الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يكون المراد باليد الإصبع؛ حملًا للمطلق على المقيد) (1).
كما ورد الرد إيماء بالرأس، وذلك في حديث ابن مسعود:(فأومأ برأسه)، وفي رواية:(فقال برأسه، يعني: الرد)(2).
قال في نيل الأوطار: (ويجمع بين الروايات أنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا مرة وهذا مرة فيكون جميع ذلك جائزًا)(3) والله أعلم.
الحكم السادس صلاة تحية المسجد
ومن آداب حضور المساجد -وهي بيوت الله تعالى وأمكنة عبادته- أن يصلي الداخل ركعتين تعظيمًا لله تعالى، وإكرامًا لموضع العبادة. وهذه الصلاة هي تحية المسجد؛ لأن الداخل يبتدئ بهما كما يبتدئ الداخل على القوم بالتحية.
وقد دلّ على مشروعية تحية المسمجد حديث أبي قتادة السلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين". وفي رواية: "فيركع ركعتين قبل أن يجلس"(4).
حكم تحية المسجد
جمهور العلماء على أن تحية المسجد من السنن المندوب إليها وليست واجبة. قال في فتح الباري: (اتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب)(5). وقال ابن دقيق العيد: (وجمهور العلماء على عدم الوجوب لهما)(6). وقال النووي: (إنه إجماع المسلمين)(7). ولكن نقل الإجماع فيه نظر، فقد نقل ابن بطال عن أهل الظاهر قولهم بالوجوب (8). وحكى ذلك القاضي عياض عن داود وأصحابه (9)، والذي صرح به ابن حزم خلافه (10)، وعمدة الجمهور في عدم الوجوب:
حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس فقد آذيت" ولني رواية: "وآنيت"(11). أي: أبطأت وتأخرت.
ووجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بالجلوس ولم يأمره بتحية المسجد فدل على أنها غير واجبة.
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة الأعرابي، وهو ضمام بن ثعلبة لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يجب
(1) نيل الأوطار (2/ 370).
(2)
أخرجه البيهقي (2/ 260)، من طريق محمد بن الصلت التوزي، وقد تفرد به، قال البيهقي وقاله عنه الحافظ في التقريب: صدوق يهم. اهـ وعلى هنا ففي ثبوت هذه الصفة نظر، والأولى الاقتصار على الصفتين الأوليين، والله أعلم.
(3)
نيل الأوطار (2/ 371)، وانظر في موضوع السلام على المصلي "زاد المعاد"(2/ 413).
(4)
أخرجه البخاري (433)، ومسلم (714).
(5)
فتح الباري (1/ 537).
(6)
إحكام الأحكام (2/ 467).
(7)
شرح مسلم (5/ 233).
(8)
شرح ابن بطال على صحيح البخاري (2/ 93).
(9)
شرح القاضي عياض على صحيح مسلم (3/ 49).
(10)
المحلى (2/ 231).
(11)
أخرجه أبو داود (3/ 467)، والنسائي (3/ 103)، وأحمد (4/ 188). والزيادة له، والحديث إسناده حسن، وله شواهد، وصححه ابن خزيمة (3/ 156).
عليه من الصلاة فأجابه صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس، فقال: هل علي غيرها؛ قال: "لا، إلا أن تطوّع"(1).
ومن قال بالوجوب استدل ما يلي:
حديث أبي قتادة المذكور، وقد ورد بلفظ الأمر "فليركع ركعتين" وبلفظ النهي "فلا يجلس"، والأمر عند الإطلاق للوجوب، والنهي عند الإطلاق للتحريم؛ وحديث أنس في قصة الأعربي لا يصلح أن يكون صارفًا كما سيأتي إن شاء الله.
حديث جابر رضي الله عنه قال: دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: "أصليت؛ " قال: لا. قال: "فصلّ ركعتين". والرجل هو: سليك الغطفاني، كما وقع مسمى عند مسلم (2).
ووجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر سليكًا بتحية المسجد بعدما جلس، وقطع الخطبة لأجل سؤاله وأمره بالصلاة. وهذا من مؤكدات الايجاب. ولو سقطت التحية في حال لكان هذا الحال أولى بها؛ فإنه مأمور باستماع الخطبة، فلما ترك لها استماع الخطبة دل على تأكدها.
وقد أجاب القائلون بالوجوب عن أدلة الأولين ما يلي:
أما حديث "اجلس فقد آذيت" فلا دلالة فيه صريحة على عدم الوجوب؛ لاحتمال أن المراد "اجلس" أي: لا تتخط. ولم يقصد ترك التحية، أو أن المراد: اجلس بشرط الجلوس المفهوم من قوله: "قال يجلس حتى يصلي ركعتين"، ولاحتمال أن يكون هذا الصحابي صلّى التحية في جانب من المسجد قبل وقوع التخطي منه، أو أنه كان ذلك قبل الأمر بها والنهي عن تركها، وإذا وجد الاحتمال بطل الإستدلال، لا سيما والحديث معارض بمثل حديث جابر في قصة سليك وحديث في قتادة، ودلالتهما أصرح (3).
وأما حديث أنس في قصة الأعرابي فعنه ثلاثة أجوبة:
إن التعاليم الواقعة في مبادئ الشريعة لا تصلح لصرف ما تجدد من الأوامر عن الوجوب؛ لأن الشريعة كانت شيئًا فشيئًا وإلا لزم على ذلك أن واجبات الشريعة هي ما ذكر في حديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة من الشهادتين والصوم والحج والزكاة، وعلى ما قُرِّرَ يكون له:"إلا أن تطوع" حصرًا باعتبار وقت السؤال، ولم يقل: إنه لا يجب عليه ما يوجبه الله على عباده بعد ذلك، بل ما أوجبه الله وجب. ولا ريب أن واجبات الشريعة قد بلغت أضعاف أضعاف تلك الأمور.
إن قوله: "إلا أن تطوع" ينفي وجوب الواجبات ابتداء لا الواجبات بأسباب يختار المكلف فعلها، كتحية المسجد -مثلًا-.
إن جماعة من المتمسكين بحديث ضمام بن ثعلبة في صرف الأمر عن الوجوب في حديث أبي قتادة قالوا بوجوب صلوات خارجة عن الخمس، كالجنازة وركعتي الطواف والعيدين. فما أجابوا به عن إيجاب هذه الصلوات هو جواب الموجبين لتحية المسجد، والله أعلم (4).
قال ابن دقيق العيد على حديث أبي قتادة: (ولا شك أن ظاهر الأمر الوجوب وظاهر النهي التحريم،
(1) أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11).
(2)
أخرجه البخاري (930)، ومسلم (875).
(3)
انظر فتح الباري (9/ 402).
(4)
انظر نيل الأوطار (3/ 79).