وُجُوبُ الْإِتْمَامِ ظُهْرًا.
(قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَجُوزُ) أَيْ يُحْتَمَلُ (قَوْلُهُ: ظُهْرَ يَوْمِهَا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ احْتِمَالِ السَّبْقِ وَعَدَمِهِ وَكَانَ وَجْهُهُ النَّظَرَ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ جَوَازِ الظُّهْرِ حِينَئِذٍ إذَا صَارَ عَدَمُ إعَادَةِ الْجُمُعَةِ أَمْرًا عَادِيًا لَا يَتَخَلَّفُ كَمَا هُوَ الْوَاقِعِ.
الْحَاجَةِ إلَى التَّعَدُّدِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَيَجِبُ عَلَى مُصَلِّيهَا ظُهْرُ يَوْمِهَا، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ جُمُعَتُهُ مِنْ الصَّحِيحَاتِ أَوْ غَيْرِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِهَا.
(الرَّابِعُ) مِنْ الشُّرُوطِ (الْجَمَاعَةُ) إجْمَاعًا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فَلَا تَصِحُّ فُرَادَى إذْ لَمْ يُنْقَلْ فِعْلُهَا كَذَلِكَ، وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَطْ. أَمَّا الْعَدَدُ فَشَرْطٌ فِي جَمِيعِهَا كَمَا سَيَأْتِي، فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَأَتَمَّ كُلٌّ لِنَفْسِهِ أَجْزَأَتْهُمْ الْجُمُعَةِ (وَشَرْطُهَا) أَيْ الْجَمَاعَةِ فِيهَا (كَغَيْرِهَا) مِنْ الْجَمَاعَاتِ كَنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَالْعِلْمِ بِأَفْعَالِ الْإِمَامِ مِمَّا مَرَّ فِي الْجَمَاعَةِ إلَّا فِي نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فَتَجِبُ هُنَا عَلَى الْأَصَحِّ لِتَحْصُلَ لَهُ الْجَمَاعَةُ (وَ) اُخْتُصَّتْ بِاشْتِرَاطِ أُمُورٍ أُخَرَ: مِنْهَا (أَنْ)(تُقَامَ بِأَرْبَعِينَ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَلَّاهَا فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى كَمَا بَحَثَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَدَخَلَ فِي الْمَكْتُوبَةِ الْجُمُعَةُ فَتُسَنُّ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ إعَادَتُهَا عِنْدَ جَوَازِ التَّعَدُّدِ أَوْ سَفَرِهِ لِبَلَدٍ آخَرَ رَآهُمْ يُصَلُّونَهَا، وَلَوْ صَلَّى مَعْذُورًا الظُّهْرَ ثُمَّ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ أَوْ مَعْذُورِينَ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ سُنَّتْ الْإِعَادَةُ فِيهِمَا، وَلَا يَجُوزُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا، وَكَذَا عَكْسُهُ لِغَيْرِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: غَيْرُ صَحِيحَةٍ) . [فَرْعٌ] حَيْثُ لَمْ تَبْرَأْ الذِّمَّةُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَوَجَبَتْ الظُّهْرُ هَلْ تَكُونُ الْجَمَاعَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؟ أَفْتَى م ر بِأَنَّهَا تَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ جُمُعَتُهُ مِنْ الصَّحِيحَاتِ أَوْ غَيْرِهَا) وَهَذَا مَوْجُودٌ الْآنَ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ هَلْ جُمُعَتُهُ سَابِقَةٌ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِهَا) وَلَا يُقَالُ إنَّا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ صَلَاتَيْنِ الْجُمُعَةَ وَالظُّهْرَ بَلْ الْوَاجِبُ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، إلَّا أَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ مَا تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ أَوْجَبْنَا كِلَيْهِمَا لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ، وَهَذَا كَمَا لَوْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهَا، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ فَقَطْ وَتَلْزَمُهُ الْخَمْسُ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخ عَبْدِ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ مَا نَصُّهُ: فَائِدَةٌ: سَأَلَ الشَّيْخُ الرَّمْلِيُّ رحمه الله عَنْ رَجُلٍ قَالَ: أَنْتُمْ يَا شَافِعِيَّةُ خَالَفْتُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ سِتًّا بِإِعَادَتِكُمْ الْجُمُعَةَ ظُهْرًا، فَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَاذِبٌ فَاجِرٌ جَاهِلٌ، فَإِنْ اعْتَقَدَ فِي الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ سِتَّ صَلَوَاتٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَفَرَ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ، وَإِلَّا اسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ اللَّائِقَ بِحَالِهِ الرَّادِعَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ ارْتِكَابِ مِثْلِ قَبِيحِ أَفْعَالِهِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِوُجُوبِ سِتِّ صَلَوَاتٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إعَادَةُ الظُّهْرِ إذَا لَمْ نَعْلَمْ تَقَدُّمَ جُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ، إذْ الشَّرْطُ عِنْدَنَا أَنْ لَا تَتَعَدَّدَ فِي الْبَلَدِ إلَّا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَمَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ هُنَاكَ فَوْقَ الْحَاجَةِ، وَحِينَئِذٍ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ وُقُوعَ جُمُعَتِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الظُّهْرُ وَكَانَ كَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ جُمُعَةً، وَمَا انْتَقَدَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَّا مَقَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - اهـ. وَقَالَ حَجَرٌ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ: فَإِنْ قُلْت: فَكَيْفَ مَعَ هَذَا الشَّكِّ يَحْرُمُ أَوَّلًا وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ فِي فِي الْبُطْلَانِ؟ قُلْت: لَا نَظَرَ لِهَذَا التَّرَدُّدِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ السَّابِقَاتِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِنَّ فَصَحَّتْ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مُقَارَنَةِ الْمُبْطِلِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ تَلْزَمُ الْإِعَادَةُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَلَّاهَا فِي قَرْيَةٍ) أَيْ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهَا تَقَعُ لَهُ نَافِلَةً، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ نَافِلَةً نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَيَنْقُصُ عَدَدُهُمْ عَنْ الْأَرْبَعِينَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا لَمْ تَكُنْ الثَّانِيَةُ نَفْلًا مَحْضًا بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقِيَامِ فِيهَا نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِيَّةِ، وَقَضِيَّةُ مَا يَأْتِي لَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَصِحُّ خَلْفَ الْعَبْدِ إلَخْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَنَفِّلًا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِتَحْصُلَ لَهُ الْجَمَاعَةُ) أَيْ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهَا كَمَا مَرَّ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ الْآتِيَةُ الِاقْتِدَاءُ وَالْإِمَامَةُ فَإِنَّهُمَا شَرْطَانِ هُنَا لِلِانْعِقَادِ كَمَا مَرَّ، إذْ لَا يُمْكِنُ انْعِقَادُ الْجُمُعَةِ مَعَ الِانْفِرَادِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى) أَيْ أَوْ فِي قَرْيَتِهِ حَيْثُ جَازَ فِيهَا التَّعَدُّدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُرَاجَعْ
بَعْضُهُمْ فَلَا تَنْعَقِدُ بِدُونِهِمْ لِخَبَرِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي الْمَدِينَةِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ، وَخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا» وَلِقَوْلِ جَابِرٍ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ «فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إمَامًا، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ جُمُعَةً» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ كَقَوْلِهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا اجْتَمَعَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَعَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ» .
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا جُمُعَةَ إلَّا فِي أَرْبَعِينَ» وَأَمَّا خَبَرُ انْفِضَاضِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ ابْتَدَأَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ، بَلْ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُمْ أَوْ عَوْدُ غَيْرِهِمْ مَعَ سَمَاعِهِمْ أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، أَمَّا فِيهَا فَيُشْتَرَطُ زِيَادَتُهُمْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ لِيُحْرِمَ الْإِمَامُ بِأَرْبَعِينَ وَيَقِفَ الزَّائِدُ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُمْ أَرْبَعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لِلْأَوَّلَيْنِ وَشَرْطٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ (مُكَلَّفًا) أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا (حُرًّا) كُلَّهُ (ذَكَرًا) فَلَا تَنْعَقِدُ بِالْكُفَّارِ وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ، وَبِالنِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى لِنَقْصِهِمْ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهَا إنَّمَا لَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ رِفْقًا بِهِ لَا لِنَقْصِهِ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ وَفِيهِمْ أُمِّيٌّ لِارْتِبَاطِ صِحَّةِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَصَارَ كَاقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا قَصَّرَ الْأُمِّيُّ فِي التَّعَلُّمِ، وَإِلَّا فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ عِلَّةَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِمْ تَقْصِيرُهُمْ لَا ارْتِبَاطُ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْأُمِّيِّينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي دَرَجَةٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْفَرْضِ، فَإِنَّ عُمُومَهُ شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانُوا صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَأَعَادَهَا فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ فِيهِ التَّعَدُّدُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا يَأْتِي عَلَى النَّفْلِ الْمَحْضِ. وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَرْعٌ: الظَّاهِرُ وِفَاقًا لَمْ ر أَنَّهُ حَيْثُ جَوَّزَ حُصُولَ الْجُمُعَةِ لَهُ فِي بَلَدٍ تَعَدَّدَتْ فِيهِ فَوْقَ الْحَاجَةِ جَازَ لَهُ فِعْلُ رَاتِبَتِهَا السَّابِقَةِ: أَيْ دُونَ الْمُتَأَخِّرَةِ، ثُمَّ إنْ حَصَلَتْ لَهُ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا وَقَعَتْ الرَّاتِبَةُ نَفْلًا مُطْلَقًا وَفَعَلَ الظُّهْرَ بِرَوَاتِبِهَا الْقَبَلِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِ جَابِرٍ مَضَتْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، وَحَدِيثُ إذَا اجْتَمَعَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا إلَخْ أَوْرَدَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَا أَصْلَ لَهُ، وَحَدِيثُ لَا جُمُعَةَ إلَّا بِأَرْبَعِينَ لَا أَصْلَ لَهُ انْتَهَى الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ.
(قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم) أَيْ فَيُحْتَجُّ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُمْ أَرْبَعِينَ) أَيْ بَلْ يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ كَمَا يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ) أَيْ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بَلْ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُمْ) أَيْ قَبْلَ التَّحَرُّمِ، وَأَحْرَمَ بِالْأَرْبَعِينَ، فَالِانْفِضَاضُ كَانَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ انْفَضُّوا فِي الصَّلَاةِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الْخُطْبَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ (قَوْلُهُ: لِارْتِبَاطِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ) قَالَ الشِّهَابُ سم فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ: هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ كَانُوا بِحَيْثُ تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ فِي نَفْسِهِمْ بِأَنْ لَمْ يُقَصِّرُوا فِي التَّعَلُّمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَصَّرُوا فَصَلَاتُهُمْ بَاطِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا، فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ حِينَئِذٍ بِالِارْتِبَاطِ، لَكِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَيْ الَّذِي تَبِعَهُ الشَّارِحُ إذْ مَا هُنَا إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمُشْتَرَطَةَ هُنَا لِلصِّحَّةِ صُيِّرَتْ إلَى آخِرِ عِبَارَتِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ إلَّا قَوْلَ الشَّارِحِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ إلَخْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا قَصَّرُوا فِي التَّعَلُّمِ وَإِلَّا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ، وَاعْتَمَدَهُ م ر، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا حَمْلٌ لَا يَقْبَلُهُ الْكَلَامُ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ. انْتَهَى.
وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشِّهَابُ حَجّ كَمَا سَيَأْتِي عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْأُمِّيِّينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ) أَيْ فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنْ كَانَتْ
لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمُشْتَرَطَةَ هُنَا لِلصِّحَّةِ صَيَّرَتْ بَيْنَهُمْ ارْتِبَاطًا كَالِارْتِبَاطِ بَيْنَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَصَارَ كَاقْتِدَاءِ قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إغْنَاءِ صَلَاتِهِمْ عَنْ الْقَضَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، وَسَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ شَرْطَهُمْ أَيْضًا أَنْ يَسْمَعُوا أَرْكَانَ الْخُطْبَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْبَعِينَ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ كَحَنَفِيٍّ، صَحَّ حُسْبَانُهُمْ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَإِنْ شَكَّ فِي إتْيَانِهِ بِالْوَاجِبِ عِنْدَنَا كَمَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لَنَا مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَوَقِّيهِ الْخِلَافَ، بِخِلَافِ مَا إذَا عُلِمَ مِنْهُ مُفْسِدٌ عِنْدَنَا فَلَا يُحْسَبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ عِنْدَنَا، وَفِي الْخَادِمِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الشَّافِعِيِّ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا وَهُوَ دَالٌ لِمَا تَقَرَّرَ (مُسْتَوْطِنًا) بِمَحَلِّهَا وَالْمُسْتَوْطِنُ هُنَا مَنْ (لَا يَظْعَنُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ) كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ الْمُتَوَطِّنِ كَمَنْ أَقَامَ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ وَلَوْ طَوِيلَةً كَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالتُّجَّارِ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ وَلَا بِالْمُتَوَطَّنِينَ خَارِجَ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَمِعُوا نِدَاءَهَا لِفَقْدِ إقَامَتِهِمْ بِمَحَلِّهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا تَقَدُّمُ إحْرَامِ أَرْبَعِينَ مِمَّنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ عَلَى إحْرَامِ النَّاقِصِينَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْبُلْقِينِيِّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ الْأُمِّيِّينَ إذْ لَمْ يَكُونُوا فِي دَرَجَةٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ (قَوْلُهُ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ) أَيْ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: مِمَّا تَقَرَّرَ) هُوَ قَوْلُهُ لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: كَمَنْ أَقَامَ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ) وَمِنْهُ مَا لَوْ سَكَنَ بِبَلَدٍ بِأَهْلِهِ عَازِمًا عَلَى أَنَّهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ فِي بَلَدِهِ كَمَوْتِ خَطِيبِهَا أَوْ إمَامِهَا مَثَلًا رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فِي مَحَلِّ سَكَنِهِ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ انْعَقَدَتْ مِنْهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَطَنَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا بِالْمُتَوَطَّنِينَ خَارِجَ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ) وَعَلَيْهِ فَالسَّاكِنُ خَارِجَ السُّورِ لَا تَنْعَقِدُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْعِلَّةُ هَذَا التَّقْصِيرَ كَمَا مَرَّ فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ بَاطِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ لِتَقْصِيرِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ أَمْ دَرَجَاتٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الِارْتِبَاطَ كَمَا عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمُشْتَرَطَةَ إلَخْ، فَمَا وَجْهُ كَوْنِ الْعِلَّةِ فِيمَا مَرَّ التَّقْصِيرَ وَهُنَا الِارْتِبَاطَ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمُشْتَرَطَةَ هُنَا لِلصِّحَّةِ إلَخْ) ظَاهِرٌ بِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِخُصُوصِ قَوْلِهِ، وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَمَرّ إلَخْ وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لِلشِّهَابِ حَجّ فِي تُحْفَتِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الِارْتِبَاطُ الْمَذْكُورُ لَا التَّقْصِيرُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ، وَقَدْ قَالَ عَقِبَ هَذَا التَّعْلِيلِ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ أَنْ يُقَصِّرَ الْأُمِّيُّ فِي التَّعَلُّمِ وَأَنْ لَا، وَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ قَوِيٍّ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الِارْتِبَاطِ الْمَذْكُورِ، عَلَى أَنَّ الْمُقَصِّرَ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعَدِّ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَإِلَّا فَالْإِعَادَةُ لَازِمَةٌ لَهُ، وَمَنْ لَزِمَتْهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعَدَدِ. انْتَهَى.
وَالشَّارِحُ تَبِعَ شَرْحَ الرَّوْضِ فِيمَا مَرَّ وَجَعَلَ الْعِلَّةَ التَّقْصِيرَ وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ تَبَعًا لِلشِّهَابِ الْمَذْكُورِ فَوَقَعَ فِي التَّنَاقُضِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِالْأُمِّيِّينَ تَقْصِيرُهُمْ الْمُوجِبُ لِعَدَمِ إغْنَاءِ صَلَاتِهِمْ عَنْ الْقَضَاءِ، فَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا عَدَمُ إغْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقَضَاءِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ.
وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ حَجّ: وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ إلَخْ، وَعَدَلَ عَنْهَا الشَّارِحُ إلَى مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ التَّقْصِيرَ فَيُعْلَمُ مِنْهُ مَا ذُكِرَ لِلْجَامِعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
فَإِنْ قُلْت: يُنَاقِضُ هَذَا مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَانَ حَدَثُ بَعْضِ الْعَدَدِ انْعَقَدَتْ لِلْإِمَامِ وَلِلْبَاقِينَ الْمُتَطَهِّرِينَ.
قُلْت: لَا يُنَاقِضُهُ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ هُنَا فِيمَا إذَا كَانُوا عَالِمِينَ بِالْحَالِ فِي حَالِ الِاقْتِدَاءِ وَالصُّورَةُ فِيمَا يَأْتِي فِيمَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَشَمِلَ مَا ذَكَرَهُ مَا إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُمْ صَحِيحَةً كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ، وَكَالْمُتَيَمَّمِ الَّذِي تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الصِّحَّةَ مُوَافَقَةُ ذِي الْوَجْهَيْنِ الشَّرْعَ وَإِنْ لَمْ تُغْنِ عَنْ
وَالزَّرْكَشِيِّ، بَلْ صَوَّبَهُ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَعَلَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي: أَيْ وَمِنْ تَبِعَهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ إحْرَامُ الْإِمَامِ ضَرُورِيٌّ فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ. قُلْنَا: لَا ضَرُورَةَ إلَى إمَامَتِهِ فِيهَا، وَأَيْضًا تَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ عَلَى مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ فِي تَكْلِيفِهِ بِمَعْرِفَةِ تَقَدُّمِ إحْرَامِ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ عَلَى إحْرَامِهِ.
وَلَوْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْهَا وَتَعْطِيلِهَا وَالْبِنَاءِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَكَنُوا فِيهِ وَهُمْ مُكْرَهُونَ وَقَصْدُهُمْ الْعَوْدُ إذَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْمَنْقُولِ إلَيْهَا؟ أَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُمْ لَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ بَلْ لَا تَصِحُّ مِنْهُمْ لَوْ فَعَلُوهَا لِفَقْدِ الِاسْتِيطَانِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَخَرَجَ بِتَوَطُّنِهِمْ فِي بَلَدِ الْجُمُعَةِ مَا لَوْ تَقَارَبَتْ قَرْيَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ أَرْبَعِينَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَبَلَغُوا أَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَإِنْ سَمِعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ نِدَاءَ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ غَيْرُ مُتَوَطِّنِينَ فِي مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي بَلْدَةٍ يُقِيمُ عِنْدَ كُلٍّ يَوْمًا مَثَلًا انْعَقَدَتْ بِهِ الْجُمُعَةُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي إقَامَتُهُ فِيهِ أَكْثَرُ دُونَ الْأُخْرَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهَا انْعَقَدَتْ بِهِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي مَالُهُ فِيهَا أَكْثَرُ دُونَ الْأُخْرَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهِ اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ اُعْتُبِرَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَذَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَفْتَى أَيْضًا فِيمَنْ سَكَنَ بِزَوْجَتِهِ فِي مِصْرَ مَثَلًا وَبِأُخْرَى فِي الْخَانْكَةِ مَثَلًا وَلَهُ زِرَاعَةٌ بَيْنَهُمَا وَيُقِيمُ فِي الزِّرَاعَةِ غَالِبَ نَهَارِهِ وَيَبِيتُ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَيْلَةً فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ بِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَوَطِّنٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ سَفَرُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ لِمَكَانٍ تَفُوتُ بِهِ إلَّا
لِخَوْفِ
ضَرَرٍ.
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ (انْعِقَادُهَا بِالْمَرْضَى) لِكَمَالِهِمْ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِمْ. وَالثَّانِي لَا كَالْمُسَافِرِينَ (وَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا (أَنَّ الْإِمَامَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِهِ دَاخِلَهُ وَلَا عَكْسُهُ، لِأَنَّ خَارِجَ السُّورِ وَدَاخِلَهُ كَقَرْيَتَيْنِ، وَفِي شَرْحِ حَجَرٍ هُنَا مَا يُوَافِقُ كَلَامَ الشَّارِحِ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى حَجَرٍ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ عَنْ قَرْيَةٍ لَهَا سُورٌ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ لَازَمَ أَهْلُ الْخِيَامِ الصَّحْرَاءَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ إلَخْ) أَيْ اعْتِرَاضًا عَلَى جَعْلِ كَلَامِ الْقَاضِي مُفَرَّعًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إمَامَةِ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: قُلْنَا لَا ضَرُورَةَ إلَى إمَامَتِهِ) قَالَ سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ: قَدْ يُقَالُ: يَكْفِي فِي الْجَوَابِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهِ وَتَقَدُّمَ إحْرَامِهِ فَلَا نَظَرَ لِلْأَفْرَادِ الْخَاصَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ) أَيْ لَكِنْ لَوْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ قَرْيَةٍ أُخْرَى وَجَبَ عَلَيْهِمْ السَّعْيُ إلَيْهَا (قَوْلُهُ يُقِيمُ عِنْدَ كُلٍّ يَوْمًا مَثَلًا) وَكَذَا مَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ وَكَثُرَتْ إقَامَتُهُ فِي أَحَدِهِمَا وَزَوْجَتُهُ فِي الْآخَرِ أَوْ لَا زَوْجَةَ لَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَعْبِيرُهُ بِالزَّوْجَتَيْنِ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ الْمَالِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَوَطِّنٌ) أَيْ فَتَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فِيهِمَا.
(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ: انْعَقَدَتْ بِهِ الْجُمُعَةُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي إقَامَتُهُ فِيهَا أَكْثَرُ) فِيهِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُقِيمُ عِنْدَ كُلٍّ يَوْمًا، وَعُذْرُهُ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيمَا فِي الْفَتَاوَى بِسَبْكِ السُّؤَالِ مَعَ الْجَوَابِ فَلَزِمَ مِنْهُ مَا ذُكِرَ.
وَعِبَارَةُ الْفَتَاوَى: سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ زَوْجَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي بَلْدَةٍ يُقِيمُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ يَوْمًا فَهَلْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَلَدَيْنِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي إقَامَتُهُ فِيهَا أَكْثَرُ إلَخْ.
فَمَا فِي الْجَوَابِ تَفْصِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا فِي السُّؤَالِ مِنْ فَرْضِهِ فِي إقَامَتِهِ عِنْدَ كُلٍّ يَوْمًا، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ إقَامَتِهِ عِنْدَ كُلِّ زَوْجَةٍ يَوْمًا كَوْنُ إقَامَتِهِ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَلَدَيْنِ كَذَلِكَ، فَقَدْ تَكُونُ إقَامَتُهُ فِي إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ لَكِنْ لَا يَكُونُ عِنْدَ الزَّوْجَةِ جَمِيعَ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ، بَلْ يَكُونُ عِنْدَهَا فِيهَا يَوْمًا فَقَطْ وَيُقِيمُ الْبَاقِيَ فِي نَحْوِ الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَوَطِّنٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ
لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ) حَيْثُ كَانَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ الْمَارِّ.
وَالثَّانِي وَنُقِلَ عَنْ الْقَدِيمِ يُشْتَرَطُ إذْ الْغَالِبُ عَلَى الْجُمُعَةِ التَّعَبُّدُ فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ.
وَلَوْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ أَرْبَعُونَ أَخْرَسَ فَهَلْ تَنْعَقِدُ جُمُعَتُهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ لِفَقْدِ الْخُطْبَةِ، فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَخْطُبُ لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بِهِمْ صَمَمٌ يَمْنَعُ السَّمَاعَ انْعَقَدَتْ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَتَّعِظُونَ، وَتَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ مِنْ الْجِنِّ أَوْ مِنْهُمْ وَمِنْ الْإِنْسِ، قَالَهُ الْقَمُولِيُّ: أَيْ إنْ عُلِمَ وُجُودُ الشُّرُوطِ فِيهِمْ وَقَيَّدَهُ الدَّمِيرِيِّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ بِمَا إذَا تَصَوَّرُوا بِصُورَةِ بَنِي آدَمَ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ مِنْ كُفْرِ مُدَّعَى رُؤْيَتِهِمْ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ، لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ادَّعَى رُؤْيَتَهُمْ عَلَى مَا خُلِقُوا عَلَيْهِ وَكَلَامُنَا فِيمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ بَنِي آدَمَ.
(وَلَوْ)(انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ) الْحَاضِرُونَ (أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ)(لَمْ يُحْسَبُ الْمَفْعُولُ) مِنْ أَرْكَانِهَا (فِي غَيْبَتِهِمْ) لِانْتِفَاءِ سَمَاعِهِمْ لَهُ وَسَمَاعُهَا وَاجِبٌ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] إذْ الْمُرَادُ بِهِ الْخُطْبَةُ كَمَا قَالَهُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَسْمَعَ الْأَرْبَعُونَ جَمِيعَ أَرْكَانِهَا، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا الْخِلَافُ الْآتِي فِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْمُقَرَّرَيْنِ فِي كَلَامِهِمْ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِالْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ: انْعَقَدَتْ بِهِمْ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْإِمَامُ نَاطِقًا وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ صِحَّةِ إمَامَةِ الْأَخْرَسِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ يَتَّعِظُونَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ صِحَّةِ جُمُعَةِ الْأَرْبَعِينَ إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أُمِّيًّا لَمْ يَقْصُرْ فِي التَّعَلُّمِ، أَمَّا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ وَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا لِارْتِبَاطِ صِحَّةِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَالْقِيَاسُ هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْجِنِّ) قَدْ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءُ بِكَوْنِ بَعْضِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْجِنِّ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا أَرْبَعُونَ مِنْ الْجِنِّ مُتَوَطِّنُونَ بِالْقَرْيَةِ لَمْ يَأْثَمْ إنْسُ الْقَرْيَةِ بِتَعْطِيلِ الْقَرْيَةِ مِنْهَا حَتَّى يَجُوزَ لَهُمْ الذَّهَابُ لِفِعْلِهَا فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى وَقَدْ يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْإِنْسِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَرْبَعِينَ إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْجِنِّ وَبَعْضُهُمْ مِنْ الْإِنْسِ انْعَقَدَتْ بِهِمْ.
وَنَقَلَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنَّا بِفِعْلِ الْجِنِّ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَا اجْتَمَعُوا مَعَ الْإِنْسِ كَوْنُ الْجِنِّ زَائِدِينَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْقَمُولِيِّ، وَالْأَقْرَبُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ عَلَى نَقْلٍ عَنْ حَجَرٍ: لَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ وَأَرَادُوا فِعْلَ الْجُمُعَةِ فِي غَيْرِ قَرْيَتِهِمْ اكْتِفَاءً بِفِعْلِ أَرْبَعِينَ مِنْ الْجِنِّ فِي قَرْيَتِهِمْ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمُوا إقَامَتَهَا بِأَرْبَعِينَ مِنْ الْإِنْسِ فِي قَرْيَتِهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ بِذَلِكَ جَوَازُ السَّفَرِ إلَى غَيْرِ قَرْيَتِهِ حَيْثُ أَدْرَكَ فِيهَا الْجُمُعَةَ (قَوْلُهُ: أَيْ إنْ عُلِمَ وُجُودُ الشُّرُوطِ فِيهِمْ) وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا مِنْهُمْ كَوْنُهُمْ فِي أَرْضِنَا مَثَلًا أَوْ فِي الْأَرْضِ الثَّانِيَةِ أَمْ لَا يُشْتَرَطُ فَتَنْعَقِدُ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ مَسْكَنُهُمْ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: مَنْ وَقَفَ أَرْضًا سَرَتْ وَقْفِيَّتُهَا إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ فِيهَا هُوَ مِنْ أَهْلِهَا.
نَعَمْ إنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ مَسَافَةٌ تَزِيدُ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَا تَصِحُّ لِلْبُعْدِ كَالْإِنْسِ إذَا بَعُدُوا عَنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا تَصَوَّرُوا بِصُورَةِ بَنِي آدَمَ) تَقَدَّمَ عَنْ سم فِي مَوَاضِعَ مِنْ نَظَائِرِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ (قَوْلُهُ: عَنْ النَّصِّ مِنْ كُفْرِ مُدَّعِي رُؤْيَتِهِمْ) عِبَارَةُ حَجَرٍ: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يُعْذَرُ مُدَّعِي رُؤْيَتِهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّعِيهَا فِي صُوَرِهِمْ الْأَصْلِيَّةِ إلَخْ، وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ حَجَرٌ، وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْكُفْرِ تَحْرِيفٌ، وَلَعَلَّ الْأَصْلَ مِنْ كَفِّ مُدَّعِي إلَخْ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ) هُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] .
ــ
[حاشية الرشيدي]
نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِلْإِفْتَاءِ الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: مَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ مِنْ كُفْرِ مُدَّعِي رُؤْيَتِهِمْ إلَخْ) عِبَارَةُ الشِّهَابِ حَجّ: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يُعَزَّزُ مُدَّعِي رُؤْيَتَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّعِيهَا فِي صُورَتِهِمْ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ انْتَهَتْ. وَكَانَ وَجْهُ التَّعْزِيرِ دُونَ الْكُفْرِ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ نَصًّا فِي امْتِنَاعِ رُؤْيَتِهِمْ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَسَمَاعُهَا وَاجِبٌ) أَيْ
الِانْفِضَاضِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُصَلٍّ لِنَفْسِهِ، فَجَازَتْ الْمُسَامَحَةُ فِي نُقْصَانِ الْعَدَدِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُطْبَةِ إسْمَاعُ النَّاسِ فَإِذَا انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ بَطَلَ حُكْمُ الْخُطْبَةِ، وَإِذَا انْفَضَّ بَعْضُهُمْ بَطَلَ حُكْمُ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَهُوَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ الْكَامِلِ أَرْبَعُونَ فَانْفَضَّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَمْ يَضُرَّ، وَالِانْفِضَاضُ مِثَالٌ وَالضَّابِطُ النَّقْصُ (وَيَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ) عُرْفًا لِأَنَّ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ لَا يُعَدُّ قَاطِعًا لِلْمُوَالَاةِ، كَمَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ لِمَنْ سَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، وَشَبَّهَ الرَّافِعِيُّ الْفَصْلَ الْيَسِيرِ بِالْفَصْلِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ (وَكَذَا بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ إنْ انْفَضُّوا بَيْنَهُمَا) أَيْ فَيَجُوزُ أَيْضًا إذَا عَادُوا عَنْ قُرْبٍ (فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِهِ) عُرْفًا (وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ) لِلْخُطْبَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ إلَّا مُتَوَالِيًا، وَلِأَنَّ الْمُوَالَاةَ لَهَا مَوْقِعٌ فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ.
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْخُطْبَةِ الْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ وَمِنْ الصَّلَاةِ إيقَاعُ الْفَرْضِ فِي جَمَاعَةٍ وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ التَّفْرِيقِ، وَاحْتُرِزَ بِعَادُوا عَمَّا لَوْ عَادَ بَدَلُهُمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ الْخُطْبَةِ طَالَ الْفَصْلُ أَمْ لَا، وَمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ الضَّبْطِ بِالْعُرْفِ هُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنْ ضَبَطَهُ جَمْعٌ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ إذْ هُوَ بَعِيدٌ جِدًّا (وَإِنْ)(انْفَضُّوا) أَيْ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ (فِي الصَّلَاةِ) بِإِبْطَالِهَا أَوْ إخْرَاجِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (بَطَلَتْ) الْجُمُعَةُ لِفَوَاتِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي صِحَّتِهَا فَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا. نَعَمْ لَوْ عَادَ الْمُنْفَضُّونَ لَزِمَهُمْ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا كَمَا أَفْتَى بِهَا الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إذْ لَا تَصِحُّ ظُهْرُ مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ مَعَ إمْكَانِ إدْرَاكِهَا، وَلَيْسَ فِيهِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى لِبُطْلَانِ الْأُولَى. وَلَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَتَبَاطَأَ الْمَأْمُومُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ بِالْإِحْرَامِ عَقِبَ إحْرَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ أَحْرَمُوا فَإِنْ تَأَخَّرَ تَحَرُّمُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: وَهُوَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ) بَيَانٌ لِلْعَدَدِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُحْسَبُ الْمَفْعُولُ فِي غَيْبَةِ الْمُنْفَضِّينَ (قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ النَّقْصُ) أَيْ فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ بَعُدَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى مَكَان لَا يُسْمَعُ فِيهِ الْإِمَامُ كَانَ الْمُنْفَضَّ (قَوْلُهُ: بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ) فَيَجِبُ أَنْ لَا يَبْلُغَ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ أَخَفَّ مَا يُمْكِنُ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الِانْفِضَاضُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَإِنْ عَادُوا وَاقْتَدَوْا بِالْإِمَامِ قَبْلَ رُكُوعِهِ أَوْ فِيهِ وَقَرَءُوا الْفَاتِحَةَ وَاطْمَأَنُّوا مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ رَفْعِهِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ اسْتَمَرَّتْ جُمُعَتُهُمْ كَمَا لَوْ تَبَاطَأَ الْقَوْمُ عَنْ الْإِمَامِ ثُمَّ اقْتَدُوا بِهِ (قَوْلُهُ: فَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا) أَيْ يَفْعَلُونَهَا ظُهْرًا بِاسْتِئْنَافِهَا بِالنِّسْبَةِ فِيمَنْ انْفَضَّ إلَى بُطْلَانٍ وَبِالْبِنَاءِ عَلَى مَا مَضَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُمْ الْإِحْرَامُ) أَيْ مَعَ إعَادَةِ الْخُطْبَةِ إنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ انْفِضَاضِهِمْ وَعَوْدِهِمْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَأَخَّرَ تَحَرُّمُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ) أَيْ انْتِهَائِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَرَءُوا الْفَاتِحَةَ وَأَدْرَكُوا مَعَهُ الرُّكُوعَ وَفِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ رَأَيْت سم
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِالْمَعْنَى الْآتِي (قَوْلُهُ: فَجَازَتْ الْمُسَامَحَةُ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ) صَوَابُهُ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: فَيُتِمُّونَهَا) يَعْنِي الْبَاقِينَ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُنْفَضُّ بَعْضَهُمْ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمُتَبَادَرِ مِنْ السِّيَاقِ، إذْ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِيمَا إذَا انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُمْ) أَيْ الْجَمِيعَ، فَلَيْسَ لِلْبَاقِينَ حِينَئِذٍ إتْمَامُ الظُّهْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، عَلَى أَنَّ الشِّهَابَ سم فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ فَيُتِمُّهَا الْبَاقُونَ ظُهْرًا مَا نَصُّهُ: هَذَا ظَاهِرٌ إذَا تَعَذَّرَ اسْتِئْنَافُ جُمُعَةٍ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ اسْتِئْنَافُهَا:؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ وَالْعَدَدُ مُتَيَسِّرٌ، فَكَيْفَ تَصِحُّ الظُّهْرُ مَعَ إمْكَانِ الْجُمُعَةِ.
ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت السَّيِّدَ السَّمْهُودِيَّ فِي حَاشِيَةِ الرَّوْضَةِ سَبَقَنِي إلَى هَذَا الْبَحْثِ وَقَالَ: إنَّهُ التَّحْقِيقُ، وَذَكَرَ أَنَّ الشَّارِحَ اعْتَمَدَ مَا قَالَهُ السَّمْهُودِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ إفْتَاءِ وَالِدِهِ. نَعَمْ حَاوَلَ: أَعْنِي الشِّهَابَ سم دَفْعَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِمْ الَّذِي تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَ الظُّهْرَ حَتَّى يَيْأَسَ مَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَعَ كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَأَخَّرَ حَرَمُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ
وَإِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ رُكُوعِهِ، فَإِنْ أَدْرَكُوا الرُّكُوعَ مَعَ الْفَاتِحَةِ بِأَنْ تَمَّتْ قِرَاءَتُهَا قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا، وَسَبَقُهُ فِي الْأُولَى بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِيَامِ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ إدْرَاكَهُمْ الرَّكْعَةَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْجُمُعَةِ، كَذَا جَرَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَابْنُ الْمُقِرِّي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: يُشْتَرَط أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ إحْرَامِهِ وَإِحْرَامِهِمْ. قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ إدْرَاكَهُمْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مَعَهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَقَدْ ادَّعَى الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى ذَلِكَ تَقْيِيدُ لُحُوقِ اللَّاحِقِينَ بِكَوْنِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، فَلَوْ تَحَرَّمَ أَرْبَعُونَ لَاحِقُونَ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى ثُمَّ انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ الَّذِينَ أَحْرَمَ بِهِمْ أَوْ نَقَصُوا فَلَا جُمُعَةَ، بَلْ يُتِمُّهَا الْإِمَامُ وَمَنْ بَقِيَ مَعَهُ ظُهْرًا، لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْأَرْبَعِينَ أَوْ مَنْ نَقَصَ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَدْ مَضَى لِلْإِمَامِ رَكْعَةٌ فَقَدَ فِيهَا الْجَمَاعَةَ أَوْ الْعَدَدَ، إذْ الْمُقْتَدُونَ الَّذِينَ تَصِحُّ بِهِمْ الْجُمُعَةُ هُمْ اللَّاحِقُونَ وَلَمْ يُحْرِمُوا إلَّا بَعْدَ رُكُوعِهِ.
هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مَعَ تَنْقِيحٍ لَهُ وَتَوْشِيحٍ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ إذَا تَحَرَّمُوا وَالْعَدَدُ تَامٌّ صَارَ حُكْمُهُمْ وَاحِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، فَكَمَا لَا يُؤْثِرُ انْفِضَاضُ الْأَوَّلِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ سَمَاعِ اللَّاحِقِينَ الْخُطْبَةَ كَذَلِكَ لَا يُؤْثِرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ حُضُورِهِمْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى (وَفِي قَوْلٍ لَا) تَبْطُلُ (إنْ بَقِيَ) اثْنَا عَشَرَ مَعَ الْإِمَامِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ مَعَ جَوَابِهِ وَفِي قَوْلٍ لَا إنْ بَقِيَ (اثْنَانِ) مَعَ الْإِمَامِ اكْتِفَاءً بِدَوَامِ مُسَمًّى الْجَمْعِ، وَالْمُرَادُ عَلَى الْأَوَّلِ انْفِضَاضُ مُسَمَّى الْعَدَدِ لَا الَّذِينَ حَضَرُوا الْخُطْبَةَ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ ثُمَّ انْفَضُّوا بَعْدَ إحْرَامِ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ لَمْ يَسْمَعُوهَا أَتَمَّ بِهِمْ الْجُمُعَةَ، لِأَنَّهُمْ إذَا لَحِقُوا وَالْعَدَدُ تَامٌّ صَارَ حُكْمُهُمْ وَاحِدًا فَسَقَطَ عَنْهُمْ سَمَاعُ الْخُطْبَةِ، وَإِنْ انْفَضُّوا قَبْلَ إحْرَامِهِمْ بِهِ اسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ لَهُمْ فَلَا تَصِحّ الْجُمُعَةُ بِدُونِهَا وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ لِانْتِفَاءِ سَمَاعِهِمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى حَجّ نَقَلَ عَنْ مُقْتَضَى الرَّوْضِ: أَنَّهُمْ حَيْثُ قَرَءُوا الْفَاتِحَةَ وَأَدْرَكُوا مَعَهُ الرُّكُوعَ قَبْلَ رَفْعِهِ عَنْ أَقَلِّهِ أَدْرَكُوا الْجُمُعَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ انْتَهَى بِالْمَعْنَى.
وَمَحَلُّ كَوْنِ ظَاهِرِ كَلَامِهِ مَا تَقَدَّمَ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَنْ رُكُوعِهِ تَأَخُّرَهُمْ عَنْ ابْتِدَاءِ رُكُوعِهِ، أَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ انْتِهَاءِ رُكُوعِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ أَدْرَكُوا الرُّكُوعَ مَعَ الْفَاتِحَةِ بِأَنْ كَانَ الِاقْتِدَاءُ بَعْدَ الرَّفْعِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ فَلَا يَكُونُ ظَاهِرُهُ ذَلِكَ بَلْ يَكُونُ مُفِيدًا لِمَا قَالَهُ سم (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَمَّتْ قِرَاءَتُهَا) أَيْ وَرَكَعُوا وَاطْمَأَنُّوا قَبْلَ رَفْعِ إلَخْ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ حَجّ، وَالْمُرَادُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنْ يُدْرِكُوا الْفَاتِحَةَ وَالرُّكُوعَ قَبْلَ قِيَامِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ، وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطُّمَأْنِينَةِ قَبْلَ ارْتِفَاعِهِ بَلْ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرُّكُوعِ مَعَهُ إنْ أَتَمَّ الْفَاتِحَةَ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَمْ يَبْعُدُ، لِأَنَّ الْإِمَامَ فِيمَا ذَكَرَ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ الْقِرَاءَةَ، وَحَيْثُ لَمْ يَتَحَمَّلْهَا فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ طُمَأْنِينَتِهِ مَعَهُ (قَوْلُهُ وَسَبَقَهُ فِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ فَإِنْ تَأَخَّرَ تَحَرُّمُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ إلَخْ، لَكِنَّ قَوْلَهُ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ إدْرَاكُهُمْ إلَخْ لَا يُوَافِقُهُ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْأُولَى فِي كَلَامِهِ قَوْلُهُ فَإِنْ أَدْرَكُوا مَعَ الْفَاتِحَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ ادَّعَى الْمُصَنِّفُ) أَيْ ابْن الْمُقْرِي (قَوْلُهُ: مَعَ تَنْقِيحٍ لَهُ وَتَوْشِيحٍ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ الْمَارِّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَأَمَّا خَبَرُ انْفِضَاضِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ ابْتَدَأَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ عَلَى الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَإِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ رُكُوعِهِ فَإِنْ أَدْرَكُوا أَدْرَكُوا إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ لَوْ تَبَاطَئُوا حَتَّى رَكَعَ فَلَا جُمُعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكُوا قَبْلَ الرُّكُوعِ اشْتِرَاطَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ رُكُوعِهِ، وَالْمُرَادُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنْ يُدْرِكُوا الْفَاتِحَةَ وَالرُّكُوعَ قَبْلَ قِيَامِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ، إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ كَمَا صَنَعَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ ادَّعَى الْمُصَنِّفُ) مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، فَمُرَادُهُ بِالْمُصَنِّفِ ابْنُ الْمُقْرِي وَمُرَادُهُ بِشَرْحِهِ التَّمْشِيَةُ عَلَى الْإِرْشَادِ
وَلُحُوقِهِمْ.
