الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَجْمٌ، فَيَقُولَ: أَخِّرْنِي بِهِ إلَى كَذَا، وَأَزِيدُك كَذَا. فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ إلَى وَقْتٍ، لَا يَتَأَخَّرُ أَجَلُهُ عَنْ وَقْتِهِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، وَلَا يَتَغَيَّرُ أَجَلُهُ بِتَغْيِيرِهِ، وَإِذَا لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ وَقْتِهِ، لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي مُقَابَلَتِهِ، وَلِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُحَرَّمَ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لِلزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ، وَيُفَارِقُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَمَا أَنَّ الْأَجَلَ لَا يَتَأَخَّرُ، كَذَلِكَ لَا يُتَعَجَّلُ، وَلَا يَصِيرُ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ حَالًّا، فَلِمَ جَازَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؟ قُلْنَا: إنَّمَا جَازَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِالتَّعْجِيلِ فِعْلًا، فَإِنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ مَحِلِّهِ، جَازَ، وَجَازَ لِلسَّيِّدِ إسْقَاطُ بَاقِي حَقِّهِ عَلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَهُوَ ضِدُّ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ فِي ضِمْنِ الْكِتَابَةِ أَنَّكَ مَتَى أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا، فَأَنْتَ حُرٌّ.
فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا غُيِّرَ الْأَجَلُ وَالْعِوَضُ فَكَأَنَّهُمَا فَسَخَا الْكِتَابَةَ الْأُولَى، وَجَعَلَاهَا كِتَابَةً ثَانِيَةً. قُلْنَا: لَمْ يَجْزِ بَيْنَهُمَا فَسْخٌ، وَإِنَّمَا قَصَدَا تَغْيِيرَ الْعِوَضِ وَالْأَجَلِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِحُّ، فَيَبْطُلُ التَّغْيِيرُ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِحَالِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. فَعَلَى هَذَا، لَوْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ. وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، لَوْ قَالَ: أُعَجِّلُ لَك مَالَ الْكِتَابَةِ، وَتُسْقِطُ عَنِّي مِنْهُ كَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّعْجِيلِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ أَجَلِهِ وَلَا يَتَقَدَّمُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَلِمَنْ لَهُ الدَّيْنُ تَرْكُ قَبْضِهِ فِي مَحِلِّهِ، وَذَلِكَ إلَى اخْتِيَارِهِ، فَإِذَا وَعَدَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ الْفِعْلِ، فَلَهُ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ صَالَحَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ]
(8824)
فَصْلٌ: وَإِنْ صَالَحَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَنْ النُّقُودِ بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ، جَازَ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى شَيْءٍ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدِينِ. وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ الدَّرَاهِمِ بِدَنَانِيرَ، أَوْ عَنْ الْحِنْطَةِ بِشَعِيرٍ، لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، فَيُشْتَرَطُ لَهُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الْمُصَالَحَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ مِنْ شَرْطِهِ التَّأْجِيلُ، فَلَمْ تَجُزْ الْمُصَالَحَةُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، فَهُوَ كَدَيْنِ السَّلَمِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ. فَعَلَى قَوْلِهِ، تَجُوزُ الْمُصَالَحَةُ كَيْفَمَا كَانَتْ، كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَيْن الْعَبْدِ الْقِنِّ وَسَيِّدِهِ. وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيُفَارِقُ دَيْنُ الْكِتَابَةِ دَيْنَ السَّلَمِ؛ فَإِنَّهُ يُفَارِقُ سَائِرَ الدُّيُونِ بِمَا ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَمُفَارَقَتُهُ لِدَيْنِ السَّلَمِ أَعْظَمُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَكَاتَبَ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُؤَدِّ كُلَّ كِتَابَتِهِ حَتَّى أَعْتَقَ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ]
(8825)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَكَاتَبَ أَحَدَهُمَا، فَلَمْ يُؤَدِّ كُلَّ كِتَابَتِهِ حَتَّى أَعْتَقَ الْآخَرُ، وَهُوَ مُوسِرٌ،
فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ حُرًّا، وَيَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ كِتَابَةُ نَصِيبِهِ مِنْهُ، بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَيَبْقَى سَائِرُهُ غَيْرَ مُكَاتَبٍ، فَإِذَا فَعَلَ هَذَا، فَأَعْتَقَ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْهُ حِصَّتَهُ مِنْهُ، وَهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ، وَسَرَى الْعِتْقُ إلَى بَاقِيه، فَصَارَ كُلُّهُ حُرًّا، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْهُ، وَيَكُونُ الرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ مُكَاتَبًا، يَبْقَى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا أَتْلَفَ، وَإِنَّمَا أَتْلَفَ مُكَاتَبًا. وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا، لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ عَلَى مَا مَضَى فِي بَابِ الْعِتْقِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي: لَا يَسْرِي الْعِتْقُ فِي الْحَالِ، لَكِنْ يُنْظَرُ؛ فَإِنْ أَدَّى كِتَابَتَهُ عَتَقَ بَاقِيهِ بِالْكِتَابَةِ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ فُسِخَتْ كِتَابَتُهُ لِعَجْزِهِ، سَرَى الْعِتْقُ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ سِرَايَةَ الْعِتْقِ فِي الْحَالِ مُفْضِيَةٌ إلَى إبْطَالِ الْوَلَاءِ الَّذِي انْعَقَدَ سَبَبُهُ، وَنَقْلِهِ عَنْ الْمُكَاتِبِ إلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: عِتْقُ الشَّرِيكِ مَوْقُوفٌ حَتَّى يُنْظَرَ مَا يَصْنَعُ فِي الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدَّاهَا، عَتَقَ، وَكَانَ الْمُكَاتِبُ ضَامِنًا لَقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْمُكَاتِبِ. وَإِنْ عَجَزَ، سَرَى عِتْقُ الشَّرِيكِ، وَضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِلْمُكَاتِبِ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ كُلُّهُ لَهُ. وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَلَا يُجَوِّزُ كِتَابَةَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ شَرِيكُهُ، فَيَكُونَ فِيهِ قَوْلَانِ، فَإِذَا كَاتَبَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ فَهَلْ يَسْرِي فِي الْحَالِ، أَوْ يَقِفُ عَلَى الْعَجْزِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ» . وَهَذَا دَاخِلٌ فِي عُمُومِهِ، وَلِأَنَّهُ عِتْقٌ لَجُزْءٍ مِنْ الْعَبْدِ مُوسِرٍ، غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَسَرَى إلَى بَاقِيهِ، كَمَا لَوْ كَانَ قِنًّا، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى السِّرَايَةِ مُتَحَقِّقٌ، وَالْمَانِعُ مِنْهَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مَانِعًا؛ فَإِنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا أَصْلَ لَهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُفْضِي إلَى إبْطَالِ الْوَلَاءِ. قُلْنَا: إذَا كَانَ الْعِتْقُ يُؤَثِّرُ فِي إبْطَالِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ الْمُسْتَقِرِّ، الَّذِي الْوَلَاءُ مِنْ بَعْضِ آثَارِهِ، فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَقْلِ الْوَلَاءِ بِمُفْرَدِهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ أَوْلَادٌ مِنْ مُعْتَقَةِ قَوْمٍ، نَقَلَ وَلَاءَهُمْ إلَيْهِ، فَإِذَا نَقَلَ وَلَاءَهُمْ الثَّابِتَ بِإِعْتَاقِ غَيْرِهِمْ، فَلَأَنْ يَنْقُلَ وَلَاءً لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ بِإِعْتَاقِ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ نَقَلَ الْوَلَاءَ ثَمَّ عَمَّنْ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ عِوَضًا، فَلَأَنْ يَنْقُلَهُ بِالْعِوَضِ أَوْلَى، فَانْتِقَالُ الْوَلَاءِ فِي مَوْضِعِ جَرِّ الْوَلَاءِ، يُنَبِّهُ عَلَى سِرَايَةِ الْعِتْقِ. وَانْتِقَالِ الْوَلَاءُ إلَى الْمُعْتِقِ؛ لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّ الْوَلَاءَ ثَمَّ ثَابِتٌ، وَهَا هُنَا بِعَرَضِ الثُّبُوتِ. وَالثَّانِي، أَنَّ النَّقْلَ حَصَلَ ثَمَّ بِإِعْتَاقِ غَيْرِهِ، وَهَا هُنَا بِإِعْتَاقِهِ.