الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِذَلِكَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ، ثَبَتَ قَتْلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مُوجَبُهُ الْمَالُ، وَلَمْ يَثْبُتْ قَتْلُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ مُوجَبُهُ الْقِصَاصُ، فَهُمَا كَالْجِنَايَتَيْنِ الْمُفْتَرِقَتَيْنِ.
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عِنْدَهُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ مُوجَبُهَا الْمَالَ أَوْ غَيْرَهُ. وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْهُ وَغَصَبَهُ مَالًا، فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَا سَرَقَ مِنْهُ وَلَا غَصَبَهُ، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ شَهِدَا بِالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ، أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ، اسْتَحَقَّ الْمَسْرُوقَ وَالْمَغْصُوبَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِبَيِّنَةِ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِمِثْلِهَا، وَلَمْ يَثْبُتْ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ فِي الْمَالِ دُونَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. فِي هَذَا الْفَصْلِ كَمَذْهَبِنَا، إلَّا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ عَنْ أَصْحَابِنَا.
[فَصْل ادَّعَى جَارِيَةً فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ]
(8343)
فَصْلٌ: وَلَوْ ادَّعَى جَارِيَةً فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ، وَأَنَّ ابْنَهَا ابْنُهُ مِنْهَا، وُلِدَ فِي مِلْكِهِ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ حُكِمَ لَهُ بِالْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لَهُ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ وَطْأَهَا وَإِجَارَتَهَا وَتَزْوِيجَهَا، وَيَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَنْفُذُ فِي مِلْكِهِ، وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي نَسَبَهُ، وَالنَّسَبُ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ وَيَدَّعِي حُرِّيَّتَهُ أَيْضًا، فَعَلَى هَذَا يُقَرُّ الْوَلَدُ فِي يَدِ الْمُنْكِرِ مَمْلُوكًا لَهُ.
وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: يَأْخُذُهَا وَوَلَدَهَا، وَيَكُونُ ابْنَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ الْعَيْنُ ثَبَتَ لَهُ نَمَاؤُهَا، وَالْوَلَدُ نَمَاؤُهَا. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهَا عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ، كَقَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْوَلَدَ مِلْكًا، وَإِنَّمَا يَدَّعِي حُرِّيَّتَهُ وَنَسَبَهُ، وَهَذَانِ لَا يَثْبُتَانِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ، فَيَبْقَيَانِ عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ خَالِع امْرَأَتَهُ فَأَنْكَرَتْ]
(8344)
فَصْلٌ: وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ خَالَعَ امْرَأَتَهُ، فَأَنْكَرَتْ، ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ يَمِينِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمَالَ الَّذِي خَالَعَتْ بِهِ، وَإِنْ ادَّعَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ مِنْهُ إلَّا الْفَسْخَ وَخَلَاصَهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ.
[مَسْأَلَة شَهَادَةِ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ]
(8345)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَيُقْبَلُ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، مِثْلُ الرَّضَاعِ، وَالْوِلَادَةِ، وَالْحَيْضِ، وَالْعِدَّةِ، وَمَا أَشْبَهَهَا، شَهَادَةُ امْرَأَةٍ عَدْلٍ)
لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ فِي الْجُمْلَةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَاَلَّذِي تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَتُهُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ؛ الْوِلَادَةُ، وَالِاسْتِهْلَالُ، وَالرَّضَاعُ، وَالْعُيُوبُ تَحْتَ الثِّيَابِ كَالرَّتَقِ وَالْقَرَنِ وَالْبَكَارَةِ وَالثِّيَابَةِ وَالْبَرَصِ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ عَلَى الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ مَحَارِمُ الْمَرْأَةِ مِنْ الرِّجَالِ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِالنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ، كَالنِّكَاحِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ:«تَزَوَّجْت أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ، فَأَتَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. فَأَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا كَاذِبَةٌ. قَالَ: كَيْفَ، وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى عَوْرَةٍ لِلنِّسَاءِ فِيهَا مَدْخَلٌ فَقُبِلَ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ، كَالْوِلَادَةِ، وَتُخَالِفُ الْعَقْدَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ لَا تُقْبَلُ فِي الِاسْتِهْلَالِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ.
وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حَالَ الْوِلَادَةِ، فَيَتَعَذَّرُ حُضُورُ الرِّجَالِ، فَأَشْبَهَ الْوِلَادَةَ نَفْسَهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، رحمه الله، أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. إلَّا أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ. وَأَجَازَهُ شُرَيْحٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَحَمَّادٌ. (8346) فَصْلٌ: إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ. فَإِنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ. وَقَالَ طَاوُسٌ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ فِي الرَّضَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ سَوْدَاءَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا تُقْبَلُ فِيهِ إلَّا امْرَأَتَانِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ شُبْرُمَةَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِنْسٍ يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ كَفَى فِيهِ اثْنَانِ، كَالرِّجَالِ، وَلِأَنَّ الرِّجَالَ أَكْمَلُ مِنْهُنَّ عَقْلًا، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا اثْنَانِ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: يَكْفِي ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ قُبِلَ فِيهِ النِّسَاءُ، كَانَ الْعَدَدُ ثَلَاثَةً، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي وِلَادَةِ الزَّوْجَاتِ دُونَ وِلَادَةِ الْمُطَلَّقَةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا الْحُرِّيَّةُ، فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهَا الْوَاحِدَةُ، كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ» .