المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لَا يَتَّهِمُهُ الْمَيِّتُ كَوَارِثٍ وَعَدُوٍّ وَحَاسِدٍ: أَيْ إنْ كَانَ ثَمَّ - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - جـ ٢

[الرملي، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابٌ يَشْتَمِلُ عَلَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَوَانِعِهَا]

- ‌[مِنْ شُرُوط الصَّلَاة سَتْرُ الْعَوْرَةِ]

- ‌عَوْرَةُ الرَّجُلِ)

- ‌[عَوْرَةُ الْحُرَّةِ]

- ‌[مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاة الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ]

- ‌[مِنْ شُرُوطُ الصَّلَاةِ طَهَارَةُ النَّجَسِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ]

- ‌(تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِالنُّطْقِ) عَمْدًا بِكَلَامِ مَخْلُوقٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا] [

- ‌لَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ)

- ‌[رَدُّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[لَا تَجِبُ إجَابَةُ الْأَبَوَيْنِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[بُطْلَانُ الصَّلَاة بِالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ]

- ‌[بُطْلَانُ الصَّلَاة بِقَلِيلِ الْأَكْلِ]

- ‌[الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الصَّلَاةُ حَاقِنًا بِالْبَوْلِ أَوْ حَاقِبًا بِالْغَائِطِ أَوْ حَازِقًا لِلرِّيحِ]

- ‌[كَرَاهَة البصق فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا قِبَلَ وَجْهِهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ]

- ‌[الْفَرْقَعَةُ فِي الصَّلَاة أَوْ تَشْبِيكُ الْأَصَابِع]

- ‌[الصَّلَاةُ فِي الْكَنِيسَةِ وَالْبِيعَةِ]

- ‌[الصَّلَاةُ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ]

- ‌[الصَّلَاةُ فِي الْحَمَّامِ]

- ‌[الصَّلَاةُ فِي الْمَقْبَرَةِ الطَّاهِرَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ سَبَبِ سُجُودِ السَّهْوِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[كَيْفِيَّةُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ]

- ‌(بَابٌ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ

- ‌[سَجَدَاتُ التِّلَاوَةِ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً]

- ‌سَجْدَةُ الشُّكْرِ

- ‌[بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَهِيَ قِسْمَانِ] [

- ‌قِسْمٌ لَا يُسَنُّ فِيهِ النَّفَلُ جَمَاعَةً]

- ‌ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً (الْوِتْرُ)

- ‌مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا تُسَنُّ لَهُ جَمَاعَةٌ (الضُّحَى)

- ‌[مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا تُسَنُّ لَهُ جَمَاعَةٌ تَحِيَّةُ الْمَسْجِد]

- ‌[مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا تُسَنُّ لَهُ جَمَاعَةٌ رَكْعَتَانِ عِنْدَ السَّفَر]

- ‌قِسْمٌ) مِنْ النَّفْلِ (يُسَنُّ جَمَاعَةً)

- ‌[حُكْمُ التَّهَجُّد]

- ‌(كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ) وَأَحْكَامِهَا

- ‌ الْجَمَاعَةُ (فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ) وَالْخُنْثَى (أَفْضَلُ)

- ‌أَفْضَلُ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ

- ‌[أَعْذَارُ تَرْكُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ آدَابِهَا وَبَعْضِ مَكْرُوهَاتِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ أَيْضًا

- ‌فَصْلٌ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ أَيْضًا

- ‌[فَصْلٌ فِي زَوَالِ الْقُدْوَةِ وَإِيجَادِهَا وَإِدْرَاكِ الْمَسْبُوقِ الرَّكْعَةَ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ]

- ‌(بَابُ) كَيْفِيَّةِ (صَلَاةِ الْمُسَافِرِ)

- ‌فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَتَوَابِعِهَا

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌[شُرُوطُ جَمْعِ التَّقْدِيمِ]

- ‌[شُرُوطُ التَّقْدِيمِ فِي صَلَاةِ الْجَمْعِ عِنْدَ الْمَطَرِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[شُرُوطُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الْجَمْعِ لِعُذْرِ الْمَطَرِ]

- ‌[شُرُوطُ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[أَرْكَانُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[شُرُوطُ الْخُطْبَتَيْنِ فِي الْجُمُعَة]

- ‌فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَحْصُلُ بِهِ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ وَمَا لَا تُدْرَكُ بِهِ]

- ‌[الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إدْرَاكُ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ]

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي حُكْمُ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ وَشُرُوطُهُ]

- ‌[بَابٌ كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلِ كَوْنُ الْعَدُوِّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ الْأَنْوَاعِ كَوْنُ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ أَنْ تَقِفَ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَحْرُسُ وَهُوَ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[النَّوْعُ الرَّابِعِ أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ إنْ ذَكَرَ وَمَا لَا يَجُوزُ

- ‌بَابٌ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ

- ‌[حُكْمُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَكَيْفِيَّتَهَا]

- ‌[وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ]

- ‌[وَقْتُ تَكْبِير الْعِيد]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِالْعِيدِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌(بَابٌ) فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ

- ‌ كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌[آدَابِ الْمُحْتَضَرِ]

- ‌ بَيَانِ الْغَاسِلِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ وَتَوَابِعِهِمَا

- ‌ كَيْفِيَّةِ حَمْلِ الْمَيِّتِ

- ‌فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ

- ‌[شُرُوطُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ]

- ‌ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌[تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّفْنِ وَتَأْخِيرُهَا عَنْ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ]

- ‌[فَرْعٌ فِي بَيَانِ الْأَوْلَى بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ]

- ‌ الصَّلَاةُ (عَلَى الْكَافِرِ)

- ‌[حُكْم الصَّلَاة عَلَى السقط]

- ‌ الْمَيِّتُ إمَّا شَهِيدٌ أَوْ غَيْرُهُ

الفصل: لَا يَتَّهِمُهُ الْمَيِّتُ كَوَارِثٍ وَعَدُوٍّ وَحَاسِدٍ: أَيْ إنْ كَانَ ثَمَّ

لَا يَتَّهِمُهُ الْمَيِّتُ كَوَارِثٍ وَعَدُوٍّ وَحَاسِدٍ: أَيْ إنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ وَإِلَّا لَقَّنَهُ وَإِنْ اتَّهَمَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَلْقِينِهِ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عليه الصلاة والسلام غَيْرُ صَحِيحٍ بِأَنَّ ذَاكَ لِسَبَبٍ لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ فَاخْتَارَهُ وَ (بِلَا إلْحَاحٍ) عَلَيْهِ لِئَلَّا يَضْجَرَ فَإِنْ قَالَهَا لَمْ تُعَدْ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ وَلَوْ بِغَيْرِ كَلَامِ الدُّنْيَا خِلَافًا لِلصَّيْمَرِيِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لِتَكُونَ هِيَ آخِرَ كَلَامِهِ، فَقَدْ صَحَّ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَفِي الْمَجْمُوعِ: أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى مَرَّةٍ، وَقِيلَ يُكَرِّرُهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ ذَكَرَهَا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا فَذَاكَ وَإِلَّا سَكَتَ يَسِيرًا، ثُمَّ يُعِيدُهَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَالتَّلْقِينُ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَإِنْ ظَنَّ بَقَاءَ حَيَاتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ، وَقَالَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ: إنْ أَمْكَنَ جَمْعُهُمَا فُعِلَا مَعًا وَإِلَّا قَدَّمَ التَّلْقِينَ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ فِيهِ أَثْبَتُ، وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ فَيُسَنُّ تَلْقِينُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ يَقْرُبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُمَيِّزِ، وَعَلَيْهِ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ هَذَا وَعَدَمِ نَدْبِ تَلْقِينِهِ بَعْدَ الدَّفْنِ مُطْلَقًا بِأَنَّ هَذَا لِلْمَصْلَحَةِ وَثَمَّ لِئَلَّا يُفْتَتَنُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ وَهَذَا لَا يُفْتَتَنُ.

(وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ) سُورَةُ (يس) نَدْبًا لِخَبَرِ «أَقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس» أَيْ مَنْ حَضَرَهُ مُقَدِّمَاتُ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِمَا أَخَذَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَبَعْضِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلَك أَنْ تَقُولَ: لَا مَانِعَ مِنْ إعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، فَحَيْثُ قِيلَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يَكُونَ عَقْلُهُ حَاضِرًا وَإِنْ ظَهَرَ لَنَا خِلَافُهُ وَإِنْ كُنَّا لَا نُرَتِّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: كَوَارِثٍ وَعَدُوٍّ إلَخْ) لَوْ كَانَ فَقِيرًا لَا شَيْءَ لَهُ فَالْوَجْهُ أَنَّ الْوَارِثَ كَغَيْرِهِ. قَالَ حَجّ: فَإِنْ حَضَرَ عَدُوٌّ وَوَارِثٌ فَالْوَارِثُ؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ لِقَوْلِهِمْ لَوْ حَضَرَ وَرَثَةٌ قُدِّمَ أَشْفَقُهُمْ اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ حَضَرَ الْعَدُوُّ وَالْحَاسِدُ وَيَنْبَغِي خَاصَّةً تَقْدِيمُ الْحَاسِدِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَخَفُّ مِنْ ضَرَرِ الْعَدُوِّ اهـ (قَوْلُهُ: الرَّفِيقُ الْأَعْلَى) أَيْ أُرِيدَ إلَخْ. قَالَ حَجّ فِي فَتَاوِيهِ الْحَدِيثِيَّةِ: قِيلَ هُوَ أَعْلَى الْمَنَازِلِ كَالْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى الْجَنَّةِ فَمَعْنَاهُ: أَسْأَلُك يَا اللَّهُ أَنْ تُسْكِنَنِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أُرِيدُ لِقَاءَك يَا اللَّهُ يَا رَفِيقُ يَا أَعْلَى. وَالرَّفِيقُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ» فَكَأَنَّهُ طَلَبَ لِقَاءَ اللَّهِ.

(قَوْلُهُ: غَيْرُ صَحِيحٍ) أَيْ فَلَوْ أَتَى بِهِ لَمْ تَحْصُلْ سُنَّةُ التَّلْقِينِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهِ) أَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: بِلَا إلْحَاحٍ) قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَاتِ: فَإِنْ قُلْت: إذَا كُنْتُمْ مَعَاشِرَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَقُولُونَ إنَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا دَخَلَ الْجَنَّةَ لَا مَحَالَةَ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ مَنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ النَّارَ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَهَذَا الَّذِي تُلَقِّنُونَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ إذَا كَانَ مُؤْمِنًا مَاذَا يَنْفَعُهُ كَوْنُهَا آخِرَ كَلَامِهِ؟ قُلْت: لَعَلَّ كَوْنَهَا آخِرَ كَلَامِهِ قَرِينَةُ أَنَّهُ مِمَّنْ يَعْفُو اللَّهُ عَنْ جَرَائِمِهِ فَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَصْلًا كَمَا جَاءَ فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ، وَإِذَا كُنَّا لَا نَمْنَعُ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُؤَاخِذُهُ بِذُنُوبِهِ فَضْلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا، فَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَنْصِبَ اللَّهُ تَعَالَى النُّطْقَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ آخِرَ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ أَمَارَةً دَالَّةً عَلَى أَنَّهُ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِغَيْرِ كَلَامِ الدُّنْيَا) أَيْ وَلَوْ بِكَلَامٍ نَفْسِيٍّ بِأَنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ أَوْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ وَلِيٌّ قَالَهُ فِي الْخَادِمِ (قَوْلُهُ: دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَيْ مَعَ الْفَائِزِينَ، وَإِلَّا فَكُلُّ مُسْلِمٍ وَلَوْ مُذْنِبًا مَآلُهُ لَهَا وَلَوْ عُذِّبَ وَطَالَ عَذَابُهُ اهـ سم اهـ عَلَى بَهْجَةٍ، وَمِثْلُهُ فِي حَجّ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَقْرُبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُمَيِّزِ) أَيْ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فَيَخْرُجُ الْمَجْنُونُ، وَفِي سم عَلَى بَهْجَةٍ قَوْلُهُ وَهُوَ قَرِيبٌ فِي الْمُمَيِّزِ لَا يَبْعُدُ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةُ يس) أَيْ بِتَمَامِهَا رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أُسَامَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ قَرَأَهَا وَهُوَ خَائِفٌ أَمِنَ، أَوْ جَائِعٌ شَبِعَ، أَوْ عَطْشَانٌ سُقِيَ، أَوْ عَارٍ كُسِيَ، أَوْ مَرِيضٌ شُفِيَ» اهـ دَمِيرِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ) قَالَ حَجّ وَهُوَ أَوْجَهُ إذْ لَا صَارِفَ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَكَوْنُ الْمَيِّتِ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ لِبَقَاءِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[آدَابِ الْمُحْتَضَرِ]

قَوْلُهُ: فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلَفْظِ الْمَيِّتِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلْنَاهُ فِي حَقِيقَتِهِ تَكُونُ عَلَى بِمَعْنَى عِنْدَ عَلَى أَنَّ الشِّهَابَ حَجّ أَبْقَاهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا حِينَئِذٍ لِبَقَاءِ إدْرَاكِ الْمَيِّتِ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ (قَوْلُهُ: فَحَيْثُ قِيلَ) أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ

ص: 437

يُطْلَبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَيِّتِ كَانَتْ يس أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا أَخْذًا بِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ، وَكَانَ مَعْنَى لَا يُقْرَأُ عَلَى الْمَيِّتِ: أَيْ قَبْلَ دَفْنِهِ، إذْ الْمَطْلُوبُ الْآنَ الِاشْتِغَالُ بِتَجْهِيزِهِ، أَمَّا بَعْدَ دَفْنِهِ فَيَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تَنْفَعُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَا مَانِعَ مِنْ نَدْبِهَا حِينَئِذٍ كَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَحِكْمَةُ قِرَاءَتِهَا تَذْكِيرُهُ بِمَا فِيهَا مِنْ أَحْوَالِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، قِيلَ وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ الرَّعْدُ لِقَوْلِ جَابِرٍ: إنَّهَا تُهَوِّنُ طُلُوعَ الرُّوحِ، وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْجِيلِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْرِيعُهُ مَاءً، فَإِنَّ الْعَطَشَ يَغْلِبُ مِنْ شِدَّةِ النَّزْعِ فَيُخَافُ مِنْهُ إزْلَالُ الشَّيْطَانِ، إذْ وَرَدَ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَاءٍ زُلَالٍ وَيَقُولُ قُلْ لَا إلَهَ غَيْرِي حَتَّى أَسْقِيَك، وَأَقَرَّهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ غَرِيبٌ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا اهـ.

، وَمَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ أَمَارَةِ احْتِيَاجِ الْمُحْتَضَرِ إلَيْهِ، أَمَّا عِنْدَ ظُهُورِهَا فَهُوَ وَاجِبٌ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ.

(وَلْيُحْسِنْ) الْمَرِيضُ نَدْبًا (ظَنَّهُ بِرَبِّهِ) سبحانه وتعالى لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» أَيْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَدَبُّرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ بِسَعَةِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالْأَحَادِيثِ، وَيُنْدَبُ لِلْحَاضِرِينَ أَنْ يُحَسِّنُوهُ وَيُطَمِّعُوهُ فِي رَحْمَتِهِ تَعَالَى، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبَهُ إذَا رَأَوْا مِنْهُ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ، إذْ قَدْ يُفَارِقُ عَلَى ذَلِكَ فَيَهْلِكُ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ وَهَذَا الْحَالُ مِنْ أَهَمِّهَا وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ، وَالْأَظْهَرُ كَمَا فِي

ــ

[حاشية الشبراملسي]

إدْرَاكِ رُوحِهِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَحُصُولِ بَرَكَتِهِ لَهُ كَالْحَيِّ، إذَا صَحَّ السَّلَامُ عَلَيْهِ فَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى. نَعَمْ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي خَبَرٍ غَرِيبٍ «مَا مِنْ مَرِيضٍ يُقْرَأُ عِنْدَهُ يس إلَّا مَاتَ رَيَّانَا وَأُدْخِلَ قَبْرَهُ رَيَّانَا» اهـ رحمه الله (قَوْلُهُ: أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا: أَيْ فَتَكْرِيرُهَا أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِهَا الْمُسَاوِي لِمَا كَرَّرَهُ، وَمِثْلُهُ تَكْرِيرُ مَا حَفِظَهُ مِنْهَا وَلَوْ لَمْ يُحْسِنْهَا بِتَمَامِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ مَطْلُوبٌ فِي ضِمْنِ طَلَبِ كُلِّهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَقْرَأُ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مِثْلِ مَا فِيهَا وَلَعَلَّهُ الْأَقْرَبُ (قَوْلُهُ: إذْ الْمَطْلُوبُ الْآنَ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَا عَلَقَةَ لَهُ بِالِاشْتِغَالِ بِتَجْهِيزِهِ تُطْلَبُ الْقِرَاءَةُ مِنْهُ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الْمَيِّتِ.

[فَائِدَةٌ] قَالَ حَجّ: وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلزَّائِرِ وَالْمُشَيِّعِ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ اهـ. وَيَنْبَغِي حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَتِهِ سِرًّا لِيُوَافِقَ مَا يَأْتِي الشَّارِحُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُكْرَهُ اللَّفْظُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُسَنُّ الِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ سِرًّا اهـ (قَوْلُهُ: تَذْكِيرُهُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا عِنْدَهُ جَهْرًا (قَوْلُهُ: وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ الرَّعْدُ) أَيْ بِتَمَامِهَا إنْ اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَمَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْهَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِ جَابِرٍ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا سِرًّا وَلَوْ أَمَرَهُ الْمُحْتَضَرُ بِالْقِرَاءَةِ جَهْرًا؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ إيلَامٍ لَهُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُمَا فَهَلْ يُقَدِّمُ يس لِصِحَّةِ حَدِيثِهَا أَمْ الرَّعْدَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِمُرَاعَاةِ حَالِ الْمُحْتَضَرِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ شُعُورٌ وَتَذَكُّرٌ بِأَحْوَالِ الْبَعْثِ قَرَأَ سُورَةَ يس وَإِلَّا قَرَأَ سُورَةَ الرَّعْدِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَاءٍ زُلَالٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْمَاءُ الزُّلَالُ الْعَذْبُ اهـ (قَوْلُهُ: حَتَّى أَسْقِيك) أَيْ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْإِيمَانِ إنْ كَانَ عَقْلُهُ حَاضِرًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَقْلُهُ حَاضِرًا وَإِنْ كُنَّا لَا نُشَاهِدُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَلْيُحْسِنْ الْمَرِيضُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرَضُهُ مَخُوفًا، وَيُحْسِنُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ مُخَفَّفَةً وَبِضَمِّهَا أَيْضًا وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ) وَفِي ثِقَاتِ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّ بَعْضَ السَّلَفِ سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُهُ وَالْفُجَّارُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَحْسِنُوا أَعْمَالَكُمْ حَتَّى يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ بِرَبِّكُمْ، مَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ حَسُنَ ظَنُّهُ بِرَبِّهِ، وَمَنْ سَاءَ عَمَلُهُ سَاءَ ظَنُّهُ اهـ مِنْ تَخْرِيجِ الْعَزِيزِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: كَانَتْ يس أَفْضَلَ) لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْجَمْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَكَانَ مَعْنَى لَا يَقْرَأُ عَلَى الْمَيِّتِ) أَيْ الَّذِي هُوَ كَلَامُ غَيْرِ ابْنِ الرِّفْعَةِ، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ.

ص: 438

الْمَجْمُوعِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ اسْتِوَاءُ خَوْفِهِ وَرَجَائِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا، وَفِي الْإِحْيَاءِ: إنْ غَلَبَ دَاءُ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى، أَوْ دَاءُ أَمْنِ الْمَكْرِ فَالْخَوْفُ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اسْتَوَيَا، قِيلَ وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، أَمَّا الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمُحْتَضَرِ فَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ أَنَّهُ كَالْمُحْتَضَرِ فَيَكُونُ رَجَاؤُهُ أَغْلَبَ مِنْ خَوْفِهِ كَمَا مَرَّ، وَالظَّنُّ يَنْقَسِمُ فِي الشَّرْعِ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَحَرَامٍ وَمُبَاحٍ، فَالْوَاجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْحَرَامُ سُوءُ الظَّنِّ بِهِ تَعَالَى وَبِكُلِّ مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُبَاحُ الظَّنُّ بِمَنْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِمُخَالَطَةِ الرَّيْبِ وَالْمُجَاهَرَةِ بِالْخَبَائِثِ، فَلَا يَحْرُمُ ظَنُّ السُّوءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا أَنَّ مَنْ سَتَرَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُظَنَّ بِهِ إلَّا خَيْرٌ، وَمَنْ دَخَلَ مَدْخَلَ السُّوءِ اُتُّهِمَ، وَمَنْ هَتَكَ نَفْسَهُ ظَنَنَّا بِهِ السُّوءَ، وَمِنْ الظَّنِّ الْجَائِزِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَظُنُّ الشَّاهِدُ أَنَّ فِي التَّقْوِيمِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَمَا يَحْصُلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْأَحْكَامِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا وَالْبَيِّنَاتُ عِنْدَ الْحُكَّامِ.

(فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ) نَدْبًا «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ: أَيْ ذَهَبَ، أَوْ شَخَصَ نَاظِرًا إلَى الرُّوحِ أَيْنَ تَذْهَبُ، لَا يُقَالُ: كَيْفَ يَنْظُرُ بَعْدَهَا؟ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَبْقَى فِيهِ مِنْ آثَارِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ عَقِبَ مُفَارَقَتِهَا مَا يَقْوَى بِهِ عَلَى نَوْعِ تَطَلُّعٍ كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا يَأْتِي، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْعَيْنَ أَوَّلُ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الرُّوحُ وَأَوَّلُ شَيْءٍ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَيُسَنُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَقُولَ حَالَ إغْمَاضِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدَ حَمْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ يُسَبِّحُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: اسْتِوَاءُ خَوْفِهِ) أَيْ الْأَلْيَقُ بِهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَالْوَاجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ) بِأَنْ لَا يَظُنَّ بِهِ سُوءًا كَنِسْبَتِهِ لِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُبَاحُ الظَّنُّ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ الْمَنْدُوبَ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْإِجْمَالِ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَسْتَحْضِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَاجِبٌ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ لَا يُظَنَّ بِهِ سُوءٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَكْرُوهَ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ تَأَتِّيه وَقَدْ يُصَوَّرُ بِأَنْ ظَنَّ فِي نَفْسِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْحَمُهُ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ هَذَا، وَقَوْلُهُ فَلَا يَحْرُمُ ظَنُّ السُّوءِ بِهِ يُقَالُ عَلَيْهِ بِأَنَّ عَدَمَ حُرْمَةِ ظَنِّ السُّوءِ لَا يَسْتَلْزِمُ إبَاحَةَ ظَنِّ السُّوءِ بِمَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ) أَيْ وَلَوْ أَعْمَى لِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى بَهْجَةٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يُسَنُّ لَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْ نَفْسِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ بِلَا مَشَقَّةٍ، لَكِنْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ نَدْبَهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ عِنْدَهُ مَنْ يَتَوَلَّاهُ اهـ (قَوْلُهُ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ) فِيهِ تَذْكِيرُ الرُّوحِ وَفِي الْمُخْتَارِ أَنَّهُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (قَوْلُهُ: تَبِعَهُ الْبَصَرُ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: «ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» اهـ عَمِيرَةُ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَنْ يُغَمِّضُ الْآنَ فَيَقُولُ ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِهِ عليه الصلاة والسلام (قَوْلُهُ مَا تَقْوَى بِهِ عَلَى نَوْعِ تَطَلُّعٍ لَهَا) ذَكَرَ حَجّ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَبِعَهُ الْبَصَرُ أَنَّ الْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ تَذْهَبُ عَقِبَ خُرُوجِ الرُّوحِ فَحِينَئِذٍ تَجْمُدُ الْعَيْنُ وَيَقْبُحُ مَنْظَرُهَا (قَوْلُهُ إنَّ الْعَيْنَ أَوَّلُ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ) عِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ: آخِرُ شَيْءٍ إلَخْ، وَفِي الشَّيْخِ عَمِيرَةِ مَا نَصُّهُ: قِيلَ إنَّ الْعَيْنَ آخِرُ شَيْءٍ تُنْزَعُ مِنْهُ الرُّوحُ وَأَوَّلُ شَيْءٍ يُسْرِعُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَالْوَاجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ) اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ الْمَارِّ فِي غُضُونِ الْمَتْنِ نَدْبًا، وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ لَا يَخْلُو عَنْ وَقْفَةٍ وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِحُسْنِ الظَّنِّ الْوَاجِبِ عَدَمُ الْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إذْ الْيَأْسُ مِنْهَا مِنْ الْكَبَائِرِ (قَوْلُهُ: وَالْحَرَامُ) سَكَتَ عَنْ الْمَنْدُوبِ، وَفِي الدَّمِيرِيِّ: وَالْمَنْدُوبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

ص: 439

مَا دَامَ يَحْمِلُهُ (وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ) عَرِيضَةٍ تَعُمُّهُمَا يَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ حِفْظًا لِفَمِهِ عَنْ الْهَوَامِّ وَقُبْحِ مَنْظَرِهِ (وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ) فَيُرَدُّ أَصَابِعُهُ إلَى بَطْنِ كَفِّهِ وَسَاعِدُهُ إلَى عَضُدِهِ وَسَاقُهُ إلَى فَخِذِهِ وَهُوَ إلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَمُدُّهَا تَسْهِيلًا لِغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، فَإِنْ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةَ حَرَارَةٍ، فَإِذَا لُيِّنَتْ الْمَفَاصِلُ لَانَتْ حِينَئِذٍ وَإِلَّا لَمْ يُمْكِنْ تَلْيِينُهَا بَعْدُ.

وَلَوْ احْتَاجَ فِي تَلْيِينِ ذَلِكَ إلَى شَيْءٍ مِنْ الدُّهْنِ فَلَا بَأْسَ، حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِمَا (وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (بِثَوْبٍ) فَقَطْ «؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سُجِّيَ حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ» هُوَ بِالْإِضَافَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ نَوْعٌ مِنْ ثِيَابِ الْقُطْنِ يُنْسَجُ بِالْيَمَنِ (خَفِيفٍ) لِئَلَّا يَحْمِيَهُ فَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ وَيُجْعَلُ طَرَفَاهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ، أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيُسْتَرُ مِنْهُ مَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ مِنْهُ (وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ) بِأَنْ يُوضَعَ فَوْقَ الثَّوْبِ كَمَا اُعْتِيدَ، أَوْ تَحْتَهُ مِنْ حَدِيدٍ كَسَيْفٍ وَمِرْآةٍ وَسِكِّينٍ بِطُولِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ طِينٌ رَطْبٌ، ثُمَّ مَا تَيَسَّرَ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ، وَقَدَّرَهُ أَبُو حَامِدٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا: أَيْ تَقْرِيبًا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُوضَعُ وَإِلَّا فَالسَّيْفُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَظْهَرُ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْحَدِيدِ وَمَا بَعْدَهُ لِلْأَكْمَلِ لَا لِأَصْلِ السُّنَّةِ، وَيُسَنُّ صَوْنُ الْمُصْحَفِ عَنْهُ احْتِرَامًا لَهُ وَأَلْحَقَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ كُتُبَ الْعِلْمِ الْمُحْتَرَمِ (وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ) نَدْبًا مِمَّا هُوَ مُرْتَفِعٌ كَدِكَّةٍ مِنْ غَيْرِ فَرْشٍ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ بِنَدَاوَتِهَا وَلِئَلَّا يَحْمَى عَلَيْهِ الْفَرْشُ فَيُغَيِّرُهُ، فَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً فَلَا بَأْسَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

إلَيْهِ الْفَسَادُ.

(قَوْلُهُ: مَا دَامَ يَحْمِلُهُ) أَيْ إلَى الْمُغْتَسَلِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ إمَامُ الْجِنَازَةِ فَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: يَرْبِطُهَا) بَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: حِفْظًا لِفَمِهِ عَنْ الْهَوَامِّ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: وَالْهَامَّةُ مَا لَهُ سُمٌّ يَقْتُلُ كَالْحَيَّةِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَالْجَمْعُ الْهَوَامُّ مِثْلُ دَابَّةٍ وَدَوَابَّ، وَقَدْ أُطْلِقَتْ الْهَوَامُّ عَلَى مَا يُؤْذِي، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَيُقَالُ لِدَوَابِّ الْأَرْضِ جَمِيعًا الْهَوَامُّ مَا بَيْنَ قَمْلَةٍ إلَى حَيَّةٍ، وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «أَيُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك» وَالْمُرَادُ الْقَمْلُ عَنْ الِاسْتِعَارَةِ بِجَامِعِ الْأَذَى اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ، وَفِيهِ «كَانَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَيَقُولُ: أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ سَامَّةٍ» بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ " وَهَامَّةٍ " الْهَامَّةُ كُلُّ ذَاتِ سُمٍّ يَقْتُلُ وَالْجَمْعُ الْهَوَامُّ، فَأَمَّا مَا يَسُمُّ وَلَا يَقْتُلُ فَهُوَ السَّامَّةُ كَالْعَقْرَبِ وَالزُّنْبُورُ، وَقَدْ تَقَعُ الْهَوَامُّ عَلَى مَا يَدِبُّ مِنْ الْحَيَوَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ كَالْحَشَرَاتِ اهـ، وَهِيَ تُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اسْتِعَارَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ) ظَاهِرُهُ إبَاحَةُ ذَلِكَ وَلَوْ قِيلَ بِنَدْبِهِ حَيْثُ شَقَّ غُسْلُهُ أَوْ تَكْفِينُهُ بِدُونِهِ بَلْ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ إذَا تَوَقَّفَ إصْلَاحُ تَكْفِينِهِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ إزْرَاءَهُ لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ: سُجِّيَ حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ) ظَاهِرُ السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ غُطِّيَ بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم، وَقَضِيَّةُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَذَلِكَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ إلَخْ خِلَافُهُ، فَلَعَلَّ الْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ غُطِّيَ فَوْقَ ثِيَابِهِ فَيَكُونُ اسْتِدْلَالًا عَلَى مُجَرَّدِ السَّتْرِ بِالثَّوْبِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بَعْدَ نَزْعِ الثِّيَابِ.

(قَوْلُهُ: بَقِيَ شَيْءٌ آخَرَ) وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: الْهَاتِفُ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ فَكَيْفَ رَجَعَتْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم إلَيْهِ؟ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ حِينَ سَمَاعِ الْهَاتِفِ مُوَافَقَةُ الطَّالِبِينَ لِعَدَمِ تَجْرِيدِهِ مِنْ ثِيَابِهِ فَلَمْ يَسْتَنِدُوا فِي ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ الْهَاتِفِ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا تُحْمِيَهُ) بِضَمِّ التَّاءِ، قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: حُمَّى النَّارِ بِالْكَسْرِ وَالتَّنَوُّرُ أَيْضًا اشْتَدَّ حَرُّهُ، ثُمَّ قَالَ: وَأُحْمَى الْحَدِيدُ فِي النَّارِ فَهُوَ مَحْمِيٌّ وَلَا تَقُلْ حَمَّاهُ (قَوْلُهُ مَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ مِنْهُ) أَيْ وَهُوَ مَا عَدَا رَأْسِهِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يُوضَعَ فَوْقَ الثَّوْبِ) أَيْ وَهُوَ أَوْلَى كَمَا بَحَثَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَزَعْمُ أَخْذِهِ مِنْ الْمَتْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَالرَّوْضَةِ عَطْفُهُ عَلَى وَضْعِ الثَّوْبِ بِالْوَاوِ حَجّ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ صَوْنُ الْمُصْحَفِ عَنْهُ) بَلْ يَحْرُمُ إنْ مُسَّ أَوْ قُرِّبَ مِمَّا فِيهِ قَذِرٌ وَلَوْ طَاهِرًا أَوْ جُعِلَ عَلَى هَيْئَةِ تَنَافِي تَعْظِيمِهِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: كَدِكَّةٍ مِنْ غَيْرِ فُرُشٍ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ) أَيْ لَا عَلَى الْأَرْضِ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ إلَخْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ بِنَدَاوَتِهَا) لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلضَّمِيرِ مَرْجِعٌ وَلَعَلَّ مَرْجِعَهُ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَلَا يُجْعَلُ عَلَى الْأَرْضِ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ بِنَدَاوَتِهَا

ص: 440

بِوَضْعِهِ عَلَيْهَا (وَنُزِعَتْ) عَنْهُ نَدْبًا (ثِيَابُهُ) الْمَخِيطَةُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ فَسَادُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّوْبُ طَاهِرًا أَمْ نَجِسًا مِمَّا يُغْسَلُ فِيهِ أَمْ لَا أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ (وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ) إنْ أَمْكَنَ (كَمُحْتَضَرٍ) فِيمَا مَرَّ.

نَعَمْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا إلْقَاؤُهُ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهِهِ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِوَضْعِهِ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى جَنْبِهِ كَمَا هُنَا: أَيْ عَقِبَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يُجْعَلُ عَلَى قَفَاهُ بَعْدَهُ، وَكَلَامُهُمْ ثَمَّ فِيهِ عَلَى أَنَّ وَضْعَهُ عَلَى جَنْبِهِ لَا يُنَافِي وَضْعَ شَيْءٍ عَلَى بَطْنِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُوضَعُ طُولًا: أَيْ مَعَ شَدِّهِ بِنَحْوِ خِرْقَةٍ (وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ) جَمِيعَهُ (أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ) نَدْبًا بِأَسْهَلَ مُمْكِنٍ مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ يَتَوَلَّاهُ الرِّجَالُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ مِنْ النِّسَاءِ، فَإِنْ تَوَلَّاهُ رَجُلٌ مَحْرَمٌ مِنْ الْمَرْأَةِ أَوْ امْرَأَةٌ مَحْرَمٌ مِنْ الرَّجُلِ جَازَ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ جَوَازَهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَعَكْسُهُ مَعَ الْغَضِّ وَعَدَمِ الْمَسِّ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَالْمَحْرَمِ فِيمَا ذُكِرَ الزَّوْجَانِ بِالْأَوْلَى.

(وَيُبَادَرُ) بِفَتْحِ الدَّالِ نَدْبًا (بِغُسْلِهِ إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ) إكْرَامًا لَهُ وَإِلَّا تُرِكَ وُجُوبًا إلَى تَيَقُّنِهِ بِتَغَيُّرٍ وَنَحْوِهِ لِاحْتِمَالِ إغْمَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَمِنْ أَمَارَاتِهِ اسْتِرْخَاءُ قَدَمِهِ، أَوْ مَيْلِ أَنْفِهِ، أَوْ انْخِلَاعِ كَفِّهِ، أَوْ انْخِفَاضِ صُدْغِهِ، أَوْ تَقَلُّصِ خَصْيَيْهِ مَعَ تَدَلِّي جِلْدَتِهِمَا «؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَادَ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ فَقَالَ إنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ، فَإِذَا مَاتَ فَآذِنُونِي بِهِ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَعَجِّلُوا بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ ذِكْرَهُمْ الْعَلَامَاتِ الْكَثِيرَةَ لَهُ إنَّمَا تُفِيدُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ شَكٌّ (وَغُسْلُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَحَمْلُهُ (وَدَفْنُهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ) إجْمَاعًا لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ قَاتِلُ نَفْسِهِ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ، إلَّا فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ) أَيْ وَلَوْ شَهِيدًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَتُعَادُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّكْفِينِ اهـ زِيَادِيٌّ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُرَدْ تَغْسِيلُهُ حَالًا، ثُمَّ رَأَيْته فِي سم عَلَى حَجّ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ نَعَمْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قُرْبَ الْغُسْلِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ لَمْ يُنْزَعْ وَإِلَّا نُزِعَ. قَالَ م ر: وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَهُوَ خَوْفُ التَّغَيُّرِ الْمُسْرِعِ لِلْبِلَى، قَالَ: وَلَا يُنَافِيهِ مَا وَرَدَ أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَكْلَ لُحُومِ الْأَنْبِيَاءِ، فَكَيْفَ يُخْشَى إسْرَاعُ الْبِلَى؛ لِأَنَّ هَذَا يُفِيدُ امْتِنَاعَ أَكْلِ الْأَرْضِ لَا التَّغَيُّرَ وَالْبِلَى فِي الْجُمْلَةِ بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم وَلَا يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام غُسِّلَ فِي ثَوْبِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ رَأَوْا بَقَاءَهُ عَلَيْهِ أَصْلَحَ لَهُ عليه الصلاة والسلام أَوْ أَنَّهُ نُزِعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأُعِيدَ قُبَيْلَ الْغُسْلِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يُغَسَّلُ فِيهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.

وَعِبَارَةُ حَجّ: نَعَمْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ بَقَاءَ قَمِيصِهِ الَّذِي يُغَسَّلُ فِيهِ إنْ كَانَ طَاهِرًا، إذْ لَا مَعْنَى لِنَزْعِهِ ثُمَّ إعَادَتِهِ لَكِنْ يُشَمِّرُ لِحَقْوِهِ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ، وَيُؤَيِّدُهُ تَقْيِيدُ الْوَسِيطِ الثِّيَابَ الْمُدَّفِئَةَ اهـ (قَوْلُهُ: وَعَدَمِ الْمَسِّ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ مَا ذَكَرَ وَمَالَ إلَيْهِ م ر اهـ (قَوْلُهُ: وَهُوَ بَعِيدٌ) أَيْ فَيَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِرُؤْيَةِ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا تُرِكَ وُجُوبًا) يَنْبَغِي أَنَّ الَّذِي يَجِبُ تَأْخِيرُهُ هُوَ الدَّفْنُ دُونَ الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ فَإِنَّهُمَا بِتَقْدِيرِ حَيَاتِهِ لَا ضَرُورَةَ فِيهِمَا، نَعَمْ إنْ خِيفَ مِنْهُمَا ضَرَرٌ بِتَقْدِيرِ حَيَاتِهِ امْتَنَعَ فِعْلُهُمَا (قَوْلُهُ: مَعَ تَدَلِّي جِلْدَتِهِمَا) أَيْ وَيُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى ذَلِكَ بِرُؤْيَةِ حَلِيلَتِهِ أَوْ وُقُوعِ ذَلِكَ بِلَا قَصْدٍ مِنْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ تَبْقَى بَيْنَ ظُهُورِ أَهْلِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ، قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: يُقَالُ هُوَ نَازِلٌ بَيْنَ ظَهْرَيْهِمْ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَظَهْرَانَيْهِمْ بِفَتْحِ النُّونِ وَلَا تَقُلْ ظَهْرَانِيهِمْ بِكَسْرِ النُّونِ اهـ (قَوْلُهُ: وَغُسْلُهُ إلَخْ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: فَرْعٌ: لَوْ غَسَّلَ الْمَيِّتُ نَفْسَهُ كَرَامَةً فَهَلْ يَكْفِي؟ لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ يَكْفِي، وَلَا يُقَالُ الْمُخَاطَبُ بِالْفَرْضِ غَيْرُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ لِعَجْزِهِ فَإِذَا أَتَى بِهِ كَرَامَةً كَفَى.

[فَرْعٌ آخَرُ] لَوْ مَاتَ إنْسَانٌ مَوْتًا حَقِيقِيًّا وَجُهِّزَ ثُمَّ أُحْيِيَ حَيَاةً حَقِيقِيَّةً ثُمَّ مَاتَ فَالْوَجْهُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ تَجْهِيزٌ آخَرُ خِلَافًا لِمَا تُوُهِّمَ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ غَسَّلَ مَيِّتٌ مَيِّتًا آخَرَ. وَفِي فَتَاوَى حَجّ الْحَدِيثِيَّةِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 441

فَمَحَلُّهُمَا فِي الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَيَعُمُّ الْخِطَابُ بِذَلِكَ كُلَّ مَنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، بَلْ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ إنْ نُسِبَ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الْبَحْثِ كَأَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ جَارَهُ (وَأَقَلُّ الْغُسْلِ) وَلَوْ لِنَحْوِ جُنُبٍ (تَعْمِيمُ بَدَنِهِ) بِالْمَاءِ مَرَّةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَرْضُ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا فِي حَقِّ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى، وَبِهِ يُعْلَمُ وُجُوبُ غُسْلِ مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ الثَّيِّبِ عِنْدَ جُلُوسِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْحَيِّ، فَدَعْوَى بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ أَغْفَلُوا ذَلِكَ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّهَا (بَعْدَ)(إزَالَةِ النَّجَسِ) عَنْهُ إنْ كَانَ فَلَا تَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَيِّ مِنْ أَنَّ الْغَسْلَةَ لَا تَكْفِي عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الِاكْتِفَاءَ بِهَا، وَكَأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِدْرَاكَ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا هُنَاكَ فَيَتَّحِدُ الْحُكْمَانِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يُلَوِّحُ بِهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ اشْتِرَاطَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوَّلًا؟ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، لَا يُقَالُ: مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى نَجَاسَةٍ تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، أَوْ أَنَّ مَا هُنَاكَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِهِ فَجَازَ إسْقَاطُهُ وَمَا هُنَا بِغَيْرِهِ فَامْتَنَعَ إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ، وَالثَّانِي عَنْ الْمُدْرَكِ وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدٌ عَلَى الْمَحَلِّ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فَتَكْفِي غَسْلَةٌ لِذَلِكَ (وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ) أَيْ لَا تُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ (فِي الْأَصَحِّ فَيَكْفِي) عَلَى هَذَا (غَرَقُهُ، أَوْ غُسْلُ كَافِرٍ) إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ النَّظَافَةُ وَهِيَ غَيْرُ مُتَوَقِّفَةٍ عَلَى نِيَّةٍ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ غُسْلٌ وَاجِبٌ فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَا يَكْفِي غَرَقُهُ وَلَا غُسْلُ كَافِرٍ عَلَى هَذَا فَيَنْوِي الْغُسْلَ الْوَاجِبَ، أَوْ غُسْلَ الْمَيِّتِ (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ غُسْلِ الْغَرِيقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنَّا إلَّا بِفِعْلِنَا وَإِنْ شَاهَدْنَا الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ؛ لِأَنَّا تَعَبَّدْنَا بِفِعْلِنَا لَهُ بِخِلَافِ الْكَفَنِ وَمِثْلُهُ الدَّفْنُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ السَّتْرُ وَلِذَلِكَ يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ دُونَ التَّكْفِينِ، وَالْأَوْجَهُ سُقُوطُهُ بِتَغْسِيلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ وَالِاكْتِفَاءُ بِتَغْسِيلِ الْجِنِّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَنْ أُحْيِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ بِأَنْ أَخْبَرَ بِهِ مَعْصُومٌ ثَبَتَتْ لَهُ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْمَوْتَى مِنْ قِسْمَةِ تَرِكَتِهِ وَنِكَاحِ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْحَيَاةَ الثَّانِيَةَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ تَشْرِيعٌ لِمَا لَمْ يَرِدْ هُوَ وَلَا نَظِيرُهُ بَلْ وَلَا مَا يُقَارِبُهُ، وَتَشْرِيعُ مَا هُوَ كَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ بِلَا شَكٍّ اهـ: أَيْ وَعَلَيْهِ فَمَنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَجِبُ مُوَارَاتُهُ فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مَوْتُهُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ بِهِ غَشْيٌ أَوْ نَحْوُهُ (قَوْلُهُ: فَمَحَلُّهُمَا فِي الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ) أَيْ وَإِلَّا فِي الذِّمِّيِّ فَتَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ غُسْلُهُ (قَوْلُهُ: فَيَتَّحِدُ الْحُكْمَانِ) وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَوَصْفِهَا (قَوْلُهُ: أَوْ غُسْلِ كَافِرٍ) أَيْ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ بِالْغُسْلِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِفِعْلِهِمَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَالْأَوْجَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْكَفَنِ) أَيْ فَإِنَّا لَمْ نَتَعَبَّدْ بِهِ بَلْ وَجَبَ لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ وَهُوَ سَتْرُهُ، وَأَمَّا الْغُسْلُ فَلَيْسَ لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ فَقَطْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَقِبَ اغْتِسَالِهِ بِالْمَاءِ يَجِبُ غُسْلُهُ، وَأَنَّا لَوْ عَجَزْنَا عَنْ طَهَارَتِهِ بِالْمَاءِ وَجَبَ تَيَمُّمُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا نَظَافَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الدَّفْنُ) وَمِثْلُهُمَا الْحَمْلُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: بِتَغْسِيلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ) أَيْ مِنْ نَوْعِ بَنِي آدَمَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَبْلُ: وَإِنْ شَاهَدْنَا الْمَلَائِكَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِتَغْسِيلِ الْجِنِّ) خِلَافًا لحج ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، وَلَا فَرْقَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ مِنْهُمْ بَيْنَ اتِّحَادِ الْمَيِّتِ وَالْمُغَسِّلِ مِنْهُمْ فِي الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ وَاخْتِلَافِهِمَا فِي ذَلِكَ، كَمَا لَوْ غَسَّلَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرًا أَجْنَبِيًّا فَإِنَّهُ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهَا ذَلِكَ يَسْقُطُ بِهِ الطَّلَبُ عَنَّا. وَفِي سم عَلَى حَجّ تَقْيِيدُ الْجِنِّيِّ بِالذُّكُورَةِ اهـ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: إنَّهُ) أَيْ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ، وَلَك أَنْ تَقُولَ: مِنْ أَيْنَ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ لَا تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي عَنْ الْمُدْرَكِ) لَك أَنْ تَقُولَ: لَا يَضُرُّ خُرُوجُهُ عَنْ الْمُدْرَكِ لِمَا خَلْفَنَا مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالْغَيْرِ

ص: 442

كَمَا مَرَّ مِنْ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِمْ (وَالْأَكْمَلُ وَضْعُهُ بِمَوْضِعٍ خَالٍ) عَنْ النَّاسِ، لَا يَدْخُلُهُ إلَّا الْغَاسِلُ وَمُعِينُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِبَدَنِهِ مَا يُخْفِيهِ، وَلِلْوَلِيِّ الدُّخُولُ وَإِنْ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُعَنْ لِحِرْصِهِ عَلَى مَصْلَحَتِهِ وَقَدْ غَسَّلَهُ صلى الله عليه وسلم عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ يُنَاوِلُ الْمَاءَ وَالْعَبَّاسُ وَاقِفٌ، ثُمَّ وَهُوَ مُقَيَّدٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ، وَإِلَّا فَكَأَجْنَبِيٍّ، وَمُرَادُهُ بِالْوَلِيِّ أَقْرَبُ الْوَرَثَةِ (مَسْتُورٍ) عَنْهُمْ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ كَمَا فِي الْأُمِّ (عَلَى لَوْحٍ) ، أَوْ سَرِيرٍ هُيِّئَ لِذَلِكَ لِئَلَّا يُصِيبَهُ الرَّشَاشُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَالْأَكْمَلُ وَضْعُهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْأَكْمَلِ إذْ بَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ أُخَرُ، وَالتَّعْبِيرُ بِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْحَالَةِ فِيهِ كَمَالٌ، وَهُوَ مُشْكِلٌ بِأَنَّ تَغْسِيلَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ مَكْرُوهٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ أَكْمَلَ بِمَعْنَى كَامِلٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ التَّفْضِيلِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى أَصْلِ الْفِعْلِ، أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَنَّ مَا عَدَاهُ كَامِلٌ مِنْ حَيْثُ أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ عَدَمُ كَمَالٍ مِنْ جِهَةِ أَدَاءِ السُّنَّةِ، وَيُؤَيِّدُ الْجَوَابَ الثَّانِيَ أَخْذُهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ (قَوْلُهُ: عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ عَلِيًّا وَالْفَضْلَ كَانَا يُبَاشِرَانِ الْغُسْلَ فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ عَلَى الشَّمَائِلِ فِي آخِرِ بَابِ مَا جَاءَ فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَنُو أَبِيهِ مَا نَصُّهُ: فَغَسَّلَهُ عَلِيٌّ لِحَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ سَعْدٍ وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْعُقَيْلِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْوَاهِيَاتِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ بِلَفْظِ «أَوْصَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَإِنَّهُ لَا يَرَى عَوْرَتِي أَحَدٌ إلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ» زَادَ بْنُ سَعْدٍ قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ الْفَضْلُ وَأُسَامَةُ يَتَنَاوَلَانِ الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ السَّتْرِ وَهُمَا مَعْصُوبَا الْعَيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فَمَا تَنَاوَلْت عُضْوًا إلَّا كَأَنَّمَا يُقِلُّهُ مَعِي ثَلَاثُونَ رَجُلًا حَتَّى فَرَغْت مِنْ غُسْلِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ «يَا عَلِيُّ لَا يُغَسِّلْنِي إلَّا أَنْتَ فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ» وَالْعَبَّاسُ وَابْنُهُ الْفَضْلُ يُعِينَانِهِ وَقُثَمُ وَأُسَامَةُ وَشُقْرَانُ وَمَوْلَاهُ صلى الله عليه وسلم يَصُبُّونَ الْمَاءَ وَأَعْيُنُهُمْ مَعْصُوبَةٌ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ اهـ. وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي لَعَلَّ الْمُرَادَ لَا يَرَى أَحَدٌ غَيْرُك، أَوْ أَنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إلَّا إلَخْ: أَيْ وَأَنْتَ تُحَافِظُ عَلَى عَدَمِ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ غَيْرِك (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَكَأَجْنَبِيٍّ) أَيْ فَيَكُونُ حُضُورُهُ خِلَافَ الْأَوْلَى بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَالْأَكْمَلُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ بِالْوَلِيِّ أَقْرَبُ الْوَرَثَةِ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ اجْتَمَعَ الِابْنُ وَالْأَبُ أَوْ الْعَمُّ وَالْجَدُّ فَهَلْ يَسْتَوِيَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَدْلَى بِوَاسِطَةِ وَاحِدَةٍ أَوْ لَا؟ وَيَحْتَمِلُ تَقْدِيمَ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ وَتَقْدِيمَ الْجَدِّ عَلَى الْعَمِّ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَنْ الْأَقْرَبُ هُنَا مَنْ أَدْلَى بِجِهَتَيْنِ عَلَى مَنْ أَدْلَى بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُقَدَّمُ الْأَخُ الشَّقِيقُ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَهَكَذَا فِي الْعُمُومَةِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِالْأَقْرَبِ تَقْدِيمُ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْعَمِّ مِنْ الْأُمِّ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ الشَّقِيقِ أَوْ لِلْأَبِ وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْعَمِّ لَهُ عُصُوبَةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْوَرَثَةِ مَا يَشْمَلُ ذَوِي الْأَرْحَامِ، هَذَا وَسَيَأْتِي أَنَّ أَوْلَاهُمْ يُغَسِّلُهُ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الِابْنِ فَيَكُونَانِ مُقَدَّمَيْنِ فِي الْغُسْلِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ فَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُ مَا هُنَا بِهِمَا مَا يَأْتِي، وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ تَقْدِيمُ الْأَشْفَقِ بَلْ رَوْعِي الْأَقْرَبُ.

[فَرْعٌ] لَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُ الْمَيِّتِ وَمُغَسِّلُهُ فِي أَقَلِّ الْغُسْلِ وَأَكْمَلِهِ فِي التَّغْسِيلِ فَلَا يَبْعُدُ اعْتِبَارُ اعْتِقَادِ الْمُغَسِّلِ، وَهَلْ يَجْرِي مَا قِيلَ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ فِي تَغْسِيلِ الذِّمِّيِّ حَتَّى إنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَاسِلِ أَنْ يُوَضِّئَهُ كَوُضُوءِ الْحَيِّ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. أَقُولُ وَقَوْلُهُ يَجُوزُ لِلْغَاسِلِ الْأَوْلَى يُطْلَبُ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ طَلَبَ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْكَافِرِ مِنْ أَصْلِهِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فَلَا يُطْلَبُ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ. أَمَّا الْجَوَازُ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُ الْوَلِيِّ وَالْغَاسِلِ فَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ) هُوَ مُسَاوٍ لِقَوْلِ غَيْرِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ. . إلَخْ،

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 443

وَيَكُونُ عَلَيْهِ مُسْتَلْقِيًا كَاسْتِلْقَاءِ الْمُحْتَضَرِ لِكَوْنِهِ أَمْكَنَ لِغُسْلِهِ (وَيُغَسَّلُ) نَدْبًا (فِي قَمِيصٍ) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ «وَقَدْ غُسِّلَ صلى الله عليه وسلم فِي قَمِيصٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَذَلِكَ «لَمَّا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي غُسْلِهِ هَلْ نُجَرِّدُهُ أَمْ نُغَسِّلُهُ فِي ثِيَابِهِ فَغَشِيَهُمْ النُّعَاسُ وَسَمِعُوا هَاتِفًا يَقُولُ: لَا تُجَرِّدُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي رِوَايَةٍ: غَسِّلُوهُ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ» ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِالْبَاءِ: أَيْ سَخِيفًا بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَوِيَّ يَحْبِسُ الْمَاءَ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَطَّى وَجْهُهُ بِخِرْقَةٍ أَوَّلَ مَا يَضَعُهُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ، ذَكَرَهُ الْمَازِنِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ.

وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُ (بِمَاءٍ بَارِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ وَالْمُسَخَّنُ: يُرْخِيهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْمُسَخَّنِ لِوَسَخٍ، أَوْ بَرْدٍ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَوْلَى، وَلَا يُبَالَغُ فِي تَسْخِينِهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَالْمَاءُ الْمَالِحُ أَوْلَى مِنْ الْعَذْبِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ، قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَسَّلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ لِلْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعِدَّ الْمَاءَ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ وَيُبْعِدَهُ عَنْ الرَّشَاشِ لِئَلَّا يُقَذِّرَهُ، أَوْ يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا، وَيُعِدُّ مَعَهُ إنَاءَيْنِ آخَرَيْنِ صَغِيرًا وَمُتَوَسِّطًا، يَغْرِفُ بِالصَّغِيرِ مِنْ الْكَبِيرِ وَيَصُبُّهُ فِي الْمُتَوَسِّطِ، ثُمَّ يُغَسِّلُهُ بِالْمُتَوَسِّطِ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.

(وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ) بِرِفْقٍ (مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ) قَلِيلًا لِيَسْهُلَ خُرُوجُ مَا فِي بَطْنِهِ (وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نَقْرَةِ قَفَاهُ) لِئَلَّا تَمِيلَ رَأْسُهُ (وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى) لِئَلَّا يَسْقُطَ (وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا) أَيْ مُكَرَّرًا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَعَ نَوْعِ تَحَامُلٍ لَا مَعَ شِدَّةٍ؛ لِأَنَّ احْتِرَامَ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ) مِنْ الْفَضَلَاتِ خَشْيَةً مِنْ خُرُوجِهَا بَعْدَ غُسْلِهِ، أَوْ تَكْفِينِهِ، وَتَكُونُ الْمِبْخَرَةُ حِينَئِذٍ مُتَّقِدَةً بِالطِّيبِ كَالْعُودِ وَالْمُعِينُ مُكْثِرًا لِصَبِّ الْمَاءِ لِيُخْفِيَ رِيحَ الْخَارِجِ، بَلْ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ يُسَنُّ أَنْ يُبَخَّرَ عِنْدَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ شَيْءٍ فَتَغْلِبُهُ رَائِحَةُ الْبَخُورِ (ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ) أَيْ مُسْتَلْقِيًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا (وَيُغَسِّلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ) مَلْفُوفَةٌ بِهَا (سَوْأَتَيْهِ) أَيْ قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ وَكَذَا مَا حَوْلَهَا، كَمَا يَسْتَنْجِي الْحَيُّ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَالْأَوْلَى خِرْقَةٌ لِكُلِّ سَوْأَةٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُبَاعَدَةَ عَنْ هَذَا الْمَحَلِّ أَوْلَى،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَمِثْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ فَالْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ مُتَرَادِفَةٌ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ أَمْكَنَ) أَيْ أَسْهَلَ (قَوْلُهُ: وَسَمِعُوا هَاتِفًا يَقُولُ) إنْ قُلْت: الْهَاتِفُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ. قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اجْتِهَادٌ مِنْهُمْ بَعْدَ سَمَاعِ الْهَاتِفِ فَاسْتَحْسَنُوا هَذَا الْفِعْلَ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ، فَالِاسْتِدْلَالُ إنَّمَا هُوَ بِإِجْمَاعِهِمْ لَا بِسَمَاعِ الْهَاتِفِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَالِيًا أَيْ سَخِيفًا) تَفْسِيرُهُ بِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُرَادِفٌ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: سَخُفَ الثَّوْبُ سُخْفًا وِزَانُ قَرُبَ قُرْبًا، وَسَخَافَةً بِالْفَتْحِ رَقَّ لِقِلَّةِ غَزْلِهِ فَهُوَ سَخِيفٌ، وَمِنْهُ رَجُلٌ سَخِيفٌ وَفِي عَقْلِهِ سُخْفٌ: أَيْ نَقْصٌ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ: بَالِيًا أَوْ سَخِيفًا، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَطَّى وَجْهُهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَظِنَّةُ التَّغَيُّرِ وَلَا يَنْبَغِي إظْهَارُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ الْمَالِحُ أَوْلَى) أَيْ أَصَالَةً فَلَا يَنْدُبُ مَزْجُ الْعَذْبِ بِالْمِلْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَسَّلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ) أَيْ فَيَكُونُ الْغُسْلُ بِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى.

(قَوْلُهُ: مَعَ نَوْعِ تَحَامُلٍ) أَيْ قَلِيلٍ (قَوْلُهُ: لَا مَعَ شِدَّةٍ) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَأَضَرَّهُ التَّحَامُلُ اهـ كَذَا بِهَامِشٍ عَنْ الشَّيْخِ صَالِحٍ الْبُلْقِينِيِّ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ شَيْءٍ) يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَحَلٍّ وَحْدَهُ لَا يُسَنُّ ذَلِكَ مَا دَامَ وَحْدَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمَلَائِكَةُ تَحْضُرُ عِنْدَ الْمَيِّتِ فَتَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عِنْدَهُمْ وَهُمْ يَتَأَذَّوْنَ بِالرَّائِحَةِ الْخَبِيثَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ خَالِيًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ) فِي تَعْبِيرِهِ بِالِاضْطِجَاعِ تَجُوزُ وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى قَفَاهُ فَفِي الْمُخْتَارِ: ضَجَعَ الرَّجُلُ وَضَعَ جَنْبُهُ بِالْأَرْضِ وَبَابُهُ قَطَعَ وَخَضَعَ فَهُوَ ضَاجِعٌ وَأَضْجَعَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُبَاعَدَةَ عَنْ هَذَا الْمَحَلِّ أَوْلَى) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْجُمْهُورُ رَأَوْا أَنَّ الْإِسْرَاعَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَالْبُعْدَ عَنْهُ أَوْلَى

ص: 444

وَلَفُّ الْخِرْقَةِ وَاجِبٌ لِحُرْمَةِ مَسِّ شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ بِلَا حَائِلٍ.

(ثُمَّ يَلُفُّ) خِرْقَةً (أُخْرَى) عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى بَعْدَ أَنْ يُلْقِيَ الْأُولَى وَيُغَسِّلُ يَدَهُ بِمَاءٍ وَأُشْنَانٍ، أَوْ نَحْوِهِ إنْ تَلَوَّثَتْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ) السَّبَّابَةَ (فَمَهُ) كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ مِنْ الْيُسْرَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَكُونُ مَبْلُولَةً بِالْمَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يُزِيلُ مَا فِي أَنْفِهِ بِيَسَارِهِ، وَفَارَقَ الْحَيَّ حَيْثُ يَتَسَوَّكُ بِالْيُمْنَى لِلْخِلَافِ، وَلِأَنَّ الْقَذِرَ ثَمَّ لَا يَتَّصِلُ بِالْيَدِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ لِئَلَّا يَسْبِقَ الْمَاءُ لِجَوْفِهِ فَيُسْرِعُ فَسَادُهُ (وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ) كَمَا فِي الْحَيِّ (وَيُزِيلُ) بِأُصْبُعِهِ الْخِنْصَرِ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ (مَا فِي مَنْخِرَيْهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا وَبِكَسْرِ الْخَاءِ (مِنْ أَذَى) كَمَا فِي مَضْمَضَةِ الْحَيِّ وَاسْتِنْشَاقِهِ (وَيُوَضِّئُهُ) بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ (كَالْحَيِّ) ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ، وَيُمِيلُ رَأْسَهُ فِيهِمَا كَيْ لَا يَسْبِقَ الْمَاءُ جَوْفَهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُنْدَبْ فِيهِمَا مُبَالَغَةٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يَكْفِي عَنْهُمَا مَا مَرَّ آنِفًا؛ لِأَنَّهُ كَالسِّوَاكِ وَزِيَادَةٌ فِي التَّنْظِيفِ، وَيَتْبَعُ بِعُودٍ لَيِّنٍ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ إنْ لَمْ يُقَلِّمْهَا، وَظَاهِرُ أُذُنَيْهِ وَصِمَاخَيْهِ، وَالْأَوْلَى كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ غُسْلِهِ بَعْدَ تَلْيِينِهَا بِالْمَاءِ لِيَتَكَرَّرَ غُسْلُ مَا تَحْتَهَا.

وَالْأَوْجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يَنْوِي بِالْوُضُوءِ الْوُضُوءَ الْمَسْنُونَ كَمَا فِي الْغُسْلِ (ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ، ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ) كَخَطْمِيٍّ، وَالسِّدْرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكُ لِلْبَدَنِ وَأَقْوَى لِلْجَسَدِ وَلِلنَّصِّ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ (وَيُسَرِّحُهُمَا) أَيْ شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتَهُ إنْ تَلَبَّدَ فَهُوَ شَرْطٌ لِتَسْرِيحِهِمَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَاتٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ تَسْرِيحِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مِثْلُهُ وَأَضْجَعَهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ مَسِّ شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ) أَيْ وَلَوْ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْت حَجّ صَرَّحَ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ بِلَا حَائِلٍ: حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ اهـ. لَكِنْ نَقَلَ سم عَلَى حَجّ عَنْ الشَّارِحِ فِيمَا يَأْتِي تَقْيِيدُ الْوُجُوبِ بِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ اهـ. وَيُتَوَقَّفُ فِيهِ بِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَلُفَّانِ خِرْقَةً وَلَا مَسَّ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُقَالُ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ لَفِّ الْخِرْقَةِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ فِي لَفٍّ وَاجِبٍ وَهُوَ شَامِلٌ لَهُمَا وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَلُفُّ) مِنْ بَابِ رَدَّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ) أَيْ يُسَنُّ أَنْ لَا يَفْتَحَ أَسْنَانَهُ، فَلَوْ خَالَفَ وَفَتَحَ فَإِنْ عَدَّ إزْرَاءٌ أَوْ وَصَلَ الْمَاءُ لِجَوْفِهِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا نَعَمْ لَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ وَكَانَ يَلْزَمُهُ طُهْرُهُ لَوْ كَانَ حَيًّا وَتَوَقَّفَ عَلَى فَتْحِ أَسْنَانِهِ اُتُّجِهَ فَتْحُهَا وَإِنْ عَلِمَ سَبْقَ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ (قَوْلُهُ: وَبِكَسْرِ الْخَاءِ) وَقِيلَ بِفَتْحِهِمَا، وَقِيلَ بِضَمِّهِمَا، وَقِيلَ بِكَسْرِهِمَا اهـ حَجّ. وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ قَدْ تُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا اهـ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي عَنْهُمَا) أَيْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ (قَوْلُهُ مَا مَرَّ آنِفًا) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيَتْبَعُ بِعُودٍ) أَيْ وُجُوبًا إنْ عَلِمَ أَنَّ تَحْتَهَا مَا يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ وَإِلَّا فَنَدْبًا، وَلَا فَرْقَ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِمَا ذُكِرَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَيِّتِ عَظِيمًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: إنَّهُ يَنْوِي) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: الْوُضُوءَ الْمَسْنُونَ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي وُضُوءِ الْمَيِّتِ مِنْ النِّيَّةِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ (قَوْلُهُ: وَيُسَرِّحُهُمَا) أَيْ بَعْدَ غَسْلِهِمَا جَمِيعًا، وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ، فَلَوْ غَسَّلَ رَأْسَهُ ثُمَّ سَرَّحَهَا وَفَعَلَ هَكَذَا فِي اللِّحْيَةِ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ إنْ تَلَبَّدَ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَلَبَّدْ لَا يُسَنُّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا (قَوْلُهُ: لِتَسْرِيحِهِمَا مُطْلَقًا) اُنْظُرْ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا وَغَيْرَهُ، وَأَنَّ مُقَابِلَ الْمُعْتَمَدِ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ وَاسِعَ الْأَسْنَانِ أَوْ لَا وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ) رَاجِعٌ إلَى التَّقْيِيدِ بِالسَّبَّابَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عَقِبَهُ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا وَبِكَسْرِ الْخَاءِ) فِي التُّحْفَةِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَكَسْرِهِمَا وَضَمِّهِمَا وَبِفَتْحٍ ثُمَّ كَسْرٍ وَهِيَ أَشْهَرُ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ أُذُنَيْهِ وَصِمَاخَيْهِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَاذَا وَمِثْلُهُ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ شَرْطٌ لِتَسْرِيحِهِمَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُشْطُ وَاسِعُ الْأَسْنَانِ وَغَيْرُهُ: أَيْ خِلَافًا لِلْإِمْدَادِ مِنْ جَعْلِ التَّلَبُّدِ شَرْطًا لِسِنِّ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ فَقَطْ

ص: 445

الرَّأْسِ عَلَى اللِّحْيَةِ تَبَعًا لِلْغُسْلِ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ (بِمُشْطٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الشِّينِ وَبِضَمِّهَا مَعَ الْمِيمِ لِإِزَالَةِ مَا فِيهِمَا مِنْ سِدْرٍ وَوَسَخٍ كَمَا فِي الْحَيِّ (وَاسِعِ الْأَسْنَانِ) لِئَلَّا يُنْتَتَفَ الشَّعْرُ (بِرِفْقٍ) لِيَعْدَمَ الِانْتِتَافُ، أَوْ يَقِلَّ (وَيُرَدُّ الْمُنْتَتَفُ إلَيْهِ) اسْتِحْبَابًا بِأَنْ يَضَعَهُ فِي كَفَنِهِ لِيُدْفَنَ مَعَهُ إكْرَامًا لَهُ، وَقِيلَ يُجْعَلُ وَسَطَ شَعْرِهِ وَأَمَّا دَفْنُهُ فَسَيَأْتِي.

(وَيَغْسِلُ) بَعْدَ مَا مَرَّ (شِقَّهُ الْأَيْمَنَ) مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ مِنْ عُنُقِهِ إلَى قَدَمِهِ (ثُمَّ الْأَيْسَرَ) كَذَلِكَ (، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ) مِنْ كَتِفِهِ (إلَى الْقَدَمِ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ) أَيْ مِمَّا يَلِي قَفَاهُ وَظَهْرَهُ مِنْ كَتِفِهِ إلَى الْقَدَمِ، وَقِيلَ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِنْ مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ مِنْ ظَهْرِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ مِنْ مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ مِنْ ظَهْرِهِ وَكُلٌّ سَائِغٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَيَحْرُمُ كَبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ احْتِرَامًا لَهُ بِخِلَافِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي الْحَيَاةِ حَيْثُ كُرِهَ وَلَمْ يَحْرُمْ إذًا لِحَقٍّ لَهُ فَلَهُ فِعْلُهُ (فَهَذِهِ) الْأَغْسَالُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ السِّدْرِ وَنَحْوِهِ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ إنَّهُ يَمْنَعُ الِاعْتِدَادَ بِهَا، وَقَدْ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى دَفْعِ اعْتِرَاضٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لَهُ تَأْخِيرَ قَوْلِهِ فَهَذِهِ غَسْلَةٌ عَنْ قَوْلِهِ ثَمَّ يَصُبُّ مَاءَ قَرَاحٍ إذْ لَا تَكُونُ مَحْسُوبَةً إلَّا بَعْدَ صَبِّهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَحِّحُ فِي عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَيُوجَدُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَيْهِ أَنَّ فِيهِ حَذْفًا أَيْضًا، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ تَقْدِيمَهُ اقْتَضَى حَذْفَهُ مِنْ مَحَلِّهِ فَخُلُوُّ مَحَلِّهِ مِنْهُ حَذْفٌ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (غَسْلَةٌ) وَاحِدَةٌ (وَيُسْتَحَبُّ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ) أَيْضًا فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ النَّظَافَةُ زِيدَ حَتَّى تَحْصُلَ، فَإِنْ حَصَلَتْ بِشَفْعٍ سُنَّ الْإِيثَارُ بِوَاحِدَةٍ، فَإِنْ حَصَلَ بِهِنَّ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِنَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هِيَ أَدْنَى الْكَمَالِ وَأَكْمَلُ مِنْهَا خَمْسٌ فَسَبْعٌ، وَالزِّيَادَةُ إسْرَافٌ.

(وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى بِسِدْرٍ، أَوْ خِطْمِيٍّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا لِلتَّنْظِيفِ وَالْإِنْقَاءِ (ثُمَّ يَصُبُّ مَاءَ قَرَاحٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ: أَيْ خَالِصًا (مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ) أَوْ نَحْوِهِ فَلَا تُحْسَبُ غَسْلَةُ السِّدْرِ وَلَا مَا أُزِيلَ بِهِ مِنْ الثَّلَاثِ لِتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِهِ التَّغَيُّرَ السَّالِبَ لِلطَّهُورِيَّةِ وَإِنَّمَا الْمَحْسُوبُ مِنْهَا غَسْلَةُ الْمَاءِ الْقَرَاحِ، فَتَكُونُ الْأَوْلَى مِنْ الثَّلَاثِ بِهِ وَهِيَ الْمُسْقِطَةُ لِلْوَاجِبِ، وَلَا تَخْتَصُّ الْأُولَى بِالسِّدْرِ بَلْ الْوَجْهُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ التَّكْرِيرُ بِهِ إلَى حُصُولِ الْإِنْقَاءِ عَلَى وَفْقِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ، فَإِذَا حَصَلَ النَّقَاءُ وَجَبَ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ الْخَالِصِ، وَيُسَنُّ بَعْدَهَا ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ كَغُسْلِ الْحَيِّ، فَالثَّلَاثُ تَحْصُلُ مِنْ خَمْسٍ كَمَا قَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنْ يُغَسِّلَهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، ثُمَّ بِمَاءٍ مُزِيلٍ لَهُ فَهُمَا غَسْلَتَانِ غَيْرُ مَحْسُوبَتَيْنِ، ثُمَّ بِمَاءِ قَرَاحٍ ثَلَاثًا أَوْ مِنْ تِسْعَةٍ، وَلَهُ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ كَيْفِيَّتَانِ: الْأُولَى أَنْ يُغَسِّلَهُ مَرَّةً بِسِدْرٍ، ثُمَّ مَاءٍ مُزِيلٍ، ثُمَّ مَاءِ قَرَاحٍ فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ يَحْصُلُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ وَيُكَرَّرُ ذَلِكَ إلَى تَمَامِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْمِيمِ) عِبَارَةُ الْقَامُوسِ: الْمُشْطُ مُثَلَّثَةٌ وَكَكَتِفٍ وَعَنَقٍ وَعُتُلٍّ وَمِنْبَرٍ آلَةٌ يُمْتَشَطُ بِهَا اهـ. وَقَوْلُهُ وَمِنْبَرٍ: أَيْ فَيُقَالُ فِيهِ مِمْشَطٌ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ يُحَرِّفُهُ) أَيْ يُمِيلُهُ (قَوْلُهُ: وَالْأُولَى أَوْلَى) أَيْ لِقِلَّةِ الْحَرَكَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: احْتِرَامًا لَهُ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَمْ يَضْطَرَّ الْغَاسِلُ إلَى ذَلِكَ وَإِلَّا جَازَ بَلْ وَجَبَ (قَوْلُهُ: فَلَهُ فِعْلُهُ) أَيْ يَتْرُكُ الْأَكْمَلَ، وَلَوْ قَالَ فَلَهُ تَرْكُهُ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: إنَّهُ يُمْنَعُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ إلَخْ (قَوْلُهُ زِيدَ حَتَّى يَحْصُلَ) زَادَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَيِّ لَا يَزِيدُ فِيهَا عَلَى الثَّلَاثِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ طَهَارَةَ الْحَيِّ مَحْضُ تَعَبُّدٍ وَهُنَا الْمَقْصُودُ النَّظَافَةُ، وَلَا فَرْقَ فِي طَلَبِ الزِّيَادَةِ لِلنَّظَافَةِ بَيْنَ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ وَالْمُسْبَلِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ فَسَبْعٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ أَوْلَى بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِنْقَاءِ وَعَلَيْهِ فَمَا صُورَةُ السَّبْعِ وَلَعَلَّ صُورَتَهَا بِأَنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِالسَّادِسَةِ فَيُسَنُّ سَابِعَةٌ لِلْإِيتَارِ (قَوْلُهُ: وَالزِّيَادَةُ) أَيْ عَلَى السَّبْعِ إسْرَافٌ: أَيْ وَإِنْ كَانَ مُسْبَلًا؛ لِأَنَّ السَّبْعَ هُنَا كَالثَّلَاثِ فِي الْوُضُوءِ بِجَامِعِ الطَّلَبِ، وَقَدْ قَالُوا فِيهِ: إنَّ اسْتِحْبَابَ الثَّلَاثِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَغَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي إلَى حُصُولِ الْإِنْقَاءِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْخَاءِ) وَحُكِيَ فَتْحُهَا اهـ مَحَلِّيٌّ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ، وَفِي الْقَامُوسِ: وَالْخِطْمِيُّ: أَيْ بِكَسْرِ الْخَاءِ أَخْذًا مِنْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 446

الثَّلَاثِ، الثَّانِيَةُ أَنْ يُغَسِّلَهُ بِسِدْرٍ، ثُمَّ مُزِيلٍ لَهُ وَهَكَذَا إلَى تَمَامِ سِتٍّ غَيْرِ مَحْسُوبَةٍ، ثُمَّ مَاءُ قَرَاحٍ ثَلَاثًا وَهَذِهِ أَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ نَحْوَ السِّدْرِ مَا دَامَ الْمَاءُ يَتَغَيَّرُ بِهِ يَمْنَعُ الْحُسْبَانَ عَنْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، وَعُلِمَ أَنَّ اقْتِصَارَ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْأَصْحَابِ عَلَى الْأَوْلَى مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ أَقَلِّ الْكَمَالِ، وَاقْتِضَاءُ الْمَتْنِ اسْتِوَاءُ السِّدْرِ وَالْخِطْمِيُّ، يُنَازِعُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ: السِّدْرُ أَوْلَى لِلنَّصِّ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكُ لِلْبَدَنِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِي أَصْلِ الْفَضِيلَةِ.

قِيلَ وَإِفْهَامُ الرَّوْضَةِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا غَرِيبٌ، وَاسْتَحَبَّ الْمُزَنِيّ إعَادَةَ الْوُضُوءِ مَعَ كُلِّ غَسْلَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ) مِنْ الثَّلَاثِ الَّتِي بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ (قَلِيلَ كَافُورٍ) وَفِي الْأَخِيرَةِ آكَدُ لِلْخَبَرِ الْآتِي وَلِتَقْوِيَةِ الْبَدَنِ وَدَفْعِهِ الْهَوَامَّ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا فِي الْأُمِّ، وَخَرَجَ بِقَلِيلٍ الْكَثِيرُ بِحَيْثُ يَفْحُشُ التَّغَيُّرُ بِهِ فَإِنَّهُ يَسْلُبُ الْمَاءَ الطَّهُورِيَّةَ مَا لَمْ يَكُنْ صُلْبًا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ، أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ وَضْعُ الْكَافُورِ فِي مَاءِ غُسْلِهِ، ثُمَّ بَعْدَ تَكْمِيلِ الْغُسْلِ تُلَيَّنُ لِلْمَيِّتِ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يُنَشَّفُ تَنْشِيفًا بَلِيغًا لِئَلَّا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ فَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَلَا يَأْتِي فِي هَذَا التَّنْشِيفِ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي تَنْشِيفِ الْحَيِّ، وَالْأَصْلُ فِيمَا مَرَّ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِغَاسِلَاتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ رضي الله عنها: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، وَاغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ مِنْهُنَّ وَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:«فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا» وَقَوْلُهُ أَوْ خَمْسًا إلَى آخِرِهِ هُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فِي النَّظَافَةِ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْوِتْرِ لَا التَّخْيِيرِ، وَقَوْلُهُ إنْ رَأَيْتُنَّ، أَيْ إنْ احْتَجْتُنَّ، وَكَافُ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَمَشَطْنَا وَضَفَرْنَا بِالتَّخْفِيفِ: وَثَلَاثَةُ قُرُونٍ: أَيْ ضَفَائِرُ الْقَرْنَيْنِ وَالنَّاصِيَةِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

ضَبْطِهِ بِالْقَلَمِ، وَيُفْتَحُ: نَبَاتٌ مُحَلَّلٌ مُنْضِجٌ مُلَيِّنٌ نَافِعٌ لِعُسْرِ الْبَوْلِ وَالْحَصَا وَالنَّسَا، وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: وَالْخِطْمِيُّ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَبِشَدِّ الْيَاءِ: غُسْلٌ مَعْرُوفٌ، فَقَوْلُهُ وَحُكِيَ ضَمُّهَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَأَنَّ الْأَصْلَ وَحُكِيَ فَتْحُهَا لِيُوَافِقَ كَلَامَ هَؤُلَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لُغَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: بَعْدَ تَكْمِيلِ الْغُسْلِ) زَادَ حَجّ كَأَثْنَائِهِ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ إلَخْ) زَادَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَبِهَذَا فَارَقَ غُسْلُ الْحَيِّ وَوُضُوءُهُ حَيْثُ اسْتَحَبُّوا تَرْكَ التَّنْشِيفِ فِيهِمَا اهـ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيمَا مَرَّ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ قُبَيْلَ بَابِ مَا جَاءَ فِي فِرَاشِهِ صلى الله عليه وسلم: وَفِيهِ «أَنَّهُ أَلْقَى إلَيْهِنَّ حِقْوَهُ: أَيْ إزَارَهُ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَجْعَلْنَهُ شِعَارَهَا الَّذِي يَلِي جَسَدَهَا» اهـ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ آثَارِ الصَّالِحِينَ وَجَعَلَهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ) اسْمُهَا نُسَيْبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ، هِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَقِيلَ بِنْتُ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيَّةُ رضي الله عنهما اهـ مِنْ جَامِعِ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ: وَكَافُ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْبِرْمَاوِيَّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ حَيْثُ قَالَ بِكَسْرِ الْكَافِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لِأُمِّ عَطِيَّةَ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِلَّا لَقَالَ ذَلِكُنَّ اهـ. فَجَعَلَ الدَّلِيلَ عَلَى كَوْنِهِ خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ مُجَرَّدُ الْعُدُولِ عَنْ الْجَمْعِ إلَى الْإِفْرَادِ، لَكِنْ قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي الْمَصَابِيحِ: إنَّهُ مِمَّا قَامَتْ فِيهِ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ مَقَامَ ذَلِكُنَّ وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخِطَابَ لَيْسَ لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَحْدَهَا بَلْ لِجُمْلَةِ الْغَاسِلَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ ضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي ابْدَأْنَ وَرَأَيْتُنَّ قَائِمًا مَقَامَ ضَمِيرِ الْوَاحِدَةِ فَيَكُونُ الْكُلُّ خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ لَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْغَاسِلَاتِ مَقْصُودَةٌ بِالْأَمْرِ لِمُبَاشَرَتِهِنَّ، وَيَجُوزُ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ هِيَ الَّتِي شَافَهَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْأَمْرِ فَأَقَامَهَا مَقَامَهُنَّ فِي الْخِطَابِ مَعَ كَوْنِهِ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْكُلِّ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ وَكَافُ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ: أَيْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْإِعْلَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَضَفَرْنَا بِالتَّخْفِيفِ) لَعَلَّ حِكْمَةَ التَّعْبِيرِ بِالتَّخْفِيفِ أَنَّهُ الْوَاقِعُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَنْبَغِي الْمُبَالَغَةُ فِي تَسْرِيحِهِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 447