الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين"(1).
والمراد يوم الجمعة: ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فكل ذلك ظرف لقراءة هذه السورة، وليس ذلك خاصًا بوقت صلاة الجمعة، كما قد يفهمه بعض الناس، فلو قرأها صباحًا أو بعد العصر حصل المقصود إن شاء الله، والله أعلم (2).
وإذا كان لا يحسن القراءة فعليه أن يشتغل بذكر الله تعالى ودعائه، فإن كل ما يقال من الأذكار في غير يوم الجمعة يقال فيه ويزداد استحباب كثرة الذكر فيه على غيره؛ لشرف الوقت.
ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع يوم الجمعة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس رجاء مصادفة ساعة الأجوبة. فقد اختلف فيها على أقوال كثيرة. وفي هذه الساعة ورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه" وأشار بيده يقللها (3).
كما يستحب الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة، وحاضر الصلاة الذي لا يشتغل بالقراءة يحرص على ذلك. وقد ورد عن أوس بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة؛ فإن صلاتكم معروضة علي" قالوا: يا رسول الله، كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ -يقولون: قد بليت- قال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"(4).
ومن الناس من إذا صلى ما كتب له استدعى النعاس حتى والإمام يخطب، وهذا قد حرم نفسه خيرًا كثيرًا، وفوت فضائل عديدة، فليحرص المسلم على دفع النعاس إما براحة قبل مجيئه للجمعة، أو بالقيام من مجلسه. فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم الجمعة فليتحول إلى غيره"(5). والحكمة في الأمر بالتحول أن الحركة تذهب النعاس، ويحتمل أن الحكمة فيه انتقاله من المكان الذي أصابته فيه الغفلة بنومه، والله أعلم (6).
الحكم الخامس الإنصات والاستماع للخطبة
إذا شرع الإمام في الخطبة أقبل عليه بوجهه ولا يستدبره أو يستقبل غير جهته؛ لفعل الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن استقباله تهيؤ لسماع كلامه وسلوك الأدب معه في استماع كلامه، فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه، كان أدعى لفهم موعظته، وموافقته فيما شرع له القيام
(1) أخرجه البيهقي (3/ 249) من طريق الحاكم من رواية نعيم بن حماد، وهو في المستدرك (2/ 368)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. قال الذهبي: (قلت: نعيم ذو مناكير) اهـ. لكنه لم يتفرد به كما ذكر الألباني في الإرواء (3/ 93) نقلًا عن البيهقي. قال الحافظ في تخريج الأذكار: (حديث حسن وهو أقوى ما ورد في سورة الكهف).
(2)
انظر مجموع الفتاوى (24/ 215).
(3)
أخرجه البخاري (893)، ومسلم (852)، وانظر الأذكار للنووي (ص 80).
(4)
رواه أبو داود (1047)، وابن ماجه (1/ 345) وغيرهما وهو حديث صحيح. انظر (فضل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم) للجهضمي بتحقيق الألباني (ص 37).
(5)
مضى تخريجه.
(6)
انظر: نيل الأوطار (3/ 284).
لأجله (1). قال الترمذي: (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم؛ يستحبون استقبال الإمام إذا خطب)(2).
قال ابن القيم: (وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب قائمًا في الجمعة استدار أصحابه إليه بوجوههم، وكان وجهه صلى الله عليه وسلم قبلهم في وقت الخطبة)(3) ومن هنا يتبين أن ما يفعله بعض الناس من الاعتماد على جدار أو عمود مستدبرين القبلة ووجه الخطيب أن هذا خلاف المطلوب، وانظر كيف أذن الشرع للخطيب أن يستدبر القبلة ليواجه المصلين فكيف ينصرف بعض الناس ويستدبر القبلة والخطيب؟! فإذا أقبل على الخطيب أنصت له مستمعًا مستفيدًا. قال ابن القيم:(الإنصات للخطبة إذا سمعها واجب في أصح القولين)(4).
وقد تقدم في حديث سلمان: "ثم ينصت إذا تكلم الإمام" وهو يفيد أن الإنصات من الصفات التي رتبت عليها مغفرة ما بينه وبين الجمعة الأخرى. والمراد: السكوت مطلقًا عن القراءة والذكر والحديث مع غيره، ولا يلزم من تجويز تحية المسجد حال الخطبة -كما تقدم- تجويز الذكر مطلقًا؛ لأن ذلك ثبت بدليل خاص (5).
إن المقصود من خطبة الجمعة وعظ الناس وتذكيرهم، ولا يتم ذلك وغيره من المقاصد إلا بالإنصات للخطيب والإصغاء إليه، والبعد عن العبث بيد أو لحية أو ساعة أو سبحة أو سواك ونحو ذلك مما يمنع الإقبال، ويشعر بالإعراض وعدم الاهتمام.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام"(6).
وعنه أيضًا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مسّ الحصا فقد لغا"(7).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب امرأته -إن كان لها- ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة؛ كانت كفارة لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا"(8). ومعنى (لم يلغ): لم يتكلم ولم يشتغل بغير ما ندب إليه.
قال النووي: (قوله: "من مس الحصا فقد لغا": فيه النهي عن مسّ الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة، والمراد باللغو هنا: الباطل المذموم والمردود)(9).
وقال ابن الأثير: (جعل المسّ كاللغو؛ لأنه يشغله عن سماع الخطبة، كما يشغله الكلام)(10).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب
(1) فتح الباري (2/ 402).
(2)
جامع الترمذي (3/ 28 مع التحفة).
(3)
زاد المعاد (1/ 430).
(4)
زاد المعاد (1/ 377).
(5)
انظر الأجوبة النافعة (ص 59).
(6)
رواه مسلم (857)(26).
(7)
أخرجه مسلم (857)(27).
(8)
رواه أبو داود (347)، وابن خزيمة (1810). قال الألباني: سنده حسن، صحيح أبي داود (1/ 71).
(9)
شرح النووي على مسلم (6/ 396).
(10)
انظر جامع الأصول لابن الأثير (9/ 429).