الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَنَا، أَنَّ الْمَنْذُورَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَشْرُوعِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ حَاضَتْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، لَزِمَهَا الْقَضَاءُ، فَكَذَلِكَ الْمَنْذُورُ.
[فَصْلٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ فِي عَامِي هَذَا فَلَمْ يَحُجّ لَعُذْرٍ]
(8209)
فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ فِي عَامِي هَذَا. فَلَمْ يَحُجَّ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَعْذُورًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، لِعَدَمِ أَحَدِ الشَّرَائِطِ السَّبْعَةِ، أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ سُلْطَانٌ أَوْ عَدُوٌّ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ حَدَثَ بِهِ مَرَضٌ، أَوْ أَخْطَأَ عَدَدًا، أَوْ نَسِيَ، أَوْ تَوَانَى، قَضَاهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ فَاتَهُ الْحَجُّ الْمَنْذُورُ، فَلَزِمَهُ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ مَرِضَ، وَلِأَنَّ الْمَنْذُورَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَشْرُوعِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ فَاتَهُ الْمَشْرُوعُ، لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ، فَكَذَلِكَ الْمَنْذُورُ.
[فَصْلٌ نَذَرَ صَوْمِ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ أَوْ الْحَجَّ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ وَفَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَهُ]
(8210)
فَصْلٌ: وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ الْحَجَّ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْزِئُهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي وَقْتٍ، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ. وَلَنَا، أَنَّ الْمَنْذُورَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَشْرُوعِ، وَلَوْ صَامَ قَبْلَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِئْهُ، فَكَذَلِكَ إذَا صَامَ الْمَنْذُورَ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَنْذُورِ فِي وَقْتِهِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ أَصْلًا.
[مَسْأَلَةٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ]
(8211)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ، صَامَ عَنْهُ وَرَثَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مَنْ نَذَرَ طَاعَةً) يَعْنِي مَنْ نَذَرَ حَجًّا، أَوْ صِيَامًا، أَوْ صَدَقَةً، أَوْ عِتْقًا، أَوْ اعْتِكَافًا، أَوْ صَلَاةً، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ، وَمَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ، فَعَلَهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ.
وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الصَّلَاةِ: لَا يُصَلَّى عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهَا لَا بَدَلَ لَهَا بِحَالٍ، وَأَمَّا سَائِرُ الْأَعْمَالِ فَيَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ الْوَلِيُّ عَنْهُ فِيهَا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الصِّلَةِ لَهُ وَالْمَعْرُوفِ. وَأَفْتَى بِذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي امْرَأَةٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى قُبَاءً، فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ، أَنْ تَمْشِيَ ابْنَتُهَا عَنْهَا.
وَرَوَى سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ مِنْ اعْتِكَافٍ. قَالَ: صُمْ عَنْهَا، وَاعْتَكِفْ عَنْهَا.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ عَائِشَةَ اعْتَكَفَتْ عَنْ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ مَا مَاتَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَمْشِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي، وَلَا يَصُومُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَعْمَالِ الْبَدَنِ، قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقْضِي عَنْهُ الْحَجَّ، وَلَا يَقْضِي الصَّلَاةَ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا يَقْضِي الصَّوْمَ، فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَيُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى وَلِيِّهِ، بِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْوَلِيِّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَقًّا فِي الْمَالِ، وَيَكُونَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ، وَأَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، بِدَلِيلِ قَرَائِنَ فِي الْخَبَرِ؛ مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ مَا لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً يُقْضَى بِهَا، وَمِنْهَا أَنَّ السَّائِلَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ .
وَجَوَابُهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مُقْتَضَى سُؤَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَضَاهُ السُّؤَالَ عَنْ الْإِبَاحَةِ، فَالْأَمْرُ فِي جَوَابِهِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ، وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عَنْ الْإِجْزَاءِ، فَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ، كَقَوْلِهِمْ:«أَنُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ» . وَإِنْ كَانَ سُؤَالُهُمْ عَنْ الْوُجُوبِ فَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، كَقَوْلِهِمْ:«أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» . وَسُؤَالُ السَّائِلِ فِي مَسْأَلَتِنَا كَانَ عَنْ الْإِجْزَاءِ، فَأَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْفِعْلِ يَقْتَضِيهِ لَا غَيْرُ.
وَلَنَا، عَلَى جَوَازِ الصِّيَامِ عَنْ الْمَيِّتِ، مَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» .
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، كَانَ يُؤَدَّى ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَصُومِي عَنْ أُمِّك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ «سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ اسْتَفْتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ، فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدُ» . وَعَنْهُ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ. فَقَالَ النَّبِيُّ