الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِحَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْهَرْ سَيِّدَهُ، فَإِذَا دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ سَبَى الْمُسْلِمُونَ سَيِّدَهُ وَقُتِلَ، انْتَقَلَتْ الْكِتَابَةُ إلَى وَرَثَتِهِ، كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، أَوْ فَادَاهُ، أَوْ هَرَبَ، فَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا، وَإِنْ اسْتَرَقَّهُ الْإِمَامُ، فَالْمُكَاتَبُ مَوْقُوفٌ، إنْ عَتَقَ سَيِّدُهُ، فَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ، فَالْمُكَاتَبُ لِلْمُسْلِمِينَ، مُبْقٍ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ، يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ إلَيْهِمْ، وَوَلَاؤُهُ لَهُمْ، وَإِنْ عَجَزَ، فَهُوَ رَقِيقٌ لَهُمْ.
وَإِنْ أَرَادَ الْمُكَاتَبُ الْأَدَاءَ قَبْلَ عِتْقِ سَيِّدِهِ وَمَوْتِهِ، أَدَّى إلَى الْحَاكِمِ، أَوْ إلَى أَمِينِهِ، وَكَانَ الْمَالُ الْمَقْبُوضُ مَوْقُوفًا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ بِالْأَدَاءِ، وَسَيِّدُهُ رَقِيقٌ، لَا يَثْبُتُ لَهُ وَلَاءٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ مَوْقُوفًا فَإِنْ عَتَقَ سَيِّدُهُ، فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى رِقِّهِ، فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ كَانَ اسْتِرْقَاقُ سَيِّدِهِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ، وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ وَلَاؤُهُ مَوْقُوفًا، فَإِنْ عَتَقَ السَّيِّدُ، كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِقِّهِ، بَطَلَ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ، لَا يُورَثُ، فَيَبْطُلُ الْوَلَاءُ، لِعَدَمِ مُسْتَحِقِّهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَالَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ كَاتَبَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ]
(8696)
فَصْلٌ: وَإِنْ كَاتَبَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: الْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ بِرِدَّتِهِ. وَعَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كِتَابَتُهُ مَوْقُوفَةٌ، إنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَّا أَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، بَطَلَتْ. وَإِنْ أَدَّى فِي رِدَّتِهِ، لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ، وَيَكُونُ مَوْقُوفًا، فَإِنْ أَسْلَمَ سَيِّدُهُ، تَبَيَّنَّا صِحَّةَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَعِتْقِهِ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْعَبْدُ رَقِيقٌ. وَإِنْ كَاتَبَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ ارْتَدَّ، وَحُجِرَ عَلَيْهِ. لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ الدَّفْعُ إلَيْهِ، وَيُؤَدِّي إلَى الْحَاكِمِ، وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ. وَإِنْ دَفَعَ إلَى الْمُرْتَدِّ، كَانَ مَوْقُوفًا، كَمَا ذَكَرْنَا.
وَإِنْ كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ الْمُرْتَدَّ، صَحَّتْ كِتَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ، فَإِذَا أَدَّى، عَتَقَ، وَإِنْ أَسْلَمَ، فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ.
[فَصْلٌ كِتَابَةُ الْمَرِيضِ]
(8697)
فَصْلٌ: وَكِتَابَةُ الْمَرِيضِ صَحِيحَةٌ، فَإِنْ كَانَ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ، اُعْتُبِرَ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَالِهِ بِمَالِهِ، فَجَرَى مَجْرَى الْهِبَةِ، وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِكَوْنِهِ مُعْتَقًا، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، كَانَتْ الْكِتَابَةُ لَازِمَةً، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، لَزِمَتْ الْكِتَابَةُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ، وَسَائِرُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازَتْ، جَازَتْ، وَإِنْ رَدَّتْهَا، بَطَلَتْ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ ": تَجُوزُ الْكِتَابَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ.
[مَسْأَلَةٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى أَنْجُمٍ فَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ]
(8698)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ، أَوْ أَمَتَهُ عَلَى أَنْجُمٍ، فَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ، فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا، وَوَلَاؤُهُ لِمُكَاتَبِهِ)
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: (8699) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْكَلَامِ، أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَصِحُّ حَالَّةً، وَلَا تَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلَةً مُنَجَّمَةً. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: تَجُوزُ حَالَّةً؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَيْنٍ، فَإِذَا كَانَ عِوَضُهُ فِي الذِّمَّةِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا، كَالْبَيْعِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، أَنَّهُمْ عَقَدُوا الْكِتَابَةَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ عَقَدَهَا حَالَّةً، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ، لَمْ يَتَّفِقْ جَمِيعُهُمْ عَلَى تَرْكِهِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ عِوَضِهَا فِي الْحَالِ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ التَّأْجِيلُ، كَالسَّلَمِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ شَرْطِهِ ذِكْرَ الْعِوَضِ، فَإِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعَجْزُ عَنْ الْعِوَضِ، لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ لَا يُوجَدُ عِنْدَ مَحَلِّهِ، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعَجْزُ عَنْ الْعِوَضِ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ. وَفِي التَّنْجِيمِ حِكْمَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَرْجِعُ إلَى الْمُكَاتَبِ، وَهِيَ التَّخْفِيفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ مُفَرَّقًا أَسْهَلُ، وَلِهَذَا تُقَسَّطُ الدُّيُونُ عَلَى الْمُعْسِرِينَ عَادَةً، تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ. وَالْأُخْرَى، لِلسَّيِّدِ، وَهِيَ أَنَّ مُدَّةَ الْكِتَابَةِ تَطُولُ غَالِبًا، فَلَوْ كَانَتْ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ، لَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ إلَّا فِي آخِرِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا عَجَزَ، عَادَ إلَى الرِّقِّ، وَفَاتَتْ مَنَافِعُهُ فِي مُدَّةِ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا عَلَى السَّيِّدِ، مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ حَصَلَ لَهُ، وَإِذَا كَانَتْ مُنَجَّمَةً نُجُومًا، فَعَجَزَ عَنْ النَّجْمِ الْأَوَّلِ، فَمُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ، وَإِنْ عَجَزَ عَمَّا بَعْدَهُ، فَقَدْ حَصَلَ لِلسَّيِّدِ نَفْعٌ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ النُّجُومِ قَبْلَ عَجْزِهِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَأَقَلُّهُ نَجْمَانِ فَصَاعِدًا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: نَجْمٌ وَاحِدٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: نَجْمَانِ. وَنَجْمَانِ أَحَبُّ إلَيَّ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ، أَنِّي أَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا نَجْمَانِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَبُّ نَجْمَيْنِ، وَيَجُوزُ نَجْمٌ وَاحِدٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: هَذَا عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ، وَإِنْ جُعِلَ الْمَالُ كُلُّهُ فِي نَجْمٍ وَاحِدٍ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْجِيلُ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ، كَالْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ التَّأْجِيلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِنَجْمٍ وَاحِدٍ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: الْكِتَابَةُ عَلَى نَجْمَيْنِ، وَالْإِيتَاءُ مِنْ الثَّانِي. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا أَقَلُّ مَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مِنْ نَجْمَيْنِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ غَضَبَ عَلَى عَبْدٍ لَهُ، فَقَالَ: لَأُعَاقِبَنَّكَ، وَلَأُكَاتِبَنَّكَ عَلَى نَجْمَيْنِ. وَلَوْ كَانَ يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ هَذَا، لَعَاقَبَهُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ. وَفِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ، أَنَّهَا أَتَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّمِّ، وَهُوَ ضَمُّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى افْتِقَارِهَا إلَى نَجْمَيْنِ.
وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ. وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ النُّجُومُ مَعْلُومَةً، وَيَعْلَمَ فِي كُلِّ نَجْمٍ قَدْرَ مَا يُؤَدِّيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي النُّجُومِ، وَلَا قَدْرُ الْمُؤَدَّى فِي كُلِّ نَجْمٍ. فَإِذَا قَالَ: كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفٍ، إلَى عَشْرِ سِنِينَ، تُؤَدِّيَ عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ مِائَةً. أَوْ قَالَ: تُؤَدِّي مِنْهَا مِائَةً عِنْدَ انْقِضَاءِ خَمْسِ سِنِينَ، وَبَاقِيَهَا عِنْدَ تَمَامِ الْعَشَرَةِ. أَوْ قَالَ: تُؤَدِّي فِي آخِرِ الْعَامِ الْأَوَّلِ مِائَةً، وَتِسْعَمِائَةٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ. فَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ. وَإِنْ قَالَ: تُؤَدِّي فِي كُلِّ