الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأكثر العلل والآفات.
إن السعي إلى بيوت الله تعالى كل يوم في أوقات معلومة متقطعة يكفي لتمرين العضلات وتنشيط الأوصال وتحسين حالة الجسم العامة، كما أن المشي إلى المساجد يساهم في الوقاية من الأمراض التي سببها الخمول وكثرة الجلوس وعلى رأسها السّمن؛ لأن المشي يعمل على إذابة الشحوم والدهون. كما أن المشي علاج لأمراض القلب حيث إنه يعطي القلب -بإذن الله- القدرة على العمل وتحمل الجهود، حيث تكون الدورة الدموية أكثر انتظامًا.
كما أن المشي إلى المسجد علاج للتعب الذهني والتفكير الطويل؛ إذ أنه يعيد العقل إلى حالته الطيعية، ويساعد على الاسترخاء العصبي والعضلي.
وبالجملة ففي المشي إلى بيوت الله تعالى من الفوائد الصحية الشيء الكثير مما أبان عنه الطب الحديث، وهي فوائد عاجلة ينعم الله تعالى بها على عبده المؤمن في الدنيا حيث لبى النداء وأجاب داعي الله. وهناك الأجر العظيم والنور التام في الدار الآخرة إن شاء الله (1).
الحكم الخامس المشي بسكينة ووقار
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة، وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"(2).
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ثوّب للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة"(3).
وعنه أيضًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ثوّب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم، ولكن ليمش، وعليه السكينة والوقار، فصلّ ما أدركت، واقض ما سبقك"(4).
إن هذه النصوص تبين أدب الحضور لأداء الصلاة، وأن المصلي يمشي إليها بسكينة ووقار، والسكينة هي: التأني في الحركات واجتناب العبث، والوقار: غض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات.
ولا ريب أن المسلم إذا حضر المسجد بهذه الصفة فقد حاز على ثلاثة أمور:
الأول: الراحة والطمأنينة؛ لأنه إذا أسرع ودخل الصلاة على هذه الحال فإنه يثور نفسه، فلا يحصل له تمام الخشوع في القراءة وغيرها، وهذا ملاحظ، بخلاف ما إذا دخلها وهو ساكن مرتاح فإنه إلى الخشوع والخضوع أقرب.
الثاني: امتثال قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة". أي: أنه في حكم المصلي، فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه.
الثالث: كثرة الخطا إلى المسجد، وهذا لا يتأتى مع السرعة. وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه
(1) راجع كتاب (الصلاة والرياضة البدنية)، تأليف: عدنان الطرشة (ص 82)، وما بعدها، وكتاب (في الصلاة صحة ووقاية)، للدكتور: فارس علوان (ص 159 - 246).
(2)
أخرجه البخاري (610)، ومسلم (603)، واللفظ للبخاري.
(3)
أخرجه مسلم (151، 602).
(4)
أخرجه مسلم (154، 602).
أحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم:"إن لكم بكل خطوة درجة"(1).
وعن سعيد بن المسيّب قال: حضر رجلًا من الأنصار الموت فقال: إني محدثكم حديثًا ما أحدثكموه إلا احتسابًا؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئة، فليقرب أحدكم أو ليبعد. فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضًا وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة، كان كذلك"(2). فعلى المصلي أن يخرج إلى صلاته بسكينة ووقار، وأن يجتنب العبث في طريقه إلى المسجد، فلا يتكلم بكلام قبيح؛ لأنه في هذا الموضع أقبح. ولا ينظر على ما لا يحل له، ولا يتعاطى ما يكره، فكل ذلك يتعين اجتنابه، وهو في هذا الموضع أهم.
واعلم أن هذه الأحاديث التي فيها الأمر بالمشي إلى الصلاة والنهي عن الإسراع عامة في جميع الأحوال، لا فرق بين أن يخاف فوات تكبيرة الإحرام، أو فوات ركعة، أو فوات الجماعة بالكلية، أو لا يخاف شيئًا من ذلك. كما أنه لا فرق بين الجمعة وغيرها، وهذا هو الصواب إن شاء الله؛ لأن النصوص عامة لم تستثن حالة واحدة، ولا يجوز لأحد أن يخصص نصًا إلا بدليل، بل قد ورد ما يدل على العموم، وهو ما جاء عن قتادة عن أبيه قال: بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال: "ما شأنكم"؛ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال: "فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"(3).
فهذا حديث عام غير مخصّص بسماع الإقامة، وهو دال على العموم في جميع الأحوال، وفي جميع الصلوات، كما تقدم.
وأما ما ورد عن بعض الصحابة أنهم كانوا يسرعون إذا سمعوا الإقامة فلعله محمول على أنه لم يبلغهم النهي، ومن لم يبلغه النص لم يكلف أن يكون عالمًا بموجبه.
إن أكثر الداخلين إلى المساجد يخلّون بهذا الأدب فتراهم إذا ركع الإمام يسرعون فيشوشون على أنفسهم، بالعجلة وعدم التأني، وعلى غيرهم من المصلين بأصوات أحذيتهم وحركات أرجلهم، وإعلامهم الإمام بدخولهم لينتظرهم، وهذا مخالف للهدي النبوي:"فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"، ولا يعد المشي بهدوء استهانة بالصلاة كما يفهمه بعض الناس، بل هذا عين الاهتمام بالصلاة، فإن الإنسان في صلاة منذ خروجه من منزله للصلاة.
فإن قال قائل: وما معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ .... } [الجمعة: 9] مع حديث: "فلا تأتوها وأنتم تسعون"؟
فالجواب -والله أعلم- أن المراد بالسعي في الحديث: الإسراع والعدو، بدليل مقابلة السعي بالمشي
(1) أخرجه مسلم بتمامه (664).
(2)
أخرجه أبو داود (563)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1/ 112)، وانظر: تحفة الأشراف (11/ 157).
(3)
أخرجه البخاري (609)، ومسلم (603)، وانظر القواعد النورانية لابن تيمية (ص 49)، ففيها بيان أن الأمر بالسكينة في المشي إلى الصلاة يقتضي وجوب السكينة في الصلاة. وهذه من الفوائد.