الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ وَاسْتَوْفَى مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا اسْتَوْفَى]
فَصْلٌ: وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ، وَاسْتَوْفَى مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا اسْتَوْفَى، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ وَأُنْسِيَهُ. فَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَدَّى، فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا أَدَّى إلَيْهِ. فَإِنْ نَكَلَ، عَتَقَ الْآخَرُ. وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ، أَقْرَعَ الْوَرَثَةُ. فَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ الْمُؤَدِّي، فَعَلَيْهِمْ الْيَمِينُ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَدَّى؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ. فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَدَّى عَتَقَ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ أَوْ بَعْدَهَا، فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ تَعَيَّنَتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ، وَرَقَّ الْآخَرُ.
وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَيْسَتْ عِتْقًا، وَإِنَّمَا هِيَ مُعَيَّنَةٌ لِلْعِتْقِ، وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا، فَثَبَتَ بِهَا خَطَأُ الْقُرْعَةِ، فَتَبَيَّنَ بَقَاءُ الرِّقِّ فِي الَّذِي ظَنَنَّا حُرِّيَّتَهُ، كَمَا تَبَيَّنَّا حُرِّيَّةَ مَنْ ظَنَنَّا رِقَّهُ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ، لَا يَصِيرُ مُؤَدِّيًا بِوُقُوعِ الْقُرْعَةِ لَهُ، فَلَا يُوجَدُ حُكْمُهُ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ، أَنْ يَعْتِقَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا ذَكَرَ السَّيِّدُ الْمُؤَدِّيَ مِنْهُمَا، وَمَتَى ادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ أَدَّى، فَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ السَّيِّدَ أَوْ وَرَثَتَهُ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ السَّيِّدَ، فَالْيَمِينُ عَلَى الْبَتِّ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَرَثَتِهِ، فَالْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَدَاءَ إلَيْهِمْ، فَتَكُونَ أَيْمَانُهُمْ عَلَى الْبَتِّ أَيْضًا. وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِالدَّعْوَى.
[فَصْلٌ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَوْلَادُ مِنْ مُعْتَقَةِ آخَر غَيْرِ سَيِّدُهُ]
(8820)
فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَوْلَادٌ مِنْ مُعْتَقَةِ آخَرَ غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَقَالَ سَيِّدُهُ: قَدْ أَدَّى إلَيَّ، وَعَتَقَ، فَانْجَرَّ وَلَاءُ وَلَدِهِ إلَيَّ. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَوْلَى أُمِّهِمْ، وَكَانَ الْمُكَاتَبُ حَيًّا، فَقَدْ صَارَ حُرًّا بِهَذَا الْقَوْلِ؛ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ مِنْ سَيِّدِهِ بِعِتْقِهِ، وَيَنْجَرُّ وَلَاءُ وَلَدِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَوْلَى أُمِّهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الرِّقُّ، وَبَقَاءُ وَلَائِهِمْ لَهُ، فَيَحْلِفُ، وَيَبْقَى وَلَاؤُهُمْ لَهُ.
[مَسْأَلَةٌ أَعْتَقَ الْأَمَةَ أَوْ كَاتَبَهَا وَشَرَطَ مَا فِي بَطْنِهَا]
(8821)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا أَعْتَقَ الْأَمَةَ، أَوْ كَاتَبَهَا، وَشَرَطَ مَا فِي بَطْنِهَا، أَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا، فَلَهُ شَرْطُهُ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَهُ مَا اسْتَثْنَى. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ: إذَا اسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا، فَلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْجَنِينِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ. وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْبَيْعِ، فَلَا يَصِحُّ فِي الْعِتْقِ، كَبَعْضِ أَعْضَائِهَا.
وَلَنَا، قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعِتْقِ، وَلَا أَذْهَبُ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ. وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَعْتَقَ جَارِيَةً، وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . وَهَذَا قَدْ شَرَطَ مَا فِي بَطْنِ مُعْتَقِهِ، فَكَانَ لَهُ بِمُقْتَضَى الْخَبَرِ.
وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ إقْرَاره بِالْعِتْقِ، فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَأَمَّا خَبَرُهُمْ، فَنَقُولُ بِهِ، وَالْحَمْلُ مَعْلُومُ، فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ؛ فَإِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ بِصِفَاتِ الْعِوَضِ؛ لِيُعْلَمَ هَلْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْعِوَض أَمْ لَا؟ وَالْعِتْقُ تَبَرُّعٌ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ صِفَاتِ الْمُعْتَقِ. وَلَا تُنَافِيه الْجَهَالَةُ بِهَا، وَيَكْفِي الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ صَحَّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْعِتْقِ، وَلَمْ يَصِحَّ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ فِي الْبَيْعِ إذَا بَطَلَ، بَطَلَ الْبَيْعُ كُلُّهُ، وَهَا هُنَا إذَا بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ، لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ فِي الْأَمَةِ، وَيَسْرِي الْإِعْتَاقُ إلَيْهِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ إعْتَاقه مَعَ تَضَادِّ الْحُكْمِ فِيهِمَا؟ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا؛ لِأَنَّ الْعُضْوَ لَا يُتَصَوَّرُ انْفِرَادُهُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ دُونَ الْحَمْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ عُضْوًا مِنْ أَمَتِهِ، صَارَتْ كُلُّهَا حُرَّةً، فَإِذَا عَتَقَ بَعْضَهَا، سَرَى إلَى الْمُسْتَثْنَى، وَالْوَلَدُ حَيَوَانٌ مُنْفَرِدٌ، لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ تَسْرِ الْحُرِّيَّةُ إلَى أُمِّهِ، وَيَصِحُّ انْفِرَادُهُ بِالْحُرِّيَّةِ عَنْ أُمِّهِ، فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ دُونَهَا، وَفِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ، وَفِيمَا إذَا وَطِئَ بِشُبْهَةٍ، وَفِي وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ وَيُورَثُ، وَيُوصَى بِهِ وَلَهُ، وَإِذَا قُتِلَ كَانَ بَدَلُهُ مَوْرُوثًا، وَلَا تَخْتَصُّ بِهِ أُمُّهُ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِهِ، وَالدِّيَةُ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى أَعْضَائِهَا؟ فَأَمَّا إنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا، فَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِيهِ.
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: سُئِلَ سُفْيَانُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ، قَالَ: هُوَ حُرٌّ، وَالْأُمُّ مَمْلُوكَةٌ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا مِنْهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ وَلَدِهَا. قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: جَيِّدٌ. وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ رضي الله عنه عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ أَمَتَهُ، فَقَالَتْ: قَدْ حَبِلْت. فَقَالَ لَهَا مَوْلَاهَا: