الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ قُرْبٍ مِنْهُ، أَوْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا بِالْمُصَلَّى لِانْتِفَاءِ تَأَذِّيه فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ وَالْجَمَاعَةَ فِيهَا.
وَأَمَّا جَمْعُهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ فَغَيْرُ مُنَافٍ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ أَكْثَرُهَا كَانَ بَعِيدًا فَلَعَلَّهُ لَمَّا جَمَعَ كَانَ فِيهِ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَسْجِدِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ، وَالْأَوْجَهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ إمَامًا رَاتِبًا أَوْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إمَامَتِهِ تَعْطِيلُ الْجَمَاعَةِ.
قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَلِمَنْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ قَبْلَ وُجُودِ الْمَطَرِ فَاتَّفَقَ وُجُودُهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْمَعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْمَعْ لَاحْتَاجَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ أَيْضًا: أَيْ أَوْ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ فِي رُجُوعِهِ إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ عَوْدِهِ أَوْ فِي إقَامَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ يَتَرَخَّصُ مُطْلَقًا، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا جَمْعَ بِغَيْرِ السَّفَرِ وَالْمَطَرِ كَمَرَضٍ وَرِيحٍ وَظُلْمَةٍ وَخَوْفٍ وَوَحَلٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلِخَبَرِ الْمَوَاقِيتِ فَلَا يُخَالَفُ إلَّا بِصَرِيحٍ وَإِنْ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَهُ فِي الْمَرَضِ، وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا جَوَازَهُ بِالْمَذْكُورَاتِ، وَقَالَ: إنَّهُ قَوِيٌّ جِدًّا فِي الْمَرَضِ وَالْوَحَلِ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنَّمَا لَمْ يُلْحِقُوا الْوَحَلَ الْمَطَرَ كَمَا فِي عُذْرِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ تَارِكَهُمَا يَأْتِي بِبَدَلِهِمَا، وَالْجَامِعُ يَتْرُكُ الْوَقْتَ بِلَا بَدَلٍ وَلِأَنَّ الْعُذْرَ فِيهِمَا لَيْسَ مَخْصُوصًا بِمُعَيَّنٍ، بَلْ كُلُّ مَا يَلْحَقُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَالْوَحَلُ مِنْهُ، وَعُذْرُ الْجَمْعِ مَضْبُوطٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَلَمْ تَجِئْ بِالْوَحَلِ.
بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
مِنْ حَيْثُ تَمَيُّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا بِاشْتِرَاطِ أُمُورٍ لِصِحَّتِهَا، وَأُخَرَ لِلُزُومِهَا وَكَيْفِيَّةٍ لِأَدَائِهَا وَتَوَابِعَ لِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَتَثْلِيثِهَا، وَالضَّمُّ أَفْصَحُ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا، أَوْ لِأَنَّ اللَّه عز وجل جَمَعَ خَلْقَ أَبِينَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَعَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْقُدْوَةِ إلَى الرُّكُوعِ وَالِاكْتِفَاءِ بِجُزْءٍ فِي الْجَمَاعَةِ.
(قَوْلُهُ: مُنْفَرِدًا بِالْمُصَلَّى) وَلَوْ مَسْجِدًا.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بِهِمْ) قَضِيَّةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْإِمَامِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْمُجَاوِرِينَ بِالْمَسْجِدِ أَوْ مِنْ بُيُوتِهِمْ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ وَحَضَرُوا مَعَ مَنْ جَاءَهُمْ مِنْ بُعْدٍ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَامِ إذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا بَلْ يُؤَخِّرُونَهَا إلَى وَقْتِهَا وَإِنْ أَدَّى تَأْخِيرُهُمْ إلَى صَلَاتِهِمْ فُرَادَى بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُ مَنْ صَلَّى، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِمْ.
(قَوْلُهُ: فَاتَّفَقَ وُجُودُهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْمَعَ) أَيْ حَيْثُ صَلَّى جَمَاعَةً فُرَادَى كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وِفَاقًا لطب وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَارِكَهُمَا يَأْتِي بِبَدَلِهِمَا) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ لِعُذْرٍ لَمْ يَأْتِ لَهَا بِبَدَلٍ، وَإِنَّمَا أَتَى بِالصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ فِي نَفْسِهَا وَلَيْسَ الِانْفِرَادُ بَدَلًا عَنْ الْجَمَاعَةِ.
[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]
[شُرُوطُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]
بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَيْ وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (قَوْلهُ مِنْ حَيْثُ تَمَيُّزُهَا) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ أَرْكَانُهَا وَشُرُوطُهَا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالضَّمُّ أَفْصَحُ) أَيْ لِلْمِيمِ، وَهُوَ لُغَةُ الْحِجَازِ، وَفَتْحُهَا لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ، وَإِسْكَانُهَا لُغَةُ عُقَيْلٍ، وَقَرَأَ بِهَا الْأَعْمَشُ وَالْجَمْعُ جُمَعٌ وَجُمُعَاتٌ مِثْلُ غُرَفٍ وَغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا، وَجَمَّعَ النَّاسُ بِالتَّشْدِيدِ شَهِدُوا الْجُمُعَةَ كَمَا يُقَالُ عَيَّدُوا إذَا شَهِدُوا الْعِيدَ.
وَأَمَّا الْجُمُعَةُ بِسُكُونِ الْمِيمِ فَاسْمٌ لِأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَأَوَّلُهَا السَّبْتُ اهـ مِصْبَاحٌ. وَعَلَيْهِ فَالسُّكُونُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ (قَوْلُهُ جَمَعَ خَلْقَ) أَيْ كَمَّلَ خَلْقَ إلَخْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[الْجَمْعِ لِعُذْرِ الْمَطَرِ]
بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
آدَمَ فِيهَا، أَوْ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ بِحَوَّاءَ فِيهَا فِي الْأَرْضِ، وَكَانَ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ: أَيْ الْبَيِّنِ الْمُعَظَّمِ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
نَفْسِي الْفِدَاءُ لِأَقْوَامٍ هُمْ خَلَطُوا
…
يَوْمَ الْعُرُوبَةِ أَوْرَادًا بِأَوْرَادِ
وَهِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ وَيَوْمُهَا أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَخَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْتِقُ اللَّهُ فِيهِ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنْ النَّارِ، مَنْ مَاتَ فِيهِ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَهِيَ بِشُرُوطِهَا فَرْضُ عَيْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] هُوَ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ الْخُطْبَةِ، فَأَمَرَ بِالسَّعْيِ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَإِذَا وَجَبَ السَّعْيُ وَجَبَ مَا يُسْعَى إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَلَا يُنْهَى عَنْ فِعْلٍ مُبَاحٍ إلَّا لِفِعْلٍ وَاجِبٍ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» وَفُرِضَتْ بِمَكَّةَ وَلَمْ تَقُمْ بِهَا لِفَقْدِ الْعَدَدِ أَوْ لِأَنَّ شِعَارَهَا الْإِظْهَارُ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ بِحَوَّاءَ) أَيْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا (قَوْلُهُ: وَكَانَ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ: وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأَحَدَ أَوَّلَ وَالِاثْنَيْنِ أَهْوَنَ وَالثُّلَاثَاءَ جُبَارًا وَالْأَرْبِعَاءَ دُبَارًا وَالْخَمِيسَ مُؤْنِسًا وَالسَّبْتَ شِيَارًا. قَالَ الشَّاعِرُ:
أُؤَمِّلُ أَنْ أَعِيشَ وَإِنَّ يَوْمِي
…
بِأَوَّلَ أَوْ بِأَهْوَنَ أَوْ جُبَارٍ
أَوْ التَّالِي دُبَارُ فَإِنْ أَفُتْهُ
…
فَمُؤْنِسُ أَوْ عَرُوبَةُ أَوْ شِيَارُ
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْأَهْوَنُ لِرَجُلٍ وَاسْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَفِيهِ أَيْضًا أَهْوَنُ كَأَحْمَدَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَفِيهِ أَوْهَدُ كَذَلِكَ، وَجُبَارٌ كَغُرَابٍ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ وَيُكْسَرُ، وَفِيهِ أَيْضًا دُبَارٌ كَغُرَابٍ وَكِتَابٍ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ لَيْلَتُهُ، وَفِيهِ أَيْضًا شِيَارٌ كَكِتَابٍ يَوْمُ السَّبْتِ جَمْعُهُ بِالْكَسْرِ، وَفِيهِ وَعَرُوبَةُ وَبِاللَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: أَوْرَادًا بِأَوْرَادٍ) أَيْ اشْتَغَلُوا بِهَا وِرْدًا بَعْدَ وِرْدٍ (قَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ فِيهِ) أَوْ فِي لَيْلَتِهِ (قَوْلُهُ وَفِي فِتْنَةِ الْقَبْرِ) أَيْ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى السُّؤَالِ وَأَمَّا هُوَ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ أَحَدٍ مَا عَدَا الْأَنْبِيَاءَ فَلَا يُسْأَلُونَ قَطْعًا، وَكَذَا الصِّبْيَانُ عَلَى الْأَصَحِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا: الصَّبِيُّ لَا يُسَنُّ تَلْقِينُهُ وَلَوْ مُمَيِّزًا، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يُسْئَلُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ لَا يُفْتَنُ بِأَنْ يُلْهَمَ الصَّوَابَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ (قَوْلُهُ: مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمْعٍ تَهَاوُنًا) أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ لِعُذْرٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اعْتِرَافُهُ بِوُجُوبِهَا وَأَنَّ تَرْكَهَا مَعْصِيَةٌ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُتَوَالِيَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْمُتَوَالِيَةُ (قَوْلُهُ: طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) أَيْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِهِ شَيْئًا كَالْخَاتَمِ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْمَوَاعِظِ وَالْحَقِّ (قَوْلُهُ: وَفُرِضَتْ بِمَكَّةَ) وَنُقِلَ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهَا فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهَا فُرِضَتْ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى أَصْحَابِهِ بِالْمَدِينَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ اسْتَقَرَّ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ لِزَوَالِ الْعُذْرِ الَّذِي كَانَ قَائِمًا بِهِمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ طَلَبَ فِعْلَهَا بِمَكَّةَ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَتَّفِقْ لَهُمْ فِعْلُهَا لِلْعُذْرِ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَوُجِدَ بِالْمَدِينَةِ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يُخَاطَبُوا بِهَا إلَّا فِيهَا.
وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَأَوَّلُ جُمُعَةٍ صُلِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ جُمُعَةٌ أَقَامَهَا أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فِي بَنِي بَيَاضَةَ بِنَقِيعِ الْخَضِمَاتِ، «وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْفَذَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ فَنَزَلَ عَلَى أَسْعَدَ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهُ مِنْ النُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِ الْجُمُعَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ بِنَفْسِهِ» . وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُمُعَةٌ بِجُوَاثَى» قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ انْتَهَى.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9] هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْوُجُوبِ لَا عَلَى أَنَّهُ عَيْنِيٌّ
بِهَا مُسْتَخْفِيًا. وَأَوَّلُ مَنْ أَقَامَهَا بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، بِقَرْيَةٍ عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ. وَالْجَدِيدُ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ ظُهْرًا مَقْصُورًا وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا وَقْتُهُ تُتَدَارَكُ بِهِ بَلْ صَلَاةً مُسْتَقِلَّةً لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهَا، وَلِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه:«الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم» ، وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ حَسَنٌ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ.
وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَالْآدَابِ (إنَّمَا)(تَتَعَيَّنُ) أَيْ تَجِبُ عَيْنًا (عَلَى كُلِّ) مُسْلِمٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ وَأُلْحِقَ بِهِ مُتَعَدٍّ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا (حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ) بِمَحَلِّهَا أَوْ بِمَحَلٍّ يُسْمَعُ فِيهِ نِدَاؤُهَا (بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ) كَجُوعِ وَعَطَشٍ وَعُرْيٍ وَخَوْفٍ، وَشَمَلَ ذَلِكَ أَجِيرَ الْعَيْنِ حَيْثُ أَمِنَ فَسَادَ الْعَمَلِ فِي غَيْبَتِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لِخَبَرِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، إلَّا امْرَأَةٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ مَرِيضٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، كَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ هُنَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى وَالْمُدُنِ مَا نَصُّهُ: جُمِّعَتْ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيْ فِي الْمَدِينَةِ فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَقَدْ تُهْمَزُ ثُمَّ مُثَلَّثَةٌ خَفِيفَةٌ مَفْتُوحَةٌ مَقْصُورَةٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ مَنْ أَقَامَهَا بِالْمَدِينَةِ) أَيْ بِجِهَةِ الْمَدِينَةِ انْتَهَى سم عَلَى حَجَرٍ: أَيْ أَوْ أَطْلَقَ الْمَدِينَةَ عَلَى مَا يَشْمَلُ مَا قَرُبَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: بِقَرْيَةٍ عَلَى مِيلٍ) وَاسْمُهَا نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: تُتَدَارَكُ) أَيْ الْجُمُعَةُ (قَوْلُهُ: رَكْعَتَانِ تَمَامٌ) أَيْ صَلَاةٌ كَامِلَةٌ (قَوْلُهُ وَمَعْلُومٌ) أَيْ مِنْ الدِّينُ بِالضَّرُورَةِ.
(قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ بِهِ مُتَعَدٍّ) يُفِيدُ تَعَيُّنَهَا عَلَيْهِ وَأَنَّ الْقَضَاءَ فَرْعُ ذَلِكَ، وَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: وَلَا عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَإِنْ لَزِمَ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ عِنْدَ التَّعَدِّي قَضَاؤُهَا ظُهْرًا كَغَيْرِهَا انْتَهَى. إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ الشَّارِحُ الْإِلْحَاقَ فِي انْعِقَادِ السَّبَبِ لَا فِي التَّكْلِيفِ (قَوْلُهُ: كَجُوعٍ وَعَطَشٍ) أَيْ شَدِيدَيْنِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهِمَا مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ تُبِحْ التَّيَمُّمَ.
(قَوْلُهُ: وَشَمَلَ ذَلِكَ أَجِيرَ الْعَيْنِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِجَارَةَ مَتَى أُطْلِقَتْ انْصَرَفَتْ لِلصَّحِيحَةِ، وَأَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ إحْضَارِ الْخُبْزِ لِمَنْ يَخْبِزُهُ وَيُعْطِي مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَلَيْسَ اشْتِغَالُهُ بِالْخُبْزِ عُذْرًا بَلْ يَجِبُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَلَفِهِ مَا لَمْ يُكْرِهُهُ صَاحِبُ الْخُبْزِ عَلَى عَدَمِ الْحُضُورِ فَلَا يَعْصِي، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَكَانَ لَوْ تَرَكَهُ وَذَهَبَ إلَى الْجُمُعَةِ تَلِفَ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا، وَإِنْ أَثِمَ بِأَصْلِ اشْتِغَالِهِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى تَلَفِهِ لَوْ ذَهَبَ إلَى الْجُمُعَةِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَقِيَّةُ الْعَمَلَةِ كَالنَّجَّارِ وَالْبَنَّاءِ وَنَحْوِهِمَا، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ كَابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَفْسُدْ عَمَلُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَإِنْ زَادَ مِنْهُ عَلَى زَمَنِ صَلَاتِهِ بِمَحَلِّ عَمَلِهِ وَلَوْ طَالَ. وَعِبَارَةُ الْإِيعَابِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَيْسَتْ عُذْرًا فِي الْجُمُعَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِهَا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ زَمَنِهَا زَمَنُ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ الرَّاتِبَةِ وَالْمَكْتُوبَةِ وَلَوْ جُمُعَةً، وَبَحْثُ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ تَمْكِينُهُ مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ لِلْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، قَالَ: وَلَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ بُعْدِهِ أَوْ كَوْنِ إمَامِهِ يُطِيلُ الصَّلَاةَ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَتَتَكَرَّرُ فَاشْتُرِطَ لِاغْتِفَارِهَا أَنْ لَا يَطُولَ زَمَنُهَا رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ، وَاكْتُفِيَ بِتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ فُرَادَى، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَلَمْ تَسْقُطْ وَإِنْ طَالَ زَمَنُهَا، لِأَنَّ سُقُوطَهَا يُفَوِّتُ الصَّلَاةَ بِلَا بَدَلٍ. (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) لَعَلَّ اقْتِصَارَهُ عليه الصلاة والسلام
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: تُتَدَارَكُ بِهِ) كَانَ الْمُنَاسِبُ عَطْفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِالْوَاوِ وَمَعْنَى تَدَارُكِهَا بِهِ فِعْلُهَا ظُهْرًا إذَا فَاتَتْ
(قَوْلُهُ: كَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ) إنْ كَانَ مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ خُصُوصَ كَوْنِهِ مَرْفُوعًا، وَهُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ
وَهُوَ صَحِيحٌ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عُصْفُورٍ: فَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ الَّذِي قَبْلَ إلَّا مُوجَبًا جَازَ فِي الِاسْمِ الْوَاقِعِ بَعْدَ إلَّا وَجْهَانِ أَفْصَحُهُمَا النَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، الْآخَرُ أَنْ تَجْعَلَهُ مَعَ إلَّا تَابِعًا لِلِاسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ فَتَقُولُ: قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا بِنَصَبِهِ وَرَفْعِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ بِالرَّفْعِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «فَلَمَّا تَفَرَّقُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إلَّا أَبُو قَتَادَةَ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي فِي شَرْحِ اللُّمَع: وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ إلَّا صِفَةً وَيَكُونُ الِاسْمُ الَّذِي بَعْدَ إلَّا مُعْرَبًا بِإِعْرَابِ مَا قَبْلَهَا، تَقُولُ: قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدٌ وَرَأَيْت الْقَوْمَ إلَّا زَيْدًا وَمَرَرْت بِالْقَوْمِ إلَّا زَيْدٍ فَيُعْرَبُ مَا بَعْدَ إلَّا إعْرَابَ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الصِّفَةَ تَتْبَعُ الْمَوْصُوفَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْرَابُ عَلَى إلَّا لَكِنَّ إلَّا حَرْفٌ لَا يُمْكِنُ إعْرَابُهُ فَنُقِلَ إعْرَابُهُ إلَى مَا بَعْدَهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ غَيْرَ لَمَّا كَانَتْ اسْمًا ظَهَرَ الْإِعْرَابُ فِيهَا إذَا كَانَتْ صِفَةً تَقُولُ: قَامَ الْقَوْمُ غَيْرُ زَيْدٍ، وَرَأَيْت الْقَوْمَ غَيْرَ زَيْدٍ، وَمَرَرْت بِالْقَوْمِ غَيْرِ زَيْدٍ انْتَهَى.
عَلَى أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُبُونَ الْمَنْصُوبَ بِهَيْئَةِ الْمَرْفُوعِ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ إلَّا مَنْصُوبٌ بِهَا أَوْ أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، فَلَا جُمُعَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ، وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَإِنْ قَلَّ كَمَا يَأْتِي، وَامْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ سَفَرًا مُبَاحًا وَلَوْ قَصِيرًا لِاشْتِغَالِهِ، وَلَا عَلَى مَرِيضٍ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، وَيَجِبُ أَمْرُ الصَّبِيِّ بِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ كَمَا مَرَّ. وَيُسْتَحَبُّ لِمَالِكِ الْقِنِّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي حُضُورِهَا، وَلِعَجُوزٍ فِي ثِيَابٍ بَذَلَتْهَا مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ أَيْضًا حُضُورُهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوَّلَ الْجَمَاعَةِ. وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِمَرِيضٍ أَطَاقَهُ. وَضَابِطُهُ أَنْ يَلْحَقَهُ بِحُضُورِهَا مَشَقَّةٌ كَمَشَقَّةِ مَشْيِهِ فِي الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ نَازَعَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَنَحْوِهِ أَرَادَ بِهِ الْأَعْذَارَ الْمُرَخِّصَةَ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا يَضُرُّهُ ذِكْرُهَا عَقِبَهَا لِأَنَّ هَذَا تَصْرِيحٌ بِبَعْضِ مَا خَرَجَ بِالضَّابِطِ كَقَوْلِهِ وَالْمُكَاتَبِ إلَى آخِرِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ الضَّابِطَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى الْأَرْبَعَةِ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا مَوْجُودِينَ إذْ ذَاكَ وَيُقَاسُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَهُوَ صَحِيحٌ) أَيْ الدَّفْعُ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ) أَيْ شَاذًّا (قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى رِوَايَةِ: أَرْبَعَةً امْرَأَةٌ إلَخْ وَأَمَّا بِدُونِهَا فَلَا يَظْهَرُ إلَّا بِتَقْدِيرِ الْمُسْتَثْنَى مَحْذُوفًا كَأَنْ يُقَالَ: لَا يَتْرُكُهَا أَحَدٌ إلَّا أَرْبَعَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا جُمُعَةَ) أَيْ وَاجِبَةً. (قَوْلُهُ: وَلِعَجُوزِ فِي ثِيَابٍ بَذَلَتْهَا) أَيْ وَيُسْتَحَبُّ لِعَجُوزٍ إلَخْ حَيْثُ أَذِنَ زَوْجُهَا أَوْ كَانَتْ خَلِيَّةً، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْحُضُورُ لِلشَّابَّةِ وَلَوْ فِي ثِيَابٍ بَذَلَتْهَا. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِمَرِيضٍ أَطَاقَهُ) أَيْ الْحُضُورَ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا) أَيْ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ. (قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبِ) اللَّامُ مِنْ الْحِكَايَةِ لَا مِنْ الْمَحْكِيِّ إذْ الْآتِي فِي كَلَامِهِ وَمُكَاتَبٍ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَهُوَ صَحِيحٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: كَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ مَضْبُوطًا بِالرَّفْعِ، فَيُقَالُ مَا وَجْهُ إسْنَادِ نَقْلِ هَذَا لِلشَّارِحِ مَعَ أَنَّهُ الرِّوَايَةُ، وَمَا وَجْهُ التَّعْبِيرِ فِي هَذَا بِلَفْظِ النَّقْلِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ لَفْظَ الضَّبْطِ أَوْ نَحْوَهُ، وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: كَذَا نَقَلَهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرِهِ الشَّارِحُ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْآتِي بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ) مَقُولُ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ إلَّا صِفَةً) فِيهِ أَنَّ الضَّمِيرَ لَا يُوصَفُ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ صِفَةً) فِيهِ أَنَّ غَيْرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَيْسَتْ صِفَةً، إذْ لَا تُوصَفُ الْمَعْرِفَةُ بِالنَّكِرَةِ، وَهِيَ لِتَوَغُّلِهَا فِي الْإِبْهَامِ لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ لِلْمَعْرِفَةِ إلَّا إذَا وَقَعَتْ بَيْنَ ضِدَّيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّحْوِيُّونَ، بَلْ هِيَ فِي حَالَةِ النَّصْبِ تُعْرَبُ حَالًا وَفِي غَيْرِهَا تُعْرَبُ بَدَلًا (قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ) لَعَلَّهُ يَجْعَلُ إلَّا بِمَعْنَى لَكِنَّ، وَالتَّقْدِيرُ: لَكِنَّ الْمُسْتَثْنَى امْرَأَةٌ إلَخْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَضَابِطُهُ) يَعْنِي الْمَرِيضَ الَّذِي لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا) يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ عَقِبَهُ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: بِبَعْضِ مَا خَرَجَ بِالضَّابِطِ)
مُسْتَوْفًى ذَاكِرًا فِيهِ الْمَرَضَ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ، وَمَا قِيسَ بِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْذَارِ مُشِيرًا إلَى الْقِيَاسِ بِقَوْلِهِ وَنَحْوِهِ ثَمَّ بَيَّنَ بَعْضَ مَا خَرَجَ بِهِ اهْتِمَامًا، وَمِنْهُ مَا خَرَجَ بِذَلِكَ النَّحْوِ الْمُبْهَمِ مِمَّا شَمَلَ الْمَقِيسَ كَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ (وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) مِمَّا يَتَأَتَّى مَجِيئُهُ هُنَا لَا كَالرِّيحِ بِاللَّيْلِ، وَمَا اسْتَشْكَلَهُ جَمْعٌ بِأَنَّ مِنْ ذَلِكَ الْجُوعَ، وَيَبْعُدُ جَوَازُ تَرْكِ الْجُمُعَةِ بِهِ، وَبِأَنَّهُ كَيْفَ يَلْحَقُ فَرْضُ الْعَيْنِ بِمَا هُوَ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: لَكِنَّ مُسْتَنَدَهُمْ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: الْجُمُعَةُ كَالْجَمَاعَةِ رُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَهُوَ مَنْعُ قِيَاسِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، بَلْ صَحَّ بِالنَّصِّ أَنَّ الْمَرَضَ مِنْ أَعْذَارِهَا، فَأَلْحَقُوا بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا هُوَ كَمَشَقَّتِهِ أَوْ أَشَدَّ وَهُوَ سَائِرُ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ فَمَا قَالُوهُ ظَاهِرٌ، وَبِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُقَرِّرٌ لِمَا سَلَكُوهُ لَا أَنَّهُ الدَّلِيلُ لِمَا ذَكَرُوهُ، وَمِنْ أَعْذَارِهَا هُنَا مَا لَوْ تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِطُهْرِ مَحَلِّ نَجْوِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا بِحَضْرَةِ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهُ لِعَوْرَتِهِ وَلَا يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَشْفُهَا، لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ الْكَشْفَ حِينَئِذٍ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا يَزِيدُ عَلَى مَشَقَّةِ كَثِيرٍ مِنْ أَعْذَارِهَا. نَعَمْ هُوَ جَائِزٌ لَوْ أَرَادَ تَحْصِيلَهَا، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ وَقْتِ الظُّهْرِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَشْفُ وَعَلَى الْحَاضِرِينَ غَضُّ الْبَصَرِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَمَا قِيسَ بِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْذَارِ إلَخْ) قَالَ حَجّ: وَهَلْ مِنْ الْعُذْرِ هُنَا حَلِفُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُصَلِّيَهَا لِخَشْيَتِهِ عَلَيْهِ مَحْذُورًا لَوْ خَرَجَ إلَيْهَا، لَكِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَمْ يَخْشَهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي تَحْنِيثِهِ حِينَئِذٍ مَشَقَّةً عَلَيْهِ: أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِإِلْحَاقِهِ الضَّرَرَ لِمَنْ لَمْ يَتَعَدَّ بِحَلِفِهِ، فَإِبْرَارُهُ كَتَأْنِيسِ مَرِيضٍ بَلْ أَوْلَى، وَأَيْضًا فَالضَّابِطُ السَّابِقُ شَمَلَ هَذَا، إذْ مَشَقَّةُ تَحْنِيثِهِ أَشَدُّ مِنْ مَشَقَّةِ نَحْوِ الْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، أَوْ لَيْسَ ذَلِكَ عُذْرًا لِأَنَّ مُبَادَرَتَهُ بِالْحَلِفِ هُنَا قَدْ يُنْسَبُ فِيهَا إلَى تَهَوُّرٍ: أَيْ وُقُوعٍ فِي الْأَمْرِ بِقِلَّةِ مُبَالَاةٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَهَوَّرَ الرَّجُلُ: وَقَعَ فِي الْأَمْرِ بِقِلَّةِ مُبَالَاةٍ فَلَا يُرَاعِي كُلَّ مُحْتَمَلٍ، وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إلَى عُذْرٍ فِي ظَنِّهِ الْبَاعِثِ لَهُ عَلَى الْحَلِفِ لِشَهَادَةِ قَرِينَةٍ بِهِ انْتَهَى. وَعَلَيْهِ فَلَوْ صَلَّاهَا حَنِثَ الْحَالِفُ بِهِ، لَكِنْ سَيَأْتِي عَنْ الزِّيَادِيِّ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُشْتَغِلِينَ بِالسَّبَبِ مِنْ خُرُوجِهِمْ لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى عَدَمِ خُرُوجِهِمْ ضَرَرٌ كَفَسَادِ مَتَاعِهِمْ، فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي قُرَى مِصْرِنَا كَثِيرًا (قَوْلُهُ: لَا كَالرِّيحِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْكِنُ تَصْوِيرُ مَجِيئِهِ هُنَا أَيْضًا وَذَلِكَ فِي بَعِيدِ الدَّارِ إنْ لَمْ تُمْكِنُهُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِالسَّعْيِ مِنْ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ عَنْهُ، لِأَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ مُلْحَقٌ بِاللَّيْلِ، وَهُوَ تَصْوِيرٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ رُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا) أَيْ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ لِخَبَرِ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ إلَخْ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ كَوْنِ الدَّلِيلِ قِيَاسَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَعْذَارِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: فَمَا قَالُوهُ ظَاهِرٌ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا بِحَضْرَةٍ إلَخْ) أَيْ أَمَّا مَنْ وَجَدَهُ بِحَضْرَةِ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَقَدَرَ عَلَى غَيْرِهِ كَأَنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِبَيْتِهِ مَثَلًا أَوْ تَحْصِيلُهُ بِنَحْوِ إبْرِيقٍ يَغْتَرِفُ بِهِ وَلَوْ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي حَقِّهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَغُضُّ بَصَرَهُ) أَيْ بِأَنْ ظَنَّ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَوْ ظَنًّا غَيْرَ قَوِيٍّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ هُوَ جَائِزٌ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَوْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ قَوْلُهُ: كُلُّ مُكَلَّفٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَا قِيسَ بِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمَرَضُ أَيْ ذَاكِرًا الْمَرَضَ وَمَا قِيسَ بِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ بَعْضَ مَا خَرَجَ بِهِ) أَيْ بِالضَّابِطِ (قَوْلُهُ: رُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا) أَيْ فِي قَوْلِهِ ذَاكِرًا فِيهِ الْمَرَضَ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ، خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ.
وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَيُجَابُ بِمَا أَشَرْت إلَيْهِ آنِفًا إلَخْ (قَوْلُهُ: بَلْ صَحَّ بِالنَّصِّ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مَنْعُ قِيَاسِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَائِرُ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ) أَيْ وَمِنْهَا الْجُوعُ أَيْ الَّذِي مَشَقَّتُهُ كَمَشَقَّةِ الْمَرَضِ كَمَا عُلِمَ مِنْ الْقِيَاسِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الِاسْتِشْكَالُ الْأَوَّلُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَصَدَّ لَهُ الشَّارِحُ لِعِلْمِ جَوَابِهِ مِنْ كَلَامِهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
إذْ الْجُمُعَةُ لَهَا بَدَلٌ، بِخِلَافِ الْوَقْتِ، أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِتَجْهِيزِ مَيِّتِ عُذْرٌ أَيْضًا، وَكَذَا إسْهَالٌ لَا يَضْبِطُ مَعَهُ نَفْسَهُ وَيُخْشَى مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَالْجِنْسُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ عُذْرٌ إنْ مَنَعَهُ الْحَاكِمُ وَلَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ أَفْتَى الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِ إطْلَاقِهِ لِفِعْلِهَا، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ عُذْرٌ إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِيهِ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ.
وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الْحَبْسِ أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرَ كَغَالِبِ الْأَوْقَاتِ فِي حُبُوسِ الْقَاهِرَةِ وَمِصْرَ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَإِنْ نُوزِعُ فِيهِ لُزُومُ الْجُمُعَةِ لَهُمْ لِأَنَّ إقَامَتَهَا فِي الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَالتَّعَدُّدُ يَجُوزُ عِنْدَ عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ، فَعِنْدَ تَعَذُّرِهِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْلَى، وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ وُجُوبُ النَّصْبِ عَلَى الْإِمَامِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ فَهَلْ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي لَا يَعْسُرُ فِيهَا الِاجْتِمَاعُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ لَهُمْ لِأَنَّهَا جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ لَهُمْ وَمَشْرُوعَةٌ أَمْ لَا؟ لِأَنَّا إنَّمَا جَوَّزْنَاهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ، الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ (وَ) لَا عَلَى (مُكَاتَبٍ) لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ إشَارَةً إلَى خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ دُونَ الْقِنِّ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ) لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَلَوْ فِي نَوْبَتِهِ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَتْ الْجُمُعَةُ فِي نَوْبَتِهِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِ الْمُقَابِلِ اللُّزُومَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُرَادٍ.
(وَمَنْ صَحَّتْ ظَهْرُهُ) مِمَّنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ (صَحَّتْ جُمُعَتُهُ) بِالْإِجْمَاعِ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِطُهْرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا سَقَطَتْ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ لِلْمَشَقَّةِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِتَجْهِيزِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُجَهِّزُ مِمَّنْ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ بِالْمَيِّتِ كَابْنِهِ وَأَخِيهِ، بَلْ الْمُتَبَرِّعُ بِمُسَاعَدَةِ أَهْلِهِ حَيْثُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ مَعْذُورٌ. أَمَّا مَنْ يَحْضُرُ عِنْدَ الْمُجَهِّزِينَ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَنَةٍ بَلْ لِلْمُجَامِلَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي حَقِّهِمْ وَمِثْلُهُمْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ (قَوْلُهُ: عُذْرٌ أَيْضًا) وَمِنْ الْعُذْرِ أَيْضًا مَا لَوْ اشْتَغَلَ بِرَدِّ زَوْجَتِهِ النَّاشِزَةِ، كَذَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ جَوَاهِرِ الْقَمُولِيِّ انْتَهَى.
وَهَلْ مِثْلُ زَوْجَتِهِ مَا لَوْ اشْتَغَلَ بِرَدِّ زَوْجَةِ غَيْرِهِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْحَقَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ وَإِنْ تَوَقَّفَ رَدُّهَا عَلَى حُضُورِهِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ بِهِ خُصُوصِيَّةٌ كَزَوْجَةِ وَلَدِهِ، وَلَوْ قِيلَ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ بِزَوْجَتِهِ فَيَكُونُ عُذْرًا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا فَلْيُرَاجَعْ، وَقَوْلُهُ يَرُدُّ زَوْجَتَهُ: أَيْ حَيْثُ تَوَقَّفَ رَدُّهَا عَلَى فَوَاتِ الْجُمُعَةِ بِأَنْ كَانَ مُتَهَيِّئًا لِلسَّفَرِ أَوْ كَانَتْ هِيَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ عُذْرًا (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ) يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَرَ مَصْلَحَةً فِي الْحَبْسِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ لِلْحَاكِمِ الْمَنْعُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ) أَيْ الْحَبْسَ عُذْرٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِيهِ: أَيْ فِي سَبَبِهِ: وَقَوْلُهُ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ مُعْتَمَدٌ.
[فَرْعٌ] لَوْ اجْتَمَعَ فِي مَكَان أَرْبَعُونَ مَرِيضًا وَأَمْكَنَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي الْحُضُورِ أَوْ لَا أَخْذًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ؟ لَا يَبْعُدْ الْأَوَّلُ وِفَاقًا لِ م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَاعْتَمَدَ حَجّ فِي شَرْحِهِ الثَّانِي، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قِيلَ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ غَيْرُهُمْ وَأَمْكَنَهُمْ إقَامَتُهَا بِمَحَلِّهِمْ لَزِمَتْهُمْ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّهُ لَا تَعَدُّدَ هُنَا، وَالْحَبْسُ إنَّمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ حُضُورِ مَحَلِّهَا (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ وُجُوبُ النَّصْبِ عَلَى الْإِمَامِ) أَيْ نَصْبِ الْخَطِيبِ لِلْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ مَنْ يَصْلُحُ) أَيْ لِلْخُطْبَةِ فَلَا يُقَالُ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فَمَا فَائِدَةُ نَصْبِ الْإِمَامِ وَاحِدًا لَهُمْ، لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ النَّصْبِ لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ خَلْفَهُ، عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي صِحَّةُ صَلَاةِ الْأُمِّيِّينَ خَلْفَ الْقَارِئِ حَيْثُ لَمْ يُقَصِّرُوا بِالتَّعَلُّمِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ التَّقْصِيرُ لَا ارْتِبَاطُ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ (قَوْلُهُ: الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ تَعْطِيلُ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْحَبْسِ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَيَسَّرْ اجْتِمَاعُ الْكُلِّ فِي الْحَبْسِ وَفِعْلُهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: إشَارَةً إلَى خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ أَئِمَّتِنَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ حَجّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَالْمُسَافِرِ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالصِّحَّةِ مُسَاوٍ لِتَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْإِجْزَاءِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ، وَدَعْوَى مَنْ قَالَ: إنَّ تَعْبِيرَ الْأَصْلِ أَصْوَبُ لِإِشْعَارِهِ بِسُقُوطِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الصِّحَّةِ مَمْنُوعَةٌ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ لِأَنَّهَا تَصِحُّ لِمَنْ تَلْزَمُهُ فَلِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ أَوْلَى: أَيْ بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّ مَنْ تَلْزَمُهُ هُوَ الْأَصْلُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَهُ، فَإِذَا أَجْزَأْت الْأَصْلَ أَجْزَأْت التَّابِعَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَلَهُ) أَيْ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ (أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ الْجَامِعِ) يَعْنِي مِنْ مَحَلِّ إقَامَتِهَا، وَآثَرَ الْجَامِعَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ إقَامَتُهَا فِيهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهَا، إذْ الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ وَهُوَ النُّقْصَانُ لَا يَرْتَفِعُ بِحُضُورِهِمْ، وَتَعْبِيرُهُ بِالِانْصِرَافِ: يَسْتَلْزِمُ جَوَازُ تَرْكِهِ الْجُمُعَةَ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمَعْذُورِ فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِخِلَافِهِ (إلَّا الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ) أَيْ مِمَّنْ أُلْحِقَ بِهِ كَالْأَعْمَى لَا يَجِدُ قَائِدًا (فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ) قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهَا (إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ) قَبْلَ انْصِرَافِهِ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي حَقِّهِ مَشَقَّةُ الْحُضُورِ وَبِهِ زَالَ الْمَانِعُ وَتَعَبُ الْعَوْدِ لَا بُدَّ مِنْهُ (إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ) فِعْلَهَا وَلَمْ تَقُمْ الصَّلَاةُ فَيَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ، فَإِنْ أُقِيمَتْ امْتَنَعَ عَلَى الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ. بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْخُرُوجُ مِنْهَا فَقَطْ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اللُّزُومِ الصِّفَاتُ الْقَائِمَةُ بِهِمْ وَهِيَ لَا تَرْتَفِعُ، وَمَحَلُّ امْتِنَاعِ الِانْصِرَافِ بَعْدَ إقَامَتِهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي إقَامَتِهِ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ، كَإِسْهَالٍ بِهِ ظَنَّ انْقِطَاعَهُ فَحَضَرَ ثُمَّ أَحَسَّ بِهِ، بَلْ لَوْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ سَبْقَهُ لَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي الصَّلَاةِ لَوْ مَكَثَ فَلَهُ الِانْصِرَافُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.
وَلَوْ زَادَ تَضَرُّرُ الْمَعْذُورِ بِطُولِ صَلَاةِ الْإِمَامِ كَأَنْ قَرَأَ بِالْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ جَازَ لَهُ الِانْصِرَافُ أَيْضًا كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ سَوَاءٌ أَكَانَ أَحْرَمَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَقِيلَ تَجِبُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ (قَوْلُهُ: مَمْنُوعَةٌ) أَيْ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الصِّحَّةَ مُسَاوِيَةٌ لِلْإِجْزَاءِ: يَعْنِي وَالْإِجْزَاءُ هُوَ الْكِفَايَةُ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ وَقِيلَ فِي الْعِبَادَةِ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالصِّحَّةِ) خَبَرُ قَوْلِهِ: وَقَوْلُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ الْجَامِعِ) يَشْمَلُ مَنْ أَكَلَ ذَا رِيحٍ كَرِيهٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي حَجّ خِلَافُهُ، قَالَ: وَتَضَرُّرُ الْحَاضِرِينَ بِهِ يُحْتَمَلُ أَوْ يَسْهُلُ زَوَالُهُ بِتَوَقِّي رِيحِهِ وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ هُنَا يَشْمَلُ مَنْ أَكَلَ ذَا رِيحٍ كَرِيهٍ فَلْيَنْظُرْ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ بِالْهَامِشِ انْتَهَى. وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ قَوْلُهُ وَأَكْلُ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ لَا فَرْقَ عَلَى الْأَوْجَهِ بَيْنَ مَنْ أَكَلَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، نَعَمْ إنْ أَكَلَ ذَلِكَ بِقَصْدِ إسْقَاطِ الْجُمُعَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ أَثِمَ فِي الْجُمُعَةِ وَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ كَالْجَمَاعَةِ، وَقَضِيَّةُ عَدَمِ السُّقُوطِ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ وَإِنْ تَأَذَّى النَّاسُ، وَاعْتَمَدَهُ م ر انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ حَجّ مِنْ قَوْلِهِ وَتَضَرُّرُ الْحَاضِرِينَ إلَخْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَكْلُ ذِي الرِّيحِ الْكَرِيهِ عُذْرًا مُطْلَقًا (قَوْله إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ) فَلَوْ انْصَرَفَ حِينَئِذٍ أَثِمَ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ؟ الْوَجْهُ لَا وِفَاقًا لَمْ ر انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلِهِ فَإِنْ أُقِيمَتْ امْتَنَعَ إلَخْ) نَعَمْ إنْ كَانَ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ حُضُورِهِ فَالْوَجْهُ جَوَازُ الِانْصِرَافِ، ثُمَّ رَأَيْت ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ فَوْتِهَا الظُّهْرَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ لَوْ مَكَثَ فَلَهُ الِانْصِرَافُ) أَيْ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ.
(قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ الِانْصِرَافُ) أَيْ بِأَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَبِأَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ وَيُكَمِّلَ مُنْفَرِدًا إنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَلْحَقْهُ ضَرَرٌ بِالتَّكْمِيلِ وَإِلَّا جَازَ لَهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرُهُ بِالِانْصِرَافِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ تَرْكِهِ الْجُمُعَةَ) أَيْ مَعَ حُضُورِهِ مَحَلَّهَا نَظَرًا إلَى الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ (قَوْلُهُ: فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِخِلَافِهِ) أَيْ الْقَوْلُ بِأَنَّ جَوَازَ الِانْصِرَافِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ أَصْلِ التَّرْكِ: أَيْ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَهُ
مَعَهُ أَمْ لَا.
(وَتَلْزَمُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ إنْ وَجَدُوا مَرْكَبًا) مَمْلُوكًا أَوْ مُؤَجَّرًا أَوْ مُعَارًا وَلَوْ آدَمِيًّا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَزُرْ بِهِ رُكُوبُهُ (وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ عَلَيْهِمَا) كَمَشَقَّةِ الْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً لَا تُحْتَمَلُ غَالِبًا فَلَا وَإِنْ لَمْ تُبِحْ التَّيَمُّمَ فِيمَا يَظْهَرُ (وَالْأَعْمَى يَجِدُ قَائِدًا) وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَوَجَدَهَا فَاصِلَةً عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ مُتَبَرِّعًا أَوْ مَمْلُوكًا لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يُكَلَّفْ الْحُضُورَ وَإِنْ أَحْسَنَ الْمَشْيَ بِالْعَصَا، خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلضَّرَرِ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ مَحَلُّ الْجُمُعَةِ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا يَنَالُهُ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ فِيمَا يَظْهَرُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ فَتَاوَى الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَاضِي عَلَيْهِ.
(وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ) مَثَلًا (إنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ) أَيْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَهُمْ أَرْبَعُونَ بِالصِّفَاتِ الْآتِيَةِ (أَوْ) لَيْسَ فِيهِمْ جَمْعٌ كَذَلِكَ لَكِنْ (بَلَغَهُمْ صَوْتٌ) مِنْ مُؤَذِّنٍ مَعَ اعْتِدَالِ سَمْعِ مَنْ بَلَغَهُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لِيُخْرِجَ الْأَصَمَّ، وَمَنْ جَاوَزَ سَمْعُهُ الْعَادَةَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْبُلُوغِ الْعُرْفُ: أَيْ بِحَيْثُ يُعْلَمُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَطْعُهَا.
(قَوْلُهُ: الْهَرِمَ) قَالَ حَجّ: هُوَ أَقْصَى الْكِبَرِ، وَالزَّمَانَةُ: الِابْتِلَاءُ وَالْعَاهَةُ انْتَهَى. وَفِي الْمِصْبَاحِ: هَرِمَ هَرَمًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فَهُوَ هَرِمٌ كَبِرَ وَضَعُفَ، وَعَبَّرَ فِي الْمَنْهَجِ بِالْهَمِّ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ أَوْ مُتَّحِدَانِ، فَفِي الْمِصْبَاحِ: الْهِمُّ بِالْكَسْرِ الشَّيْخُ الْفَانِي وَالْأُنْثَى هِمَّةٌ (قَوْلُهُ: إنْ وَجَدَا مَرْكَبًا) بِفَتْحِ الْكَافِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُؤَجَّرًا أَوْ مُعَارًا) أَيْ إعَارَةً لَا مِنَّةَ فِيهَا بِأَنْ تَفِهَتْ الْمَنْفَعَةُ جِدًّا فِيمَا يَظْهَرُ انْتَهَى حَجّ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: قِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةِ الْمَرْكُوبِ انْتَهَى. أَقُولُ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ) اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلَوْ آدَمِيًّا (قَوْلُهُ: وَالْأَعْمَى يَجِدُ قَائِدًا) أَيْ فِي مَحَلٍّ يَسْهُلُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ عَادَةً بِلَا مَشَقَّةٍ (قَوْلُهُ: عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَدَفْعُ مَا زَادَ عَلَى مَا يَحْتَاجُهُ فِي الْفِطْرَةِ لِلْأُجْرَةِ هُنَا، وَقِيَاسُ مَا فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ يَدْفَعُ ثَمَنَ الْمَاءِ لِلدَّيْنِ وَيَتَيَمَّمُ خِلَافُهُ فَيُعْتَبَرُ هُنَا أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ فَاضِلَةً عَنْ دَيْنِهِ وَإِنْ قَاسَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ، لِأَنَّ قِيَاسَهُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَاتِهِمْ فَهُوَ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ.
(قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ فِيمَا يَظْهَرُ) وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ زَيْدٍ فَصَلَّى زَيْدٌ إمَامَ الْجُمُعَةِ سَقَطَتْ عَنْهُ، قَالَهُ م ر، وَفِيهِ احْتِمَالَانِ فِي النَّاشِرِيِّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَصَوَّرَهُ بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ أَوْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ فَرَاجِعْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ م ر: لَكِنَّ السُّقُوطَ يُشْكِلُ بِمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْزِعُ ثَوْبَهُ فَأَجْنَبَ وَاحْتَاجَ لِنَزْعِهَا فِي الْغُسْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ النَّزْعُ وَلَا حَنِثَ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا، قَالَ: إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ لِلْجُمُعَةِ بَدَلًا وَهُوَ الظُّهْرُ. أَقُولُ: وَلِلْغُسْلِ بَدَلٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لِلْجُمُعَةِ بَدَلٌ يَجُوزُ فِي الْجُمُعَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَلْيُحَرَّرْ، وَأَتَخَيَّلُ أَنَّ الرَّمْلِيَّ رَجَعَ إلَى اعْتِمَادِ وُجُوبِهَا وَلَا حِنْثَ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا كَمَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى نَزْعِ الثَّوْبِ الْمَذْكُورَةِ فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُحَرَّرْ، ثُمَّ رَأَيْته قَرَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ سُقُوطَهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَقَالَ حَجّ: إنَّ السُّقُوطَ هُوَ الْأَقْرَبُ. ثُمَّ رَأَيْت بِهَامِشِ نُسْخَةِ مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ نَقْلًا عَنْهُ اعْتِمَادَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، وَلَا حِنْثَ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا. وَقَوْلُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِينَ فَمَمْنُوعٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ صَلَاةِ غَيْرِ الْمَعْذُورِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَعْذُورَ فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَقَوْلُ سم فَصَلَّى زَيْدٌ إمَامَ الْجُمُعَةِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا حِينَ الْحَلِفِ أَنَّهُ إمَامٌ وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَيَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا. .
(قَوْلُهُ: وَمَنْ جَاوَزَ سَمْعُهُ الْعَادَةَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ) أَيْ فَيَجِبُ عَلَى الْأَصَمِّ دُونَ مَنْ جَاوَزَ سَمْعُهُ الْعَادَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ. فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ مَا فِي الصَّوْمِ مِنْ أَنَّ حَدِيدَ الْبَصَرِ إذَا رَأَى الْهِلَالَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وُجُوبَ الْحُضُورِ هُنَا. قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَدَارَ فِي الصَّوْمِ عَلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ الْهِلَالِ وَقَدْ حَصَلَ بِرُؤْيَةِ حَدِيدِ الْبَصَرِ، وَالْمَدَارُ هُنَا عَلَى مَسَافَةٍ لَا تَحْصُلُ بِهَا مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، وَلَوْ عُوِّلَ عَلَى حَدِيدِ السَّمْعِ لَرُبَّمَا حَصَلَ بِهَا مَشَقَّةٌ تَامَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أَنَّ مَا سَمِعَهُ نِدَاءُ جُمُعَةٍ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ (عَالٍ) يُؤَذِّنُ كَعَادَتِهِ فِي عُلُوِّ الصَّوْتِ (فِي هُدُوٍّ) أَيْ سُكُونٍ لِلْأَصْوَاتِ وَالرِّيَاحِ (مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ) لِخَبَرِ «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» وَلِأَنَّ الْقَرْيَةَ كَالْبَلَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى عَالٍ، لِأَنَّهُ لَا ضَبْطَ لِحَدِّهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَلْدَةُ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ أَشْجَارٍ كَطَبَرِسْتَانَ فَإِنَّهَا بَيْنَ أَشْجَارٍ تَمْنَعُ بُلُوغَ الصَّوْتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعُلُوُّ عَلَى مَا يُسَاوِي الْأَشْجَارَ، وَاسْتِثْنَاؤُهُمْ ذَلِكَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ السَّمَاعُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ فَعِنْدَ وُجُودِهِ يُقَدَّرُ زَوَالُهُ أَوْ الْعُلُوُّ عَلَى مَا يُسَاوِيهِ.
