الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقُوِّمَ عَلَيْهِ، وَلَا يَقَعُ إعْتَاقُ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ، سَبَقَتْ، فَمَنَعَتْ عِتْقَ الشَّرِيكِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ عِتْقَ نَصِيبِهِ سَبَبٌ لِلسِّرَايَةِ، وَشَرْطٌ لِعِتْقِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ، فَلَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؛ لِوُجُودِهِمَا فِي حَالٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ يُرَجَّحُ وُقُوعُ عِتْقِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ، وَالسِّرَايَةُ تَقَعُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَكَانَ نُفُوذُ عِتْقِ الشَّرِيكِ أَوْلَى. وَلِأَنَّ سِرَايَةَ الْعِتْقِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِكَوْنِهَا إتْلَافًا لِمِلْكِ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَإِلْزَامًا لِلْمُعْتِقِ غَرَامَةً لَمْ يَلْتَزِمْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِمَصْلَحَةِ تَكْمِيلِ الْعِتْقِ، فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ بِإِعْتَاقِ الْمَالِكِ، كَانَ أَوْلَى. وَإِنْ قَالَ: إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك، فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَ إعْتَاقِكَ نَصِيبَك. وَقَعَا مَعًا، إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ. وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنْ يَعْتِقَ كُلُّهُ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَلَا يَقَعَ إعْتَاقُ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ فِي زَمَنٍ مَاضٍ.
وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، مِمَّنْ قَالَ بِسِرَايَةِ الْعِتْقِ، أَنْ لَا يَصِحَّ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عِتْقِهِ نَصِيبَهُ تَقَدُّمُ عِتْقِ الشَّرِيكِ وَسِرَايَتُهُ، فَيَمْتَنِعُ إعْتَاقُ نَصِيبِ هَذَا، وَيَمْتَنِعُ عِتْقُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَيُفْضِي إلَى الدَّوْرِ، فَيَمْتَنِعُ الْجَمِيعُ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ الْمُعْسِرُ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ]
(8583)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَأَعْتَقَهُ الثَّانِي وَهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ، وَكَانَ ثُلُثُ وَلَائِهِ لِلْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ، وَثُلُثَاهُ لِلْمُعْتِقِ الثَّانِي) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُعْسِرَ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ، اسْتَقَرَّ فِيهِ الْعِتْقُ، وَلَمْ يَسْرِ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، بَلْ يَبْقَى عَلَى الرِّقِّ، فَإِذَا أَعْتَقَ الثَّانِي نَصِيبَهُ، وَهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا بَقِيَ مِنْهُ؛ نَصِيبُهُ بِالْمُيَاسَرَةِ، وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ الثَّالِثِ بِالسِّرَايَةِ، وَصَارَ لَهُ ثُلُثَا وَلَائِهِ، وَلِلْأَوَّلِ ثُلُثُهُ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَدَاوُد، وَابْنِ جَرِيرٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ مِنْ قَوْلِهِمَا فِيمَا مَضَى.
وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا أُعْتِقَ نِصْفُهُ، فَكَانَ عُرْوَةُ يُشَاهِرُهُ؛ شَهْرَ عَبْدٍ، وَشَهْرَ حُرٍّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْمُعْسِرَ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، اسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ حِصَّةِ الْبَاقِينَ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، فَيَعْتِقَ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا اسْتَسْعَى الْعَبْدُ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةُ: فَإِذَا اسْتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، ثُمَّ أَيْسَرَ مُعْتَقُهُ، رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ أَلْجَأَهُ إلَى هَذَا، وَكَلَّفَهُ إيَّاهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: يَعْتِقُ جَمِيعُهُ، وَتَكُونُ قِيمَةُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَإِذَا وُجِدَ فِي الْبَعْضِ سَرَى إلَى جَمِيعِهِ، كَالطَّلَاقِ، وَيَلْزَمُ الْمُعْتِقَ
الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ بِإِعْتَاقِهِ، فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ فِي ذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِقَتْلِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَسْرِي الْعِتْقُ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِهِ إعْتَاقُ النَّصِيبِ الْبَاقِي، فَيُتَخَيَّرُ شَرِيكُهُ بَيْنَ إعْتَاقِ نَصِيبِهِ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَسْعِي الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ، فَإِذَا أَدَّاهُ إلَيْهِ عَتَقَ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا.
وَلَنَا، حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ بِالْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ إعْتَاقٌ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، كَالْكِتَابَةِ، وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِسْعَاءِ إضْرَارًا بِالشَّرِيكِ وَالْعَبْدِ؛ أَمَّا الشَّرِيكُ فَإِنَّا نُحِيلُهُ عَلَى سِعَايَةٍ لَعَلَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا، وَإِنْ حَصَلَ فَرُبَّمَا يَكُونُ يَسِيرًا مُتَفَرِّقًا، وَيَفُوتُ عَلَيْهِ مِلْكُهُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ، فَإِنَّا نُجْبِرُهُ عَلَى سِعَايَةٍ لَمْ يُرِدْهَا، وَكَسْبٍ لَمْ يَخْتَرْهُ، وَهَذَا ضَرَرٌ فِي حَقِّهِمَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: أَلَيْسَ إنَّمَا أُلْزِمَ الْمُعْتِقُ ثَمَنَ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ، لِئَلَّا يَدْخُلَ عَلَى شَرِيكِهِ ضَرَرٌ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالسَّعْيِ، وَإِعْطَائِهِ كُلَّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمَلُّكِهِ، فَأَيُّ ضَرَرٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا، فَأَمَّا حَدِيثُ الِاسْتِسْعَاءِ، فَقَالَ الْأَثْرَمُ: ذَكَرَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، فَطَعَنَ فِيهِ، وَضَعَّفَهُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَيْسَ فِي الِاسْتِسْعَاءِ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوِيه ابْنُ أَبِي عُرْوَةَ.
وَأَمَّا شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ. فَلَمْ يَذْكُرَاهُ. وَحَدَّثَ بِهِ مَعْمَرٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ السِّعَايَةَ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَمَّامٌ أَيْضًا لَا يَقُولُهُ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: وَضَعَّفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثَ سَعِيدٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَصِحُّ حَدِيثُ الِاسْتِسْعَاءِ. وَذَكَرَ هَمَّامٌ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ مِنْ فُتْيَا قَتَادَةَ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلِ قَتَادَةَ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُورُ عَلَى قَتَادَةَ، وَقَدْ اتَّفَقَ شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ، وَهَمَّامٌ، عَلَى تَرْكِ ذِكْرِهِ، وَهُمْ الْحُجَّةُ فِي قَتَادَةَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ فِيهِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ إذَا خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ. فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُ صَاحِبَيْهِ الْأَخِيرُ، فَلَا شَيْءَ مَعَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهِ مِنْ حَدِيثٍ قَوِيٍّ وَلَا ضَعِيفٍ، بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ رَأْيٍ وَتَحَكُّمٍ يُخَالِفُ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا.