الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتنى الشارع بالسواك عند الصلاة، ورغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، وفي رواية لمالك:"عند كل وضوء"(1).
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب"(2)، فهو مرضاة للرب تبارك وتعالى من جهة أن الإتيان بالمندوب امتثالًا موجب للثواب، ومن جهة أنه مقدمة للصلاة، والصلاة مناجاة، ولا ريب أن طيب الرائحة يحبه صاحب المناجاة، وهو مطهرة للفم، لأنه الطريقة المثلى لتنظيف الأسنان والفم، وقد وجد العلماء فائدة ومفعول السواك بعد أربعة عشر قرنًا من ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم لتلك الحقيقة، وثبت بعد الدراسات والأبحاث التي أجريت على السواك أنه يحوي جميع المواد المطهرة القوية التي تساعد على الفتك بالجراثيم التي تتسبب في أمراض الفم واللسان.
كما ثبت أنه يفوق الفرشاة والمعجون، ولا يوجد معجون للأسنان يحتوي على المواد التي يحويها السواك، بل ثبت أن أغلب المعاجين الموجودة في السوق تجارية ورخيصة لا يقصد بها إلا الربح، وقد لا يستفيد منها الفم واللثة.
ولا فرق في استحباب السواك عند الصلاة بين الفريضة والنافلة، حتى صلاة الصائم بعد الزوال، كالظهر والعصر يتأكد فيها السواك على أرجح الأقوال، لعموم أدلة الحث على السواك عند الصلاة كحديث أبي هريرة المتقدم.
فإذا كان السواك مطهرة للفم مرضاة لله تعالى فحري بالمسلم والمسلمة أن يهتم كل منهما به عند الصلاة فرضًا كانت أو نفلًا، فإن من الناس من لا يقيم للسواك وزنًا، إما للجهل بقدره أو التساهل، والتساهل عند النساء أكثر، فليحرص المسلم على ما يحبه مولاه ويقربه إليه ويستاك حتى عند النافلة، فإن من الناس من يتساهل به ولا سيما في النافلة التي بعد الصلاة (3).
الحكم الثاني المبادرة بالحضور إلى المسجد
اعلم أن نصوص الشريعة قد وردت بالحث على المبادرة بالأعمال الصالحة، والمسارعة لأداء الواجبات، ومنها حضور المساجد والجلوس فيها لانتظار الصلاة. وتضمنت هذه النصوص ما أعد الله تعالى من الفضل والتكريم لمن اتصف بهذه الصفة العالية التي تدل على رغبة صاحبها في فعل الخيرات والمسارعة لنيل القربات.
قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
وقال تعالى: {فاستبقوا الخيرات} [البقرة: 148].
وقال تعالى عن الصفوة من عباده: {يسارعون في الخيرات} [الأنبياء: 90].
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: (والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدر زائد على الأمر
(1) أخرجه البخاري (847)، ومسلم (252)، والحديث له طرق، وله ألفاظ.
(2)
أخرجه النسائي (1/ 10)، وأحمد (6/ 47)، وعلّقه البخاري مجزومًا به (4/ 158 الفتح).
(3)
انظر: كتاب (زينة المرأة المسلمة)، لراقمه (ص 95). ط الرابعة.
بفعل الخيرات، فإن الاستباق إليها يتضمن فعلها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرة إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجة، والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة وجهاد ونفع متعدّ وقاصر) (1).
إن التبكير إلى المساجد وانتظار إقامة الصلاة والاشتغال بالذكر والقراءة والنوافل من أسباب المغفرة ومن أعظم الخيرات، ولقد أجمل النبي رضي الله عنه الثواب العظيم في التبكير بقوله عليه الصلاة والسلام: "ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه
…
" الحديث (2)، ويأتي بتمامه إن شاء الله.
قال النووي: (التهجير: التبكير إلى الصلاة، أيّ صلاة كانت. قال الهروي وغيره: وخصه الخليل بالجمعة، والصواب المشهور: الأول)(3).
وقال ابن أبي جمرة: (فيه دليل على أن المسابقة تكون حسًا ومعنى. فهنا تكون معنى لا حسًا، فإن المسابقة على الأقدام حسًا تقتضي الجري والسرعة. والجري هنا والسرعة ممنوعان من حديث آخر. فلم يبق هنا إلا أن تكون معنى وهي الشغل بمراقبة الوقت)(4).
إن المبادرة إلى المساجد دليل على تعظيم الصلاة وتعلق القلب بالمسجد، وعلى قدر الطاعة عمومًا في نفس المصلي، وعلى أن الصلاة مقدمة عنده على كل شأن من شؤون حياته، وهذا -والله- عنوان الفلاح وعلامة الصلاح. قال الله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 36 - 38].
إن الإنسان ما دام حيًا فهو مشغول بجسمه وعقله كلّ بحسب حاله. ولكن لا شغل عند حضور الصلاة عن الصلاة لمن وفقه الله تعالى لطاعته ورزقه تعظيم شعائره، فقدم طاعة مولاه ومراده ومحبته على مراده ومحبته، فسارع إلى الخيرات ونافس في نيل القربات، وازداد يقينه بأن من تعظيم الصلاة الإتيان إلى المسجد قبل الإقامة.
ولقد كان السلف الصالح على حرص شديد على صلاتهم، يبادرون إليها مهما كان الأمر؛ لأنهم عرفوا قدرها عند خالقهم، فصار ذلك سجية لهم وخلقًا، وإليك طرفًا من أخبارهم، فنعم القدوة هم بعد نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.
ذكر الإمام ابن المبارك عن عبدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (ما دخل وقت صلاة قط حتى اشتاق إليها)(5).
ولم يكن رضي الله عنه يشتاق إلى الصلاة فحسب، بل كان يستعد لها ويحضر إلى المسجد قبل الإقامة، فقد ذكر الحافظ الذهبي عنه أنه قال:(ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء)(6).
(1) تفسير ابن سعدي (1/ 112).
(2)
أخرجه البخاري (590)، ومسلم (437).
(3)
انظر شرح مسلم للنووي (4/ 402)، وفتح الباري (2/ 97).
(4)
بهجة النفوس لابن أبي جمرة (1/ 214).
(5)
كتاب الزهد (ص 460).
(6)
سير أعلام النبلاء (3/ 164).