الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجْلِسَ كَاتِبَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِيُشَاهِدَ مَا يَكْتُبُهُ، وَيُشَافِهَهُ بِمَا يُمْلِي عَلَيْهِ، وَإِنْ قَعَدَ نَاحِيَةً، جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ، فَإِنَّ مَا يَكْتُبُهُ يُعْرَضُ عَلَى الْحَاكِمِ، فَيَسْتَبْرِئُهُ.
[فَصْلٌ تَرَافَعَ إلَى الْحَاكِمِ خَصْمَانِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ]
(8263)
فَصْلٌ: وَإِذَا تَرَافَعَ إلَى الْحَاكِمِ خَصْمَانِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لِلْحَاكِمِ: أَشْهِدْ لِي عَلَى إقْرَارِهِ شَاهِدَيْنِ. لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، فَرُبَّمَا جَحَدَ الْمُقِرُّ، فَلَا يُمْكِنُهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ، وَلَوْ كَانَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ اُحْتُمِلَ أَنْ يَنْسَى، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ عُرْضَةُ النِّسْيَانِ، فَلَا يُمْكِنُهُ الْحُكْمُ بِإِقْرَارِهِ.
وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ حَقٌّ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي بَعْدَ النُّكُولِ، فَسَأَلَهُ الْمُدَّعِي أَنْ يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ، لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِلْمُدَّعِي سِوَى الْإِشْهَادِ، وَإِنْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ فَسَأَلَهُ الْإِشْهَادَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ بِالْحَقِّ بَيِّنَةً، فَلَا يَجِبُ جَعْلُ بَيِّنَةٍ أُخْرَى. وَالثَّانِي، يَجِبُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِشْهَادِ فَائِدَةً جَدِيدَةً، وَهِيَ إثْبَاتُ تَعْدِيلِ بَيِّنَتِهِ، وَإِلْزَامُ خَصْمِهِ وَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ وَسَأَلَ الْحَاكِمُ الْإِشْهَادَ عَلَى بَرَاءَتِهِ لَزِمَهُ لِيَكُونَ حُجَّةً لَهُ.
فِي سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ، إذَا سَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَهُ، فَهُوَ كَالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ رُبَّمَا نَسِيَا الشَّهَادَةَ، أَوْ نَسِيَا الْخَصْمَيْنِ، فَلَا يُذَكِّرُهُمَا إلَّا رُؤْيَةُ خَطَّيْهِمَا.
وَالثَّانِي، لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ يَكْفِيهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ تَكْثُرُ عَلَيْهِمْ الشَّهَادَاتُ، وَيَطُولُ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَا يَتَحَقَّقَانِ الشَّهَادَةَ تَحَقُّقًا يَحْصُلُ بِهِ أَدَاؤُهَا، فَلَا يَتَقَيَّدُ إلَّا بِالْكِتَابِ. فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا، فَصِفَتُهُ: حَضَرَ الْقَاضِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ فُلَانٍ، عَلَى كَذَا وَكَذَا.
وَإِنْ كَانَ خَلِيفَةَ الْقَاضِي قَالَ: خَلِيفَةُ الْقَاضِي فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ عَبْدُ اللَّهِ قَاضِي الْإِمَامِ بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ. فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَسْمَائِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا، قَالَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، وَأَحْضَرَ مَعَهُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ. وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهِمَا حَتَّى يَتَمَيَّزَ وَيُسْتَحَبُّ ذِكْرُ حِلْيَتِهِمَا، وَإِنْ أَخَلَّ بِهِ، جَازَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ نَسَبِهِمَا إذَا رَفَعَ فِيهِ أَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْحِلْيَةِ. وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَعْرِفُ الْخَصْمَيْنِ، قَالَ: مُدَّعٍ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، وَأَحْضَرَ مَعَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ. وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهِمَا، وَيَذْكُرُ حِلْيَتَهُمَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا، فَرُبَّمَا اسْتَعَارَ النَّسَبَ.
وَيَقُولُ: أَغَمُّ، أَوْ أَنْزَعُ. وَيَذْكُرُ صِفَةَ الْعَيْنَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْفَمِ وَالْحَاجِبَيْنِ، وَاللَّوْنَ وَالطُّولَ وَالْقِصَرَ. مَا ادَّعَى عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَقَرَّ لَهُ. وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ. لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَصِحُّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ.
وَإِنْ كَتَبَ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ شَاهِدَانِ، كَانَ أَوْكَدَ. وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ عَلَى رَأْسِ الْمَحْضَرِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَوَ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ.
فَأَمَّا إنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، قَالَ: فَادَّعَى عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَنْكَرَ، فَسَأَلَ الْحَاكِمُ الْمُدَّعِيَ: أَلِك بَيِّنَةٌ؟ فَأَحْضَرَهَا، وَسَأَلَ الْحَاكِمُ سَمَاعَهَا فَفَعَلَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، فَأَجَابَهُ إلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي وَقْتِ كَذَا.
وَيَحْتَاجُ هَاهُنَا أَنْ يَذْكُرَ: بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ. بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ إلَّا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَالْإِقْرَارُ بِخِلَافِهِ. وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ فِي آخِرِ الْمَحْضَرِ: شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي كِتَابٌ فِيهِ خَطُّ الشَّاهِدِ كَتَبَ تَحْتَ خُطُوطِهِمَا أَوْ تَحْت خَطِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: شَهِدَ عِنْدِي بِذَلِكَ. وَيَكْتُبُ عَلَامَتَهُ فِي رَأْسِ الْمَحْضَرِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ دُونَ الْمَحْضَرِ، جَازَ. فَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، فَاسْتَحْلَفَ الْمُنْكِرَ، ثُمَّ سَأَلَ الْمُنْكِرُ الْحَاكِمَ مَحْضَرًا لِئَلَّا يَحْلِفَ فِي ذَلِكَ ثَانِيًا، كَتَبَ لَهُ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: فَأَنْكَرَ، فَسَأَلَ الْحَاكِمُ الْمُدَّعِيَ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَقَالَ: لَك يَمِينُهُ. فَسَأَلَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ، فَاسْتَحْلَفَهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، فِي وَقْتِ كَذَا وَكَذَا.
وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ تَحْلِيفِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَيُعْلَمُ فِي أَوَّلِهِ خَاصَّةً. وَإِنْ نَكِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ، قَالَ: فَعُرِضَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَنَكِلَ عَنْهَا، فَسَأَلَ خَصْمُهُ الْحَاكِمَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ، فَقَضَى عَلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا. وَيُعْلِمُ فِي آخِرِهِ، وَيَذْكُرُ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ. فَهَذِهِ صِفَةُ الْمَحْضَرِ.
فَأَمَّا إنْ سَأَلَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِمَا ثَبَتَ فِي الْمَحْضَرِ، لَزِمَهُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِهِ، وَيَنْفُذَهُ، فَيَقُولَ: حَكَمْت لَهُ بِهِ، أَلْزَمْته الْحَقَّ، أَنْفَذَتْ الْحُكْمَ بِهِ. فَإِنْ طَلَبَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ عَلَى حُكْمِهِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ، لِتَحْصُلَ لَهُ الْوَثِيقَةُ بِهِ. فَإِنْ طَالَبَهُ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُ بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْمَحْضَرِ وَيَشْهَدَ عَلَى إنْقَاذِهِ، سَجَّلَ لَهُ.
وَفِي وُجُوبِ ذَلِكَ، الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْمَحْضَرِ. وَهَذِهِ صُورَةُ السِّجِلِّ: صلى الله عليه وسلم هَذَا مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ، عَلَى كَذَا وَكَذَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فِي وَقْتِ كَذَا وَكَذَا، أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَنَسَبِهِمَا، وَقَدْ عَرَفَهُمَا بِمَا سَاغَ لَهُ بِهِ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا عِنْدَهُ بِمَا فِي كِتَابٍ نَسَخَهُ وَيَنْسَخُ الْكِتَابَ إنْ كَانَ مَعَهُ، أَوْ الْمَحْضَرَ فِي أَيِّ حُكْمٍ كَانَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَحَكَمَ بِهِ، فَأَنْفَذَهُ وَأَمْضَاهُ، بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِهِ.
وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ بِمَحْضَرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزٌ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَهُ احْتِيَاطًا، قَالَ: بَعْدَ أَنْ حَضَرَهُ مَنْ سَاغَ لَهُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ. وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ بِالسِّجِلِّ وَالْمَحْضَرِ نُسْخَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، تَكُونُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْحَقِّ.