الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَيِّدِنَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُؤَدِّي أَكْثَرَ مِنْهُ، فَرَجَحَتْ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ الْمُؤَدَّى أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي التَّسَاوِي؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي أَدَائِهِ، فَكَانَتْ أَيْدِيهِمْ عَلَيْهِ، فَاسْتَوَوْا فِيهِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مَالٌ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ.
[فَصْلٌ جَنَى بَعْضُ الْمُكَاتِبِينَ]
(8838)
فَصْلٌ: وَإِنْ جَنَى بَعْضُهُمْ، فَجِنَايَتُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه. وَقَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه: يُؤَدُّونَ كُلُّهُمْ أَرْشَهُ، فَإِنْ عَجَزُوا رَقُّوا. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَجْنِي جَانٍ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ» . وَلِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ، وَتَعَاقَدَا، لَمْ يَحْمِلْ أَحَدُهُمَا جِنَايَةَ صَاحِبِهِ، فَكَذَا هَاهُنَا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ، لَا يَتَضَمَّنُهُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِفِعْلِ الْآخَرِ، كَالْقِصَاصِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَاتَبٌ بِحِصَّتِهِ، فَهُوَ كَالْمُنْفَرِدِ بِعَقْدِهِ.
[مَسْأَلَة شَرَطَ فِي كِتَابَتِهِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ]
(8839)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا شَرَطَ فِي كِتَابَتِهِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ، فَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) . أَمَّا الشَّرْط فَبَاطِلٌ. لَا نَعْلَمُ فِي بُطْلَانِهِ خِلَافًا؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها. قَالَتْ: «كَانَتْ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ قَضِيَّاتٍ، أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا الْوَلَاءَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اشْتَرِيهَا، وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اشْتَرِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ نَاسٍ يَشْتَرِطُونَ
شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَصِحُّ نَقْلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ، وَقَالَ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَلِأَنَّهُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ صَاحِبِهِ، كَالْقَرَابَةِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمُ الْعِتْقِ فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ، كَمَا لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ حُكْمِ النِّكَاحِ لِغَيْرِ النَّاكِحِ، وَلَا حُكْمِ الْبَيْعِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ. وَسَوَاءٌ شَرَطَ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ أَوْ شَرَطَهُ لِبَائِعِهِ، أَوْ لَرَجُلٍ آخَرَ بِعَيْنِهِ. وَلَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ رضي الله عنه.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: يَفْسُدُ بِهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولًا. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ؛ بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ. وَلَنَا، حَدِيثُ بَرِيرَةَ؛ فَإِنَّ أَهْلَهَا شَرَطُوا لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشِرَائِهَا مَعَ هَذَا الشَّرْطِ. وَقَالَ:«إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَيُفَارِقُ جَهَالَةَ الْعِوَضِ؛ فَإِنَّهُ رُكْنُ الْعَقْدِ، لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِدُونِهِ، وَرُبَّمَا أَفْضَتْ جَهَالَتُهُ إلَى التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ، وَهَذَا الشَّرْطُ زَائِدٌ، فَإِذَا حَذَفْنَاهُ بَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا بِحَالِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ» . أَيْ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْمُرُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَاللَّامُ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى (عَلَى) كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] . أَيْ فَعَلَيْهَا. قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لَوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّهُ يُخَالِفُ وَضْعَ اللَّفْظِ وَالِاسْتِعْمَالَ.
وَالثَّانِي، أَنَّ أَهْلَ بَرِيرَةَ أَبَوْا هَذَا الشَّرْطَ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَرْطٍ لَا يَقْبَلُونَهُ، وَالثَّالِثُ، أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لَهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْعِتْقِ وَحُكْمُهُ. وَالرَّابِعُ، أَنَّ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ:«لَا يَمْنَعُكِ هَذَا الشَّرْطُ مِنْهَا، ابْتَاعِي، وَأَعْتِقِي» . وَإِنَّمَا أَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشَّرْطِ، تَعْرِيفًا لَنَا أَنَّ وُجُودَ هَذَا الشَّرْطِ كَعَدَمِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْقُلُ الْوَلَاءَ عَنْ الْمُعْتِقِ.