الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا، وَلَمْ نَكْتُمْ شَهَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَزِمَنَا أَدَاؤُهَا. وَلَمْ يَثْبُتْ كَذِبُهُمْ، فَوَجَبَتْ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ مِنْ غَيْرِ وُجُودِ شَرْطِ الْحُكْمِ، وَمَكَّنَ مِنْ إتْلَافِ الْمَعْصُومِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ، فَكَانَ التَّفْرِيطُ مِنْهُ، فَوَجَبَ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَة ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ]
(8474)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ، حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَصَارَ حُرًّا) رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رحمه الله، فِي هَذَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ فَيَثْبُت بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَلِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِلْمَالِ فَيُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَلِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِلْمَالِ، فَيُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، كَالْإِتْلَافِ بِالْفِعْلِ، وَإِفْضَاؤُهُ إلَى تَكْمِيلِ الْأَحْكَامِ، لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا النَّسَبُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا تُثْبِتُ الْحُرِّيَّةَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمَالُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، فَأَشْبَهَتْ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة شَهِدَ بِشَهَادَةِ زُورٍ]
(8475)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ شَهِدَ بِشَهَادَةِ زُورٍ، أُدِّبَ، وَأُقِيمَ لِلنَّاسِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَشْتَهِرُ أَنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ، إذَا تَحَقَّقَ تَعَمُّدُهُ لِذَلِكَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، قَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهَا فِي كِتَابِهِ، مَعَ نَهْيِهِ عَنْ الْأَوْثَانِ، فَقَالَ تَعَالَى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] . وَرُوِيَ عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، مِنْ قَوْلِهِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ . قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ. وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«شَاهِدُ الزُّورِ، لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ حَتَّى تَجِبَ لَهُ النَّارُ» . فَمَتَى ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ شَهِدَ بُزُورٍ عَمْدًا، عَزَّرَهُ، وَشَهَّرَهُ. فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه. وَبِهِ يَقُولُ شُرَيْحٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُعَزَّرُ، وَلَا يُشَهَّرُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ مُنْكَرٍ وَزُورٍ، فَلَا يُعَزَّرُ بِهِ، كَالظِّهَارِ. وَرَوَى عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُشَهَّرُ. وَأَنْكَرْهُ الْمُتَأَخِّرُونَ. وَلَنَا، أَنَّهُ قَوْلٌ مُحَرَّمٌ يَضُرُّ بِهِ النَّاسَ، فَأَوْجَبَ الْعُقُوبَةَ عَلَى قَائِلِهِ، كَالسَّبِّ وَالْقَذْفِ، وَيُخَالِفُ الظِّهَارَ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِضَرَرِهِ. وَالثَّانِي، أَنَّهُ أَوْجَبَ كَفَّارَةً شَاقَّةً هِيَ أَشَدُّ مِنْ التَّعْزِيرِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ تَأْدِيبَهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ؛ إنْ رَأَى ذَلِكَ بِالْجَلْدِ جَلَدَهُ، وَإِنْ رَآهُ بِحَبْسٍ أَوْ كَشْفِ رَأْسِهِ وَإِهَانَتِهِ وَتَوْبِيخِهِ، فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَا يَزِيدُ فِي جَلْدِهِ عَلَى عَشْرِ جَلَدَاتٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَزِيدُ عَلَى تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ، لِئَلَّا يَبْلُغَ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُجْلَدُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، فِي شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ: يُجْلَدَانِ مِائَةً مِائَةً، وَيَغْرَمَانِ الصَّدَاقَ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ: يُخْفَقُ سَبْعَ خَفَقَاتٍ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: يُجْلَدُ أَسْوَاطًا.
فَأَمَّا شُهْرَتُهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنَّهُ يُوقَفُ فِي سُوقِهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ، أَوْ قَبِيلَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الْقَبَائِلِ، أَوْ فِي مَسْجِدِهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَسَاجِدِ، وَيَقُولُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: إنَّ الْحَاكِمَ يَقْرَأُ عَلَيْكُمْ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: هَذَا شَاهِدُ زُورٍ، فَاعْرِفُوهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأُتِيَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِشَاهِدِ الزُّورِ، فَأَمَرَ بِقَطْعِ لِسَانِهِ، وَعِنْدَهُ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، بِحَسْبِهِ أَنْ يُخْفَقَ سَبْعَ خَفَقَاتٍ، وَيُقَامَ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَيُقَالَ: هَذَا أَبُو قُبَيْسٍ، وَجَدْنَاهُ شَاهِدَ زُورٍ. فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِ. وَلَا يُسَخَّمُ وَجْهُهُ، وَلَا يُرَكَّبُ، وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ يُجْلَدُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ، وَيُطَالُ حَبْسُهُ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَقَالَ سَوَّارٌ: يُلَبَّبُ، وَيُدَارُ بِهِ عَلَى حَلَقَ الْمَسْجِدِ، فَيَقُولُ: مَنْ رَآنِي فَلَا يَشْهَدْ بُزُورٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمِلْكِ بْنِ يَعْلَى، قَاضِي الْبَصْرَةِ، أَنَّهُ أَمَرَ بِحَلْقِ نِصْفِ رُءُوسِهِمْ، وَتَسْخِيمِ وُجُوهِهِمْ، وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْأَسْوَاقِ، وَاَلَّذِي شَهِدُوا لَهُ مَعَهُمْ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا مُثْلَةٌ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُثْلَةِ.
وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُ حَبَسَهُ يَوْمًا وَخَلَّى سَبِيلَهُ. وَفِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ فِي هَذَا تَقْدِيرًا شَرْعِيًّا، فَمَا فَعَلَ الْحَاكِمُ مِمَّا يَرَاهُ، مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى مُخَالَفَةِ نَصٍّ أَوْ مَعْنَى نَصٍّ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُفْعَلُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُتَحَقَّقَ أَنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ، وَتَعَمَّدَ ذَلِكَ، إمَّا بِإِقْرَارِهِ، أَوْ يَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ بِفِعْلٍ فِي الشَّامِ فِي وَقْتٍ، وَيُعْلَمُ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي الْعِرَاقِ، أَوْ يَشْهَدُ بِقَتْلِ رَجُلٍ، وَهُوَ حَيٌّ، أَوْ أَنَّ هَذِهِ الْبَهِيمَةَ فِي يَدِ هَذَا مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ. وَسِنُّهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ يَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا فِي وَقْتٍ، وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَهُ، وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا يُتَيَقَّنُ بِهِ كَذِبُهُ، وَيُعْلَمُ تَعَمُّدُهُ لِذَلِكَ.
فَأَمَّا تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ، أَوْ ظُهُورُ فِسْقِهِ، أَوْ غَلَطِهِ فِي شَهَادَتِهِ، فَلَا يُؤَدَّبُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الصِّدْقَ، وَالتَّعَارُضَ لَا يُعْلَمُ بِهِ كِذْبُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِعَيْنِهَا، وَالْغَلَطَ قَدْ يَعْرِضُ لِلصَّادِقِ الْعَدْلِ وَلَا يَتَعَمَّدُهُ، فَيُعْفَى عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .