الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ مِنْهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَنَاءَةٌ وَسُقُوطُ مُرُوءَةٍ.
وَمَنْ أَخَذَ مِنْ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ جَائِزٌ، لَا دَنَاءَةَ فِيهِ. وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُصِرٌّ عَلَى الْحَرَامِ.
[فَصْل شَهَادَة مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْفُرُوعِ مُخْتَلِفًا فِيهِ مُعْتَقِدًا إبَاحَتَهُ]
(8372)
فَصْلٌ: وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْفُرُوعِ مُخْتَلِفًا فِيهِ مُعْتَقِدًا إبَاحَتَهُ، لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ، كَالْمُتَزَوِّجِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، أَوْ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَآكِلِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ، وَشَارِبِ يَسِيرِ النَّبِيذِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي شَارِبِ النَّبِيذِ، يُحَدُّ، وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: تُرَدُّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ الْحَاكِمُ تَحْرِيمَهُ، فَأَشْبَهَ الْمُتَّفَقَ عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَلَنَا، أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم، كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي الْفُرُوعِ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْضُهُمْ يَعِيبُ مَنْ خَالَفَهُ، وَلَا يُفَسِّقُهُ، وَلِأَنَّهُ نَوْعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَمْ تُرَدَّ شَهَادَةُ فَاعِلِهِ، كَاَلَّذِي يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِهِ إذَا تَكَرَّرَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا تُرَدَّ شَهَادَتُهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ لَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ، فَلَا تُرَدَّ بِهِ شَهَادَةُ الْبَعْضِ الْآخَرِ، كَالْمُتَّفَقِ عَلَى حِلِّهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ فِعْلٌ يَحْرُمُ عَلَى فَاعِلِهِ، وَيَأْثَمُ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْمَجْمَعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مُعْتَقِدَ حِلِّهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَلَا يَحُجُّ: تُرَدُّ شَهَادَتُهُ.
وَهَذَا يُحْمَلُ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَهُ عَلَى الْفَوْرِ. فَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَيَتْرُكُهُ بِنِيَّةِ فِعْلِهِ، فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، كَسَائِرِ مَا ذَكَرْنَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» . وَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْظُرَ فِي النَّاسِ، فَمَنْ وَجَدْته يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ وَلَا يَحُجُّ، ضَرَبْت عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ، ثُمَّ قَالَ: مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ.
[مَسْأَلَة شَهَادَةُ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ]
(8373)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ) وَجُمْلَتُهُ، أَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِوَصِيَّةِ الْمُسَافِرِ الَّذِي مَاتَ فِي سَفَرِهِ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمَا، وَيُسْتَحْلَفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا خَانَا وَلَا كَتَمَا، وَلَا اشْتَرَيَا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} [المائدة: 106] .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهَذَا قَالَ أَكَابِرُ الْمَاضِينَ. يَعْنِي الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ.
وَمِمَّنْ قَالَهُ شُرَيْحٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ. وَقَضَى بِذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو مُوسَى رضي الله عنهما. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِ الْوَصِيَّةِ، لَا تُقْبَلُ فِي الْوَصِيَّةِ؛ كَالْفَاسِقِ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، فَالْكَافِرُ أَوْلَى. وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] . أَيْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الشَّهَادَةُ فِي الْآيَةِ الْيَمِينُ.
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106] . وَهَذَا نَصُّ الْكِتَابِ، وَقَدْ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، فَرَوَى «ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامَ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ وَجَدُوا الْجَامَ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ، فَحَلَفَا بِاَللَّهِ: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ. فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: 106] »
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَاءَ، وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدْهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ، فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيَّ، فَأَخْبَرَاهُ، وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