الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ مَحْصُورِينَ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِيهِمَا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي آخَرَ» . فَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ لَا قَوْلَانِ كَمَا أَفْهَمَهُ الرَّافِعِيُّ انْتَهَى. وَقِرَاءَةُ الْأُولَيَيْنِ أَوْلَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ أَوْ سَبِّحْ فِي الْأُولَى عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ أَوْ هَلْ أَتَاك فِي الثَّانِيَةِ لِتَأَكُّدِ أَمْرِ السُّورَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا لِغَيْرِ مَحْصُورِينَ، وَلَوْ قَرَأَ بِالْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ بِالْجُمُعَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَقِرَاءَةُ بَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ قَدْرِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا، إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُشْتَمِلًا عَلَى ثَنَاءٍ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَحُكْمُ سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ مَا تَقَرَّرَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ وَيُسَنُّ كَوْنُ الْقِرَاءَةِ فِي الْجُمُعَةِ (جَهْرًا) بِالْإِجْمَاعِ وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَيُسَنُّ لِلْمَسْبُوقِ الْجَهْرُ فِي ثَانِيَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ.
فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا
(يُسَنُّ الْغُسْلُ لِحَاضِرِهَا) أَيْ لِمُرِيدِ حُضُورِهَا وَإِنْ لَمْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ لِخَبَرِ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَخَبَرُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ» (وَقِيلَ) يُسَنُّ الْغُسْلُ (لِكُلِّ أَحَدٍ) كَالْعِيدِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ الْحُضُورُ، وَيُفَارِقُ الْعِيدَ عَلَى الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَ غُسْلُهُ لِلْيَوْمِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِمَنْ يَحْضُرُ بِأَنَّ غُسْلَهُ لِلزِّينَةِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ وَهَذَا لِلتَّنْظِيفِ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ، وَمِثْلُهُ يَأْتِي فِي التَّزْيِينِ. وَيُكْرَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
اشْتَمَلَتْ عَلَى الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا الْأَصْلِيِّ، وَأَمَّا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الثَّانِيَةِ وَسَمِعَ قِرَاءَتَهُ قَالَ سم عَلَى حَجّ: فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنْ يَقْرَأَ الْمَأْمُومُ فِي ثَانِيَتِهِ الْجُمُعَةَ، لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ، فَكَأَنَّ الْمَأْمُومَ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فَيَقْرَأُ الْجُمُعَةَ الثَّانِيَةَ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْهَا انْتَهَى. وَلَوْ قِيلَ فِي هَذِهِ يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ فِي ثَانِيَتِهِ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَبْعُدْ، لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي سَمِعَهَا الْمَأْمُومُ لَيْسَتْ قِرَاءَةً حَقِيقَةً لِلْمَأْمُومِ، بَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ فَيَحْمِلُ الْقِرَاءَةَ عَنْهُ: فَكَأَنَّهُ قَرَأَ مَا طُلِبَ مِنْهُ فِي الْأُولَى أَصَالَةً وَهُوَ الْجُمُعَةُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الثَّانِيَةِ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك لِأَنَّهُمَا طُلِبَا فِي الْجُمُعَةِ فِي حَدِّ ذَاتِهِمَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ مَحْصُورِينَ) عُمُومُهُ شَامِلٌ لِمَا لَوْ تَضَرَّرُوا أَوْ بَعْضُهُمْ لِحَصْرِ بَوْلٍ مَثَلًا، وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى مُفَارَقَةِ الْقَوْمِ لَهُ وَصَيْرُورَتِهِ مُنْفَرِدًا (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ قَدْرِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ سُورَةً كَامِلَةً، لَكِنْ تَقَدَّمَ لَهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ قِرَاءَةَ سُورَةٍ كَامِلَةٍ أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ فَلْيُرَاجَعْ، وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُ أَفْضَلِيَّةِ السُّورَةِ بِالنِّسْبَةِ لِقَدْرِهَا بِمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ طَلَبُ السُّورَةِ الْكَامِلَةِ الَّتِي قَرَأَ بَعْضَهَا.
[فَائِدَةٌ] وَرَدَ " أَنَّ مَنْ قَرَأَ عَقِبَ سَلَامِهِ مِنْ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَهُ الْفَاتِحَةَ وَالْإِخْلَاصَ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ سَبْعًا سَبْعًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ " وَأُعْطَى مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ السُّنِّيِّ أَنَّ ذَلِكَ بِإِسْقَاطِ الْفَاتِحَةِ يُعِيذُ مِنْ السُّوءِ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى. وَفِي رِوَايَةٍ بِزِيَادَةٍ وَقَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ حُفِظَ لَهُ دِينُهُ وَدُنْيَاهُ وَأَهْلُهُ وَوَلَدُهُ اهـ حَجّ. وَقَوْلُهُ وَقَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ: أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ اشْتِغَالُهُ بِالْقِرَاءَةِ عُذْرًا فِي عَدَمِ رَدِّ السَّلَامِ فِيمَا يَظْهَرُ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّ الرَّدَّ لَا يُفَوِّتُ ذَلِكَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْكِتَابِ) أَيْ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَتَبُّعِ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ كَلِمَةً أَوْ نَحْوَهَا لَا يُنَبَّهُ عَلَيْهَا. .
[فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]
فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ يَأْتِي فِي التَّزْيِينِ) أَيْ فَيُقَالُ يَخْتَصُّ هُنَا بِمُرِيدِ الْحُضُورِ بِخِلَافِهِ فِي الْعِيدِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا
تَرْكُ الْغُسْلِ لِأَخْبَارِ الصَّحِيحَيْنِ «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ» أَيْ مُتَأَكِّدٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ «وَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا» زَادَ النَّسَائِيّ (وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ) وَصَرَفَهَا عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» وَضَابِطُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَا شُرِعَ بِسَبَبٍ مَاضٍ كَانَ وَاجِبًا كَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَوْتِ، وَمَا شُرِعَ لِمَعْنًى فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ مُسْتَحَبًّا كَأَغْسَالِ الْحَجِّ، وَاسْتَثْنَى الْحَلِيمِيُّ مِنْ الْأَوَّلِ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْإِسْلَامُ.
(وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ) الصَّادِقِ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ عَلَّقَتْهُ بِالْيَوْمِ، وَيُفَارِقُ غُسْلَ الْعِيدِ حَيْثُ يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِبَقَاءِ أَثَرِهِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لِقُرْبِ الزَّمَنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْفَجْرِ لَضَاقَ الْوَقْتُ وَتَأَخَّرَ عَنْ التَّبْكِيرِ إلَى الصَّلَاةِ. (وَتَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ) إلَى الْجُمُعَةِ (أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْغَرَضِ مِنْ التَّنْظِيفِ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِجَسَدِهِ عَرَقٌ كَثِيرٌ وَرِيحٌ كَرِيهٌ أَخَّرَ وَإِلَّا بَكَّرَ، وَلَوْ تَعَارَضَ هُوَ وَالتَّبْكِيرُ قُدِّمَ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ وَلِتَعِدِي أَثَرِهِ إلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ التَّبْكِيرِ، وَلَا يُبْطِلُهُ حَدَثٌ وَلَا جَنَابَةٌ.
(فَإِنْ)(عَجَزَ) مِنْ الْمَاءِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا (تَيَمَّمَ فِي الْأَصَحِّ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَأَنْصَتَ) عَطْفٌ مُغَايَرٌ (قَوْلُهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى) زَادَ عَنْ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
(قَوْلُهُ: وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ) وَيَخْرُجُ بِفَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ وَقْتُهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ كَالْعِيدِ انْتَهَى خَطِيبٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ) أَخَّرَهُ حَجّ عَمَّا بَعْدَهُ وَهُوَ أَوْلَى، وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ تَعَارَضَ مَعَ التَّبْكِيرِ قَدَّمَهُ حَيْثُ أَمِنَ الْفَوَاتَ عَلَى الْأَوْجَهِ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ تَرْكُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَعَارَضَ هُوَ) أَيْ الْغُسْلُ (قَوْلُهُ: قُدِّمَ) أَيْ الْغُسْلُ وَمِثْلُهُ بَدَلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ، فَإِذَا تَعَارَضَ التَّبْكِيرُ وَالتَّيَمُّمُ قَدَّمَ التَّيَمُّمَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَدَنِ أَنْ يُعْطَى حُكْمَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا قُدِّمَ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ، وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَفِي سَنِّهِ خِلَافٌ فَضْلًا عَنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى سَنِّهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُبْطِلُهُ حَدَثٌ وَلَا جَنَابَةٌ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: لَكِنْ يُسَنُّ إعَادَتُهُ انْتَهَى. قَالَ سم عَلَى حَجّ: وَظَاهِرُهُ سَنُّ إعَادَتِهِ فِيهِمَا، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمَجْمُوعِ مُصَرِّحَةٌ بِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ لِلْحَدَثِ بَلْ مُحْتَمِلَةٌ لِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ أَيْضًا كَمَا بَيَّنَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ كَمَا بَيَّنَ، بَلْ الْقِيَاسُ حُرْمَتُهُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بِلَا سَبَبٍ، فَهِيَ فَاسِدَةٌ فَتَحْرُمُ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِنِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ الْغَرَضُ مِنْ الْغُسْلِ التَّنْظِيفَ وَوَقْتُهُ بَاقٍ لَمْ يَحْرُمْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ حَجّ: وَلَوْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا مَا يَجِيءُ فِي غُسْلِ الْإِحْرَامِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَأْتِي لَهُ فِي الْإِحْرَامِ نَصُّهُ، وَلَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَاءٍ يَكْفِيهِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِبَدَنِهِ تَغَيُّرٌ أَزَالَهُ بِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَفَى الْوُضُوءُ تَوَضَّأَ بِهِ وَإِلَّا غَسَلَ بِهِ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. وَحِينَئِذٍ إنْ نَوَى الْوُضُوءَ تَيَمَّمَ عَنْ بَاقِيهِ غَيْرَ تَيَمُّمِ الْغُسْلِ وَإِلَّا كَفَى تَيَمُّمُ الْغُسْلِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غَسَلَ بِهِ أَعَالِيَ بَدَنِهِ انْتَهَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ، فَلَا يُقَالُ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ بِبَدَنِهِ تَغَيُّرٌ أَزَالَهُ تَقْدِيمُ ذَلِكَ عَلَى الْوُضُوءِ الْوَاجِبِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَهَلْ يُكْرَهُ تَرْكُ التَّيَمُّمِ إعْطَاءً لَهُ حُكْمَ مُبْدَلِهِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ أَوْ لَا لِفَوَاتِ الْغَرَضِ الْأَصْلِيِّ فِيهِ مِنْ النَّظَافَةِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى حَجّ. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَدَلِ أَنْ يُعْطَى حُكْمَ مُبْدَلِهِ إلَّا لِمَانِعٍ وَلَمْ يُوجَدُ، وَمُجَرَّدُ كَوْنِ الْغُسْلِ فِيهِ نَظَافَةٌ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَخْبَارِ الصَّحِيحَيْنِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِثْلُ هَذَا التَّعْبِيرِ، لَكِنَّهُ سَاقَ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورِينَ وَخَبَرَ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» الْمُتَقَدِّمَ.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِجَسَدِهِ عَرَقٌ كَثِيرٌ إلَخْ) يَعْنِي
بِنِيَّتِهِ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ، أَوْ بِنِيَّةِ طُهْرِ الْجُمُعَةِ فِيمَا يَظْهَرُ إحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ كَسَائِرِ الْأَغْسَالِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَتَيَمَّمُ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْغُسْلِ التَّنْظِيفُ وَقَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَالتَّيَمُّمُ لَا يُفِيدُهُ.
(وَ)(مِنْ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْعِيدِ) الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ (وَالْكُسُوفِ) لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (وَالِاسْتِسْقَاءِ) لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لِذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ وَسَتَأْتِي أَوْقَاتُهَا فِي أَبْوَابِهَا.
(وَ) الْغُسْلُ (لِغَاسِلِ الْمَيِّتِ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْغَاسِلُ جُنُبًا أَمْ حَائِضًا، كَمَا يُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ حَمْلِهِ لِعُمُومِ خَبَرِ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِخَبَرِ «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَا يَكْفِي، إذْ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ لَمَا طَلَبَ التَّيَمُّمَ، وَفِي حَجّ: وَلَوْ فَقَدَ الْمَاءَ بِالْكُلِّيَّةِ سُنَّ لَهُ بَعْدَ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَنْ حَدَثِهِ تَيَمُّمٌ عَنْ الْغُسْلِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَيَمُّمٍ بِنِيَّتِهِمَا فَقِيَاسُ مَا مَرَّ آخِرَ الْغُسْلِ حُصُولُهُمَا، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِضَعْفِ التَّيَمُّمِ انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَهُوَ قَرِيبٌ. وَنُقِلَ عَنْ إفْتَاءِ م ر.
[فَائِدَةٌ] سُئِلَ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَلْ تُقْضَى الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ؟ فَقَالَ: لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا، وَالظَّاهِرُ لَا لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِلْوَقْتِ فَقَدْ فَاتَ أَوْ لِلسَّبَبِ فَقَدْ زَالَ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غُسْلِ الْكُسُوفِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ فَلَا يَظْهَرُ فِيهَا الْفَوَاتُ بَلْ الظَّاهِرُ طَلَبُ الْغُسْلِ فِيهَا وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ خُصُوصًا وَسَبَبُ الْغُسْلِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ احْتِمَالُ الْإِنْزَالِ. نَعَمْ إنْ عَرَضَتْ لَهُ جَنَابَةٌ بَعْدَ نَحْوِ الْجُنُونِ فَاغْتَسَلَ عَنْهَا احْتَمَلَ فَوَاتُهُ وَانْدِرَاجُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ (قَوْلُهُ بِنِيَّتِهِ) أَيْ التَّيَمُّمِ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ بِنِيَّةِ طُهْرِ الْجُمُعَةِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت التَّيَمُّمَ لِطُهْرِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقْصِرَ عَلَى نِيَّةِ الطُّهْرِ بِدُونِ ذِكْرِ التَّيَمُّمِ.
(قَوْلُهُ وَالِاسْتِسْقَاءِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فَعَلْت الثَّلَاثَةَ فُرَادَى وَإِنْ أَشْعَرَ التَّعْلِيلُ بِخِلَافِهِ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لِذَلِكَ) قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ اخْتِصَاصُ الْغُسْلِ بِالْمُصَلِّي جَمَاعَةً، وَقَضِيَّةُ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقً بَيْنَ ذَلِكَ وَمَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا اهـ سم عَلَى حَجّ. وَقَوْلُهُ لَا فَرْقَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ لِغَاسِلِ الْمَيِّتِ) أَيْ أَوْ تَيَمُّمُهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ: أَيْ وَلَوْ شَهِيدًا وَإِنْ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا. وَنُقِلَ فِي الدَّرْسِ عَنْ النَّاصِرِ الطَّبَلَاوِيِّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ مَا يُصَرِّحُ بِطَلَبِ التَّيَمُّمِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَعِبَارَتُهُ: تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِغُسْلِ مَيِّتٍ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَلَوْ يَمَّمَ الْمَيِّتَ لِعَجْزِهِ عَنْ غُسْله وَلَوْ شَرْعًا سُنَّ لِلْفَاعِلِ الْغُسْلُ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَلْيَتَيَمَّمْ أَيْضًا كَمَا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ اهـ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْغَاسِلُ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا حَيْثُ بَاشَرُوا كُلُّهُمْ الْغُسْلَ، بِخِلَافِ الْمُعَاوِنِينَ بِمُنَاوَلَةِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ كُلٌّ مِنْهُمْ جَمِيعَ بَدَنِهِ أَوْ بَعْضَهُ كَيَدِهِ مَثَلًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْجُودُ مِنْهُ إلَّا الْعُضْوَ الْمَذْكُورَ فَقَطْ وَغَسَّلُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ. قَالَ حَجّ: وَصَحَّحَ جَمْعٌ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ الْجَنَابَةِ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةَ، وَمِنْ الْحِجَامَةِ، وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ» وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلَهُ: وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم غَسَّلَ الْمَيِّتَ اهـ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَمَلَهُ) هَذَا لَا يُلَاقِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا يُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ حَمْلِهِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا انْتَهَى حَمْلُهُ لَا يُسَنُّ الْوُضُوءُ بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِمَسِّهِ، وَكَذَا لِحَمْلِهِ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ شَرْحِ الرَّوْضِ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَقِيسَ بِالْحَمْلِ الْمَسُّ اهـ. وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهَا أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْدَ الْحَمْلِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ: وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْدَ الْحَمْلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَوْ قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى مَنْ أَرَادَ حَمْلَهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ كَالْوُضُوءِ مِنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
إنْ كَانَ جَسَدُهُ يَجْلِبُ الْأَعْرَاقَ وَالْأَوْسَاخَ كَثِيرًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: كَمَا يُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ حَمْلِهِ) مِنْ فِيهِ تَعْلِيلِيَّةٌ لِيُلَاقِيَ مَا سَيَأْتِي لَهُ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الْمُقْتَضِي أَنَّ الْوُضُوءَ لِلْحَمْلِ لَا مِنْ الْحَمْلِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: كَمَا يُسَنُّ الْوُضُوءُ لِمَنْ
غُسْلٌ إذَا غَسَّلْتُمُوهُ» وَقِيسَ بِالْغُسْلِ الْوُضُوءُ. .
وَقَوْلُهُ وَمَنْ حَمَلَهُ: أَيْ أَرَادَ حَمْلَهُ لِيَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ (وَ) غُسْلُ (الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَا) أَيْ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُمَا إنْزَالٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُوجِبُهُ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْإِغْمَاءِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْجُنُونُ بَلْ أَوْلَى لِمَا قِيلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَلَّ مَنْ جُنَّ إلَّا وَأَنْزَلَ. لَا يُقَالُ: لِمَ لَمْ يَجِبْ كَمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا عَلَامَةَ ثَمَّ عَلَى خُرُوجِ الرِّيحِ، بِخِلَافِ الْمَنِيِّ لِمُشَاهَدَتِهِ، وَيَنْوِي هُنَا رَفْعَ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ غُسْلَهُ لِاحْتِمَالِهَا كَمَا تَقَرَّرَ، وَيُجْزِئُهُ بِفَرْضِ وُجُودِهَا إذَا لَمْ يَبْنِ الْحَالُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي وُضُوءِ الِاحْتِيَاطِ، وَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الْغُسْلَ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ غَيْرَ الْبَالِغِ أَيْضًا عَمَلًا بِعُمُومِ الْخَبَرِ.
(وَ) الْغُسْلُ (لِلْكَافِرِ) بَعْدَ إسْلَامِهِ (إذَا أَسْلَمَ) وَلَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ نَحْوُ جَنَابَةٍ وَيُسَنُّ غُسْلُهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَأَنْ يُحْلَقَ رَأْسُهُ قَبْلَ غُسْلِهِ، وَوَقْتُ غُسْلِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَمَا مَرَّ وَمَا فِي خَبَرِ ثُمَامَةِ مِمَّا يُخَالِفُهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَظْهَرَ إسْلَامَهُ بِقَرِينَةِ رِوَايَةٍ أُخْرَى، أَمَّا إذَا سَبَقَ مِنْهُ نَحْوُ جَنَابَةٍ فَيَجِبُ غُسْلُهُ وَإِنْ اغْتَسَلَ فِي الْكُفْرِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ عَدَمَ الْفَرْقِ هُنَا فِي اسْتِحْبَابِ الْحَلْقِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَحَلَّ نَدْبِهِ لِلذَّكَرِ الْمُحَقَّقِ وَأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى التَّقْصِيرُ كَالْحَجِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ إزَالَةُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَاجِبَ إزَالَةُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ فَقَطْ وَهُنَا جَمِيعُ مَا نَبَتَ فِي الْكُفْرِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَسِّهِ انْتَهَى. وَفِي شَرْحِهِ فِي قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ: وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَقِيسَ بِالْحَمْلِ الْمَسُّ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَقِيسَ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْدَ الْحَمْلِ كَمَا أَنَّهُ بَعْدَ الْمَسِّ لَا قَبْلَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَفِي شَرْحِ م ر: وَمَنْ حَمَلَهُ: أَيْ أَرَادَ حَمْلَهُ انْتَهَى فَلْيُرَاجَعْ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ فَلْيَغْتَسِلْ أَنَّ الِاغْتِسَالَ بَعْدَ تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ. .
(قَوْلُهُ: إذَا أَفَاقَا) وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُغْمَى عَلَيْهِ السَّكْرَانُ فَيَنْدُبُ لَهُ الْغُسْلُ إذَا أَفَاقَ، بَلْ قَدْ يَدَّعِي دُخُولَهُ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَجَازًا (قَوْلُهُ وَيَنْوِي هُنَا رَفْعَ الْجَنَابَةِ) أَيْ فِي الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ (قَوْلُهُ: وَيُجْزِئُهُ) أَيْ الْغُسْلُ، وَقَوْلُهُ بِفَرْضِ وُجُودِهَا: أَيْ الْجَنَابَةِ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَبِنْ الْحَالُ) أَيْ وَهَلْ يَرْتَفِعُ بِهِ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ أَوْ لَا لِأَنَّ غُسْلَهُ لِلِاحْتِيَاطِ وَالْحَدَثُ الْأَصْغَرُ مُحَقَّقٌ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الْغُسْلَ مِنْ الْجُنُونِ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَنْوِي حِينَئِذٍ رَفْعَ الْجَنَابَةِ وَإِنْ قَطَعَ بِانْتِفَائِهَا مِنْهُ لِكَوْنِهِ ابْنَ ثَمَانٍ مِنْ السِّنِينَ مَثَلًا، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا لِاسْتِحَالَةِ إنْزَالِهِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الصَّبِيَّ يَنْوِي الْغُسْلَ مِنْ الْإِفَاقَةِ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ م ر أَنَّهُ يَنْوِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ رَفْعَ الْجَنَابَةِ نَظَرًا لِحِكْمَةِ الْمَشْرُوعِيَّةِ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فِي الزِّيَادِيِّ مُتَعَقِّبًا لَهُ بِقَوْلِهِ هَذَا مَا بُحِثَ، وَمَا نُقِلَ عَنْ م ر وَشَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ يَتَنَاوَلُهُ قَوْلُهُ هُنَا: وَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الْغُسْلَ غَيْرَ الْبَالِغِ لَكِنْ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِلنِّيَّةِ. وَفِي شَرْحِ الْخَطِيبِ عَلَى الْغَايَةِ أَنَّ الْبَالِغَ يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَبَ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ غَسْلُهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) وَلَعَلَّ وَجْهَهُ تَخْصِيصُ هَذَا بِطَلَبِ السِّدْرِ فِيهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَغْسَالِ الْمُبَالِغَةِ فِي إظْهَارِ التَّبَاعُدِ عَنْ أَثَرِ الشِّرْكِ وَتَنْزِيلِ أَثَرِهِ إنْ كَانَ مَعْنَوِيًّا مَنْزِلَةَ الْأَقْذَارِ الْحِسِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ قَبْلَ غُسْلِهِ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ مَا ذَكَرَ لَا بَعْدَهُ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ، وَقَالَ م ر: إنْ حَصَلَتْ مِنْهُ جَنَابَةٌ حَالَ الْكُفْرِ غَسَلَ قَبْلَ الْحَلْقِ: أَيْ لِتَرْتَفِعَ الْجَنَابَةُ عَنْ شَعْرِهِ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْحَلْقِ لِأَنَّهُ أَنْظَفُ لِرَأْسِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ غُسْلُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ، وَقِيَاسُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا يَوْمَ جُمُعَةٍ حَيْثُ طُلِبَ مِنْهُ الْغُسْلُ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ حَتَّى لَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا حَصَلَ لَهُ فَقَطْ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي الدَّرْسِ أَنَّهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ قَوْلُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ هَذَا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُنَا جَمِيعُ مَا نَبَتَ فِي الْكُفْرِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
حَمَلَهُ، وَقَدْ يُقَالُ فِي تَأْوِيلِهَا مِثْلُ مَا سَيَأْتِي فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ: أَيْ لِمَنْ أَرَادَ حَمْلَهُ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْوِي هُنَا رَفْعَ الْجَنَابَةِ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ غُسْلِ الْإِفَاقَةِ مَثَلًا، وَعَلَيْهِ فَمَا يَنْوِيهِ غَيْرُ الْبَالِغِ مَعَ انْتِفَاءِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ يُرَاجَعُ (قَوْلُهُ: وَيُجْزِئُهُ بِفَرْضِ وُجُودِهَا) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى الْإِجْزَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ
بِدَلِيلِ خَبَرِ «أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ» وَعَلَى هَذَا يَكُونُ نَدْبُ الْحَلْقِ هُنَا لِغَيْرِ الذَّكَرِ مُسْتَثْنًى مِنْ كَرَاهَتِهِ لَهُ، وَقِيَاسُ مَا سَيَأْتِي فِي الْحَجِّ نَدْبُ إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ.
(وَأَغْسَالُ الْحَجِّ) الْآتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّامِلُ ذَلِكَ لِلْعُمْرَةِ أَيْضًا، وَعُلِمَ مِنْ إتْيَانِهِ بِمَنْ عُدِمَ انْحِصَارُ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ، فَمِنْهَا الْغُسْلُ لِتَغَيُّرِ بَدَنٍ مِنْ نَحْوِ حِجَامَةٍ أَوْ فَصْدٍ أَوْ خُرُوجٍ مِنْ حَمَّامٍ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَوَّرْ، لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ الْبَدَنَ وَيُضَعِّفُهُ، وَالْغُسْلُ يَشُدُّهُ وَيُنْعِشُهُ، وَمِنْ نَتْفِ إبْطٍ وَيُقَاسُ بِهِ نَحْوُ قَصِّ الشَّارِبِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْنَقِ بِالثَّانِي، وَلِلِاعْتِكَافِ وَلِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَنْ يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ، وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ، وَلِدُخُولِ حَرَمَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَفِي الْوَادِي عِنْدَ سَيَلَانِهِ وَلِكُلِّ مَجْمَعٍ لِلنَّاسِ.
أُمًّا الْغُسْلُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَغَيْرُ مُسْتَحَبٍّ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَضِيَّتُهُ عَدَمُ اخْتِصَاصِ الْحَلْقِ بِشَعْرِ الرَّأْسِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ سَبَبَ تَخْصِيصِ الرَّأْسِ بِالْحَلْقِ ظُهُورُ شَعْرِهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَكَانَتْ إزَالَتُهُ عَلَامَةً ظَاهِرَةً عَلَى التَّبَاعُدِ عَنْ أَثَرِ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَدَّ لِشُعُورِ الْوَجْهِ لِمَا فِي إزَالَتِهَا مِنْ الْمُثْلَةِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّأْسُ لِسِتْرِهَا.
(قَوْلُهُ: الشَّامِلُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الشُّمُولِ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَغْسَالِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَغْسَالِ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: الْغُسْلُ لِتَغَيُّرِ بَدَنٍ) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بَدَنُهُ. وَقَضِيَّةُ حَجّ خِلَافُهُ، فَإِنَّهُ جَعَلَ نَدْبَ الْغُسْلِ لِمُجَرَّدِ الْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالتَّغَيُّرِ وَالْأَقْرَبُ قَضِيَّةُ حَجّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالتَّغَيُّرِ حُدُوثُ صِفَةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً قَبْلُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَمِنْ نَتْفِ إبْطٍ وَيُقَاسُ بِهِ إلَخْ، أَوْ أَنَّ نَحْوَ الْحِجَامَةِ مَظِنَّةٌ لِلتَّغَيُّرِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَحْوِ حِجَامَةٍ) بَيَانٌ لِلْأَسْبَابِ الْمُغَيِّرَةِ لِلْبَدَنِ (قَوْلُهُ: أَوْ خُرُوجٍ مِنْ حَمَّامٍ) وَهَلْ يَغْتَسِلُ بِمَاءٍ بَارِدٍ أَوْ حَارٍّ فَإِنَّ الْحَارَّ يُرْخِي الْبَدَنَ وَالْبَارِدُ يَشُدُّهُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى شَيْخِنَا حَجّ التَّقْيِيدَ بِالْبَارِدِ اهـ عَلَى مَنْهَجٍ. وَقَوْلُهُ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ يُفِيدُ أَنَّهُ يَغْتَسِلُ دَاخِلَ الْحَمَّامِ لِإِزَالَةِ التَّغَيُّرِ الْحَاصِلِ مِنْ الْعَرَقِ وَنَحْوِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ اغْتَسَلَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مَثَلًا ثُمَّ اتَّصَلَ بِغُسْلِهِ الْخُرُوجُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ غُسْلٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ نَتْفِ إبْطٍ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا (قَوْلُهُ: وَلِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ) أَيْ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْغُرُوبِ وَيَخْرُجُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ) أَيْ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمُرِيدِ الْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِلْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ إذْ جَمَاعَةُ اللَّيْلِ إلَخْ، فَإِنَّ جَمَاعَةَ النَّهَارِ يُطْلَبُ الْغُسْلُ لَهَا وَيَشْمَلُ ذَلِكَ قَوْلَهُ وَلِكُلِّ مَجْمَعٍ إلَخْ، لَكِنْ قَدْ يُشْكِلُ كُلُّ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا الْغُسْلُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَغَيْرُ مُسْتَحَبٍّ إلَخْ، فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِمَا لَوْ فُعِلَتْ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى فَلْيُتَأَمَّلْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ لَا يُسَنُّ لَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا صَلَاةً فَلَا يُنَافِي سُنِّيَّتَهُ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَةُ (قَوْلُهُ: وَلِدُخُولِ حَرَمِ مَكَّةَ) قَالَ حَجّ: وَلِأَذَانٍ وَلِدُخُولِ مَسْجِدٍ: أَيْ قَبْلَهُمَا (قَوْلُهُ: وَلِكُلِّ مَجْمَعٍ لِلنَّاسِ) قَالَ حَجّ: مِنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ، وَنُقِلَ عَنْهُ سم أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: أَيْ عَلَى مُبَاحٍ فِيمَا يَظْهَرُ، لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى مَعْصِيَةٍ لَا حُرْمَةَ لَهُ إلَخْ انْتَهَى. وَمِنْ الْمُبَاحِ الِاجْتِمَاعُ فِي الْقَهْوَةِ الَّتِي لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى أَمْرٍ مُحَرَّمٍ، وَلَوْ كَانَ الدَّاخِلُ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ دُخُولُهَا كَعَظِيمٍ مَثَلًا، ثُمَّ يَنْبَغِي أَنَّ هَذِهِ الْأَغْسَالَ الْمُسْتَحَبَّةَ إذَا وُجِدَ لَهَا أَسْبَابٌ كُلٌّ مِنْهَا يَقْتَضِي الْغُسْلَ كَالْإِفَاقَةِ مِنْ الْجُنُونِ مَثَلًا وَحَلْقِ الْعَانَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ خُرُوجٌ مِنْ حَمَّامٍ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ لَفْظِ خُرُوجٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ إذْ جَمَاعَةُ اللَّيْلِ كَجَمَاعَةِ النَّهَارِ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَى هَذَا التَّعْلِيلِ، بَلْ قَدْ يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ نَقِيضَ الْمَطْلُوبِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مِنْهُ مَا فِي التُّحْفَةِ وَإِنْ قَصُرَتْ عِبَارَتُهُ عَنْهُ، وَنَصُّ مَا فِي التُّحْفَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنْ حَضَرَ الْجَمَاعَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ لَا يَخْتَصُّ بِرَمَضَانَ، فَنَصُّهُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى نَدْبِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهَا لِشَرَفِ الزَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِكُلِّ مَجْمَعٍ لِلنَّاسِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَعِنْدَ كُلِّ مَجْمَعٍ مِنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ، وَنَقَلَ عَنْهُ الشِّهَابُ سم فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ الْمُبَاحَ كَذَلِكَ
كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِشِدَّةِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ فِيهِ (وَآكَدُهَا غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ) فِي الْجَدِيدِ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ ثُمَّ يَلِيه فِي الْفَضْلِ غُسْلُ (الْجُمُعَةِ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ أَيْضًا عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَعَكْسُهُ الْقَدِيمُ) فَقَالَ آكَدُهَا غُسْلُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (قُلْت: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ) مِنْ الْجَدِيدِ وَصَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ الْجَزْمَ بِهِ (وَرَجَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَأَحَادِيثُهُ) أَيْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ (صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ) هُنَا (حَدِيثٌ صَحِيحٌ) يَدُلُّ عَلَيْهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ السَّكَنِ حَدِيثَ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ» وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: خَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِصِحَّتِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ طَرِيقًا، لَكِنْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: الْأَشْبَهُ وَقْفُهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ أَحْسَنَ الرَّافِعِيُّ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ أَخْبَارَ الْجُمُعَةِ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ نَفْيَهُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَا اسْتَحْضَرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِمَعْنًى مُتَّفَقٍ عَلَى صِحَّتِهِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَهُمَا مَا كَثُرْت أَحَادِيثُهُ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ ثُمَّ مَا صَحَّ حَدِيثُهُ ثُمَّ مَا كَانَ نَفْعُهُ مُتَعَدِّيًا أَكْثَرَ، وَمِنْ فَوَائِدِ مَعْرِفَةِ الْآكَدِ تَقْدِيمُهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَيَنْوِي بِسَائِرِ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ أَسْبَابَهَا إلَّا غُسْلَ الْإِفَاقَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ يَنْوِي الْجَنَابَةَ كَمَا مَرَّ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَارْتَضَاهُ، وَيُغْتَفَرُ عَدَمُ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ فَاتَتْ هَذِهِ الْأَغْسَالُ لَمْ تُقْضَ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَنَتْفِ الْإِبْطِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ يَكْفِي لَهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ لِتَدَاخُلِهَا لِكَوْنِهَا مَسْنُونَةً، وَأَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ لِبَعْضِهَا ثُمَّ طَرَأَ غَيْرُهُ تَعَدَّدَ الْغُسْلُ بِعَدَدِ الْأَسْبَابِ وَإِنْ تَقَارَبَتْ وَكَالْغُسْلِ التَّيَمُّمُ فِي ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَعَدُّدِ الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ بِعَدَدِ الْأَسْبَابِ أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ لِلْعِيدِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ بَلْ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) الْمُتَبَادَرُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لَهَا وَإِنْ فُعِلَتْ فِي جَمَاعَةٍ، لَكِنْ كَتَبَ سم عَلَى قَوْلِ حَجّ وَلِكُلِّ مَجْمَعٍ مَا نَصُّهُ: هَلْ وَلَوْ لِجَمَاعَةِ الْخَمْسِ اهـ. وَعُلِمَ رَدُّهُ مِنْ الْمُتَبَادَرِ الْمَذْكُورِ فَلْيُرَاجَعْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لِصِحَّتِهِ) أَيْ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَا اسْتَحْضَرَهُ) الْأَوْلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَحَلِّيُّ مِنْ عَدَمِ تَسْلِيمِهِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ الْمُشْعِرِ بِاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ وَرَدِّهِ (قَوْلُهُ مَا كَثُرَتْ أَحَادِيثُهُ) فِي شَرْحِ الْعُبَابِ تَقْدِيمُ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَلَعَلَّ وَجْهَ مَا هُنَا أَنَّهُمْ قَدَّمُوا غُسْلَ الْجُمُعَةِ لِكَثْرَةِ أَحَادِيثِهِ فَأَشْعَرَ أَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ مَا كَثُرَتْ أَحَادِيثُهُ عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِهِ أَقْوَى وَإِلَّا فَغُسْلُ الْمَيِّتِ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا وَرَاءَ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَالْجُمُعَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ غُسْلَانِ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ كُلٍّ مِنْهُمَا قُدِّمَ مَا الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ أَقْوَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا تَعَارُضًا فَيَكُونَانِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْوِي الْجَنَابَةَ) ظَاهِرُهُ وُجُوبًا حَتَّى لَا يُجْزِئُ فِي السُّنَّةِ غَيْرُ هَذِهِ النِّيَّةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ قَرَّرَهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّبِيَّ يَنْوِي الْغُسْلَ مِنْ الْإِفَاقَةِ وَالْبَالِغَ يَنْوِي رَفْعَ هَذَا أَوْ رَفْعَ الْجَنَابَةِ اهـ سم عَلَى حَجّ، لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ احْتِمَالِ الْإِنْزَالِ مُجَرَّدُ حِكْمَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ طُلِبَ مِنْ الصَّبِيِّ إذَا أَفَاقَ، وَتَقَدَّمَ عَنْ م ر مَا يُخَالِفُهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَاتَتْ هَذِهِ الْأَغْسَالُ) اُنْظُرْ بِمَا يَحْصُلُ الْفَوَاتُ لِلْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ رَأَيْت بِهَامِشِ نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ الزِّيَادِيِّ مَا نَصُّهُ: نَقَلَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ أَنَّ شَخْصًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سَأَلَ شَيْخَهُ الطَّنْدَتَائِيُّ عَمَّ يَخْرُجُ بِهِ غُسْلُ الْعِيدِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِالْيَوْمِ.
وَأَمَّا غُسْلُ الْجُمُعَةِ فَبِفَوَاتِ الْجُمُعَةِ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّ غُسْلَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَيْضًا بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَنْفِيِّ مَا وَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا هُوَ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِهِمْ، فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ وِفَاقًا لِلْبُخَارِيِّ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَهُمَا مَا كَثُرَتْ أَحَادِيثُهُ إلَخْ) فِي أَخْذِ مَا ذُكِرَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِمَّا قَدَّمَهُ مَنْعٌ ظَاهِرٌ.
(وَ) يُسَنُّ لِغَيْرِ مَعْذُورٍ (التَّبْكِيرُ إلَيْهَا) لِغَيْرِ الْإِمَامِ لِيَأْخُذُوا مَجَالِسَهُمْ وَيَنْتَظِرُوا الصَّلَاةَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ: أَيْ مِثْلَهُ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ: أَيْ طَوَوْا الصُّحُفَ فَلَمْ يَكْتُبُوا أَحَدًا» وَفِي رِوَايَةٍ: فِي الرَّابِعَةِ بَطَّةً، وَالْخَامِسَةِ دَجَاجَةً، وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً. وَفِي أُخْرَى: فِي الرَّابِعَةِ دَجَاجَةً، وَفِي الْخَامِسَةِ عُصْفُورًا، وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً.
أَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ التَّبْكِيرُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى وَقْتِ الْخُطْبَةِ اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُلْحَقُ بِهِ مَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ التَّبْكِيرُ، وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ التَّبْكِيرِ لِلْعَجُوزِ إذَا اسْتَحْبَبْنَا حُضُورَهَا، وَكَذَلِكَ الْخُنْثَى الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْعَجُوزِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَالسَّاعَاتُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي الْخَبَرِ لَفْظُ الرَّوَاحِ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ بَعْدَ الزَّوَالِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
غَاسِلِ الْمَيِّتِ يَنْقَضِي بِنِيَّتِهِ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ أَوْ بِطُولِ الْفَصْلِ اهـ. وَقِيَاسُ مَا قَدَّمَهُ فِي سُنَّةِ الْوُضُوءِ اعْتِمَادُ هَذَا، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إنَّمَا يَفُوتُ الْغُسْلُ فِي حَقِّهِمَا بِعُرُوضِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَجَنَابَةٍ فَإِنَّ حِكْمَةَ طَلَبِ غُسْلِهِمَا احْتِمَالُ الْجَنَابَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ فَعِنْدَ عُرُوضِ مَا يُوجِبُهُ إذَا اغْتَسَلَ لَهُ انْدَرَجَ فِيهِ غُسْلُ الْجَنَابَةِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهَا زَمَنَ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى حَجّ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ، وَعِبَارَتُهُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى نَحْوُ غُسْلِ الْإِفَاقَةِ مِنْ جُنُونِ الْبَالِغِ لِأَنَّهُ لِاحْتِمَالِ الْجَنَابَةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ مَعَ الْفَوَاتِ. نَعَمْ إنْ حَصَلَتْ لَهُ جَنَابَةٌ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَاغْتَسَلَ لَهَا انْقَطَعَ طَلَبُ الْفِعْلِ السَّابِقِ انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنَّ غُسْلَ نَحْوِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ كَغُسْلِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ التَّبْكِيرُ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: لَوْ بَكَّرَ أَحَدٌ مُكْرَهًا عَلَى التَّبْكِيرِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَضْلُ التَّبْكِيرِ فِيمَا يَظْهَرُ، فَلَوْ زَالَ الْإِكْرَاهُ حُسِبَ لَهُ مِنْ حِينَئِذٍ إنْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ لِأَجْلِ الْجُمُعَةِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ رحمه الله (قَوْلُهُ لِيَأْخُذُوا مَجَالِسَهُمْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ هُوَ مُجَاوِرٌ بِالْمَسْجِدِ أَوْ يَأْتِيهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَطَلَبِ الْعِلْمِ يُحْسَبُ إتْيَانُهُ لِلْجُمُعَةِ مِنْ وَقْتِ التَّهَيُّؤِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْخَطِيبَ لَوْ بَكَّرَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الَّذِي يَخْطُبُ بِهِ لَا يَحْصُلُ لَهُ سُنَّةٌ لِلتَّبْكِيرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَهَيِّئًا لِلصَّلَاةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: مَنْ اغْتَسَلَ إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا الثَّوَابَ الْمَخْصُوصَ إنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ اغْتَسَلَ سم عَلَى مَنْهَجٍ زَادَ عَلَى حَجّ وَالثَّوَابُ أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ اهـ رحمه الله (قَوْلُهُ: فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) أَيْ لِلْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ: حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بِهِمْ الْحَفَظَةُ أَوْ غَيْرُهُمْ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ الْكَاتِبُ فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ الْكَاتِبُ فِي الْأُولَى أَوْ غَيْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ لِأَنَّ الْحَفَظَةَ لَا يُفَارِقُونَ مَنْ عُيِّنُوا لَهُ، وَهَؤُلَاءِ يَجْلِسُونَ بِأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ لِعَامَّةِ مَنْ يَدْخُلُ (قَوْلُهُ: فَلَا يُنْدَبُ لَهُ التَّبْكِيرُ) هَلْ أَجْرُهُ دُونَ أَجْرِ مَنْ بَكَّرَ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَقَدْ يُقَالُ: تَأْخِيرُهُ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ يَجُوزُ أَنْ يُثَابَ عَلَيْهِ ثَوَابًا يُسَاوِي ثَوَابَ الْمُبَكِّرِينَ أَوْ يَزِيدُ (قَوْلُهُ: لَهُ التَّأْخِيرُ) أَيْ فَلَوْ بَكَّرَ لَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ التَّبْكِيرِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ أَهْيَبُ لَهُ وَأَعْظَمُ فِي النُّفُوسِ (قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِهِ) أَيْ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ التَّبْكِيرُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَمِنَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ السَّلَسَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى الْقُطْنَةِ وَالْعِصَابَةِ (قَوْلُهُ إذَا اسْتَحْبَبْنَا حُضُورَهَا) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَيِّنَةً وَلَا مُتَعَطِّرَةً
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ مَنْ اغْتَسَلَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَضْلَ الْآتِيَ شَرْطُهُ الْغُسْلُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ اغْتَسَلَ وَإِلَّا لَقَالَ فَإِنْ رَاحَ إلَخْ وَلَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي هَذَا الْفَضْلِ أَوْ أَنَّهُ حُذِفَ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ فَلْيُرَاجَعْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: اسْمٌ لِلْخُرُوجِ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ اسْمٌ لِلرُّجُوعِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» وَعَلَيْهِ فَالْفُقَهَاءُ ارْتَكَبُوا فِيهِ مُجَازَيْنَ حَيْثُ
كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَهُ، عَلَى أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ قَالَ: إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي السِّيَرِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةَ وَهِيَ الْأَرْبَعُ وَالْعِشْرُونَ، بَلْ تَرْتِيبُ دَرَجَاتِ السَّابِقِينَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فِي الْفَضِيلَةِ لِئَلَّا يَسْتَوِيَ فِيهَا رَجُلَانِ جَاءَا فِي طَرَفَيْ سَاعَةٍ، وَلِئَلَّا يَخْتَلِفَ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي وَالصَّائِفِ إذْ لَا يَبْلُغُ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَيَّامِ الشِّتَاءِ سِتَّ سَاعَاتٍ، فَعَلَيْهِ كُلُّ دَاخِلٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَعْدَهُ كَالْمُقَرِّبِ بَدَنَةً، وَإِلَى مَنْ قَبْلَهُ بِدَرَجَةٍ كَالْمُقَرِّبِ بَقَرَةً، وَبِدَرَجَتَيْنِ كَالْمُقَرِّبِ كَبْشًا، وَبِثَلَاثٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ) هُوَ مِنْ غَيْرِ الْجُمْهُورِ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ إلَخْ (قَوْلُهُ جَاءَا فِي طَرَفَيْ سَاعَةٍ) وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْمَجِيءِ هَلْ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ طَالَ الْمَشْيُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الْمَسْجِدِ بِزَمَانٍ كَثِيرٍ يَصْدُقُ بِهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الرَّوَاحَ اسْمٌ لِلذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ» إلَخْ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَكْتُبُونَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِمْ. وَنُقِلَ فِي الدَّرْسِ عَنْ الزِّيَادِيِّ مَا يُوَافِقُ مَا اسْتَقْرَبْنَاهُ. نَعَمْ الْمَشْيُ لَهُ ثَوَابٌ آخَرُ زَائِدٌ عَلَى مَا يُكْتَبُ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: سِتَّ سَاعَاتٍ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَلِي فِيهِ نَظَرٌ إذْ أَقَلُّ أَيَّامِ الشِّتَاءِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دَرَجَةً وَهِيَ عَشْرُ سَاعَاتٍ فَلَكِيَّةٍ، وَابْتِدَاءُ الْيَوْمِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَلَكِ مِنْ الشَّمْسِ فَمِنْ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ يَخُصُّهُ خَمْسُ سَاعَاتٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الشَّمْسِ لَا يَنْقُصُ عَنْ سَاعَةٍ وَابْتِدَاءُ الْيَوْمِ عَلَى الرَّاجِحِ هُنَا مِنْ الْفَجْرِ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
اسْتَعْمَلُوهُ فِي الذَّهَابِ وَفِيمَا قَبْلَ الزَّوَالِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ إلَخْ) هُوَ مَفْهُومُ الْجُمْهُورِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةَ) أَيْ الشَّامِلَةَ لِلزَّمَانِيَّةِ وَهِيَ انْقِسَامُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مُتَسَاوِيَةً طَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَمْ قَصُرَ، وَلِلْمُسْتَوِيَةِ وَهِيَ انْقِسَامُهُمَا أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً كُلُّ سَاعَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً، فَعَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ النَّهَارُ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً وَقَدْ يَكُونُ أَقَلَّ، وَكَذَلِكَ اللَّيْلُ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، هَذَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْفَلَكِيِّينَ، وَيَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ هُنَا مُقَابَلَةُ الْفَلَكِيَّةِ بِتَرْتِيبِ الدَّرَجَاتِ فَقَطْ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِيَ وَلِئَلَّا يَخْتَلِفَ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي وَالصَّائِفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ هُنَا الزَّمَانِيَّةُ فَقَطْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ بِهِ بَيَانُ مَا يَلْزَمُ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ زِيَادَةً عَلَى مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِمَا مَعًا (قَوْلُهُ: وَلِئَلَّا يَخْتَلِفَ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي وَالصَّائِفِ) لَيْسَ هَذَا فِي الرَّوْضَةِ، وَعِبَارَتُهَا: ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى الْأَوْجَهِ بِالسَّاعَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ بَلْ تَرْتِيبُ الدَّرَجَاتِ وَفَضْلُ السَّابِقِ عَلَى الَّذِي يَلِيهِ لِئَلَّا يَسْتَوِيَ فِي الْفَضِيلَةِ رَجُلَانِ جَاءَا فِي طَرَفَيْ سَاعَةٍ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: إذْ لَا يَبْلُغُ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، إذَا أَقْصَرُ مَا يُمْكِنُ مِنْ أَيَّامِ الشِّتَاءِ فِي الْقُطْرِ الْمِصْرِيِّ أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ تِسْعًا وَتِسْعِينَ دَرَجَةً وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّ سَاعَاتٍ فَلَكِيَّةٍ: أَيْ مُسْتَوِيَةٍ الَّتِي هِيَ مُرَادُهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، إذْ السَّاعَةُ الْفَلَكِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً، ثُمَّ رَأَيْت الشِّهَابَ عَمِيرَةَ الْبُرُلُّسِيَّ سَبَقَ إلَى نَحْوِ هَذَا (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ كُلُّ دَاخِلٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَعْدَهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَوْنِهِ كَالْمُقَرِّبِ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ غَيْرَهُمَا أَنَّ لَهُ ثَوَابًا مِثْلَ ثَوَابِ الْمُقَرِّبِ لِذَلِكَ، وَأَنَّ الثَّابِتَ لِلْجَائِي مِنْ الثَّوَابِ بِمَجِيئِهِ فِي سَاعَةٍ مَا ثَوَابٌ وَاحِدٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ إذْ لَا يُعْقَلُ اخْتِلَافُهُ بِذَلِكَ، فَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِمَا ذَكَرَهُ تَبَعًا لِلْإِمْدَادِ أَنَّ هَذَا الثَّوَابَ الثَّابِتَ لِلْجَائِي فِي سَاعَةٍ مَا نَاقِصٌ بِالنِّسْبَةِ لِثَوَابِ مَنْ جَاءَ قَبْلَهُ وَزَائِدٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ، وَمِقْدَارُ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَوَابِ مَنْ جَاءَ قَبْلَهُ بِدَرَجَةٍ كَنِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ، وَمِقْدَارُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ بِدَرَجَةٍ كَنِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالْكَبْشِ وَهَكَذَا وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ وَإِلَّا فَأَخْذُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَكَادُ يَصِحُّ فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُحَرَّرْ
كَالْمُقَرِّبِ دَجَاجَةً، وَبِأَرْبَعٍ كَالْمُقَرِّبِ بَيْضَةً. لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذِّبِ وَمُسْلِمٍ: بَلْ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةُ، لَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ الْأَخِيرِ، وَبَدَنَةُ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةً كَمَا فِي دَرَجَاتِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ، فَعَلَيْهِ الْمُرَادُ بِسَاعَاتِ النَّهَارِ الْفَلَكِيَّةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً زَمَنِيَّةً صَيْفًا أَوْ شِتَاءً، وَإِنْ لَمْ تُسَاوِ الْفَلَكِيَّةَ فَالْعِبْرَةُ بِخَمْسِ سَاعَاتٍ مِنْهَا أَوْ سِتٍّ، وَهُوَ الْمُعَوِّلُ عَلَيْهِ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ: آخِرَ الْأُولَى إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالثَّانِيَةِ ارْتِفَاعُهَا، وَالثَّالِثَةِ انْبِسَاطُهَا حَتَّى تَرْمَضَ الْأَقْدَامُ، وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ الزَّوَالُ، وَصَحَّ فِي الْخَبَرِ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِلثَّانِي لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ يَوْمَهَا غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، فَلْتُحْمَلْ السَّاعَةُ عَلَى مِقْدَارِ سُدُسِ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ أَيْضًا مَا يَلْزَمُ الْأَوَّلَ مِنْ كَوْنِ الِاقْتِصَارِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى السَّاعَاتِ الْخَمْسِ أَوْ السِّتِّ لَا حِكْمَةَ لَهُ، لِأَنَّ السَّبْقَ مَرَاتِبُهُ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ، وَيَصِحُّ اعْتِبَارُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا فَيُنْظَرُ إلَى السَّاعَاتِ مِنْ حَيْثُ الِانْقِسَامِ إلَيْهَا وَيُخَصَّصُ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِشَيْءٍ وَيُنْظَرُ لِأَفْرَادِ الْجَائِينَ فِي كُلٍّ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ تَفَاوُتُهُمْ فِي الْبَيْضَةِ مَثَلًا بِسَبَبِ التَّرْتِيبِ فِي الْمَجِيءِ فِي سَاعَاتِهَا، فَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْنَ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. فَظَاهِرٌ أَنَّ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى نَاوِيًا التَّبْكِيرَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ فَخَرَجَ عَلَى نِيَّةِ الْعَوْدِ لَا تَفُوتُهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَمَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ فِي أَقَلِّ أَيَّامِ الشِّتَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً) هُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَيْ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْسِمَ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَخُرُوجِ الْخَطِيبِ عَلَى سِتِّ سَاعَاتٍ بِنَاءً عَلَى رَوَاتِبِهَا أَوْ خَمْسٍ بِنَاءً عَلَى رَوَاتِبِهَا، وَتَكُونُ السَّاعَاتُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُتَسَاوِيَةً فِي الْمِقْدَارِ، ثُمَّ مَا بَعْدَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ إلَى الْغُرُوبِ بَقِيَّةُ السَّاعَاتِ فَتَكُونُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ فِيمَا قَبْلَ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ تَرْمَضَ الْأَقْدَامُ) بَابُهُ طَرِبَ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ) لَمْ يُمَيَّزْ أَوَّلَ الْخَامِسَةِ مِنْ الرَّابِعَةِ فَيُفِيدُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُ يَجْعَلُ مَا بَعْدَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ إلَى الزَّوَالِ مُنْقَسِمًا بَيْنَ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ عَلَى السَّوَاءِ، وَأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ خَرَجَ الْإِمَامُ عَقِبَ الزَّوَالِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ وَإِلَّا قُسِّمَ مَا بَيْنَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَآخِرِ الثَّالِثَةِ بَيْنَ السَّاعَتَيْنِ وَعَلَى أَنَّهَا سِتُّ سَاعَاتٍ، فَمَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ يُقَسَّمُ بَيْنَ السَّاعَاتِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ عَلَى السَّوَاءِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِلثَّانِي) هُوَ قَوْلُهُ بَلْ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةُ الْمُبَيَّنَةُ بِالزَّمَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ) هَذَا بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ عَقِبَهُ، وَإِلَّا فَالْمَدَارُ عَلَى خُرُوجِ الْخَطِيبِ، فَتُقَسَّمُ السَّاعَاتُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى خُرُوجِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ مَا يُوَافِقُهُ وَعِبَارَتُهُ: وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَخُرُوجِ الْخَطِيبِ يَنْقَسِمُ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةٍ، سَوَاءٌ أَطَالَ الْيَوْمُ أَوْ قَصُرَ.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرُ لَا يَخْفَى) وَجْهُهُ أَنَّ السَّاعَةَ الْوَاحِدَةَ أَجْزَاؤُهَا كَثِيرَةٌ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ بَلْ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةُ) يَعْنِي الزَّمَانِيَّةَ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْمُرَادُ بِسَاعَاتِ النَّهَارِ الْفَلَكِيَّةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً زَمَانِيَّةً) يُقَالُ عَلَيْهِ السَّاعَاتُ الزَّمَانِيَّةُ إنَّمَا تُحْسَبُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمِيقَاتِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّهَا تُقْسَمُ مِنْ الْفَجْرِ كَتَقْسِيمِ الزَّمَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَهْلِهَا، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقْسِمُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ سِتَّةَ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةٍ، كَمَا يَقْسِمُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ كَذَلِكَ الَّذِي هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا هُوَ مُصْطَلَحُ عُلَمَاءِ الْمِيقَاتِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ سَاعَاتِ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ أَكْبَرُ مِنْ سَاعَاتِ مَا بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ لِزِيَادَةِ حِصَّةِ الْفَجْرِ عَلَى نِصْفِ الْقَوْسِ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُسَاوِ الْفَلَكِيَّةَ) يَعْنِي الْمُسْتَوِيَةَ وَإِلَّا فَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُمَا بِالْفَلَكِيَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فَالْعِبْرَةُ بِخَمْسِ سَاعَاتٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الزَّمَانِيَّةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ السِّيَاقِ وَقَوْلُهُ: أَوْ سِتٍّ أَيْ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخَمْسَ أَوْ السِّتَّ بِهَذَا الْمَعْنَى هِيَ جَمِيعُ مَا مَرَّ بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ (قَوْلُهُ: كَذَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ) يَعْنِي الشِّهَابَ حَجّ فِي إمْدَادِهِ الَّذِي هُوَ تَابِعٌ لَهُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ فِي هَذِهِ السِّوَادَةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى) وَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ قَوْلَ الرَّوْضَةِ لِئَلَّا يَسْتَوِيَ فِيهِ رَجُلَانِ جَاءَا فِي طَرَفَيْ سَاعَةٍ، وَمَا وَجَّهَهُ بِهِ
فَضِيلَةُ التَّبْكِيرِ.
وَيَجِبُ السَّعْيُ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالُ بِمِقْدَارٍ يَتَوَقَّفُ فِعْلُهَا عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِتْيَانُ إلَيْهَا (مَاشِيًا) لِخَبَرِ «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» وَتَخْفِيفُ غَسَّلَ أَرْجَحُ مِنْ تَشْدِيدِهِ، وَمَعْنَاهُمَا غَسَّلَ: إمَّا حَلِيلَتَهُ بِأَنْ جَامَعَهَا فَأَلْجَأَهَا إلَى الْغُسْلِ، إذْ يُسَنُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِيَأْمَنَ أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ مَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ أَوْ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ بِأَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ، أَوْ ثِيَابَهُ وَرَأْسَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَغَسَلَ الرَّأْسَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِيهِ نَحْوَ دُهْنٍ وَخِطْمِيٍّ وَكَانُوا يَغْسِلُونَهُ ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ وَتَخْفِيفُ بَكَرَ أَشْهَرُ، وَمَعْنَاهُ: خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بَاكِرًا، وَمَعْنَى الْمُشَدَّدِ: أَتَى لِلصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَابْتَكَرَ: أَيْ أَدْرَكَ أَوَانَ الْخُطْبَةِ، وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا، وَأَفَادَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَرْكَبْ نَفْيَ تَوَهُّمِ حَمْلِ الْمَشْيِ عَلَى الْمُضِيِّ وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا وَنَفْيَ احْتِمَالِ إرَادَةِ الْمَشْيِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، وَقِيلَ هُوَ تَأْكِيدٌ. ذُكِرَ كُلُّ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ، وَاخْتِيرَ الْأَخِيرُ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي غَسَلَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» .
وَأَنْ يَكُونَ مَشْيُهُ (بِسَكِينَةٍ) إنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ لِخَبَرِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ» وَفِي رِوَايَةٍ «ائْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ» وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّعْيِ فِي الْآيَةِ الْمُضِيُّ كَمَا قُرِئَ بِهِ شَاذًّا،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَرَتَّبَ الْجَاءُونَ مِنْ أَوَّلِ السَّاعَةِ إلَى آخِرِهَا لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَقَدْ يُدْفَعُ النَّظَرُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَتَخْصِيصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِشَيْءٍ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ لِكُلِّ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى بَدَنَةً وَلَكِنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ فِيهَا بِحَسَبِ مَجِيئِهِمْ (قَوْلُهُ: فَضِيلَةُ التَّبْكِيرِ) قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى الْمَسْجِدِ فِي السَّاعَةِ أُخْرَى لَا يُشَارِكُ أَهْلَهَا فِي الْفَضِيلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ وَيَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا خَرَجَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى لِعُذْرٍ لَا يَفُوتُهُ مَا اسْتَقَرَّ لَهُ مِنْ الْبَدَنَةِ مَثَلًا بِمَجِيئِهِ لِأَنَّهُ أُعْطِيهَا فِي مُقَابَلَةِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ أَوَّلًا، وَإِذَا جَاءَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ مَشَقَّةٌ أُخْرَى بِسَبَبِ الْمَجِيءِ فَيُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُهَا. وَفِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ: دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى ثُمَّ خَرَجَ وَعَادَ إلَيْهِ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا فَهَلْ لَهُ بَدَنَةٌ وَبَقَرَةٌ؟ الْوَجْهُ لَا بَلْ خُرُوجُهُ يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْبَدَنَةِ بِكَمَالِهَا، بَلْ يَنْبَغِي عَدَمُ حُصُولِهَا لِمَنْ خَرَجَ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّهَا لِمَنْ دَخَلَ وَاسْتَمَرَّ وَلَوْ حَصَلَا لَهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَنْ غَابَ ثُمَّ رَجَعَ أَكْمَلَ مِمَّنْ لَمْ يَغِبْ وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ خُصُوصًا مَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ كَأَنْ دَخَلَ فِي أَوَّلِ السَّاعَةِ الْأُولَى وَعَادَ فِي آخِرِ الثَّانِيَةِ فَتَدَبَّرْ اهـ. وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ إلَخْ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ الْوَجْهُ لَا.
(قَوْلُهُ: أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) أَيْ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ لَوْ فَعَلَ. قَالَ حَجّ: قِيلَ لَيْسَ فِي السُّنَّةِ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الثَّوَابِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: غَسَّلَ) وَيُرْوَى بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَبِالتَّشْدِيدِ وَمَعْنَاهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ اهـ شَرْحُ ابْنِ السُّبْكِيّ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُمَا غَسَّلَ) أَيْ التَّشْدِيدُ وَالتَّخْفِيفُ (قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْيَوْمِ) وَهُوَ آكَدُّ مِنْ لَيْلَتِهَا كَمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَابْتَكَرَ) قَالَ الدَّمِيرِيِّ وَقِيلَ بَكَّرَ فِي الزَّمَانِ وَابْتَكَرَ فِي الْمَكَانِ (قَوْلُهُ: وَاخْتِيرَ الْأَخِيرُ) هُوَ قَوْلُهُ أَوْ ثِيَابَهُ وَرَأْسَهُ ثُمَّ إلَخْ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
شَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، مَعَ أَنَّهُ يَرِدُ نَظِيرُهُ عَلَى مَا فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ عَلَى حِدَتِهِمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ عَلَى مَا فِي نُسَخٍ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَلِيلَةِ وَأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَالرَّأْسِ، لَكِنْ فِي نُسَخٍ زِيَادَةُ الثِّيَابِ قَبْلَ الرَّأْسِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ بِجَعْلِ الثِّيَابِ وَالرَّأْسِ وَاحِدًا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ مِنْ عَلَى هَذِهِ النُّسَخِ لِلْبَدَلِ
وَيُكْرَهُ الْعَدْوُ إلَيْهَا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَجَبَ الْإِسْرَاعُ إذَا لَمْ يُدْرِكْهَا إلَّا بِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْقَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَخْذًا مِنْ أَنَّ فَقْدَ بَعْضِ اللِّبَاسِ اللَّائِقِ بِهِ عُذْرٌ، وَكَمَا يُسْتَحَبُّ عَدَمُ الرُّكُوبِ هُنَا إلَّا لِعُذْرٍ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا فِي الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَقَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ بِالذَّهَابِ، وَرَدَّهُ ابْنُ الصَّلَاحِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَجُلٍ: هَلْ نَشْتَرِي لَك حِمَارًا تَرْكَبُهُ إذَا أَتَيْت إلَى الصَّلَاةِ فِي الرَّمْضَاءِ وَالظَّلْمَاءِ؟ فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ فِي ذَهَابِي وَعَوْدِي، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: قَدْ فَعَلَ اللَّهُ لَك ذَلِكَ» أَيْ كَتَبَ لَك مَمْشَاك: أَيْ أَفْضَلِيَّتَهُ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: كَتَبَ لَك ذَلِكَ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ وَخَبَرِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ جِنَازَةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْحَدِيثُ عَنْ ظَاهِرِهِ.
وَمَنْ رَكِبَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ سَيَّرَ دَابَّتَهُ بِسُكُونٍ كَالْمَاشِي مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ لِمَنْ يُجْهِدُهُ الْمَشْيُ لِهَرَمٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ بُعْدِ مَنْزِلِهِ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مَا يَنَالُهُ مِنْ التَّعَبِ الْخُشُوعَ وَالْحُضُورَ فِي الصَّلَاةِ عَاجِلًا.
وَيُسَنُّ لَهُ الذَّهَابِ فِي طَرِيقٍ طَوِيلٍ إنْ أَمِنَ الْفَوْتَ وَالرُّجُوعَ فِي آخَرِ قَصِيرٍ كَالْعِيدِ (وَأَنْ يَشْتَغِلَ فِي طَرِيقِهِ وَحُضُورِهِ) قَبْلَ الْخُطْبَةِ (بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ) لِخَبَرِ «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ شَأْنَ الْمُصَلِّي اشْتِغَالُهُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَلَفْظُ الطَّرِيقِ مِنْ زِيَادَاتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ بَلْ عَلَى سَائِرِ كَسْبِ الْمُصَنِّفِ وَالرَّافِعِيِّ. وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ الْقِرَاءَةِ فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إنْ لَمْ يَلْتَهِ صَاحِبُهَا وَإِلَّا كُرِهَتْ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَذْكَارِ، وَادَّعَى الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْأَحْوَطَ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا لِكَرَاهَةِ بَعْضِ السَّلَفِ لَهَا فِيهِ لَا سِيَّمَا فِي مَوَاضِعِ الزَّحْمَةِ وَالْغَفْلَةِ كَالْأَسْوَاقِ.
(وَلَا يَتَخَطَّى) غَيْرُ الْإِمَامِ رِقَابَ النَّاسِ، بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ فَإِنْ ضَاقَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَضِقْ.
[فَرْعٌ] لَوْ تَوَقَّفَ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ عَلَى السَّعْيِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَجِبْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ وَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ بَعْضِ اللِّبَاسِ اللَّائِقِ بِهِ عُذْرٌ) وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ النَّاسَ لَا يَعُدُّونَ الْإِسْرَاعَ لِلْعِبَادَةِ مُزْرِيًا وَيَعُدُّونَ غَيْرَهُ مُخِلًّا بِالْمُرُوءَةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ حِينَئِذٍ: إنَّ الْمَشْيَ غَيْرُ لَائِقٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ غَيْرُ لَائِقٍ بِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ لِخُصُوصِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ) أَيْ بَلْ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِمُطِيقِ الْمَشْيِ كَمَا قَالَهُ حَجّ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ بِالذَّهَابِ) أَيْ فَلَا يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ فِي الْعَوْدِ، وَظَاهِرُ الْجَوَابِ عَنْ الرَّدِّ الْآتِي اعْتِمَادُ هَذَا، وَصَرَّحَ بِهِ حَجّ وَعِبَارَتُهُ: وَأَنْ يَكُونَ طَرِيقُ ذَهَابِهِ أَطْوَلَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ، وَيَتَخَيَّرُ فِي عَوْدِهِ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ كَمَا يَأْتِي فِي الْعِيدِ اهـ. وَنَقَلَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَأَقَرَّهُ (قَوْلُهُ: بِسُكُونٍ كَالْمَاشِي) أَيْ فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ تَسْيِيرُهَا بِسُكُونٍ لِصُعُوبَتِهَا وَاعْتِيَادِهَا الْعَدْوَ رَكِبَ غَيْرَهَا إنْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ تِلْكَ السُّنَّةِ.
(قَوْلُهُ وَالرُّجُوعُ فِي آخَرَ) أَيْ إنْ سَهُلَ (قَوْلُهُ: مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَلْتَهِ صَاحِبُهَا) وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقِرَاءَةُ فِي الْقَهَاوِي وَالْأَسْوَاقِ (قَوْلُهُ: وَادَّعَى الْأَذْرَعِيُّ) ضَعِيفٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَتَخَطَّى غَيْرُ الْإِمَامِ) وَمِثْلُهُ: أَيْ الْغَيْرُ بِالْأَوْلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّخَطِّي لِتَفْرِقَةِ الْأَجْزَاءِ أَوْ تَبْخِيرِ الْمَسْجِدِ أَوْ سَقْيِ الْمَاءِ أَوْ السُّؤَالِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ التَّخَطِّي، أَمَّا السُّؤَالُ بِمُجَرَّدِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ سَعْيٌ فِي خَيْرٍ وَإِعَانَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَرْغَبْ الْحَاضِرُونَ الَّذِينَ يَتَخَطَّاهُمْ فِي ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ تَخَطِّي الْمُعَظَّمِ فِي النُّفُوسِ. قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ تَرْجِيحِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْحُرْمَةِ مَعَ أَنَّ الْإِيذَاءَ حَرَامٌ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت؟ قُلْت: لَيْسَ كُلُّ إيذَاءٍ حَرَامًا، وَلِلْمُتَخَطِّي هُنَا غَرَضٌ فَإِنَّ التَّقَدُّمَ أَفْضَلُ اهـ (قَوْلُهُ رِقَابُ النَّاسِ) يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالرِّقَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّخَطِّي أَنْ يَرْفَعَ رِجْلَهُ بِحَيْثُ تُحَاذِي فِي تَخَطِّيهِ أَعْلَى مَنْكِبِ الْجَالِسِ، وَعَلَيْهِ فَمَا يَقَعُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ النَّاسِ لِيَصِلَ إلَى نَحْوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَيْسَ مِنْ التَّخَطِّي بَلْ مِنْ خَرْقِ الصُّفُوفِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فُرَجٌ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْ النَّصِّ حُرْمَتُهُ، وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَاتِ لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى وَهُوَ يَخْطُبُ رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْت» .
وَيُكْرَهُ التَّخَطِّي أَيْضًا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمُتَحَدِّثَاتِ وَنَحْوِهَا، وَاقْتِصَارُهُمْ عَلَى مَوَاضِعِهَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ أَحَدًا لِيَجْلِسَ مَكَانَهُ بَلْ يَقُولُ تَفَسَّحُوا لِلْأَمْرِ بِهِ، فَإِنْ قَامَ الْجَالِسُ: بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلَسَ غَيْرَهُ فِيهِ لَمْ يُكْرَهْ لِلْجَالِسِ وَلَا لِمَنْ قَامَ مِنْهُ إنْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان أَقْرَبَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ مِثْلَهُ، وَإِلَّا كُرِهَ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ لِأَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ، بِخِلَافِهِ فِي حُظُوظِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9] وَلَوْ آثَرَ شَخْصًا أَحَقَّ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْهُ لِكَوْنِهِ قَارِئًا أَوْ عَالِمًا يَلِي الْإِمَامَ لِعِلْمِهِ أَوْ يَرُدُّ عَلَيْهِ إذَا غَلِطَ فَهَلْ يُكْرَهُ أَيْضًا أَوْ لَا لِكَوْنِهِ مَصْلَحَةً عَامَّةً؟ الْأَوْجَهُ الثَّانِي، وَيَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَقْعُدَ لَهُ فِي مَكَان لِيَقُومَ عَنْهُ إذَا قَدِمَ هُوَ، وَلِغَيْرِهِ تَنْحِيَةُ فَرْشِ مَنْ بَعَثَهُ قَبْلَ حُضُورِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ وَالْجُلُوسُ فِي مَحَلِّهِ لَكِنَّهُ إنْ رَفَعَهُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ.
نَعَمْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ فَرْشِ السَّجَّادَاتِ بِالرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْفَجْرِ أَوْ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ حُضُورِ أَصْحَابِهَا مَعَ تَأَخُّرِهِمْ إلَى الْخُطْبَةِ أَوْ مَا يُقَارِبُهَا لَا بُعْدَ فِي كَرَاهَتِهِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ بِتَحْرِيمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْجِيرِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِحُصُولِ ضَرَرٍ لِمَنْ نَحَّاهَا وَجَلَسَ مَكَانَهَا وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُمْ: يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الصَّوْمُ مَعَ حُضُورِ حَلِيلِهَا وَإِنْ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ يَهَابُ قَطْعَ الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَهُ، وَبِهِ فَارَقَ مَنْ بَعَثَ مَنْ يَقْعُدُ لَهُ لِأَنَّ لِلْجَالِسِ بِهِ فَائِدَةً وَهِيَ إحْيَاءُ الْبُقْعَةِ، أَمَّا الْإِمَامُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمِحْرَابَ أَوْ الْمِنْبَرَ إلَّا بِهِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ.
وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا صُوَرٌ: مِنْهَا مَا إذَا وَجَدَ فِي الصُّفُوفِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةً لَمْ يَبْلُغْهَا إلَّا بِتَخَطِّي رَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِتَقْصِيرِ الْقَوْمِ بِإِخْلَاءِ فُرْجَةٍ، لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ عَدَمُ التَّخَطِّي إذَا وَجَدَ غَيْرَهَا، فَإِنْ زَادَ التَّخَطِّي عَلَيْهِمْ وَلَوْ مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ وَرَجَا أَنْ يَتَقَدَّمُوا إلَى الْفُرْجَةِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ لِكَثْرَةِ الْأَذَى وَمِنْهَا الرَّجُلُ الْمُعَظَّمُ فِي النُّفُوسِ إذَا أَلِفَ مَوْضِعًا لَا يُكْرَهُ لَهُ لِقِصَّةِ عُثْمَانَ الْمَشْهُورَةِ وَتَخَطِّيهِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالْمُتَوَلِّي، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ ظَهَرَ صَلَاحُهُ وَوِلَايَتُهُ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ وَيُسَرُّونَ بِتَخَطِّيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَظَّمًا لَمْ يَتَخَطَّ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَحَلٌّ مَأْلُوفٌ كَمَا قَالَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي الصُّفُوفِ يَمْشِي فِيهَا (قَوْلُهُ: مِنْ الْمُتَحَدَّثَاتِ) أَيْ الْمُبَاحَةِ أَوْ مُتَحَدِّثَاتِ الْخَيْرِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ حَجّ (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ أَحَدًا لِيَجْلِسَ مَكَانَهُ) أَيْ حَيْثُ كَانُوا كُلُّهُمْ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ كَمَا هُوَ الْغَرَضُ، أَمَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْجَالِسِينَ فِي مَوْضِعِ الصَّفِّ مِنْ الْمُصَلِّينَ جَمَاعَةً إذَا حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ بَعْدَهُمْ وَأَرَادُوا فِعْلَهَا فَالظَّاهِرُ أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَا حُرْمَةَ، لِأَنَّ الْجَالِسَ ثَمَّ مُقَصِّرٌ بِاسْتِمْرَارِ الْجُلُوسِ الْمُؤَدِّي لِتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ) أَيْ فَهُوَ مُبَاحٌ وَلَيْسَ مَكْرُوهًا وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى، بَلْ لَوْ قِيلَ بِنَدْبِهِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى الْقُرْبِ مِنْ الْإِمَامِ مَثَلًا لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ: مَنْ يَقْعُدُ لَهُ فِي مَكَان إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْمَبْعُوثُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ بَلْ كَانَ عَزْمُهُ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ مَنْ بَعَثَهُ انْصَرَفَ هُوَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي فَرَّقَ بِهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَضْعِ السَّجَّادَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ) أَيْ جَالِسٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بَلْ قَدْ يُقَالُ بِتَحْرِيمِهِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الصَّوْمُ) أَيْ صَوْمُ النَّفْلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْإِمَامُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ غَيْرَ الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ زَادَ التَّخَطِّي عَلَيْهِمَا) أَيْ الرَّجُلَيْنِ (قَوْلُهُ: إذَا أَلِفَ مَوْضِعًا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: بِالرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ) لَيْسَتْ قَيْدًا فِي الْحُكْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، بَلْ سَائِرُ الْمَسَاجِدِ حُكْمُهَا كَذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ: لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْجِيرِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَإِنَّمَا خَصَّ الرَّوْضَةَ الشَّرِيفَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِيهَا
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ) اُنْظُرْ مَا صُورَةُ الزِّيَادَةِ فِي الصَّفِّ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: وَرَجَا أَنْ يَتَقَدَّمُوا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ فَتَنَبَّهْ
الْبَنْدَنِيجِيُّ. وَمِنْهَا إذَا جَلَسَ دَاخِلَ الْجَامِعِ عَلَى طَرِيقِ النَّاسِ. وَمِنْهَا إذَا سَبَقَ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ أَوْ غَيْرُ الْمُسْتَوْطِنِينَ إلَى الْجَامِعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكَامِلِينَ إذَا حَضَرُوا التَّخَطِّي لِسَمَاعِ الْأَرْكَانِ إذَا تَوَقَّفَ سَمَاعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَتَزَيَّنَ) حَاضِرُ الْجُمُعَةِ إذَا كَانَ ذَكَرًا (بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ) لِخَبَرِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَأَفْضَلُهُمَا فِي الْأَلْوَانِ الْبَيَاضُ لِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» زَادَ الصَّيْمَرِيُّ: وَأَنْ تَكُونَ جَدِيدَةً، قَيَّدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَحْثًا بِغَيْرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَالْوَحْلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ خُشِيَ تَلْوِيثُهَا، ثُمَّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ نَسْجِهِ كَالْبُرْدِ لَا مَا صُبِغَ مَنْسُوجًا، بَلْ ذَهَبَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى كَرَاهَةِ لُبْسِهِ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لُبْسُ مَصْبُوغٍ بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ، وَالْعُصْفُرِ وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ الزِّيَادَةُ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَالْعِمَّةِ وَالِارْتِدَاءِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مَنْظُورٌ إلَيْهِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ: الْأَوْلَى لَهُ تَرْكُ لُبْسِ السَّوَادِ حَيْثُ لَمْ يَخْشَ مَفْسَدَةً بَلْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى لُبْسِهِ بِدْعَةٌ إلَّا أَنَّ مُنِعَ الْخَطِيبُ مِنْ الْخُطْبَةِ إلَّا بِهِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُكْرَهُ لَهَا الطِّيبُ وَالزِّينَةُ وَفَاخِرُ الثِّيَابِ عِنْدَ إرَادَتِهَا حُضُورَهَا. نَعَمْ يُسَنُّ لَهَا قَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَيُلْحَقُ بِهَا الْخُنْثَى (وَطِيبٍ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ مَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فِيمَا يَظْهَرُ (وَإِزَالَةِ ظُفْرٍ) مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ لَا إحْدَاهُمَا فَيُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ، وَالشُّعُورِ فَيَنْتِفُ إبْطَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ وَيَحْلِقُ عَانَتَهُ وَيَقُومُ مَقَامَ حَلْقِهَا قَصُّهَا أَوْ نَتْفُهَا، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَنْتِفُ عَانَتَهَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا إزَالَتُهَا عِنْدَ أَمْرِ الزَّوْجِ لَهَا بِهِ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ «كَانَ عليه الصلاة والسلام يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ» قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَيُسْتَحَبُّ قَلْمُ الْأَظْفَارِ فِي كُلِّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ أَوْ لَمْ يَأْلَفْ (قَوْلُهُ: إذَا تَوَقَّفَ سَمَاعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ) أَيْ بَلْ يَجِبُ إقَامَتُهُمْ مِنْ مَجَالِسِهِمْ إذَا تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَبِهِ يُقَيَّدُ قَوْلُهُمْ إذَا سَبَقَ الصَّبِيُّ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا يُقَامُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: حَاضِرُ الْجُمُعَةِ) أَيْ مُرِيدُ حُضُورِهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ) أَيْ مَا طُلِبَ مِنْهُ صَلَاتُهُ كَالتَّحِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا) هَذَا يَقْضِي أَنَّ تَكْفِيرَ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ مَشْرُوطٌ بِمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَضِيَّةُ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَدَنَا وَاسْتَمَعَ إلَخْ خِلَافُهُ، فَلَعَلَّ مَا هُنَا بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ (قَوْلُهُ: الْبَيَاضُ) هَلْ يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ مَغْصُوبًا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْحُصُولُ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ لُبْسِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْوُضُوءُ وَإِنْ عُوقِبَ مِنْ حَيْثُ إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ جَدِيدَةً) أَيْ إنْ تَيَسَّرَتْ لَهُ وَإِلَّا فَمَا قَرُبَ مِنْ الْجَدِيدَةِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. وَفِي سم عَلَى حَجّ: بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ فَهَلْ يُرَاعِي الْجُمُعَةَ فَيُقَدِّمُ الْأَبْيَضَ أَوْ الْعِيدَ فَالْأَغْلَى أَوْ يُرَاعِي الْجُمُعَةَ وَقْتَ إقَامَتِهَا فَيُقَدِّمُ الْأَبْيَضَ حِينَئِذٍ وَالْعِيدَ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ فَيُقَدِّمُ الْأَغْلَى فِيهَا (لَكِنْ قَدْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ فِي كُلِّ زَمَنٍ) أَنَّهُ لَوْ رُوعِيَتْ الْجُمُعَةُ رُوعِيَتْ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ، وَقَدْ يُرَجَّحُ مُرَاعَاةُ الْعِيدِ مُطْلَقًا إذْ الزِّينَةُ فِيهِ آكَدٌّ مِنْهَا فِي الْجُمُعَةِ، وَلِهَذَا سُنَّ الْغُسْلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَالْبُرُدِ) وَالْجَمْعُ بُرُودٌ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهْ لُبْسُ مَصْبُوغٍ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: بَلْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى لُبْسِهِ) أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ: أَيْ عَلَى الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ كَتَحَمُّلِهِ الْوَسَخَ (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ مُنِعَ الْخَطِيبُ) هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ أَوْلَوِيَّةِ تَرْكِ لُبْسِ السَّوَادِ لَا مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ، لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ بِدْعَةً وَإِنْ صَارَ بِهِ مَعْذُورًا فِي اللُّبْسِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمَرْأَةُ) أَيْ وَلَوْ عَجُوزًا (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُسَنُّ لَهَا قَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ) أَيْ وَإِنْ ظَهَرَ لِمَا تُزِيلُ بِهِ رِيحٌ حَيْثُ لَمْ يَتَأَتَّ إلَّا بِهِ (قَوْلُهُ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا إزَالَتُهَا) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إزَالَتِهَا ضَرَرٌ بِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ فِي فِعْلِهَا (قَوْلُهُ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ) بَابُهُ ضَرَبَ مُخْتَارٌ: أَيْ فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُخَفَّفَةً وَيَجُوزُ فِيهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ كُلَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَعَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِطُولِهَا عَادَةً وَيَخْتَلِفُ حِينَئِذٍ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الْأَوْلَى فِي الْأَظْفَارِ مُخَالَفَتُهَا، فَقَدْ رُوِيَ «مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ مُخَالِفًا لَمْ يَرَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدًا» وَفَسَّرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ الْيَمَنِيِّ ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ الْمُسَبِّحَةِ ثُمَّ بِإِبْهَامِ الْيُسْرَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ السَّبَّابَةِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ، لَكِنْ ذَهَبَ الْغَزَالِيُّ إلَى أَنَّهُ يَبْدَأُ بِمُسَبِّحَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِالْبِنْصِرِ ثُمَّ بِالْخِنْصَرِ ثُمَّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى ثُمَّ بِنْصِرِهَا ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ الْمُسَبِّحَةِ ثُمَّ إبْهَامِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الرَّجُلِ الْيُمْنَى، وَحُكِيَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْهُ وَقَالَ: إنَّهُ حَسَنٌ إلَّا تَأْخِيرَ إبْهَامِ الْيُمْنَى أَنْ يُقَلِّمَهَا بَعْدَ خِنْصَرِهَا، وَبِهِ جَزَمَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمُرِيدِ التَّضْحِيَةِ. وَلَا يُسَنُّ حَلْقُ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ نُسُكٍ أَوْ مَوْلُودٍ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ أَوْ كَافِرٍ أَسْلَمَ كَمَا مَرَّ فِيهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مُبَاحٌ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ دَفْنُ مَا يُزِيلُهُ مِنْ ظُفْرٍ وَشَعْرٍ وَدَمٍ (وَ) إزَالَةُ (الرِّيحِ) الْكَرِيهَةِ كَالصُّنَانِ لِلتَّأَذِّي بِهِ فَيُزِيلُهُ بِالْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ إمَامُنَا رضي الله عنه مَنْ نَظَّفَ ثَوْبَهُ قَلَّ هَمُّهُ، وَمَنْ طَابَ رِيحُهُ زَادَ عَقْلُهُ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ وَإِنْ اُسْتُحِبَّتْ لِكُلِّ حَاضِرِ جَمْعٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فَهِيَ فِي الْجُمُعَة آكَدُ اسْتِحْبَابًا.
(قُلْت: وَأَنْ يَقْرَأَ الْكَهْفَ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ شَذَّ فَكَرِهَ ذِكْرَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ سُورَةٍ (يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا) وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، فَقَدْ صَحَّ «مَنْ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» وَوَرَدَ «مَنْ قَرَأَهَا لَيْلَتَهَا أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وَقِرَاءَتُهَا نَهَارًا آكَدُ، وَأَوْلَاهَا بَعْدَ الصُّبْحِ مُسَارَعَةً لِلْخَيْرِ مَا أَمْكَنَ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ فِيهَا أَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْجُمُعَةُ تُشْبِهُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْخَلْقِ وَلِأَنَّ الْقِيَامَةَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ (وَيُكْثِرُ الدُّعَاءَ) يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِيُصَادِفَ سَاعَةَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْضًا ضَمُّ الْيَاءِ وَفَتْحُ الْقَافِ وَتَشْدِيدُ اللَّامِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ، فَإِنْ عُلِمَتْ تَعَيَّنَ مَا فِيهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى) أَيْ إلَى خِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُسْرَى عَلَى التَّوَالِي اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ) وَصَرَّحَ بِاعْتِمَادِهِ حَجّ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. قَالَ حَجّ: وَيَنْبَغِي الْبِدَارُ بِغَسْلِ مَحَلِّ الْقَلْمِ لِأَنَّ الْحَكَّ بِهِ قَبْلَهُ يُخْشَى مِنْهُ الْبَرَصُ، وَيُسَنُّ فِعْلُ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ بُكْرَةَ الْجُمُعَةِ لِوُرُودِ كُلٍّ وَكَرِهَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ نَتْفَ الْأَنْفِ قَالَ: بَلْ يَقُصُّهُ لِحَدِيثٍ فِيهِ، قِيلَ بَلْ فِي حَدِيثٍ أَنَّ فِي بَقَائِهِ أَمَانًا مِنْ الْجُذَامِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلّه مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَشْوِيهٌ وَإِلَّا فَيُنْدَبُ قَصُّهُ.
(قَوْلُهُ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ مُبَاحٌ) إلَّا أَنْ يَتَأَذَّى بِبَقَاءِ شَعْرِهِ أَوْ شَنَّ عَلَيْهِ تَعَهُّدُهُ فَيُنْدَبُ اهـ حَجّ: أَيْ أَوْ صَارَ تَرْكُهُ مَحَلًّا بِالْمُرُوءَةِ كَمَا فِي زَمَنِنَا فَيُنْدَبُ، وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحَلْقَ عَنْ الْغُسْلِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ لِيُزِيلَ الْغُسْلُ أَثَرَهَا عَنْ الشَّعْرِ (قَوْلُهُ: وَشَعْرُ) قَدْ يَشْمَلُ شَعْرَ الْعَوْرَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْوَاجِبُ سَتْرُهُ عَنْ الْأَعْيُنِ، وَهَلْ يَحْرُمُ إلْقَاءُ ذَلِكَ فِي النَّجَاسَةِ كَالْأَخْلِيَةِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِ سَنِّ الدَّفْنِ الثَّانِي فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبُ الشَّعْرِ يَنْبَغِي لِغَيْرِهِ مُزَيِّنًا أَوْ غَيْره فِعْلُهُ لِطَلَبِ سَتْرِهِ عَنْ الْأَعْيُنِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَاحْتِرَامِهِ وَمِنْ ثَمَّ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَسَتْرِ إنَاءٍ بِهِ أَوْ اتِّخَاذِ خَيْطٍ مِنْهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ فَكُرِهَ ذِكْرُ ذَلِكَ) أَيْ كُرِهَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُ الصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ لَفْظِ سُورَةِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ) وَأَقَلُّ الْإِكْثَارِ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ: أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ) هَلْ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا فِي الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى أَوْ بِشَرْطِهِ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ كُلَّ جُمُعَةٍ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَلَا ارْتِبَاطَ لِوَاحِدَةٍ مِنْ الْجُمَعِ بِغَيْرِهَا (قَوْلُهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ نُورُ الْأَبْعَدِ أَكْثَرَ مِنْ نُورِ الْأَقْرَبِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيْحُكُمْ مَا يُرِيدُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ نُورَ الْأَقْرَبِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مَسَافَةً يُسَاوِي نُورَ الْأَبْعَدِ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَطْوَلَ مَسَافَةً اهـ سم عَلَى حَجّ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْإِجَابَةِ، فَقَدْ صَحَّ «لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ» وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ انْتِظَارُهَا وَبِالْقِيَامِ الْمُلَازَمَةُ وَأَرْجَاهَا مِنْ جُلُوسِ الْخَطِيبِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْمُرَادُ عَدَمُ خُرُوجِهَا عَنْ هَذَا الْوَقْتِ لَا أَنَّهَا مُسْتَغْرِقَةٌ لَهُ لِأَنَّهَا لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ وَخَبَرُ «الْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ يَوْمًا فِي وَقْتٍ وَيَوْمًا فِي آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ الْخُطْبَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَوْقَاتِ الْبُلْدَانِ بَلْ فِي الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّ كُلِّ أَهْلِ مَحَلٍّ مِنْ جُلُوسِ خَطِيبِهِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُبْهَمَةٌ بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَدْ يُصَادِفُهَا أَهْلُ مَحَلٍّ وَلَا يُصَادِفُهَا أَهْلُ مَحَلٍّ آخَرَ يَتَقَدَّمُ أَوْ تَأَخَّرَ. وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ: كَيْفَ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الدُّعَاءِ التَّلَفُّظُ بَلْ اسْتِحْضَارُ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ كَافٍ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ: وَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَتِحَ الْخُطْبَةَ وَإِمَّا بَيْنَ خُطْبَتَيْهِ وَإِمَّا بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، وَإِمَّا فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ. قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْبُلْقِينِيِّ وَهُوَ أَظْهَرُ.
وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَصِلَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ أُخْرَى وَلَوْ سُنَّتَهَا بَلْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِنَحْوِ تَحَوُّلِهِ أَوْ كَلَامٍ لِخَبَرٍ فِيهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَيُكْرَهُ تَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ وَالْعَبَثِ حَالَ الذَّهَابِ لِصَلَاةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جُمُعَةً وَانْتِظَارُهَا وَلَا يُعَارِضُهُ تَشْبِيكُهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَا سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي اعْتِقَادِهِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَائِدَةٌ] قَالَ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ: كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لِحِفْظِ الْقُرْآنِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِيهَا يس وَالَمْ تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وَالدُّخَانَ وَتَبَارَكَ، فَإِذَا فَرَغَ حَمِدَ وَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ وَصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَاسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي، وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيك عَنِّي. اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْقُوَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، أَسْأَلُك يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِك وَنُورِ وَجْهِك أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِك كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيك عَنِّي. اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، أَسْأَلُك يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِك وَنُورِ وَجْهِك أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِك بَصَرِي وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي وَأَنْ تَشْغَلَ بِهِ بَدَنِي، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَنْ الْحَقِّ غَيْرُك وَلَا يُؤْتِينِيهِ إلَّا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ اهـ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُكَرِّرُ الدُّعَاءَ وَلَوْ قِيلَ بِهِ لَكَانَ حَسَنًا. وَقَوْلُهُ وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَأَنْ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (قَوْلُهُ: وَأَرْجَاهَا مِنْ جُلُوسِ الْخَطِيبِ إلَخْ) عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ نَحْوِ خَمْسِينَ قَوْلًا اهـ حَجّ فِيمَا تَقَدَّمَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إلَخْ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ) أَيْ جَوَابًا عَنْ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) لَعَلَّهُ عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ، وَإِلَّا فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا (قَوْلُهُ: كَافٍ فِي ذَلِكَ) ثُمَّ هُوَ وَإِنْ كَانَ كَافِيًا فِي الدُّعَاءِ لَا يُعَدُّ كَلَامًا فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِاسْتِحْضَارِ دُعَاءٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مُشْتَمِلٍ عَلَى خِطَابٍ، بَلْ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الذِّكْرِ (قَوْلُهُ وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْبُلْقِينِيِّ وَهُوَ أَظْهَرُ) أَيْ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ لِمَا فِي اشْتِغَالِهِ بِالدُّعَاءِ بِالْقَلْبِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْخَطِيبِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا بَنَى عَلَى كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ جَازَ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الْإِجَابَةِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ أَوْ وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُصَادِفُهُ إذَا لَمْ يَدْعُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ وَانْتِظَارُهَا) أَيْ حَيْثُ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، أَمَّا إذَا جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ لَا لِلصَّلَاةِ بَلْ لِغَيْرِهَا كَحُضُورِ دَرْسٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَهُوَ أَظْهَرُ) قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يُلَاقِي الْحِكْمَةَ فِي طَلَبِ الدُّعَاءِ حِينَئِذٍ وَهِيَ تَحَرِّي مُصَادَفَةِ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالِاشْتِغَالِ بِهِ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْهِ السَّاعَةُ وَهُوَ مُشْتَغِلٌ.
وَمَنْ جَلَسَ بِطَرِيقِ أَوْ بِمَحَلِّ الْإِمَامِ أُمِرَ بِالْقِيَامِ وَكَذَا مَنْ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ النَّاسِ وَالْمَكَانُ ضَيِّقٌ (وَالصَّلَاةَ) أَيْ وَيُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا الْخَبَرَ «إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَخَبَرُ «أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» وَتَنْصِيصُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا إذَا انْتَظَرَهُمَا مَعًا فَيَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ (قَوْلُهُ: أُمِرَ بِالْقِيَامِ) أَيْ نَدْبًا (قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) لَمْ يَتَعَرَّضْ كحج لِصِيغَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيَنْبَغِي أَنْ تَحْصُلَ بِأَيِّ صِيغَةٍ كَانَتْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَغِ الصِّيغَةُ الْإِبْرَاهِيمِيَّة. ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى حَجّ الْحَدِيثِيَّةِ مَا نَصُّهُ نَقْلًا مِنْ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَغِ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْوَارِدَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ أَبَدًا أَفْضَلَ صَلَوَاتِك عَلَى سَيِّدِنَا عَبْدِك وَنَبِيِّك وَرَسُولِك مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، وَزِدْهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا، وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ اهـ. وَأَقَلُّهُ ثَلَثُمِائَةٍ بِاللَّيْلِ وَمِثْلُهُ بِالنَّهَارِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي السَّخَاوِيِّ فِي الْقَوْلِ الْبَدِيعِ فِي الْفَوَائِدِ الَّتِي خَتَمَ بِهَا الْبَابَ الرَّابِعَ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَأَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ قَالَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ صَاحِبُ الْقُوتِ: أَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ. قُلْت: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مُسْتَنِدِهِ فِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّى ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّالِحِينَ، إمَّا بِالتَّجَارِبِ أَوْ بِغَيْرِهِ، أَوْ يَكُونُ مِمَّنْ يَرَى أَنَّ الْكَثْرَةَ أَقَلُّ مَا تَحْصُلُ بِثَلَثِمِائَةٍ كَمَا حَكَوْا فِي الْمُتَوَاتِرِ قَوْلًا أَنَّ أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ بِثَلَثِمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشْرَ وَيَكُونُ هُنَا قَدْ أَلْغَى الْكَسْرَ الزَّائِدَ عَلَى الْمَئِينِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
[فَائِدَةٌ] قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ بَعْدَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَعُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» مَا نَصُّهُ: أَخَذَ مِنْهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْبُرْهَانِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ مَشْرُوعِيَّةَ الِاجْتِمَاعِ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَالِاثْنَيْنِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ، وَرَفْعَ الصَّوْتِ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْيَوْمِ لِأَنَّ اللَّامَ فِي الْأَعْمَالِ لِلْجِنْسِ فَيَشْمَلُ الذِّكْرَ وَالصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالدُّعَاءَ لَا سِيَّمَا فِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ إنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ اهـ. وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى مَا فِي الْأَخْذِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْبُعْدِ وَالتَّعَسُّفِ اهـ. وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (قَوْلُهُ: أَيْ وَيُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةِ) قَدْ يُشِيرُ هَذَا إلَى أَنَّهُ فِي الْمَتْنِ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَفِي الْمُخْتَارِ وَاسْتَكْثَرَ مِنْ الشَّيْءِ أَكْثَرَ مِنْهُ اهـ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ) أَيْ تَعْرِضُهَا الْمَلَائِكَةُ، فَمَا اشْتَهَرَ أَنَّهُ يَسْمَعُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَهَا بِلَا وَاسِطَةٍ لَا أَصْلَ لَهُ. نَعَمْ تَبْلُغُهُ بِلَا وَاسِطَةٍ مِمَّنْ صَلَّى عِنْدَ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي بَابِ الْحَجِّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُسَنُّ زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَبَرِ «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» ثُمَّ قَالَ: وَخَبَرِ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا يُبَلِّغُنِي وَكُفِيَ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ وَكُنْت لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» اهـ. وَبِهَامِشِهِ ثَمَّ مَا نَصُّهُ أَقُولُ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ يَبْلُغُنِي أَنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ بِلَا وَاسِطَةِ الْمَلَكِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بِالْهَامِشِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبْرِ بِلَا وَاسِطَةٍ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ يَبْلُغُ ذَلِكَ مَعَ السَّمَاعِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي ابْنِ حَجَرٍ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالدُّرِّ الْمُنَظَّمِ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُعَظَّمِ مَا نَصُّهُ تَنْبِيهٌ: يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ التَّعَارُضُ بِبَادِي الرَّأْيِ وَأَحَادِيثَ أُخَرَ وَرَدَتْ بِمَعْنَاهَا أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَالْمَكَانُ ضَيِّقٌ) لَعَلَّ الْمُرَادَ الْمَكَانُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَلِّينَ بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُمْ
يُقَيِّدُ بَلْ يَجْرِي طَلَبُ الْإِكْثَارِ فِي الذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ أَيْضًا نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهَا أَفْضَلُ مِنْهُ بِذِكْرٍ أَوْ قُرْآنٍ.
(وَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الْجُمُعَةِ) أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ (التَّشَاغُلُ عَنْهَا) بِأَنْ يَتْرُكَ السَّعْيَ إلَيْهَا (بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ) مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ وَالصَّنَائِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] الْآيَةَ، وَقِيسَ بِالْبَيْعِ نَحْوُهُ مِنْ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ: أَيْ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يُشْغِلَ بِجَامِعِ التَّفْوِيتِ، وَتَقْيِيدُ الْأَذَانِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا مَرَّ فَانْصَرَفَ النِّدَاءُ فِي الْآيَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ تَبَايَعَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ فَقَطْ وَالْآخَرُ لَا تَلْزَمُهُ أَثِمَ كَمَا قَالَاهُ، بَلْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِارْتِكَابِ الْأَوَّلِ النَّهْيَ وَإِعَانَةِ الثَّانِي لَهُ عَلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ لَعِبَ شَافِعِيٌّ الشِّطْرَنْجَ مَعَ حَنَفِيٍّ وَنَصُّهُ عَلَى تَخْصِيصِ الْإِثْمِ الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى إثْمِ التَّفْوِيتِ، أَمَّا إثْمُ الْمُعَاوَنَةِ فَعَلَى الثَّانِي.
وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ شِرَاءَ مَاءِ طُهْرِهِ وَشَرِبَهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا وَمَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةُ الطِّفْلِ أَوْ الْمَرِيضِ إلَى شِرَاءِ دَوَاءٍ أَوْ طَعَامٍ وَنَحْوِهِمَا، فَلَا يَعْصِي الْوَلِيُّ وَلَا الْبَائِعُ إذَا كَانَا يُدْرِكَانِ الْجُمُعَةَ مَعَ ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِنْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ فِي صُوَرٍ مِنْهَا إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ وَبَيْعُهُ مَا يَأْكُلُهُ وَبَيْعُ كَفَنِ مَيِّتٍ خِيفَ تَغَيُّرُهُ بِالتَّأْخِيرِ وَفَسَادُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَهُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ وَهُوَ سَائِرٌ إلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْجَامِعِ لَكِنَّهُ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَلَوْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ لَا إذَا لَا تَشَاغُلَ كَالْحَاضِرِ فِي الْمَسْجِدِ، كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَكَلَامُهُمْ إلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ، وَهَلْ الِاشْتِغَالُ بِالْعِبَادَةِ كَالْكِتَابَةِ كَالِاشْتِغَالِ بِنَحْوِ الْبَيْعِ؟ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ نَعَمْ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: لَوْ أَرَادَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ بَيْعَ مَالِهِ وَقْتَ النِّدَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَهُنَاكَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَبَذَلَ دِينَارًا وَبَذَلَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نِصْفَ دِينَارٍ فَمِنْ أَيِّهِمَا يَبِيعُ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّانِي لِئَلَّا يُوقِعَ الْأَوَّلَ فِي الْمَعْصِيَةِ. وَالثَّانِي مِنْ ذِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الَّذِي إلَيْهِ الْإِيجَابُ غَيْرُ عَاصٍ وَالْقَبُولُ لِلطَّالِبِ وَهُوَ عَاصٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَخَّصَ لَهُ فِي الْقَبُولِ لِيَنْتَفِعَ الْيَتِيمُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ كَمَا رَخَّصَ لِلْوَلِيِّ فِي الْإِيجَابِ لِلْحَاجَةِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ (فَإِنْ بَاعَ) مَثَلًا مَنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ (صَحَّ) بَيْعُهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِمَعْنًى خَارِجٍ فَلَا تُبْطِلُ الْعَقْدَ كَالصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ وَبَيْعِ الْعِنَبِ لِمَنْ يُعْلَمُ اتِّخَاذُهُ خَمْرًا وَغَيْرُ الْبَيْعِ مُلْحَقٌ بِهِ ذَلِكَ.
(وَيُكْرَهُ قَبْلَ الْأَذَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِدُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَالتَّشَاغُلُ عَنْهُ كَالْإِعْرَاضِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُبَلَّغُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ إذَا صَدَرَا مِنْ بُعْدٍ وَيَسْمَعُهُمَا إذَا كَانَا عِنْدَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَإِنْ وَرَدَ أَنَّهُ يُبَلَّغُهُمَا هُنَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ، إذْ لَا مَانِعَ أَنَّ مَنْ عِنْدَ قَبْرِهِ يُخَصُّ بِأَنَّ الْمَلَكَ يُبَلِّغُ صَلَاتَهُ وَسَلَامَهُ مَعَ سَمَاعِهِ لَهُمَا إشْعَارًا بِمَزِيدِ خُصُوصِيَّتِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ وَالِاسْتِمْدَادِ لَهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، إذْ الْمُقَيَّدُ يَقْضِي بِهِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ وَاجِبٌ حَيْثُ أَمْكَنَ. وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ هَلْ يَحْنَثُ بِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ لِلشَّكِّ فِي ذَلِكَ. وَالْوَرَعُ أَنَّهُ يَلْتَزِمُ الْحِنْثَ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهَا) أَيْ بَلْ الِاشْتِغَالُ بِهَا فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِهَا أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِخُصُوصِهِ. أَمَّا مَا وَرَدَ فِيهِ ذَلِكَ كَقِرَاءَةِ الْكَهْفِ وَالتَّسْبِيحِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ، فَالِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلُ.
(قَوْلُهُ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَشْغَلَ إلَخْ) شَمَلَ مَا لَوْ قَطَعَ بِعَدَمِ فَوَاتِهَا، وَنَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَخْصِيصِ الْإِثْمِ بِالْأَوَّلِ) أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ (قَوْلُهُ: بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ) وَهَذَا جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ فِيهِ مَكْرُوهٌ) أَيْ مُطْلَقًا فَلَا تَتَقَيَّدُ الْكَرَاهَةُ بِهَذَا الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُمْ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ) خِلَافًا لحج وَيَلْحَقُ بِهِ: أَيْ الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ كُلُّ مَحِلٍّ يُعْلَمُ وَهُوَ فِيهِ وَقْتُ الشُّرُوعِ فِيهَا وَيَتَيَسَّرُ لَهُ لُحُوقُهَا (قَوْلُهُ: كَالْكِتَابَةِ) أَيْ لِمَا طُلِبَ كِتَابَتُهُ كَالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ نَعَمْ) أَيْ فَيَحْرُمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ) هُوَ قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّانِي إلَخْ: أَيْ وَهُوَ ثَمَنُ مِثْلِهِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. .
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .