الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسَاكَنَةُ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْكَبَائِر
(د)، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ جَامَعَ (1) الْمُشْرِكَ (2) وَسَكَنَ مَعَهُ (3) فَإِنَّهُ مِثْلُهُ "(4)
الشرح (5)
(1) أَيْ: اِجْتَمَعَ مَعَهُ وَوَافَقَهُ. عون المعبود - (ج 6 / ص 242)
(2)
الْمُرَاد: الْكُفَّار، وَنَصَّ عَلَى الْمُشْرِكِ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ حِينَئِذٍ ، وَالْمَعْنَى: مَنْ اِجْتَمَعَ مَعَ الْمُشْرِكِ ، وَوَافَقَهُ وَرَافَقَهُ ، وَمَشَى مَعَهُ. عون المعبود (6/ 242)
(3)
(وَسَكَنَ مَعَهُ) أَيْ: فِي دِيَارِ الْكُفْر.
(4)
(د) 2787 ، (طب) 7ص251ح7023 ، صَحِيح الْجَامِع: 6186، الصَّحِيحَة: 2330
(5)
أَيْ: مِثْلُه مِنْ بَعْضِ الْوُجُوه ، لِأَنَّ الْإِقْبَالَ عَلَى عَدُوِّ اللهِ وَمُوَالَاتِه تُوجِبُ إِعْرَاضَهُ عَنْ الله، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ، تَوَلَّاهُ الشَّيْطَان ، وَنَقَلَهُ إِلَى الْكُفْر ، فَزَجَرَ الشَّارِعُ عَنْ مُخَالَطَتِهِ بِهَذَا التَّغْلِيظِ الْعَظِيم ، حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَاد ، {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِلَةِ أَرْحَامِ مَنْ لَهُمْ مِنْ الْكَافِرِينَ ، وَلَا مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا بِغَيْرِ سُكْنَى فِيمَا يَجْرِي مَجْرَى الْمُعَامَلَةِ ، مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ ، وَأَخْذٍ وَعَطَاء ، وَفِي الزُّهْدِ لِأَحْمَدَ عَنْ اِبْن دِينَار " أَوْحَى اللهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاء: قُلْ لِقَوْمِكِ لَا تَدْخُلُوا مَدَاخِلَ أَعْدَائِي ، وَلَا تَلْبَسُوا مُلَابِسَ أَعْدَائِي ، وَلَا تَرْكَبُوا مَرَاكِبَ أَعْدَائِي ، فَتَكُونُوا أَعْدَائِي كَمَا هُمْ أَعْدَائِي ". كَذَا فِي فَتْح الْقَدِير.
وَقَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي (الْكَوْكَبِ الْمُنِير شَرْح الْجَامِع الصَّغِير): وَفِيهِ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِظْهَارِ الدِّينِ ، أَسِيرًا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ مَقْهُورٌ مُهَانٌ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ اِنْكَفُّوا عَنْهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَأمَنُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُؤْذُوهُ ، أَوْ يَفْتِنُوهُ عَنْ دِينِه ، وَحَقٌّ عَلَى الْمُسْلِم أَنْ يَكُونَ مُسْتَظْهِرًا بِأَهْلِ دِينِه ، وَفِي حَدِيثِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِك " وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيث. اِنْتَهَى كَلَامُه.
قَالَ الْإِمَامُ اِبْن تَيْمِيَة: الْمُشَابَهَةُ وَالْمُشَاكَلَةُ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَة ، تُوجِبُ مُشَابَهَةً وَمُشَاكَلَةً فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَة، وَالْمُشَابَهَةُ فِي الْهَدْيِ الظَّاهِر ، تُوجِبُ مُنَاسَبَةً وَائْتِلَافًا ، وَإِنْ بَعُدَ الزَّمَانُ وَالْمَكَان، وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوس، فَمُرَافَقَتُهُمْ وَمُسَاكَنَتُهُمْ وَلَوْ قَلِيلًا ، سَبَبٌ لِنَوْعٍ مَا مِنْ اِنْتِسَابٍ لِأَخْلَاقِهِمْ الَّتِي هِيَ مَلْعُونَة، وَمَا كَانَ مَظِنَّةً لِفَسَادٍ خَفِيّ غَيْرِ مُنْضَبِط ، عُلِّقَ الْحُكْمُ بِهِ وَأُدِيرَ التَّحْرِيمُ عَلَيْهِ، فَمُسَاكَنَتُهُمْ فِي الظَّاهِرِ ، سَبَبٌ وَمَظِنَّة لِمُشَابَهَتِهِمْ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَة ، بَلْ فِي نَفْسِ الِاعْتِقَادَات، فَيَصِيرُ مُسَاكِنُ الْكَافِرِ مِثْلَه.
وَأَيْضًا ، الْمُشَارَكَةُ فِي الظَّاهِرِ تُورِثُ نَوْعَ مَوَدَّةٍ وَمَحَبَّةٍ وَمُوَالَاةٍ فِي الْبَاطِن، كَمَا أَنَّ الْمَحَبَّةَ فِي الْبَاطِنِ تُورِثُ الْمُشَابَهَةَ فِي الظَّاهِر، وَهَذَا مِمَّا يَشْهَدُ بِهِ الْحِسُّ، فَإِنَّ الرَّجُلَيْنِ إِذَا كَانَا مِنْ بَلَدٍ ، وَاجْتَمَعَا فِي دَارِ غُرْبَة ، كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَوَدَّةِ وَالِائْتِلَافِ أَمْرٌ عَظِيمٌ بِمُوجِبِ الطَّبْع ، وَإِذَا كَانَتْ الْمُشَابَهَةُ فِي أُمُورِ دُنْيَوِيَّةٍ تُورِثُ الْمَحَبَّةَ وَالْمُوَالَاة ، فَكَيْف بِالْمُشَابَهَةِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّة؟ ، فَالْمُوَالَاةُ لِلْمُشْرِكِينَ تُنَافِي الْإِيمَانَ ، قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} اِنْتَهَى كَلَامُه.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّم فِي كِتَاب (الْهَدْي النَّبَوِيّ): وَمَنَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ إِقَامَةِ الْمُسْلِمِ بَيْنَ الْمُشْرِكَيْنِ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ بَيْنِهِمْ ، وَقَالَ:" أَنَا بَرِيء مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ "، قِيلَ: يَا رَسُولِ الله وَلِمَ؟ ، قَالَ: لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا " ، وَقَالَ: " مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُه ". عون المعبود - (ج 6 / ص 242)
(س جة)، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا)(1)(حَتَّى يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ")(2)
(1)(س) 2568
(2)
(جة) 2536 ، وحسنه الألباني في الإرواء تحت حديث: 1207
(س حم)، وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ:(أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُبَايِعُ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى أُبَايِعَكَ ، وَاشْتَرِطْ عَلَيَّ ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ)(1)(فَقَالَ: " تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُصَلِّي الصَلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ (2) وَتَنْصَحُ) (3)(الْمُسْلِمِينَ ، وَتُفَارِقُ الْمُشْرِكِين ")(4)
(1)(س) 4177
(2)
قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّمَا اِقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِكَوْنِهِمَا أُمَّيْ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَهُمَا أَهَمُّ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَظْهَرُهَا ، وَلَا يُقَالُ: لَعَلَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ لَمْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ حِينَئِذٍ ، لِأَنَّهُ أَسْلَمَ عَام تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 149)
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: اِقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِشُهْرَتِهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّوْمَ وَغَيْرَه لِدُخُولِ ذَلِكَ فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَة. (فتح - ح57)
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: كَانَتْ مُبَايَعَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ بِحَسَبِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ تَجْدِيدِ عَهْدٍ ، أَوْ تَوْكِيدِ أَمْرٍ، فَلِذَلِكَ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظهمْ.
(3)
(حم) 19188 ، (خ) 3157
(4)
(س) 4177 ، (حم) 19205
(طب هق)، وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" مَنْ أَقَامَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ)(1)(فِي دِيَارِهِمْ)(2)(فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ")(3)
(1)(هق) 17528 ، (طب) 2261
(2)
(طب) 2262
(3)
(هق) 17528، (طب) 2261 ، صَحِيح الْجَامِع: 2718 ، 6073 الصَّحِيحَة: 768
(د)، وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ:" بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ " ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ (1) فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ (2) "، فَقَالُوا: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ، قَالَ:" لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا "(3)
الشرح (4)
(1) أَيْ: نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ السَّاكِنِينَ فِي الْكُفَّارِ ، سَجَدُوا بِاعْتِمَادِ أَنَّ جَيْشَ الْإِسْلَامِ يَتْرُكُونَنَا عَنْ الْقَتْلِ حَيْثُ يَرَوْنَنَا سَاجِدِينَ ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَامَةُ الْإِيمَانِ. تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 276)
(2)
أَيْ: بَيْنَهُمْ.
(3)
(د) 2645 ، (ت) 1604 ، (س) 4780 ، وصححه الألباني في الإرواء: 1207
(4)
مِنْ الرُّؤْيَةِ، يُقَالُ: تَرَاءَى الْقَوْمُ: إِذَا رَأَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، تَرَاءَى الشَّيْءُ: أَيْ ظَهَرَ حَتَّى رَأَيْتُه.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ: يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَيَجِبُ أَنْ يَتَبَاعَدَ مَنْزِلُهُ عَنْ مَنْزِلِ الْمُشْرِكِ، وَلَا يَنْزِلُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي إِنْ أُوقِدَتْ فِيهِ نَارُهُ ، تَلُوحُ وَتَظْهَرُ لِلْمُشْرِكِ إِذَا أَوْقَدَهَا فِي مَنْزِلِهِ، وَلَكِنَّهُ يَنْزِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وهُوَ حَثٌّ عَلَى الْهِجْرَةِ. تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 276)