وَاعْتُبِرَ الطَّرَفُ الَّذِي يَلِيهِمْ لِأَنَّ الْبَلْدَةَ قَدْ تَكْبُرُ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ أَطْرَافَهَا النِّدَاءُ بِوَسَطِهَا فَاحْتِيطَ لِلْعِبَادَةِ وَاعْتُبِرَ هُدُوُّ الْأَصْوَاتِ وَالرِّيَاحِ لِئَلَّا يَمْنَعَا بُلُوغَ النِّدَاءِ أَوْ تُعِينُ غَلَبَةُ الرِّيَاحِ، وَلَوْ سَمِعَ الْمُعْتَدِلُ مِنْ بَلَدَيْنِ فَحُضُورُ الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا جَمَاعَةً أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَوْجَهُ مُرَاعَاةُ الْأَقْرَبِ كَنَظِيرِهِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَيُحْتَمَلُ مُرَاعَاةُ الْأَبْعَدِ لِكَثْرَةِ الْأَجْرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ وَلَا بَلَغَهُمْ الصَّوْتُ الْمُعْتَبَرُ (فَلَا) تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَلَوْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ مُرْتَفِعَةً فَسُمِعَتْ وَلَوْ سَاوَتْ لَمْ تُسْمَعْ، أَوْ كَانَتْ مُنْخَفِضَةً فَلَمْ تُسْمَعْ وَلَوْ سَاوَتْ لَسُمِعَتْ لَزِمَتْ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى اعْتِبَارًا بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَارُّ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، إذْ لَوْ أُخِذَ بِظَاهِرِهِ لَزِمَتْ الْبَعِيدَ الْمُرْتَفِعَ دُونَ الْقَرِيبِ الْمُنْخَفِضِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ لَوْ كَانَ بِمُنْخَفَضٍ لَا يُسْمَعُ النِّدَاءُ وَلَوْ اسْتَوَتْ لَسَمِعَهُ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ أَنْ تُبْسَطَ هَذِهِ الْمَسَافَةُ أَوْ أَنْ يَطْلُعَ فَوْقَ الْأَرْضِ مُسَامِتًا لِمَا هُوَ فِيهِ الْمَفْهُومُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي الْعَادَةِ، فَإِنَّ حَدِيدَ السَّمْعِ قَدْ يَسْمَعُ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ كَنِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: أَنَّ مَا سَمِعَهُ نِدَاءُ جُمُعَةٍ) هُوَ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ لِكَوْنِ الْكَلَامِ فِي الْجُمُعَةِ، وَإِلَّا فَالْمَدَارُ عَلَى سَمَاعِ الصَّوْتِ وَعَدَمِهِ، فَمَا أَفْهَمَهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ لَيْسَ مُرَادًا (قَوْلُهُ: مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ) لَعَلَّ ضَابِطَهُ مَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ) عِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: سَكَتُوا عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ الْمُسْتَمِعُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَتِهِ بِرّ، وَمَالَ م ر إلَى هَذَا الظَّاهِرِ وَقَالَ: مَنْ سَمِعَ مِنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلَا.
وَحَاصِلُ الَّذِي تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاعْتَمَدَهُ م ر أَنَّ ضَابِطَ مَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ مَا يُمْنَعُ الْقَصْرُ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ، فَشَمَلَ الْمَسْجِدَ الْخَارِجَ عَنْ الْبَلَدِ بِأَنْ خَرِبَ مَا بَيْنَ الْبَلَدِ وَبَيْنَهُ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَهْجُرُوهُ بَلْ يَتَرَدَّدُونَ إلَيْهِ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الْمَسْجِدُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ بِجَانِبِ الْبَلَدِ مُنْفَصِلًا عَنْهَا قَلِيلًا مَعَ تَرَدُّدِهِمْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ لِبَلَدٍ سُورًا وَاتَّصَلَتْ بِهِ الْعِمَارَةُ وَاتَّسَعَتْ بِهِ الْخُطَّةُ جِدًّا وَلَيْسَ بِهَا مَحَلٌّ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ إلَّا دَاخِلَ السُّورِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَسْمَعُ الصَّوْتَ الْعَالِيَ فِي الْهُدُوِّ مِنْ الطَّرَفِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ وَرَاءِ السُّورِ بِفَرْضِ زَوَالِ الْأَبْنِيَةِ إنْ فُرِضَ أَنَّهَا تَمْنَعُ السَّمَاعَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا، أَمَّا لَوْ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي الْعُمْرَانِ وَفِي دَاخِلِ السُّورِ وَسَمِعَ أَهْلُ الْأَبْنِيَةِ نِدَاءَ مَنْ بِطَرَفِ الْعُمْرَانِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْحُضُورُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا نِدَاءَ مَنْ هُوَ دَاخِلَ السُّورِ، لِأَنَّ وُجُودَ السُّورِ صَيَّرَ كُلًّا مِنْ الْعُمْرَانِ وَدَاخِلِ السُّورِ كَبَلَدٍ مُسْتَقِلَّةٍ (قَوْلُهُ: لَا ضَبْطَ لَحَدِّهِ) أَيْ الْعَالِي (قَوْلُهُ:) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ هِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ اسْمُ بِلَادٍ بِالْعَجَمِ (قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ مُرَاعَاةُ الْأَقْرَبِ) أَيْ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَزِمَتْ الثَّانِيَةُ) أَيْ أَهْلَ الثَّانِيَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَارُّ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ " الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ "(قَوْلُهُ: أَوْ أَنْ يَطْلُعَ فَوْقَ الْأَرْضِ) فِي الْمُخْتَارِ طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَالْكَوَاكِبُ مِنْ بَابِ دَخَلَ، ثُمَّ قَالَ: وَطُلِعَ الْجَبَلُ بِالْكَسْرِ طُلُوعًا انْتَهَى. وَمَا هُنَا مِنْ الثَّانِي
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مِنْ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ. وَلَوْ كَانَ بَقَرِيَّةٍ أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ حَرُمَ عَلَيْهِمْ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ.
وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ أَنْ يُصَلُّوهَا فِي الْمِصْرِ سَمِعُوا النِّدَاءَ أَمْ لَا لِتَعْطِيلِهِمْ الْجُمُعَةَ فِي مَحَلِّهِمْ، خِلَافًا لِمَنْ صَرَّحَ بِالْجَوَازِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ سُقُوطُ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ لَوْ فَعَلُوا وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ، إذْ الْإِسَاءَةُ لَا تُنَافِي الصِّحَّةَ، وَلَوْ وَافَقَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَضَرَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ بَلَغَهُمْ النِّدَاءُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ قَبْلَ صَلَاتِهَا وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ وَإِنْ قَرُبُوا مِنْهَا وَسَمِعُوا النِّدَاءَ وَأَمْكَنَهُمْ إدْرَاكُهَا لَوْ عَادُوا إلَيْهَا لِخَبَرِ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَشْهَدَ مَعَنَا الْجُمُعَةَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ أَوْ بِالْعُودِ إلَى الْجُمُعَةِ لَشُقَّ عَلَيْهِمْ وَالْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِالْمَشَاقِّ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَحْضُرُوا كَأَنْ صَلَّوْا الْعِيدَ بِمَكَانِهِمْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَحَلُّ مَا مَرَّ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ فَإِنْ دَخَلَ عَقِبَ سَلَامِهِمْ مِنْ الْعِيدِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَرْكُهَا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ.
(وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ) الْجُمُعَةُ بِأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ كَمُقِيمٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ (السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِأَنَّ وُجُوبَهَا قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَفْوِيتُهَا بِهِ (إلَّا أَنْ تُمْكِنُهُ الْجُمُعَةَ فِي) مَقْصِدِهِ أَوْ (طَرِيقِهِ) بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إدْرَاكُهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَمُضَارِعُهُ عَلَى يَفْعَلُ بِالْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي) عِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِمُسْتَوٍ لَسَمِعُوهُ، الْمُرَادُ لَوْ فُرِضَتْ مَسَافَةُ انْخِفَاضِهَا مُمْتَدَّةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَهِيَ عَلَى آخِرِهَا لَسُمِعَتْ، هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقِيسَ عَلَيْهِ نَظِيرُهُ فِي الْأَوْلَى بِرّ، وَاعْتَمَدَ م ر كَأَبِيهِ نَحْوَ هَذَا، وَهِيَ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الشَّارِحِ، وَالْأَقْرَبُ مَا فِي سم، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا، ثُمَّ رَأَيْته فِي حَاشِيَةِ حَجّ اسْتَوْجَبَهُ أَيْضًا، وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ نَقْلِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ بِهِ عَنْ بِرّ مَا نَصُّهُ: وَهُوَ حَقٌّ وَجِيهٌ، وَإِنْ تَبَادَرَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ تُفْرَضَ الْقَرْيَةُ عَلَى أَوَّلِ الْمُسْتَوَى فَلَا تُحْسَبُ مَشَقَّةُ الِانْخِفَاضِ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ فِي هَذَا نَظَرًا لَا يَخْفَى، إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ طَالَتْ مَسَافَةُ الِانْخِفَاضِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ مَعَ قَطْعِهَا مَثَلًا وَعَدَمُ الْوُجُوبِ فِي الْأَوْلَى وَإِنْ قَلَّتْ مَسَافَةُ الِارْتِفَاعِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْإِدْرَاكُ مَعَ قَطْعِهَا، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْت: يُشْتَرَطُ فِي الْوُجُوبِ فِي الثَّانِيَةِ إمْكَانُ الْإِدْرَاكِ وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ فِيهَا. قُلْت: فَإِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْأُولَى عَدَمُ إمْكَانِ الْإِدْرَاكِ وَإِلَّا ثَبَتَ الْوُجُوبُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِاسْتِوَائِهِمَا عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى، وَإِمَّا أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ نَقُولُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ثَابِتٌ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْوُجُوبِ فِي الثَّانِيَةِ فَهَذَا مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت أَنَّ شَيْخَنَا الشِّهَابَ الرَّمْلِيَّ اقْتَصَرَ فِي فَتَاوِيهِ عَلَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بَقَرِيَّةٍ أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ حَرُمَ عَلَيْهِمْ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ قَصْدُهُمْ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمِصْرِ عُذْرًا فِي تَرْكِهِمْ الْجُمُعَةَ فِي بَلْدَتِهِمْ إلَّا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَسَادُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ احْتَاجُوا إلَى مَا يَصْرِفُونَهُ فِي نَفَقَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الضَّرُورِيَّةِ وَلَا يُكَلَّفُونَ الِاقْتِرَاضَ (قَوْلُهُ: وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْجُمُعَةُ بِفِعْلِهَا) أَيْ فِي الْمِصْرِ (قَوْلُهُ: فَحَضَرَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ إلَخْ) أَيْ بِقَصْدِهَا بِأَنْ تَوَجَّهُوا إلَيْهَا بِنِيَّتِهَا وَلَمْ يُدْرِكُوهَا، وَأَمَّا لَوْ حَضَرُوا لِبَيْعِ أَسْبَابِهِمْ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الْحُضُورُ سَوَاءٌ رَجَعُوا إلَى مَحَلِّهِمْ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فَلَهُمْ الرُّجُوعُ قَبْلَ صَلَاتِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ دَخَلَ عَقِبَ سَلَامِهِمْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَوْ صَلَّوْا الْعِيدَ ثُمَّ تَشَاغَلُوا بِأَسْبَابٍ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الِانْصِرَافُ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الِانْصِرَافُ حِينَئِذٍ.
(قَوْلُهُ بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ وَإِنْ قَرُبُوا مِنْهَا وَسَمِعُوا النِّدَاءَ) أَيْ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا فَالصُّورَةُ أَنَّهُمْ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ (قَوْلُهُ: عَقِبَ سَلَامِهِمْ) تَصْوِيرٌ.
مُرَادُ الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِإِدْرَاكِهَا، إذْ كَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ الْعِلْمَ وَيُرِيدُونَ بِهِ الظَّنَّ، كَقَوْلِهِمْ: يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ الْعِلْمِ بِرِضَاهُ كَذَلِكَ وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ، وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ نَقَصَ بِسَفَرِهِ عَدَدُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِحَيْثُ أَدَّى إلَى تَعْطِيلِ جُمُعَتِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، إذْ لَا يُكَلَّفُ بِتَصْحِيحِ عِبَادَةِ غَيْرِهِ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا لَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَلِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّعْجِيزِ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا مَرَّ آنِفًا مِنْ حُرْمَةِ تَعْطِيلِ بَلَدِهِمْ عَنْهَا، لَكِنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مُعَطَّلُونَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ. .
وَلَوْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ جُنُونٌ أَوْ مَوْتٌ فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْإِثْمِ عَنْهُ، كَمَا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ أَوْ الْجُنُونُ. وَمَحَلُّ الْمَنْعِ أَيْضًا مَا لَمْ يَجِبْ السَّفَرُ فَوْرًا، فَإِنْ وَجَبَ كَذَلِكَ كَإِنْقَاذِ نَاحِيَةٍ وَطِئَهَا الْكُفَّارُ أَوْ أَسْرَى اخْتَطِفُوهُمْ وَظَنَّ أَوْ جَوَّزَ إدْرَاكَهُمْ وحج تَضِيق وَخَافَ فَوْتَهُ فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ وُجُوبُ السَّفَرِ فَضْلًا عَنْ جَوَازِهِ (أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ) لَهَا (عَنْ الرُّفْقَةِ) فَلَا يَحْرُمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ انْقِطَاعِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ بِلَا ضَرَرٍ لَيْسَ عُذْرًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ، وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ إذْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ الطُّهْرَ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَفَرَّقَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَوْ تَبَيَّنَ خِلَافُ ظَنِّهِ بَعْدَ السَّفَرِ فَلَا إثْمَ وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ عَوْدُهُ وَإِدْرَاكُهَا فَيَتَّجِهُ وُجُوبُهُ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ) أَيْ بِالظَّنِّ أَنْ تِلْكَ الْوَاقِعَةَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ ظَنًّا غَالِبًا كَأَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ بِقَرِينَةٍ قَوِيَّةٍ نَزَّلَتْهُ مَنْزِلَةَ الْعِلْمِ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ (قَوْلُهُ: وَلِخَبَرِ لَا ضَرَرَ) أَيْ يَتَحَمَّلُهُ، وَلَا ضِرَارَ: أَيْ لِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إلَخْ) حَاصِلُهُ تَرْجِيحُ جَوَازِ سَفَرِهِ لِحَاجَةٍ وَإِنْ تَعَطَّلَتْ الْجُمُعَةُ، لَكِنْ هَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَاحِدِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لَا فَرْقَ حَتَّى لَوْ سَافَرَ الْجَمِيعُ لِحَاجَةٍ وَجَازَ كَأَنْ أَمْكَنَتْهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ كَانَ جَائِزًا وَإِنْ تَعَطَّلَتْ الْجُمُعَةُ فِي بَلَدِهِمْ وَيُخَصُّ بِذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ تَجْوِيزِ تَعْطِيلِهَا فِي مَحَلِّهِمْ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْوَجْهُ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ اهـ سم عَلَى حَجّ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا وَجْهَ لِلتَّرَدُّدِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ السَّفَرُ لِعُذْرٍ مُرَخِّصًا فِي تَرْكِهَا فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَحْرُمُ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْإِثْمِ عَنْهُ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لَتَعَدِّيهِ بِالْإِقْدَامِ فِي ظَنِّهِ. وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ السُّقُوطِ مَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالتَّبْيِينِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَالْإِثْمِ ظَاهِرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِسُقُوطِ الْإِثْمِ انْقِطَاعَهُ لَا ارْتِفَاعَهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي سُقُوطُ إثْمِ تَضْيِيعِ الْجُمُعَةِ لَا إثْمِ قَصْدِ تَضْيِيعِهَا اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَجَبَ كَذَلِكَ) أَيْ فَوْرًا (قَوْلُهُ: أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ) لَيْسَ مِنْ التَّضَرُّرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقْصِدُ السَّفَرَ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِأَمْرٍ لَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمِنْهُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ زِيَارَةَ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ، فَيُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي مَرْكَبٍ السَّفَرُ فِيهِ يُفَوِّتُ جُمُعَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَكِنْ يُوجَدُ غَيْرُهُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ فِيمَا يَلِيه
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ) يُرَاجِعُ مَا قَالُوهُ هُنَاكَ
(قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْإِثْمِ) فِي سُقُوطِ إثْمِ الْإِقْدَامِ بِمَا ذَكَرَ بَحْثٌ لَا يَخْفَى وَبَيَّنَهُ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ انْقِطَاعُ الْإِثْمِ مِنْ حِينَئِذٍ بِقَرِينَةِ النَّظِيرِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْمَنْعِ أَيْضًا مَا لَمْ يَجِبْ السَّفَرُ فَوْرًا) أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا بِالنَّظَرِ لِخُصُوصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَإِلَّا فَالْغَرَضُ إثْبَاتُ وُجُوبِهِ حِينَئِذٍ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إذَا كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى بَحْثُ وُجُوبِهِ وَيَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا فَيَجِبُ، وَبَيَانُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ الْوُجُوبَ هُنَا عَامٌّ وَفِيمَا يَأْتِي
بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْوَسَائِلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ (وَقَبْلَ الزَّوَالِ) وَأَوَّلُهُ الْفَجْرُ (كَبَعْدِهِ) فِي الْحُرْمَةِ (فِي الْجَدِيدِ) لِوُجُوبِ السَّعْيِ عَلَى بَعِيدِ الْمَنْزِلِ قَبْلَهُ وَالْجُمُعَةُ مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْجُمُعَةُ فِي طَرِيقِهِ أَوْ تَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْقَدِيمُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي زَوَائِدِ حَرْمَلَةَ مِنْ الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الزَّوَالُ وَكَبَيْعِ النِّصَابِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ هَذَا
(إنْ كَانَ سَفَرًا مُبَاحًا) كَسَفَرِ تِجَارَةٍ وَشَمَلَ الْمَكْرُوهَ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ (وَإِنْ كَانَ طَاعَةً) وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا كَسَفَرِ حَجٍّ وَزِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم (جَازَ) قَطْعًا (قُلْت: الْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ (أَنَّ الطَّاعَةَ كَالْمُبَاحِ) فَيَحْرُمُ فِي الْجَدِيدِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ لَمْ يَرِدْ فِي التَّفْرِقَةِ نَصٌّ صَرِيحٌ، وَيُكْرَهُ لَهُ السَّفَرُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ وَارْتَضَاهُ، وَذَكَرَ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ مَنْ سَافَرَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ دَعَا عَلَيْهِ مَلَكَاهُ (وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ) وَهُمْ بِالْبَلَدِ (تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي ظُهْرِهِمْ فِي الْأَصَحِّ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الطَّالِبَةِ لِلْجَمَاعَةِ. وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ شِعَارُ الْجُمُعَةِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي غَيْرِهِ اُسْتُحِبَّتْ فِي ظُهْرِهِمْ إجْمَاعًا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَيُخْفُونَهَا) كَأَذَانِهَا نَدْبًا (إنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ) كَيْ لَا يُتَّهَمُوا بِالرَّغْبَةِ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ الْجُمُعَةِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُمْ إظْهَارُهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا أَقَامُوهَا بِالْمَسَاجِدِ، فَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا لَمْ يُسْتَحَبَّ الْإِخْفَاءُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بَلْ يُسَنُّ الْإِظْهَارُ.
وَلَوْ زَالَ الْعُذْرُ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ أَجْزَأَتْهُمْ وَسُنَّ لَهُمْ الْجُمُعَةُ. نَعَمْ إنْ بَانَ الْخُنْثَى رَجُلًا لَزِمَتْهُ لِتَبَيُّنِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ وَلِيُنْظَرَ فِيمَا لَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ قَبْلَ فِعْلِهِ الظُّهْرَ فَفَعَلَهَا جَاهِلًا بِعِتْقِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ، أَوْ تَخَلَّفَ لِلْعُرْيِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ الْأَيَّامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ مَعَهُ التَّمَكُّنُ مِنْ السَّفَرِ وَالزِّيَارَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَوْ فَوَاتِ مَنْفَعَةٍ، فَلَا يَجُوزُ السَّفَرُ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: كَبُعْدِهِ) بِالْجَرِّ وَالنَّصْبِ وَالْأَوَّلُ مَنْقُولٌ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَالْجُمُعَةُ مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ) أَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّوْمُ بَعْدَ الْفَجْرِ عَلَى مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الِاسْتِيقَاظِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ، وَمَنَعَهُ م ر. أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَدُلُّ لَهُ جَوَازُ انْصِرَافِ الْمَعْذُورِينَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِقِيَامِ الْعُذْرِ بِهِمْ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُجُوبِ السَّعْيِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَالنَّوْمُ هُنَا عُذْرٌ قَائِمٌ بِهِ كَالْمَرَضِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَرِيضَ بَعْدَ حُضُورِهِ الْمَسْجِدَ وَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الْمُكْثِ لَمْ يَبْقَ لَهُ عُذْرٌ فِي الِانْصِرَافِ، بِخِلَافِ النَّوْمِ فَإِنَّهُ قَدْ يَهْجُمُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعُهُ (قَوْلُهُ: حَرْمَلَةَ) اسْمُ رَجُلٍ
(قَوْلُهُ: دَعَا عَلَيْهِ مَلَكَاهُ) قَالَ حَجّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا
(قَوْلُهُ: ثُمَّ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا مَضَى قَبْلَ يَوْمِ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِ الْجُمُعَةِ لَا قَضَاءَ لِشَيْءٍ مِنْهُ لِعُذْرٍ، وَلَكِنَّ فِي حَاشِيَةِ سم عَلَى مَنْهَجٍ مَا نَصُّهُ: وَمِنْ ذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ قَبْلَ فِعْلِهِ الظُّهْرَ وَقَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ، لَكِنْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِهِ حِينَئِذٍ وَاسْتَمَرَّ مُدَّةً يُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ لَزِمَهُ قَضَاءُ ظُهْرٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ أَوَّلَ ظُهْرٍ فَعَلَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ تَفُتْ، وَالظُّهْرُ الَّذِي فَعَلَهُ فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَعَ قَضَاءً عَنْ هَذَا الظُّهْرِ، وَهَكَذَا كَمَا قَالُوا فِيمَنْ مَكَثَ مُدَّةً يُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَثَلًا قَبْلَ وَقْتِهَا يَلْزَمُهُ مَغْرِبٌ وَاحِدٌ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وِفَاقًا لِشَيْخِنَا طب، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَعْدَ الْعِتْقِ هُوَ وُجُوبُ الْجُمُعَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِالْعِتْقِ بَعْدَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ الظُّهْرِ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ صَلَاتَهُ الْأُولَى غَيْرُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
خَاصٌّ، أَوْ يُقَالُ: مَعْنَى وُجُوبِ السَّفَرِ اسْتِمْرَارُ وُجُوبِهِ: أَيْ وَلَا تَخْلُفُهُ الْحُرْمَةُ.
(قَوْلُهُ: وَشَمِلَ الْمَكْرُوهَ) أَيْ بَعْدَ تَأْوِيلِهِ بِالْجَائِزِ.
(قَوْلُهُ: أَجْزَأَتْهُمْ وَسُنَّ لَهُمْ الْجُمُعَةُ) هَلْ الْمُرَادُ سَنُّهَا بَعْدَ إتْمَامِ الظُّهْرِ أَوْ أَنَّهُ تُقْطَعُ الظُّهْرُ وَتُسْتَأْنَفُ
ثُمَّ بَانَ أَنَّ عِنْدَهُ ثَوْبًا نَسِيَهُ، أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ غَرِيمٍ ثُمَّ بَانَتْ غَيْبَتُهُمَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ فِي ذَلِكَ (وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ) قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ كَعَبْدٍ يَرْجُو الْعِتْقَ وَمَرِيضٍ يَتَوَقَّعُ الْخِفَّةَ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ (تَأْخِيرُ ظَهْرِهِ إلَى الْيَأْسِ مِنْ) إدْرَاكِ (الْجُمُعَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَزُولُ عُذْرُهُ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ فَرْضِ أَهْلِ الْكَمَالِ وَيَحْصُلُ الْيَأْسُ مِنْ إدْرَاكِهَا بِأَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي وَيُفَارِقُ مَا سَيَأْتِي فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَصِحَّ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ ثَمَّ لَازِمَةٌ فَلَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ، بِخِلَافِهَا هُنَا، وَمَحَلُّ صَبْرِهِ إلَى فَوْتِ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرْهَا الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَإِلَّا فَلَا يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ فَهَلْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَإِنْ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، إذْ لَا أَثَرَ لِلْمُتَوَقَّعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الْأَوْجَهُ لَا لِأَنَّهَا الْوَاجِبُ أَصَالَةً وَالْمُخَاطَبُ بِهَا يَقِينًا وَهُنَا عَارَضَهُ يَقِينُ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينِ الْيَأْسِ مِنْهَا. نَعَمْ لَوْ كَانَ عَدَمُ إعَادَتِهِمْ لَهَا أَمْرًا عَادِيًا لَا يَتَخَلَّفُ كَمَا فِي بَلْدَتِنَا بَعْدَ إقَامَتِهَا أَوَّلًا اتَّجَهَ فِعْلُ الظُّهْرِ وَإِنْ لَمْ يَضِقْ وَقْتُهُ عَنْ فِعْلِهَا كَمَا شَاهَدْته مِنْ فِعْلِ الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَثِيرًا.
(وَ) يُنْدَبُ (لِغَيْرِهِ) أَيْ لِمَنْ لَا يُمْكِنُ زَوَالُ عُذْرِهِ (كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ) الَّذِي لَا يَجِدُ مَرْكَبًا (تَعْجِيلُهَا) أَيْ الظُّهْرِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ: إنَّ هَذَا هُوَ اخْتِيَارُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: هَذَا كَالْأَوَّلِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَطُ لَهَا وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ الْكَامِلِينَ فَاسْتُحِبَّ لَهُ تَقْدِيمُهَا. قَالَ: وَالِاخْتِيَارُ التَّوَسُّطُ، فَيُقَالُ إنْ كَانَ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُهَا وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ وَإِنْ كَانَ لَوْ تَمَكَّنَ أَوْ نَشِطَ حَضَرَهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّأْخِيرُ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
صَحِيحَةٍ، لَكِنَّهُ قَدْ يُخَالِفُهُ مَا أَفْهَمَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ فِي ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعِتْقِ وَالْعُرْيِ وَعَدَمِ إلَخْ (قَوْلُهُ: إلَّا بِيَقِينٍ) أَيْ وَهُوَ سَلَامُ الْإِمَامِ مِنْهَا، وَأَمَّا قَبْلَ السَّلَامِ فَلَمْ يَيْأَسْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الْإِمَامُ تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ الْأُولَى فَتَكْمُلَ الثَّانِيَةُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ رَكْعَةٌ يَأْتِي بِهَا، وَحَيْثُ انْتَظَرَهُ الْقَوْمُ حَتَّى يَفْعَلَهَا حَصَلَ لِلْمَسْبُوقِ إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي جَمَاعَةٍ أَرْبَعِينَ. وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ فَيُحْسَبُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ مِنْ الْآنَ يَنْبَغِي إذَا وَصَلَ لِمَحَلٍّ لَوْ رَجَعَ مِنْهُ لَمْ يُدْرِكْهَا أَنْ يَنْعَقِدَ سَفَرُهُ مِنْ الْآنَ وَإِنْ كَانَتْ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَفْعَلْ فِي مَحَلِّهَا (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهَا أَرْبَعٌ) أَيْ قَدْرُ أَرْبَعٍ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ كَانَ عَدَمُ إعَادَتِهِمْ) هُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا بِيَقِينِ الْيَأْسِ مِنْ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ حَقِّهِمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوا الظُّهْرَ إلَّا عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُ الْجُمُعَةِ مَعَ خُطْبَتِهَا.
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْجُمُعَةُ، فَيَكُونُ مَعْنَى أَجْزَأَتْهُمْ: أَيْ أَتَمُّوهَا وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهَا يُرَاجَعُ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ فِي ذَلِكَ) اُنْظُرْ لَوْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ قَبْلَ عِلْمِهِ هَلْ تَجِبُ إعَادَةُ الظُّهْرِ (قَوْلُهُ: وَالْمُخَاطَبُ بِهَا يَقِينًا وَهُنَا عَارَضَهُ يَقِينُ الْوُجُوبِ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ، وَلَعَلَّ فِي النُّسَخِ سَقَطًا مِنْ النُّسَّاخِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ:؛ لِأَنَّهَا الْوَاجِبُ أَصَالَةً وَالْمُخَاطَبُ بِهَا يَقِينًا فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْيَأْسِ يَقِينًا، وَلَيْسَ مِنْ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُتَوَقَّعٍ لَمْ يُعَارِضْ مُتَيَقَّنًا، وَهُنَا عَارَضَهُ يَقِينُ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينِ الْيَأْسِ انْتَهَتْ.
وَمُرَادُهُ بِالْقَاعِدَةِ مَا ذَكَرَهُ الْبَعْضُ فِي قَوْلِهِ إذْ لَا أَثَرَ لِلْمُتَوَقَّعِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ كَانَ عَدَمُ إعَادَتِهِمْ لَهَا أَمْرًا عَادِيًّا لَا يَتَخَلَّفْ كَمَا فِي بَلْدَتِنَا بَعْدَ إقَامَتِهَا) أَيْ فِيمَا إذَا أُقِيمَتْ جَمَاعَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَاحْتُمِلَ سَبْقُ بَعْضِهَا وَلَمْ يُعْلَمْ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَجِبُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ كَمَا يَأْتِي، وَوَجْهُ تَعَلُّقِ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ بِمَا قَبْلَهُ النَّظَرُ لِلْعَادَةِ وَعَدَمِهِ وَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ الِاسْتِدْرَاكِ فِيهَا إعَادَةُ الْجُمُعَةِ وَالْمُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ جُمُعَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالِاسْتِدْرَاكِ تَقْيِيدَ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهُ بِأَنَّ مَحَلَّهَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْعَادَةُ يُمْكِنُ تَخَلُّفُهَا