الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِبْرَاءَ جَرَى مَجْرَى اسْتِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَنْعَمُوا عَلَيْهِ بِمَا عَتَقَ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقُوهُ. وَإِنْ أَبْرَأَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ نَصِيبِهِ، كَانَ فِي وَلَائِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ بَاعَ الْوَرَثَةُ الْمُكَاتَبَ أَوْ وَهَبُوهُ]
(8725)
فَصْلٌ: إذَا بَاعَ الْوَرَثَةُ الْمُكَاتَبَ، أَوْ وَهَبُوهُ، صَحَّ بَيْعُهُمْ وَهِبَتُهُمْ، لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمُكَاتِبِ، وَالْمُكَاتِبُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ فَكَذَلِكَ وَرَثَتُهُ، وَيَكُونُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ مُبْقًى عَلَى كِتَابَتِهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَعَجَّزَهُ، عَادَ رَقِيقًا لَهُ، وَإِنْ أَدَّى وَعَتَقَ، كَانَ وَلَاؤُهُ لِمَنْ يُؤَدِّي إلَيْهِ. عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: إنَّ وَلَاءَهُ لِلْوَرَثَةِ، إذَا أَدَّى إلَيْهِمْ.
وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي إبْطَالَ سَبَبِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ الَّذِي كَاتَبَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيَكُونَ الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ إنْ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ عَقَدَهَا، فَعَتَقَ بِهَا، فَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ بَاعَهُ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ بِبَيْعِهِ أَبْطَلَ حَقَّ نَفْسِهِ، وَلَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ إبْطَالَ حَقِّ مَوْرُوثِهِمْ.
[فَصْلٌ وَصَّى السَّيِّدُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لِرَجُلٍ]
(8726)
فَصْلٌ: وَإِنْ وَصَّى السَّيِّدُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لِرَجُلٍ، صَحَّ. فَإِنْ سَلَّمَ مَالَ الْكِتَابَةِ إلَى الْمُوصَى لَهُ، أَوْ وَكِيلِهِ، أَوْ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، بَرِئَ مِنْهُ، وَعَتَقَ، وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْ الْمَالِ، عَتَقَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَدَّى. وَإِنْ أَعْتَقَهُ، لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ، وَلَا وَصَّى لَهُ بِهَا، وَإِنَّمَا وَصَّى لَهُ بِالْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ. وَإِنْ عَجَزَ، وَرُدَّ فِي الرِّقِّ، عَادَ عَبْدًا لِلْوَرَثَةِ، وَمَا قَبَضَهُ الْوَصِيُّ - الْمُوصَى لَهُ - مِنْ الْمَالِ، فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَالْأَمْرُ فِي تَعْجِيزِهِ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ لَهُمْ بِتَعْجِيزِهِ، وَيَصِيرُ الْعَبْدُ لَهُمْ، فَكَانَتْ الْخِيرَةُ فِي ذَلِكَ إلَيْهِمْ. وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ، فَإِنَّ حَقَّهُ وَوَصِيَّتَهُ تَبْطُلُ بِتَعْجِيزِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ حَقٌّ.
وَإِنْ وَصَّى بِمَالِ الْكِتَابَةِ لِلْمَسَاكِينِ، وَوَصَّى إلَى رَجُلٍ بِقَبْضِهِ وَتَفْرِيقِهِ بَيْنَهُمْ، صَحَّ. وَمَتَى سَلَّمَ الْمَالَ إلَى الْوَصِيِّ، بَرِئَ، وَعَتَقَ. وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ. وَإِنْ دَفَعَهُ الْمُكَاتَبُ إلَى الْمَسَاكِينِ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ، وَلَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ إلَى الْوَصِيِّ دُونَهُ. وَإِنْ وَصَّى بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى غُرَمَائِهِ، تَعَيَّنَ الْقَضَاءُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِهِ عَطِيَّةً لَهُ. فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَوْصَى بِقَضَاءِ دُيُونِهِ مُطْلَقًا، كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْوَصِيِّ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِمْ بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْوَرَثَةِ، وَلَهُمْ أَنْ يَقْضُوا الدَّيْنَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَلِلْوَصِيِّ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ حَقٌّ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ مَنْعَهُمْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي التَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ. .
[فَصْلٌ إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَفَ ابْنَيْنِ وَعَبْدًا فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ كَاتَبَهُ، فَصَدَّقَاهُ]
(8727)
فَصْلٌ: إذَا مَاتَ رَجُلٌ، وَخَلَفَ ابْنَيْنِ وَعَبْدًا، فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ كَاتَبَهُ، فَصَدَّقَاهُ، ثَبَتَتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ
لَهُمَا. وَإِنْ أَنْكَرَاهُ، وَكَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ ثَبَتَتْ الْكِتَابَةُ، وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِمَا. وَإِنْ عَجَزَ، فَلَهُمَا رَدُّهُ إلَى الرِّقِّ. وَإِنْ لَمْ يُعَجِّزَاهُ، وَصَبَرَا عَلَيْهِ، لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ. وَإِنْ عَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا، وَأَبَى الْآخَرُ تَعْجِيزَهُ، بَقِيَ نِصْفُهُ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَعَادَ نِصْفُهُ الْآخَرُ رَقِيقًا. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ، وَعَدَمُ الْكِتَابَةِ، وَتَكُونُ أَيْمَانُهُمْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا كَاتَبَهُ، لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، فَإِنْ حَلَفَا، ثَبَتَ رِقُّهُ، وَإِنْ نَكَلَا، قُضِيَ عَلَيْهَا، أَوْ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، عَلَى قَوْلِ مَنْ قَضَى بِرَدِّهَا، فَيَحْلِفُ الْعَبْدُ، وَتَثْبُتُ الْكِتَابَةُ. وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَنَكَلَ الْآخَرُ، قُضِيَ بِرِقِّ نِصْفِهِ، وَكِتَابَةِ نِصْفِهِ.
وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ ثَبَتَتْ الْكِتَابَةُ فِي نِصْفِهِ، وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فِي نِصْفِهِ الْآخَرِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَحَلَفَ الْمُنْكِرُ، صَارَ نِصْفُهُ مُكَاتَبًا، وَنِصْفُهُ رَقِيقًا قِنًّا. فَإِنْ شَهِدَ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا يَدْفَعُ بِهَا ضَرَرًا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَاهِدٌ آخَرُ كَمُلَتْ الشَّهَادَةُ، وَثَبَتَتْ الْكِتَابَةُ فِي جَمِيعِهِ. وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَهَلْ يَحْلِفُ الْعَبْدُ مَعَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، أَوْ لَمْ يَحْلِفْ الْعَبْدُ مَعَهُ، وَحَلَفَ الْمُنْكِرُ، كَانَ نِصْفُهُ مُكَاتَبًا، وَنِصْفُهُ رَقِيقًا، وَيَكُونُ كَسْبُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنْكِرِ نِصْفَيْنِ، وَنَفَقَتُهُ مِنْ كَسْبِهِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى مَالِكِ نِصْفِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ كَانَ عَلَى الْمُنْكِرِ نِصْفُ نَفَقَتِهِ، ثُمَّ إنْ اتَّفَقَ هُوَ وَمَالِكُ نِصْفِهِ عَلَى الْمُهَايَأَةِ مُعَاوَمَةً أَوْ مُشَاهَرَةً، أَوْ كَيْفَمَا كَانَ، جَازَ.
وَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا، وَامْتَنَعَ الْآخَرُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا حِيَازَةَ نَصِيبِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، لَزِمَ الْآخَرَ إجَابَتُهُ، كَالْأَعْيَانِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْبَرَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ تَأْخِيرُ حَقِّهِ الْحَالِّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ كَتَأْخِيرِ دَيْنِهِ الْحَالِّ. فَإِنْ اقْتَسَمَا الْكَسْبَ مُهَايَأَةً، أَوْ مُنَاصَفَةً، فَلَمْ يَفِ بِأَدَاءِ نُجُومِهِ فَلِلْمُقِرِّ رَدُّهُ، فِي الرِّقِّ، وَمَا فِي يَدِهِ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ قَدْ أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ الْكَسْبِ.
وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُنْكِرُ وَالْمُقِرُّ فِيمَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ، فَقَالَ الْمُنْكِرُ: هَذَا كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ دَعْوَى الْكِتَابَةِ وَكَسَبَهُ فِي حَيَاةِ أَبِينَا. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُقِرُّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ يَدَّعِي كَسْبَهُ فِي وَقْتٍ، الْأَصْلُ عَدَمُهُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ هُوَ وَالْمُكَاتَبُ فِي ذَلِكَ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكَاتَبِ، فَكَذَلِكَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. وَإِنْ أَدَّى الْكِتَابَةَ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ خَاصَّةً، وَلَمْ يَسْرِ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْعِتْقَ، وَلَمْ يَتَسَبَّبْ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ مِنْ أَبِيهِ، وَهَذَا حَاكٍ عَنْ أَبِيهِ، مُقِرٌّ بِفِعْلِهِ، فَهُوَ كَالشَّاهِدِ، وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ يَزْعُمُ أَنَّ نَصِيبَ أَخِيهِ حُرٌّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ مِنْ الْعَبْدِ مِثْلَ مَا قَبَضَ، فَقَدْ حَصَلَ أَدَاءُ مَالِ الْكِتَابَةِ إلَيْهِمَا جَمِيعًا، فَعَتَقَ كُلُّهُ بِذَلِكَ، وَوَلَاءُ هَذَا النِّصْفِ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّ أَخَاهُ لَا يَدَّعِيهِ وَهَذَا الْمُقِرُّ يَدَّعِي أَنَّهُ كُلَّهُ قَدْ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ، وَهَذَا الْوَلَاءُ الَّذِي عَلَى هَذَا النِّصْفِ نَصِيبِي مِنْ الْوَلَاءِ.