وَقَوْلُ الشَّارِحِ: لَوْ لَحِقَ أَرْبَعُونَ قَبْلَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ تَمَّتْ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، مُرَادُهُ بِذَلِكَ بَعْدَ التَّحَرُّمِ بِالصَّلَاةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِمْ فَانْفَضُّوا إلَّا ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ وَكَمُلُوا أَرْبَعِينَ بِخُنْثَى فَإِنْ أُحْرِمَ مَعَهُ بَعْدَ انْفِضَاضِهِمْ لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ لِلشَّكِّ فِي تَمَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ، وَإِلَّا صَحَّتْ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِانْعِقَادِهَا وَصِحَّتِهَا وَشَكَكْنَا فِي نَقْصِ الْعَدَدِ بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ، وَالْأَصْلُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فَلَا نُبْطِلُهَا بِالشَّكِّ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ هَلْ كَانَ مَسَحَ رَأْسَهُ أَمْ لَا حَيْثُ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ.
(وَتَصِحُّ) الْجُمُعَةُ (خَلْفَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُسَافِرِ)(فِي الْأَظْهَرِ) أَيْ خَلْفَ كُلٍّ مِنْهُمْ (إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ) لِأَنَّهُ ذَكَرٌ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ مَأْمُومًا فَصَحَّتْ إمَامًا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ فَلَا تَصِحُّ جَزْمًا لِانْتِفَاءِ تَمَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُكْنٌ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْكَمَالُ كَالْأَرْبَعِينَ بَلْ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَنَفِّلًا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ مَعَ انْتِفَاءِ نَقْصِهِ.
(وَلَوْ)(بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا)(صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِي الْأَظْهَرِ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ) كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ، وَالْجَمَاعَةُ تَقُومُ بِالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَإِذَا بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا بَانَ أَنْ لَا جُمُعَةَ لَهُ وَلَا جَمَاعَةَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ (فَلَا) تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ جَزْمًا لِأَنَّ الْكَمَالَ شَرْطٌ فِي الْأَرْبَعِينَ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ بَانَ حَدَثُ الْعَدَدِ الْمُقْتَدِي بِهِ أَوْ بَعْضِهِمْ أَوْ أَنَّ عَلَيْهِمْ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فَلَا جُمُعَةَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ بَانَ كَذَلِكَ، وَتَصِحُّ جُمُعَةُ الْإِمَامِ فِيهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالْقَمُولِيُّ، وَنَقَلَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّاهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِهِمْ مِنْ الطَّهَارَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانُوا نِسَاءً أَوْ عَبِيدًا لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِهِمْ، أَمَّا الْمُتَطَهِّرُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ فَتَصِحُّ جُمُعَتُهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْقَمُولِيُّ، وَصَرَّحَ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا بِأَنَّ صِحَّةَ صَلَاتِهِمَا لَا تَخْتَصُّ بِمَا إذَا زَادَ الْإِمَامُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَمَا اسْتَشْكَلَ بِهِ صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ وَلِهَذَا شَرَطْنَاهُ فِي عَكْسِهِ، فَكَيْفَ تَصِحُّ لِلْإِمَامِ مَعَ فَوَاتِ الشَّرْطِ رُدَّ بِعَدَمِ فَوَاتِهِ، بَلْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ وَاحْتُمِلَ فِيهِ حَدَثُهُمْ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ مُنْفَرِدًا فَاغْتُفِرَ لَهُ مَعَ عُذْرِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِلْمُتَطَهِّرِ الْمُؤْتَمِّ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ تَبَعًا لَهُ (وَمَنْ)(لَحِقَ الْإِمَامَ الْمُحْدِثَ) أَيْ الَّذِي بَانَ حَدَثُهُ (رَاكِعًا)(لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِدْرَاكِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ حَيْثُ كَانَ الرُّكُوعُ مَحْسُوبًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِيَتَحَمَّلَ بِهِ عَنْ الْغَيْرِ وَالْمُحْدِثُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ وَإِنْ صَحَّتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ.
وَالثَّانِي تُحْسَبُ كَمَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ كُلَّ الرَّكْعَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ عِنْدَ إدْرَاكِهِ رَاكِعًا لَمْ يَأْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْإِمَامُ الْمُحْدِثِ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمَأْمُومِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَرَأَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ كَامِلَةً مَعَ الْإِمَامِ فِي رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ صَحَّتْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِزِيَادَتِهَا كَمُصَلٍّ صَلَاةً كَامِلَةً خَلْفَ مُحْدِثٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ إمَامُهُ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً لِأَنَّهَا غَيْرُ أَهْلٍ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ بِحَالٍ.
(الْخَامِسُ) مِنْ الشُّرُوطِ (خُطْبَتَانِ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُصَنِّفِ وَإِنْ انْفَضُّوا فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا صَحَّتْ) أَيْ لَا يَحْرُمُ بَعْدَ نَقْصِ الْأَوَّلِينَ بَلْ قَبْلَهُمْ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِيَتِمَّ التَّشْبِيهُ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ شَكَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَنَفِّلًا) أَيْ بِأَنْ أَحْرَمَ بِنَافِلَةٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ إمَامُ الْجُمُعَةِ، أَوْ صَلَّى الظُّهْرَ لِكَوْنِهِ مُسَافِرًا ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ إمَامًا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَانَ حَدَثُ الْعَدَدِ) أَيْ بَعْدَ سَلَامِ الْجَمِيعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْدَثَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ سَلَامِهِ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ لَا لِلْإِمَامِ وَلَا لِمَنْ مَعَهُ لِنُقْصَانِ الْعَدَدِ حَيْثُ كَانَ الْمُحْدِثُ مِنْ الْأَرْبَعِينَ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ الْحَدَثُ بَعْدَ سَلَامِ الْجَمِيعِ تَمَّتْ الْجُمُعَةُ صُورَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْدَثَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ قَبْلَ سَلَامِهِ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَمْ تَتِمَّ لَا صُورَةً وَلَا حَقِيقَةً (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُتَطَهِّرُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ) هِيَ قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُهُمْ وَالْأَوَّلُ هِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ بَانَ حَدَثُ الْعَدَدِ الْمُقْتَدَى بِهِ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا شَرَطْنَاهُ فِي عَكْسِهِ) وَهُوَ مَا لَوْ بَانَ حَدَثُ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ أَهْلٍ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .