الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَ صَرِيحَ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ، فَقَالَ أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ مُحَرَّرٌ، أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ، بَعْدَ مَوْتِي صَارَ مُدَبَّرًا. بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. فَأَمَّا إنْ قَالَ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَدْ دَبَّرْتك. فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِنَفْسِ اللَّفْظِ، مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى نِيَّةٍ. وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي التَّدْبِيرِ، وَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ لَمْ يَكْثُرْ اسْتِعْمَالُهُمَا، فَافْتَقَرَا إلَى النِّيَّةِ، كَالْكِنَايَاتِ.
وَلَنَا أَنَّهُمَا لَفْظَانِ وُضِعَا لِهَذَا الْعَقْدِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى النِّيَّةِ، كَالْبَيْعِ، وَيُفَارِقُ الْكِنَايَاتِ؛ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لَهُ، وَيُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا، فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ لِلتَّعْيِينِ، وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَيْنِ، بِخِلَافِ الْمَوْضُوعِ.
[فَصْل يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ]
(8654)
فَصْلٌ: وَيَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ. فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَكْحُولٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيُّ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَسْرُوقٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ فَيَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، كَالْعِتْقِ فِي الصِّحَّةِ، وَعِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ. وَلَنَا أَنَّهُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ مِنْ الثُّلُثِ، كَالْوَصِيَّةِ، وَيُفَارِقُ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمُعْتِقِ فَيَنْفُذُ فِي الْجَمِيعِ، كَالْهِبَةِ الْمُنَجَّزَةِ. وَقَدْ نَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَلَيْسَ عَلَيْهَا عَمَلٌ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ أَحْمَدُ إلَى مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ.
[فَصْل اجْتَمَعَ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَالتَّدْبِيرُ]
فَصْلٌ: وَإِنْ اجْتَمَعَ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَالتَّدْبِيرُ، قُدِّمَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ. وَإِنْ اجْتَمَعَ التَّدْبِيرُ وَالْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ، تَسَاوَيَا؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عِتْقٌ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدَّمَ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَقَعُ فِيهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ تَقِفُ عَلَى الْإِعْتَاقِ بَعْدَهُ.
[فَصْل أَنْوَاعُ التَّدْبِير]
. (8656) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا؛ فَالْمُطْلَقُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ آخَرَ، كَقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي. وَالْمُقَيَّدُ ضَرْبَانِ؛
أَحَدُهُمَا، خَاصٌّ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا، أَوْ سَفَرِي هَذَا، أَوْ فِي بَلَدِي هَذَا، أَوْ عَامِي هَذَا، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى مَا قَالَ، إنْ مَاتَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَهَا عَتَقَ الْعَبْدُ، وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ. وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ مُدَبَّرٌ الْيَوْمَ؟ قَالَ: يَكُونُ مُدَبَّرًا ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَإِنْ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ صَارَ حُرًّا. يَعْنِي إذَا مَاتَ الْمَوْلَى.
الضَّرْبُ الثَّانِي، أَنْ يُعَلِّقَ التَّدْبِيرَ عَلَى صِفَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَأَنْتَ حُرٌّ مُدَبَّرٌ، أَوْ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي. فَهَذَا لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ عَلَى شَرْطٍ، فَإِذَا وُجِدَ، صَارَ مُدَبَّرًا، وَعَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، وَوُجِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّرْطِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ فِي الْحَيَاةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَلَّقَ عَلَيْهِ عِتْقًا مُنَجَّزًا، فَقَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ، فَأَنْتَ حُرٌّ. فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَعْتِقْ، وَكَمَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: بِعْ عَبْدِي. فَمَاتَ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ بَيْعِهِ، بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ. وَلِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَنْ عَلَّقَ عِتْقُهُ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا، وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُ التَّدْبِيرِ.
وَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ. فَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَعْتِقُ. وَهُوَ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مُوتِي بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ. فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَعْتِقْ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ بَيْعِي إيَّاكَ، فَأَنْتَ حُرٌّ. وَلِأَنَّهُ إعْتَاقٌ لَهُ بَعْدَ قَرَارِ مِلْكِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَعْتِقْ كَالْمُنَجَّزِ. وَالثَّانِيَةُ، يَعْتِقُ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ مَذْهَبُ؛ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ وَصَّى بِإِعْتَاقِهِ، وَكَمَا لَوْ وَصَّى بِبَيْعِ سِلْعَةٍ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا، وَيُفَارِقُ التَّصَرُّفَ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ لِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي ثُلُثِهِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْبَيْعِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ وَبَيْعَ السِّلْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَسْتَقِرُّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ، وَلَا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
وَقَوْلُهُمْ: حَصَلَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي ثُلُثِهِ. قُلْنَا: إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفًا يَثْبُتُ عَقِيبَ مَوْتِهِ، وَيَمْنَعُ انْتِقَالَهُ إلَى الْوَارِثِ، وَإِنْ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ، فَهُوَ ثُبُوتٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَقَدْ قِيلَ: يَكُونُ مُرَاعًى، فَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ، تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ. وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْوَارِثِ. فَعَلَى قَوْلِنَا: لَا يَعْتِقُ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ. لِلْوَارِثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، وَمَنْ صَحَّحَ هَذَا الشَّرْطَ، احْتَمَلَ