الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ، حَتَّى إنَّهُ لَيُعْتِقُ بِالْيَدِ الْيَدَ، وَبِالرِّجْلِ الرِّجْلَ، وَبِالْفَرْجِ الْفَرْجَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ سِوَى هَذَا. وَأَجْمَعَتْ الْأَمَةُ عَلَى صِحَّةِ الْعِتْقِ، وَحُصُولِ الْقُرْبَةِ بِهِ.
[فَصْلٌ إعْتَاقُ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ إعْتَاقِ الْمَرْأَةِ]
(8567)
فَصْلٌ: وَالْعِتْقُ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ، وَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ وَالْأَيْمَانِ، وَجَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِكَاكًا لِمُعْتِقِهِ مِنْ النَّارِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصًا لِلْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ وَمِلْكَ نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ، وَتَكْمِيلَ أَحْكَامِهِ، وَتَمَكُّنَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ، عَلَى حَسْبِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ. وَإِعْتَاقُ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ إعْتَاقِ الْمَرْأَةِ؛ لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ الْبَهْزِيُّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا، كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، يُجْزَى بِكُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ، كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، يُجْزَى بِكُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِمَا، عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، وَأَيُّمَا، امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً، كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ، تُجْزَى بِكُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا عَظْمًا مِنْ عِظَامِهَا» .
وَالْمُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ لَهُ دِينٌ وَكَسْبٌ يَنْتَفِعُ بِالْعِتْقِ، فَأُمًّا مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالْعِتْقِ، كَمَنْ لَا كَسْبَ لَهُ، تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ سَيِّدِهِ، فَيَضِيعُ، أَوْ يَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، وَيَحْتَاجُ إلَى الْمَسْأَلَةِ، فَلَا يُسْتَحَبُّ عِتْقُهُ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَالرُّجُوعُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، أَوْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ، كَعَبْدٍ يُخَافُ أَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ وَاحْتَاجَ سَرَقَ، وَفَسَقَ، وَقَطَعَ الطَّرِيقَ أَوْ جَارِيَةٍ يُخَافُ مِنْهَا الزِّنَى وَالْفَسَادُ، كُرِهَ إعْتَاقُهُ. وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إفْضَاؤُهُ إلَى هَذَا، كَانَ مُحَرَّمًا؛ لِأَنَّ التَّوَسُّلَ إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ. وَإِنْ أَعْتَقَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، فَصَحَّ، كَإِعْتَاقِ غَيْرِهِ
[فَصْلٌ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ]
(8568)
فَصْلٌ: وَيَحْصُلُ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ، وَالْمِلْكِ، وَالِاسْتِيلَادِ. وَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ، فَلَا يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ، كَسَائِرِ الْإِزَالَةِ. وَأَلْفَاظُهُ تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ؛
فَالصَّرِيحُ لَفْظُ الْحُرِّيَّةِ، وَالْعِتْقِ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا، نَحْوُ: أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ مُحَرَّرٌ، أَوْ عَتِيقٌ، أَوْ مُعْتَقٌ، أَوْ أَعْتَقْتُك. لِأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَرَدَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْعِتْقِ عُرْفًا، فَكَانَا صَرِيحَيْنِ فِيهِ، فَمَتَى أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، حَصَلَ بِهِ الْعِتْقُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، عَتَقَ أَيْضًا. قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ: تَنَحِّي يَا حُرَّةُ. فَإِذَا هِيَ جَارِيَته، قَالَ: قَدْ عَتَقَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لَخَدَمٍ قِيَامٍ فِي وَلِيمَةٍ: مُرُّوا، أَنْتُمْ أَحْرَارٌ. وَكَانَتْ مَعَهُمْ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، قَالَ: هَذَا عِنْدِي تَعْتِقُ أُمُّ وَلَدِهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَعْتِقَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى غَيْرَ الْعِتْقِ، فَلَمْ تَعْتِقْ بِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ. يُرِيدُ أَنَّهُ عَفِيفٌ كَرِيمُ الْأَخْلَاقِ، وَبِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ أَرَادَ غَيْرَ أُمِّ وَلَدِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَادَى مِنْ نِسَائِهِ، فَأَجَابَتْهُ غَيْرُهَا، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. يَحْسَبَهَا الَّتِي نَادَاهَا، فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ، عَلَى رِوَايَةٍ، فَكَذَا هَاهُنَا. فَأَمَّا إنْ قَصَدَ غَيْرَ الْعِتْقِ، كَالرَّجُلِ يَقُولُ: عَبْدِي هَذَا حُرٌّ. يُرِيدُ عِفَّتَهُ، وَكَرْمَ أَخْلَاقِهِ. أَوْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ. أَيْ: إنَّك لَا تُطِيعُنِي، وَلَا تَرَى لِي عَلَيْك حَقًّا وَلَا طَاعَةً، فَلَا يَعْتِقُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ حَنْبَلٌ: سُئِلَ أَبُو عُبِدَ اللَّهِ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِغُلَامِهِ: أَنْتَ حُرٌّ. وَهُوَ يُعَاتِبُهُ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ لَا يُرِيدُ بِهِ الْعِتْقَ، يَقُولُ: كَأَنَّك حُرٌّ، وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، أَوْ كَلَامًا نَحْوَ هَذَا، رَجَوْت أَنْ لَا يَعْتِقَ، وَأَنَا أَهَابُ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ نَوَى بِكِنَايَةِ الْعِتْقِ الْعِتْقَ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: وَإِنْ طُلِبَ اسْتِحْلَافُهُ، حَلَفَ.
وَبَيَانُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِمَا أَرَادَهُ، أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ تُمْدَحُ بِهَذَا، فَيُقَالُ: امْرَأَةٌ حُرَّةٌ. يَعْنُونَ عَفِيفَةً، وَتُمْدَحُ الْمَمْلُوكَةُ بِهِ أَيْضًا، وَيُقَالُ لِلْحَيِيِّ الْكَرِيمِ الْأَخْلَاقِ: حُرٌّ. قَالَتْ سُبَيْعَةُ تَرْثِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ: شِعْرًا
وَلَا تَسْأَمَا أَنْ تَبْكِيَا كُلَّ لَيْلَةٍ
…
وَيَوْمٍ عَلَى حُرٍّ كَرِيمِ الشَّمَائِلِ
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ، فَنَحْوُ قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَأَنْتَ سَائِبَةٌ، وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْت، وَقَدْ خَلَّيْتُك. فَهَذَا إنْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ، عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ بِهِ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ. وَلَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا عُرْفُ اسْتِعْمَالٍ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك. رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّهُ صَرِيحٌ. وَالثَّانِيَةُ، أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. فَأَمَّا إنْ قَالَ: لَا رِقَّ لِي عَلَيْك وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، وَأَنْتَ لِلَّهِ. فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ صَرِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِهِ إذَا نَوَى، وَمِمَّنْ قَالَ: يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ: