الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا اسْتَثْنَوْهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ، وَلَا يَشْمَلُ هَذَا قَوْلَ ابْنِ الْوَرْدِيِّ كَغَيْرِهِ فِي السَّقْطِ فَصَاعِدًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ هَذِهِ لَا يُسَمَّى سَقْطًا خِلَافًا لِلشَّيْخِ فِي فَتَاوِيهِ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْدِي وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّاهُ لُغَةً غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَرْنَاهُ اسْتِوَاءُ هَذَا الْحُكْمِ بِمَنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (إنْ اسْتَهَلَّ) أَيْ صَاحَ (أَوْ بَكَى كَكَبِيرٍ) فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ لِتَيَقُّنِ مَوْتِهِ بَعْدَ حَيَاتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ وَلَمْ يَبْكِ (فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ كَاخْتِلَاجٍ) أَوْ تَحَرُّكٍ (صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ) لِاحْتِمَالِ حَيَاتِهِ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا وَلِلِاحْتِيَاطِ.
وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ تَيَقُّنِهَا أَمَّا دَفْنُهُ وَغُسْلُهُ فَوَاجِبٌ قَطْعًا (وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ) أَمَارَةُ الْحَيَاةِ (وَلَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) أَيْ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا حَدُّ نَفْخِ الرُّوحِ (لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) قَطْعًا لِعَدَمِ الْأَمَارَةِ (وَكَذَا إنْ بَلَغَهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرَ الَّتِي هِيَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وُجُوبًا وَلَا جَوَازًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِعَدَمِ ظُهُورِ حَيَاتِهِ فَيَجِبُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ وَفَارَقَتْ الصَّلَاةُ غَيْرَهَا بِأَنَّهُ أَوْسَعُ بَابًا مِنْهَا وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْأَحْيَاءِ فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْغُسْلَ آكَدُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْكَافِرَ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلسَّقْطِ أَحْوَالًا حَاصِلُهَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ خَلْقُ آدَمِيٍّ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ.
نَعَمْ يُسَنُّ سَتْرُهُ بِخِرْقَةٍ وَدَفْنُهُ، وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ خِلْقَةٌ وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ وَجَبَ فِيهِ مَا سِوَى الصَّلَاةِ، أَمَّا هِيَ فَمُمْتَنِعَةٌ كَمَا مَرَّ فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ فَكَالْكَبِيرِ.
ثُمَّ
الْمَيِّتُ إمَّا شَهِيدٌ أَوْ غَيْرُهُ
، وَالشَّهِيدُ إمَّا شَهِيدُ الْآخِرَةِ فَقَطْ وَهُوَ كُلُّ مَقْتُولٍ ظُلْمًا أَوْ مَيِّتٌ بِنَحْوِ بَطَنٍ كَالْمُسْتَسْقَى وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهُ بِالْأَوَّلِ أَوْ طَعْنٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ غُرْبَةٍ وَإِنْ عَصَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَخْطِيطٌ وَلَا غَيْرُهُ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ آدَمِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ) أَيْ دَلِيلُ الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: بِمَنْ عُلِمَتْ) أَيْ مَعَ بِمَنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ (قَوْلُهُ: كَاخْتِلَاجٍ) أَيْ وَلَوْ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إنْ فُرِضَ.
(قَوْلُهُ: كَالْمُسْتَسْقِي وَغَيْرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: أَوْ الْمَحْدُودِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ قَالَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ عَبْدُ الْحَقِّ فِي حَاشِيَةِ الْمَحَلِّيِّ فِي تَنْقِيحِ اللُّبَابِ: أَوْ حَدًّا، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ لِيَشْمَلَهُ الظُّلْمُ الْمُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى مَا إذَا قُتِلَ عَلَى غَيْرِ الْكَيْفِيَّةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا، وَالْأَوْجَهُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ لِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ مِنْهُ تَائِبًا اهـ.
أَقُولُ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ شَهِيدٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ زِيدَ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ أَوْ لَا سَلَّمَ نَفْسَهُ أَمْ لَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ شَرَقَ بِالْخَمْرِ وَمَاتَ أَوْ مَاتَتْ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْ حَمْلِ الزِّنَا أَوْ نَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ صُوَرَ الشَّهَادَةِ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي كَوْنِهِ مَظْلُومًا.
[فَائِدَةٌ] عَدَّ السُّيُوطِيّ فِي مَنْظُومَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّثْبِيتِ الشُّهَدَاءَ الَّذِينَ لَا يُسْأَلُونَ سَبْعَةً، وَهُمْ: الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُرَابِطُ وَالْمَطْعُونُ وَالصِّدِّيقُ قَالَ شَارِحُهُ وَهُوَ دَائِمُ الصِّدْقِ وَالْأَطْفَالُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ وَمَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتَهَا وَمَنْ وَاظَبَ عَلَى تَبَارَكَ الْمُلْكُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ قَالَ شَارِحُهُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ شَرْحِ كَلَامِهِ فَهَؤُلَاءِ سَبْعَةُ شُهَدَاءَ لَا يُسْأَلُونَ، وَبَقِيَ جَمَاعَةٌ نَالُوا مَرْتَبَةَ الشَّهَادَةِ مَعَ كَوْنِهِمْ مَسْئُولِينَ وَهُمْ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ مَنْ مَاتَ بِالْبَطْنِ أَوْ الْغَرَقِ أَوْ الْهَدْمِ أَوْ بِالْجَنْبِ أَوْ بِالْجُمْعِ بِالضَّمِّ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَ اهـ، فَجَعَلَ رحمه الله الْمَبْطُونَ وَمَا ذَكَرَ مَعَهُ لَيْسُوا مِنْ الشُّهَدَاءِ لَكِنَّهُمْ نَالُوا مَرْتَبَتَهُمْ، وَعَلَيْهِ فَمَا مَعْنَى كَوْنِ أُولَئِكَ السَّبْعَةِ شُهَدَاءَ وَكَوْنِ مَنْ عَدَاهُمْ فِي مَرْتَبَتِهِمْ وَمَا الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ بِالْجُمَعِ بِالضَّمِّ؟ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ بِجُمْعٍ بِالضَّمِّ وَبِالْكَسْرِ إذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، وَيُقَالُ أَيْضًا لِلَّتِي مَاتَتْ بِكْرًا اهـ (قَوْله أَوْ طُعِنَ) وَكَذَا مَنْ مَاتَ فِي زَمَنِهِ وَإِنْ لَمْ يُطْعَنْ اهـ حَجّ.
وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَوْعِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: غَيْرُ صَحِيحٍ) أَيْ بَلْ لَا يُسَمَّاهُ شَرْعًا أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: اسْتِوَاءُ هَذَا الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمِ مَنْ نَزَلَ فَوْقَ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ وَقَوْلُهُ: بِمَنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ: أَيْ بِحُكْمِ مَنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ: أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ نَزَلَ دُونَ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ: أَيْ أَوْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ حَيَاتِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ الْآتِي.
[الْمَيِّتُ إمَّا شَهِيدٌ أَوْ غَيْرُهُ]
(قَوْلُهُ: كَالْمُسْتَسْقَى) مِثَالٌ لِلنَّحْوِ، وَقَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهُ بِالْأَوَّلِ: يَعْنِي خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ الْمَبْطُونَ الْوَاقِعَ فِي الْأَحَادِيثِ بِمَنْ مَاتَ بِمَرَضِ الْبَطْنِ الْمُتَعَارَفِ: أَيْ الْإِسْهَالِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ تَقْصُرُ عَنْ ذَلِكَ
بِرُكُوبِهِ الْبَحْرِ أَوْ بِغُرْبَتِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهَا بِالْإِبَاحَةِ أَوْ طَلْقٍ وَلَوْ مِنْ حَمْلِ زِنًا قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَثْنَى الْحَامِلَ الْمَذْكُورَةَ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ لِيَشْرَبَ الْخَمْرَ وَمَنْ سَافَرَ آبِقًا أَوْ نَاشِزَةً، وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْمَوْتُ مَعْصِيَةً كَأَنْ تَسَبَّبَتْ فِي إلْقَاءِ الْحَمْلِ فَمَاتَتْ أَوْ رَكِبَ الْبَحْرَ وَسَيَّرَ السَّفِينَةَ فِي وَقْتٍ لَا تَسِيرُ فِيهِ السُّفُنُ فَغَرِقَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الشَّهَادَةُ لِلْعِصْيَانِ بِالسَّبَبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْعِصْيَانِ بِالْمُسَبِّبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مَعْصِيَةً حَصَلَتْ الشَّهَادَةُ وَإِنْ قَارَنَهَا مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، أَوْ عِشْقٍ بِشَرْطِ الْعِفَّةِ وَالْكِتْمَانِ كَمَا قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِذَلِكَ لِخَبَرٍ فِيهِ مَوْقُوفٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ إبَاحَةُ نِكَاحِهَا لَهُ شَرْعًا وَتَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهَا.
قَالَ: وَإِلَّا فَعِشْقُ الْأَمْرَدِ مَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ يَحْصُلُ بِهَا دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي عِشْقٍ اخْتِيَارِيٍّ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْ تَرْكِهِ وَتَمَادَى عَلَيْهِ. أَمَّا لَوْ فُرِضَ حُصُولُ عِشْقٍ اضْطِرَارِيٍّ لَهُ بِحَيْثُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْ تَرْكِهِ لَمْ يَمْنَعْ حُصُولَ الشَّهَادَةِ، إذْ لَا مَعْصِيَةَ بِهِ حِينَئِذٍ.
وَأَمَّا شَهِيدُ الدُّنْيَا فَقَطْ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ وَقَدْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ قُتِلَ مُدْبِرًا أَوْ قَاتَلَ رِيَاءً أَوْ نَحْوَهُ.
وَأَمَّا شَهِيدُهُمَا فَهُوَ مَنْ قُتِلَ كَذَلِكَ لَكِنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَحَيْثُ أَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ الشَّهِيدَ انْصَرَفَ لِأَحَدِ الْآخَرِينَ، وَحُكْمُهُمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ يُحْرَمَانِ لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ " وَلَمْ يُصَلَّ " بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ، وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كَلْمٍ أَوْ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَيْضًا إبْقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَالتَّعْظِيمُ لَهُمْ بِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ دُعَاءِ الْقَوْمِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَطْعُونِينَ بِأَنْ كَانَ الطَّعْنُ فِي الْأَطْفَالِ أَوْ الْأَرِقَّاءِ وَهُوَ مِنْ غَيْرِهِمْ.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ أَكْثَرَ شُهَدَاءِ أُمَّتِي لَأَصْحَابُ الْفُرُشُ» مَا نَصُّهُ: أَيْ الَّذِينَ يَأْلَفُونَ النِّيَامَ عَلَى الْفِرَاشِ وَلَا يُهَاجِرُونَ الْفِرَاشَ وَيَقْصِدُونَ لِلْغَزْوِ، قَالَ الْحَكِيمُ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ اطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ إلَى رَبِّهِمْ وَشُغِلُوا بِهِ عَنْ الدُّنْيَا وَتَمَنَّوْا لِقَائِهِ، فَإِذَا حَضَرَهُمْ الْمَوْتُ جَادُوا بِأَنْفُسِهِمْ طَوْعًا وَبَذَلُوهَا لَهُ إيثَارًا لِمَحَبَّتِهِ عَلَى مَحَبَّتِهَا فَهُمْ وَمَنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِينَ سِيَّانَ، فَيَنَالُونَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ لِأَنَّ الشُّهَدَاءَ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَهَؤُلَاءِ بَذَلُوهَا طُولَ الْعُمُرِ، ثُمَّ قَالَ: تَنْبِيهٌ: عَدُّوا مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّهُمْ يُقْبَضُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ وَهُمْ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللَّهِ اهـ.
وَقَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَلَا يُهَاجِرُونَ الْفِرَاشَ إلَخْ: يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ مَنَازِلَهُمْ لِلسَّفَرِ فِي تِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا بَلْ يُلَازِمُونَ الْمَنَازِلَ يَنْتَظِرُونَ الْغَزْوَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَثْنَى) أَيْ الزَّرْكَشِيُّ (قَوْلُهُ: فَغَرَقَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الشَّهَادَةُ) وَمِنْهُ مَا لَوْ صَادَ حَيَّةً وَهُوَ لَيْسَ حَاذِقًا فِي صَيْدِهَا وَنَحْوُ الْبَهْلَوَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَاذِقًا فِي صَنْعَتِهِ، بِخِلَافِ الْحَاذِقِ فِيهِمَا فَإِنَّهُ شَهِيدٌ لِعَدَمِ تَسَبُّبِهِ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِمَّنْ يَتَصَوَّرُ إبَاحَةَ نِكَاحِهَا لَهُ) وَفِي نُسْخَةٍ وَإِنْ لَمْ يَتَصَوَّرْ إبَاحَةَ نِكَاحِهَا لَهُ شَرْعًا وَيَتَعَذَّرُ وُصُولُهُ إلَيْهَا كَعِشْقِ الْمُرْدِ وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي عِشْقٍ اخْتِيَارِيٍّ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُرْدِ وَغَيْرِهِمْ حَيْثُ كَانَ الْفَرْضُ الْعِفَّةَ وَالْكِتْمَانَ، بَلْ قَالَ طب وم ر: وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ الْمُؤَدِّي إلَى عِشْقِ الْأَمْرَدِ اخْتِيَارِيًّا حَيْثُ صَارَ اضْطِرَارِيًّا وَعَفَّ وَكَتَمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَعْنَى الْعِفَّةِ: أَنْ لَا يَكُونَ فِي نَفْسِهِ إذَا اخْتَلَى بِهِ حَصَلَ بَيْنَهُمَا فَاحِشَةٌ بَلْ عَزْمُهُ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ خَلَا بِهِ لَا يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَالْكِتْمَانُ: أَنْ لَا يَذْكُرَ مَا بِهِ لِأَحَدٍ وَلَوْ مَحْبُوبِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ) أَيْ سَرَقَ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مَنْ قُتِلَ كَذَلِكَ) أَيْ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ: أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ) أَيْ وَأَمَّا مَنْ اُسْتُشْهِدَ قَبْلَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَأَهْلِ بَدْرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِمْ عَنْهُ غُسْلٌ وَلَا عَدَمُهُ، وَلَعَلَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَتَقَيَّدُونَ بِأَمْرِهِمْ.
وَأَمَّا أُحُدٌ فَلِشِدَّةِ مَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا، بَاشَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَنُقِلَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كَلْمٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي؛ لِأَنَّ الْكَلْمَ هُوَ الْجُرْحُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَفِي ذَلِكَ حَثٌّ عَلَى الْجِهَادِ الَّذِي جُبِلَتْ النُّفُوسُ عَلَى حُبِّ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا الْمُنَافِي لِطَلَبِهِ غَالِبًا، وَلَيْسَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَثٌّ؛ لِأَنَّ مَرْتَبَتَهَا لَا تُنَالُ بِالِاكْتِسَابِ.
وَأَمَّا خَبَرُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فَصَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ» ، زَادَ الْبُخَارِيُّ " بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ " فَالْمُرَادُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ دَعَا لَهُمْ كَدُعَائِهِ لِلْمَيِّتِ وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ لَهُ إذْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَرَّفَ مِنْ هَذَا حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ الشَّهِيدُ الَّذِي يَحْرُمُ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ ضَابِطُهُ أَنَّهُ كُلُّ (مَنْ مَاتَ) وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ (فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ) أَوْ الْكَافِرِ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ أَكَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ أَمْ رِدَّةٍ أَمْ ذِمَّةٍ قَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَيْنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ (بِسَبَبِهِ) أَيْ الْقِتَالِ، سَوَاءٌ أَقَتَلَهُ كَافِرٌ أَمْ عَادَ إلَيْهِ سَهْمُهُ أَمْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً أَمْ تَرَدَّى فِي وَهْدَةٍ أَمْ رَفَسَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ بَاغٍ اسْتَعَانَ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ كَمَا شَمَلَهُ قِتَالُ الْكُفَّارِ أَمْ قَتَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ حَالَ انْهِزَامِهِمْ انْهِزَامًا كُلِّيًّا بِأَنْ تَبِعَهُمْ فَكَّرُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ فَكَأَنَّهُ قُتِلَ فِي حَالِ الْقِتَالِ أَمْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ صَبْرًا أَمْ انْكَشَفَ الْحَرْبُ عَنْهُ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: إذْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ الشَّهِيدِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ مَاتَ وَلَوْ امْرَأَةً) وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ كَانَ مَعَ الْمَرْأَةِ وَلَدٌ صَغِيرٌ وَمَاتَ بِسَبَبِ الْقِتَالِ هَلْ يَكُونُ شَهِيدًا أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الثَّانِي فَلْيُرَاجَعْ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ أَنَّهُ بِصَدَدِهِ وَلَوْ بِخِدْمَةٍ لِلْغُزَاةِ أَوْ نَحْوِهَا (قَوْلُهُ: قَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَيْنَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مُسْلِمًا غِيلَةً (قَوْلُهُ: بِسَبَبِهِ) أَيْ الْقِتَالِ، وَمِنْهُ مَا قِيلَ إنَّ الْكُفَّارَ يَتَّخِذُونَ خَدِيعَةً يَتَوَصَّلُونَ بِهَا إلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَّخِذُونَ سِرْدَابًا تَحْتَ الْأَرْضِ يَمْلَئُونَهُ بِالْبَارُودِ، فَإِذَا مَرَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ أَطْلَقُوا النَّارَ فِيهِ فَخَرَجَتْ مِنْ مَحَلِّهَا وَأَهْلَكَتْ الْمُسْلِمِينَ.
[فَائِدَةٌ] قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ: لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ عَاصِيًا بِالْخُرُوجِ فَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَهِيدٌ أَمَّا لَوْ كَانَ فَارًّا حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ لَكِنَّهُ شَهِيدٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي جَوَابِ الْمَسَائِلِ الْحَلَبِيَّةِ فَلْيُنْظَرْ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ.
[فَرْعٌ] قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعُبَابِ: لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فَقَاتَلَ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ فَهُوَ شَهِيدٌ قَطْعًا، وَلَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ مُسْلِمًا فِي حَالِ الْقِتَالِ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
قَالَ سم حَجّ: بَقِيَ مَا لَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِكُفَّارٍ قَتَلُوا وَاحِدًا مِنْ الْبُغَاةِ حَالَ الْحَرْبِ هَلْ يَكُونُ شَهِيدًا؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ شَهِيدٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى بَهْجَةٍ التَّصْرِيحَ بِمَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَعِبَارَتُهُ قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ: أَيْ الْحَاوِي مَا لَوْ اسْتَعَانَ الْحَرْبِيُّونَ عَلَيْنَا بِبُغَاتِنَا فَقَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ الْبُغَاةِ وَاحِدًا مِنَّا عَمْدًا لِأَنَّهُ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْقَاتِلِ نَفْسِهِ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقُولُ: هَذَا الِاحْتِمَالُ يَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً أَوْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّتُهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ اهـ وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ اسْتَعَانَ الْبُغَاةُ بِالْكُفَّارِ ثُمَّ إنَّ وَاحِدًا مِنْ الْبُغَاةِ قَتَلَ وَاحِدًا مِنَّا فَهَلْ يَكُونُ شَهِيدًا نَظَرًا لِاسْتِعَانَتِهِمْ بِكُفَّارٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي فَلْيُرَاجَعْ.
ثُمَّ نَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ شَرْحِ الْغَايَةِ لسم التَّصْرِيحَ بِمَا قُلْنَاهُ وَزِيَادَةَ مَا لَوْ قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ الْكُفَّارِ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَهِيدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَادِمِ، وَعِبَارَتُهُ: وَلَوْ اسْتَعَانَ الْكُفَّارُ عَلَيْنَا بِمُسْلِمِينَ فَمَقْتُولُ الْمُسْتَعَانِ بِهِمْ شَهِيدٌ لِأَنَّ هَذَا قِتَالُ كُفَّارٍ، وَلَا نَظَرَ إلَى خُصُوصِ الْقَاتِلِ أَوْ اسْتَعَانَ الْبُغَاةُ عَلَيْنَا بِكُفَّارٍ فَمَقْتُول الْمُسْتَعَانِ بِهِمْ شَهِيدٌ دُونَ مَقْتُولِ الْبُغَاةِ نَقَلَهُ فِي الْخَادِمِ عَنْ الْقَفَّالِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ مُقَاتَلَةَ الْمُسْلِمِ فِي تِلْكَ تَبَعٌ فَكَانَ قَتْلُهُ مُوجِبًا لِلشَّهَادَةِ بِخِلَافِ هَذِهِ اهـ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ شَكَّ فِي كَوْنِ الْمَقْتُولِ هَلْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ (قَوْلُهُ: أَمْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ كَافِرًا فَيُصِيبَهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْقِتَالِ كَمَا جَزَمَا بِهِ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرَّجْ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ يُعْمَلُ بِهِ وَيُتْرَكُ الْأَصْلُ كَمَا لَوْ رَأَيْنَا ظَبْيَةً تَبُولُ فِي الْمَاءِ فَرَأَيْنَاهُ مُتَغَيِّرًا فَإِنَّا نَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهِيدِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ شَهِيدُ الْآخِرَةِ، فَقَالَ (فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ) أَيْ الْقِتَالِ بِجِرَاحَةٍ يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ مِنْهَا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ، سَوَاءٌ أَطَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ لِحَيَاتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ فَأَشْبَهَ مَوْتَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَالثَّانِي يَلْحَقُهُ بِالْمَيِّتِ فِي الْقِتَالِ.
أَمَّا لَوْ انْقَضَى الْقِتَالُ وَحَرَكَةُ الْمَجْرُوحِ فِيهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ فَشَهِيدٌ جَزْمًا أَوْ تُوُقِّعَتْ حَيَاتُهُ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ جَزْمًا (أَوْ) مَاتَ عَادِلٌ (فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ) . لَهُ (فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرُ) ؛ لِأَنَّهُ قَتِيلُ مُسْلِمٍ فَأَشْبَهَ الْمَقْتُولَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ، وَقَدْ غَسَّلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه ابْنَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ.
وَالثَّانِي نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَقْتُولِ فِي حَرَكَةِ الْكُفَّارِ (وَكَذَا) لَوْ مَاتَ (فِي الْقِتَالِ لَا بِسَبَبِهِ) أَيْ الْقِتَالِ كَمَوْتِهِ بِمَرَضٍ أَوْ فَجْأَةٍ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا فَغَيْرُ شَهِيدٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ خَالَفْنَا فِيمَا إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِيهِ فَبَقِيَ مَنْ عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ.
وَالشَّهِيدُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَهِدَا لَهُ بِالْجَنَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَلَهُ شَاهِدٌ بِقَتْلِهِ إذْ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ دَمًا وَلِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَقْبِضُونَ رُوحَهُ، وَقِيلَ إنَّهُ شَهِيدٌ فِي وَجْهٍ؛ لِمَوْتِهِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ.
(وَلَوْ)(اُسْتُشْهِدَ جَنْبٌ) أَوْ نَحْوُهُ كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ) كَغَيْرِهِ «؛ لِأَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ جُنُبٌ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ» فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِفِعْلِنَا؛ وَلِأَنَّهُ طُهْرٌ عَنْ حَدَثٍ فَسَقَطَ بِالشَّهَادَةِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ فَيَحْرُمُ، إذْ لَا قَائِلَ بِغَيْرِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ وَقَدْ انْتَفَى الْأَوَّلُ فَثَبَتَ الثَّانِي، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي غُسْلٍ وَجَبَ بِالْمَوْتِ، وَهُنَا الْغُسْلُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَهُ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ: أَيْ الشَّهِيدَ (تُزَالُ) وُجُوبًا (نَجَاسَةُ غَيْرِ الدَّمِ) الْمُتَعَلِّقِ بِالشَّهَادَةِ وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ كَبَوْلٍ خَرَجَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ وَسَوَاءٌ فِي إزَالَتِهَا أَدَّى إلَى إزَالَةِ دَمِهِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِهَا أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَثَرِ الْعِبَادَةِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ النَّجَسُ الْغَيْرُ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ.
أَمَّا دَمُهَا فَتَحْرُمُ إزَالَتُهُ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ غُسْلِ الشَّهِيدِ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ إزَالَةُ الْخُلُوفِ مِنْ الصَّائِمِ مَعَ أَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّ غَيْرَهُ أَزَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ لِذَلِكَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَوْ لَا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَتِيلُ مُسْلِمٍ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ كَافِرٌ اسْتَعَانُوا بِهِ كَانَ شَهِيدًا وَبِهِ صَرَّحَ حَجّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ النَّاشِرِيِّ
(قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَسْقُطْ) قَدْ تُمْنَعُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ: أَيْ وَيُقَالُ الْمَدَارُ عَلَى مُجَرَّدِ غَسْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِنَا (قَوْلُهُ: النَّجَسُ الْغَيْرُ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ) أَيْ أَمَّا هُوَ فَتَحْرُمُ إزَالَتُهُ إنْ أَدَّتْ إلَى إزَالَةِ الدَّمِ (قَوْلُهُ: أَمَّا دَمُهَا) أَيْ الْخَارِجُ مِنْ الْمَقْتُولِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْحَاصِلِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُزَالُ هُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي حِكْمَةِ تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ لَهُ شَاهِدًا بِقَتْلِهِ وَهُوَ دَمُهُ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ دَمًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ) تَقَدَّمَ مَا يُصَرَّحُ بِالْفَرْقِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: إنَّ غَيْرَهُ أَزَالَهُ) أَيْ الْخُلُوفَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ مِنْهَا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: وَحَرَكَةُ الْمَجْرُوحِ فِيهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَقَوْلُهُ: أَوْ تُوُقِّعَتْ حَيَاتُهُ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ مِنْهَا عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَجْرُوحَ الْمَذْكُورَ إمَّا أَنْ تَكُونَ حَرَكَتُهُ حَرَكَةَ مَذْبُوحٍ فَهُوَ شَهِيدٌ جَزْمًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ثُمَّ هَذَا إمَّا أَنْ يُقْطَعَ بِمَوْتِهِ مِنْ الْجِرَاحَةِ كَأَنْ قُطِعَتْ أَمْعَاؤُهُ فَهُوَ شَهِيدٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُقْطَعَ بِمَوْتِهِ مِنْهَا بَلْ تُتَوَقَّعُ
وَالثَّانِي لَا تُزَالُ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ الشَّهِيدِ فَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِهَا نَجَاسَةٌ غَيْرُ الدَّمِ فَهَلْ لَهَا حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَثَرِ الشَّهَادَةِ أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ بِالْفَضْلِ الدَّمُ فَقَطْ؛ وَلِأَنَّ نَجَاسَتَهُ أَخَفُّ؟ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُشْبِهُ التَّنَافِي وَالثَّانِي أَقْرَبُ.
(وَيُكَفَّنُ) الشَّهِيدُ اسْتِحْبَابًا (فِي ثِيَابِهِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ) لِخَبَرِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ أَوْ حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» وَالْمُرَادُ ثِيَابُهُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَاعْتِيدَ لُبْسُهَا غَالِبًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُلَطَّخَةً بِالدَّمِ لَكِنَّ الْمُلَطَّخَةَ بِهِ أَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَالتَّقْيِيدُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ بِالْمُلَطَّخَةِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ عَدَمُ وُجُوبِ تَكْفِينِهِ فِيهَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى، وَفَارَقَ الْغُسْلَ بِإِبْقَاءِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْبَدَنِ، وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِإِكْرَامِهِ وَالْإِشْعَارِ بِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الدُّعَاءِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوْبُهُ سَابِغًا) أَيْ سَاتِرًا لِجَمِيعِ بَدَنِهِ (تُمِّمَ) وُجُوبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا سِوَى الْعَوْرَةِ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ، وَلَوْ أَرَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ نَزْعَهَا وَامْتَنَعَ الْبَاقُونَ أُجِيبَ الْمُمْتَنِعُونَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ كَمَا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ نُكَفِّنُهُ فِي ثَوْبٍ وَامْتَنَعَ الْبَاقُونَ، وَيُسَنُّ نَزْعُ آلَةِ الْحَرْبِ عَنْهُ كَدِرْعٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ لِلْمَيِّتِ غَالِبًا كَخُفٍّ وَفَرْوَةٍ وَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ كَسَائِرِ الْمَوْتَى، نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ وَرَضِيَ بِهِ الْوَارِثُ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهُ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ
(قَوْلُهُ: وَاعْتِيدَ لُبْسُهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِيضًا إبْقَاءً لِأَثَرِ الشَّهَادَةِ، وَعَلَيْهِ فَمَحَلُّ سَنِّ التَّكْفِينِ فِي الْأَبْيَضِ حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهُ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ نَزْعُ آلَةِ الْحَرْبِ) أَيْ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ يُعَدُّ إزْرَاءً لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ لِلْمَيِّتِ) الْمُرَادُ مَا لَا يُعْتَادُ التَّكْفِينُ فِيهِ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
حَيَاتُهُ فَغَيْرُ شَهِيدٍ جَزْمًا
(قَوْلُهُ: فَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِهَا نَجَاسَةُ غَيْرِ الدَّمِ إلَخْ) تَقَدَّمَ حُكْمُ هَذَا فِي كَلَامِهِ قَرِيبًا مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ.