الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْل كَيْفِيَّةُ الْأَدَاءِ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَرْعَاهُ الشَّهَادَةَ]
(8411)
فَصْلٌ: فَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْأَدَاءِ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَرْعَاهُ الشَّهَادَةَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَقَدْ عَرَفْته بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَعَدَالَتِهِ، أَشْهَدَنِي أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، كَذَا وَكَذَا، أَوْ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا. وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُ لَمْ يَذْكُرْهَا. وَإِنْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ غَيْرَهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، كَذَا وَكَذَا.
وَإِنْ كَانَ سَمِعَهُ يَشْهَدُ عِنْدِ الْحَاكِمِ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، شَهِدَ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، عِنْدَ الْحَاكِمِ بِكَذَا. وَإِنْ كَانَ نَسَبَ الْحَقَّ إلَى سَبَبِهِ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، مِنْ جِهَةِ كَذَا وَكَذَا. وَإِذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ، كَتَبَهُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَدَاءِ.
[فَصْل الذُّكُورِيَّةُ فِي شُهُودِ الْفَرْعِ]
(8412)
فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي شَرْطٍ خَامِسٍ، وَهُوَ الذُّكُورِيَّةُ فِي شُهُودِ الْفَرْعِ؛ فَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا شَرْطٌ، فَلَا يُقْبَلُ فِي شُهُودِ الْفَرْعِ نِسَاءٌ بِحَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، أَوْ لَا. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ بِشَهَادَتِهِمْ شَهَادَةَ شُهُودِ الْأَصْلِ دُونَ الْحَقِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَالٍ، وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، فَأَشْبَهَ الْقِصَاصَ وَالْحَدَّ.
وَالثَّانِيَةُ، لِلنِّسَاءِ مَدْخَلٌ فِيمَا لَوْ كَانَ الشُّهُودُ بِهِ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ فِي الْأَصْلِ. قَالَ حَرْبٌ: قِيلَ لِأَحْمَدْ: فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، تَجُوزُ؟ قَالَ: نَعَمْ. يَعْنِي إذَا كَانَ مَعَهُمَا رَجُلٌ. وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: سَمِعْت نُمَيْرَ بْنَ أَوْسٍ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ. وَوَجْهُهُ، أَنَّ الْمَقْصُودَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ، إثْبَاتُ الْحَقِّ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ شُهُودُ الْأَصْلِ، فَقُبِلَتْ فِيهِ شَهَادَتُهُنَّ، كَالْبَيْعِ. وَيُفَارِقُ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْ الشَّهَادَةِ بِهِ إثْبَاتَ مَالٍ بِحَالٍ.
فَأَمَّا شُهُودُ الْأَصْلِ، فَيَدْخُلُ النِّسَاءُ فِيهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فِي كُلِّ حَقٍّ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ رِوَايَةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ضَعْفًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، فَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تَزْدَادُ بِشَهَادَتِهِنَّ ضَعْفًا. وَلَنَا، أَنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ إنْ كَانُوا يُثْبِتُونَ شَهَادَةَ الْأَصْلِ، فَهِيَ تَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يُثْبِتُونَ نَفْسَ الْحَقِّ، فَهِيَ تَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ شَهِدْنَ بِالْمَالِ، أَوْ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ، كَمَا لَوْ أَدَّيْنَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ. وَمَا ذُكِرَ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، لَا أَصْلَ لَهُ.
[فَصْلٌ يَشْهَدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ شَاهِدُ فَرْعٍ]
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ شَاهِدُ فَرْعٍ، فَيَشْهَدَ شَاهِدَا فَرْعٍ عَلَى شَاهِدَيْ أَصْلٍ. قَالَ
الْقَاضِي: لَا يَخْتَلِفُ كَلَامُ أَحْمَدَ فِي هَذَا. وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَالْبَتِّيِّ، وَالْعَنْبَرِيِّ، وَنُمَيْرِ بْنِ أَوْسٍ.
قَالَ إِسْحَاقُ: لَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا، حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ: وَشَاهِدٌ عَلَى شَاهِدٍ يَجُوزُ، لَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى ذَا؛ شُرَيْحٌ فَمَنْ دُونَهُ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَنْكَرَهُ. وَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، إلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عَلَى كُلِّ شَاهِدِ أَصْلٍ إلَّا شَاهِدَا فَرْعٍ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ يُثْبِتَانِ شَهَادَةَ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ، فَلَا تَثْبُتُ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، كَمَا لَا يَثْبُتُ إقْرَارُ مُقِرَّيْنِ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ، يَشْهَدُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ.
وَلَنَا، أَنَّ هَذَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، وَقَدْ شَهِدَ اثْنَانِ بِمَا يُثْبِتُهُ، فَيَثْبُتُ، كَمَا لَوْ شَهِدَا بِنَفْسِ الْحَقِّ، وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ بَدَلٌ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ، فَيَكْفِي فِي عَدَدِهَا مَا يَكْفِي فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ لَا يَنْقُلَانِ عَنْ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ حَقًّا عَلَيْهِمَا، فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُ وَاحِدٍ، كَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ، فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَنْقُلُونَ الشَّهَادَةَ، وَلَيْسَتْ حَقًّا عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا لَوْ أَنْكَرَاهَا لَمْ يَعُدْ الْحَاكِمُ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَطْلُبْهَا مِنْهُمَا. وَهَذَا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمَنْ اعْتَبَرَ لِكُلِّ شَاهِدِ أَصْلٍ شَاهِدَيْ فَرْعٍ، أَجَازَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَأَيْت كَثِيرًا مِنْ الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ يُجِيزُهُ. وَخَرَّجَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، جَوَازُهُ. وَالْآخَرُ، لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ شُهُودُ الْفَرْعِ أَرْبَعَةً، عَلَى كُلِّ شَاهِدِ أَصْلٍ شَاهِدَا فَرْعٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ؛ لِأَنَّ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ أَحَدُ طَرَفَيْ الشَّهَادَةِ، لَا يَثْبُتُ بِهِ الطَّرَفُ الْآخَرُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَصْلٌ مَعَ شَاهِدٍ، ثُمَّ شَهِدَ مَعَ آخَرَ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدِ الْأَصْلِ الْآخَرِ وَلَنَا، أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى قَوْلَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ، كَمَا لَوْ شَهِدَا بِإِقْرَارَيْنِ بِحَقَّيْنِ، أَوْ بِإِقْرَارِ اثْنَيْنِ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدُ الْأَصْلِ فَرْعًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلٌ أَصْلًا فِي شَهَادَةٍ بِحَقٍّ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ بِشَهَادَتِهِمْ شَهَادَةَ الْأَصْلِ، وَلَيْسَتْ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ ظَرْفًا لِشَهَادَةِ الْآخَرِ، فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَثْبُتَ الْحَقُّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ الْفَرْعِ سِتَّةً، وَإِنْ كَانَ حَقٌّ يَثْبُتُ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ الْفَرْعِ ثَمَانِيَةً، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ زِنًا، خُرِّجَ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ؛ أَحَدُهَا، لَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ الْفَرْعِ فِي إثْبَاتِهِ.
وَالثَّانِي، يَجُوزُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ الْفَرْعِ سِتَّةَ عَشْرَ، فَيَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ أَرْبَعَةٌ.