الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّالِثُ، أَنَّ الزَّانِيَ لَوْ تَابَ، لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَهُوَ الَّذِي فَعَلَ الْفِعْلَ الْقَبِيحَ، فَإِذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَعَ مَا ذَكَرُوهُ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ وَلَدَهُ مِنْ وِزْرِهِ أَكْثَرُ مِمَّا لَزِمَهُ، وَمَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ، مَعَ أَنَّ وَلَدَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ وِزْرِهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَوَلَدُ الزِّنَى لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يَسْتَوْجِبُ بِهِ حُكْمًا. .
[مَسْأَلَة شَهَادَة الْقَاذِفُ]
(8397)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا تَابَ الْقَاذِفُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْقَاذِفَ إنْ كَانَ زَوْجًا، فَحَقَّقَ قَذْفَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لِعَانٍ، أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، فَحَقَّقَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَقْذُوفِ، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقَذْفِهِ فِسْقٌ، وَلَا حَدٌّ، وَلَا رَدُّ شَهَادَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْ قَذْفَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، تَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ بِفِسْقِهِ، وَرَدُّ شَهَادَتِهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] . فَإِنْ تَابَ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ، وَزَالَ الْفِسْقُ، بِلَا خِلَافٍ. وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَنَا.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتَبَةَ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْبَتِّيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عُبِدَ الْبَرِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةَ.
وَقَالَ شُرَيْحٌ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا جُلِدَ، وَإِنْ تَابَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْجَلْدِ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ. فَالْخِلَافُ مَعَهُ فِي فَصْلَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ عِنْدَنَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ بِالْقَذْفِ إذَا لَمْ يُحَقِّقْهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، لَا تَسْقُطُ إلَّا بِالْجَلْدِ. وَالثَّانِي، أَنَّهُ إذَا تَابَ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ جُلِدَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لَا تُقْبَلُ. وَتَعَلَّقَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] .
. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلَا مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَامِ» . وَاحْتَجَّ فِي الْفَصْلِ الْآخَرِ بِأَنَّ الْقَذْفَ قَبْلَ حُصُولِ الْجَلْدَ يَجُوزُ أَنْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ، فَلَا يَجِبُ بِهِ التَّفْسِيقُ.
وَلَنَا، فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ، رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِأَبِي بَكْرَةَ، حِينَ شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: تُبْ، أَقْبَلْ شَهَادَتَك. وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ مُنْكِرٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ؛ أَبُو بَكْرَةَ، وَنَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ، وَنَكَلَ زِيَادٌ، فَجَلَدَ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ، وَقَالَ لَهُمْ: تُوبُوا، تُقْبَلْ شَهَادَتُكُمْ. فَتَابَ رَجُلَانِ، وَقَبِلَ عُمَرُ شَهَادَتَهُمَا، وَأَبِي أَبُو بَكْرَةَ، فَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ. وَكَانَ قَدْ عَادَ مِثْلَ النَّصْلِ مِنْ الْعِبَادَةِ. وَلِأَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، كَالتَّائِبِ مِنْ الزِّنَى، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الزِّنَى أَعْظَمُ مِنْ الْقَذْفِ بِهِ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَسَائِرُ الذُّنُوبِ، إذَا تَابَ فَاعِلُهَا، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، فَهَذَا أَوْلَى.
وَأَمَّا الْآيَةُ، فَهِيَ حُجَّةٌ لَنَا، فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى التَّائِبِينَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] . وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ:{إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] فَاقْبَلُوا شَهَادَتَهُمْ، وَلَيْسُوا بِفَاسِقِينَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا يَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي تَلِيه؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْجَلْدِ. قُلْنَا: بَلْ يَعُودُ إلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمَلَ مَعْطُوفٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ، وَهِيَ لِلْجَمْعِ تَجْعَلُ الْجُمَلَ كُلَّهَا كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، فَيَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى جَمِيعِهَا، إلَّا مَا مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ، وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» . عَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ جَمِيعًا، وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُغَايِرُ مَا قَبْلَهُ، فَعَادَ إلَى الْجُمَلِ الْمَعْطُوفِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ، كَالشَّرْطِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَعَبْدُهُ حُرٌّ، إنْ لَمْ يَقُمْ.
عَادَ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا، كَذَا الِاسْتِثْنَاءُ، بَلْ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى رَدِّ الشَّهَادَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَة هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، فَيَكُونُ هُوَ الْحُكْمَ، وَالتَّفْسِيقُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ وَالتَّعْلِيلِ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ، فَعَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ، أَوْلَى مِنْ رَدِّهِ إلَى التَّعْلِيلِ، وَحَدِيثُهُمْ ضَعِيفٌ، يَرْوِيه الْحُجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَرْفَعْهُ مَنْ رِوَايَتِهِ حُجَّةٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ، وَلَمْ تُذْكَرْ فِيهِ