الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَنْفُذَ عِتْقُهُ: لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِأُمِّهِ، بِتَفْوِيتِ كَسْبِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا، وَلَعَلَّ أَحْمَدَ نَفَّذَ عِتْقَهُ تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعْتِقُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ الضَّرَرِ لَا يَصِحُّ لَوُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ كَسْبٌ يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ، فَأَمَّا مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ، فَتَخْلِيصُهَا مِنْ نَفَقَتِهِ نَفْعٌ مَحْضٌ، فَلَا ضَرَرَ فِي إعْتَاقِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَفْضُلُ لَهَا مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَيِّدَ الْحُكْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِهَذَا الْقَيْدِ.
الثَّانِي أَنَّ النَّفْعَ بِكَسْبِهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَهَا؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَى الْكَسْبِ، فَلَمْ يَكُنْ الضَّرَرُ بِفَوَاتِهِ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهَا. الثَّالِثُ، أَنَّ مُطْلَقَ الضَّرَرِ لَا يَكْفِي فِي مَنْعِ الْعِتْقِ الَّذِي تَحَقَّقَ مُقْتَضِيه، مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ يَشْهَدُ بِالِاعْتِبَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أَصْلًا، ثُمَّ هُوَ مُلْغًى بِعِتْقِ الْمُفْلِسِ وَالرَّاهِنِ وَسِرَايَةِ الْعِتْقِ إلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مَعَ وُجُودِ الضَّرَرِ بِتَفْوِيتِ الْحَقِّ اللَّازِمِ، فَهَذَا أَوْلَى.
[فَصْلٌ الْمَوْلُودَةُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ]
(8795)
فَصْلٌ: فَأَمَّا وَلَدُ وَلَدِهَا فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبِ لَا يَتْبَعُهُ، وَأَمَّا وَلَدُ بِنْتِهَا، فَهُوَ كَبِنْتِهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَسْرِي الْكِتَابَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ الِاتِّصَالِ، وَهَذَا وَلَدٌ مُنْفَصِلٌ، فَلَا تَسْرِي إلَيْهِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا، لَا يَسْرِي إلَيْهِ الِاسْتِيلَادُ، وَهَذَا الْوَلَدُ اتَّصَلَ بِأُمِّهِ دُونَ جَدَّتِهِ. وَلَنَا أَنَّ ابْنَتَهَا ثَبَتَ لَهَا حُكْمُهَا تَبَعًا، فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لِابْنَتِهَا حُكْمُهَا تَبَعًا، كَمَا يَثْبُت حُكْمُ أُمِّهَا، وَلِأَنَّ الْبِنْتَ تَبِعَتْ أُمَّهَا، فَيَجِبُ أَنْ يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ إتْبَاعَهَا لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي وَلَدِهَا، وَلِأَنَّ الْبِنْتَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْعِتْقِ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْرِيَ إلَى وَلَدِهَا، كَالْمُكَاتَبَةِ. وَهَذَا الْخِلَافُ فِي وَلَدِ الْبِنْتِ التَّابِعَةِ لِأُمِّهَا فِي الْكِتَابَةِ، فَأَمَّا الْمَوْلُودَةُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ، فَلَا تَدْخُلُ فِي الْكِتَابَةِ، فَابْنَتُهَا أَوْلَى.
[مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ]
(8796)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَهُوَ قَدِيمُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَلَا وَجْهَ لِقَوْلٍ مَنْ قَالَ:
لَا يَجُوزُ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَالْجَدِيدُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ كَسْبِهِ، فَيَمْنَعُ بِيعَهُ، كَبَيْعِهِ وَعِتْقِهِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الزِّنَاد: يَجُوزُ بَيْعُهُ بِرِضَاهُ، وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَرْضَ.
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ بَرِيرَةَ إنَّمَا بِيعَتْ بِرِضَاهَا وَطَلَبِهَا، وَلِأَنَّ لِسَيِّدِهِ اسْتِيفَاءَ مَنَافِعِهِ بِرِضَاهُ، وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، كَذَلِكَ بَيْعُهُ. وَلَنَا، مَا رَوَى عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:«جَاءَتْ بَرِيرَةُ إلَيَّ، فَقَالَتْ: يَا عَائِشَةُ، إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ، وَنَفَسَتْ فِيهَا: ارْجِعِي إلَى أَهْلِك، إنْ أَحَبُّوا أَنْ أُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ جَمِيعًا، فَعَلْت. فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْك فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ وَلَاؤُك لَنَا. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا يَمْنَعُك ذَلِكَ مِنْهَا، ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي، إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّه فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ نَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّه، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.