الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف، ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم رضي الله عنه، وإذا كان الأعمى لا رخصة له فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة (1).
إن الجماعة في نظر الشارع هي جماعة المسجد لا جماعة البيوت ولا غيرها. والتضعيف خاص بجماعة المسجد -كما تقدم- ومن صلى في بيته مع أهله أو غيره واعتقد أنه صلى في جماعة وأنه ينال التضعيف فاعتقاده بمعزل عن الصواب. ومما يدل على أن الجماعة تكون في المساجد دون البيوت أن السلف من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إذا طمعوا في إدراك جماعة المسجد لم يكونوا يصلونها في البيوت، بل كان الواحد منهم إذا فاتته الجماعة في مسجده ذهب إلى آخر. قال البخاري رحمه الله في صحيحه:(وكان الأسود إذا فاتته الجماعة ذهب إلى مسجد آخر)(2). وعن معاوية بن قرة قال: (كان حذيفة رضي الله عنه إذا فانته الصلاة في مسجد قومه يعلق نعليه ويتبع المساجد حتى يصليها في جماعة)(3).
وهكذا فعل سعيد بن جبير -رحمه الله تعالى- (4).
فيا أخي حافظ على صلاة الجماعة، وكن من عمار ييوت الله تعالى، وبادر لحضور المسجد، ففي ذلك الأجر العظيم، والخير الكثير في الدنيا والآخرة، وإياك والكسل في عبادة عظيمة، هي من أشرف العبادات وأفضل الطاعات، وستجد -إن شاء الله- ثواب صلاتك، ومحافظتك على الجماعة أحوج ما تكون إليه والله يتولى الصالحين.
أحكام حضور المساجد
أولًا:
في أحكام الخروج إلى المسجد
"وفيه ثمانية أحكام":
الحكم الأول الخروج في أحسن هيئة
الصلاة صلة بين العبد وربه، يقف المصلي بين يدي الله تعالى يناجيه، يقرأ كلامه، ويذكره، ويدعوه، فيلزم أن يكون في هذا الموقف العظيم على أحسن هيئة وأتم حال.
ومن هنا وجبت طهارة البدن والثوب والبقعة، وكانت الطهارة من الأحداث والأنجاس شرطًا في صحة الصلاة على ما هو مبين في كتب الحديث والفقه.
والمقصود هنا الحديث عن مكملات الطهارة التي ينبغي لكل مصلّ أن يتحلى بها قبل الدخول في الصلاة، وذلك لأن كثيرًا من المصلين لا يهتم بها ولا يلقي لها بالًا؛ لأن الصلاة تحولت عنده من عبادة إلى عادة، فهو يأتي إليها بهيئة أقل من الهيئة التي يذهب بها إلى مكان عمله، ومما يتعلق بحسن الهيئة ما يلي:
أولًا- الزينة الظاهرة.
ثانيًا- طيب الرائحة.
ثالثًا- السواك.
أولًا: الزينة الظاهرة، ويراد بها:
(1) جمال الثياب:
فينبغي للمصلي أن يلبس عند مناجاة ربه أحسن ثيابه في الصلوات كلها، من غير تفريق بين صلاة الليل وصلاة النهار، أو صلاة الفجر وغيرها، إذ ليس المقصود من اللباس هو ستر العورة فحسب، وإنما
(1) انظر معالم السنن للخطابي (1/ 160).
(2)
فتح الباري (2/ 131).
(3)
المصنف لابن أبي شيبة (2/ 205).
(4)
مصنف عبد الرزاق (1/ 515).
يراد مع ذلك التجمل للوقوف بين يدي رب العالمين، قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
فهذه الآية دليل على وجوب ستر العورة بلبس الثياب عند كل صلاة. والثياب من نعم الله على عباده؛ لما فيها من ستر العورات، وهي -أيضًا- زينة وجمال، ولا تكون كذلك إلا إذا كانت نظيفة.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: (ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يستحب التجمل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد، والطيب؛ لأنه من الزينة، والسواك؛ لأنه من تمام ذلك)(1).
وقال ابن عبد البر: (إن أهل العلم يستحبون للواحد المطيق على الثياب أن يتجمل في صلاته ما استطاع من ثيابه وطيبه وسواكه)(2).
وفي الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال:"إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس"(3).
قال الشوكاني: (الحديث يدل على أن محبة لبس الثوب الحسن والنعل الحسن وتخير اللباس الجميل ليس من الكبر في شيء، هذا مما لا خلاف فيه فيما أعلم .. )(4).
ومن الناس من لا يهتم باللباس عند خروجه للصلاة، بل يصلي بثيابه التي عليه ولو كانت رثة أو لها رائحة كريهة، كقميص المهنة، ورداء العمل، ولا يكلف نفسه بتبديلها، فيؤذي المصلين بِدَرَنِها، ويُزْكِمُ أنوفهم بنتن ريحها، ويلوث فرش المسجد بوسخها، وهذا منهي عنه شرعًا؛ قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ .... } [الأعراف: 31].
مع أن هذا الإنسان لو أراد مقابلة شخص له جاه دنيوي، أو أراد الذهاب لمناسبة من المناسبات ما ذهب بهذه الثياب، بل يرتدي أجمل ما يملك، ويتطب بأحسن ما يجد، حتى لو لقي في المسجد من يكن له احترامًا تأسف على مظهره، وتمنى أنه لو لبس أحسن ثيابه، فكيف يهتم للوقوف أمام المخلوق ولا يهتم للوقوف أمام الخالق؟ إن هذا دليل على التساهل في شأن الصلاة، وعدم إدراك حقيقتها.
فحري بالمسلم أن يستشعر عظمة من يقف بين يديه، ويعرف أنه سيكون في بيت من بيوت الله تعالى، ولا ريب أن الوقوف أمام رب العالمين وزيارة بيته يستدعي حسن المنظر وبهاء الطلعة.
أضف إلى ذلك أن لقاء إخوانه المصلين والاجتماع بهم وإظهار المسجد بالمظهر المريح والرائحة الطيبة مما يؤكد جمال المظهر ونظافة الثياب، وذلك مما يعين على العبادة.
ومن الناس من لا يهتم بلباس صلاة العشاء الآخرة ولا صلاة الفجر بحجة أن هذه ثياب الليل، وقد يصلي بلباس النوم كالقميص المعروف، ولا يحمّل نفسه عناء تبديلها، وذلك خوفًا على الثياب الثمينة أن تتأثر طياتها ويتبدل صقلها، والناس لا يرون هذا اللباس في هاتين الصلاتين غالبًا، وكأن التجمل صار لهام.
(1) تفسير ابن كثير (3/ 402).
(2)
التمهيد (6/ 369).
(3)
أخرجه مسلم (91). ومعنى (بطر الحق): دفعه وإنكاره ترفعًا وتجبرًا، و (غمط الناس): احتقارها. ذكره النووي.
(4)
نيل الأوطار (2/ 124).