الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب: فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة ص 122، 123".
- ومن المخالفات أيضًا: ما يقع مع بعض النساء من تأخيرهن الغسل من الحيض إذا طهرت في آخر الوقت.
قال الشيخ محمد بن عثيمين -حفظه الله تعالى-:
…
وأن بعض النساء تطهر في أثناء وقت الصلاة وتؤخر الاغتسال إلى وقت آخر، تقول: إنه لا يمكنها كمال التطهر في هذا الوقت ولكن هذا ليس بحجة، ولا عذر لأنه يمكنها أن تقتصر على أقل الواجب في الغسل وتؤدي الصلاة في وقتها ثم إذا حصل لها وقت سعة تطهرت التطهر الكامل (1).
- تحرج بعض الناس من الصلاة فوق أسطح البيارات:
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -حفظه الله تعالى- عن ذلك؟ فأجاب بما نصه: حكمها -أي الصلاة على أسطح البيارات- الصحة إذا كان المحل طاهرًا في أصح قولي العلماء لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا". متفق على صحته، (الدعوة 1162 في 7/ 3/1409 هـ).
مخالفات الصلاة
- ومن المخالفات أيضًا: الجهر بالنية عند ابتداء الصلاة، وقد تقدم الكلام على هذا في مخالفات الوضوء.
- قول بعض المصلين في دعاء الاسفتاح: "ولا معبود سواك"، وهذه زيادة على السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم.
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يستفتح صلاته بقوله: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك"، أما لفظة:"ولا معبود سواك" فزيادة على كونها لم ترد في الحديث فمعناها خاطئ أيضًا؛ لأن هناك أشياء تعبد من دون الله كما قال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98].
وقال تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60].
وقال تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [يوسف: 40]، والآيات في ذلك كثيرة.
إذا علم ذلك فصواب اللفظة أن يقال: ولا معبود بحق سواك.
- ومن المخالفات أيضًا: رفع الصوت بالقرآن والأذكار في أثناء الصلاة.
قال صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه، فلا ترفعوا أصواتكم بالقرآن فتؤذوا المؤمنين". رواه البغوي وغيره عن أبي سعيد الخدري وغيره.
وقد سئل العلامة الفاضل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله تعالى ورعاه ووفقه لما يحبه ويرضاه- عن حكم رفع الصوت "الجهر" بالقرآن أثناء الصلاة للمأموم يخلف من بجانبه من المأمومين؟
(1) رسالة في الدماء الطبيعية للنساء (ص: 41).
فأجاب -حفظه الله تعالى- بقوله: السنة للمأموم الإخفات لقراءته وسائر أذكاره ودعواته لعدم الدليل على جواز الجهر، ولأن في جهره بذلك تشويشًا على من حوله من المصلين، انتهى جوابه -حفظه الله- كما في كتاب الدعوة.
- ومن المخالفات أيضًا: الاستناد إلى جدار أو عمود ونحو ذلك.
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله تعالى- عن الاستناد إلى جدار أو عمود ونحو ذلك؟
فأجاب -حفظه الله تعالى- بما نصه: لا يجوز الاستناد في الصلاة -صلاة الفرض- إلى جدار أو عمود؛ لأن الواجب على المستطيع الوقوف معتدلًا غير مستند، فأما في النافلة فلا حرج في ذلك؛ لأنه يجوز أداؤها قاعدًا، وأداؤها قائمًا مستندًا أفضل من الجلوس. اهـ.
- وصل آية بآية أو وصل ثلاث آيات أو أكثر ببعضها: والسنة في ذلك أن يقطع القراءة آية آية.
عن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: "كان يقطع قراءته آية آية: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} . أخرجه أبو داود، والترمذي، والدارقطني، وقال: إسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات، ورواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة والنووي.
وفي الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ما نصه: ووقوف القارئ على رؤوس الآيات سنة، وإن كانت الآية الثانية متعلقة بالأولى تعلق الصفة بالموصوف أو غير ذلك. (98).
- ومن المخالفات أيضًا: قول بعض المأمومين عند قراءة الإمام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} : استعنا بالله.
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في المجموع: قد اعتاد كثير من العوام أنهم إذا سمعوا قراءة الإمام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قالوا: إياك نعبد وإياك نستعين، وهذا بدعة منهي عنها، اهـ مختصرًا.
- قول بعض المصلين بعد قول الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} : آمين ولوالدي وللمسلمين.
وهذا خلاف سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".
وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه". أخرجهما البخاري، ففي هذين الحديثين وغيرهما الاقتصار على التأمين دون غيره، والله أعلم.
- عدم إقامة الصلب في القيام والجلوس:
فيلاحظ على بعض المصلين أن قيامه في صلاته غير مكتمل فتارة يكون محدوبًا بظهره، وتارة مائلًا جهة اليمين، وتارة بهما معًا، وتارة مائلًا جهة اليسار، وهذا منهي عنه.
أخرج الإمام أحمد، والطبراني في الكبير بسند صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله عز وجل إلا
صلاة عبد لا يقيم صلبه بين ركوعها وسجودها".
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته بقوله: "ثم ارفع رأسك حتى تعدل قائمًا فيأخذ كل عظم مأخذه -وفي رواية- وإذا رفعت فأقم صبك وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها"، ثم قال:"إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس إذا لم يفعل ذلك".
- عدم إقامة الصلب في الركوع والسجود:
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فلمح بمؤخر عينه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فلما انصرف، قال: (يا معشر المسلمين إنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود". أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن ماجه.
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود"، رواه أبو عوانة، وأبو داود، والسهمي، وصححه الدارقطني.
ويبقى هنا مسألة وهي: كيفية إقامة الصلب؟
والجواب على ذلك: من فعل النبي صلى الله عليه وسلم: "فكان صلى الله عليه وسلم إذا ركع بسط ظهره وسواه". أخرجه البيهقي بسند صحيح.
وكان صلى الله عليه وسلم يسوي ظهره في الركوع "حتى لو صب عليه الماء لاستقر"، رواه ابن ماجه، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، والطبراني في معجميه الكبير والصغير.
وقال صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: (فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدد ظهرك ومكن لركوعك"، رواه أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح.
- ومن المخالفات أيضًا: أن بعض الناس إذا دخل المسجد، والإمام راكع تنحنح بقصد إسماع الإمام حتى ينتظره أو يقول:"إن الله مع الصابرين".
وهذا ينافي أدب الداخل إلى المسجد فإن المسلم في هذه الحالة مأمور بأن يمشي إلى الصلاة بسكينة فما أدرك فليصل، وما فاته فليتم، أما إحداث أعمال ما أنزل الله بها من سلطان فلا خير فيها، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.
ويضاف إلى ذلك أيضًا: أن في كلام الداخل تشويش على المصلين، وقطع لخشوع الخاشع.
- زيادة لفظ: "والشكر" عند اعتداله من الركوع.
والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "ربنا ولك الحمد"، أو "ربنا لك الحمد" أخرجهما البخاري ومسلم، وعند البخاري أيضًا لفظ:"اللهم ربنا ولك الحمد"، وكذلك:"اللهم ربنا لك الحمد".
- تحريك الأصابع بين السجدتين: الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير بأصبعه السبابة في أثناء جلوسه للتشهدين.
عن عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنهما- قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه" رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع
يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثًا وخمسين وأشار بالسبابة.
- ومن المخالفات أيضًا: انتظار الإمام إن كان ساجدًا حتى يرفع أو جالسًا حتى يقوم وعدم الدخول معه إلا إذا كان قائمًا أو راكعًا.
والصواب: أن يدخل مع الإمام على أي حال كان الإمام عليه قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا أو جالسًا.
عن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا ومما فأتكم فأتموا". رواه البخاري، وأخرجه أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- بلفظ مقارب.
قال ابن حجر: عند ذكر فوائد الحديث، واستدل به أيضًا على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وجد عليها.
وفيه حديث أصرح منه، أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع، عن رجل من الأنصار مرفوعًا:"من وجدني راكعًا أو قائمًا أو ساجدًا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها" اهـ، من الفتح.
ومن الأدلة على ذلك أيضًا: ما أخرجه الترمذي، عن معاذ -رضي الله تعالى عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام".
- ومن المخالفات أيضًا: عدم تمكين الأعضاء السبعة من السجود وهذا خلاف الثابت عنه صلى الله عليه وسلم.
فعن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكف شعرًا ولا ثوبًا الجبهة واليدين والركبتين والرجلين".
وعنه رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم، ولا نكف ثوبًا، ولا شعرًا".
وعنه رضي الله تعالى عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم -وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين- ولا نكفت الثياب والشعر". أخرجهما جميعًا البخاري في صحيحه.
والمخالفات التي تقع من الناس في هذا المبحث على أنواع:
منها: أن بعض الناس إذا سجد رفع قدميه قليلًا عن الأرض أو جعل إحداهما على الأخرى، وهو في هذه الحالة لم يصدق عليه أنه سجد على سبعة أعظم.
منها: أن بعض الناس إذا سجد قد يكون أنفه على طرف البساط ويرتفع جبينه فلا يلامس الأرض.
ومنها: أن بعض الناس ممن يلبس العقال قد يسجد على طرف العقال بجبينه فيرتفع أنفه، أو على أنفه فيرتفع جبينه.
وكل هذا مخالف لما سبق من الأحاديث الآمرة بالسجود على سبعة أعظم.
- ومن المخالفات أيضًا: الإقعاء في الصلاة.
أخرج أحمد، وأبو يعلى، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال:"نهاني خليلي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث: عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب".
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه (غريب الحديث):
قال أبو عبيدة: الإقعاء جلوس الرجل على إليتيه ناصبًا فخذيه مثل إقعاء الكلب، ورجع هذا أبو عبيد فقال: تفسير أبي عبيدة في الإقعاء أشبه بالمعنى لأن الكلب إنما يقعي كما قال.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل مقعيًا، فهذا يبين لك أن الإقعاء هو هذا، وعليه تأويل كلام العرب، انتهى.
- ومن المخالفات أيضًا: أن بعض المصلين يطيل القيام ويوجز في الركوع والسجود، وباقي الأركان إيجازًا شديدًا بحيث يظهر التفاوت الكبير بين قيامه وسائر أركان صلاته.
عن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنهما- قال: "رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه، فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبًا من السواء" أخرجه البخاري، ومسلم.
- ومن المخالفات أيضًا: أن بعض المصلين إذا فرغ من التشهد الأول والإمام لا يزال جالسًا أعاد المأموم تشهده ليقطع صمته وبعضهم لا يعيد التشهد بل ويتحرج من الزيادة عليه.
وعلى ذلك يقال لمن أعاد التشهد: إن فعلك ذلك محدث، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
ويقال لمن تحرج من الزيادة: لا حرج عليك بل إن السنة تؤيد الزيادة على التشهد بالدعاء.
ودليل ذلك:
ما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قعدتم بين كل ركعتين فقولوا: التحيات لله والصلوات لله والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه". أخرجه النسائي، وأحمد، والطبراني في المعجم الكبير.
- التورك في الركعة الثانية والافتراش في الرابعة:
والسنة أن يتورك في الركعة الثالثة من المغرب، وأن يفترش في الثانية.
أخرج البخاري عن أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه أنه قال في أثناء وصفه لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته". الحديث بطوله.
قال الحافظ: وفي هذا الحديث حجة قوية للشافعي ومن قال بقوله في أن هيئة الجلوس في التشهد الأول مغايرة لهيئة الجلوس في الأخير. اهـ.
وفي مق العمدة للحنابلة ما نصه: ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخيرة منهما.
- ومن المخالفات أيضًا: الإشارة بالسبابتين في أثناء التشهد، وقد ورد في ذلك نهي صريح صحيح.
أخرج ابن أبي شيبة، والنسائي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يدعو بأصبعيه فقال:"أحد أحد، وأشار بالسبابة"، وللحديث أيضًا شاهد عند ابن أبي شيبة.
والسنة أن يشير بسبابة يده اليمنى فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبسط كفه اليسرى على ركبته اليسرى ويقبض أصابع كفه اليمنى كلها ويشير بأصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة ويرمي ببصره إليها. أخرجه مسلم، وابن خزيمة، وأبو يعلى، وأبو عوانة.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أشار بأصبعه وضع إبهامه على إصبعه الوسطى، وتارة، "كان يحلق بهما حلقة" رواه أبو داود، والنسائي، وابن الجارود.
- ومن المخالفات أيضًا: أن يقوم المسبوق لقضاء ما فاته قبل تسليم الإمام فيلاحظ على المسبوقين أنهم يبادرون إلى القيام لما فاتهم عند ابتداء الإمام في السلام، وهنا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا" الحديث رواه البخاري، ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ومن سبقه الإمام بشيء من الصلاة فلا يقوم لقضاء ما عليه إلا بعد فراغ الإمام من التسليمتين.
- ومن المخالفات أيضًا: ما يفعله كثير من المسبوقين بعدما ينحني راكعًا إذا وجد الإمام في الركوع، والأصل أن التحريمة (تكبيرة الاحرام) تفعل من قيام ثم يركع بعدها، ولو استعجل فترك تكبيرة الركوع أجزأته صلاته، واكتفى بالتحريمة (تكبيرة الإحرام)، من كلام شيخنا عبد الله بن جبرين -حفظه الله تعالى-.
- ومن المخالفات أيضًا: ترك رفع اليدين عند التحريمة (تكبيرة الإحرام) وعند الركوع والرفع منه وبعد القيام من التشهد الأول وهو من سنن الصلاة وكذا رفع اليدين في تكبيرات الصلاة على الميت والتكبيرات الزوائد في صلاة العيدين والاستسقاء من كلام شيخنا ابن جبرين -حفظه الله تعالى-.
- ومن المخالفات أيضًا: مسابقة الإمام وقد ورد النهي الشديد عن ذلك.
قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب: إثم من رفع رأسه قبل الإمام، ثم ساق بإسناده إلى أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما يخشى أحدكم -أو لا يخشى أحدكم- إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار".
وقال الإمام المنذري -رحمه الله تعالى-: الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام
…
وذكر الحديث المتقدم وذكر له لفظًا آخر هذا نصه: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس كلب".
ثم قال أيضًا: قال الخطابي: اختلف الناس فيمن فعل ذلك، فروي عن ابن عمر أنه قال: لا صلاة لمن فعل ذلك، وأما عامة أهل العلم فإنهم قالوا: قد أساء، وصلاته تجزئه، غير أن أكثرهم يأمرون بأن يعود إلى السجود، ويمكث في سجوده بعد أن يرفع الإمام رأسه بقدر ما كان ترك. انتهى.
- أن بعض الناس: هداهم الله تعالى يسرعون في الخطا عند الذهاب إلى المسجد لا سيما إذا كان الإمام قبيل الركوع وهذا الإسراع منهي عنه.
فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها، وأنتم تمشون، وعليكم السكية، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" رواه البخاري، ومسلم، وأحمد، وأهل السنن.
قال ابن الأثير في النهاية: السعي العدو، وقد يكون مشيًا ويكون عملًا وتصرفًا، ويكون قصدًا.
والمراد به في هذا الحديث: العدو.
ويشهد لذلك: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي بكرة -رضي الله تعالى عنه- أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"زادك الله حرصًا، ولا تعد".
قال الحافظ ابن حجر: قوله: "ولا تعد": أي: إلى ما صنعت من السعي الشديد ثم الركوع دون الصف ثم من المشي إلى الصف، وقد ورد ما يقتضي ذلك صريحًا في طرق حديثه، وفي بعضها "من الساعي)، وعند الطبراني "أيكم صاحب هذا النفس" انتهى كلام الحافظ ابن حجر مختصرًا.
بل قد جاءت رواية في البخاري تنص على النهي عن الإسراع.
فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".
- ومن المخالفات أيضًا: عدم تسوية الصفوف كما ينبغي.
عن النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم".
وقال صلى الله عليه وسلم: "أقيموا صفوفكم وتراصوا"، وقال:"أقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة"، وقال:"سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة"، أخرجها كلها الإمام البخاري في صحيحه.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "باب: إثم من لم يتم الصفوف". وساق بسنده عن بشير بن يسار الأنصاري، عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أنه قدم المدينة فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما أنكرت شيئًا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف.
- ومن المخالفات أيضًا: إتيان المسجد بعد أكل الثوم أو البصل.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أكل من هذه الشجرة -يعني الثوم- فلا يقربن مسجدنا".
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أكل من هذه الشجرة -يريد الثوم- فلا يغشانا في مساجدنا"، وفي رواية:"من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا أو قال: فليعتزل مسجدنا ويقعد في بيته".
عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا -أو- لا يصلين معنا"، أخرجها جميعا البخاري في صحيحه.
وفي صحيح مسلم، عن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخًا.
وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم وهاتين البقلتين المنتنتين أن تأكلوهن وتدخلوا مساجدنا، فإن كنتم لا بد آكليهما فاقتلوهما بالنار قتلًا" رواه الطبراني في الأوسط.
وقد ألحق بعض أهل العلم شارب الدخان بآكل الثوم والبصل.
وذلك لاشتراك كل منهما في رائحته الخبيثة بل إن بعض المسلمين يتأذى من رائحة شارب الدخان أكثر من رائحة آكل الثوم والبصل.
إذا علم هذا: فإن شارب الدخان على خطر؛ لأنه قد آذى المسلمين برائحته، وقد ورد الوعيد في ذلك.
فعن حذيفة بن أسيد -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم" رواه الطبراني، وأبو نعيم، وابن عدي.
فإذا كان المؤذي للمسلمين في طرقهم مستحقًا للعن فكيف بمن آذاهم في مساجدهم، لا شك أن الجرم أكبر.
- ومن المخالفات أيضًا: التلفت في الصلاة.
عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد". أخرجه البخاري.
وأخرج الترمذي، والحاكم قوله صلى الله عليه وسلم:" ..... فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت".
ونهى صلى الله عليه وسلم عن ثلاث: "عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب" أخرجه أحمد، وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
فالالتفات لغير حاجة منهي عنه.
أما إذا كان الالتفات لحاجة فلا حرج في ذلك، فقد وردت بعض النصوص الدالة على جواز الالتفات للحاجة:
منها:
- ما رواه البخاري وغيره عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك
…
الحديث، وفي آخره:"ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من رابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء".
قال الحافظ ابن حجر: وفيه جواز الالتفات في الحاجة، وأن مخاطبة المصلي بالإشارة أولى من مخاطبته بالعبارة.
- ومن المخالفات: تخفيف كثير من الأئمة لأركان الصلاة بحيث لا يتمكن المأموم من المتابعة ولا من الإتيان بالذكر الواجب، وهو خلاف الطمأنينة الواردة في الحديث، فلا بد من المكوث في الركوع أو السجود بقدر ما يتمكن المأموم من التسبيح ثلاث مرات مع التؤدة وعدم العجلة. انتهى من كلام شيخنا عبد الله بن جبرين -حفظه الله تعالى-.
- ومن المخالفات: القراءة في المصحف أو متابعة الإمام في المصحف في التراويح ونحوها لغير حاجة لما فيه من العبث فإن كان فيه فائدة كالفتح على الإمام أو نحوه فلا مانع بقدر الحاجة. انتهى، من كلام شيخنا عبد الله بن جبرين -حفظه الله تعالى-.
- ومن المخالفات: ترك التجافي في السجود وصفة التجافي المطلوب أن يرفع بطنه عن فخذيه ويبعد عضديه عن جنبيه بقدر ما يمكنه، ولا يضايق من يليه، وأن يرفع ذارعيه عن الأرض ويضع كفيه حذاء منكبيه لا حذاء ركبتيه، ولكن لا يبالغ في التجافي كثيرًا فيمد صلبه (ظهره) كهيئة المضطجع على بطنه، بحيث يصل رأسه إلى الصف الذي أمامه، ويكلف نفسه بهذا الامتداد، انتهى من كلام شيخنا عبد الله بن جبرين -حفظه الله تعالى-.
- ومن المخالفات أيضًا: الإسدال في الصلاة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه نهى عن السدل في الصلاة " أخرجه الإمام أحمد، وأصحاب السنن، والحاكم.
قال صاحب عون المعبود: قال الخطابي: السدل إرسال الثوب حتى يُصيب الأرض.
وقال في النيل: قال أبو عبيد في غريبه: السدل إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه
فإن ضمه فليس بسدل.
وقال صاحب النهاية: هو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك. قال: وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب. قال: وقيل: هو أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه.
وقال الجوهري: سدل ثوبه يسدله بالضم أي: أرخاه، ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعاني إن كان السدل مشتركًا بينهما وحمل المشترك على جميع معانيه هو المذهب القوي.
- ومن المخالفات أيضًا: إسدال اليدين في الصلاة.
تقدم آنفًا حديث: "نهى عن السدل في الصلاة". وهذا عام يشمل جميع أنواع السدل. وقيل ذكر الصواب في هذه المسألة يستحسن أن نذكر أحوال الناس في موضع اليدين في الصلاة.
فمن الناس من يسدل يديه بالكلية، ومنهم من يضع يمينه على شماله تحت سرته أو على سرته، ومنهم من يجعلهما على عنقه، وغير ذلك من الهيئات المختلفة.
إذا علم ذلك فإن السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يضع يده اليمنى على يده اليسرى ويضعهما على صدره.
أخرج مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على اليسرى، وفي صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال:"كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة".
إذن فالسنة أن يضع اليمنى على اليسرى لا العكس، فقد روى أحمد، وأبو داود وغيرهما، أنه صلى الله عليه وسلم "مر برجل وهو يصلي وقد وضع يده اليسرى على اليمنى، فانتزعها ووضع اليمنى على اليسرى" ويبقى بعد هذا موضعهما من الجسد:
والجواب: ما رواه أحمد، وأبو داود، وابن خزيمة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يضعهما على صدره.
- ومن المخالفات أيضًا: وضع اليمنى على اليسرى على السرة أو تحت السرة، وحجتهم في ذلك: ما أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، عن علي رضي الله عنه أنه قال: السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة، وهذا ضعيف الإسناد.
- ومن المخالفات أيضًا: ما اعتاده كثير من الأئمة من تغيير الصوت عند الجلوس والقيام، فأكثر الأئمة إذا جلس للتشهد كبر باسترخاء، وإذا نهض كبر بعزيمة.
وقد سئل عن ذلك فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين -حفظه الله تعالى-.
فإليك نص السؤال ونص الجواب:
قال السائل: هل يجب على الإمام أن يمد (الله أكبر) في الجلوس للتشهد الأول والأخير؟
فأجاب -حفظه الله تعالى- بما نصه:
لا يجب على الإمام أن يفرق بين التكبير في الصلاة بحيث يجعل للجلوس تكبيرة معينة وللركوع تكبيرة معينة، وللقيام تكبيرة معينة، هذا لا يجب بلا شك، وما علمت أحدًا من أهل العلم قال بوجوبه.
ولكن قل لي: هل يشرع ذلك، بمعنى هل تقول للإمام ينبغي أن تُفرق بين التكبير؟
والجواب: لا يُشرع ذلك، فإنني لا أعلم في السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفرق بين التكبيرات والعلماء رحمهم الله لم يقولوا إنه يفرق التكبيرات، غاية ما قيل في هذا ما قاله بعض العلماء: أنه يمد التكبير في السجود إلى القيام، ومن القيام إلى السجود قالوا: لطول الفصل بينهما.
فإن أطول انتقال يكون في الصلاة من السجود إلى القيام، أو من القيام إلى السجود. قالوا: فيمد
التكبير ليكون ابتداءه مع ابتداء الانتقال وانتهاءه مع انتهاء الانتقال. هذا ما قاله بعض العلماء.
أما أن يجعل للجلوس للتشهد تكبيرًا معينًا يمده، فهذا لم يقله حتى العلماء فيما اطلعت عليه من كلامهم، وبناء عليه:
فالذي أرى أن يجعل الإمام التكبيرات سواء لأن أي إنسان يفرق بين التكبيرات، سوف يُطالب بالدليل، والنبي عليه الصلاة والسلام لما صنع له المنبر رقى عليه، وقال:"إنما فعلت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي". ولو كان يفرق بين التكبيرات لكان الائتمام يحصل بدون أن يصعد على المنبر.
وقد وجدت فائدة في عدم التمييز بين التكبيرات: وهي أن المأموم يحرص على ضبط صلاته لأنه يخشى أن يقوم في موضع الجلوس أو يجلس في موضع القيام، فيخجل أمام الناس، ويكون ضابطًا للركعات بنفسه لكن لو اعتمد على تكبير الإمام سرح وبدء يهوجس ولا يهتم، يمشي على هذا التكبير إذا مده الإمام جلس وإذا لم يمده قام. وحينئذ يكون ذلك سببًا لانشغال المأموم بالوساوس لأنه يتابع الإمام على حسب نبرات صوته في التكبير.
فوجدت في ذلك فائدة، وهي: أن المأمومين كل واحد منهم يحرص على ضبط عدد الركعات ولا يسرح بأي وساوس. انتهى كلامه -حفظه الله-.
- ومن المخالفات أيضًا: إقامة جماعة ثانية في المسجد والإمام ما زال في صلاته بالجماعة الأولى.
وإيضاح ذلك: أن بعض الناس قد يأتي إلى المسجد والإمام في التشهد الأخير فيقوم أحد أولئك الداخلين فيقيم الصلاة ويشرع في الصلاة والإمام ما زال في جلوسه.
- الإخلال في صلاة التراويح: وذلك بنقرها والإسراع في القراءة بقصد الختمة ليس إلا.
قال الشيخ محمد بن عثيمين -حفظه الله تعالى- في أثناء كلامه عن وصف قيام النبي صلى الله عليه وسلم، وقيام الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- ما نصه:
وهذا خلاف ما كان عليه كثير من الناس اليوم حيث يصلون التراويح بسرعة عظيمة لا يأتون فيها بواجب الهدوء والطمأنينة التي هي ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونها، فيخلون بهذا الركن ويتعبون من خلفهم من الضعفاء والمرضى وكبار السن يجنون على أنفسهم ويجنون على غيرهم.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يكُره للإمام أن يُسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يُسن فكيف بسرعة لقنعهم فعل ما يجب، نسأل الله السلامة. (مجالس شهر رمضان، المجلس الرابع: ص 19).
- ما يفعله بعض المأمومين عند فراغهم من الركعة الثالثة والرابعة من صلاة الظهر من كونهم يعيدون قراعة الفاتحة، واعتقاد أكثرهم أن قراءة سورة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الظهر أمر غير جائز.
- ومن المخالفات أيضًا: الإتيان ببعض أذكار الصلاة في غير مواضعها.
قال ذلك: أن بعض المصلين يتأخر في قراءة الفاتحة خلف إمامه أو يدخل مع الإمام قبيل الركوع فيركع الإمام فيتم المأموم قراءة الفاتحة في الركوع.
وقال آخر: وذلك أن بعض المصلين إذا رفع رأسه من السجود شرع في قراءة الفاتحة قبل أن يستتم قائمًا أو يذكر آخر ما يُقال بعد الركوع حين يهوي إلى السجود بل وفي أثناء سجوده ثم يكبر بعد ذلك وهذا كله مُخالف لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
وقد سُئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله تعالى- عن هذه المسألة، وهذا نص السؤال:
سماحة الشيخ، أرى بعض المأمومين يجلس قليلًا بعد رفعه من السجود ويشرع في قراءة الفاتحة وهو
جالس أو في أثناء نُهوضه للركعة الثانية فما حُكم صلاة من فعل ذلك؟
فأجاب -حفظه الله تعالى- بما نصه: الواجب على المأموم أن يتابع إمامه في القيام والركوع وغيرهما وليس له الجلوس إذا نهض إمامه في الثانية أو الرابعة بل عليه أن يُتابعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه".
ولكن لو جلس بنية جلسة الاستراحة جلسة خفيفة فلا بأس، بل ذلك مُستحب في أصح قولي العلماء للإمام والمأموم والمنفرد للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك وليس في هذه الجلسة قراءة ولا ذكر ولا دعاء وليس للمأموم ولا غيره القراءة في هذه الجلسة في صلاة الفريضة وليس له أن يقرأ حال النهوض وإنما القراءة حال كونه قائمًا وهذا في الفريضة؛ أما النافلة فلا بأس أن يصليها قاعدًا وهو على النصف في الأجر من صلاة القائم إذا صلى جالسًا من غير عذر كما دلت على ذلك سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. اهـ.
مجلة الدعوة عدد 1165، بتاريخ 28/ 3/1409 هـ.
- تغميض العينين في الصلاة لغير حاجة:
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تغميض عينيه في الصلاة، وقد كان في التشهد يومئ ببصره إلى أصبعه في الدعاء ولا يجاوز بصره إشارته".
وقد اختلف الفقهاء في كراهته، فكرهه الإمام أحمد وغيره، وقالوا: هو فعل اليهود، وأباحه جماعة ولم يكرهوه، وقالوا: قد يكون أقرب إلى تحصيل الخشوع الذي هو روح الصلاة وسرها ومقصودها.
والصواب أن يُقال: إن كان تفتيح العينين لا يخل بالخشوع فهو أفضل وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه، فهنالك لا يكره التغميض قطعًا، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة، والله أعلم. (انتهى باختصار يسير من زاد المعاد: 1/ 293، 294).
- إسبال الثياب: وهو محرم مطلقًا، وإنما أوردناه هنا لأن بعض النصوص قد خصت الصلاة.
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عمه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أسبل إزاره في صحه خُيلاء فليس من الله في حل ولا حرام".
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رجل يُصلي مُسبلًا إزاره إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب فتوضأ". فذهب فتوضأ، ثم جاء، ثم قال:"اذهب فتوضأ". فذهب فتوضأ، ثم جاء، فقال له رجل: يا رسول الله، ما لك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه؟
قال: "إنه كان يصلي وهو مُسبل إزاره، وإن الله جل ذكره لا يقبل صلاة رجل مُسبل إزاره".
رواه أبو داود.
وقال النووي في رياض الصالحين: إسناد صحيح على شرط مسلم، والحديث ضعفه بعض أهل العلم، لكن يغني عنه ويشهد له ما قبله.
ونقول في هذا الموضع: إن كثيرًا من الناس تساهلوا في مسألة إسبال الثياب بل إن بعضهم أصبح يسخر ويعيب من يفعل ذلك، وهذا إدبار عن طاعة الله تعالى.
فقد ورد الوعيد الشديد في من أسبل ثيابه، من ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه، عن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يُكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المُسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي شيئًا إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف
الفاجر -وفى لفظ آخر-: بالحلف الكاذب".
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة، فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة". رواه مسلم.
- ومن المخالفات أيضًا: التنفل عند إقامة الصلاة.
فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة"(1). رواه الجماعة إلا البخاري.
وعن عبد الله بن بُحينة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاث به الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"آلصبح أربعًا، آلصبح أربعًا". رواه البخاري ومسلم.
وأخرجه مسلم بلفظ آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يُصلي وقد أقيمت صلاة الصبح، فكلمه بشيء لا ندري ما هو، فلما انصرفنا، أحطنا به نقول: ماذا قال لك رسول الله؟ قال: قال في: "يوشك أحدكم أن يُصلي الصبح أربعًا".
قال ابن حزم: من سمع إقامة صلاة الصبح وعلم أنه إن اشتغل بركعتي الفجر فاتته صلاة الصبح ولو التكبير فلا يَحل له أن يشتغل بهما، فإن فعل فقد عصى الله تعالى.
وقد ورد سؤال إلى اللجنة الدائمة هذا نصه:
بعض الناس يقطع النافلة إذا أقيمت الفريضة، فهل يجوز ذلك؟
فأجابت اللجنة بما نصه: إذا أقيمت الصلاة فلا يجوز الدخول في نافلة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة". رواه مسلم وغيره، وإذا أقيمت الصلاة وهو في النافلة قطعها للحديث المذكور لأن الفريضة أهم منها (2).
- إطالة الركعة الثانية أكثر من الأولى أو الركعتين الأخيرتين أكثر من الأولون:
وهذا خلاف ما فعله صلى الله عليه وسلم. أخرج البخاري عن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطول في الركعة الأولى من صلاة الظهر ويقصر في الثانية، ويفعل ذلك في صلاة الصبح، وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في صلاة العصر. كما أخرجه البخاري أيضًا.
وعن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه، أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- قال: -في قصته مع أهل الكوفة-: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركُدُ في الأوليين وأخف في الأُخريين .... الحديث.
- ترك رد السلام في الصلاة بالإشارة:
يحدث كثيرًا أن بعض الداخلين إلى المسجد يسلم على المصلين، ومعلوم أن المصلي لن يرد عليه لفظًا، والعمل والحال هذه أن يرد بالإشارة، كما قال عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: قُلتُ لبلال: كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم -أي: يرد على الأنصار إذا سلموا عليه- قال: يقول هكذا،
(1) فائدة: ورد حديث بلفظ قريب من هنا، نصه:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت" أخرجه أحمد والطحاوي وابن أبي شيبة وفيه ضعف. انظر: إرواء الغليل (2/ 267)، ضعيف الجامع الصغير (1/ 154).
(2)
مجلة البحوث: (18/ 100).
وبسط كفه.
أخرجه أبو داود، والترمذي، وصححه.
قال الصنعاني: والحديث دليل أنه إذا سلم أحد على المصلي رد عليه السلام بإشارة دون النطق.
وأما كيفية الإشارة: ففي المسند من حديث صهيب قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي فسلمت، فرد علي إشارة. قال الراوى: لا أعلمه إلا قال إشارة بأصبعه، وفي حديث ابن عمر في وصفه لرده صلى الله عليه وسلم السلام على الأنصار أنه صلى الله عليه وسلم قال:"هكذا"، وبسط جعفر بن عون -الراوي عن ابن عمر- كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق.
وقد روى البيهقي أن عبد الله بن مسعود سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فأومأ برأسه (1).
- التبليغ خلف الإمام لغير حاجة:
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله تعالى- عن التبليغ خلف الإمام هل هو مستحب أو بدعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما التبليغ خلف الإمام لغير حاجة فهو بدعة غير مُستحبه باتفاق الأئمة، وإنما يجهر بالتكبير الإمام كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يفعلون، ولم يكن أحد يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم ضعف صوته فكان أبو بكر رضي الله عنه يُسْمع التكبير.
وقال رحمه الله تعالى لي موضع آخر: لا يشرع الجهر بالتكبير خلف الإمام الذي هو المبلغ لغير حاجة باتفاق الأئمة، فإن بلالًا لم يكن يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم هو ولا غيره، ولم يكن يبلغ خلف الخلفاء الراشدين.
- مد لفظ التكبير (الله أكبآر): وهذا لا يجوز مطلقًا لا في الصلاة ولا في الأذان ولا غيرهما.
وذلك لأن مد كلمة (أكبر) يحيل المعنى.
فـ: "أكبار": جمع كبر، والكبر الطبل ذو الوجه الواحد، وفي اللغة أيضًا أن أكبار: نبات معمر من الفصيلة الكبرية، ويترتب أيضًا على مد كلمة أكبر في الصلاة مفسدة ثانية وهي: أن المأموم يسابق إمامه لأن الإمام بفعله ذاك يتسبب في ارتكاب المأموم للمسابقة وذلك لأن الإمام يمده للتكبير يوهم المأموم بأنه قد وصل إلى الركن الذي انتقل إليه.
- أن يُصلي الرجل وليس على عاتقيه شيء:
وهذا يلاحظ كثيرًا من المُحرمين في الحرم وغيره، فتجد أحده يُصلي مضطبعًا أو يلقي إحرامه بين يديه ويصلي بإزاره دون غيره.
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يُصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه شيء". رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: والمراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه بل يتوشح بهما على عاتقيه ليحصل الستر لجزء من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة. انتهى.
- ومن المخالفات أيضًا: الصلاة في الثياب الرقيقة التي لا تستر العورة، سُئل سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز -حفظه الله تعالى- عن ثوب السلك الشبه شفاف هل يستر العورة أم لا؟ وهل تصح الصلاة
(1) ساق البيهقي ثلاثة ألفاظ عن محمد بن سيرين أن عبد الله بن مسعود
…
ثم ساق إسنادًا آخر وفيه: عن محمد قال: أُنبئت أن ابن مسعود، وقال بعده: المحفوظ مرسل، ثم ساق إسنادًا ثالثًا عن أبي هريرة عن ابن مسعود. السنن الكبرى للبيهقي (2/ 260).
والمسلم لابسه؟
فأجاب -حفظه الله تعالى- بقوله: إذا كان الثوب المذكور لا يستر البشرة لكونه شفافًا أو رقيقًا فإنه لا تصح الصلاة فيه من الرجل إلا أن يكون تحته سراويل أو إزار يستر ما بين السرة والركبة، وأما المرأة فلا تصح صلاتها في مثل هذا الثوب إلا أن يكون تحته ما يستر بدنها كله.
أما السراويل القصيرة تحت الثوب المذكور فلا تكفي، وينبغي للرجل إذا صلى في مثل هذا الثوب أن تكون عليه (فنيلة) أو شيء آخر يستر المنكبين أو إحداهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يُصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء". متفق عليه صحته. اهـ من كتاب الدعوة.
وقال فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين:
كثير من الناس الذين لا يلبسون الثياب السابغة وإنما يلبس أحدهم السراويل، وفوقه جبة (قميص) على الصدر فإذا ركع تقلصت الجبة وانحسرت السراويل فخرج بعض الظهر وبعض العجز مما هو عورة بحيث يراه من خلفه وخروج بعض العورة يُبطل الصلاة. اهـ.
- ومن المخالفات أيضًا: البصاق في الصلاة تجاه قبلة المُصلي أو عن يمينه.
قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب ليبزق عن يساره أو تحت قدمه اليُسرى، ثم ساق بإسناده إلى أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي: "إن المؤمن إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه".
وروى البخاري أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه فإنما يناجي الله ما دام في مُصلاه ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكًا، وليبصق عن يساره أو تَحت قدمه فيدفنها".
- ومن المخالفات أيضًا: كف الشعر والثوب في الصلاة، روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أمرت أن أسجد على سبعة، لا أكف شعرًا ولا ثوبًا".
قال ابن الأثير في النهاية عند مادة (كفت): ومنه الحديث "نهينا أن نكفت الثياب في الصلاة". أي نضمها ونجمعها من الانتشار يريد جمع الثوب باليدين عند الركوع والسجود.
- ومن المخالفات أيضًا: الاختصار في الصلاة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نُهي أن يصلي الرجل مُختصرًا"، هذا لفظ البخاري، ولفظ مُسلم، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه نهى أن يصلي الرجل مختصرًا".
قال ابن حجر رحمه الله لعالى-: وقد فسره -أي الاختصار- ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن سيرين وهو أن يضع يده على خاصرته وهو يصلي، وبذلك جزم أبو داود، ونقله الترمذي في بعض أهل العلم، وهذا هو المشهور من تفسيره.
- ومن المخالفات أيضًا عدم اتخاذ السترة (1):
وقد وردت فيها الأحاديث الكثيرة نسوق شيئًا منها:
(1) مبحث السترة أغلبه منتقى من كتاب: إتحاف الإخوة بتأكيد الصلاة إلى السترة وكتاب: أحكام السترة في مكة وغيرها، وحكم المرور بين يدي المصلي.
فأما من الأحاديث القولية: فعن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُصلوا إلا إلى سُترة، ولا تدع أحدًا يمر بين يديك، فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين؟ ".
رواه ابن خُزيمة، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي (1).
وعن سهل بن أبي حثمة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته". رواه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه، ووافقه الذهبي، ورواه البغوي في شرح السنة بلفظ مُقارب (2).
هذه بعض النصوص القولية، أما الفعلية:
فعن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيُصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء". رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود وغيرهم.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما -أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يعرض راحلته فيصلي إليها" رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود.
وبعد سياق النصوص في مسألة السترة ترد مسائل لا بد من طرحها:
المسألة الأولى: ما مقدار ارتفاع السترة؟
والجواب عن ذلك: ما رواه مسلم في صحيحه، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل في غزوة تبوك عن سُترة المصلي؟ فقال:"كمؤخرة الرحل".
وعن طلحة بن عبيد الله -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مر وراء ذلك". أخرجه مسلم.
قال النووي -رحمه الله تعالى-: مؤخرة الرحل: هي العود الذي في آخر الرحل وهي قدر عظم الذراع، وهو نحو ثلثي ذراع.
المسألة الثانية: مقدار المسافة بين المصلي وسُترته.
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-، أنه كان إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل، وجعل الباب قبل ظهره، فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبًا من ثلاثة أذرع صلى يتوخى المكان الذي أخبره به بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه.
والشاهد أن بينه وبين السترة قريبًا من ثلاثة أذرع، وقد ورد أيضًا مقدار المسافة بين سُترة وبين موضع سجوده، فعن سهل بن سعد قال: كان بين مُصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر شاة.
وفي رواية: كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنز.
المسألة الثالثة: هل يقوم الخط مقام السُترة؟
والجواب: أن الخط لا يقوم مقام السُترة، بل لا بد من الصلاة إلى سُتره مرتفعة.
(1) قال شيخنا عبد الله بن جبرين -حفظه الله تعالى-: لكن قد رواه مسلم وأحمد وابن ماجه بإسناده دون أوله.
(2)
قال شيخنا ابن جبرين -حفظه الله تعالى-: لكن هو في السنن والمسانيد بلفظ: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها".
المسألة الرابعة: هل يستثنى الحرمان من اتخاذ السترة أو لا؟
والجواب عن هذه المسألة: أن النصوص الواردة بالأمر في اتخاذ السترة لم تفرق بين مسجد وآخر، وعلى ذلك فالحرمان داخلان ولا يخرجان إلا بدليل، هذا من ناحية الإجمال، أما من ناحية التفصيل فيُقال: أولًا: عموم النصوص يشمل جميع المساجد دون استثناء.
ثانيًا: الأحاديث الآمرة باتخاذ السترة أو بعضها قالها النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة.
ثالثًا: عمل النبي صلى الله عليه وسلم يؤيد اتخاذ السُترة حتى في الحرمين أما في الحرم المدني، فقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
أما في الحرم المكي، فعن أبي جحيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فصلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين ونصب بين يديه عنزة
…
الحديث أخرجه البخاري وبوب عليه: باب السُترة بمكة.
وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنه- قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس". رواه البخاري.
- ومن المخالفات أيضًا: المرور بين يدي المصلي.
قال الإمام المنذري -رحمه الله تعالى- في كتابه "الترغيب والترهيب" ما نصه: الترهيب من المرور بين يدي المصلي. ثم ساق بعض الأحاديث التي فيها الوعيد لمن مر بين يدي المصلي وهي: عن أبي الجهيم -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه". قال أبو النضر -أحد رواة الحديث- لا أدري أقال: أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة.
وروى البخاري في صحيحه عن أبي صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم الجمعة يُصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي مُعيط أن يجتاز بين يديه، فدفعه أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب، فلم يجد مساغًا إلا بين يديه، فعاد ليجتاز، فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد، ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال: ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان".
وعن الحديث الأول: قال النووي: فيه دليل على تحريم المرور، فإن معنى الحديث النهي الأكيد والوعيد الشديد على ذلك.
قال ابن حجر: ومقتضى ذلك أن يعد في الكبائر.
وقال أيضًا: ظاهر الحديث يدل على منع المرور مطلقًا ولو لم يجد مسلكًا، بل يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته، ويؤيده قصة أبي سعيد.
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: ظاهر الأحاديث يقتضي تحريم المرور بين يديه -أي المصلي- وأنه يشرع له رد المار، اللهم إلا أن يضطر المار إلى ذلك لعدم وجود متسع إلا ما بين يديه، ومتى بَعُدَ المار عما بين يدي المصلي إذا لم يلق بين يديه سترة سلم من الإثم لأنه إذا بعد عنه عُرفًا لا يسمى مارًا بين يديه كالذي يمر من وراء السترة. انتهى.
فإذا صلى المصلي لغير سترة فلا حرج على من قدر ثلاثة أذرع ثم مر من ورائها كما نص على ذلك كثير من أهل العلم، ويبقى الحرج على من مر بين يدي المصلي في مساقة ثلاثة أذرع، أما المرور بين يدي المأموم فلا حرج فيه لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب سترة الإمام سترة من خلفه. ثم ساق بسنده إلى عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: أقبلتُ راكبًا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلتُ في الصف فلم ينكر ذلك على أحد.
- ومن المخالفات أيضًا: الحركة في الصلاة.
ولو أراد الإنسان أن يتتبع حركات الناس في صلاتهم لطال عليه الأمد في ذلك، لكن لا يمنع ذلك من ذكر بعض الحركات من باب التنبيه عليها وعلى غيرها، فمن ذلك:
1 -
العبث في الأنف، وهذه صفة مستقبحة خارج الصلاة فكيف بداخلها.
2 -
حك الرأس.
3 -
تعديل العمامة، أي الغترة أو الشماغ تارة يمنة وتارة يسرة وتارة إلى أعلى وتارة إلى أسفل وغير ذلك.
وقد وجه سؤال إلى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، هذا نصه:
مشكلتي أنني كثير الحركة في الصلاة، وقد سمعت أن هناك حديثًا معناه أن أكثر من ثلاث حركات في الصلاة تبطلها، فما صحة هذا الحديث؟ وما هو السبيل إلى التخلص من كثرة العبث في الصلاة؟
فأجاب سماحته ما نصه:
السنة للمؤمن أن يقبل على صلاته ويخشع فيها بقلبه وبدنه سواء كانت فريضة أو نافلة قول الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2].
وعليه أن يطمئن فيها وذلك من أهم أركانها وفرائضها.
وأما تحديد الحركات المنافية للطمأنينة وللخشوع بثلاث حركات: فليس ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذلك من كلام بعض أهل العلم وليس عليه دليل يعتمد، ولكن يكره العبث في الصلاة كتحريك الأنف واللحية والملابس والاشتغال بذلك، وإذا كثر العبث وتوالى أبطل الصلاة، أما إن كان قليلًا عرفًا أو كان كثيرًا ولكن لم يتوال فإن الصلاة لا تبطل به ولكن يشرع للمؤمن أن يحافظ على الخشوع ويترك العبث قليله وكثيره حرصًا على تمام الصلاة وكمالها. اهـ مختصرًا.
- ومن المخالفات التي يقع فيها كثير من المرضى:
صلاة بعضهم جالسًا مع قدرته على القيام والمرضى في ذلك على أقسام فمنهم من إذا أصابه وجع في رأسه صلى جالسًا من أول صلاته إلى آخرها مع أن القيام لا يكلفه شيئًا.
ومنهم من إذا كان به وجع في عينه أو أنفه فمنعه الطبيب من السجود لأنه يزيد مرضه، فترى هذا المريض بعد كلام الطبيب له يُصلي كل صلاته جالسًا.
وعلى هذا وما شابه يُقال: من قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام عند الأئمة الثلاثة، يصلي قائمًا فيومئ للركوع ثم يجلس ويسجد إيماء وذلك لأن القيام ركن وهو قادر
على الإتيان به فلزمه، والعجز عن الإتيان ببعض أركان الصلاة لا يقتضي سقوط سائرها، وذلك لأن القيام ركن من أركان الصلاة قال الله تعالى:{وَقُومُوا لله قانتينَ} [البقرة: 238] وعن عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنه- قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة؟ فقال: "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب". رواه البخاري.
- ومن المخالفات أيضًا: عدم تقديم الأقرأ إذا كان صغير فتجد أن بعض المصلين إذا حضرتهم الصلاة ولم يحضر إمامهم الراتب أو كانوا مثلًا خارج المدينة فحضرت الصلاة لا ينظرون إلى أقرأهم، بل لا يترددون في تقديم الأكبر سنًا ولو كان هناك أقرأ منه، بل قد يكون ذلك الكبير لا يُحسن قراءة الفاتحة.
المهم أن الصغير عندهم لا يتقدم مع وجود الكبير لأن بعض الناس يعتبر ذلك نقصًا في حقه وحق غيره من المأمومين.
وفعلهم ذلك مُخالف لصريح قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم". رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه-.
وعن أبي مسعود عقبة بن عامر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة
…
الحديث". رواه أحمد ومسلم.
فهذان الحديثان صريحان على أن الأقرأ هو الأحق بالإمامة ومما يزيد ذلك تأكيدًا أنه قدم الأقرأ على كبير السن، فقد ورد في لفظ الحديث:"فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًا" فجعل مرتبة السن في المرتبة الرابعة بعد القراءة والعلم بالسنة وقدم الهجرة.
جاء في إجابات اللجنة الدائمة: "تصح إمامة الصبي الذي يعقل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله
…
" الحديث.
ولما ثبت في صحيح البخاري عن عمرو بن سلمة الجرمي قال: قدم أبي من عند النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حضرت الصلاة فليؤمكم أكثركم قرآنًا". قال: فنظروا، فلم يجدوا واحدًا أكثر مني قرآنًا، فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين (1).
- ومن المخالفات أيضًا: عدم التزين بالملابس في الصلاة وقد جهل أو تجاهل هذا الأمر كثير من المسلمين، فتجد أن بعضهم يحضرون إلى الصلاة خاصة صلاة الفجر بملابس النوم أو ملابس رديئة لو أُعطي أحدهم وزنه ذهبًا وطلب منه أن يذهب بتلك الملابس إلى مكان عمله أو إلى وليمة من الولائم لامتنع أشد الامتناع، وهذا لا ينكر عليه، فإن الله جميل يحب الجمال.
إلا أن التزين عند الذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة مطلوب من المسلم، قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
وأخرج الطحاوي، والبيهقي، والطبراني عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فيلبس ثوبيه، فإن الله أحق من تزين له".
(1) مجلة البحوث: (21/ 74).
- ومن المخالفات أيضًا: أن بعض الناس يتحرج من الصلاة إذا كان بينه وبين الحمام جدار.
ونسوق هنا فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله تعالى- تتعلق بهذا الموضوع، قال السائل: هل تجوز الصلاة في مكان تقع أمامه دورة مياه، ولا يفصل بينهما سوى حائط فقط؟ وهل الأفضل الصلاة في مكان آخر؟
فأجاب سماحته بما نصه:
"لا مانع من الصلاة في الموضع المذكور إذا كان طاهرًا ولو كانت دورة المياه أمامه، كما تجوز الصلاة في أسطح دورات المياه إذا كانت طاهرة في أصح قولي العلماء، والله ولي التوفيق". مجلة الدعوة عدد 1191 في 13/ 10/1409هـ.
- ومن المخالفات أيضًا: قول بعض الناس عند إقامة الصلاة: "أقامها الله وأدامها" وحجتهم في ذلك ما رواه أبو داود في سُننه عن أبي أمامة، أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالًا أخذ في الإقامة فلما أن قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أقامها الله وأدامها".
وهذا حديث ضعيف لا يُعتمد عليه.
- ومن المخالفات أيضًا: أن بعض الناس لا يقوم عند الإقامة إلا عند قول المُقيم: قد قامت الصلاة.
ويعتقد أن هذا هو السنة، والحق أن فعله على غير صواب، قال الإمام مالك رحمه الله: وأما قيام الناس حين تقام الصلاة فإني لم أسمع في ذلك بحد يقام له إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف ولا يستطعون أن يكونوا كرجل واحد. اهـ الموطأ (ص 67).
- ومن المخالفات أيضًا: عدم فهم المراد بتخفيف الصلاة الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم للناس فليُخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير
…
" الحديث أخرجه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-.
وكذلك عتابه صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل -رضي الله تعالى عنه- عندما أطال الصلاة فقال له: "فتان، فتان، فتان -ثلاث مرات- أو قال: فاتنًا فاتنًا فاتنًا". وأمره بسورتين من أوسط المفصل.
فبهذين الحديثين يحتج كثير من الناس على إطالة الإمام الصلاة، وقبل النظر في احتجاجهم ينبغي أن يعرف ما ضابط التخفيف:
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في أثناء كلامه عن صلاته صلى الله عليه وسلم، ما نصه: ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها" وفى الصحيحين عنه أيضًا قال: "ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم".
زاد البخاري: "وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تُفتن أمه"، فوصف صلاته صلى الله عليه وسلم بالإيجاز والتمام، والإيجاز هو الذي كان يفعله لا الإيجاز الذي كان يظنه من لم يقف على مقدار صلاته فإن الإيجاز أمر نسبي إضافي راجع إلى السنة لا إلى شهوة الإمام ومن خلفه.
ثم ساق حديث أنس أيضًا فيه: ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده، قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يكبر، ثم يسجد، وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "هذا سياق حديثه، فجمع أنس رضي الله عنه في هذا الحديث الصحيح بين الإخبار بإيجازه صلى الله عليه وسلم الصلاة وإتمامها، وبين فيه أن من إتمامها الذي أخبر به إطالة الاعتدالين حتى يظن الظان أنه قد أوهم أو نسي من شدة الطول فجمع بين الأمرين في الحديث وهو القائل ما رأى أوجز من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أتم، فيشبه أن يكون الإيجاز عائد إلى القيام والإتمام إلى الركوع والسجود والاعتدالين بينهما لأن القيام لا يكاد يفعل إلا تامًا فلا يحتاج إلى الوصف بالإتمام بخلاف الركوع والسجود والاعتدالين، وسر ذلك أنه بإيجاز القيام وإطالة الركوع والسجود والاعتدالين تصير الصلاة تامة لاعتدالها وتقاربها فيصدق قوله: "ما رأيت أوجز ولا أتم من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وهذا هو الذي كان يعتمده صلوات الله عليه وسلامه في صلاته، فإنه كان يعدلها حيث يعتدل قيامها وركوعها وسجودها واعتدالها .. إلخ كلامه رحمه الله تعالى.
فكلام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في غاية التحقيق، فغالب صلاة الناس اليوم خلاف ما ذكره ابن القيم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فترى أكثر الناس إن قام قيامه نقر ركوعه وسجوده، وبعضهم شر من ذلك فينقر قيامه وركوعه وسجوده.
ومما يؤكد أن التخفيف ليس ما يفعله بعض الناس اليوم. قول أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف، ويؤمنا بالصافات، ولا شك ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم أرحم الخلق بأمته {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
ومع ذلك فانظر إلى فعله وقوله تجد أن ذلك يؤكد أن أمر التخفيف ليس كما يفهمه أكثر الناس اليوم.
- ومن المخالفات المتعلقة بأمر النساء أيضًا: ما يقوم به بعضهن من تأخيرهن الصلاة المفروضة حتى يُصلي الرجال وأن من صلى من النساء قبل صلاة الرجال فقد أخطأت.
- تحريك الكفين عند السلام من الصلاة من جهة اليمين عند السلام جهة اليمين، ومن جهة الشمال عند السلام جهة الشمال، وقد جاء النص الصريح في النهي عن ذلك.
فقد كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يُشيرون بأيديهم إذا سلموا، فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس، إذا سلم أحدكم فليلفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده". الحديث أخرجه مسلم.
ومعنى شُمْس: جمع شموس وهو النفور من الدواب الذي لا يستقر لشغبه وحدته. كذا قال ابن الأثير في النهاية.
- هز الرأس في أثناء السلام من الصلاة: فيلاحظ على بعض المصلين أنه عند سلامه من صلاته يرفع رأسه ثم يخفضه ويستمر حتى يفرغ من سلامه.
وهذا الفعل خلاف ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في أئناء سلامه من الصلاة فقد روى أبو داود، والنسائي، والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمه الله، حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره: السلام عليكم ورحمه الله، حتى يرى بياض خده الأيسر. فلم يذكر فيه هز للرأس، فعلم أن ذلك خلاف السنة.
- ومن المخالفات أيضًا: رفع اليدين بعد صلاة الفريضة (1).
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن رفع الأيدي بعد صلاة الفريضة؟
فأجاب -حفظه الله تعالى- بقوله:
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه بعد صلاة الفريضة ولم يصح ذلك أيضًا عن الصحابة رضي الله عنهم فيما نعلم، وما يفعله بعض الناس من رفع أيديهم بعد صلاة الفريضة بدعة لا أصل لها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد". أخرجه مسلم في صحيحه.
وقال عليه الصلاة والسلام: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". متفق عليه.
- ومن المخالفات أيضًا: مُصافحة المصلي لمن يليه عقب الصلاة، وقول: تقبل الله، أو حرمًا.
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: عن المصافحة عقيب الصلاة، هل هي سنة أم لا؟
فأجاب -رحمه الله تعالى- بقوله: الحمد لله، المصافحة عقيب الصلاة ليست مسنونة، بل هي بدعة، والله أعلم. (الفتاوى 23/ 239).
وقد ورد سؤال إلى اللجنة الدائمة هذا نصه:
ما الحكم في مواظبة السلام ومصافحة الإمام والجالس على اليمين والشمال دبر كل صلاة مفروضة؟
فأجابت اللجنة ما نصه: المواظبة على السلام على الإمام ومصافحته والتزام المصلي السلام على من عن يمينه ومن عن يساره عقب الصلوات الخمس بدعة لأنه لم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين وسائر الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان لنقل إلينا لتكرر الصلاة كل يوم خمس مرات، وذلك لا يخفى على المسلمين لكونه في مشاهد عامة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. (كتاب الدعوة ص: 74).
وقال شيخنا الفاضل عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين -حفظه الله تعالى-: كثير من المصلين يمدون أيديهم لمصافحة من يليهم وذلك بعد السلام من الفريضة مباشرة، ويدعون بقولهم:"تقبل الله"، أو "حرمًا" وهذه بدعة لم تنقل عن السلف. اهـ.
- استعمال المسبحة وترك التسبيح بالأصابع:
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله تعالى- مُجيبًا عن سؤال حول المسبحة: تركها أولى، وقد كرهها بعضُ أهل العلم، والأفضل التسبيح بالأصابع كما كان يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بعقد التسبيح والتهليل بالأنامل وقال:"إنهن مسئولات مستنطقات". أخرجه أبو داود، والاقتصار في التسبيح على أصابع اليد اليمنى أفضل وذلك لحديثين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه. أخرجه أبو داود.
الثاني: كان صلى الله عليه وسلم يُحب التيامن ما استطاع في طهوره وتنعله وترجله وفي شأنه كله. أخرجه الشيخان.
وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز عن: إمام مسجد سبح بيمينه فاستغرب ذلك بعضُ المصلين؟
فأجاب سماحة الشيخ بقوله: ما فعله الإمام هو الصواب، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعقد التسبيح بيمينه، ومن سبح باليدين فلا حرج لإطلاق غالب الأحاديث، لكن التسبيح باليمين أفضل عملًا بالسنة
(1) كتاب الدعوة: (ص: 74).
الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله ولي التوفيق.
- ومن المخالفات أيضًا: إشغال النظر.
قال صلى الله عليه وسلم: "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم أبصارهم". رواه مسلم، وأحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة، عن جابر بن سمرة، وأنس -رضي الله تعالى عنهما-.
وبوب عليه ابن خزيمة: باب التغليظ في النظر إلى السماء في الصلاة، إذا علم هذا فإن السنة أن ينظر المصلي إلى موضع سجوده.
أخرج الحاكم في مستدركه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة، وما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها". قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وقد روى أحمد، وابن خزيمة، والبيهقي بإسناد حسن عن عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع يديه اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه السبابة لا يجاوز بصره إشارته.
فدل الحديثان أن المصلي ينظر إلى موضع سجوده وإن شاء نظر إلى سبابته في أثناء التشهد.
- من المخالفات أيضًا: عدم كظم التثاؤب من المصلي في أثناء صلاته. روى مسلم، وأبو داود، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل".
والكظم هو أن يرد التثاؤب ما استطاع، وذلك يكون بوضع اليد على الفم، كما ورد في بعض الروايات:"إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه". رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
- ومن المخالفات أيضًا: تغطية الفم في الصلاة إما بالتلثم أو غيره، فقد روى أبو داود، وابن ماجه، والبغوي، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغطي الرجل فاه.
ويستثنى من ذلك تغطية الفم في أثناء التثاؤب لما تقدم آنفًا.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله تعالى-: يُكره التلثم في الصلاة إلا من علة (1).
- ومن المخالفات أيضًا: الخروج من المسجد بعد الأذان.
قال الإمام المنذري -رحمه الله تعالى-: الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر. ثم ساق بعض الأحاديث في ذلك منها:
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رجلًا خرج بعد ما أذن المؤذن، فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم، وأحمد. وزاد:"إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي".
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر أن يكون على غير وضوء أو أمر لا بد منه. انتهى.
(1) كتاب الدعوة "الفتاوى": (ص: 83).
- ومن المخالفات أيضًا: تشبيك الأصابع في أثناء خروجه إلى المسجد إلى فراغه من الصلاة فإنه في ذلك الوقت منهي عن تشبيك أصابعه.
فعن كعب بن عجرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدًا إلى المسجد فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة". رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يَقُلْ هكذا: وشبك بين أصابعه". رواه الحاكم.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه -أيضًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا توضأ أحدكم للصلاة فلا يشبك بين أصابعه". رواه الطبراني في معجمه الأوسط.
فهذه الأحاديث الدالة على النهي عن تشبيك الأصابع عند الخروج إلى الصلاة إلى الفراغ منها.
- ومن المخالفات أيضًا: السكتة بعد الفاتحة سكتة طويلة: هذه السكتة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: "ولم يستحب أحمد أن يسكت الإمام لقراءة المأموم، ولكن بعض أصحابه استحب ذلك، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقل هذا أحد عُلم أنه لم يكن، وأيضًا فلو كان الصحابة كلهم يقرءون الفاتحة خلفه صلى الله عليه وسلم، إما في السكتة الأولى وإما في الثانية لكان هذا مما تتوفر الهمم والداوعي على نقله فكيف ولم ينقل أحد من الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية يقرءون الفاتحة مع أن ذلك لو كان شرعًا لكان الصحابة أحق الناس بعلمه، فعلم أنه بدعة". اهـ.
وقد وجه إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله تعالى- سؤالان حول هذه المسألة. وهذا نص السؤال الأول: ما حكم وقوف الإمام بعد الفاتحة لحين يقرأ المأموم الفاتحة، وإذا لم يقف الإمام تلك الوقفة فمتى يقرأ المأموم الفاتحة؟
فأجاب -حفظه الله تعالى- بقوله: ليس هناك دليل صحيح صريح يدل على شرعية سكوت الإمام حتى يقرأ المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية. أما المأموم فالمشروع له أن يقرأها في حالة سكتات إمامه إن سكت، فإن لم يتيسر ذلك قرأها المأموم سرًا ولو كان إمامه يقرأ ثم ينصت بعد ذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ " قالوا: نعم. قال: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأها". رواه أحمد، وأبو داود، وابن حبان بإسناد حسن.
وهذان الحديثان يخصصان قوله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا".
الحديث رواه مسلم في صحيحه. وإجابة السؤال الثاني نحوه. اهـ.
- ومن المخالفات أيضًا: الصلاة بين السواري.
عن قرة -رضي الله تعالى عنه- قال: "كنا نُنهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ونطرد عنها طردًا". أخرجه ابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والطيالسي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وعن عبد الحميد بن محمود قال: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدفعنا إلى السواري فتقدمنا وتأخرنا فقال أنس: "كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم". أخرجه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن حبان، والحاكم.
قال البيهقي: هذا -والله أعلم- لأن الأسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف، فإن كان منفردًا ولم يجاوزا ما بين الساريتين لم يكره إن شاء الله تعالى. لما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى في بين العمودين المقدمين (1).
ورخص مالك في الصلاة بينها عند الزحام، فقال: لا بأس في الصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد. اهـ.
- ومن المخالفات أيضًا: ما اعتاده بعض الناس من تقبيل المصحف وغالبًا ما يكون هذا بعد الفراغ من القراءة أو عندما يجد المصحف في مكان ممتهن، ولا ريب أن فاعل ذلك الشيء قصده احترام المصحف وصونه عن الإهانة إلا أن صلاح النية ليس دليلًا على صلاح العمل.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن القيام للمصحف وتقبيله؟ وهل يُكره أيضًا أن يفتح فيه الفأل؟
فأجاب -رحمه الله تعالى- بما نصه: الحمد لله، والقيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شيئًا مأثورًا عن السلف.
وقد سُئل الإمام أحمد عن تقبيل المصحف؟ فقال: ما سمعت فيه، ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل أنه كان يفتح المصحف ويضع وجهه عليه ويقول: كلام ربي، كلام ربي، ولكن السلف وإن لم يكن من عادتهم القيام له، فلم يكن من عادتهم قيام بعضهم لبعض. اللهم إلا لمثل القادم من مغيبة ونحو ذلك.
ثم قال بعد كلام له: وأما استفتاح الفأل في المصحف، فلم ينقل عن السلف فيه شيء، وقد تنازع فيه المتأخرون، وذكر القاضي أبو يعلى فيه نزاعًا، ذكر عن ابن بطة أنه فعله، وذكر عن غيره أنه كرهه، فإن هذا ليس الفأل الذي يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يحب الفأل ويكره الطيرة.
والفأل الذي يُحبه هو أن يفعل أمرًا أو يعزم عليه متوكلًا على الله، فيسمع الكلمة الحسنة التي تسره، مثل أن يسمع: يا نجيح، يا مُفلح، يا سعيد، يا منصور، ونحو ذلك
…
إلخ كلامه -رحمه الله تعالى-. (مجموع الفتاوى 23، ص 65، 66).
- ومن المخالفات أيضًا: التنطع في قراءة القرآن الكريم.
فإن بعض القراء ينفرون من سماع كلام الله تعالى، وذلك عائدًا إلى تنطعهم في القراءة والتكلف في إخراج الحروف بطريقة متعنتة.
والله تعالى يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17].
قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: يعني هونا قراءته. وقال السدي: يسرنا تلاوته على الألسن.
(1) مختصرًا من السنن الكبرى: (3/ 104).