الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم الرابع عشر في صفة الصلاة
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(1). وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم صفة الصلاة بالقول والفعل. وحريّ بالمكلف أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم في صفة صلاته، فإن ذلك أقوى في إيمانه، وأدلّ على اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكمل في عبادته. وكثير من الناس يخلّون في الصلاة بأشياء، إما جهلًا وإما تهاونًا، وسأذكر -بعون الله- صفة الصلاة كما ثبت في السنة، مجرد عن الدليل خشية الإطالة، مع عزو كل صفة إلى مصدرها من مصادر السنة، فأقول:
يسن القيام إلى الصلاة عند قول المؤذن: "قد قامت الصلاة"، وإن قام عند رؤية الإمام، أو عند أول الإقامة فلا بأس؛ لأن في الأمر سعة (2).
ثم يكبر تكبيرة الإحرام قائلًا: "الله أكبر"، لا يجزئ عنها غيرها (3)، رافعًا يديه إلى منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، مبسوطتين، مضمومتي الأصابع مستقبلًا ببطونهما القبلة (4).
وما يفعله بعض الناس من الرفع إلى سرته، أو فوفها بقليل فهو قصور في تطبيق السنة.
وهذا الرفع مشروع في حق المرأة أيضًا؛ لأن الأصل أن ما ثبت في حق الرجال يثبت في حق النساء، وكذا العكس، إلا ما دل الدليل على استثنائه (5).
فإن وجد مانع من الرفع رفع حسب استطاعته، فإن كان لا يستطع رفعهما معًا، رفع واحدة. والأفضل أن يبدأ التكبير مع رفع يديه، وينهيه مع انتهاء الرفع؛ لأن الرفع للتكبير، وله أن يقدم الرفع قبل التكبير، أو يقدم التكبير قبل الرفع (6). فإذا فرغ من تكبيرة الإحرام سن له أن يقبض كوع يسراه بيمينه (7) أو يضع يده اليمنى على ذراع اليد اليسرى، ثم يضعهما على صدره (8)، وهو دليل الخشوع والذل والانكسار بين يدي رب العالمين (9).
والسنة أن ينظر المصلي إلى موضع سجوده؛ لأنه أخشع للقلب، وأكف للبصر، وأبلغ في الخضوع، ولا فرق في ذلك بين المسجد الحرام وغيره؛ لعدم المخصص (10).
ولم يرد في المسافة بين القدمين حال القيام سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فتكون المسافة بحسب طبيعة الإنسان حال وقوفه؛ لأن كل شيء لم يرد به صفة شرعية فإنه يبقى على طبيعته (11).
ثم يستفتح وهو سنة، فيقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله
(1) انفرد بها البخاري (631)، عن بقية أصحاب الكتب الستة.
(2)
انظر: شرح النووي على مسلم (5/ 105)، بدائع الفوائد (3/ 80).
(3)
زاد المعاد (1/ 201).
(4)
البخاري (735)، ومسلم (390، 391)، وانظر: زاد المعاد (1/ 202).
(5)
المغني (2/ 258)، مجموع فتاوى ابن عثيمين (13/ 73، 74).
(6)
انظر: نيل الأوطار (2/ 179).
(7)
أبو داود (723)، النسائي (2/ 97). وإسناده صحيح. وانظر: التلخيص (1/ 238).
(8)
البخاري (740)، ابن خزيمة (479)، البيهقي (2/ 30)، وانظر: الشرح الممتع (3/ 46).
(9)
انظر: الخشوع في الصلاة، لابن رجب ص (35، 36).
(10)
الشرح الممتع (3/ 51).
(11)
انظر: الإنصاف (2/ 69).
غيرك" (1)، أو يقول: (اللهم باعد يني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد"(2)، أو غير ذلك إحياء للسنة، وهو أحضر للقلب، وأدعى لفهم ما يقول (3).
ثٍم يستعيذ للقراءة، والاستعاذة سنة؛ ثم يبسمل، وهي سنة أيضًا، ثم يقرأ الفاتحة سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، وسواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، فيقرأ المأموم الفاتحة ولو في أثناء جهر الإمام بالقراءة (4)؛ لأن الفاتحة ركن لا تصح الصلاة إلا بها، إلا المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركعة، وتسقط عنه الفاتحة -كما تقدم-.
ويجب أن تكون قراءة الفاتحة في حال القيام، فإن قرأ شيئًا منها قبل أن يقوم إلى الركعة الثانية بلا عذر لم تصح" (5).
ولا بد أن يقرأ الفاتحة تامة متوالية، مع تشديداتها، فإن أسقط منها حرفًا أو لحن فيها لحنًا يغير المعنى لم تصح، وإذا انتهى من قراءتها قال: آمين. والسنة أن يكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام -كما تقدم أيضًا-، ثم يقرأ ما تيسر من القرآن، وإن كان مأمومًا قرأ بقدر إطالة الصلاة -كالظهر مثلًا-؛ لأن الصلاة ليس فيها سكوت إلا فبحال جهر الإمام.
ثم يسكت بعد قراءته سكتة لطيفة، ثم يركع رافعًا يديه -كما تقدم-، والمجزئ من الركوع هو الانحناء بحيث يمكنه مسّ ركبتيه بيديه (6).
والركوع الموافق للسنة ما اجتمع فيه أربع صفات:
الأولى: أن يمد ظهره ويبسطه فلا يقوسه ولا يهصره بحيث ينزل وسطه.
الثانية: أن يجعل رأسه حيال ظهره، فلا يرفعه ولا يخفضه (7).
الثالثة: أن يضع كفيه على ركبتيه، مفرّجتي الأصابع، قابضًا بهما على ركبتيه.
الرابعة: أن يجافي مرفقيه عن جنبه ما لم يؤذ أحدًا، وإلا ترك ذلك (8)، ثم يقول: سبحان ربي العظيم (9). والواجب مرة واحدة، والأفضل الإكثار من التسبيح على مقدار تطويل الصلاة (10)، إلا إذا كان
(1) أبو داود (775)، والترمذي (242)، والنسائي (2/ 132)، وابن ماجه (806)، والحاكم (1/ 235)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وفي رفع هذا الحديث مقال لأهل العلم، وقد صح عن عمر موقوفًا، وله حكم الرفع. وقد اختار الإمام أحمد هذا الاستفتاح لعشرة أوجه، ذكرها ابن القيم في زاد المعاد (1/ 205).
(2)
البخاري (744)، ومسلم (598).
(3)
وهذا الذي ينبغي في العبادات الواردة على وجوه متعددة كأفعال الصلاة وأقوالها -كما تقدم ص (58) -، انظر: قواعد ابن رجب "القاعدة الثانية عشرة"، مجموع فتاوى ابن تيمية (22/ 459).
(4)
مجموع الفتاوى (22/ 340)، نيل الأوطار (2/ 243)، فتاوى الشيخ ابن باز (1/ 61)، مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (13/ 154).
(5)
مجمع فتاوى ابن عثيمين (13/ 352).
(6)
منتهى الإرادات (1/ 214)، المجموع شرح المهذب (3/ 406).
(7)
مسلم (498)، وابن ماجه (872)، وانظر: مجمع الزوائد (2/ 305)، فتح الباري (2/ 275).
(8)
البخاري (828)، والترمذي (260)، وأبو داود (731)، (734).
(9)
أبو داود (869)، وابن ماجه (887)، وانظر: صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني ص (132).
(10)
انظر: سنن الترمذي (2/ 57)، والمصدر السابق.
إمامًا فلا يطيل، إلا إن علم من حال المأمومين أنهم يؤثرون ذلك.
وإن قال: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"(1) فحسن، أو غير ذلك من أذكار الركوع الواردة في السنة (2).
ثم يرفع رأسه من الركوع مكبرًا رافعًا يديه -كما تقدم-، ويعتد قائمًا حتى يرجع كل عضو إلى موضعه (3)، ويطمئن (4)، ويقول حال رفعه:"سمع الله لمن حمده"، إمامًا كان أو منفردًا، ثم يقول وهو قائم:"ربنا ولك الحمد"(5)، أو يقول:"ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"(6). ويضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى حال قيامه؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التفريق بين ما قبل الركوع وما بعد الرفع منه، بل ظاهر السنة هو الوضع المذكور (7).
ثم يهوي للسجود مكبرًا، والأفضل أن يكون ابتداء التكبير مع ابتداء انحطاطه، وانتهاوه مع انتهائه.
والسنة أن يضع المصلي ركبتيه على الأرض ثم يديه ثم جبهته وأنفه (8)، فإن احتاج لتقديم يديه قبل ركبتيه لكبر أو مرض فله ذلك. فيسجد على جبهته مع أنفه، ويديه وركبتيه وأطراف قدميه. والسجود الموافق للسنة ما اجتمع فيه أربع صفات:
الأولى: أن يجعل يديه حال سجوده حذو منكبيه، وله أن يسجد بين كفيه، وله أن يجعلهما حذو أذنيه، فكل ذلك ورد في السنة (9).
الثانية: أن يبسط كفيه، مضموتي الأصابع إلى القبلة (10).
الثالثة: أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقية (11)، وهذه المجافاة سنة ما لم يؤذ من بجانبه، فإن حصل ذلك ترك المجافاة.
الرابعة: أن يضم قدميه في أثناء السجود، ويثني أصابعهما بحيث تكون في اتجاه القبلة (12). ويسن
(1) البخاري (4968)، ومسلم (484).
(2)
الأذكار للنووي ص (50).
(3)
البخاري (828).
(4)
البخاري (757)، ومسلم (397).
(5)
البخاري (789)، مسلم (392/ 28).
(6)
مسلم (477).
(7)
البخاري (740)، وانظر: رسالة الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمه الله (أين يضع المصلي يديه بعد الرفع من الركوع)، ضمن "ثلاث رسائل في الصلاة" من مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. وانظر: النكت على المحرر لابن مفلح (1/ 62).
(8)
أبو داود (838)، والنسائي (2/ 206)، والترمذي (268)، وقال: حديث حسن غريب. وانظر: المغني (1/ 193)، وزاد المعاد (1/ 223)، والشرح الممتع (3/ 154).
(9)
أبو داود (734)، والترمذي (270، 171)، وقال عن كل واحد منهما: حديث حسن صحيح.
(10)
سنن الترمذي (2/ 59 - 61).
(11)
البخاري (390)، ومسلم (495).
(12)
الشرح الممتع (3/ 169). صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني، ص (142)، وانظر: رسالة "لا جديد في أحكام الصلاة" لبكر أبو زيد -الطبعة الثالثة- فقد أثبت أن السنة في القدمين حال السجود هو التفريق باعتدال على سمت =
الاعتدال في السجود، ولا ينبغي الامتداد الزائد، فإنه خلاف السنة (1)، ولا يبسط ذراعيه على الأرض، إلا إذا طال السجود فله أن يعتمد مرفقيه على فخذيه (2)، وينبغي للمصلي أن يباشر الأرض بجبهته إلا إن كان الحائل منفصلًا -كفراش المسجد- فيجوز، فإن كان متصلًا -كطرف ثوبه أو غترته ونحو ذلك- كره السجود عليه إلا لحاجة، كبرد أو حر أو شوك ونحو ذلك (3)، ثم يقول: سبحان ربي الأعلى (4)، ثلاثًا، ويجزئ واحدة، وله أن يقول:"سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"(5)، أو يقول:"اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره"(6).
إلى غير ذلك مما ثبت في السنة، وينبغي الإكثار من الدعاء حال السجود، لقرب العبد من ربه تبارك وتعالى (7).
ثم يرفع رأسه مكبرًا في حال رفعه، ويجلس مفترشًا رجله اليسرى، ناصبًا اليمنى، مستقبلًا بأصابعها القبلة (8)، ويضع يديه على فخذيه، وأطراف أصابعه عند ركبتيه، وله أن يضع اليمنى على الركبة، واليسرى يلقمها الركبة كالقابض لها، وكلا اليدين تكون مبسوطة مضمومة الأصابع، موجهة إلى القبلة (9)، وإن قبض من اليد اليمنى الخنْصر -وهي الإصبع الصغرى- والبنْصر -وهي الإصبع التي تلي الخنصر- وحلَّق الإبهام -وهي الإصبع الكبيرة مع الوسطى- أو غير ذلك من الصفات، ورفع السبابة يحركها عند الدعاء جاز، فقد قال بذلك بعض العلماء استنادًا لبعض النصوص (10). ويقول: ربي اغفر لي (11) ثلاثًا، ويجزئ واحدة، وله أن يقول:"اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني"(12).
ثم يسجد الثانية كالأولى في الهيئة والدعاء، ثم يرفع مكبرًا ناهضًا على صدور قدميه (13)، معتمدًا بيديه
= البدن وضعّف القول برص الساجد عقبيه، والله أعلم.
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين (13/ 187).
(2)
أبو داود (902)، والترمذي (286)، وأحمد (14/ 182)، وإسناده قوي وصححه أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي. وانظر: فتح الباري (2/ 294)، والتنقيح المشبع ص (69).
(3)
المغني (1/ 197)، الشرح الممتع (3/ 160).
(4)
أبو داود (871)، والترمذي (262)، وقال: حديث حسن صحيح.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
مسلم (483).
(7)
الأذكار للنووي (53)، وصفة الصلاة للألباني ص (145).
(8)
مسلم (498)، وأبو داود (958)، والنسائي (2/ 187)، وانظر: المغني (2/ 205).
(9)
يرى الفقهاء رحمهم الله أن اليد اليمنى تبسط بين السجدتين كما تبسط اليسرى، وحملوا الأحاديث التي فيها القبض على الجلوس للتشهد، وانظر: فتاوى ابن باز (11/ 146).
(10)
قال بذلك ابن القيم كما في زاد المعاد (1/ 238)، وتبعه على ذلك الشيخ محمد العثيمين كما في مجموع فتاويه (13/ 191 - 211)، وانظر: رسالة "لا جديد في أحكام الصلاة" لبكر أبو زيد ص (38).
(11)
أبو داود (874)، والنسائي (2/ 183)، وابن ماجه (897)، والحاكم (1/ 271)، وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صفة الصلاة ص (153).
(12)
أبو داود (850)، والترمذي (284)، وابن ماجه (898)، والحاكم (1/ 271)، وصححه ووافقه الذهبي. وحسنه النووي في "الأذكار" ص (56)، وقد نقل الترمذي في هذا الموضع عن الشافعي وأحمد وإسحاق أنهم يرون أن هذا الدعاء جائز في المكتوبة والتطوع.
(13)
أبو داود (992)، (838)، والنسائي (2/ 186)، وابن خزيمة (629).
على ركبتيه إن سهل، وإلا اعتمد على الأرض (1)، ولا يجلس جلسة الاستراحة -وهي جلسة خفيفة كهيئة الجلوس بين السجدتين- إلا إن فعلها إمامه، وإلا نهض لئلا يخالفه (2).
ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى، سوى تكبيرة الإحرام والاستفتاح، ولا يستعيذ للقراءة في الركعة الثانية؛ لأن الصلاة جملة واحدة، إلا إذا لم يتعوذ في الركعة الأولى لكونه أدرك الإمام راكعًا، فيتعوذ إذا قام للقراءة، أما البسملة فتسن في كل ركعة؛ لأنها تستفتح بها السورة (3).
فإذا فرغ من الركعة الثانية جلس للتشهد الأول كجلوسه بين السجدتين، ويضع يديه على فخذيه، ويقبض الخنصر والبنصر، ويحلق حلقة بالإبهام مع الوسطى، أو يضم الخنصر والبنصر والوسطى ويضم إليها الإبهام، وتبقى السبابة مفتوحة، أما اليسرى فهي مبسوطة، مضمومة الأصابع، وأطرافها إلى القبلة (4)، ويرفع السبابة يشير بها (5)، ويرمي ببصره إليها (6).
ثم يقرأ التشهد، وله صيغ متعددة، وبأي تشهد تشهّد مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز (7)، فإن تشهد بنوع
مرة وبنوع مرة أخرى فهو أفضل. ومن ذلك: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله (8).
فإن فرغ المأموم من هذا التشهد قبل قيام إمامه إلى الركعة الثالثة فإنه يقرأ بقية التشهد، وهو قوله: (اللهم صل على محمد
…
) إلخ، لا سيما إن كان الإمام يكمل التشهد، فإن المأموم يكمله؛ لأنه تابع لإمامه (9)، ولأن الصلاة ليس فيها سكوت إلا حال قراءة الإمام.
فإذا فرغ من التشهد الأول نهض إلى الثالثة كما تقدم في صفة النهوض من السجود إلى الركعة الثانية، فإذا اعتدل رفع يديه -كما فعل عند تكبيرة الإحرام- ويصلي الركعة الثالثة -إن كانت الصلاة ثلاثية- والرابعة -إن كانت رباعية- كالركعة الثانية، إلا أنه لا يجهر بالقراءة ويقتصر على قراءة الفاتحة (10). وإن قرأ أحيانًا شيئًا مع الفاتحة فهذا أفضل، لا سيما عمن كان مأمومًا وفرغ من
(1) انظر: المغني (2/ 215)، ويرى مالك والشافعي أن السنة أن ينهض معتمدًا على يديه لحديث مالك بن الحويرث:(أنه صلى الله عليه وسلم لما رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قاعدًا ثم اعتمد على الأرض)، أخرجه النسائي (2/ 186)، ولعل ذلك محمول على أنه كان منه صلى الله عليه وسلم لمشقة القيام عليه لضعفه وكبره، وبهذا تجتمع الأدلة، وهو قول صاحب المغني (2/ 214).
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية (22/ 425)، الممتع (3/ 112). وفي جلسة الاستراحة خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنها سنة، ومنهم من قال: إنها تشرع عند الحاجة، وهو الذي اختاره ابن قدامة وابن القيم. فانظر: المغني (2/ 213)، زاد المعاد (1/ 240).
(3)
المغني (2/ 215).
(4)
مسلم (579)، (580).
(5)
أبو داود (726)، والنسائي (2/ 126)، وابن الجارود (208)، وابن خزيمة (1/ 355، 356)، وإسناده صحيح، وانظر: زاد المعاد (1/ 238)، فتاوى ابن باز (11/ 185).
(6)
أبو داود (990)، والنسائي (3/ 39)، وأحمد (26/ 25)، وابن خزيمة (718، 719)، وهو حديث صحيح.
(7)
المغني (2/ 202)، صفة الصلاة للألباني ص (161).
(8)
البخاري (835)، ومسلم (402).
(9)
انظر: صفة الصلاة للألباني ص (164).
(10)
البخاري (776)، ومسلم (451).
الفاتحة قبل أن يركع إمامه، لما تقدم (1).
وفى آخرها يجلس للتشهد الأخير متورّكًا، وصفته: أن يفرش رجله اليسرى، ويخرجها عن يمينه، وينصب اليمنى، جاعلًا مقعدته على الأرض (2) أو يفرش قدميه كليهما، ويخرجهما من الجانب الأيسر (3).
أو يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين فخذ وساق الرجل اليمنى (4)، والأفضل أن يفعل هذا تارة، وهذا تارة، كما تقدم. والمرأة كالرجل في ذلك (5). ثم يقرأ التشهد الأخير كالأول، ويزيد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وردت بألفاظ متعددة (6).
ثم يتعوذ قائلًا: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شرّ فتنة المسيح الدجال"(7) ثم يدعو بما شاء من أمور دينه ودنياه، ومن الوارد:"اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"(8)، "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت"(9).
ثم يسلم عن يمينه قائلًا: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك، ويبالغ في الالتفات حتى يرى بياض خده (10)، وإن زاد أحيانًا "وبركاته" جاز لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (11) لكن لا يداوم عليها؛ لأنها لم ترد في أكثر أحاديث السلام.
ولا أصل للمصافحة بعد الصلاة -كما يفعله بعض الناس- فيصافح الذي عن يمينه وشماله، قائلًا: تقبل الله، سواء كان ذلك بعد صلاة الفجر والعصر أو بعد كل صلاة، فإن هذا من البدع المحدثة التي لا
(1) مسلم (452).
(2)
البخاري (828).
(3)
أبو داود (965)، والترمذي (304)، وقال: حديث حسن صحيح.
(4)
مسلم (579).
(5)
الشرح الممتع (3/ 301).
(6)
صفة الصلاة ص (164).
(7)
البخاري (835)، ومسلم (588).
(8)
البخاري (834)، ومسلم (2705).
(9)
مسلم (771).
(10)
أبو داود (996)، والنسائي (3/ 52)، والترمذي (295)، وابن ماجه (914)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(11)
أبو داود (997)، قال الحافظ في البلوغ (1/ 84): بسند صحيح. اهـ. وقد اختلفت كلمة العلماء في ثبوت كلمة (وبركاته)، في التسليمة الثانية، فلم يذكرها عبد الحق في الأحكام الوسطى (1/ 413)، وابن الأثير في جامع الأصول (5/ 410)، والزيلعي في نصب الراية (1/ 432)، وقد سقطت من طبعة محمد محيي الدين لسنن أبي داود (1/ 265)، لكنها موجودة في النسخة الهندية، وفي طبعة الدعاس ص (607)، وقد تكون عن الهندية، وقد نسبها إلى أبي داود الحافظ في البلوغ -وقد حذفت من بعض الطبعات-، وفي التلخيص (1/ 289)، مع أنه أنكرها في نتائج الأفكار (2/ 236)، كما نسبها إلى أبي داود ابن دقيق العيد في الإلمام (260)، وقد نصّ عليها الصنعاني في سبل السلام (1/ 380)، وقد وردت -أيضًا- في حديث ابن مسعود عند ابن ماجه -كما ذكر الحافظ في التلخيص- لكنها غير موجودة في طبعة محمد فؤاد عبد الباقي (914). وذكر الأرناؤوط أنها في نسخة خطية في السنن لابن ماجه في دار الكتب الظاهرية، وذلك في تعليقه على شرح السنة (3/ 205).