الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَدْرِ الْمِلْكَيْنِ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُنْتَفِعًا إلَّا بِمَا يُقَابِلُ مِلْكَهُ، وَعَادَ الْأَمْرُ بَعْدَ زَوَالِ الْكِتَابَةِ إلَى حُكْمِ الرِّقِّ كَأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالتَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ فِي أَدَائِهِ إلَيْهِمَا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ وَفَاءُ كِتَابَةِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ، فَيَعْتِقُ نَصِيبُهُ وَيَسْرِي إلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ، قُلْنَا: يُمْكِنُ أَدَاءُ كِتَابَتِهِ إلَيْهِمَا دُفْعَةً وَاحِدَةً فَيَعْتِقُ عَلَيْهِمَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُكَاتَبَ أَحَدَهُمَا عَلَى مِائَةٍ فِي نَجْمَيْنِ، فِي كُلِّ نَجْمٍ خَمْسُونَ، وَيُكَاتَبَ الْآخَرُ عَلَى مِائَتَيْنِ فِي نَجْمَيْنِ، فِي النَّجْمِ الْأَوَّلِ خَمْسُونَ، وَفِي الثَّانِي مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، وَيَكُونُ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا فَيُؤَدِّي إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ، عَلَى أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: لَا يَسْرِي الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ الْآخَرِ مَادَامَ مُكَاتَبًا، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُفْضِي إلَى مَا ذَكَرُوهُ، عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ قُدِّرَ إفْضَاؤُهُ إلَيْهِ فَلَا مَانِعَ فِيهِ مِنْ صِحَّةِ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْكِتَابَةِ - وَهُوَ الْعِتْقُ بِهَا،
وَيُمْكِنُ وُجُودُ سِرَايَةِ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى مِثْلَيْ قِيمَتِهِ، فَإِذَا عَتَقَ عَلَيْهِ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَسَلَّمَ لَهُ بَاقِيَ الْمَالِ، وَحَصَلَ لَهُ وَلَاءُ الْعَبْدِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا، ثُمَّ لَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لَكِنْ قَدْ رَضِيَ بِهِ حِينَ كِتَابَتِهِ عَلَى أَقَلَّ مِمَّا كَاتَبَهُ بِهِ شَرِيكُهُ، وَالضَّرَرُ الْمَرْضِيُّ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَضْرُورِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْعِتْقِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَسْرِي عِتْقُهُ وَيَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ وَهُوَ جَائِزٌ، فَهَذَا أَوْلَى بِالْجَوَازِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي التَّنْجِيمِ وَلَا فِي أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا فِي النُّجُومِ قَبْلَ النَّجْمِ الْأَخِيرِ أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِمَا إلَّا عَلَى السَّوَاءِ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا بِالْأَدَاءِ عَلَى الْآخَرِ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي مِيقَاتِ النُّجُومِ وَقَدْرِ الْمُؤَدَّى فِيهِمَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ.
وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعَجِّلَ لِمَنْ تَأَخَّرَ نَجْمُهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَيُعْطِيَ مَنْ قَلَّ نَجْمُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي الدَّفْعِ إلَى الْآخَرِ قَبْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُنْظِرَهُ مَنْ حَلَّ نَجْمُهُ، أَوْ يَرْضَى مَنْ لَهُ الْكَثِيرُ بِأَخْذِ دُونِ حَقِّهِ، وَإِذَا أَمْكَنَ إفْضَاءُ الْعَقْدِ إلَى مَقْصُودِهِ فَلَا نُبْطِلُهُ بِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَيْهِ.
[فَصْلٌ كَانَ الْعَبْدُ لِرَجُلَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ
.]
(8765)
فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يُقَدِّمَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ مَا سَوَاءٌ فِيهِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي كَسْبِهِ، وَحَقُّهُمَا مُتَعَلِّقٌ
بِمَا فِي يَدِهِ تَعَلُّقًا وَاحِدًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهُ دُونَ الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَزَ فَيَعُودَ إلَى الرِّقِّ، وَيَتَسَاوَيَانِ فِي كَسْبِهِ فَيَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْفَضْلِ بَعْدَ انْتِفَاعِهِ بِهِ مُدَّةً.
فَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ، وَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حِصَّتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَذِنَ فِي الْقَبْضِ، وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ - ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ - أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ فَجَازَ بِإِذْنِهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ، أَوْ أَذِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي فِي قَبْضِ الْبَيْعِ قَبْلَ تَوْفِيَةِ ثَمَنِهِ، أَوْ أَذِنَا لِلْمُكَاتَبِ فِي التَّبَرُّعِ، وَلِأَنَّهُمَا لَوْ أَذِنَا لَهُ فِي الصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ صَحَّ قَبْضُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ لَهُ، كَذَلِكَ هَاهُنَا. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ مِلْكٌ لَهُ فَلَا يَنْفُذُ إذْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا حَقُّ سَيِّدِهِ فِي ذِمَّتِهِ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُكَاتَبِ، تَعْلِيقٌ عَلَى الْعِلَّةِ ضِدُّ مَا تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِلْكًا لَهُ يَقْتَضِي جَوَازَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا الْمَنْعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّدِهِ بِهِ، فَإِذَا أَذِنَ زَالَ الْمَانِعُ فَصَحَّ التَّقْبِيضُ؛ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ وَخُلُوِّهِ مِنْ الْمَانِعِ، ثُمَّ يَبْطُلُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا مَالَ الْكِتَابَةِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِسَبَبِهِ. هَذَا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَيَضْمَنُهُ فِي الْحَالِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا مُبْقًى عَلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ وَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لَهُ، وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا قَبَضَهُ صَاحِبُهُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ وَنِصْفَهُ بِالسِّرَايَةِ، فَحِصَّةُ مَا عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ لِلْعَبْدِ، وَحِصَّةُ مَا عَتَقَ بِالسِّرَايَةِ لِسَيِّدِهِ.
وَعَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ يَكُونُ الْبَاقِي كُلُّهُ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ كَانَ مِلْكًا لَهُ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بِعِتْقِهِ كَمَا لَوْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي: لَا يَسْرِي الْعِتْقُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَسْرِي عِنْدَ عَجْزِهِ، فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدَّى إلَى الْآخَرِ عَتَقَ عَلَيْهِمَا، وَوَلَاؤُهُ لَهُمَا وَمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ وَفُسِخَتْ كِتَابَتُهُ قُوِّمَ عَلَى الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ وَكَانَ وَلَاءُ جَمِيعِهِ لَهُ وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ فِي نِصْفِهِ. وَإِنْ مَاتَ فَقَدْ مَاتَ وَنِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ، وَلِسَيِّدِهِ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا خَلَفَهُ مِثْلَ مَا أَخَذَهُ شَرِيكُهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَلَهُ نِصْفُ مَا بَقَّى وَالْبَاقِي لِوَرَثَةِ الْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مِنْ نَسَبِهِ فَهُوَ لِلَّذِي أَدَّى إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ فَمَا أَخَذَهُ الْقَابِضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، وَلَا تَعْتِقُ حِصَّتُهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