الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما ما ورد من أن بعض السلف أخّر الصبي فهو إما رأي صحابي، أو محمول على صبي لا يعقل الصلاة، ويعبث فيها (1).
أن طرد الصبي من الصف الأول يؤدي إلى كسر قلبه، وتنفيره من الصلاة، وبغضه المسجد.
والشارع الحكيم يحرص على ترغيبهم في الصلاة وحضور المسجد.
أن هذا قد يؤدي إلى اجتماع الصبيان في مكان واحد متأخر، وهو سبب في عبثهم وتشويشهم.
أن هذا الصبي يكره الرجل الذي أقامه من مكانه ويحقد عليه، ويدوم على ذكره بسوء؛ لأن الصغير عادة لا ينسى ما فعل به (2).
ثم إن إحضار الصبيان للمسجد ليس مقصورًا على تعليمهم الصلاة وترغيبهم في المسجد، بل هناك مقاصد أخرى منها:
أن يكون الصبي صغيرًا وليس له في البيت من يرعاه وقت الصلاة فيصحبه المصلي معه. أو يكون الإنسان في السوق أو في الطريق ومعه ابنه فتحضر الصلاة فيدخله المسجد معه. ونحو ذلك مما يعرض ولا سيما في أوقات الصلاة.
أما ما ورد في حديث أبي مسعود رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"(3) فهذا لا يفيد تأخير الصغار عن أماكنهم، وإنما هو حث لأولى الأحلام والنهي -وهم أصحاب العقول- على التقدم ليكونوا وراء الإمام، لتنبيهه على سهو إن طرأ، أو استخلاف أحدهم إن احتاج إلى ذلك. ولو كان المراد النهي عن تقدم الصبيان لقال: لا يلني إلا أولو الأحلام والنهي (4).
وتجوز مصافة الصبي، وذلك بأن يقف معه رجل بالغ في صف واحد، أو يصلي بالغ بعدد من الصبيان، فيكونون صفًا -وهذا على الراجح من قولي أهل العلم، وهو قول الجمهور- لورود أدلة صحيحة صريحة تفيد ذلك؛ ومن ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن جدته مليكة رضي الله عنها دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته، فأكل منه، فقال:"قوموا فلأصل بكم"، فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبث فنضحته بماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم واليتيم معي، والعجوز من ورائنا، فصلى بنا ركعتين (5).
فهذا الحديث دليل على جواز مصافة البالغ الصبي؛ لأن هذا اليتيم صفّ مع أنس رضي الله عنه خلف النبي صلى الله عليه وسلم.
واليتيم: من مات أبوه ولم يبلغ.
الحكم الثامن في دخول الجنب والحائض المسجد
دخول الجنب والحائض المسجد إما أن يكون عبورًا ومرورًا به لأخذ شيء منه كسجادة أو كتاب ونحو ذلك، أو يكون لبثًا وجلوسًا فيه.
(1) انظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن (2/ 533)، الفروع (1/ 406، 407).
(2)
الشرح الممتع (3/ 21).
(3)
أخرجه مسلم (432)، ومثله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو عند مسلم أيضًا.
(4)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 1116).
(5)
أخرجه البخاري (380)، ومسلم (658)، وقوله:"فلأصلّ لكم" اللام لام الأمر وهي ساكنة لوقوعها بعد فاء العطف، والفعل مجزوم بحذف الياء. وفي رواية:"فلأصل" بكسر اللام على أنها للتعليل. والفعل بعدها منصوب بفتح الياء. (تنبيه الأفهام)، لابن عثيمين (1/ 172).
فإن كان مرورًا به فإنه يجوز ذلك للجنب والحائض على الراجح من أقوال أهل العلم، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43].
والمراد بالصلاة: أماكنها وهي المساجد، والمعنى: لا تقربوا المصلّى للصلاة وأنتم سكارى .. ولا تقربوه جنبًا حتى تغتسلوا {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} أي: مجتازين للخروج منه، وقد روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس بأسانيد فيها مقال، وثبت هذا التفسير عن جماعة من التابعين كسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي (1). وذهب إلى هذا التفسير الشافعي، كما في كتابه "الأم" ونقله عنه ابن المنذر (2).
ورجحه ابن جرير وابن كثير وقال: وهو الظاهر من الآية. ومال إليه القرطبي والشوكاني في تفسيرهما (3)، قالوا: ولا يراد بالآية: الصلاة، وبقوله:{إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} المسافر؛ لأن التيمم لا يخص المسافر، ولأنه بين حكم المسافر في آخر الآية {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن النهي في الآية عن قربان الصلاة وعن قربان موضعها (4).
وأما الحائض فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "ناوليني الخُمرة من المسجد"، قالت: إني حائض، قال:"إن حيضتك ليست في يدك"(5).
فهذا يدل على جواز مرور الحائض في المسجد وأنها ليست نجسة، ولكن النجس منها هو موضع الدم وهو الفرج؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تأتيه بالخمرة من المسجد. والخُمرة: بضم الخاء: حصير صغير.
وأما لبث الجنب في المسجد فلا يجوز، على الراجح من أقوال أهل العلم، استدلالًا بالآية السابقة، وأخذًا بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا أحل المسجد لحائض ولا جنب"(6).
لكن إن توضأ الجنب جاز له اللبث على ما قال الإمام أحمد. واختاره ابن تيمية (7) لما روى حنبل بن إسحاق عن أبي نعيم، عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد على غير رضوء، وكان الرجل يكون جنبًا فيتوضأ، ثم يدخل المسجد فيتحدث (8).
(1) تفسير ابن جرير (8/ 379 - 384).
(2)
الأم (1/ 70، 71)، الأوسط لابن المنذر (2/ 108).
(3)
تفسير ابن كثير (2/ 275)، تفسير القرطبي (5/ 207)، فتح القدير (1/ 469).
(4)
الفتاوى الكبرى (1/ 126).
(5)
أخرجه مسلم (298)، وأخرجه بلفظ آخر (299).
(6)
أخرجه أبو داود (232)، وابن خزيمة (1327)، وهو حديث مختلف في تصحيحه، فقد صححه ابن خزيمة، وحسنه ابن القطان في "الوهم والغيهام"(5/ 332)، والزيلعي في "نصب الراية"(1/ 194)، كما صححه الشوكاني في "نيل الأوطار"(1/ 270)، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: لا بأس بإسناده.
وضعفه البيهقي في سننه (2/ 443)، وقال عبد الحق: لا يثبت، وبالغ ابن حزم فقال في "المحلى" (2/ 186): إنه باطل.
(7)
الفتاوى (21/ 344، 345).
(8)
ذكره ابن كثير في تفسيره (2/ 275)، وذكره المجد في المنتقى (1/ 399)، وقال ابن كثير: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم. اهـ. وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات، سوى هشام بن سعد. فقد قال عنه الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام. اهـ. لكن نقل الحافظ في تهذيبه (11/ 37)، أن الآجري روى عن أبي داود أنه قال: أثبت الناس في زيد بن أسلم هشام بن سعد. اهـ.