الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَّا إذَا كَانَتْ كُلُّ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِأَلْفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ الْوَلِيَّ يُطَالِبُ بِالْأَلْفَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلَيْنِ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَلْفَيْنِ، فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا، وَعَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا، كَمَا لَوْ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفٍ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ أَلْفًا مُعَيَّنًا، فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الْآخِذُ لَهَا، لَمْ يَجِبْ إلَّا أَلْفٌ وَاحِدٌ، وَلِلْوَلِيِّ مُطَالَبَةُ أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخَذَ الْأَلْفَ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَرُدَّهُ، فَقَدْ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ رَدَّهُ إلَى الصَّبِيِّ، لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ بِرَدِّهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَبْضٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ غَرِمَهُ الَّذِي لَمْ يَرُدَّهُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ غَرِمَهُ الرَّادُّ لَهُ، رَجَعَ عَلَى الَّذِي لَمْ يَرُدَّهُ. فَإِنْ غَرِمَهُ أَحَدُهُمَا، فَادَّعَى أَنَّ الضَّمَانَ اسْتَقَرَّ عَلَى صَاحِبِهِ، لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآخَرِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَة رَجُلَيْنِ حَرْبِيَّيْنِ جَاءَا مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ فَذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ أَخُو صَاحِبِهِ]
(8555)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَرْبِيَّيْنِ جَاءَا مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ، فَذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ أَخُو صَاحِبِهِ، جَعَلْنَاهُمَا أَخَوَيْنِ، وَإِنْ كَانَا سَبْيًا، فَادَّعَيَا ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُعْتِقَا، فَمِيرَاثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمُعْتِقِهِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُمَا، إلَّا أَنْ تَقُومَ بِمَا ادَّعَيَاهُ بَيِّنَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَيَثْبُتَ النَّسَبُ، وَيُوَرَّثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَخِيهِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ إذَا دَخَلُوا إلَيْنَا مُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرَ مُسْلِمِينَ فَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ بِنَسَبِ بَعْضٍ، ثَبَتَ نَسَبُهُمْ كَمَا يَثْبُتُ نَسَبُ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ بِإِقْرَارِهِمْ، وَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ لَا ضَرَرَ عَلَى أَحَدٍ فِيهِ، فَقُبِلَ، كَإِقْرَارِهِمْ، بِالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.
وَإِنْ كَانُوا سَبْيًا، فَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ بِنَسَبِ بَعْضٍ، وَقَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثَبَتَ أَيْضًا، سَوَاءٌ كَانَ الشَّاهِدُ أَسِيرًا عِنْدَهُمْ أَوْ غَيْرَ أَسِيرٍ. وَيُسَمَّى الْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ حَمِيلًا، أَيْ مَحْمُولًا، كَمَا يُقَالُ لِلْمَقْتُولِ قَتِيلٌ، وَلِلْمَجْرُوحِ جَرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ حُمِلَ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ. وَقِيلَ سُمِّيَ حَمِيلًا؛ لِأَنَّهُ حُمِلَ نَسَبُهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَإِنْ شَهِدَ بِنَسَبِهِ الْكُفَّارُ، لَمْ تُقْبَلْ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ شَهَادَتَهُمْ فِي ذَلِكَ تُقْبَلُ؛ لِتَعَذُّرِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ فِي الْغَالِبِ، فَأَشْبَهَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّنَا إذَا لَمْ نَقْبَلْ شَهَادَةَ الْفَاسِقِ، فَشَهَادَةُ الْكَافِرِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُمْ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى السَّيِّدِ، بِتَفْوِيتِ إرْثِهِ بِالْوَلَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ الْعِتْقِ، وَإِنْ صَدَّقَهُمَا مُعْتِقُهُمَا، قُبِلَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ.
وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمَا، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، لَمْ يَرِثْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَمِيرَاثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمُعْتِقِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ أَبٍ، أَوْ أَخٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ ابْنِ عَمٍّ. وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا، لَا يُقْبَلُ. وَالثَّانِي يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَوْلِدَ، فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ. وَالثَّالِثُ، إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَسْتَوْلِدَ بَعْدَ عِتْقِهِ، قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِيلَادَ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ
قَبْلَ عِتْقِهِ، أَوْ يَسْتَوْلِدَ قَبْلَ عِتْقِهِ. وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ إقْرَارَهُ يُقْبَلُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ الْإِقْرَارُ مِنْ الْأَحْرَارِ الْأَصْلِيِّينَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ أَقَرَّ بِنَسَبٍ وَإِرْثُ مَجْهُولِ النَّسَبِ، يُمْكِنُ صِدْقُهُ فِيهِ، وَوَافَقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِيهِ، فَقُبِلَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ مَنْ لَهُ أَخٌ بِنَسَبِ ابْنٍ، وَبِهَذَا الْأَصْلِ يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ.
وَلَنَا، مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ، أَنْ لَا تُوَرِّثْ حَمِيلًا، حَتَّى تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنْ لَا تُوَرِّثْ حَمِيلًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَقِّ مُعْتِقِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مَوْلًى لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ شَرِيكُهُ فِي وَلَائِهِ، وَفَارَقَ الْإِقْرَارَ مِنْ الْحُرِّ الَّذِي لَهُ أَخٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ نَتِيجَةُ الْمِلْكِ، فَجَرَى مَجْرَاهُ، وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَبَتَ عَنْ عِوَضٍ، وَالْأُخُوَّةُ بِخِلَافِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ. صَحَّ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ إلَّا الْوَلَاءُ؟ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ بِعِوَضٍ، كَانَ أَقْوَى مِنْ النَّسَبِ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا النَّسَبَ فِي الْمِيرَاثِ لِقُرْبِهِ، لَا لِقُوَّتِهِ، كَمَا نُقَدِّمُ ذَوِي الْفُرُوضِ عَلَى الْعَصَبَةِ مَعَ قُرْبِهِمْ. (8556)
فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْ الدِّينِ، لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا فَيَرِثَ؛ وَلِذَلِكَ لَوْ أَقَرَّا بِالنَّسَبِ فِي حَالِ رِقِّهِمَا، لَمْ يَثْبُتْ لِاحْتِمَالِ التَّوَارُثِ بِالْعِتْقِ. وَإِنْ وُلِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ابْنٌ مِنْ حُرَّةٍ، فَأَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ، احْتَمَلَ أَنْ يُقْبَلَ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ؛ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِقَبُولِهِ، وَانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُ الْأُصُولِ، فَالْفُرُوعُ أَوْلَى فَإِنْ قُلْنَا: يُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا. فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِأَبِي الْآخَرِ أَنَّهُ عَمُّهُ، لَمْ يَثْبُتْ الْإِقْرَارُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَوَرِثَ عَمُّهُ دُونُ مَوْلَاهُ الْمُعْتِقِ لَهُ.
وَهَلْ يَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَمِّ فَيَرِثُ ابْنَ أَخِيهِ؟ يَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ؛ لِانْتِفَاءِ الْوَلَاءِ عَنْ ابْنِ الْأَخِ فَلَا تُفْضِي صِحَّةُ الْإِقْرَارِ إلَى إسْقَاطِ الْوَلَاءِ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، فَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْآخَرِ.