الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن يسيرة -وكانت من المهاجرات- قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا نساء المسلمات، عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل؛ فإنهن مسؤولات مستنطقات"(1).
ويسن رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة؛ لما ورد عن عمرو بن دينار أن أبا معبد مولى ابن عباس أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره: أن رفع الصوت بالذكر -حين ينصرف الناس من المكتوبة- كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه قال: كنت أعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير (2).
والأصل أن كل إنسان يذكر الله تعالى بمفرده، وأما الذكر الجماعي على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة فهذا وصف يحتاج إلى دليل من كتاب أو سنة؛ لأنه وصف يتعلق بعبادة، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الإحداث والاختراع (3).
وبعد الذكر يقرأ آية الكرسي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}
…
إلى: {وهو العلي العظيم} [البقرة: 255] لحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت"(4)، ثم يقرأ سورة الإخلاص {قُل هُوَ اللهُ أحدٌ} (5) والمعوذتين {قُل أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} و {قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، لما ورد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوّذات دبر كل صلاة (6).
الحكم السادس عشر في الفصل بين الفريضة والنافلة
دلت نصوص الشريعة على أنه ينبغي لمن صلى الفريضة أن يتحول عن مكانه لصلاة النفل إذا كانت النافلة في المسجد، فإن حصل بينهما بكلام كفى، والمراد به: التحدث مع الآخرين؛ لأنه أبلغ في الفصل، وأبعد عن جنس الصلاة. والحال الأول أكمل، وذلك ليحصل تمييز بين الفريضة والنافلة، وهذا مقاصد الشريعة في مشروعية هذا الحكم. ولا فرق في ذلك بين الإمام والمأموم، ولا بين الرجل والمرأة، لعموم الأدلة.
وقد دل على ذلك ما ورد عن عمر بن عطاء أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأل عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت من
= الصلاة" ص (53)، تفسير الطبري (9/ 566)، تحقيق: محمود شاكر، النكت على ابن الصلاح لابن حجر (2/ 691)، فتاوى ابن باز (1/ 186، 187).
(1)
أخرجه أحمد (6/ 371)، وأبو داود (1501)، والترمذي (3635)، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" وانظر: بلوغ الأماني (14/ 221).
(2)
أخرجه البخاري (841)، ومسلم (583)، وانظر: رسالة: "تحقيق الكلام في مشروعية الجهر بالذكر بعد السلام" لابن سحمان رحمه الله.
(3)
انظر: تصحيح الدعاء ص (134).
(4)
أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(100)، وعزاه المنذري في "الترغيب"(2/ 453)، إلى ابن حبان في كتاب الصلاة، والحديث له طرق، وهو حديث صحيح. فانظر: الصحيحة (972).
(5)
ورد ذلك في حديث أبي أمامة المتقدم عند الطبراني في الكبير (8/ 134)، بزيادة (وقل هو الله أحد)، قال المنذري: وإسناده بهذه الزيادة جيد (2/ 453). وكذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 102).
(6)
أخرجه أبو داود (1523)، والنسائي (3/ 58)، والترمذي (2903)، وقال: حديث حسن.
مقامي، فصليت، فلما دخل أرسل إليّ، فقال: لا تعد لما فعلت؛ إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك؛ أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج (1).
قال النووي: (فيه دليل لما قاله أصحابنا: إن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها من موضع الفريضة إلى موضع آخر، وأفضله التحول إلى بيته، وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره، ليكثر مواضع سجوده، ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة، وقوله: "حتى نتكلم" دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام -أيضًا- ولكن بالانتقال أفضل؛ لما ذكرناه، والله أعلم)(2).
وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فقام رجل يصلي، فرآه عمر فقال له: اجلس، فإنما هلك الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحسن ابن الخطاب"(3).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من صلى المكتوبة ثم بدا له أن يتطوع فليتكلم، أو فليمش، وليصلّ أمام ذلك. قال: وقال ابن عباس: إني لأقول للجارية: انظري كم ذهب الليل؟ ما بي إلا أن أفصل بينهما (4).
فهذه الأدلة بينت مسألتين:
الأولى: أن الفصل بين الفريضة والنافلة قد يكون بالزمان، وقد يكون بالتحول من مكان إلى مكان، وقد يكون بالكلام، ففي الحديث الأول الفصل بالتقدم من موضع إلى موضع، وفي الثاني الفصل بالزمان، فإن الظاهر أن عمر رضي الله عنه لم يرد بالفصل فصلًا بالتقدم؛ لأنه قال له: اجلس، ولم يقل: تقدم أو تأخر (5)، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما الفصل بالكلام كما في حديث معاوية -أيضًا- وظاهره أنه لا يحصل الفصل بالذكر بعد الصلاة، وإلا لما احتاج ابن عباس على مخاطبة الجارية (6). ويمكن أن يحمل هذا على الأكمل، والله أعلم.
وأكمل أنواع الفصل أن يتحول الإنسان إلى بيته فيصلي فيه النافلة؛ لما ورد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"(7).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورًا"(8).
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قضى أحدكم في الصلاة في مسجده، فيجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا"(9).
قال القرطبي: (والخير الذي يجعل في البيت بسبب التنقل فيه هو: عمارته بذكر الله، وبطاعته،
(1) أخرجه مسلم (883).
(2)
شرح النووي على مسلم (6/ 420).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 368) بإسناد صحيح، وأخرجه أبو داود (3/ 309 عون) مطولًا، ولم يذكر أنها صلاة العصر.
(4)
أخرجه عبد الرازق (2/ 416) وابن أبي شيبة (1/ 89) وإسناده صحيح.
(5)
انظر: إعلام أهل العصر ص (117).
(6)
انظر: رسالة "حكم الفصل بين الفريضة والنفل" ص (21).
(7)
أخرجه البخاري (731) ومسلم (781).
(8)
أخرجه البخاري (432) ومسلم (777).
(9)
أخرجه مسلم (778).