الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، وَنَحْوِ النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَتَطْوِيلِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْرُوعِ وَتَرْكِهِ سُنَّةً مَقْصُودَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا عُذِرَ بِهِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْجَمَاعَةِ فَفِي إسْقَاطِهَا ابْتِدَاءً أَوْلَى قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَوْنُهُ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ، وَالْمَأْمُومِ بَطِيئَهَا، أَوْ مِمَّنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ وَكَوْنُهُ يَخْشَى الِافْتِتَانَ بِهِ لِفَرْطِ جَمَالِهِ وَهُوَ أَمْرَدُ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَخْشَى هُوَ افْتِتَانًا مِمَّنْ هُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ هَذِهِ الْأَعْذَارُ تَمْنَعُ الْإِثْمَ وَالْكَرَاهَةَ كَمَا مَرَّ، وَلَا تَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
وَاخْتَارَ غَيْرُهُ مَا عَلَيْهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ مِنْ حُصُولِهَا إنْ قَصْدَهَا لَوْلَا الْعُذْرُ، وَالسُّبْكِيُّ حُصُولَهَا لِمَنْ كَانَ مُلَازِمًا لَهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا كَلَامَ الْمَجْمُوعِ عَلَى مُتَعَاطِي السَّبَبِ كَأَكْلِ بَصَلٍ أَوْ ثُومٍ وَكَوْنِ خُبْزِهِ فِي الْفُرْنِ، وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَطَرٍ وَمَرَضٍ، وَجَعْلُ حُصُولِهَا لَهُ كَحُصُولِهَا لِمَنْ حَضَرَهَا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي أَصْلِهَا لِئَلَّا يُنَافِيَهُ خَبَرُ الْأَعْمَى وَهُوَ جَمْعٌ لَا بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ هِيَ إنَّمَا تَمْنَعُ ذَلِكَ فِيمَنْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ طَلَبُهَا لِكَرَاهَةِ انْفِرَادِهِ، وَإِنْ حَصَلَ بِغَيْرِهِ شِعَارُهَا. .
فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ تُطْلَبُ فِيهِ صِفَاتٌ بَعْضُهَا وَاجِبٌ وَبَعْضُهَا مُسْتَحَبٌّ، كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً عِنْدَ الْمُقْتَدِي مُغْنِيَةً عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ الْقُدْوَةُ. وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ:(فَصْلٌ) فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا (لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ) كَعِلْمِهِ بِكُفْرِهِ أَوْ حَدَثِهِ لِتَلَاعُبِهِ (أَوْ يَعْتَقِدُهُ) أَيْ الْبُطْلَانَ بِأَنْ يَظُنَّهُ ظَنًّا غَالِبًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ، وَهُوَ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِدَلِيلٍ (كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَمْ تَقُمْ مَقَامُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ مِمَّنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ خَلْفَ مَنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا (قَوْلُهُ: وَلَا تَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ) مُعْتَمَدٌ.
(فَصْلٌ) فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ: فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ) قَدْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ إمَامًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا كَالْأَصَمِّ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الْعِلْمُ بِانْتِقَالَاتِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: وَمُتَعَلِّقَاتِهَا) أَيْ مُتَعَلِّقَاتِ الصِّفَاتِ كَوُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَمَسْأَلَةِ الْأَوَانِي (قَوْلُهُ: أَوْ حَدَثِهِ) أَيْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَمَّا الْمُخْتَلِفِ فِيهِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ اقْتَدَى إلَخْ (قَوْلُهُ: ظَنًّا غَالِبًا) كَانَ التَّقْيِيدُ بِالْغَالِبِ لِيَكُونَ اعْتِقَادًا: أَيْ بِالْمَعْنَى الْآتِي وَهُوَ الظَّنُّ الْقَوِيُّ لَكِنْ لَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِأَصْلِ الظَّنِّ، بَلْ الْوَجْهُ أَنْ يُرَادَ بِالِاعْتِقَادِ هُنَا مَا يَشْمَلُ أَصْلَ الظَّنِّ بِدَلِيلِ الْمِثَالِ فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ الْمَذْكُورَ غَالِبًا أَوْ كَثِيرًا إنَّمَا يَحْصُلُ أَصْلُ الظَّنِّ. اهـ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.
وَقَوْلُهُ لِيَكُونَ اعْتِقَادًا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ وَإِنْ أُرِيدَ الظَّنُّ الْغَالِبُ لَا يَكُونُ اعْتِقَادًا لِأَخْذِهِمْ فِي مَفْهُومِ الِاعْتِقَادِ الْجَزْمَ، فَلَوْ قَالَ قُيِّدَ بِهِ لِيَكُونَ بَيَانًا لِلْمُرَادِ بِالِاعْتِقَادِ هُنَا كَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُ سم: لَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِأَصْلِ الظَّنِّ: أَيْ حَيْثُ كَانَ مُسْتَنَدَ الدَّلِيلِ، بِخِلَافِ ظَنِّ مَنْشَؤُهُ غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ مَثَلًا الْمُعَارَضَةُ بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ كَأَنْ تَوَضَّأَ إمَامُهُ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ يَغْلِبُ وُلُوغُ الْكِلَابِ مِنْ مِثْلِهِ فَلَا الْتِفَاتَ لِهَذَا الظَّنِّ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجَازِمُ) أَيْ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ (قَوْلُهُ: الْمُطَابِقُ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِيَكُونَ اعْتِقَادًا صَحِيحًا، وَإِلَّا فَغَيْرُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَصْفٌ لِمَالٍ
[فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ ومتعلقاتها]
(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ تُطْلَبُ فِيهِ صِفَاتٌ إلَى قَوْلِهِ إنَّ الْوَاجِبَ إلَى آخِرِهِ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ إنَّ الْوَاجِبَ حَرَّفَهُ النُّسَّاخُ مِنْ قَوْلِهِ فَمِنْ الْوَاجِبِ، وَإِلَّا فَأَصْلُ الْعِبَارَةِ لِلْإِمْدَادِ وَهِيَ كَمَا ذَكَرْت (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَظُنَّهُ ظَنًّا غَالِبًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَخْ) يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي لَهُ فِي قَوْلِهِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ: يَعْتَقِدُهُ الِاعْتِقَادَ الْجَازِمَ لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ إلَخْ، فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ: أَيْ فَقَطْ، بَلْ الْمُرَادُ هُوَ وَالظَّنُّ الْمَذْكُورُ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، لَكِنْ يُنَافَى هَذَا الْحَمْلَ الْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ بِأَنْ يَظُنَّهُ إلَخْ فَكَانَ الْأَصْوَبُ خِلَافَ هَذَا التَّعْبِيرِ (قَوْلُهُ: الْمُطَابِقُ)
اجْتِهَادًا وَلَوْ مَعَ التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ، وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ (أَوْ) فِي (إنَاءَيْنِ) كَمَاءٍ طَاهِرٍ وَنَجَسٍ، وَأَدَّى اجْتِهَادُ كُلٍّ لِغَيْرِ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ صَاحِبِهِ فَصَلَّى كُلٌّ لِجِهَةٍ، أَوْ تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْآخَرِ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ (فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَّاهِرُ) مِنْ الْآنِيَةِ كَالْمِثَالِ الْآتِي وَلَمْ يَظُنَّ مِنْ حَالِ غَيْرِهِ شَيْئًا (فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) أَيْ صِحَّةُ اقْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ (مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إنَاءُ الْإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ) لِمَا يَأْتِي.
(فَإِنَّ)(ظَنَّ) بِالِاجْتِهَادِ (طَهَارَةَ إنَاءِ غَيْرِهِ) كَإِنَائِهِ (اقْتَدَى بِهِ قَطْعًا) جَوَازًا لِعَدَمِ تَرَدُّدِهِ أَوْ نَجَاسَتِهِ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ قَطْعًا كَمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ (فَلَوْ)(اشْتَبَهَ خَمْسَةٌ) مِنْ الْآنِيَةِ (فِيهَا) إنَاءٌ (نَجِسٌ عَلَى خَمْسَةٍ) مِنْ النَّاسِ وَاجْتَهَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ (فَظَنَّ كُلٌّ طَهَارَةَ إنَائِهِ) وَالْإِضَافَةُ هُنَا لَيْسَتْ لِلْمِلْكِ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ (فَتَوَضَّأَ بِهِ) وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ (وَأَمَّ كُلٌّ مِنْهُمْ) الْبَاقِينَ (فِي صَلَاةٍ) مِنْ الْخَمْسِ مُبْتَدَئِينَ بِالصُّبْحِ (فَفِي الْأَصَحِّ) السَّابِقِ فِيمَا قَبْلَهَا (يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ) لِتَعَيُّنِ النَّجَاسَةِ فِي إمَامِهَا بِزَعْمِهِمْ، وَإِنَّمَا عَوَّلُوا عَلَى التَّعْيِينِ بِالزَّعْمِ هُنَا مَعَ كَوْنِ الْأَمْرِ مَنُوطًا بِظَنِّ الْمُبْطِلِ الْمُعَيَّنِ وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ الْمُبْهَمِ لِمَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي فِعْلِ الْمُكَلَّفِ صَوْنُهُ عَنْ الْإِبْطَالِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُطَابِقِ اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ، وَمَحَلُّ تَسْمِيَتِهِ اعْتِقَادًا حَيْثُ قَبِلَ التَّغْيِيرَ وَإِلَّا فَهُوَ عِلْمٌ (قَوْلُهُ: اجْتِهَادًا) أَيْ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا فَهُوَ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَوَضَّأَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: مِنْ الْآنِيَةِ) جَمْعُ إنَاءٍ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْإِنَاءُ وَالْآنِيَةُ الْوِعَاءُ وَالْأَوْعِيَةُ وَزْنًا وَمَعْنًى. اهـ.
وَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، فَالْإِنَاء مُفْرَدُ كَالْوِعَاءِ، وَالْآنِيَةُ جَمْعٌ كَالْأَوْعِيَةِ، وَأَصْلُ آنِيَةٍ أَأْنِيَةٌ قُلِبَتْ الثَّانِيَةُ أَلْفًا؛ لِأَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ هَمْزَتَانِ ثَانِيَتُهُمَا سَاكِنَةٌ وَجَبَ إبْدَالُهَا مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظُنَّ مِنْ حَالِ غَيْرِهِ) تَقْيِيدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ كَمَا سَيَأْتِي وَلِقَوْلِهِ الْآتِي إلَّا إمَامُهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ (قَوْلُهُ: مِنْ الْآنِيَةِ) جَمْعُ إنَاءٍ وَجَمْعُهَا أَوَانٍ كَمَا فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ: كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لَهُ) ثُمَّ رَأَيْت أَكْثَرَ النُّسَخِ إنَاءٌ وَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ. اهـ ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ وَهُوَ مِنْ إفْرَادِ الْإِضَافَةِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مِنْ الْمَجَازِ الْحُكْمِيِّ كَمَا نُقِلَ عَنْ السَّعْدِ وَأَيَّدَهُ الْعِصَامُ فَرَاجِعْ الْأَطْوَلَ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ الْأَوَانِي عَلَى عَدَدِ الْمُجْتَهِدِينَ كَثَلَاثِ أَوَانٍ مَعَ مُجْتَهِدِينَ كَانَ فِيهَا نَجَسٌ بِيَقِينٍ، وَاجْتَهَدَ أَحَدُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أَحَدِهَا فَظَنَّ طَهَارَتَهُ وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا فِي الْبَاقِي وَاجْتَهَدَ الْآخَرُ فِي الْإِنَاءَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَظَنَّ طَهَارَةَ أَحَدِهِمَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَادَفَ الطَّاهِرَ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ جَاءَ آخَرُ وَاجْتَهَدَ وَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ لِطَهَارَةِ الثَّالِثِ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِالْأَوَّلِ فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمَذْكُورِينَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالثَّالِثِ لِانْحِصَارِ النَّجَاسَةِ فِي إنَائِهِ، وَلَوْ كَانُوا خَمْسَةً وَالْأَوَانِي سِتَّةً كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَلِكُلٍّ مِنْ الْخَمْسَةِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْبَقِيَّةِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ تَطَهَّرَ مِنْ السَّادِسِ لِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: مُبْتَدَئِينَ بِالصُّبْحِ) قُيِّدَ بِهِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ (قَوْلُهُ: فَفِي الْأَصَحِّ) عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: فَعَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مُرَادَ الْمُحَرَّرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُدُولُهُ إلَى الْفَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا خِلَافٌ فِي قَدْرِ الْمَقْضِيِّ مُفَرَّعٌ عَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُرْشِدُ إلَى الثَّانِي إتْيَانُهُ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَلَوْ اشْتَبَهَ إلَخْ. انْتَهَى فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى.
عَمِيرَةُ وَقَوْلُهُ عُدُولُهُ إلَى الْفَاءِ أَوْلَى مِنْهُ عُدُولُهُ إلَى فِي؛ لِأَنَّهَا الَّتِي عُدِلَ إلَيْهَا وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَرْفَيْنِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُعَبَّرُ بِلَفْظِهِ عَلَى أَنَّ الْفَاءَ إنَّمَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْفَاءِ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِحَرْفِ التَّهَجِّي (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُبْهَمِ) أَيْ فَلَيْسَ الْأَمْرُ مَنُوطًا بِهِ.
وَقَوْلُهُ لِمَا مَرَّ عِلَّةٌ لِكَوْنِ الْأَمْرِ لَيْسَ مَنُوطًا بِالْمُبْطِلِ الْمُبْهَمِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
إنَّمَا هُوَ قَيْدٌ فِي الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَالِاعْتِقَادُ أَعَمُّ مِنْ الْمُطَابِقِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ) أَيْ كَمَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً فِي حَقِّ نَفْسِهِ: أَيْ فَيَتَطَهَّرُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ: فِعْلُ الْمُكَلَّفِ) وَهُوَ هُنَا
مَا أَمْكَنَ اُضْطُرِرْنَا؛ لِأَجْلِ ذَلِكَ إلَى اعْتِبَارِهِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ اعْتِرَافَهُ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْأَخِيرِ فَكَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ ثَمَّ، فَإِنَّ كُلَّ اجْتِهَادٍ وَقَعَ صَحِيحًا فَلَزِمَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ وَلَا مُبَالَاةَ بِوُقُوعِ مُبْطِلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (إلَّا إمَامَهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ) لِتَعَيُّنِ النَّجَاسَةِ فِي حَقِّهِ، وَمُرَادُهُمْ بِتَعَيُّنِ النَّجَاسَةِ عَدَمُ احْتِمَالِ بَقَاءِ وُجُودِهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا يُعِيدُ مَا صَلَّاهُ مَأْمُومًا آخَرَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُعِيدُ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا صَلَّاهُ مَأْمُومًا وَهُوَ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْخَمْسَةِ نَجَسَانِ صَحَّتْ صَلَاةُ كُلٍّ خَلْفَ اثْنَيْنِ فَقَطْ، أَوْ النَّجَسُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فَبِوَاحِدٍ فَقَطْ.
وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي الضَّابِطِ أَنَّ مَنْ تَأَخَّرَ مِنْهُمْ تَعَيَّنَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِلْبُطْلَانِ، وَلَوْ كَانَ النَّجَسُ أَرْبَعَةً
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: إلَى اعْتِبَارِهِ) أَيْ اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ بِالزَّعْمِ هُنَا مَعَ كَوْنِ الْأَمْرِ مَنُوطًا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُهُ (قَوْلُهُ: إلَّا إمَامَهَا) أَيْ الْعِشَاءُ (قَوْلُهُ: فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ) وَيُتَصَوَّرُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ بِأَنْ يَكُونُوا جَاهِلِينَ أَوْ نَاسِينَ وَإِلَّا فَمَتَى تَعَيَّنَ إنَاءُ مَنْ يُرِيدُ الْإِمَامَةَ لِلنَّجَاسَةِ حَرُمَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ حَجَرٍ صَرَّحَ بِالْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ الِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ غَيْرِهِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقْتَدِي (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ صَلَّى بِهِمْ وَاحِدٌ إمَامًا فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الصِّحَّةُ وَلَا إعَادَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ جَازِمٌ بِطَهَارَةِ إنَائِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ وَلَمْ تَنْحَصِرْ النَّجَاسَةُ فِي وَاحِدٍ.
[فَرْعٌ] رَأَى إنْسَانًا تَوَضَّأَ وَأَغْفَلَ لُمْعَةً فَهَلْ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ تَجْدِيدٌ أَوْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ عَنْ حَدَثٍ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ. قَالَ م ر: الْأَصَحُّ مِنْهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ.
[فَرْعٌ] لَوْ اقْتَدَى مَنْ يَرَى الِاعْتِدَالَ قَصِيرًا بِمَنْ يَرَاهُ طَوِيلًا فَأَطَالَهُ، أَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِمِثْلِهِ فَقَرَأَ الْإِمَامُ الْفَاتِحَةَ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ ثُمًّ شَرَعَ فِي الْفَاتِحَةِ لَمْ يُوَافِقْهُ بَلْ يَسْجُدُ وَيَنْتَظِرُهُ سَاجِدًا، ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَكَلَامُ الْبَغَوِيّ يَقْتَضِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ وَاضِحٌ، وَاعْتَمَدَهُ م ر وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنْ يَنْتَظِرَهُ فِي الِاعْتِدَالِ وَيُحْتَمَلُ تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ انْتَهَى.
وَقَالَ م ر: الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. وَانْظُرْ هَلْ يُخَالِفُ الْأَوَّلُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي الرَّحْمَةِ أَنَّهُ جَوَّزَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَقْتَدِيَ فِي اعْتِدَالِهِ بِغَيْرِهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَيُتَابِعَهُ أَوْ يُفَرَّقَ. [فَرْعٌ] قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَلَوْ تَرَكَ شَافِعِيٌّ الْقُنُوتَ وَخَلْفُهُ حَنَفِيٌّ فَسَجَدَ الشَّافِعِيُّ لِلسَّهْوِ تَابَعَهُ الْحَنَفِيُّ، وَلَوْ تَرَكَ السُّجُودَ لَمْ يَسْجُدْ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَدَارُ عَلَى اعْتِقَادِ الْإِمَامِ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
اقْتِدَاؤُهُ بِهِمْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ) عِبَارَةُ الشِّهَابِ حَجّ وَهُوَ لِاخْتِيَارِهِ لَهُ بِالتَّشَهِّي يَسْتَلْزِمُ إلَخْ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الَّذِي حَذَفَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ مَحَلُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ النُّسَّاخِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ كُلَّ اجْتِهَادٍ وَقَعَ صَحِيحًا) أَيْ كُلُّ اجْتِهَادٍ صَادِرٍ مِنْهُ وَبِهِ فَارَقَ مَسْأَلَةَ الْمِيَاهِ، إذْ الِاجْتِهَادُ وَقَعَ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ لِكُلِّ جِهَةٍ وَقَعَتْ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَا يُصَحِّحُ هَذِهِ الْإِحَالَةَ وَهُوَ تَابِعٌ فِيهَا لِلْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ، لَكِنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ أَوَّلًا مُقَابِلَ الْأَصَحِّ السَّابِقِ بِقَوْلِهِ: وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِتَرَدُّدِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي اسْتِعْمَالِ غَيْرِهِ لِلنَّجِسِ فَسَاغَتْ لَهُ هَذِهِ الْإِحَالَةُ، بِخِلَافِ الشَّارِحِ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ قَدَّمَ مُقَدِّمَةَ الْجَلَالِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ) فِي التَّعْبِيرِ بِالْأَخْذِ هُنَا مُسَامَحَةٌ إذْ مَا هُنَا مِنْ أَفْرَادِ الضَّابِطِ، وَكَانَ غَرَضُهُ مَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ حَجّ بِقَوْلِهِ: تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَرَّرَ مِنْ لُزُومِ الْإِعَادَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فِعْلُ الْعِشَاءِ وَعَلَى الْإِمَامِ فِعْلُ الْمَغْرِبِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ
لَمْ يَقْتَدِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِأَحَدٍ، وَلَوْ سَمِعَ صَوْتَ حَدَثٍ أَوْ شَمَّهُ بَيْنَ خَمْسَةٍ وَتَنَاكَرُوهُ، وَأَمَّ كُلٌّ فِي صَلَاةٍ فَكَمَا ذَكَرَ فِي الْأَوَانِي (وَ) شَمَلَ قَوْلُهُ يَعْتَقِدُهُ الِاعْتِقَادَ الْجَازِمَ لِدَلِيلٍ نَشَأَ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي الْفُرُوعِ فَعَلَيْهِ (لَوْ)(اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ) مَثَلًا ارْتَكَبَ مُبْطِلًا فِي اعْتِقَادِنَا أَوْ اعْتِقَادِهِ كَأَنْ (مَسَّ فَرْجَهُ أَوْ افْتَصَدَ)(فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْفَصْدِ دُونَ الْمَسِّ اعْتِبَارًا) فِيهِمَا (بِنِيَّةِ الْمُقْتَدِي) هُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَمُرَادُهُ بِالنِّيَّةِ الِاعْتِقَادُ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَهُ بِالْمَسِّ دُونَ الْفَصْدِ، وَقَدْ صَوَّرَهَا صَاحِبُ الْخَوَاطِرِ السَّرِيعَةِ بِمَا إذَا نَسِيَ الْإِمَامُ كَوْنَهُ مُفْتَصِدًا لِتَكُونَ نِيَّتُهُ جَازِمَةً فِي اعْتِقَادِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ عِنْدَنَا أَيْضًا لِعِلْمِنَا بِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ، قِيلَ وَيَرُدُّهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِاعْتِبَارِ عَقِيدَةِ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ فِي الْفَصْدِ وَنَحْوِهِ فَلَا تَقَعُ مِنْهُ نِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عِلْمِهِ حَالَ النِّيَّةِ بِفَصْدِهِ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّلَاعُبِ فِي تَعْلِيلِ مَا ذُكِرَ بِالنَّظَرِ لِلْمَأْمُومِ دُونَ الْإِمَامِ، إذْ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنَّهُ عَالِمٌ حَالَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
السُّجُودَ سَجَدَ الْحَنَفِيُّ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى اعْتِقَادِ الْإِمَامِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ سُنَّ لِلْمَأْمُومِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الْإِتْيَانُ بِهِ.
وَيَرِدُ أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ، فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِاعْتِقَادِهِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِمَا يَعْتَقِدُهُ فَلْيُحَرَّرْ. وَإِنْ كَانَ الْمَدَارُ عَلَى اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ مَا ذَكَرَ فَوَاضِحٌ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ؟ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَقَوْلُهُ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ: فَهَلْ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ إلَخْ؟ بَقِيَ مَا لَوْ رَآهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَيْنِ وَأَغْفَلَ اللُّمْعَةَ الْمَذْكُورَةَ فَهَلْ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَجْدِيدٌ أَوْ لَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْدَثَ بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ، أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَعْتَادَ التَّجْدِيدَ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي نَظَرًا إلَى ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَرَدُّدِ الْمُقْتَدِي فِي النِّيَّةِ وَقَوْلُهُ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي: وَقَالَ م ر: الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ أَوْ يُفَرِّقُ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ الْفَرْقُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ يَنْقَطِعُ اعْتِدَالُهُ بِقَصْدِ الْمُتَابَعَةِ فَلَا يُعَدُّ فِعْلُهُ تَطْوِيلًا لِلرُّكْنِ الْقَصِيرِ بِخِلَافِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: لَمْ يَقْتَدِ أَحَدٌ مِنْهُمْ) أَيْ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَكَمَا ذَكَرَ فِي الْأَوَانِي) لَكِنْ لَوْ تَعَدَّدَ الصَّوْتُ الْمَسْمُوعُ لَمْ يُعَدُّ كُلٌّ إلَّا صَلَاةً وَاحِدَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الْمُقْتَدِي) قَضِيَّةُ الصِّحَّةِ وَاعْتِبَارُ اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ أَنَّ هَذَا الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمَأْمُومِ كَغَيْرِهِ وَتُدْرَكُ الرَّكْعَةُ بِإِدْرَاكِهِ رَاكِعًا فَلْيُحَرَّرْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ صِحَّةَ صَلَاتِهِ صَيَّرَهُ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: هُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ) أَيْ قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الْمُقْتَدِي (قَوْلُهُ: مُحْدِثٌ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُقْتَدِي (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا نَسِيَ الْإِمَامُ كَوْنَهُ مُفْتَصِدًا) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: اعْتَمَدَ هَذَا التَّصْوِيرَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَشَيْخُنَا طب وم ر اهـ.
وَكَلَامُ الشَّارِحِ هُنَا صَرِيحٌ فِي اعْتِمَادِهِ حَيْثُ حَكَى رَدَّهُ بِقِيلِ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ تَبَعًا لحج (قَوْلُهُ: قِيلَ) قَائِلُهُ ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَيَرُدُّهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ) أَيْ يَرُدُّ تَصْوِيرَ صَاحِبِ الْخَوَاطِرِ السَّرِيعَةِ وَقَوْلُهُ بَعْدُ وَيُجَابُ: أَيْ عَنْ هَذَا الرَّدِّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ كَوْنِ الْإِمَامِ نَاسِيًا أَوْ عَالِمًا (قَوْلُهُ: إذْ غَايَةُ أَمْرِهِ) أَيْ الْمَأْمُومِ، وَقَوْلُهُ عِنْدَهُ: أَيْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
تَعَيُّنِ النَّجَاسَةِ فِي كُلٍّ. اهـ. وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ قَاصِرَةً عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ) عَنْ هَذَا الرَّدِّ الَّذِي حَكَاهُ بِقِيلَ وَقَائِلُهُ الشِّهَابُ حَجّ.
فَتَلَخَّصَ أَنَّ الشَّارِحَ يَخْتَارُ تَصْوِيرَ صَاحِبِ الْخَوَاطِرِ السَّرِيعَةِ مُخَالِفًا لِلشِّهَابِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا فِيهِ بِالتَّلَاعُبِ بِالنَّظَرِ لِلْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى الْإِمَامَ حِينَئِذٍ مُتَلَاعِبًا: أَيْ صُورَةً، وَإِلَّا فَلَا تَلَاعُبَ مَعَ النِّسْيَانِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ لَا يَتَنَزَّلُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا، وَإِنْ أَوَّلَهُ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ بِمَا لَا تَقْبَلُهُ الْعِبَارَةُ مَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهَا، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الشِّهَابَ الْمَذْكُورَ لَمَّا رَدَّ التَّصْوِيرَ الْمُتَقَدِّمَ بِكَلَامِ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورِ وَاخْتَارَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِالْعَمْدِ اسْتَشْعَرَ سُؤَالًا صُورَتُهُ: أَنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ مُتَلَاعِبٌ؟ فَأَوْرَدَهُ وَأَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: قُلْت كَوْنُهُ مُتَلَاعِبًا عِنْدَنَا مَمْنُوعٌ، إذْ غَايَةُ أَمْرِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.
وَالشَّارِحُ رَتَّبَ هَذَا عَلَى جَوَابِهِ
النِّيَّةِ بِمُبْطِلٍ عِنْدَهُ، وَعِلْمُهُ بِهِ مُؤَثِّرٌ فِي جَزْمِهِ عِنْدَهُ لَا عِنْدَنَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ لِمَا مَرَّ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ حُكْمُنَا بِاسْتِعْمَالِ مَائِهِ وَعَدَمِ مُفَارَقَتِهِ عِنْدَ سُجُودِهِ لِ {ص} .
وَلَا قَوْلُهُمْ لَوْ نَوَى مُسَافِرَانِ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ إقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ انْقَطَعَ بِوُصُولِهِمَا سَفَرُ الشَّافِعِيِّ فَقَطْ وَجَازَ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْحَنَفِيِّ مَعَ اعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيُّ مُطْلَقًا بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي الْجُمْلَةِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ زِيَادَةٌ فِي بَابِهِ، وَأَيْضًا فَالْمُبْطِلُ هُنَا وَفِيمَا لَوْ سَجَدَ لِ {ص} أَوْ تَنَحْنَحَ عَمْدًا عُهِدَ اغْتِفَارُ نَظِيرِهِ فِي اعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ لَوْ وَقَعَ مِنْ جَاهِلٍ، وَالْحَنَفِيُّ مِثْلُهُ فَلَا يُنَافِي اعْتِقَادَ كُلٍّ جَوَازَ مَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ فَاغْتُفِرَ لَهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مَعَ نَحْوِ الْمَسِّ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْجَاهِلُ وَغَيْرُهُ.
وَلَوْ شَكَّ شَافِعِيٌّ فِي إتْيَانِ الْمُخَالِفِ بِالْوَاجِبَاتِ عِنْدَ الْمَأْمُومِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ وَعِلْمُهُ: أَيْ الْمَأْمُومِ، وَقَوْلُهُ عِنْدَهُ: أَيْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِتَكُونَ نِيَّتُهُ جَازِمَةً (قَوْلُهُ: عِنْدَ سُجُودِهِ لِ {ص ~} ) أَيْ لِآيَةِ {ص ~} إلَخْ (قَوْلُهُ: مَعَ اعْتِقَادِهِ) أَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُهُ: بُطْلَانِ صَلَاتِهِ أَيْ الْحَنَفِيِّ (قَوْلُهُ: لَوْ وَقَعَ مِنْ جَاهِلٍ) وَحُكِمَ بِاسْتِعْمَالِ مَائِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ مِنْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُنْكِرُ عَلَى مُجْتَهِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِمَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤَثِّرْ) بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَتَى بِهِ لَكِنْ عَلَى اعْتِقَادِ السُّنِّيَّةِ، وَمَنْ اعْتَقَدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ نَفْلًا كَانَ ضَارًّا: أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالشَّارِحُ: أَيْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ السَّابِقِ أَشَارَ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اعْتِقَادِهِ الْوُجُوبَ إلَخْ، وَكَانَ حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا أَتَى بِهِ وَكَانَ اعْتِقَادُهُ عَدَمِ الْوُجُوبِ مَذْهَبًا لَهُ غَيْرَ مُبْطِلٍ عِنْدَهُ اكْتَفَيْنَا مِنْهُ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمُوَافِقِ فَإِنَّ اعْتِقَادَهُ عَدَمَ الْوُجُوبِ لَيْسَ مَذْهَبًا لَهُ وَمُبْطِلٌ عِنْدَهُ فَلَمْ يَكْتَفِ مِنْهُ بِذَلِكَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اعْتِقَادَ عَدَمِ الْوُجُوبِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَذْهَبًا لِلْمُعْتَقِدِ، وَإِلَّا لَمْ يُؤَثِّرْ، وَيَكْتَفِي مِنْهُ بِمُجَرَّدِ الْإِتْيَانِ، وَأَمَّا مَا دَفَعَ بِهِ م ر أَيْضًا ذَلِكَ مِنْ اعْتِقَادِهِ عَدَمِ الْوُجُوبِ كَإِتْيَانِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَتَى بِالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِالْجُلُوسِ بِقَصْدِ الِاسْتِرَاحَةِ مَعَ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ اعْتِقَادُ فَرْضٍ مُعَيَّنٍ نَفْلًا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَتَى بِالْفَرْضِ يَظُنُّهُ نَفْلًا بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَتَى بِالْفَرْضِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ الشَّكِّ فِي أَنَّ الْحَنَفِيَّ تَرَكَ الْوَاجِبَاتِ لَا يَضُرُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَذَلِكَ، إذْ لَا فَرْقَ بَلْ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضُرَّ الشَّكُّ فِي الْمُخَالِفِ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ فَفِي الْمُوَافِقِ أَوْلَى، وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا شَكَّ فِي طَهَارَةِ الْإِمَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا أَسَرَّ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ) أَيْ فَلَوْ أَخْبَرَهُ بَعْدُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَهَلْ يُؤَثِّرُ لِذَلِكَ، وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ لَا لِلْحُكْمِ بِمُضِيِّ صَلَاتِهِ عَلَى الصِّحَّةِ، فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامُهُ تَارِكًا لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّمَ مِمَّا لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ التَّحَرُّمَ مِنْ شَأْنِهِ جَهْرُ الْإِمَامِ بِهِ: أَيْ فَيُنْسَبُ الْمَأْمُومُ لِتَقْصِيرٍ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ الْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَ بَعِيدًا، وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ، وَيُؤَيِّدُ الْفَرْقَ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ شَكَّ بَعْدَ إحْرَامِ الْمَأْمُومِ فَاسْتَأْنَفَ النِّيَّةَ وَكَبَّرَ ثَانِيًا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا عَلِمَ بِحَالِ الْإِمَامِ مَعَ أَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ تَقَدُّمُ إحْرَامِهِ عَلَى إحْرَامِ إمَامِهِ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِمَشَقَّةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَأَمُّلُ حَالِهِ فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ، وَسَيَأْتِي عَنْ الشَّارِحِ فِي كَلَامِ سم مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِعَادَةِ.
(قَوْلُهُ: تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ:
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْمَذْكُورِ فَلَمْ يَلْتَئِمْ مَعَهُ، وَبَعْضُهُمْ أَجَابَ عَمَّا أَجَابَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِحَمْلِ التَّلَاعُبِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي عَلَى مَا هُوَ فِي حُكْمِ التَّلَاعُبِ وَذَلِكَ فِي النَّاسِي لَا فِي التَّلَاعُبِ حَقِيقَةً، وَبِالْفِعْلِ كَمَا فِي الْعَامِدِ، وَهُوَ يَرْجِعُ فِي التَّحْقِيقِ إلَى جَوَابِ الشَّارِحِ بِحَسَبِ مَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ.
فِي تَوَقِّي الْخِلَافِ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْبَسْمَلَةَ لَمْ تَصِحَّ قُدْوَةُ الشَّافِعِيِّ بِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَدَى بِهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ نَقَلَا عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَالْأَوْدَنِيِّ الصِّحَّةَ خَلْفَهُ وَاسْتَحْسَنَاهُ. وَتَعْلِيلُ الْجَوَازِ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ مَمْنُوعٌ، فَقَدْ لَا يَعْلَمُ الْإِمَامُ بِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ أَوْ مُفَارَقَتِهِ كَأَنْ يَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ مَثَلًا أَوْ يُتَابِعَهُ فِي أَفْعَالِهَا مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ وَانْتِظَارٍ كَثِيرٍ فَيَنْتَفِي خَوْفُ الْفِتْنَةِ.
(وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدٍ) حَالَ قُدْوَتِهِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ بِلَحْقِهِ سَهْوَهُ، وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ الِاسْتِقْلَالُ وَأَنْ يَتَحَمَّلَ هُوَ سَهْوَ غَيْرِهِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّاسَ اقْتَدَوْا بِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنْ صَحَّ هَذَا كَانَ مَرَّتَيْنِ كَمَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ.
وَلَوْ تَوَهَّمَ أَوْ ظَنَّ كَوْنَهُ مَأْمُومًا لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ أَيْضًا بِهِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ عِنْدَ هُجُومِهِ فَإِنْ اجْتَهَدَ فِي أَيِّهِمَا الْإِمَامُ، وَاقْتَدَى بِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ الْإِمَامُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَمَا يُصَلِّي بِالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَالثَّوْبِ وَالْأَوَانِي. انْتَهَى.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ اجْتِهَادَهُ بِسَبَبِ قَرَائِنَ تَدُلُّهُ عَلَى غَرَضِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلنِّيَّةِ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا، فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِأَنَّ شَرْطَ الِاجْتِهَادِ أَنْ يَكُونَ لِلْعَلَامَةِ فِيهِ مَجَالٌ، وَلَا مَجَالَ لَهَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْمَأْمُومِيَّةِ عَلَى النِّيَّةِ لَا غَيْرُ، وَهِيَ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهَا. وَإِنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ أَنَّهُ إمَامٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا لِعَدَمِ مُقْتَضَى بُطْلَانِهَا أَوْ أَنَّهُ مَأْمُومٌ فَلَا. وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِشَكِّهِ فِي أَنَّهُ تَابِعٌ أَوْ مَتْبُوعٌ، فَلَوْ شَكَّ أَحَدُهُمَا وَظَنَّ الْآخَرُ صَحَّتْ لِلظَّانِّ أَنَّهُ إمَامٌ دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فَرَّقَ الْأَصْحَابُ فِيهَا بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ، قَالَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَمُحَافَظَةً عَلَى الْكَمَالِ عِنْدَهُ. اهـ. وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ بِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ الْمَتْرُوكُ عِنْدَهُ مِنْ الْكَمَالِ وَلَا مِمَّا يُطْلَبُ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ عِنْدَهُ فَلَا يَكُونُ الظَّاهِرُ الْإِتْيَانَ بِجَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْبَسْمَلَةَ) كَأَنْ سَمِعَهُ يَصِلُ تَكْبِيرَةَ التَّحَرُّمِ أَوْ الْقِيَامِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ (قَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ) أَيْ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ عِنْدَ إرَادَتِهِ الرُّكُوعَ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُعِيدَهَا عَلَى الصَّوَابِ (قَوْلُهُ: الْأَوْدَنِيُّ) قَالَ فِي اللُّبِّ: الْأَوْدَنِيُّ بِالضَّمِّ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ إلَى أُودَنَةَ مِنْ قُرَى بُخَارَى. قُلْت: وَبِالْفَتْحِ إلَى أَوْدَنَ مِنْهَا أَيْضًا، قَالَ يَاقُوتُ: وَأَظُنُّهُمَا وَاحِدًا، وَاخْتُلِفَ فِي الْهَمْزَةِ. انْتَهَى.
وَفِي طَبَقَاتِ الْإِسْنَوِيِّ: هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَصِيرٍ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، تُوُفِّيَ بِبُخَارَى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ، وَأَوْدَنَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْإِكْمَالِ لِابْنِ مَاكُولَا وَعَنْ خَطِّ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ فِي الْأَنْسَابِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ خِلِّكَانَ أَنَّ ابْنَ السَّمْعَانِيِّ قَالَ: إنَّهُ بِالضَّمِّ وَأَنَّ الْفَتْحَ مِنْ خَطَأِ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ أَعَنَى ابْنَ خِلِّكَانَ (قَوْلُهُ: خَلْفَهُ) أَيْ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ كَأَنْ يَكُونَ: أَيْ الْمَأْمُومُ (قَوْلُهُ: وَانْتِظَارٍ كَثِيرٍ) أَيْ عُرْفًا م ر فِيمَا يَأْتِي فِي فَصْلِ شَرْطِ الْقُدْوَةِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْقُدْوَةُ اسْمٌ مِنْ اقْتَدَى بِهِ إذَا فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ تَأَسِّيًا، وَفُلَانٌ قُدْوَةٌ: أَيْ يُقْتَدَى بِهِ، وَالضَّمُّ أَكْثَرُ مِنْ الْكَسْرِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَيُقَالُ إنَّ الْقُدْوَةَ الْأَصْلُ الَّذِي يَتَشَعَّبُ مِنْهُ الْفُرُوعُ. انْتَهَى.
وَفِي الْقَامُوسِ: الْقُدْوَةُ مُثَلَّثَةٌ وَكَعِدَّةِ مَا تَسَنَّنْت بِهِ وَاقْتَدَيْت بِهِ (قَوْلُهُ: إنَّ النَّاسَ اقْتَدَوْا بِأَبِي بَكْرٍ) أَيْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ بَانَ إمَامًا. اهـ ابْنُ حَجَرٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم بِأَنْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي كَوْنِ إمَامِهِ مَأْمُومًا إلَّا أَنَّ مَحَلَّ هَذَا مَا لَمْ يَبْنِ إمَامًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُنَافِيهِ، وَإِنْ بَانَ إمَامًا؛ لِجَوَازِ تَخْصِيصِهِ بِغَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ. اهـ.
وَكَتَبَ سم أَيْضًا: قَوْلَهُ: وَإِنْ بَانَ إمَامًا: أَيْ إنْ طَالَ زَمَنُ التَّرَدُّدِ أَوْ مَضَى رُكْنٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ) أَيْ فَلَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَهَلْ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ أَوْ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: أَنَّهُ إمَامٌ) أَيْ بِصَاحِبِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ) أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا طَالَ التَّرَدُّدُ أَوْ مَضَى رُكْنٌ ضُرَّ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ طَرِيقُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ابْنُ الرِّفْعَةِ، أَوْ الْبُطْلَانُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ، أَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ فِي الشَّكِّ فِي النِّيَّةِ وَقَدْ مَرَّ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَخَرَجَ بِمُقْتَدٍ مَا لَوْ انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ كَأَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَقَامَ مَسْبُوقٌ فَاقْتَدَى بِهِ آخَرُ أَوْ مَسْبُوقُونَ فَاقْتَدَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَتَصِحُّ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
(وَلَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ) ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي مِثْلَهُ (كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ) بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَمُحْدِثٍ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ لِإِكْرَاهٍ أَوْ لِكَوْنِهِ فَقَدَ الطَّهُورَيْنِ؛ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِصَلَاتِهِ فَكَانَتْ كَالْفَاسِدَةِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَإِنْ صَحَّتْ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَأَمَّا عَدَمُ أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِالْإِعَادَةِ فَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ عَدَمَهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ، وَلِجَوَازِ كَوْنِهِمْ كَانُوا عَالَمِينَ وَقَضَوْا مَا عَلَيْهِمْ.
(وَلَا قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ فِي الْجَدِيدِ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَرَاوِزَةِ. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ) أَيْ أَمَّا فِيهَا فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إنْشَاءَ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى (قَوْلُهُ: لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ) ظَاهِرٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَعَلَيْهِ فَلَا ثَوَابَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَةُ.
وَفِي ابْنِ حَجَرٍ التَّصْرِيحُ بِرُجُوعِهِ لِلثَّانِيَةِ فَقَطْ، وَالْكَرَاهَةُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهَا، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمَحَلِّيِّ قُبَيْلَ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مَا يُصَرِّحُ بِتَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِالثَّانِيَةِ، هَذَا وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ الْإِمَامُ تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَيَعُودُ لِتَدَارُكِهِ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ تَصِحَّ قُدْوَةُ الْمُقْتَدِي بِالْإِمَامِ الثَّانِي لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ مُقْتَدٍ بِمُقْتَدٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
(قَوْلُهُ: كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ) هَلْ شَرْطُ هَذَا عِلْمُ الْمَأْمُومِ بِحَالِهِ حَالَ الِاقْتِدَاءِ أَوْ قَبْلَهُ وَنَسِيَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مُطْلَقًا إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ صَحَّتْ، وَلَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِمَامَ مُحْدِثٌ، وَتَبَيُّنُ حَدَثِ الْإِمَامِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يَضُرُّ وَلَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ كَمَا سَيَأْتِي، أَوْ لَا فَرْقَ هُنَا وَيَخُصُّ مَا سَيَأْتِي بِغَيْرِ ذَلِكَ وَيُفَرَّقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالتَّسْوِيَةُ قَرِيبَةٌ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فَرْقٌ وَاضِحٌ.
فَإِنْ قِيلَ عَلَى التَّسْوِيَةِ: هَلْ اكْتَفَى عَنْ هَذَا الْمِثَالِ بِمَسْأَلَةِ الْحَدَثِ الْآتِيَةِ؟ قُلْنَا: يَفُوتُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ الْمُتَيَمَّمَ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ بَاقِيًا تَأَمَّلْ. اهـ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.
وَقَوْلُهُ: وَالتَّسْوِيَةُ قَرِيبَةٌ: أَيْ فَلَا قَضَاءَ كَمَا لَوْ بَانَ حَدَثُ إمَامِهِ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فَرْقٌ وَاضِحٌ. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ الْفَرْقُ أَنَّ الْحَدَثَ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يَخْفَى فَلَا يُنْسَبُ الْمَأْمُومُ مَعَهُ إلَى تَقْصِيرٍ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَهُوَ مِمَّا يَغْلِبُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ سِيَّمَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِينَ فَيُنْسَبُ الْمَأْمُومُ إلَى تَقْصِيرٍ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِحَالِ الْإِمَامِ، هَذَا وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مَا يُصَرِّحُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحْدِثِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْخَبَرِ: أَيْ خَبَرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَيْثُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَقَدْ تَيَمَّمَ لِلْبَرْدِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ وَلَا أَصْحَابَهُ بِالْقَضَاءِ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ، وَبِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا أَصْحَابُهُ فَيُحْتَمَلُ عَدَمُ مَعْرِفَتِهِمْ الْحُكْمَ أَوْ جَهْلُهُمْ بِحَالِهِ وَقْتَ الْقُدْوَةِ بِهِ. (قَوْلُهُ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) أَيْ لَمَّا تَيَمَّمَ لِلْبَرْدِ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ: وَلِجَوَازِ كَوْنِهِمْ كَانُوا عَالِمِينَ) أَيْ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِمَنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَاقْتِدَاؤُهُمْ بِعَمْرٍو إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ حَالَ الِاقْتِدَاءِ
(قَوْلُهُ: وَلَا قَارِئٌ بِأُمِّيٍّ إلَخْ) . [فَرْعٌ] عَلِمَ أُمِّيَّتَهُ وَغَابَ غَيْبَةً يُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ فِيهَا فَهَلْ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْأُمِّيَّةِ. وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ تَعَلَّمَ فِي غَيْبَتِهِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ وَيُعَلَّلُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ. لَا يُقَالُ: يُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرَ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ عَلِمَ حَدَثَهُ ثُمَّ فَارَقَهُ مُدَّةً يُمْكِنُ فِيهَا طُهْرُهُ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي إلَخْ) هَذِهِ الْأَجْوِبَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى لُزُومِ الْإِعَادَةِ لَهُمْ خِلَافَ مَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلِجَوَازِ كَوْنِهِمْ كَانُوا عَالِمِينَ) أَيْ حِينَ بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ طَرَأَ لَهُمْ الْعِلْمُ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ
وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّعَلُّمِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقْتَدِي بِحَالِهِ؛ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِتَحَمُّلِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ لَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا مَثَلًا وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ التَّحَمُّلُ كَمَا مَرَّ، وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي السَّرِيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقْرَأُ فِي الْجَهْرِيَّةِ بَلْ يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْهُ فِيهَا، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ أَيْضًا، وَالْأُمِّيُّ مَنْسُوبٌ لِلْأُمِّ كَأَنَّهُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي وَلَدَتْهُ عَلَيْهَا، وَأَصْلُهُ لُغَةً لِمَنْ لَا يَكْتُبُ، وَاسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا ذُكِرَ مَجَازًا.
وَقَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ رَاجِعٌ إلَى اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ لَا إلَى مَا قَبْلَهُ (وَهُوَ مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ) بِأَنْ عَجَزَ عَنْ إخْرَاجِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ (أَوْ تَشْدِيدَةِ مِنْ الْفَاتِحَةِ) ؛ لِرَخَاوَةٍ فِي لِسَانِهِ، وَمَنْ يُحْسِنُ سَبْعَ آيَاتٍ مَعَ مَنْ لَا يُحْسِنُ إلَّا الذِّكْرَ، وَحَافِظِ نِصْفِ الْفَاتِحَةِ الْأَوَّلِ بِحَافِظِ نِصْفِهَا الثَّانِي مَثَلًا كَقَارِئٍ مَعَ أُمِّيٍّ، وَنَبَّهَ بِمَا ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْسِنْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَلَوْ أَحْسَنَ أَصْلَ التَّشْدِيدِ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْمُبَالَغَةُ صَحَّتْ الْقُدْوَةُ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي (وَمِنْهُ أَرَتٌّ) بِمُثَنَّاةٍ مُشَدَّدَةٍ (يُدْغَمُ) بِإِبْدَالٍ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ) أَيْ الْإِدْغَامِ الْمَفْهُومِ مِنْ يُدْغِمُ فَلَا يَضُرُّ إدْغَامٌ فَقَطْ كَتَشْدِيدِ لَامِ أَوْ كَافِ مَالِكٍ (وَ) مِنْهُ (أَلْثَغُ) بِمُثَلَّثَةٍ (يُبْدِلُ حَرْفًا بِحَرْفٍ) كِرَاءٍ بِغَيْنٍ وَسِينٍ بِثَاءٍ، نَعَمْ لَوْ كَانَتْ اللُّثْغَةُ يَسِيرَةً بِأَنْ لَمْ تَمْنَعْ أَصْلَ مَخْرَجِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَافٍ لَمْ تُؤَثِّرْ، وَالْإِدْغَامُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الْمُبْطِلِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِبْدَالِ إلَّا أَنَّهُ إبْدَالُ خَاصٍّ، فَكُلُّ أَرَتَّ أَلْثَغَ وَلَا عَكَسَ.
(وَتَصِحُّ) قُدْوَةُ أُمِّيٍّ وَلَوْ فِي الْجُمُعَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا (بِمِثْلِهِ) فِي الْحَرْفِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي الْإِبْدَالِ كَمَا لَوْ عَجَزَا عَنْ الرَّاءِ وَأَبْدَلَهَا أَحَدُهُمَا غَيْنًا وَالْآخَرُ لَامًا، بِخِلَافِ عَاجِزٍ عَنْ رَاءٍ بِعَاجِزٍ عَنْ سِينٍ، وَإِنْ اتَّفَقَا فِي الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَطَهَّرَ فِي غَيْبَتِهِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ تَطَهَّرَ بَعْدَ حَدَثِهِ لِتَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَلَيْسَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْأُمِّيِّ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأُمِّيَّةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ التَّوَقُّفِ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ ذَاكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَوْ اسْتَوَى عِنْدَهُ الِاحْتِمَالَانِ، وَمَا نَقَلَ الْفَتَاوَى مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ بِقَرِينَةٍ إفَادَتِهِ الظَّنَّ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ فَلَا تَنْعَقِدُ لِلْجَاهِلِ بِحَالِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَبْنِ الْحَالُ إلَّا بَعْدُ. اهـ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: فِيمَا ذُكِرَ مَجَازًا) أَيْ ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً (قَوْلُهُ: لَا إلَى مَا قَبْلَهُ) وَيَدُلُّ لِذَلِكَ إعَادَةُ لَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ إلَخْ) عَمِيرَةُ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا يَمْتَنِعُ الِاقْتِدَاءُ إلَّا بَعْدَ الْإِخْلَالِ الْمَذْكُورِ فَتَفَطَّنْ لَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ وِفَاقًا لِشَيْخِنَا طب رحمه الله وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ هُوَ نَقْصُهُ بِالْأُمِّيَّةِ كَالْأُنُوثَةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْإِخْلَالِ تَأَمَّلْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: كَقَارِئٍ مَعَ أُمِّيٍّ) هَذَا وَاضِحٌ فِيمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ مَعَ مَنْ يَحْفَظُ الذِّكْرَ، أَمَّا مَنْ يَحْفَظُ نِصْفَ الْفَاتِحَةِ الْأَوَّلِ مَعَ مَنْ يَحْفَظُ الثَّانِيَ فَكَأُمِّيَّيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْمَعْجُوزِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَكَأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي الْقَارِئِ مَعَ الْأُمِّيِّ بِالنَّظَرِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ صَاحِبِهِ فِي النِّصْفِ الَّذِي يَحْفَظُ دُونَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَمْ تُؤَثِّرْ) عَمِيرَةُ عَنْ أَبِي غَانِمٍ ملقى ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ: انْتَهَى سُرَيْجٌ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانَتْ لُثْغَتُهُ يَسِيرَةً، وَفِي مِثْلِهَا: فَقُلْت لَهُ هَلْ تَصِحُّ إمَامَتِي؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَإِمَامَتِي أَيْضًا. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ قُدْوَةُ أُمِّيٍّ) ظَاهِرُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا) مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا، وَلَا تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ وَفِيهِمْ أُمِّيٌّ لِارْتِبَاطِ صِحَّةِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَصَارَ كَاقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا قَصَّرَ الْأُمِّيُّ فِي التَّعَلُّمِ وَإِلَّا فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: فِي الْحَرْفِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ) لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْإِخْلَالِ بِحَرْفٍ مُعَيَّنٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا بِالْإِخْلَالِ بِشَيْءٍ آخَرَ فَيَنْبَغِي صِحَّةُ اقْتِدَاءِ ذِي الزِّيَادَةِ بِالْآخَرِ دُونَ الْعَكْسِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: وَأَبْدَلَهَا أَحَدُهُمَا غَيْنًا وَالْآخَرُ لَامًا) قَالَ عَمِيرَةُ: وَمِثْلُهُ أَيْ فِي الصِّحَّةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
يَقْتَدُونَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِتَحَمُّلِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ إلَخْ) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ فِي الْجُمْلَةِ لَوْ كَانَ مُتَطَهِّرًا (قَوْلُهُ: وَنَبَّهَ بِمَا ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْسِنْهَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنَّ مَا فَسَّرَ بِهِ الْأُمِّيُّ قَاصِرٌ
يُحْسِنُ مَا لَا يُحْسِنُهُ صَاحِبُهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ أَخْرَسَ بِأَخْرَسَ، وَلَوْ عَجَزَ إمَامُهُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِخَرَسٍ لَزِمَهُ مُفَارَقَتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ صَحِيحٌ، وَلَا كَذَلِكَ الْقَارِئُ بِالْأَخْرَسِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخَرَسِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ أَعَادَ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْخَرَسِ نَادِرٌ، بِخِلَافِ طُرُوُّ الْحَدَثِ.
وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ صِحَّةَ اقْتِدَاءِ مَنْ يُحْسِنُ نَحْوَ التَّكْبِيرِ أَوْ التَّشَهُّدِ أَوْ السَّلَامِ بِالْعَرَبِيَّةِ بِمَنْ لَا يُحْسِنُهَا بِهَا. وَوَجَّهَهُ أَنَّ هَذِهِ لَا مَدْخَلَ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ فِيهَا فَلَمْ يَنْظُرْ لِعَجْزِهِ عَنْهَا، وَتَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ أَوْ قِرَاءَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِسْلَامُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، فَإِنْ أَسَرَّ هَذَا فِي جَهْرِيَّةٍ أَعَادَ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ، وَيَلْزَمُهُ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ أَئِمَّتِنَا الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ، أَمَّا فِي السَّرِيَّةِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ طَهَارَةِ الْإِمَامِ.
نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، لَا إنْ قَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الْجَهْرِيَّةِ: نَسِيت الْجَهْرَ أَوْ أَسْرَرْت لِكَوْنِهِ جَائِزًا وَصَدَّقَهُ الْمَأْمُومُ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، بَلْ تُسْتَحَبُّ، وَإِنْ لَمْ يَجْهَلْ الْمَأْمُومُ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ، إذْ مُتَابَعَةُ الْمَأْمُومِ لِإِمَامِهِ بَعْدَ إسْرَارِهِ لَا تَبْطُلُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِيمَا يَظْهَرُ لَوْ كَانَ يُسْقِطُ الْحَرْفَ الْأَخِيرَ وَالْآخَرُ يُبْدِلُهُ. انْتَهَى.
أَقُولُ: قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ اتَّفَقَا فِي الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، لَكِنَّ الْآتِيَ بِالْبَدَلِ قِرَاءَتُهُ أَكْمَلُ وَأَتَمُّ مِمَّا لَمْ يَأْتِ لَهَا بِبَدَلٍ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَسْقَطَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْحَرْفِ الْأَصْلِيِّ. (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُحْسِنُ مَا لَا يُحْسِنُهُ صَاحِبُهُ (قَوْلُهُ: أَخْرَسُ بِأَخْرَسَ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ وَوَجَّهَ أَيْ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ الْجَهْلُ بِتَمَاثُلِهِمَا لِجَوَازِ أَنْ يُحْسِنَ أَحَدُهُمَا مَا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُ كَمَا لَوْ كَانَا نَاطِقَيْنِ اهـ.
وَهُوَ وَاضِحٌ فِي الْخَرَسِ الطَّارِئِ، وَيُوَجَّهُ فِي الْأَصْلِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا قُوَّةٌ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ نَاطِقًا أَحْسَنَ مَا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُ. اهـ سم عَلَى حَجّ. وَلَمْ يَرِدْ فِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ عَلَى التَّوْجِيهِ فِي الْخِلْقِيِّ (قَوْلُهُ: أَعَادَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ سَرِيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً.
(قَوْلُهُ: بِمَنْ لَا يُحْسِنُهَا بِهَا) صَادِقٌ بِمَنْ لَا يُحْسِنُهَا بِلُغَةٍ أَصْلًا وَالتَّعْلِيلُ يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِسْلَامُ) وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْأَخْرَسِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ مُمَاثَلَةٍ وَعَدَمِهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَسَرَّ هَذَا) أَيْ مَنْ جُهِلَتْ قِرَاءَتُهُ فَلَا يَكْفِيهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ (قَوْلُهُ: أَعَادَ الْمَأْمُومُ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يُخْبِرْهُ بَعْدَ السَّلَامِ بِأَنَّهُ أَسَرَّ نَاسِيًا مَثَلًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَهُ إدَامَةُ الْقُدْوَةِ مَعَهُ إلَى السَّلَامِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَبْحَثْ عَنْ حَالِهِ حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى فَيَنْبَغِي عَدَمُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي السَّرِيَّةِ) أَيْ بِأَنْ قَرَأَ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَسْمَعْهُ الْمَأْمُومُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَجْهَلْ) هِيَ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ) أَيْ حَيْثُ قَالَ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ لِتَرَدُّدِ الْمَأْمُومِ فِي صِحَّةِ قُدْوَتِهِ بِإِسْرَارِ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ عَمَلًا إلَخْ قَدْ يُمْنَعُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ يُفِيدُ ذَلِكَ، بَلْ قَوْلُهُ: إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ يُؤَيِّدُ كَلَامَ السُّبْكِيّ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ أَخْرَسَ بِأَخْرَسَ) وَجْهُ عِلْمِهِ مِنْهُ مَا يُؤْخَذُ مِمَّا وَجَّهُوا بِهِ الْحُكْمَ مِنْ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُحْسِنَ أَحَدُهُمَا مَا لَمْ يُحْسِنْهُ الْآخَرُ، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مِنْهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ: أَيْ الَّذِي مُمَاثَلَتُهُ لَهُ مُحَقَّقَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَخَرَجَ بِهِ الْأَخْرَسُ مَعَ الْأَخْرَسِ لِلتَّوْجِيهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ، وَالشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ جَعَلَ الضَّمِيرَ رَاجِعًا إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُحْسِنُ مَا لَمْ يُحْسِنْهُ صَاحِبُهُ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِحْسَانِ فِيهِ مُحَقَّقٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمُحْتَمَلِ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ) فِي قَوْلِهِ بِلُزُومِ الْإِعَادَةِ إذَا لَمْ يَجْهَلْ الْمَأْمُومُ وُجُوبَهَا
عَمَلًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ.
