الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَاب النُّذُور]
ِ الْأَصْلُ فِي النَّذْرِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] . وَقَالَ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] . وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَتْ عَائِشَةُ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . .
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ.» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ.
(8172)
فَصْلٌ: وَلَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «، أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ وَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ، لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا مَدَحَ الْمُوفِينَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَنْبَهُمْ فِي ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ أَشَدُّ مِنْ طَاعَتِهِمْ فِي وَفَائِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّذْرَ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا، لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَفَاضِلُ أَصْحَابِهِ.
[مَسْأَلَةٌ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عز وجل]
(8173)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عز وجل، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ، لَمْ يَعْصِهِ، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) ، وَنَذْرُ الطَّاعَةِ؛ الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَالْعِتْقُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالِاعْتِكَافُ، وَالْجِهَادُ، وَمَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي، سَوَاءٌ نَذَرَهُ مُطْلَقًا بِأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا. أَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ مِثْلَ قَوْلِهِ: إنْ شَفَانِي اللَّهُ مِنْ عِلَّتِي، أَوْ شَفَى فُلَانًا، أَوْ سَلِمَ مَالِي الْغَائِبُ. أَوْ مَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَأَدْرَكَ مَا أَمَّلَ بُلُوغَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ.
وَنَذْرُ الْمَعْصِيَةِ،، أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ أَقْتُلَ النَّفْسَ الْمُحَرَّمَةَ. وَمَا أَشْبَهَهُ، فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَيُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ؛ وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَرْكَبَ دَابَّتِي، أَوْ أَسْكُنَ دَارِي، أَوْ أَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِي. وَمَا أَشْبَهَهُ، لَمْ يَكُنْ هَذَا نَذْرَ طَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ كَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ.
وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ، اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا، وَيُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّ النَّذْرَ سَبْعَةُ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا، نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَهُوَ الَّذِي يُخْرِجُهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ، لِلْحَثِّ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ الْمَنْعِ مِنْهُ، غَيْرَ قَاصِدٍ بِهِ لِلنَّذْرِ، وَلَا الْقُرْبَةِ، فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي، نَذْرُ طَاعَةٍ وَتُبَرَّرُ؛ مِثْلُ الَّذِي ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ. فَهَذَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِلْآيَتَيْنِ وَالْخَبَرَيْنِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ؛ أَحَدُهَا، الْتِزَامُ طَاعَةٍ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ اسْتَجْلَبَهَا، أَوْ نِقْمَةٍ اسْتَدْفَعَهَا، كَقَوْلِهِ: إنْ شَفَانِي اللَّهُ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ. فَتَكُونُ الطَّاعَةُ الْمُلْتَزَمَةُ مِمَّا لَهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ بِالشَّرْعِ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ، فَهَذَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
النَّوْعُ الثَّانِي، الْتِزَامُ طَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ. فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا عُمَرَ غُلَامَ ثَعْلَبٍ قَالَ: النَّذْرُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَعْدٌ. بِشَرْطٍ. وَلِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ الْآدَمِيُّ بِعِوَضٍ، يَلْزَمُهُ بِالْعَقْدِ، كَالْمَبِيعِ وَالْمُسْتَأْجَرِ، وَمَا الْتَزَمَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْهِبَةِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ، نَذْرُ طَاعَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْوُجُوبِ، كَالِاعْتِكَافِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، فَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ فَرْعٌ عَلَى الْمَشْرُوعِ، فَلَا يَجِبُ بِهِ مَا لَا يَجِبُ لَهُ نَظِيرٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ. وَلَنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» . وَذَمُّهُ الَّذِينَ يَنْذُرُونَ