الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الْخَبَرُ عَنْ عَلِيٍّ إنْ صَحَّ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّزْوِيجَ إلَى الشَّاهِدَيْنِ، لَا إلَى حُكْمِهِ، وَلَمْ يُجِبْهَا إلَى التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ فِيهِ طَعْنًا عَلَى الشُّهُودِ. فَأَمَّا اللِّعَانُ، فَإِنَّمَا حَصَلْت الْفُرْقَةُ بِهِ، لَا بِصِدْقِ الزَّوْجِ، وَلِهَذَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ، لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِذَا شَهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ بِنِكَاحٍ، وَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ، وَلَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ، وَيَلْزَمُهَا فِي الظَّاهِرِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مَا أَمْكَنَهَا، فَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ، فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ دُونَهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا الرَّجُلُ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ. وَقِيلَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُخْتَلَفٌ فِي حِلِّهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: تَحِلُّ لِزَوْجٍ ثَانٍ، غَيْرَ أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ النِّكَاحُ.
وَلَنَا، أَنَّ هَذَا يَقْضِي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَطْءِ لِلْمَرْأَةِ مِنْ اثْنَيْنِ، أَحَدُهُمَا يَطَؤُهَا بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، وَالْآخَرُ، بِحُكْمِ الْبَاطِنِ. وَهَذَا فَسَادٌ، فَلَا يُشْرَعُ، وَلِأَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ لِهَذَا الَّذِي قَامَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ، فِي قَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، فَلَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُهَا لِغَيْرِهِ، كَالْمُتَزَوِّجَةِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ.
وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً أُخْرَى، مِثْلَ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُزِيلُ الْفُسُوخَ وَالْعُقُودَ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ.
[فَصْلٌ وَإِذَا اسْتَعْدَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ إلَى الْحَاكِمِ]
(8243)
فَصْل: وَإِذَا اسْتَعْدَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ إلَى الْحَاكِمِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْدِيَهُ، وَيَسْتَدْعِيَ خَصْمَهُ، سَوَاءٌ عَلِمَ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعْدِي مِمَّنْ يُعَامِلُ الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَوْ لَا يُعَامِلُهُ، كَالْفَقِيرِ يَدَّعِي عَلَى ذِي ثَرْوَةٍ وَهَيْئَةٍ.
نَصَّ عَلَى هَذَا، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فِي الرَّجُلِ يَسْتَعْدِي، عَلَى الْحَاكِمِ، أَنَّهُ يُحْضِرُهُ وَيَسْتَحْلِفُهُ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ تَضْيِيعًا لِلْحُقُوقِ، وَإِقْرَارًا لِلظُّلْمِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ عَلَى مَنْ هُوَ أَرْفَعُ مِنْهُ بِغَصْبٍ، أَوْ يَشْتَرِي مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يُوَفِّيهِ، أَوْ يُودِعُهُ شَيْئًا، أَوْ يُعِيرُهُ إيَّاهُ فَلَا يَرُدُّهُ، وَلَا تُعْلَمُ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَعْدُ عَلَيْهِ، سَقَطَ حَقُّهُ، وَهَذَا أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ، فَإِنَّهُ لَا نَقِيصَةَ فِيهِ، وَقَدْ حَضَرَ عُمَرُ وَأُبَيُّ عِنْدَ زَيْدٍ، وَحَضَرَ هُوَ وَآخَرُ عِنْدَ شُرَيْحٍ، وَحَضَرَ عَلِيٌّ عِنْدَ شُرَيْحٍ وَحَضَرَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ رَجُلٍ وَلَدِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَسْتَدْعِيهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً، وَيَتَبَيَّنَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا.
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ فِي ادِّعَائِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ تَبْذِيلَ أَهْلِ الْمُرُوءَاتِ، وَإِهَانَةً لِذَوِي الْهَيْئَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يَشَاءُ أَحَدٌ أَنْ يَبْذُلَهُمْ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا فَعَلَ، وَرُبَّمَا فَعَلَ هَذَا مَنْ لَا حَقَّ لَهُ لِيَفْتَدِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ حُضُورِهِ وَشَرِّ خَصْمِهِ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ، وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّ ضَرَرَ تَضْيِيعِ الْحَقِّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا. وَلِلْمُسْتَدْعَى عَلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَنْ كَرِهَ الْحُضُورَ.
وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَدْعَى عَلَيْهِ امْرَأَةً
نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةً، وَهِيَ الَّتِي تَبْرُزُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الرَّجُلِ. وَإِنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً، وَهِيَ الَّتِي لَا تَبْرُزُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا، أُمِرَتْ بِالتَّوْكِيلِ. فَإِنْ تَوَجَّهْت الْيَمِينُ عَلَيْهَا، بَعَثَ الْحَاكِمُ أَمِينًا مَعَهُ شَاهِدَانِ، فَيَسْتَحْلِفُهَا بِحَضْرَتِهِمَا، فَإِنْ أَقَرَّتْ، شَهِدَا عَلَيْهَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْحَاكِمَ يَبْعَثُ مَنْ يَقْضِيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَصْمِهَا فِي دَارِهَا.
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَبَعَثَ إلَيْهَا وَلَمْ يَسْتَدْعِهَا. وَإِذَا حَضَرُوا عِنْدَهَا، كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ سِتْرٌ تَتَكَلَّمُ مِنْ وَرَائِهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ لِلْمُدَّعِي أَنَّهَا خَصْمُهُ، حَكَمَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ، جِيءَ بِشَاهِدَيْنِ مِنْ ذَوِي رَحِمِهَا، يَشْهَدَانِ أَنَّهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهَا، ثُمَّ يُحْكَمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، الْتَحَفَتْ بِجِلْبَابِهَا، وَأُخْرِجَتْ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى، إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، وَإِذَا كَانَتْ خَفِرَةً، مَنَعَهَا الْحَيَاءُ مِنْ النُّطْقِ بِحُجَّتِهَا، وَالتَّعْبِيرِ عَنْ نَفْسِهَا، سِيَّمَا مَعَ جَهْلِهَا بِالْحُجَّةِ، وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهَا بِالشَّرْعِ وَحُجَجِهِ. (8244) فَصْلٌ: وَلَا يَخْلُو الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا؛ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَإِنْ شَاءَ الْحَاكِمُ بَعَثَ مَعَ الْمُسْتَعِدِّي عَوْنًا يُحْضِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ بَعَثَ مَعَهُ قِطْعَةً مِنْ شَمْعٍ أَوْ طِينٍ مَخْتُومًا بِخَاتَمِهِ، فَإِذَا بَعَثَ مَعَهُ خَتْمًا، فَعَادَ فَذَكَرَ أَنَّهُ امْتَنَعَ، أَوْ كَسَرَ الْخَتْمَ، بَعَثَ إلَيْهِ عُيُونًا، فَإِنْ امْتَنَعَ، أَنْفَذَ صَاحِبَ الْمَعُونَةِ فَأَحْضَرَهُ، فَإِذَا حَضَرَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالِامْتِنَاعِ، عَزَّرَهُ إنْ رَأَى ذَلِكَ، بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ، تَأْدِيبًا لَهُ إمَّا بِالْكَلَامِ وَكَشْفِ رَأْسِهِ، أَوْ بِالضَّرْبِ أَوْ بِالْحَبْسِ، فَإِنْ اخْتَبَأَ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ ثَلَاثًا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ سَمَّرَ بَابَهُ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، وَيَجْمَعُ أَمَاثِلَ جِيرَانِهِ وَيُشْهِدُهُمْ عَلَى إعْذَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَسَأَلَ الْمُدَّعِي أَنْ يُسَمَّرَ عَلَيْهِ مَنْزِلُهُ، وَيَخْتِمَ عَلَيْهِ.
وَتَقَرَّرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ الْمَنْزِلَ مَنْزِلُهُ، سَمَّرَهُ أَوْ خَتَمَهُ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ، بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ، أَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَ فُلَانٍ، أَقَامَ عَنْهُ وَكِيلًا، وَحَكَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ، أَقَامَ عَنْهُ وَكِيلًا، وَسَمِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ كَمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ، وَقَضَى حَقَّهُ مِنْ مَالِهِ إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا.
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ. حَكَاهُ عَنْهُمْ أَحْمَدُ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا، وَلَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، فَكَانَ أَحْمَدُ يُنْكِرُ التَّهَجُّمَ عَلَيْهِ، وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ حَتَّى يُظْهِرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ عَلِمَ لَهُ مَكَانًا، أَمَرَ بِالْهُجُومِ عَلَيْهِ، فَيَبْعَثُ خُصْيَانًا أَوْ غِلْمَانًا لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ، وَثِقَاتٍ مِنْ النِّسَاءِ مَعَهُمْ ذَوُو عَدْلٍ مِنْ الرِّجَالِ، فَيُدْخِلُ النِّسَاءَ وَالصَّبِيَّانِ، فَإِذَا حَصَلُوا فِي صَحْنِ الدَّارِ دَخَلَ الرِّجَالُ، وَيُؤْمَرُ الْخُصْيَانُ بِالتَّفْتِيشِ، وَيَتَفَقَّدُ النِّسَاءُ النِّسَاءَ، فَإِنْ ظَفِرُوا بِهِ، أَخَذُوهُ فَأَحْضَرُوهُ.
وَإِنْ اسْتَعْدَى عَلَى غَائِبٍ