الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن نكاحه صحيح. وأما على قول من يرى كفر تارك الصلاة وهو الصواب على ما سبق تحقيقه في الفصل الأول فإننا ننظر:
* فإن كان الزوج لا يعلم أن نكاحه باطل، أو لا يعتقد ذلك، فالأولاد أولاده يلحقون به، لأن وطأه في هذه الحال مباح في اعتقاده، فيكون وطء شبهة، ووطء الشبهة يلحق به النسب.
* وإن كان الزوج يعلم أن نكاحه باطل ويعتقد ذلك، فإن أولاده لا يلحقون به، لأنهم خلقوا من ماء من يرى أن جماعه محرم لوقوعه في امرأة لا تحل له.
ثانيًا: الأحكام الأخروية المترتبة على الردة
1 -
أن الملائكة توبخه وتقرعه، بل تضرب وجوههم وأدبارهم، قال الله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [لأنفال: 50، 51].
2 -
أنه يحشر مع أهل الكفر والشرك لأنه منهم، قال الله تعالى:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:22، 23]. والأزواج جمع "زوج" وهو"الصنف" أي احشروا الذين ظلموا ومن كان من أصنافهم من أهل الكفر والظلم.
3 -
الخلود في النار أبد الآبدين؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب: 64 - 66].
وإلى هنا انتهى ما أردنا القول فيه في هذه المسألة العظيمة التي ابتلي بها كثير من الناس.
* وباب التوبة مفتوح لمن أراد أن يتوب. فبادر أخي المسلم إلى التوبة إلى الله عز وجل مخلصًا لله تعالى، نادمًا على ما مضى، عازمًا على ألا تعود، مكثرًا من الطاعات، فـ {مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 70، 71].
أسأل الله تعالى أن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا، وأن يهدينا جميعًا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين والشهداء، والصالحين، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
مخالفات الطهارة
- الجهر بالنية عد الوضوء: وهذا مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: ولم يكن صلى الله عليه وسلم يقول في أوله: نويت رفع الحدث، ولا استباحة الصلاة لا هو ولا أحد من أصحابه ألبتة ولم يرد عنه في ذلك حرف واحد لا بإسناد صحيح، ولا ضعيف.
- ومن المخالفات أيضًا: الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء، كقول بعضهم عند غسل يده اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني، وعند غسل وجهه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه
…
إلخ.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول على وضوئه شيئًا غير
التسمية، وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه مكذوب مختلق لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا منه، ولا علمه لأمته، ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله، وقوله: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين". في آخره فهذا ثابت (1).
وفى حديث آخر عند النسائي مما يقال بعد الوضوء أيضًا: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".
- ومن المخالفات أيضًا: الإسراف في ماء الوضوء.
أخرج البخاري، عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل -أو كان يغتسل- بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد.
وقال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في أول كتاب الوضوء من صحيحه: وكره أهل العلم الإسراف فيه، وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومن المخالفات أيضًا: عدم إسباغ الوضوء.
والإسباغ: الإكمال، قال في الفتح: اسبغوا، أي: أكملوا.
روى البخاري في صحيحه عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة وكان يمر بنا، والناس يتوضئون من المطهرة قال: أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: "ويل للأعقاب من النار".
وعن خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي وفى ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء، رواه أحمد، وأبو داود، وزاد:"والصلاة".
قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا إسناد جيد؟ قال: جيد.
والحديث أخرجه أبو داود، والحاكم.
قال الشوكاني -رحمه الله تعالى-: والحديث يدل على وجوب إعادة الوضوء من أوله على من ترك من غسل أعضائه مثل ذلك المقدار.
- اسقبال القبلة عند البول أو الغائط:
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولا يولها ظهره ولكن شرقوا أو غربوا" رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن.
واختلف أهل العلم في هذا المبحث على عدة أقوال: وممن ذهب إلى القول بالتحريم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
قال ابن القيم: لا فرق بين الفضاء والبنيان لبضعة عشر دليلًا.
قآل الشيخ ابن القاسم: وهو أصح المذاهب في هذه المسألة وليس مع من فرق ما يقاومها ألبتة. اهـ.
- ومن المخالفات أيضًا: عدم التنزه من البول، وفي ذلك وعيد شديد كيف لا؟ وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم كبيرًا.
أخرج البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة -أو مكة- فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يعذبان وما يعذبان في كبير". ثم قال: "بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة". ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة. فقيل: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ فقال:
(1) أخرجه مسلم في الطهارة رقم (234).
"لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا -أو- إلى أن ييبسا".
- ومن المخالفات أيضًا: وهو متعلق بالذى قبله أن بعض الناس عند قضاء الحاجة لا يستر عورته الستر الشرعي بل يكتفي أو يهتم بستر قبله ودبره دون غيرهما، وهذا مخالف لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من أمره بتغطية الفخذ وأنها من العورة.
أخرج الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم، بإسناد صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على جرهد فقال:"يا جرهد غط فخذك فإن الفخذ عورة".
وأخرج الحاكم في مستدركه قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين السرة والركبة عورة". إسناده حسن.
- ومن المخالفات أيضًا: أن بعض المسلمين هداهم الله يستحسن بعقله أشياء قد تكون مخالفة لشرع الله، ومن الأشياء المتعلقة بحديثنا هذا أن بعض الناس قد يدركه وقت الصلاة وهو حاقن لبوله فيتحامل على نفسه ويجهدها لأداء الصلاة، ولم يعرف أنه بفعله ذاك قد ضيق على نفسه، وخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخثان". أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: عن الحاقن أيما أفضل يصلي بوضوء محتقنًا أو أن يحدث ثم يتيمم لعدم الماء؟
فأجاب -رحمه الله تعالى-: صلاته بالتيمم بلا احتقان أفضل من صلاته بالوضوء مع الاحتقان فإن هذه الصلاة مع الاحتقان مكروهة منهي عنها، وفي صحتها روايتان، وأما صلاته بالتيمم فصحيحة لا كراهة فيها بالاتفاق، والله أعلم.
- ومن المخالفات أيضًا: جهل كثير من الناس عند استيقاظه من النوم فيبدأ بالوضوء قبل غسل يديه أو يدخل يديه في إناء الوضوء قبل غسلها، وقد ورد الأمر بغسل اليد قبل إدخالها في الإناء.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، وإن أحدكم لا يدري أين باتت يده"، رواه مالك، والشافعي، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وأصحاب السنن.
- ومن المخالفات أيضًا: أن بعض الناس هداهم الله يتركون التسمية عند ابتداء الوضوء.
فعن سعيد بن زيد، وأبي هريرة -رضي الله تعالى عنهما-، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه"، رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والحاكم.
وقد تقدم أن ابن القيم أشار إلى ثبوت الحديث.
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق طرق الحديث: والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلًا، وقال ابن أبي شيبة: ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
قال شيخنا عبد الله بن جبرين -حفظه الله تعالى- في أثناء شرحه لكتاب منار السبيل: أما مسألة التسمية في مكان الخلاء فقال بعض أهل العلم: "إن ذكر اسم الله في الخلاء مكروه، والتسمية على الوضوء واجب، والواجب يقدم على المكروه".
- مسح الرقبة في الوضوء:
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: ولم يصح عنه في مسح العنق حديث ألبتة. اهـ (زاد المعاد 1/
195).
- اعتقاد بعض الناس أنه لا بد من غسل الفرج في كل وضوء ولو لم يحدث: وهذا خطأ شائع.
والصواب في هذا أن يقال: من أدركته الصلاة، وقد سبق ذلك نوم أو خرج ريح من دبره فما عليه إلا أن يتوضأ، ولا يحتاج في ذلك إلى غسل فرجه، ومن اعتقد خلاف ذلك فقد ابتدع في دين الله إضافة إلى أن ذلك ضربا من الوسوسة.
وأما إذا أراد المسلم قضاء حاجته قبل الوضوء ففي هذه الحالة يجب عليه غسل فرجه وتنقية مكان البول والغائط.
- يدل لذلك ما يأتي:
فعن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: بت عند خالتي ميمونة ليلة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فلما كان في بعض الليل قام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شن معلق وضوءًا خفيفًا .. الحديث رواه البخاري، ولم يذكر ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم غسل فرجه.
وأخرج البخاري أيضًا، أن رجلًا قال لعبد الله بن زيد -رضي الله تعالى عنه- أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بماء فأفرغ على يديه فغسل مرتين
…
الحديث، ولم يذكر فيه أنه غسل فرجه، ولا أشار إلى ذلك.
قال شيخنا الفاضل عبد العزيز بن باز -حفظه الله تعالى-:
وإنما يجب الإستنجاء أو الإستجمار من البول أو الغائط خاصة وما كان في معناهما قبل الوضوء (1).
- ومن المخالفات المتعلقة بالوضوء: ما يقع فيه كثير من الناس من عدم إكمال غسل اليدين إلى المرافق وإيضاح ذلك كما يلي:
عندما يتوضأ المسلم فإنه يبدأ فيسم الله ثم يغسل كفيه ثم يتمضمض ويستنشق ثم يغسل وجهه ثم يغسل يديه إلى المرافق، وهنا مكمن الخطأ فإن كثيرًا من الناس يبدأ بغسل يديه من أسفل الكف إلى آخر المرفق، وفعله هذا فيه نقص؛ لأن الواجب عليه غسل يديه كلها من أطراف الأصابع إلى المرافق، وقد نبه على ذلك شيخنا عبد الله بن جبرين -حفظه الله تعالى-.
كما نبه إلى ذلك الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله تعالى في أحد خطبه فقال:
وانتبهوا لأمر يخل به كثير من الناس وذلك أن بعض الناس إذا غسل يديه بعد غسل وجهه بدأ بهما من أطراف الذراع إلى المرفق، ولا يغسل الكفين، وهذا خطأ لأن الكفين داخلان في مسمى اليد، وعلى هذا فيجب أن تغسل يديك بعد غسل وجهك من أطراف الأصابع إلى المرافق.
كما أن بعض الناس في أيام الشتاء يكون عليه ثياب متعددة فيفسر كميه ولكن يفسرهما من دون المرفق، ولا يدخل المرفق في الغسل، وهذا خطأ فإن الواجب أن يفسر الإنسان كميه حتى يتجاوزا المرفقين لأجل أن يدخل المرفقين في الغسل (2).
- ومن المخالفات المتعلقة بالطهارة أيضًا: أن بعض الناس إذا اغتسل للجنابة وخاصة البدين يكون
(1) كتاب الدعوة الفتاوى: (ص: 39).
(2)
من رسالة للشيخ محمد بن عثيمين في الطهارة.
في جسمه مواضع أو مسافط بحيث يتراكم بعض اللحم على بعض كما هو الحال في جهة الصدر وعند إمرار الماء في أثناء الغسل ينحدر الماء على الطبقة العليا الساترة لما تحتها فتبقى الأجزاء المستورة جافة لم يصلها الماء، وفي هذه الحالة يكون الغسل ناقصًا.
- ومن المخالفات التي يقع فيها كثير من الناس: أن بعض الناس يترك مواضع في بدنه لا يصلها الماء عند الوضوء أو الغسل، فمن تلك المواضع، وهو أكثرها:
ما يكون بين الأصابع وخاصة أصابع القدمين، فيقوم بعض الناس في أثناء الوضوء بصب الماء على قدميه دون أن يقوم بإدخاله بين الأصابع فيبقى ما بين الأصابع جافًا لم يصل إليه الماء فيخل بوضوئه، ومن ثم بصلاته.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وخصه لأهميته فقال مخاطبًا أحد الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- اسمه لقيط بن صبرة -رضي الله تعالى عنه-: "أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع"، الحديث أورده الحافظ في بلوغ المرام وقال: أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة.
قال الصنعاني: ظاهر في إرادة أصابع اليدين والرجلين
…
ثم قال: والحديث دليل على وجوب إسباغ الوضوء وهو إتمامه واستكمال الأعضاء، أسبغ الوضوء: أبلغه مواضعه ووفي كل عضو حقه، وفي غيره مثله.
- ومن المواضع أيضًا: أن بعض الناس قد يكون على يده ساعة أو في إصبعه خاتم في أثناء الوضوء وعند الوضوء تحجب تلك الساعة أو ذلك الخاتم الموضع الذي تحته فلا يصل إليه الماء فيختل وضوؤه.
والذي ينبغي عليه في مثل هذه الحالة: أن يخلع الساعة أو الخاتم أو يحركهما عن مكانهما ليعم الماء جميع العضو فيتم وضوؤه.
قال البخاري: وكان ابن سيرين يغسل موضع الخاتم إذا توضأ. اهـ.
- ومن المواضع أيضًا: أن بعض الناس قد يقع على يديه نوع من الدهان الذي تطلى به الحيطان، وهو ما يعرف بـ (البوية)، وهذا النوع إذا وقع على اليد يمنع وصول الماء إلى الجزء الذي يراد غسله فيبقى الوضوء ناقصًا.
لذا فإن على من وقع على يديه شيء من هذا يبادر إلى إزالته قبل الوضوء بالمواد الخاصة لإزالته كالكيروسين، وما شابهه.
- ومن المواضع أيضًا: أن بعض النساء يجعلن على أظفارهن ما يسمى بالمناكير -نسأل الله الثبات عند سؤال منكر ونكير- وهذا الطلاء فيه سماكة بحيث يمنع وصول الماء منعًا باتًا، لذلك فيجب على النساء اللاتي يضعن هذا الطلاء أن يزلنه قبل الوضوء حتى يعم الماء الجزء المغطى فيتم الوضوء.
- بعض الناس إذا أحدث في مصلاه ضرب بيده ما تحته من السجاد ثم تيمم وصلى مع الجماعة: وهذا غالبًا ما يحصل إذا كان الزحمام شديدًا كما يحدث في الحرمين أو في المساجد الكبيرة، ويحدث هذا أيضًا عندما يكون الوقت باردا فيحدث الإنسان فيتكاسل عن الذهاب إلى أماكن الوضوء ليتوضأ بالماء، أو عند إقامة الصلاة، فيظن هذا أن إدراك الصلاة مع الجماعة بالتيمم أولى من الذهاب للوضوء، فجميع ما تقدم ذكره مما يقع فيه بعض الناس عن جهل أو حسن نية، ونقول على ذلك:
أن من ترك الوضوء بالماء مع إمكان حصوله ثم عمد إلى التيمم ففعله غير جائز وصلاته باطلة.
وذلك؛ لأن الله تعالى لم يرخص في التيمم إلا عند فقد الماء أو تعذره.
فدلالة الآية صريحة على أن التيمم لا يجوز عند وجود الماء.
- ومن المخالفات أيضًا: أن بعض الناس يأخذه النوم فإذا أقيمت الصلاة وخاصة صلاة الفجر، والجمعة قام وصلى مع المسلمين ولم يلق لنومه بالًا، ولم يعره اهتمامًا.
ولم يعرف ذلك المسكين أن بعض النوم قد ينقض الوضوء فيصلي صلاته بغير وضوء، وعلى ذلك لا تصح صلاته.
ونسوق هنا فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز تتعلق بهذه المسألة، والله نسأل أن ينفع بها من سمعها:
سئل سماحة الشيخ -حفظه الله تعالى عن كل سوء- عن الذين ينامون في المسجد الحرام قبل الظهر والعصر مثلًا ثم يحضر المنبه للناس لإيقاظهم فيقومون للصلاة دون أن يتوضئوا وهكذا بعض النساء أيضًا، فما حكم ذلك أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟
أجاب سماحة الشيخ بما نصه: النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقًا قد أزال الشعور لما روى الصحابي الجليل صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم، أخرجه النسائي، والترمذي، واللفظ له وصححه ابن خزيمة.
ولما روى معاوية رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"العين وكاء السه (1) فإذا نامت العينان استطلق الوكاء" أخرجه أحمد، والطبراني، وفي سنده ضعف لكن له شواهد تعضده كحديث صفوان المذكور، وبذلك يكون حديثًا حسنًا.
وبذلك يعلم أن من نام من الرجال أو النساء في المسجد الحرام أو غيره فإنه تنتقض طهارته وعليه الوضوء فإن صلى بغير وضوء لم تصح صلاته والوضوء الشرعي هو غسل الوجه مع المضمضة والإستنشاق وغسل اليدين مع المرفقين ومسح الرأس مع الأذنين وغسل الرجلين مع الكعبين ولا حاجة إلى الإستنجاء في النوم ونحوه كالريح ومس الفرج وأكل لحم الإبل. وإنما يجب الإستنجاء أو الإستجمار من البول والغائط خاصة وما كان في معناهما قبل الوضوء.
أما النعاس فلا ينقض الوضوء؛ لأنه لا يذهب معه الشعور وبذلك تجتمع الأحاديث الواردة في هذا الباب، والله ولي التوفيق. انتهى جواب سماحته -حفظه الله تعالى-.
- ومن المخالفات أيضًا: الوضوء على الوضوء دون أن يتخلل بينهما صلاة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بعد كلام له:
وإنما تكلم الفقهاء فيمن صلى بالوضوء الأول هل يستحب له التجديد؟ وأما من لم يصل به فلا يستحب له إعادة الوضوء بل تجديد الوضوء في مثل هذا بدعة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما عليه
(1) قال ابن الأثير النهاية: السه: حلقة الدبر. اهـ.
المسلمون في حياته وبعده إلى هذا الوقت. انتهى كلامه -رحمه الله تعالى- (21/ 376).
- ومن المخالفات أيضًا: أن بعض الرجال إذا جامع أهله لا يغتسل، ولا يأمر أهله بالغسل إلا إذا أنزلا، وهذا أمر تعم به البلوى ويخطئ فيه الكثيرون، فنقول وبالله تعالى التوفيق: كان الأمر أولًا أن لا يغتسل الرجل إلا إذا أنزل وكذلك المرأة.
ودليل ذلك: ما أخرجه مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الماء من الماء".
قال الصنعاني: أي الاغتسال من الإنزال، فالماء الأولى المعروف والثاني المني.
لكن هذا الخبر نسخ بحديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" متفق عليه.
وزاد مسلم: "وإن لم ينزل"، وفي لفظ أبي داود:"وألزق الختان بالختان"، هذا الحديث استدل به الجمهور على نسخ مفهوم حديث:"الماء من الماء".
واستدلوا على أن هذا آخر الأمرين ما رواه أحمد وغيره من طريق الزهري، عن أبي بن كعب، أنه قال:"إن الفتيا التي كانوا يقولون إن الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد". صححه ابن خزيمة، وابن حبان، وقال الإسماعيلي: إنه صحيح على شرط البخاري، وهو صريح في النسخ لحديث:"إنما الماء من الماء".
ومن أدلة كونه ناسخًا أيضًا: أن حديث أبي هريرة منطوق وحديث أبي سعيد "الماء من الماء" مفهوم، والمنطوق مقدم على المفهوم.
ويضاف إلى ذلك أيضًا: أن الآية تعضد المنطوق في إيجاب الغسل، قال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
قال الشافعي: إن كلام العرب يقتضي أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع، وإن لم يكن فيه إنزال، قال: فإن كل من خوطب بأن فلانًا أجنب عن فلانة عقل أنه أصابها، وإن لم ينزل، قال: ولم يختلف أن الزنا الذي يجب به الجلد هو الجماع، ولو لم يكن منه إنزال. اهـ.
فتعاضد الكتاب والسنة على إيجاب الغسل من الإيلاج، "انتهى بتصرف من سبل السلام".
وبعد هذا كله نقول: إن من جامع امرأته، ومس ختانه ختانها فقد وجب عليه الغسل ولو لم ينزل فإن صلى ولم يغتسل فقد صلى وهو جنب فصلاته باطلة.
- ومن المخالفات أيضًا: أن بعض الناس عند فراغه من غسل الجنابة، وقبل أن يرتدي ملابسه تقع يده على فرجه، فلا يلقي لذلك بالًا ويصلي بذلك الغسل ما لم يحدث.
لكن هذا لم يعرف أنه بملامسة يديه لفرجه قد انتقض وضوؤه، ودليل ذلك ما روته بسرة بنت صفوان -رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مس ذكره فليتوضأ". أخرجه مالك، وأحمد، وأهل السنن، والحاكم.
وعلى ذلك فيقال لمن اغتسل: احرص ألا تمس يدك فرجك لئلا ينتقض الوضوء فإن مسسته فعليك إعادة الوضوء.
- اعقاد بعض الناس أن الوضوء لا يتم ألا إذا كان ثلاثًا ثلاثًا، أي: غسل كل عضو ثلاث مرات:
وهذا اعتقاد خاطئ، قال البخاري في صحيحه: باب الوضوء مرة مرة، باب الوضوء مرتين مرتين، باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا. وأورد تحت الباب الأول حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة.
وأورد تحت الباب الثاني حديث عبد الله بن زيد -رضي الله تعالى عنه- قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين.
وأورد تحت الباب الثالث حديث عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا.
فدلت الأحاديث السابقة على جواز الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا.
- الزيادة في عدد غسل أعضاء الوضوء أو بعضها أكثر من ثلاث مرات:
وهذه تحدث من بعض الناس فيعتقد أنه كلما أكثر من غسل أعضاء وضوئه كلما زاد أجره، وهذا تلبيس من الشيطان، لأن العمل إذا لم يكن مشروعًا فهو مردود، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". متفق عليه، ولمسلم رواية أخرى بلفظ:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".
- عدم الوضوء من ماء زمزم والتحرج من ذلك، وفعل التيمم بدل الوضوء منه:
وهذا يقع فيه بعض الناس فتجد أحدهم يتورع ويتقي الوضوء من ماء زمزم لما ورد فيه من الفضل، ويصلي بالتيمم مع وجود الماء بين يديه، وهذا من المخالفات الصريحة للنصوص الصريحة.
قال الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6].
فلم يرخص الله بالتيمم إلا مع فقد الماء أو تعذر حصوله ولم يستثن ماء زمزم من غيره.
ومما يؤكد جواز الوضوء من ماء زمزم: ما رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند، عن علي -رضي الله تعالى عنه- في صفة بعض حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها:"ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه، وتوضأ" الحديث.
قال الساعاتي: فيه استحباب الشرب والوضوء من ماء زمزم. انتهى من الفتح الرباني (11/ 86).
- وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله تعالى- عن فضل ماء زمزم؟
فأجاب سماحته على ذلك وجاء في فتوى سماحته ما نصه:
ويجوز له الوضوء منها ويجوز أيضًا الإستنجاء منها والغسل من الجنابة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نبع الماء من بين أصابعه ثم أخذ الناس حاجتهم من هذا الماء ليشربوا وليتوضئوا وليغسلوا ثيابهم وليستنجوا، كل هذا وقع، وماء زمزم إن لم يكن مثل الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فوق ذلك، فكلاهما ماء شريف، فإذا جاز الوضوء، والاغتسال، والاستنجاء وغسل الثياب من الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، فهكذا يجوز من ماء زمزم.
وبكل حال فهو ماء طهور طيب يستحب الشرب منه، ولا حرج في الوضوء منه ولا حرج في غسل الثياب منه، ولا حرج في الإستنجاء منه إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما تقدم، والحمد لله. "انتهى من