وَهَذَا، وَإِنْ عَارَضَهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ تَرَجَّحَ عَلَيْهِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يُخْبِرَ إمَامُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ بِأَنَّهُ أَسَرَّ نَاسِيًا أَوْ لِكَوْنِهِ جَائِزًا فَسَوَّغَ بَقَاءَ الْمُتَابَعَةِ، ثُمَّ بَعْدَ السَّلَامِ إنْ وَجَدَ الْإِخْبَارَ الْمَذْكُورَ عَمِلَ بِالْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَبِالثَّانِي، وَيُحْمَلُ سُكُوتُهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ جَهْرًا عَلَى الْقِرَاءَةِ سِرًّا حَتَّى تَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ. وَجَوَازُ الِاقْتِدَاءِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْقَضَاءِ، كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ اجْتَهَدَ فِي الْقِبْلَةِ ثُمَّ ظَهَرَ الْخَطَأُ فَإِنَّهُ فِي حَالِ الصَّلَاةِ مُتَرَدِّدٌ فِي صِحَّةِ الْقُدْوَةِ، كَذَا أَفَادَنِيهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَهُ سِوَاهُ.
وَمَنْ جَهِلَ حَالَ إمَامِهِ الَّذِي لَهُ حَالَتَا جُنُونٍ، وَإِفَاقَةٍ، وَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ فَلَمْ يَدْرِ هُوَ فِي أَيِّهِمَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسَنُّ.
(وَتُكْرَهُ) الْقُدْوَةُ (بِالتَّمْتَامِ) وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ التَّاءَ وَالْقِيَاسُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ التَّأْتَأَةُ (وَالْفَأْفَاءِ) وَهُوَ بِهَمْزَتَيْنِ وَمَدٍّ فِي آخِرِهِ مَنْ يُكَرِّرُ الْفَاءَ وَالْوَأْوَاءِ وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ الْوَاوَ، وَكَذَا سَائِرِ الْحُرُوفِ لِزِيَادَتِهِ، وَنُفْرَةِ الطَّبْعِ عَنْ سَمَاعِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا فَاءَ فِيهَا، وَجَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ مَعَ زِيَادَتِهِمْ؛ لِعُذْرِهِمْ فِيهَا (وَاللَّاحِنِ) لَحْنًا غَيْرَ مُغَيِّرِ الْمَعْنَى كَفَتْحِ دَالِ نَعْبُدُ وَكَسْرِ بَائِهَا وَنُونِهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِالتَّعْلِيلِ قَوْلَهُ قَبْلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِسْلَامُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ) هُوَ قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالظَّاهِرِ.
[فَرْعٌ] لَوْ بَانَ الْإِمَامُ تَارِكًا لِلْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ هَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا أَوْ لَا مُطْلَقًا، أَوْ لَا يَجِبُ فِي السَّرِيَّةِ وَيَجِبُ فِي الْجَهْرِيَّةِ؟ مَالَ م ر إلَى الْوُجُوبِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْقِرَاءَةِ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا. اهـ.
وَأَقُولُ: الْوُجُوبُ لَا يُمْكِنُ خِلَافُهُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ أَخْذًا مِمَّا قُرِّرَ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ ثُبُوتِ التَّرْكِ أَنَّهُ أَسَرَّ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ إحْسَانُ الْقِرَاءَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا بَانَ قَارِئًا لَكِنَّهُ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ صَرَّحَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ بِالْبُطْلَانِ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ يُطَّلَعُ عَلَيْهَا، فَقَدْ يُقَاسُ بِذَلِكَ تَرْكُ الْفَاتِحَةِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ دُونَ الْفَاتِحَةِ فِي السَّرِيَّةِ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي السَّرِيَّةِ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ: عُمِلَ بِالْأَوَّلِ) هُوَ عَدَمُ الْإِعَادَةِ وَالثَّانِي الْإِعَادَةُ (قَوْلُهُ: وَيُحْمَلُ سُكُوتُهُ إلَى آخِرِهِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ جَائِزًا فَسَوَّغَ بَقَاءُ الْمُتَابَعَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ فِي حَالِ الصَّلَاةِ مُتَرَدِّدٌ) تَرَدُّدُهُ فِي هَذِهِ لَيْسَ لِخَلَلٍ مُتَعَلِّقٍ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَحْدَهُ، بَلْ تَرَدُّدُهُ فِي صِحَّةِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ يُورِثُ تَرَدُّدًا فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ نَفْسِهِ بِتَقْدِيرِ الِانْفِرَادِ لِاتِّحَادِ الْجِهَةِ الَّتِي اسْتَقْبَلَاهَا.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ جَهِلَ حَالَ إمَامِهِ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ وَتَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ الْآنَ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ أَوْ الْإِفَاقَةِ، وَلِمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ فُلَانٌ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَلِمَ بِهِ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِي الثَّانِيَةِ ظَاهِرٌ لِجَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ حَالَ الْقُدْوَةِ، وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَقَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ انْعِقَادِ صَلَاتِهِ لِتَرَدُّدِهِ فِي النِّيَّةِ حَالَةَ التَّحَرُّمِ، وَيَنْبَغِي لَهُ الِاسْتِئْنَافُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ شَكَّ فِي الْأَثْنَاءِ، وَلَا تَكْفِيهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ (قَوْلُهُ: بَلْ تُسَنُّ) أَيْ وَلَوْ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ إعَادَتَهُ لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ طَلَبِ الْفَضِيلَةِ بَلْ لِاحْتِمَالِ بُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ.
(قَوْلُهُ: وَتُكْرَهُ الْقُدْوَةُ بِالتِّمْتَامِ) قَالَ عَمِيرَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: الِاخْتِيَارُ: أَيْ الْأَوْلَى فِي الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ فَصِيحَ اللِّسَانِ حَسَنَ الثِّيَابِ مُرَتِّلًا لِلْقُرْآنِ. انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ التَّاءَ) هَلْ وَلَوْ عَمْدًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُكَرَّرَ حَرْفٌ قُرْآنِيٌّ لَا كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ أَوْ لَا، أَوْ يَفْصِلُ بَيْنَ كَثْرَةِ الْمُكَرَّرِ وَعَدَمِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ لِمَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُكَرَّرَ حَرْفٌ قُرْآنِيٌّ كَثُرَ أَوْ قَلَّ (قَوْلُهُ: لِعُذْرِهِمْ فِيهَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَوْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَا يُكَرِّرُهُ حَرْفٌ قُرْآنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاللَّاحِنُ) عَمِيرَةُ اللَّحْنُ بِالسُّكُونِ الْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ وَبِالْفَتْحِ الْفَطِنَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:«فَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَلْحَنُ بِالْحُجَّةِ» . اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ اللَّحَنِ بِالْفَتْحِ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِأَنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ عَدَمُ الْمُتَابَعَةِ فَمُتَابَعَتُهُ مُبْطِلَةٌ لِصَلَاتِهِ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ
لِبَقَاءِ الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ الْمُتَعَمِّدُ لِذَلِكَ آثِمًا، وَضَمِّ صَادِ الصِّرَاطِ وَهَمْزَةِ اهْدِنَا وَنَحْوِهِ كَاللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ تُسَمِّهِ النُّحَاةُ لَحْنًا (فَإِنْ) لَحَنَ لَحْنًا (غَيَّرَ مَعْنًى كَ أَنْعَمْت بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ) أَوْ أَبْطَلَهُ كَالْمُسْتَقِينَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَحَذَفَهُ مِنْهُ لِفَهْمِهِ بِالْأَوْلَى، أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْأَلْثَغِ، وَمُرَادُهُ بِاللَّحْنِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْإِبْدَالَ.
(أَبْطَلَ)(صَلَاةَ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمَ) وَلَمْ يَتَعَلَّمْ لِعَدَمِ كَوْنِهِ قُرْآنًا، وَلَوْ تَفَطَّنَ لِلصَّوَابِ قَبْلَ السَّلَامِ أَعَادَ وَلَمْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّى لِحُرْمَتِهِ وَأَعَادَ لِتَقْصِيرِهِ، وَحَذَفَ هَذَا مِنْ الْمُحَرَّرِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا وَالِاقْتِدَاءُ مُمْتَنِعٌ بِهِ فِي الْحَالَيْنِ (فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ) مِنْ وَقْتِ إسْلَامِهِ فِيمَنْ طَرَأَ إسْلَامُهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَمِنْ التَّمْيِيزِ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ، إذْ كُلٌّ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ.
هَذَا وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَكْلِيفِهِ بِهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ وَالْخِطَابُ فِي ذَلِكَ مُتَوَجِّهٌ لِوَلِيِّهِ دُونَهُ (فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ) أَوْ بَدَلِهَا (فَكَأُمِّيٍّ) وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا وَغَيْرِ بَدَلِهَا (فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ وَعُذِرَ بِهِ أَوْ نَاسِيًا أَنَّهُ لَحْنٌ أَوْ كَوْنُهُ فِي صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ بِهَذَا الشَّرْطِ مُغْتَفَرٌ لَا يُبْطِلُهَا، وَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ شَرْطَ بُطْلَانِهَا بِالتَّغْيِيرِ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَالِمًا مُتَعَمِّدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ، وَشَرْطُ إبْطَالِهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا فِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَمَعْنَاهُ أَشَدُّ لَحْنًا مِنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَضَمُّ صَادِ الصِّرَاطِ) أَيْ أَوْ فَتْحِهَا (قَوْلُهُ: كَالْمُسْتَقِينَ) التَّمْثِيلُ بِهِ لَا يُظْهِرُ مَعْنَاهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ هَذَا الْمُرَكَّبَ مِنْ الْمَوْصُوفِ وَصِفَتِهِ لَفْظٌ لَا مَعْنًى لَهُ، بِخِلَافِ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] فَإِنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَهُ مَعْنًى لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فِي الْآيَةِ فَلَا يُقَالُ الْمُسْتَقِينَ جَمْعَ مُسْتَقْنٍ.
فَالْحَاصِلُ فِيهِ تَغَيُّرُ الْمَعْنَى لَا إبْطَالُهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إبْطَالُهُ إزَالَةُ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ، وَإِنْ حَدَثَ لَهُ مَعْنًى آخَرُ فَالْمُسْتَقِينَ بِالنُّونِ وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَعْنًى آخَرُ لَكِنْ بَطَلَ مَعَهُ مَعْنَى الْمُسْتَقِيمِ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ أَنْعَمْت بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ فَإِنَّ كَوْنَ التَّاءِ ضَمِيرًا لَمْ يُزَلْ عَنْ الْكَلِمَةِ، وَإِنْ تَغَيَّرَ مِنْ خِطَابِ الْمُذَكَّرِ إلَى غَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
[فَرْعٌ] لَوْ سَهَّلَ هَمْزَةَ أَنْعَمْت أَثِمَ، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ صِفَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْقَطَ هَمْزَةَ أَنْعَمْت فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَرْفٍ، وَالتَّسْهِيلُ قُرِئَ بِنَظِيرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} [البقرة: 220] بِتَسْهِيلِ هَمْزَةِ أَعْنَتَكُمْ غَايَتُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ مَكْرُوهَةٌ فِي تَسْهِيلِ هَمْزَةِ أَنْعَمْت.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ السَّلَامِ) أَيْ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مَا دَامَ الْوَقْتُ وَاسِعًا، وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ أَيِسَ مِمَّنْ يَعْلَمُهُ، وَقِيَاسُ مَا فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ إنْ لَمْ يَرْجُ الْمَاءَ صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ فَقْدَ الطَّهُورَيْنِ مِنْ أَصْلِهِ لَا اخْتِيَارَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ، بِخِلَافِ تَرْكِ التَّعَلُّمِ فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ مَنْسُوبٌ فِيهِ إلَى تَقْصِيرٍ لِحُصُولِ التَّفْوِيتِ مِنْ جِهَتِهِ (قَوْلُهُ: وَحَذَفَ هَذَا) هُوَ قَوْلُهُ: فَإِنْ ضَاقَ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَيْ فَيَكُونُ مِنْ الْبُلُوغِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ إلَخْ) أَفَادَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَاللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَفِيهِ اتِّحَادُ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَحَذَفَهُ مِنْهُ لِفَهْمِهِ بِالْأَوْلَى) أَيْ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اللَّحْنِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِبْدَالِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَتَجَوَّزَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَدَّوْا مِنْ اللَّحْنِ الْمُبْطِلِ لِلْمَعْنَى قَوْلُهُ: الْمُسْتَقِينَ، وَلَيْسَ بِلَحْنٍ بَلْ إبْدَالُ حَرْفٍ بِحَرْفٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَفَطَّنَ لِلصَّوَابِ قَبْلَ السَّلَامِ أَعَادَ) لَا مَحَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِمُجَرَّدِ إتْيَانِهِ بِمَا ذَكَرَ، وَالشِّهَابُ حَجّ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ الْآتِي الَّذِي تَبِعَهُ فِيهِ الشَّارِحُ بِخِلَافِ مَا فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ بَدَلِهَا فَإِنَّهُ رُكْنٌ، وَهُوَ لَا يَسْقُطُ بِنَحْوِ جَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ نِعْمَ لَوْ تَفَطَّنَ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ كَوْنُهُ فِي صَلَاةٍ) فِيهِ وَقْفَةٌ، وَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ) أَيْ أَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ فَيَبْطُلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامِدًا عَالِمًا لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّدَارُكِ قَبْلَ السَّلَامِ لَا لِكَوْنِهِ لَحْنًا بَلْ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ
الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ رُكْنٌ، وَهُوَ لَا يَسْقُطُ بِنَحْوِ نِسْيَانٍ أَوْ جَهْلٍ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ مُقْتَضَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَيْسَ هَذَا اللَّاحِنُ قِرَاءَةَ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مِنْ بُطْلَانِهَا مُطْلَقًا قَادِرًا أَمْ عَاجِزًا.
(وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ رَجُلٍ) أَيْ ذَكَرٍ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا (وَلَا خُنْثَى) مُشَكَّلٍ (بِامْرَأَةٍ) أَيْ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَتْ صَبِيَّةً (وَلَا خُنْثَى) مُشَكَّلٍ بِالْإِجْمَاعِ فِي الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ إلَّا مَنْ شَذَّ كَالْمُزَنِيِّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ نَاقِصَةٌ عَنْ الرَّجُلِ وَقَدْ يَكُونُ فِي إمَامَتِهَا افْتِتَانٌ بِهَا، وَالْخُنْثَى الْمُقْتَدَى بِهَا يَجُوزُ كَوْنُهُ ذَكَرًا وَالْمُقْتَدَى بِهِ الذَّكَرُ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ أُنْثَى، وَفِي اقْتِدَاءِ الْخُنْثَى بِالْخُنْثَى يُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِمَامَ أُنْثَى وَالْمَأْمُومَ ذَكَرٌ.
أَمَّا اقْتِدَاءُ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْخُنْثَى أَوْ بِالرَّجُلِ وَاقْتِدَاءُ الْخُنْثَى وَالرَّجُلِ بِالرَّجُلِ فَصَحِيحٌ لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ. وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ تِسْعٌ: خَمْسَةٌ صَحِيحَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ بَاطِلَةٌ. وَيُكْرَهُ اقْتِدَاءُ خُنْثَى بَانَتْ أُنُوثَتُهُ بِعَلَامَةٍ غَيْرِ قَطْعِيَّةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ بِخُنْثَى بَانَتْ ذُكُورَتُهُ.
(وَتَصِحُّ) الْقُدْوَةُ (لِلْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ) الَّذِي لَا تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ لِكَمَالِ حَالِهِ (وَ) لِلْمُتَوَضِّئِ (بِمَاسِحِ الْخُفِّ) إذْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ حَدَثِهِ.
(وَالْقَائِمُ بِالْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعُ) وَالْمُسْتَلْقِي وَلَوْ مُومِيًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، وَلِأَحَدِهِمْ بِالْآخَرِ كَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ قِيَامًا» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ. وَتُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم ضَحْوَةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ نَاسِخًا لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» إلَى أَنْ قَالَ «، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» لَا يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ وُجُوبِ الْقُعُودِ وُجُوبُ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْأَصْلُ الْقِيَامُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقُعُودُ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فَلَمَّا نُسِخَ ذَلِكَ زَالَ اعْتِبَارُ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فَلَزِمَ وُجُوبُ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ.
(وَالْكَامِلُ) أَيْ الْبَالِغُ الْحُرُّ (بِالصَّبِيِّ) الْمُمَيِّزِ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا لِلِاعْتِدَادِ بِصَلَاتِهِ، «؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ عَلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
ضَعْفَ مَا سَيَأْتِي عَنْ الْإِمَامِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِهَذَا اللَّاحِنِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ رحمه الله: قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ قِيلَ لَيْسَ لِهَذَا اللَّاحِنِ قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ إلَخْ، فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ جَزْمٌ بِالْمَنْعِ مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: مِنْ بُطْلَانِهَا) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: أَيْ ذَكَرٌ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ إدْخَالَ الصَّبِيّ فَقَطْ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إلَخْ) وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا» اهـ عَمِيرَةُ.
[فَرْعٌ] هَلْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَلَكِ؟ الْوَجْهُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأُنْثَى وَإِنْ كَانَ لَا يُوصَفُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. [فَرْعٌ] هَلْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْجِنِّيِّ؟ الْوَجْهُ الصِّحَّةُ إذَا عَلِمَ ذُكُورَتَهُ فَهَلْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ تَصَوَّرَ فِي صُورَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَالْجِنِّيِّ كَصُورَةِ حِمَارٍ أَوْ كَلْبٍ؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ أَيْضًا، إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الْقَمُولِيِّ اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَتَطَوَّرَ بِمَا ذُكِرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ؛ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ جِنِّيٌّ ذَكَرٌ، فَحَيْثُ عَلِمَ لَمْ يَضُرَّ التَّطَوُّرُ بِمَا ذُكِرَ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: بَانَتْ ذُكُورَتُهُ) أَيْ بِعَلَامَةٍ غَيْرِ قَطْعِيَّةٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُومِيًا) أَيْ حَيْثُ عَلِمَ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْكَشْفِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لَهُ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ كَانَ رَابِطَةً فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا اعْتِبَارَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ لِعِلْمِهِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَمَحَلِّ كَوْنِ الْخَوَارِقِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا قَبْلَ وُقُوعِهَا، أَمَّا بَعْدَ وُقُوعِهَا فَيُعْتَدُّ بِهَا فِي حَقِّ مَنْ قَامَتْ بِهِ فَمَنْ ذَهَبَ مِنْ مَحَلٍّ بَعِيدٍ إلَى عَرَفَةَ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِهَا وَأَدَّى أَعْمَالَ الْحَجِّ تَمَّ حَجُّهُ وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَأْمُونٍ، قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ سُمِّيَ بِالْمُتَوَلِّي. اهـ طَبَقَاتُ الْإِسْنَوِيِّ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ مُومِيًا (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ) زَادَ الدَّمِيرِيِّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ) أَيْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ. اهـ دَمِيرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ بُلُوغِهِ سَبْعَ سِنِينَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ سِتِّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ» كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. نَعَمْ الْبَالِغُ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ أَقْرَأَ أَوْ أَفْقَهَ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، وَلِهَذَا نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ.
(وَالْعَبْدُ) ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ مُعْتَدٌّ بِهَا، وَلِأَنَّ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. نَعَمْ الْحُرُّ أَوْلَى مِنْهُ، وَإِنْ قَلَّ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ، إلَّا إنْ تَمَيَّزَ بِنَحْوِ فِقْهٍ كَمَا سَيَأْتِي وَالْحُرُّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْلَى مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْمُبَعَّضِ عَلَى كَامِلِ الرِّقِّ وَمَنْ زَادَتْ حُرِّيَّتُهُ عَلَى مَنْ نَقَصَتْ مِنْهُ، وَتَكْرَهُ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ، وَإِنْ كَانَ بَالِغًا كَمَا ذَكَرَهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضِهِ.
(وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) فِي الْإِمَامَةِ (سَوَاءٌ)(عَلَى النَّصِّ) لِتَعَارُضِ فَضِيلَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ مَا يُشْغِلُهُ فَهُوَ أَخْشَعُ، وَالْبَصِيرُ يَنْظُرُ الْخُبْثَ فَهُوَ أَحْفَظُ لِتَجَنُّبِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَالَةَ اسْتِوَائِهِمَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ، وَإِلَّا فَالْمُقَدَّمُ مَنْ تَرَجَّحَ بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْآتِيَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ: الْحُرُّ الْأَعْمَى أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ الْبَصِيرِ.
وَمِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ السَّمِيعُ مَعَ الْأَصَمِّ وَالْفَحْلُ مَعَ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ وَالْأَبُ مَعَ وَلَدِهِ وَالْقَرَوِيُّ مَعَ الْبَدْوِيِّ. وَقِيلَ الْأَعْمَى أَوْلَى مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَقِيلَ الْبَصِيرُ أَوْلَى مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى الثَّانِي. وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ بِصِيغَةِ، قِيلَ وَاسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّ الْأَعْمَى لَوْ كَانَ مُبْتَذَلًا لَا يَصُونُ نَفْسَهُ عَنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ كَأَنْ لَبِسَ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ فَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْهُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى ذَلِكَ.
وَرَدَّهُ الشَّيْخُ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ ذِكْرُهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي فِي نَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ. وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَعْمَى بَلْ لَوْ تَبَذَّلَ الْبَصِيرُ كَانَ الْأَعْمَى أَوْلَى مِنْهُ.
(وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ)(قُدْوَةِ) نَحْوِ (السَّلِيمِ بِالسَّلِسِ) بِكَسْرِ اللَّامِ: أَيْ سَلَسِ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ (وَالطَّاهِرَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ) وَالْمَسْتُورِ بِالْعَارِي وَالْمُسْتَنْجِي بِالْمُسْتَجْمِرِ وَالصَّحِيحِ بِمَنْ بِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَخْ. وَأَمَّا أَمْرُهُ بِهَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى بُلُوغِهِ ذَلِكَ فَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ) مُعْتَمَدٌ: أَيْ وَحَيْثُ كَانَتْ مَكْرُوهَةً لَا ثَوَابَ فِيهَا. هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ وَجْهُ الْكَرَاهَةِ مَعَ إقْرَارِهِ صلى الله عليه وسلم عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ إلَخْ وَاطْمِئْنَانُ نُفُوسِ قَوْمِهِ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: وَجْهُ الْكَرَاهَةِ الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَهَذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم، وَعُرُوضُ الْخِلَافِ بَعْدَهُ لَا يَضُرُّ لِاحْتِمَالِ النَّسْخِ عِنْدَ الْمُخَالِفِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إنْ تَمَيَّزَ) أَيْ الْعَبْدُ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ فَقِيهًا وَالْحُرُّ غَيْرَ فَقِيهٍ أَلْبَتَّةَ (قَوْلُهُ: أَوْلَى مُطْلَقًا) أَيْ تَمَيَّزَ الْعَبْدُ بِنَحْوِ فِقْهٍ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْقُلْفَةَ رُبَّمَا مَنَعَتْ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهَا، وَاحْتِمَالُ النَّجَاسَةِ كَافٍ فِي الْكَرَاهَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ فِيمَا ذَكَرَ السَّمِيعُ) أَيْ مِنْ الِاسْتِوَاءِ (قَوْلُهُ: لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ مَا يُشْغِلُهُ وَقَوْلُهُ لِلْمَعْنَى الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ: لِتَجَنُّبِهِ.
(قَوْلُهُ: نَحْوَ السَّلِيمِ إلَخْ) قَرَّرَ م ر أَنَّهُ لَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُسْتَحَاضَةً وَجَبَ الْقَضَاءُ. اهـ فَرَاجِعْهُ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَأْمُومَ رَجُلٌ فَالْقَضَاءُ وَاضِحٌ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِتَبَيُّنِ الِاسْتِحَاضَةِ بَلْ مُجَرَّدُ الْأُنُوثَةِ مُقْتَضٍ لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ: وَتَصِحُّ قُدْوَةُ السَّلِيمِ إلَخْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِفَرْضِ الْكَلَامِ فِي الْمَأْمُومِ الْأُنْثَى وَحَمْلِ الْكَلَامِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ سَلَسُ الْبَوْلِ وَنَحْوُهُ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: كَانْ يَؤُمَّهَا) أَيْ فِي حَالِ رِقِّهِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ مَوْلًى حَتَّى يَتِمَّ الدَّلِيلُ إذْ الْمَوْلَى الْعَتِيقُ
(قَوْلُهُ: نَحْوَ) الَّذِي زَادَهُ فِي غُضُونِ الْمَتْنِ رَاجِعٌ لِمَجْمُوعِ الصُّورَتَيْنِ بَعْدَهُ لَا لِخُصُوصِ لَفْظِ السَّلِيمِ وَإِنْ تَوَهَّمَ لِيُدْخِلَ الصُّوَرَ الَّتِي زَادَهَا بَعْدَ الْمَتْنِ كَأَنَّهُ قَالَ نَحْوُ قُدْوَةِ السَّلِيمِ بِالسَّلِسِ وَالطَّاهِرِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ كَالْمَسْتُورِ بِالْعَارِي إلَخْ، فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى لَفْظِ قُدْوَةٍ لَارْتَفَعَ هَذَا التَّوَهُّمُ (قَوْلُهُ: أَيْ سَلَسُ الْبَوْلِ وَنَحْوُهُ) اقْتَصَرَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ عَلَى التَّفْسِيرِ بِسَلَسِ الْبَوْلِ كَالرَّوْضَةِ كَأَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ، فَغَيْرُهُ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ جَزْمًا، أَوْ فِيهِ خِلَافٌ غَيْرُ هَذَا، وَعَلَيْهِ فَزِيَادَةُ الشَّارِحِ لَهُ كَقَوْلِهِ وَالْمَسْتُورُ بِالْعَارِي إلَخْ مُرَادُهُ بِهِ تَتْمِيمُ الْفَائِدَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلْخِلَافِ
جُرْحٌ سَائِلٌ أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ.
وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لِوُجُودِ النَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا صَحَّحَنَا صَلَاتَهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، أَمَّا قُدْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِهِ فَصَحِيحَةٌ جَزْمًا، وَأَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهَا وَلَوْ لِمِثْلِهَا لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَرَجَّحَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ.
وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ. قَالَ: وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا أَوْ طَاهِرًا فَقَدْ صَلَّتْ.
وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ أَجَابَ عَنْهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى النَّصِّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ وَجَبَ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ مَعَ خَلَلٍ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا، وَهُوَ مَرْجُوحٌ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ: إنَّ الْأَوَّلَ أَفْقَهُ وَأَحْوَطُ، وَمَا قِيلَ فِي التَّعْلِيلِ مِنْ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا مَمْنُوعٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تَطْهُرُ بَعْدَ صَلَاتِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهَا.
(وَلَوْ)(بَانَ إمَامُهُ) بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى خِلَافِ ظَنِّهِ (امْرَأَةً) أَوْ خُنْثَى أَوْ مَجْنُونًا (أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا) كُفْرَهُ كَذِمِّيٍّ (قِيلَ أَوْ) بَانَ كَافِرًا (مُخْفِيًا) كُفْرَهُ كَزِنْدِيقٍ (وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ) ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْبَحْثِ إذْ أَمَارَةُ الْمُبْطِلِ مِنْ أُنُوثَةٍ أَوْ كُفْرٍ ظَاهِرَةٌ لَا تَخْفَى، وَالْخُنْثَى يَنْتَشِرُ أَمْرُهُ غَالِبًا، بِخِلَافِ الْمَخْفِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِيهِ. وَسَيَأْتِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
زَادَهُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِحَمْلِ الْمَحَلِّيِّ السَّلَسَ عَلَى سَلَسِ الْبَوْلِ حِكْمَةٌ فَلْتُرَاجَعْ، وَقَدْ يُقَالُ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ الْغَالِبُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالطَّاهِرِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ النَّجَاسَةِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ السَّلَسَ بِالرِّيحِ أَوْ الْمَنِيِّ تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِانْتِفَاءِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ) أَيْ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ (قَوْلُهُ: إنَّ الْأَوَّلَ) هُوَ قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِمَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ إلَخْ) ذَكَرَ السُّيُوطِيّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ بَانَ مِنْ أَخَوَاتِ كَانَ، وَرَدَّهُ.
وَعِبَارَتُهُ فِي دُرِّ التَّاجِ فِي إعْرَابِ مُشْكِلِ الْمِنْهَاجِ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ عَنْ وَجْهِ نَصْبِ امْرَأَةٍ، فَذَكَرَ السَّائِلُ أَنَّ مُدَرِّسِي الْعَصْرِ اخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ حَالٌ، وَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ إنَّهُ خَبَرُ بَانَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَخَوَاتِ كَانَ. فَقُلْت: لَا يَصِحُّ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ فِعْلَهُ لَازِمٌ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ بِهِ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: بَانَ الشَّيْءُ وَتَبَيَّنَ اتَّضَحَ وَظَهَرَ وَأَبَنْته أَنَا وَبَيَّنْته أَظْهَرْته.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَبَاطِلٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ أَخَوَاتِ كَانَ مَحْصُورَةٌ مَعْدُودَةٌ قَدْ اسْتَوْفَاهَا أَبُو حَيَّانَ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ وَالِارْتِشَافِ، وَذَكَرَ كُلَّ فِعْلٍ عَدَّهُ قَوْمٌ مِنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ أَحَدًا عَدَّ مِنْهَا بَانَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَيَكَادُ يَكُونُ قَرِيبًا، لَكِنْ يُبْعِدُهُ أَنَّ امْرَأَةً لَيْسَ بِمُشْتَقٍّ وَلَا مُنْتَقِلٍ، وَشَرْطُ الْحَالِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مُنْتَقِلًا، وَيُبْطِلُهُ أَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ لِلْعَامِلِ، وَأَنَّهُ بِمَعْنًى فِي حَالٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ هُنَا إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى بَانَ فِي حَالِ كَوْنِهِ امْرَأَةً، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى بَانَ أَنَّهُ أَمَّهُ امْرَأَةٌ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: أَوْ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى بَانَ فِي حَالِ كُفْرِهِ، فَقَدْ يَكُونُ إنَّمَا بَانَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بَانَ أَنَّهُ أَمَّهُ كَافِرٌ، وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ كَطَابَ زَيْدٌ نَفْسًا، وَالتَّقْدِيرُ بَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِهِ كَوْنُهُ امْرَأَةً: أَيْ بَانَتْ أُنُوثَةُ إمَامِهِ، فَإِنْ قُلْت: فَمَاذَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ كَافِرًا فَإِنَّهُ مُشْتَقٌّ وَمُنْتَقِلٌ؟ قُلْت: هُوَ كَفَارِسًا فِي قَوْلِهِمْ لِلَّهِ دَرُّهُ فَارِسًا فَإِنَّهُمْ أَعْرِبُوهُ تَمْيِيزًا لِلْجِهَةِ وَمَنَعُوا كَوْنَهُ حَالًا. اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ ظَنِّهِ) أَرَادَ بِالظَّنِّ مَا قَابِلَ الْعِلْمَ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ أَوْ قِرَاءَتُهُ فَتَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِهِ نَقْصٌ يُوجِبُ الْإِعَادَةَ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ عَلَى خِلَافِ ظَنِّهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظُنَّ ذُكُورَتَهُ وَلَا إسْلَامَهُ لَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ بِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ جَهْلُ الْإِسْلَامِ يُفِيدُ الظَّنَّ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ عَلَى مَنْ يُصَلِّي أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ: كَزِنْدِيقٍ) هُوَ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ وَعَلَى مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْمَخْفِيِّ وَغَيْرِهِ فِي كَلَامِهِ، وَالْأَوْجَهُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي كُفْرِهِ مَا لَمْ يُسْلِمْ ثُمَّ يُقْتَدَى بِهِ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ حَقِيقَةً أَوْ ارْتَدَدْتُ؛ لِكُفْرِهِ بِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، وَبِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ مَقْبُولٌ.
وَلَوْ بَانَ أَنَّ إمَامَهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْفَى غَالِبًا، أَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَنْوِ فَلَا، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْحَنَّاطِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِإِحْرَامِهِ ثُمَّ كَبَّرَ ثَانِيًا بِنِيَّةٍ ثَانِيَةٍ سِرًّا بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ الْمَأْمُومُ لَمْ يَضُرَّ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ: أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْفَى، وَلَا أَمَارَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَكَمَا لَوْ بَانَ أُمِّيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَلَا يُخَالِفُهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ جَالِسًا وَبَانَ قَادِرًا فَكَمَنْ بَانَ جُنُبًا؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْقِيَامَ هُنَا رُكْنٌ وَثَمَّ شَرْطٌ، وَيُغْتَفَرُ فِي الشَّرْطِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الرُّكْنِ (لَا) إنْ بَانَ إمَامُهُ (جُنُبًا) أَوْ مُحْدِثًا (أَوْ ذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ) فِي بَدَنِهِ أَوْ مَلَاقِيهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَلَوْ فِي جُمُعَةٍ إنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَوْ ارْتَدَّتْ لِكُفْرِهِ بِذَلِكَ) هَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى اُسْتُصْحِبَ فِيهَا مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ بَقَاءِ الْكُفْرِ فَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ، وَالصُّورَةَ الثَّانِيَةَ قُصِدَ إبْطَالُ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ فَأَلْغَى وَاسْتَصْحَبَ الْأَصْلَ فَلَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ بِقَوْلِهِ لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْت إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ (قَوْلُهُ: مَقْبُولٌ) أَيْ وُجُوبًا حَيْثُ بَيَّنَ السَّبَبَ. اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ تَبَيَّنَ عَدَمُ انْعِقَادِهَا لَا أَنَّهَا كَانَتْ انْعَقَدَتْ ثُمَّ بَطَلَتْ فَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَخْفَى غَالِبًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهُ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ قَرِيبًا مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَنْوِ فَلَا) أَيْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَمَا فِيهِ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ كَبَّرَ ثَانِيًا) أَيْ الْإِمَامُ فَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَضُرَّ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ) أَيْ وَلَوْ فِي الْجُمُعَةِ حَيْثُ كَانَ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ كَمَا لَوْ بَانَ إمَامُهَا مُحْدِثًا، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْوِ قَطْعَ الْأُولَى مَثَلًا بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ لِخُرُوجِهِ بِالثَّانِيَةِ، وَإِلَّا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فُرَادَى لِعَدَمِ تَجْدِيدِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ مِنْ الْقَوْمِ، فَلَوْ حَضَرَ بَعْدَ نِيَّتِهِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ وَنَوَى الْإِمَامَةَ حَصَلَتْ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْجُمُعَةِ لَا تَنْعَقِدُ لَهُ لِفَوَاتِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ بِالْأَوْتَارِ وَيَخْرُجُ بِالْأَشْفَاعِ وَهَذِهِ مِنْهَا، وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ لِلثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمَا مُبْطِلٌ لِلْأُولَى كَنِيَّتِهِ قَطْعِهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ) أَيْ إمَامُهُ الْمُصَلِّي قَاعِدًا، وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا) قَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ قُدْرَةُ الْإِمَامِ الْمُصَلِّي عَارِيًّا عَلَى السُّتْرَةِ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ حَجّ وَأَقَرَّهُ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيِّ عَنْ وَالِدِ الشَّارِحِ خِلَافُهُ، وَعِبَارَتُهُ: وَتَبَيَّنَ كَوْنُ الْإِمَامِ الْمُصَلِّي قَاعِدًا أَوْ عَارِيًّا قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فِي الْأَوَّلِ أَوْ السُّتْرَةِ فِي الثَّانِي كَتَبَيُّنِ حَدَثِهِ. اهـ عُبَابُ.
وَالْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضَةِ رَمْلِيٍّ. اهـ. أَقُولُ: وَقَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ: أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي مَتْنِ الرَّوْضِ مَسْأَلَةَ الْقِيَامِ فَقَطْ دُونَ مَسْأَلَةِ السُّتْرَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُحْدِثًا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِ نَفْسِهِ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِكُفْرِهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِذَلِكَ الْقَوْلِ فَامْتَنَعَ قَبُولُهُ فِيهِ، وَلَفْظُ بِذَلِكَ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الشَّيْخِ الَّتِي كَتَبَ عَلَيْهَا فَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي حَاشِيَتِهِ (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ فِي غَيْرِ مَا إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْت إلَخْ، فَمُرَادُهُ بِالْغَيْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إخْبَارُهُ عَنْ كُفْرِهِ الَّذِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْهُ هَذِهِ الصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ قَبْلُ وَالْأَوْجَهُ قَبُولُهُ فِي كُفْرِهِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ مَقْبُولٌ تَعْلِيلٌ لَهُ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مُطْلَقَ غَيْرٍ وَإِنْ فَهِمَهُ كَذَلِكَ الشِّهَابُ سم فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التُّحْفَةِ الْمُوَافِقَةِ عِبَارَتُهَا لِعِبَارَةِ الشَّارِحِ فَاحْتَاجَ إلَى تَقْيِيدِ التَّعْلِيلِ بِمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِيهَا.
الْأَرْبَعِينَ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِعَدَمِ الْأَمَارَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تَقْصِيرَ، وَلِهَذَا لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ نَاسِيًا وَلَمْ يَحْتَمِلْ تَطْهِيرَهُ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ وَخَرَجَ بِالْخَفِيَّةِ الظَّاهِرَةُ فَتَلْزَمُهُ مَعَهَا الْإِعَادَةُ؛ لِتَقْصِيرِهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، حَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ كَلَامَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ أَقْوَى، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَحَّحَ فِي تَحْقِيقِهِ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الظَّاهِرَةِ وَالْخَفِيَّةِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ.
وَالْخَفِيَّةُ هِيَ الَّتِي بِبَاطِنِ الثَّوْبِ، وَالظَّاهِرَةُ مَا تَكُونُ بِظَاهِرِهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَتْ بِعِمَامَتِهِ وَأَمْكَنَهُ رُؤْيَتَهَا إذَا قَامَ غَيْرَ أَنَّهُ صَلَّى جَالِسًا لِعَجْزِهِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ رُؤْيَتَهَا لَمْ يَقْضِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ الْجُلُوسُ فَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً وَاشْتَغَلَ عَنْهَا بِالصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَرَهَا لِبُعْدِهِ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمُقْتَضَى ذَلِكَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُقْتَضَى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ: أَيْ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْمَى مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ الْمُشَاهَدَةِ وَهُوَ كَمَا قَالَ: الْأَوْلَى الضَّبْطُ بِمَا فِي الْأَنْوَارِ أَنَّ الظَّاهِرَةَ مَا تَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا الْمَأْمُومُ أَبْصَرَهَا وَالْخَفِيَّةَ بِخِلَافِهَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يُصَلِّي قَائِمًا أَوْ جَالِسًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْتَمِلْ تَطْهِيرَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمَأْمُومِ بِأَنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْمَحَلِّيُّ (قَوْلُهُ: لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا مَضَى زَمَنٌ يُحْتَمَلُ فِيهِ الطَّهَارَةُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ حَدَثُهُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ.
وَنُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ بِهَامِشٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِي هَذِهِ، قَالَ: إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى مِثْلِهِ لَزِمَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ بِتَبَيُّنِ الْحَدَثِ مُطْلَقًا، إذْ لَا يَكَادُ يُوجَدُ إمَامٌ لَمْ يُعْلَمْ عَدَمُ حَدَثِهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَرَاهُ يَتَطَهَّرُ ثُمَّ صَلَّى عَقِبَ طُهْرِهِ إمَامًا يُحْتَمَلُ خُرُوجُ حَدَثٍ مِنْهُ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْمَأْمُومُ. (قَوْلُهُ: فِي تَصْحِيحِهِ) أَيْ حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ كَانَتْ بِعِمَامَتِهِ) أَيْ الْإِمَامِ وَأَمْكَنَهُ: أَيْ الْمَأْمُومُ. (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ) أَيْ مِنْ اقْتِضَائِهِ الْفَرْقَ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَالْأَوْلَى إلَخْ. وَعَلَيْهِ فَالْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِ حِينَئِذٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ، وَنَقَلَهُ سم عَلَى حَجّ عَنْهُ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّ الْمُتَّجَهَ عَدَمُ الْقَضَاءِ عَلَى الْأَعْمَى مُطْلَقًا، وَنَقَلَ مِثْلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ حَجّ وَعِبَارَتُهُ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَى الْأَعْمَى مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ يَعْنِي الْخُبْثَ ظَاهِرًا لِعُذْرِهِ.
وَقَالَ م ر: الْمُرَادُ مَا يَكُونُ مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِيهَا: أَيْ الطَّاهِرَةِ نَجَاسَةٌ بِظَهْرِ الْإِمَامِ فِي حَقِّ الْأَعْمَى وَالْبَعِيدِ عَنْهُ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي حَقِّهَا. وَقَوْلُهُ بِظَهْرِ الْإِمَامِ قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا فِي بَاطِنِ الثَّوْبِ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ مَعَهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا فِي الشَّرْحِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَالْخَفِيَّةُ هِيَ الَّتِي بِبَاطِنِ الثَّوْبِ (قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى الضَّبْطُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لَوْ تَأَمَّلَهَا الْمَأْمُومُ أَبْصَرَهَا) عِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: قَوْلُهُ: رَآهَا مِثَالٌ لَا قَيْدٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِدْرَاكِ بِالْبَصَرِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ (قَوْلُهُ: وَالْخَفِيَّةُ بِخِلَافِهَا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ كَانَتْ بِعِمَامَتِهِ) أَيْ أَوْ نَحْوَ صَدْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: ذَكَرَ ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ) أَيْ قَوْلَهُ وَالْخَفِيَّةُ هِيَ الَّتِي بِبَاطِنِ الثَّوْبُ إلَخْ، فَالْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ وَالْمُسْتَدْرَكِ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَصْلَ الضَّابِطِ لِلرُّويَانِيِّ (قَوْلُهُ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يُصَلِّي قَائِمًا وَجَالِسًا) فِيهِ مُنَافَاةٌ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا لِلشِّهَابِ حَجّ فِي تُحْفَتِهِ بَعْدَ أَنْ تَبِعَ شَرْحَ الرَّوْضِ فِي جَمِيعِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ مِنْهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ، لَكِنَّ الشِّهَابَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا عَقَّبَ ضَابِطَ الْأَنْوَارِ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْهُ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا الْمَأْمُومُ: أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا مِنْ جُلُوسِهِ وَقِيَامِ الْإِمَامُ مَثَلًا، أَمْ عَلَى غَيْرِهَا بِأَنْ نَفْرِضَهُ قَائِمًا إذَا كَانَ جَالِسًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ حَتَّى تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ بِنَحْوِ عِمَامَتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ وَالْمَأْمُومُ جَالِسٌ لِعَجْزِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا قِيَامَهُ وَتَأَمَّلَهَا لَرَآهَا، وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَرَآهَا فَلَا يُفْرَضُ عَلَى حَالَةٍ
وَأَخَذَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّجَاسَةِ الْخَفِيَّةِ وَالظَّاهِرَةِ قِيَاسًا أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى كُمِّهِ الَّذِي يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَ إمَامَهُ أَبْصَرَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ إنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِهِ) ، وَإِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّ الْأَقْوَى دَلِيلًا عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَدْخُلُ فِيهِ مَا فِي بَاطِنِ الثَّوْبِ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي ضَبْطِ الْخَفِيَّةِ، لَكِنْ قِيَاسُ فَرْضِ الْبَعِيدِ قَرِيبًا وَالْأَعْمَى بَصِيرًا أَنْ يُفْرَضَ الْبَاطِنُ ظَاهِرًا فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ.
وَعَلَيْهِ فَيَصِيرُ الْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَةَ هِيَ الْعَيْنِيَّةُ، وَالْخَفِيَّةَ هِيَ الْحُكْمِيَّةُ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا بَيْنَ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ وَلَا بَيْنَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ وَلَا بَيْنَ بَاطِنِ الثَّوْبِ وَظَاهِرِهِ، لَكِنْ يُنَافِي ضَبْطَ الظَّاهِرَةَ وَالْخَفِيَّةِ بِمَا ذُكِرَ قَوْلُ حَجّ فِي الْإِيعَابِ، وَوَاضِحٌ أَنَّ التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِي الْخُبْثِ الْعَيْنِيِّ دُونَ الْحُكْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى فَلَا تَقْصِيرَ فِيهِ مُطْلَقًا انْتَهَى رحمه الله.
[فَائِدَةٌ] يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ ظَاهِرَةً إخْبَارُ الْمَأْمُومِ بِذَلِكَ الْبَعِيدِ صَلَاتِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ رَأَى عَلَى ثَوْبِ مُصَلٍّ نَجَاسَةً وَجَبَ إخْبَارُهُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آثِمًا.
وَمِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ رَأَى صَبِيًّا يَزْنِي بِصَبِيَّةٍ وَجَبَ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ مِنْ أُرِيدَ نَهْيُهُ (قَوْلُهُ: لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ إنْ كَانَ إلَخْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا لَمْ يَرَهَا لِبُعْدِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ بِنَاءً عَلَى فَرْضِ الْأَعْمَى بَصِيرًا وَفَرْضِ الْبَعِيدِ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَوْ فُرِضَ قُرْبُهُ مِنْ الْإِمَامِ وَتَأَمَّلَ رَأَى فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قُلْت الْأَصَحُّ) أَيْ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: إنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا إلَخْ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهُنَا؛ لِأَنَّهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ فَرَّقُوا بَيْنَ مُخْفِي الْكُفْرِ وَمُعْلِنِهِ، وَمِنْهُ مَا قَالُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ حَالَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
غَيْرِهَا حَتَّى لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِي نَحْوِ الصُّورَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، فَمُؤَدَّى ضَابِطِ الْأَنْوَارِ وَضَابِطِ الرُّويَانِيِّ عِنْدَهُ وَاحِدٌ بِنَاءً عَلَى فَهْمِهِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ ثَمَّ فَرَّعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِالْفَاءِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِقَوْلِهِ الْأَوْلَى وَلَمْ يَقُلْ الْأَصَحَّ أَوْ نَحْوَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ مِمَّا اُسْتُثْنِيَ مِنْ ضَابِطِ الرُّويَانِيِّ فَهُوَ أَضْبَطُ.
وَالشِّهَابُ الْمَذْكُورُ لَمَّا فَهِمَ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الضَّابِطَيْنِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ عَبَّرَ عَنْ ضَابِطِ الْأَنْوَارِ بِقَوْلِهِ وَالْأَوْجَهُ فِي ضَبْطِ الظَّاهِرَةِ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا الْمَأْمُومُ لَرَآهَا، وَلَمْ يَقُلْ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، ثُمَّ قَالَ: وَفَرَّقَ الرُّويَانِيُّ بَيْنَ مَنْ لَمْ يَرَهَا لِبُعْدِهِ أَوْ اشْتِغَالِهِ بِصَلَاتِهِ فَيُعِيدُ وَمَنْ لَمْ يَرَهَا لِكَوْنِهَا بِعِمَامَتِهِ وَيُمْكِنُهُ رُؤْيَتُهَا إذَا قَامَ فَجَلَسَ عَجَزَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ رحمه الله، لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ الْأَعْمَى، قَالَ: لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِوَجْهٍ، وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبِعَ شَرْحَ الرَّوْضِ أَوَّلًا كَمَا عَرَفْت، ثُمَّ خَتَمَهُ بِقَوْلِ الشِّهَابِ الْمَذْكُورِ فَلَا فَرْقَ إلَخْ فَنَافَاهُ.
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ مُؤَدَّى الضَّابِطَيْنِ وَاحِدٌ وَالِدُ الشَّارِحِ فِي فَتَاوِيهِ، لَكِنْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ هُمَا اسْتَثْنَاهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ ضَابِطِهِ لِضَعْفِهِ عِنْدَهُ، فَمُسَاوَاتُهُ لَهُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ الضَّابِطِ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلشِّهَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَعْنَى وَالْحُكْمِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي الصَّنِيعِ، وَمُوَافِقٌ لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي الصَّنِيعِ وَمُخَالِفٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ، كَمَا يُعْلَمُ بِسَوْقِ عِبَارَةِ فَتَاوِيهِ وَنَصُّهَا: سُئِلَ عَنْ مُصَلٍّ فِي ظَاهِرِ ثَوْبِهِ أَوْ عَلَى صَدْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ مِنْ قُدَّامِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ بَعِيدًا عَنْ إمَامِهِ هَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ الْخَفِيَّةِ حَتَّى لَا يَلْزَمُ الْمَأْمُومَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَذْكُورَةَ مِمَّا تَخْفَى عَنْ الْمَأْمُومِ خُصُوصًا إنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ تَحَرُّمِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَذْكُورَةَ ظَاهِرَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ، وَالنَّجَاسَةُ الظَّاهِرَةُ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا أَبْصَرَهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي ظَاهِرِ الثَّوْبِ وَالْخَفِيَّةُ بِخِلَافِهَا انْتَهَتْ.
فَقَدْ صَرَّحَ بِرُجُوعِ كُلٍّ مِنْ الضَّابِطِينَ إلَى الْآخَرِ، لَكِنْ فِي عَزْوِهِ مَا صَدَّرَ بِهِ الْجَوَابَ لِتَصْرِيحِ الرُّويَانِيِّ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا مَرَّ مِنْ اسْتِثْنَائِهِ الْمَذْكُورِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالشَّارِحُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا مَا هُوَ مُعْتَمَدٌ عِنْدَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، لَكِنْ نَقَلَ عَنْهُ الشِّهَابُ سم مَا يُوَافِقُ مَا فِي فَتَاوَى وَالِدِهِ الْمُوَافِقِ
لِأَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ أَهْلٍ لِلصَّلَاةِ بِحَالٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
(وَالْأُمِّيُّ كَالْمَرْأَةِ فِي الْأَصَحِّ) فَعَلَى الْقَارِئِ الْمُؤْتَمِّ بِهِ الْإِعَادَةُ بِجَامِعِ النَّقْصِ، وَإِنْ بَانَ ذَلِكَ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ غَيْرُ نَحْوِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فِي أَثْنَائِهَا اسْتَأْنَفَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ حَدَثُهُ أَوْ خَبَثُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُفَارَقَتُهُ وَيَبْنِي، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى نَحْوِ قِرَاءَتِهِ أَيْسَرُ مِنْهُ عَلَى طُهْرِهِ إذْ هُوَ، وَإِنْ شُوهِدَ فَحُدُوثُ الْحَدَثِ بَعْدَهُ قَرِيبٌ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ كَالْجُنُبِ بِجَامِعِ الْخَفَاءِ فَلَا يُعِيدُ الْمُؤْتَمُّ بِهِ.
(وَلَوْ)(اقْتَدَى) رَجُلٌ (بِخُنْثَى) فِي ظَنِّهِ (فَبَانَ رَجُلًا) أَوْ خُنْثَى بِامْرَأَةٍ فَبَانَ أُنْثَى، أَوْ خُنْثَى بِخُنْثَى فَبَانَا مُسْتَوِيَيْنِ مَثَلًا (لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ) لِعَدَمِ انْعِقَادِ صَلَاتِهِ بِعَدَمِ جَزْمِهِ بِنِيَّتِهِ.
وَالثَّانِي يَسْقُطُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَسَوَاءٌ أَبَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ بَعْدَهَا. وَصَوَّرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُنُوثَتَهُ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ، وَالْوَجْهُ الْجَزْمُ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْعَالِمِ بِخُنُوثَتِهِ؛ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الصَّلَاةِ ظَاهِرًا وَاسْتِحَالَةِ جَزْمِ النِّيَّةِ اهـ.
وَالْوَجْهُ الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ إذَا بَانَ رَجُلًا فِي تَصْوِيرِ الْمَاوَرْدِيِّ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَمْضِ قَبْلَ تَبَيُّنِ الرُّجُولِيَّةِ زَمَنٌ طَوِيلٌ، وَأَنَّهُ لَوْ ظَنَّهُ رَجُلًا ثُمَّ بَانَ فِي أَثْنَائِهَا خُنُوثَتُهُ فَالْأَقْرَبُ وُجُوبُ اسْتِئْنَافِهَا. نَعَمْ لَوْ ظَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ رَجُلًا ثُمَّ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ حَتَّى بَانَ رَجُلًا فَلَا قَضَاءَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي النِّيَّةِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ الدَّوَامِ لَكِنْ فِي الِابْتِدَاءِ يَضُرُّ مُطْلَقًا وَفِي الْأَثْنَاءِ إنْ طَالَ الزَّمَنُ أَوْ مَضَى رُكْنٌ عَلَى ذَلِكَ ضَرَّ، وَإِلَّا فَلَا.
(وَالْعَدْلُ) وَلَوْ قِنًّا مَفْضُولًا (أَوْلَى) بِالْإِمَامَةِ (مِنْ الْفَاسِقِ) ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَاضِلًا لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِهِ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الشُّرُوطِ وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ «إنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُقْبَلَ صَلَاتُكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كُفْرِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَعَادَهَا فَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْكُفْرِ قُبِلَتْ الْإِعَادَةُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْفِيًا لَهُ فَلَا يُقْبَلُ لِاتِّهَامِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْخُبْثِ) أَيْ الْخَفِيِّ، وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا لَوْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ تَجِبُ مَعَهُ الْإِعَادَةُ إذَا بَانَ فِي الْأَثْنَاءِ يَجِبُ بِهِ الِاسْتِئْنَافُ وَمَا لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ مَعَهُ مِمَّا تَمْتَنِعُ الْقُدْوَةُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ إذَا بَانَ فِي الْأَثْنَاءِ وَجَبَتْ بِهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ غَيْرُ نَحْوِ الْحَدَثِ مَا لَوْ تَبَيَّنَ قُدْرَةُ الْمُصَلِّي عَارِيًّا عَلَى السُّتْرَةِ أَوْ الْقِيَامِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الظَّاهِرَةِ وَالْخَفِيَّةِ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ إلَخْ: أَيْ حَيْثُ تَبَيَّنَ حَدَثُهُ أَوْ نَجَاسَتُهُ الْخَفِيَّةُ بِخِلَافِ الظَّاهِرَةِ (قَوْلُهُ: وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ إلَخْ) مَا عَلَّلَ بِهِ الثَّانِيَ لَا يَأْتِي فِي الْجَهْرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَصَوَّرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ) أَيْ مَسْأَلَةَ الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ: حَتَّى بَانَ رَجُلًا) فَلَا قَضَاءَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى خُنْثَى خَلْفَ امْرَأَةٍ ظَانًّا أَنَّهَا رَجُلٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أُنُوثَةُ الْخُنْثَى كَمَا صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ عَلَامَاتٍ ظَاهِرَةً غَالِبًا تُعْرَفُ بِهَا فَهُوَ هُنَا مُقَصِّرٌ وَإِنْ جَزَمَ بِالنِّيَّةِ. اهـ حَجّ.
لَكِنْ نَقَلَ سم عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ لَهُ خِلَافَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْخُنْثَى جَازِمٌ بِالنِّيَّةِ وَبَانَتْ مُسَاوَاتُهُ لِإِمَامِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا وَجْهَ لِلُّزُومِ الْإِعَادَةِ وَلَا لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ لَهَا عَلَامَاتٌ تَدُلُّ عَلَيْهَا، وَفِي سم عَلَى الْغَايَةِ الْجَزْمُ بِمَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي النِّيَّةِ إلَخْ) أَيْ فِي نَفْسِ النِّيَّةِ كَأَنْ تَرَدَّدَ فِي ذُكُورَةِ إمَامِهِ بِأَنْ عَلِمَهُ خُنْثَى وَتَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ ذَكَرٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ أُنْثَى، وَأَمَّا التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ عَلَى وَجْهِ أَنَّهُ هَلْ يَبْقَى فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَيَضُرُّ مُطْلَقًا طَالَ زَمَنُ التَّرَدُّدِ أَوْ قَصُرَ.
(قَوْلُهُ: إنْ سَرَّكُمْ) أَيْ أَرَدْتُمْ مَا يَسُرُّكُمْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ) أَيْ الْوَاسِطَةُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ. وَفِي الْمَوَاهِبِ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْوَفْدُ الْجَمَاعَةُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لِلشِّهَابِ حَجّ، وَهُوَ الَّذِي انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ هُنَا آخِرًا وَإِنْ لَمْ يُلَائِمْ مَا قَبْلَهُ كَمَا عَرَفْت، وَإِنَّمَا أَطَلْت الْكَلَامَ هُنَا لِمَحَلِّ الْحَاجَةِ مَعَ اشْتِبَاهِ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى كَثِيرٍ وَعَدَمِ وُقُوفِي عَلَى مَنْ حَقَّقَهُ حَقَّهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ بَانَ ذَلِكَ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ الْمَارُّ فِي حَلِّ الْمَتْنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ ظَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ رَجُلًا إلَخْ) مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى مِمَّا رَجَّحَهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ.
يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا. وَتُكْرَهُ خَلْفَهُ وَخَلْفَ مُبْتَدِعٍ لَا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ، وَإِمَامَةُ مَنْ يَكْرَهُهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ لِمَذْمُومٍ فِيهِ شَرْعًا. وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ نَصْبُ الْفَاسِقِ إمَامًا فِي الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِمُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ وَلَيْسَ مِنْهَا أَنْ يُوقِعَ النَّاسَ فِي صَلَاةٍ مَكْرُوهَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُرْمَةُ نَصْبِ كُلِّ مَنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ وَنَاظِرُ الْمَسْجِدِ كَالْوَالِي فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى.
(وَالْأَصَحُّ أَنَّ)(الْأَفْقَهَ) فِي بَابِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا الْفَاتِحَةَ (أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَإِ) ، وَإِنْ حَفِظَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ إذْ الْحَاجَةُ إلَى الْفِقْهِ أَهَمُّ لِعَدَمِ انْحِصَارِ مَا يَطْرَأُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْحَوَادِثِ «وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ» ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ فِي حَيَاتِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُخْتَارَةُ لِلتَّقَدُّمِ فِي لُقِيِّ الْعُظَمَاءِ وَاحِدُهُمْ وَافِدٌ. انْتَهَى.
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي حُصُولِ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ لِلْمَأْمُومَيْنِ، وَهَذَا يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ أَحْوَالِ الْأَئِمَّةِ. وَفِي ابْنِ حَجَرٍ وَفِي مُرْسَلٍ «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» وَيَعْضُدُهُ مَا صَحَّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتَكْرَهُ خَلْفَهُ) أَيْ الْفَاسِقِ، وَإِذَا لَمْ تَحْصُلُ الْجَمَاعَةُ إلَّا بِالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ لَمْ يُكْرَهُ الِائْتِمَامُ طب م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: وَإِمَامَةُ مَنْ يَكْرَهُهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ إلَخْ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِيُصَلِّيَ إمَامًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ حَيْثُ كَانَ عَدْلًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِكَابِهِ الْمَذْمُومَ نَفْيُ الْعَدَالَةِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ رحمه الله عِنْدَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ» إذْ فِيهِ مَا نَصُّهُ: أَيْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ إنْ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ: أَيْ بِأَنْ كَانَ فِيهِ أَمْرٌ مَذْمُومٌ شَرْعًا كَوَالٍ ظَالِمٍ، وَمَنْ تَغَلَّبَ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا، أَوْ لَا يَتَحَرَّزُ عَنْ النَّجَاسَةِ، أَوْ يَمْحُو هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، أَوْ يَتَعَاطَى مَعِيشَةً ذَمِيمَةً، أَوْ يُعَاشِرُ الْفُسَّاقَ وَنَحْوَهُمْ.
وَكَرِهَهُ الْكُلُّ لِذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، فَإِنْ كَرِهَهُ أَكْثَرُهُمْ كُرِهَ لَهُ. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْحُرْمَةَ أَوْ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّهِ، أَمَّا الْمُقْتَدُونَ الَّذِينَ يَكْرَهُونَهُ فَلَا تُكْرَهُ لَهُمْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ. وَظَنُّ بَعْضِ أَعَاظِمِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَهْمٌ. اهـ. وَنُقِلَ عَنْ حَوَاشِي الرَّوْضِ لِوَالِدِ الشَّارِحِ التَّصْرِيحُ بِالْحُرْمَةِ عَلَى الْإِمَامِ فِيمَا لَوْ كَرِهَهُ كُلُّ الْقَوْمِ وَعِبَارَتُهُ نَصُّهَا: هَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَرِهَهُ كُلُّهُمْ فَإِنَّهَا لِلتَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا وَهُمْ يَكْرَهُونَهُ، وَالْإِسْنَوِيُّ ظَنَّ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ: وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ.
وَنَقَلَهُ فِي الْحَاوِي عَنْ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ لَفْظَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ. اهـ بِحُرُوفِهِ. أَقُولُ: وَالْحُرْمَةُ مَفْهُومُ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ الْكَرَاهَةَ بِكَوْنِهَا مِنْ أَكْثَرِ الْقَوْمِ (قَوْلُهُ: أَكْثَرُ الْقَوْمِ) مَفْهُومُهُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَقَوْلُهُ لِمَذْمُومٍ فِيهِ شَرْعًا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مُرْتَكِبَ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ لَا يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا تُكْرَهُ لَهُ الْإِمَامَةُ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي أَخْذِ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ بَلْ الْقِيَاسُ الْكَرَاهَةُ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ خَارِمَ الْمُرُوءَةِ مَذْمُومٌ شَرْعًا، وَمِنْ ثَمَّ حَرُمَ عَلَى مَنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِشَهَادَةِ ارْتِكَابِ مَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ لِئَلَّا تُرَدَّ شَهَادَتُهُ (قَوْلُهُ: لِمَذْمُومٍ فِيهِ شَرْعًا) أَمَّا لَوْ كَرِهُوهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ بَلْ اللَّوْمُ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُرْمَةُ نَصْبِ إلَخْ) أَيْ وَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ كَمَا قَالَهُ حَجّ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحُسْنُ الصَّوْتِ إلَخْ: وَالرَّاتِبُ مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ وِلَايَةً صَحِيحَةً بِأَنْ لَمْ يُكْرَهْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ الْمُقْتَضَى عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ التَّوْلِيَةُ. اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَا رَتَّبَ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: وَنَاظِرُ الْمَسْجِدِ) أَيْ إذَا كَانَتْ التَّوْلِيَةُ لَهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَإِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَارِيًّا وَغَيْرُهُ مَسْتُورٌ، وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْعَارِي (قَوْلُهُ: فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ» إلَخْ) قَالَ الْجَعْبَرِيُّ فِي شَرْحِ الرَّائِيَّةِ: وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ حَفِظُوا الْقُرْآنَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَثِيرُونَ.
فَمِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
- صلى الله عليه وسلم سِوَى أَرْبَعَةِ أَنْفَارٍ: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» ، وَأَبُو زَيْدٍ رضي الله عنهم. وَأَمَّا خَبَرُ «أَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ» فَمَحْمُولٌ عَلَى عُرِفَهُمْ الْغَالِبِ أَنَّ الْأَقْرَأَ أَفْقَهُ؛ لِكَوْنِهِمْ يَضُمُّونَ لِلْحِفْظِ مَعْرِفَةَ فِقْهِ الْآيَةِ وَعُلُومِهَا. وَالْأَوْجَهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَقْرَإِ الْأَصَحُّ قِرَاءَةً، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ قِرَاءَةً.
وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْمُتَمَيِّزَ بِقِرَاءَةِ السَّبْعِ وَبَعْضِهَا مِنْ ذَلِكَ وَتَرَدَّدَ فِي قِرَاءَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى لَحْنٍ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ هُمَا سَوَاءٌ لِتَقَابُلِ الْفَضِيلَتَيْنِ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ اسْتِوَاءُ قِنٍّ فَقِيهٍ وَحُرٍّ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَحَمَلَهُ السُّبْكِيُّ عَلَى قِنٍّ أَفْقَهُ وَحُرٍّ فَقِيهٍ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْحُرِّيَّةِ بِزِيَادَةِ الْفِقْهِ لَا بُعْدَ فِيهَا، بِخِلَافِ مُقَابَلَتِهَا بِأَصْلِ الْفِقْهِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهَا؛ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ دُونَهَا.
(وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ (الْأَوْرَعِ) أَيْ الْأَكْثَرِ وَرَعًا، إذْ حَاجَةُ الصَّلَاةِ لِلْفِقْهِ أَهَمُّ مِنْهُ كَمَا مَرَّ، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَأُ أَيْضًا عَلَى الْأَوْرَعِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ بِأَنَّهُ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْعَدَالَةِ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ.
وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ تَقْدِيمُ الْأَوْرَعِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ وَرَجَاءُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَالْأَوْرَعُ أَقْرَبُ لِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَفِي السُّنَّةِ «مِلَاكُ الدِّينِ الْوَرَعُ» وَمَا مَا يَخَافُ مِنْ حُدُوثِهِ فِي الصَّلَاةِ فَأَمْرٌ نَادِرٌ فَلَا يَفُوتُ الْمُحَقَّقُ لِلْمُتَوَهَّمِ.
وَأَمَّا الزُّهْدُ فَتَرْكُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةُ وَسَالِمٌ وَابْنُ السَّائِبِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمِنْ الْأَنْصَارِ أُبَيٌّ وَزَيْدٌ وَمُعَاذٌ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو زَيْدٍ وَمُجَمِّعٌ.
فَمَعْنَى قَوْلِ أَنَسٍ: جُمِعَ الْقُرْآنُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ لَمْ يَجْمَعْهُ إلَّا أَرْبَعَةٌ: أُبَيٌّ وَزَيْدٌ وَمُعَاذٌ وَأَبُو زَيْدٍ أَنَّهُمْ الَّذِينَ تَلَقَّوْهُ مُشَافَهَةً عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ الَّذِينَ جَمَعُوهُ بِوُجُوهِ قِرَاءَاتِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ مُشَافَهَةً إلَخْ هَذَانِ الْجَوَابَانِ لَا يَخْلُوَانِ عَنْ بُعْدٍ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا تُحِيلُ الْعَادَةُ أَنَّ غَيْرَهُمْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مُشَافَهَةً أَوْ بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَهُمْ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ.
أَقُولُ: وَمَعَ كَوْنِهِ لَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ هُوَ كَافٍ فِي الْجَوَابِ، عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِبْعَادَ إنَّمَا بَنَاهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعَارِضٍ لِمَا ذَكَرَهُ لِجَوَازِ اهْتِمَامِهِمْ فِي أَوْقَاتِ اجْتِمَاعِهِمْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِغَيْرِ تَلَقِّي الْقُرْآنِ مِنْهُ حِفْظًا لِاسْتِغْنَائِهِمْ بِأَخْذِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ عَادَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم الِاكْتِفَاءُ بِسَمَاعِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَعَ إمْكَانِ مُرَاجَعَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا سَمِعُوهُ مِنْ غَيْرِهِ.
وَفِي حَوَاشِي الرَّوْضِ لِوَالِدِ الشَّارِحِ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ (قَوْلُهُ: سِوَى أَرْبَعَةِ أَنْفَارٍ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانُوا خَزْرَجِيِّينَ كَمَا فِي حَجّ (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ قِرَاءَةً) أَيْ لِمَا يَحْفَظُهُ وَإِنْ قَلَّ فَيُقَدِّمُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يَحْفَظُ أَكْثَرَ مِنْهُ، لَكِنْ بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَحْفَظُ نِصْفَ الْقُرْآنِ بِكَمَالِهِ مَثَلًا، وَيَصِحُّ آيَاتٍ قَلِيلَةً كَأَوَاخِرِ السُّوَرِ اطَّرَدَتْ عَادَتُهُ بِالْإِمَامَةِ بِهَا، وَالْآخَرُ يَحْفَظُ نِصْفَ الْقُرْآنِ مَثَلًا وَيُصَحِّحُهُ بِتَمَامِهِ، فَهَلْ يُقَدَّمُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ بِكَمَالِهِ لِكَثْرَةِ مَا يُصَحِّحُهُ، أَوْ يُقَدَّمُ الْآخَرُ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ حِفْظِهِ مَعَ صِحَّةِ مَا يُصَلِّي بِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَإِطْلَاقُهُمْ قَدْ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ مَنْ يَحْفَظُ النِّصْفَ، وَلَوْ قِيلَ بِتَقْدِيمِ مَنْ يَحْفَظُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى صِحَّةِ مَا يُصَلِّي بِهِ لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْأَصَحِّ قِرَاءَةً (قَوْلُهُ: مُشْتَمِلَةٍ عَلَى لَحْنٍ) قَالَ حَجّ: لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: لَا عِبْرَةَ بِهَا) أَيْ فَلَا يُقَدَّمُ صَاحِبُهَا عَلَى غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَفَسَّرَهُ) أَيْ الْوَرَعَ (قَوْلُهُ: الشُّبُهَاتِ) بِضَمِّ الْبَاءِ (قَوْلُهُ: مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ) الْأَوْلَى بِحُسْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مِلَاكُ الدِّينِ) أَيْ أَصْلُهُ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: مِلَاكُ الْأَمْرِ بِالْكَسْرِ قِوَامُهُ، وَالْقَلْبُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْعَدَالَةِ مِنْ حُسْنِ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: وَأَمَّا الْوَرَعُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْعَدَالَةِ بَلْ مَا يَزِيدُ
مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ وَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْوَرَعِ إذْ هُوَ الْحَلَالُ وَالْوَرَعُ فِي الشُّبْهَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي مُهِمَّاتِهِ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُرَجَّحَاتِ وَاعْتِبَارُهُ ظَاهِرٌ حَتَّى إذَا اشْتَرَكَا فِي الْوَرَعِ، وَامْتَازَ أَحَدُهُمَا بِالزُّهْدِ قَدَّمْنَاهُ. اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ، إذْ بَعْضُ الْأَفْرَادِ لِلشَّيْءِ قَدْ يَفْضُلُ بَاقِيَهُ. نَعَمْ عِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّ الزُّهْدَ قَسِيمٌ لِلْوَرَعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ قِسْمٌ مِنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَرَعَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ كَالْعَدَالَةِ، وَلَوْ تَمَيَّزَ الْمَفْضُولُ مِمَّنْ ذَكَرَ بِبُلُوغٍ أَوْ إتْمَامٍ أَوْ عَدَالَةٍ أَوْ مَعْرِفَةِ نَسَبٍ كَانَ أَوْلَى.
(وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكَذَا الْأَوْرَعُ (عَلَى الْأَسَنِّ وَالنَّسِيبِ) فَعَلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ كُلٌّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ لَهَا تَعَلُّقٌ تَامٌّ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ أَوْ كَمَالِهَا بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ. وَلَوْ كَانَ الْأَفْقَهُ أَوْ الْأَقْرَأُ أَوْ الْأَوْرَعُ صَبِيًّا أَوْ قَاصِرًا فِي سَفَرِهِ أَوْ فَاسِقًا أَوْ وَلَدَ زِنًا أَوْ مَجْهُولَ الْأَبِ فَضِدُّهُ أَوْلَى كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسَافِرُ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ فَهُوَ أَحَقُّ، وَأَطْلَقَ جَمْعٌ كَرَاهَةَ إمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَا وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ وَهِيَ مُصَوَّرَةٌ بِكَوْنِ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُسَاوِهِ الْمَأْمُومُ، فَإِنْ سَاوَاهُ أَوْ وَجَدَهُ قَدْ أَحْرَمَ وَاقْتَدَى بِهِ فَلَا بَأْسَ (وَالْجَدِيدُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ) فِي الْإِسْلَامِ (عَلَى النَّسِيبِ) لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» وَلِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَسَنِّ فِي ذَاتِهِ وَالنَّسِيبِ فِي آبَائِهِ، وَفَضِيلَةُ الذَّاتِ أَوْلَى.
وَعَكَسَهُ الْقَدِيمُ لِخَبَرِ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِسِنٍّ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ، فَيُقَدَّمُ شَابٌّ أَسْلَمَ أَمْسِ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ الْيَوْمَ، فَإِنْ أَسْلَمَا مَعًا قُدِّمَ الشَّيْخُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ، وَبَحَثَهُ الطَّبَرِيُّ وَيُقَدَّمُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِلَاكُ الْجَسَدِ. اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى الْحَاجَةِ) أَيْ النَّاجِزَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ الزُّهْدَ (قَوْلُهُ: مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ) أَيْ يَشُكُّ النَّاظِرُ فِي الْفَرْدَيْنِ الْمُتَفَاوِتَيْنِ فِيهِ بِأَشِدِّيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا أَحَقِّيَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ فَيَكُونَانِ مِنْ الْمُتَوَاطِئِ، أَوْ مُخْتَلِفَةٌ فَيَكُونَانِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ (قَوْلُهُ: أَوْ إتْمَامٍ) أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُسَافِرًا قَاصِرًا (قَوْلُهُ: أَوْ عَدَالَةٍ) أَيْ زِيَادَتِهَا أَوْ أَصْلِهَا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَدْلًا وَالْآخَرُ فَاسِقًا (قَوْلُهُ: كَانَ أَوْلَى) وَتَقَدَّمَ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ كَرَاهَةُ الِاقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ.
وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ هُنَا فَالْفَاسِقُ وَمَجْهُولُ النَّسَبِ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا، وَيَنْبَغِي أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْقَاصِرِ خِلَافُ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ الْأَسَنِّ وَالنَّسِيبِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ تَمَيَّزَ الْمَفْضُولُ مِمَّنْ ذَكَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَا يُعْرَفُ) أَيْ كَاللَّقِيطِ، وَمِثْلُ إمَامَتِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مُصَوَّرَةٌ) أَيْ كَرَاهَةُ إمَامَةِ وَلَدُ الزِّنَا وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ) أَيْ فَلَا لَوْمَ فِي الِاقْتِدَاءِ، وَمَعْلُومٌ مِنْهُ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ.
[فَائِدَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ أَسْلَمَ شَخْصٌ وَمَكَثَ مُدَّةً كَذَلِكَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ شَخْصٌ آخَرُ ثُمَّ جَدَّدَ الْمُرْتَدُّ إسْلَامَهُ وَاجْتَمَعَا، فَهَلْ يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ أَسَنُّ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يُقَدَّمُ الثَّانِي؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ تَقْدِيمُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ أَبْطَلَتْ شَرَفَ الْإِسْلَامِ الْأَوَّلِ، وَمِنْ ثَمَّ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ أَسْلَمَا مَعًا فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ (قَوْلُهُ: قُدِّمَ الشَّيْخُ) لَا يُنَافِي هَذَا مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِسِنٍّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ عِبَارَتُهُ تُوهِمُ إلَخْ) يَعْنِي لَفْظَ عِبَارَتِهِ فِي مُهِمَّاتِهِ، وَإِلَّا فَمَا هُوَ مَذْكُورٌ هُنَا لَا إبْهَامَ فِيهِ وَهُوَ مَنْقُولٌ بِالْمَعْنَى.
(قَوْلُهُ: أَوْ قَاصِرًا فِي سَفَرِهِ) أَيْ وَالْمَأْمُومُونَ مُتِمُّونَ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِالِاخْتِلَافِ بَيْنَ صَلَاتِهِمَا. أَقُولُ: وَلِوُقُوعِ بَعْضِ صَلَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ جَمَاعَةٍ بِخِلَافِهَا خَلْفَ الْمُتِمِّ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ) مَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ جَمِيعُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَوْ تَمَيَّزَ الْمَفْضُولُ مِمَّنْ ذُكِرَ بِبُلُوغِ إلَخْ، فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَفْظِ بَعْضٍ (قَوْلُهُ: أَوْ وَجَدَهُ قَدْ أَحْرَمَ) أَيْ فَالْكَرَاهَةُ إنَّمَا هِيَ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى غَيْرِهِ الَّذِي لَيْسَ مِثْلَهُ مَعَ حُضُورِهِ وَلَيْسَتْ رَاجِعَةً إلَى نَفْسِ إمَامَتِهِ. (قَوْلُهُ: فِي الْإِسْلَامِ) سَيَأْتِي أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِكِبَرِ السِّنِّ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ الْآتِي، فَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» أَيْ بِالنَّظَرِ لِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ
مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِتَبَعِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ؛ لِأَنَّ فَضِيلَتَهُ فِي ذَاتِهِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ بُلُوغِ مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا، أَمَّا بَعْدَهُ فَيَظْهَرُ تَقْدِيمُ التَّابِعِ.
وَالْمُرَادُ بِالنَّسِيبِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ فَيُقَدَّمُ الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ ثُمَّ سَائِرُ قُرَيْشٍ ثُمَّ الْعَرَبِيُّ ثُمَّ الْعَجَمِيُّ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَالِمِ أَوْ الصَّالِحِ عَلَى ابْنِ غَيْرِهِ. وَتُعْتَبَرُ الْهِجْرَةُ أَيْضًا فَيُقَدَّمُ أَفْقَهُ فَأَقْرَأُ فَأَرْوَعُ فَأَقْدَمُ هِجْرَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِآبَائِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَسَنُّ فَأَنْسَبُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُنْتَسِبَ لِلْأَقْدَمِ هِجْرَةً مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُنْتَسِبِ لِقُرَيْشٍ مَثَلًا، وَأَنَّ ذِكْرَ النَّسَبِ لَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْأَقْدَمِ هِجْرَةً.
(فَإِنْ)(اسْتَوَيَا) فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا (فَنَظَافَةُ) الذِّكْرِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ: أَيْ حُسْنُهُ، ثُمَّ نَظَافَةُ (الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ) عَنْ الْأَوْسَاخِ (وَحُسْنُ الصَّوْتِ وَطِيبُ الصَّنْعَةِ وَنَحْوِهَا) لِإِفْضَاءِ النَّظَافَةِ إلَى اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَالْكَسْبِ كَالنَّظَافَةِ، فَمَنْ كَانَ كَسْبُهُ أَفْضَلَ أَوْ أَنْظَفَ قُدِّمَ بِهِ، وَلَوْ تَعَارَضَتْ الصِّفَاتُ بَعْدَ حُسْنِ الذِّكْرِ قُدِّمَ الْأَنْظَفُ ثَوْبًا ثُمَّ بَدَنًا ثُمَّ صَنْعَةً ثُمَّ الْأَحْسَنُ صَوْتًا فَصُورَةً، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَتَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ فَقْدِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ أَوْ إسْقَاطِ حَقِّهِ لَلْأَوْلَى، وَإِلَّا قُدِّمَ الرَّاتِبُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ أَوْ كَانَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ.
(وَمُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ) يَعْنِي مَنْ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَحَلٍّ كَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ (بِمِلْكٍ) لَهُ (وَنَحْوِهِ) كَإِجَارَةٍ، وَإِعَارَةٍ وَوَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ، وَإِذْنِ سَيِّدٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِيمَا لَوْ عَارَضَتْهُ صِفَةٌ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ، وَمَا هُنَا مَفْرُوضٌ فِي اسْتِوَائِهِمَا فِي الصِّفَاتِ كُلِّهَا، فَالشَّيْخُوخَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِلتَّرْجِيحِ (قَوْلُهُ: إلَى قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ قُرَيْشٌ، وَأَفْرَدَ الصَّمِيرَ لِكَوْنِ قُرَيْشٍ اسْمًا لِلْجَدِّ الَّذِي تُنْسَبُ إلَيْهِ الْقَبِيلَةُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْعَرَبِيُّ) أَيْ ثُمَّ بَاقِي الْعَرَبِ (قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَالِمِ) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فَنَظَافَةُ الذِّكْرِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَصِفْهُ مِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ عَدَاوَتَهُ بِنَقْصٍ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ حَجّ.
فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ، وَمَنْ وُصِفَ بِخَارِمِ الْمُرُوءَةِ (قَوْلُهُ: وَحُسْنُ الصَّوْتِ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ سَرِيَّةً كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ، وَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ الصِّفَاتِ الْفَاضِلَةِ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا فَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: قُدِّمَ الْأَنْظَفُ ثَوْبًا) زَادَ حَجّ فَوَجْهًا (قَوْلُهُ: فَصُورَةُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالصُّورَةِ سَلَامَتُهُ فِي بَدَنِهِ مِنْ آفَةٍ تَنْقُصُهُ كَعَرَجٍ وَشَلَلٍ لِبَعْضِ أَعْضَائِهِ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: عَرَجَ فِي مَشْيِهِ عَرَجًا مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا كَانَ مِنْ عِلَّةٍ لَازِمَةٍ فَهُوَ أَعْرُجُ، وَالْمَرْأَةُ عَرْجَاءُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عِلَّةٍ غَيْرِ لَازِمَةٍ بَلْ مِنْ شَيْءٍ أَصَابَهُ حَتَّى غَمَزَ فِي مَشْيِهِ قِيلَ عَرَجَ يَعْرُجُ مِنْ بَابِ قَتَلَ يَقْتُلُ فَهُوَ عَارِجٌ.
(قَوْلُهُ: أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ حَيْثُ اجْتَمَعَا فِي مَحَلٍّ مُبَاحٍ أَوْ كَانَا مُشْتَرَكَيْنِ فِي الْإِمَامَةِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي مَمْلُوكٍ وَتَنَازَعَا لَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُصَلِّي كُلٌّ مُنْفَرِدًا (قَوْلُهُ: أَوْ إسْقَاطِ حَقِّهِ لِلْأَوْلَى) أَيْ فَلَوْ عَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ رَجَعَ قَبْلَ دُخُولِ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُدِّمَ الرَّاتِبُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ عَيَّنَ شَخْصًا بَدَلَهُ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ اتِّفَاقِ أَهْلِ مَحَلَّةٍ عَلَى إمَامٍ يُصَلِّي بِهِمْ مِنْ غَيْرِ نَصْبِ النَّاظِرِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيُقَدَّمُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، لَكِنْ فِي الْإِيعَابِ خِلَافُهُ. وَعِبَارَتُهُ: فَرْعٌ: فِي الْكِفَايَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهِمَا تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ مَا حَاصِلُهُ تَحْصُلُ وَظِيفَةُ إمَامِ غَيْرِ الْجَامِعِ مِنْ مَسَاجِدِ الْمَحَالِّ وَالْعَشَائِرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِآبَائِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهِجْرَةِ آبَائِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: أَوْ صُورَةً) فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فَصُورَةٌ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ لِمَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ) أَيْ وَلَوْ عَامًّا كَالْحَاكِمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي مَنْ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ) إنَّمَا حُمِلَ الْمَتْنُ عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ الْمُحْوِجِ إلَى قَوْلِهِ الْآتِي فِي تَفْسِيرِ ضَمِيرِ يَكُنْ بِالْمُسْتَحِقِّ لِلْمَنْفَعَةِ حَقِيقَةً، وَلَمْ يَبْقَ الْمَتْنُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِيُسْتَغْنَى عَمَّا يَأْتِي لِتَرْجِعَ
(أَوْلَى) بِالْإِمَامَةِ فِيمَا سَكَنَهُ بِحَقٍّ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ تَمَيَّزَ بِسَائِرِ مَا مَرَّ فَيَؤُمُّهُمْ إنْ كَانَ أَهْلًا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَنْفَعَةِ حَقِيقَةً، وَهُوَ مَا سِوَى الْمُسْتَعِيرِ لِعَدَمِ جَوَازِ الْإِنَابَةِ إلَّا لِمَنْ لَهُ الْإِعَارَةُ، وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْمَالِكِ لَا يُعِيرُ، وَكَذَا الْقِنُّ الْمَذْكُورُ سَوَاءٌ أَكَانَ السَّيِّدُ وَالْمُعِيرُ حَاضِرًا أَمْ غَائِبًا (أَهْلًا) لِلْإِمَامَةِ كَمَا مَرَّ كَامْرَأَةٍ لِرِجَالٍ أَوْ لِلصَّلَاةِ كَكَافِرٍ، وَإِنْ تَمَيَّزَ سَائِرُ مَا مَرَّ (فَلَهُ) اسْتِحْبَابًا حَيْثُ كَانَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (التَّقْدِيمُ) لِأَهْلٍ يَؤُمُّهُمْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «فِي بَيْتِهِ وَلَا فِي سُلْطَانِهِ» . أَمَّا الْمَحْجُورُ عِنْدَ دُخُولِهِمْ مَنْزِلَهُ لِمَصْلَحَتِهِ، وَكَانَ زَمَنُهَا بِقَدْرِ زَمَنِ الْجَمَاعَةِ فَالْمَرْجِعُ لِإِذْنِ وَلِيِّهِ، فَإِنْ أَذِنَ لِوَاحِدٍ تَقَدَّمَ، وَإِلَّا صَلُّوا فُرَادَى.
(وَيُقَدَّمُ) السَّيِّدُ (عَلَى عَبْدِهِ السَّاكِنِ) بِمِلْكِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِلْكُهُ أَوْ مِلْكُ غَيْرِهِ، إذْ الْمُسْتَعِيرُ السَّيِّدُ حَقِيقَةً (لَا) عَلَى (مُكَاتَبِهِ فِي مِلْكِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ: يَعْنِي فِيمَا اُسْتُحِقَّ مَنْفَعَتُهُ وَلَوْ بِنَحْوِ إجَازَةٍ أَوْ إعَارَةٍ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ فَلَا يُقَدَّمُ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ، وَيُؤْخَذُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْأَسْوَاقِ بِنَصْبِ الْإِمَامِ شَخْصًا أَوْ بِنَصْبِ شَخْصٍ نَفْسَهُ لَهَا بِرِضَا جَمَاعَتِهِ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلْإِمَامِ وَيَؤُمَّ بِهِمْ، فَإِذَا عَرَفَ بِهِ وَرَضِيَتْ جَمَاعَةُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِإِمَامَتِهِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَتَحْصُلُ فِي الْجَامِعِ وَالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ أَوْ الَّذِي فِي الشَّارِعِ بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ فَاخْتَصَّتْ بِنَظَرِهِ، فَإِنْ فُقِدَ فَمَنْ رَضِيَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ: أَيْ أَكْثَرُهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا سِوَى الْمُسْتَعِيرِ) أَيْ فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: بَلْ وَلَا الِانْتِفَاعَ حَقِيقَةً. اهـ. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَظَاهِرٌ.
أَقُولُ: لَوْ قُرِئَ وَنَحْوُهُ بِالرَّفْعِ اتَّضَحَ شُمُولُ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ لِذَلِكَ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمِثَالِ الَّذِي تَكَلَّفَهُ الْإِسْنَوِيُّ اهـ عَمِيرَةُ.
وَالْمِثَالُ الْمَذْكُورُ هُوَ قَوْلُهُ: مَثَّلَ لَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْمَالِكِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَمَيَّزَ) أَيْ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا (قَوْلُهُ: فَلَهُ التَّقْدِيمُ) أَيْ فَلَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَلَا ظَنِّ رِضَاهُ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ غَرَضُهُ بِوَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ فَلَوْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى عَدَمِ تَعَلُّقِ غَرَضِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بَلْ أَرَادَ الصَّلَاةَ، وَأَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ شَاءُوا فَلَا حُرْمَةَ (قَوْلُهُ: لِأَهْلٍ يَؤُمُّهُمْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ لِجَمْعٍ لِيَتَقَدَّمَ وَاحِدٌ مِنْكُمْ فَهَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ أَوْ يُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمْ أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا لِعُمُومِ الْإِذْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لِوَاحِدٍ مُبْهَمٌ تَضَمَّنَ إسْقَاطَ حَقِّهِ، وَحَيْثُ سَقَطَ حَقُّهُ كَانَ الْأَفْضَلُ أَوْلَى، فَلَوْ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ لَمْ يَحْرُمْ مَا لَمْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى طَلَبٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا مَرَّ فَتَنَبَّهْ لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا صَلُّوا فُرَادَى) أَيْ ثُمَّ إنْ كَانُوا قَاصِدِينَ أَنَّهُمْ لَوْ تَمَكَّنُوا مِنْ الْجَمَاعَةِ فَعَلُوهَا كُتِبَ لَهُمْ ثَوَابُ الْقَصْدِ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا صَلُّوا فُرَادَى) قَالَ حَجّ: قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ وَنَظَرَ فِيهِ الْقَمُولِيُّ وَكَأَنَّهُ لَمَحَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ حَقًّا مَالِيًّا حَتَّى يَنُوبَ الْوَلِيُّ عَنْهُ فِيهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْمِلْكُ فَهُوَ تَابِعُ حُقُوقِهِ، وَلِلْوَلِيِّ دَخْلٌ فِيهَا.
(قَوْلُهُ: لَا مُكَاتَبِهِ) أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
عِبَارَتُهُ إلَى عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ إهْمَالُ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا سِوَى الْمُسْتَعِيرِ) أَيْ أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فَلَيْسَ لَهُ التَّقْدِيمُ: أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ غَيْرُ أَهْلٍ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَتْنِ، وَسَكَتَ عَمَّا إذَا كَانَ أَهْلًا وَالْعِلَّةُ تَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ الْأَهْلِ وَغَيْرِ الْأَهْلِ فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ التَّقْدِيمَ، لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الشَّرِيكَيْنِ إلَخْ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ مَعَ الشَّرِيكِ الْآخَرِ عِنْدَ غَيْبَةِ مُعِيرِهِ، فَلَعَلَّ مَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَكَانَ زَمَنُهَا بِقَدْرِ زَمَنِ الْجَمَاعَةِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ إذَا صَرَفُوا هَذَا الزَّمَنَ لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْمُكْثُ بَعْدُ لِلْمَصْلَحَةِ لِمُضِيِّ زَمَنِهَا وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْطِيلُهَا
مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَدَمُ تَقْدِيمِهِ عَلَى قِنِّهِ الْمُبَعَّضِ فِيمَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ.
(وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُكْرِي) ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِمَنْفَعَتِهِ، وَتَقْيِيدُ بَعْضِهِمْ الْمُكْرِي بِالْمَالِكِ مُرَادُهُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُمْ أَيْضًا، إذْ لَا يُكْرِي إلَّا مَالِكٌ لَهَا فَهُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلِاحْتِرَازِ. وَالثَّانِي يُقَدَّمُ الْمُكْرِي؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلرَّقَبَةِ، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ أَوْلَى مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ.
(وَ) يُقَدَّمُ (الْمُعِيرُ) الْمَالِكُ (عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ وَالرُّجُوعَ فِيهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالثَّانِي يُقَدَّمُ الْمُسْتَعِيرُ؛ لِأَنَّ السَّكَنَ لَهُ فِي الْحَالِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ لِشُمُولٍ فِي بَيْتِهِ الْمَارِّ فِي الْخَبَرِ لَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ نَحْوِ الْمُؤَجِّرِ أَيْضًا. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْمِلْكِ أَوْ الِاخْتِصَاصِ وَكِلَاهُمَا مُتَحَقِّقٌ فِي مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، فَدَخَلَ الْمُسْتَأْجِرُ وَخَرَجَ الْمُسْتَعِيرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الشَّرِيكَيْنِ لِغَيْرِهِمَا فِي تَقَدُّمِهِ، وَمَنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ فَإِنْ حَضَرَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَتَقَدَّمْ غَيْرُهُمَا إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا أَحَدُهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَالْحَاضِرُ مِنْهُمَا أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ انْتِفَاعُهُ بِالْجَمِيعِ، وَالْمُسْتَعِيرَانِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ كَالشَّرِيكَيْنِ فَإِنْ حَضَرَ الْأَرْبَعَةُ كَفَى إذْنُ الشَّرِيكَيْنِ.
(وَالْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى مِنْ الْأَفْقَهِ وَالْمَالِكِ) الْآذِنِ فِي الصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْجَمَاعَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُقَامُ فِي مِلْكِهِ إلَّا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ عَدَمِ تَقْدِيمِ السَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ (قَوْلُهُ: فِيمَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى سَيِّدِهِ لِمِلْكِهِ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ.
(قَوْلُهُ: فَهُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ) أَيْ وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لِمَالِكِ الْعَيْنِ، لَكِنْ قَوْلُهُ: فِي تَعْلِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلرَّقَبَةِ إلَخْ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمُكْرِي بِمَالِك الْعَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُكْرِي قَدْ يَكُونُ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ فَقَطْ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا ثُمَّ أَكْرَاهَا لِغَيْرِهِ وَاجْتَمَعَ كُلٌّ مِنْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرَى فَالْمُكْتَرَى مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ الْآنَ.
(قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ إلَخْ) الْأَوْلَى وَتَقْدِيمٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَبِهِ عَبَّرَ الْمَحَلِّيُّ رحمه الله وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ تَقْدِيرِ الْعَامِلِ، فَإِنَّهُ إذَا قُرِئَ بِالْجَرِّ لَمْ يَكُنْ عَامِلٌ مُقَدَّرٌ، إذْ الْعَامِلُ فِي الْمَعْطُوفِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) قَالَ فِي الْإِيعَابِ: لَوْ أَعَارَ الْمُسْتَعِيرُ وَجَوَّزْنَاهُ لِلْعِلْمِ بِالرِّضَا بِهِ، وَحَضَرَا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ فَرْعُهُ، وَيُحْتَمَلُ اسْتِوَاؤُهُمَا؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ عَنْ الْمَالِكِ فِي الْإِعَارَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَعَارَهُ بِإِذْنٍ اسْتَوَيَا فِيمَا يَظْهَرُ. اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ إعَارَتُهُ لِلثَّانِي بِإِذْنٍ مِنْ الْمَالِكِ انْعَزَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْأَوَّلُ بِإِعَارَةِ الثَّانِي فَسَقَطَ حَقُّ الْمُسْتَعِيرِ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ فِي الْإِعَارَةِ لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنٍ فِي أَصْلِ الْإِعَارَةِ بِدُونِ تَعْيِينٍ كَانَ كَمَا لَوْ أَعَارَ بِعِلْمِهِ بِرِضَا الْمَالِكِ، وَقَدْ قُدِّمَ فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ الْأَوَّلَ أَحَقُّ: أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الرُّجُوعِ مَتَى شَاءَ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِيمَا لَوْ أُذِنَ لَهُ فِي الْإِعَارَةِ بِلَا تَعْيِينٍ لِأَحَدٍ فَلَا وَجْهَ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِعِلْمِ الرِّضَا يَكُونُ الْحَقُّ لِلْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ: مُتَحَقِّقٌ) أَيْ ثَابِتٌ (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ) فَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ صَلَّى كُلٌّ مُنْفَرِدًا، وَلَا دَخَلَ لِلْقُرْعَةِ هُنَا إذْ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَكَالْمُشْتَرَكِينَ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمُشْتَرِكَانِ فِي إمَامَةِ مَسْجِدٍ، فَلَيْسَ لِثَالِثٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ أَوْ ظَنِّ رِضَاهُ، وَالْقِيَاسُ حُرْمَةُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَالرِّضَا وَلَوْ كَانَ الْآخَرُ مَفْضُولًا (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَجُوزُ انْتِفَاعُهُ) أَيْ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُ بَعْضِهِمْ) هُوَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُقَابِلِ الْآتِي فَلَا يَتَوَجَّهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ كَابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ وَهُوَ مُحَرَّفٌ عَنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ مُوهِمٌ وَالْعِبَارَةُ لِلشِّهَابِ حَجّ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يُكْرِي إلَّا مَالِكٌ لَهَا) يَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ النَّاظِرِ وَالْوَالِي.
(قَوْلُهُ: الْمَالِكُ) أَيْ لِلْمَنْفَعَةِ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: كَفَى إذْنُ الشَّرِيكَيْنِ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ ضَمُّ إذْنِ الْمُسْتَعِيرَيْنِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْفِي إذْنُهُمَا كَمَا يَكْفِي إذْنُ الْمُسْتَعِيرَيْنِ وَإِنْ تُوُهِّمَ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْوَالِي، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ انْتَهَتْ: أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي خُصُوصِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا يَكْفِي عَنْهُ الْإِذْنُ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْغَايَةِ فَقَطْ