الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَامٍ مِائَةً. جَازَ، وَيَكُونُ أَجَلُ كُلِّ مِائَةٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي، وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ وَقْتُ الْأَدَاءِ مِنْ الْعَامِ.
وَلَنَا، أَنَّ بَرِيرَةَ قَالَتْ: كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ إذَا عُلِّقَ بِمُدَّةٍ، تَعَلَّقَ بِأَحَدِ طَرَفَيْهَا؛ فَإِنْ كَانَ بِحَرْفِ " إلَى " تَعَلَّقَ بِأَوَّلِهَا، كَقَوْلِهِ: إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ. وَإِنْ كَانَ بِحَرْفِ " فِي " كَانَ إلَى آخِرِهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ جَمِيعَهَا وَقْتًا لِأَدَائِهَا، فَإِذَا أَدَّى فِي آخِرِهَا، كَانَ مُؤَدِّيًا لَهَا فِي وَقْتِهَا، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ، كَتَأْدِيَةِ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا. وَإِنْ قَالَ: يُؤَدِّيهَا فِي عَشْرِ سِنِينَ. أَوْ: إلَى عَشْرِ سِنِينَ. لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ نَجْمٌ وَاحِدٌ. وَمَنْ أَجَازَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ، أَجَازَهُ. وَإِنْ قَالَ: يُؤَدِّي بَعْضَهَا فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ، وَبَاقِيَهَا فِي آخِرِهَا. لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ مَجْهُولٌ، يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
[فَصْلٌ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْجُمٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً]
(8700)
الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَنْجُمٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً، صَحَّتْ الْكِتَابَةُ، وَعَتَقَ بِأَدَائِهَا، سَوَاءٌ نَوَى بِالْكِتَابَةِ الْحُرِّيَّةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَسَوَاءٌ قَالَ: فَإِذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ، فَأَنْتَ حُرٌّ. أَوْ لَمْ يَقُلْ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَقُولَ: إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ، فَأَنْتَ حُرٌّ. أَوْ يَنْوِيَ بِالْكِتَابَةِ الْحُرِّيَّةَ. وَيَحْتَمِلُ فِي مَذْهَبِنَا مِثْلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْكِتَابَةِ يَحْتَمِلُ الْمُخَارَجَةَ، وَيَحْتَمِلُ الْعِتْقَ بِالْأَدَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، كَكِنَايَاتِ الْعِتْقِ.
وَلَنَا، أَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُوجَبُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَتَثْبُتُ عِنْدَ تَمَامِهِ، كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ وُضِعَ لِلْعِتْقِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى لَفْظِ الْعِتْقِ وَلَا نِيَّتِهِ كَالتَّدْبِيرِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْكِتَابَةِ فِي الْمُخَارَجَةِ إنْ ثَبَتَ، فَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ، فَلَمْ يَمْنَعْ وُقُوعَ الْحُرِّيَّةِ بِهِ، كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ، عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُحْتَمَلَ يَنْصَرِفُ بِالْقَرَائِنِ إلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ، كَلَفْظِ التَّدْبِيرِ فِي مَعَاشِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْحُرِّيَّةِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى.
[فَصْلٌ الْعِتْقِ قَبْلَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ]
(8701)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ قَبْلَ أَدَاء جَمِيعِ الْكِتَابَةِ، قَالَ أَحْمَدُ، فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَاتَبَاهُ عَلَى أَلْفٍ، فَأَدَّى تِسْعَمِائَةٍ، ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ. قَالَ: لَا يَعْتِقُ إلَّا نِصْفُ الْمِائَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ، أَنَّهُمْ قَالُوا: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. رَوَاهُ عَنْهُمْ الْأَثْرَمُ. وَبِهِ قَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَرَوَى سَعِيدٌ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ:«كُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْ مُكَاتَبٍ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِينَارٌ» . وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلَامًا عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ، فَأَدَّى إلَيْهِ تِسْعَمِائَةِ دِينَارٍ، وَعَجَزَ عَنْ مِائَةِ دِينَارٍ، فَرَدَّهُ ابْنُ عُمَرَ فِي الرِّقِّ.،
وَذَكَر أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ إذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْكِتَابَةِ، وَعَجَزَ عَنْ رُبُعِهَا عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ، فَلَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ بِعَجْزِهِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ حَقٍّ هُوَ لَهُ، لَا حَقٍّ لِلسَّيِّدِ، فَلَا مَعْنَى لِتَعْجِيزِهِ فِيمَا يَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: يَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«إذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ حَدًّا، أَوْ مِيرَاثًا، وَرِثَ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ، وَيُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى دِيَةَ حُرٍّ، وَمَا بَقِيَ دِيَةُ عَبْدٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما، أَنَّهُ إذَا أَدَّى الشَّطْرَ، فَلَا رِقَّ عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيِّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: إذَا أَدَّى قَدْرَ قِيمَتِهِ، فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ، فِي الْمُكَاتَبِ: إذَا عَجَزَ اسْتَسْعَى بَعْدَ الْعَجْزِ سَنَتَيْنِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى سَعِيدٌ، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَيُّمَا رَجُلٍ كَاتَبَ غُلَامَهُ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَعَجَزَ عَنْ عَشْرِ أَوَاقٍ، فَهُوَ رَقِيقٌ» . وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمُكَاتَبِ، فَلَا يَعْتِقُ قَبْلَ أَدَائِهِ، كَالْقَدْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ، لَسَرَى إلَى بَاقِيهِ، كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْعِتْقِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي الْمِلْكِ.
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَمَحْمُولٌ عَلَى مُكَاتَبٍ لِرَجُلٍ مَاتَ، وَخَلَفَ ابْنَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِكِتَابَتِهِ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، فَأَدَّى إلَى الْمُقِرِّ، أَوْ مَا أَشْبَهَهَا مِنْ الصُّوَرِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَتَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْقِيَاسِ.
وَلِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ، فَمَلَكَ مَا يُؤَدِّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