المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحكم الثامن عشر إقامة جماعة غير معتادة لمن فاتتهم الصلاة - الجامع لأحكام الصلاة - عادل بن سعد

[عادل بن سعد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌باب: أسرار الصلاة

- ‌شروط الصلاة تسعة:

- ‌وأما فروضه فستة:

- ‌باب: أحكام الصلاة

- ‌(شروط الصلاة تسعة):

- ‌(أركان الصلاة أربعة عشر ركنًا):

- ‌(مبطلات الصلاة ثمانية):

- ‌(واجبات الصلاة ثمانية):

- ‌(فرائض الوضوء ستة أشياء):

- ‌(شروط الوضوء خمسة):

- ‌(نواقض الوضوء ثمانية):

- ‌أحكام وآداب الحضور إلى المساجد

- ‌المسجد، وفضل بنائه، وما ينبغي فيه

- ‌وجوب صلاة الجماعة والتحذير من التهاون فيها

- ‌أحكام حضور المساجد

- ‌ في أحكام الخروج إلى المسجد

- ‌الحكم الأول الخروج في أحسن هيئة

- ‌أولًا: الزينة الظاهرة، ويراد بها:

- ‌(1) جمال الثياب:

- ‌(2) ستر الفخذين:

- ‌(3) ستر العاتق:

- ‌(4) ستر الرأس:

- ‌(5) لا يغطي فاه في الصلاة:

- ‌ثانيًا: مما يتعلق بحسن الهيئة: الاهتمام بطيب الرائحة

- ‌ثالثًا: السواك

- ‌الحكم الثاني المبادرة بالحضور إلى المسجد

- ‌فضائل المبادرة إلى المسجد وفوائدها

- ‌الاتصاف بصفة من يظلهم الله في ظله:

- ‌أن المبادر في صلاة ما انتظر الصلاة:

- ‌صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له:

- ‌المشي إلى المسجد بسكينة:

- ‌دخول المسجد داعيًا:

- ‌تحصيل الصف الأول:

- ‌تحصيل ميمنة الصف:

- ‌الدعاء بين الأذان والإقامة:

- ‌الصلاة قبل الإقامة:

- ‌إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام:

- ‌التأمين مع الإمام:

- ‌الصلاة بخشوع:

- ‌الحكم الثالث الدعاء عند الخروج إلى الصلاة

- ‌الحكم الرابع الذهاب إلى المسجد ماشيًا

- ‌الحكم الخامس المشي بسكينة ووقار

- ‌الحكم السادس لا يشبك بين أصابعه

- ‌الحكم السابع في حضور الصبيان المساجد

- ‌الحكم الثامن في دخول الجنب والحائض المسجد

- ‌أحكام حضور المسجد

- ‌الحكم الأول تعاهد النعلين

- ‌الحكم الثاني تقديم اليمنى عند الدخول

- ‌الحكم الثالث الدعاء عند دخول المسجد

- ‌الحكم الرابع التقدم للصف الأول

- ‌المكان الفاضل في المسجد النبوي:

- ‌الحكم الخامس السلام على من في المسجد

- ‌الحكم السادس صلاة تحية المسجد

- ‌حكم تحية المسجد

- ‌تحية المسجد وقت النهي

- ‌لا صلاة إذا أقيمت الصلاة

- ‌تحية المسجد الحرام

- ‌سقوط تحية المسجد

- ‌الحكم السابع الصلاة إلى سترة

- ‌السترة في المسجد الحرام:

- ‌الحكم الثامن لا يخرج من المسجد بعد الأذان

- ‌الحكم التاسع وظيفة الجالس في المسجد

- ‌قراءة القرآن

- ‌الحذر من الكلام الباطل وما لا فائدة فيه:

- ‌الحذر من رفع الصوت:

- ‌الحذر من البيع والشراء في المسجد:

- ‌الحذر من استدعاء النوم بالنعاس:

- ‌الحكم العاشر تسوية الصفوف وإتمامها

- ‌الحكم الحادي عشر في صلاة المنفرد خلف الصف

- ‌الحكم الثاني عشر الدخول مع الإمام على أي حال

- ‌الحالة الأولى: أن يكون الإمام قائمًا

- ‌الحالة الثانية: أن يكون الإمام راكعًا

- ‌الحالة الثالثة: أن يكون الإمام ساجدًا أو بين السجدتين

- ‌الحالة الرابعة: أن يكون الإمام في التشهد

- ‌الحكم الثالث عشر ما تدرك به الجماعة

- ‌الحكم الرابع عشر في صفة الصلاة

- ‌الحكم الخامس عشر في الذكر بعد الصلاة

- ‌الحكم السادس عشر في الفصل بين الفريضة والنافلة

- ‌الحكم السابع عشر من دخل المسجد وقد فاتته الصلاة فوجد من يصلي صلّى معه

- ‌الحكم الثامن عشر إقامة جماعة غير معتادة لمن فاتتهم الصلاة

- ‌الحكم التاسع عشر من صلى ثم دخل مسجدًا صلى معهم

- ‌الحكم العشرون اختلاف نية الإمام والمأموم

- ‌الحكم الحادي والعشرون إذا صلى المسافر خلف المقيم أتم

- ‌الحكم الثاني والعشرون لا يحجز مكانًا في المسجد

- ‌الحكم الثالث والعشرون لا يهجر المسجد الذي يليه

- ‌الحكم الرابع والعشرون في إيذاء المصلين والتشويش عليهم

- ‌(1) تخطي الرقاب:

- ‌(2) مضايقة المصلين:

- ‌(3) رفع الصوت بالقراءة:

- ‌(4) المرور بين يدي المصلي:

- ‌(5) رفع الصوت بالكلام:

- ‌الحكم الخامس والعشرون في المسألة في المسجد

- ‌الحكم السادس والعشرون في الأكل في المسجد

- ‌أحكام حضور الجمعة

- ‌فضل يوم الجمعة، والتحذير من التهاون بالصلاة

- ‌أحكام الاستعداد للجمعة

- ‌الحكم الأول غسل الجمعة:

- ‌الحكم الثاني حسن اللباس

- ‌الحكم الثالث السواك للجمعة

- ‌الحكم الرابع الطيب يوم الجمعة

- ‌الحكم الخامس المبادرة إلى حضور المسجد:

- ‌الحكم السادس المشي إلى الجمعة

- ‌الحكم السابع في السفر يوم الجمعة

- ‌أحكام حضور مسجد الجمعة

- ‌الحكم الأول الحذر من تخطي الرقاب وأذية الآخرين:

- ‌(1) التفرقة بين اثنين:

- ‌(2) تخطي رقاب المصلين:

- ‌الحكم الثاني القرب من الإمام

- ‌الحكم الثالث التنفل قبل دخول الإمام

- ‌الحكم الرابع الاشتغال بالذكر وتلاوة القرآن

- ‌الحكم الخامس الإنصات والاستماع للخطبة

- ‌الحكم السادس لا يرفع يديه عند الدعاء في الخطبة

- ‌الحكم السابع في تحية المسجد والإمام يخطب

- ‌الحكم الثامن بم تدرك الجمعة

- ‌الحكم التاسع الصلاة بعد الجمعة

- ‌الحكم العاشر إذا اجتمع العيد والجمعة

- ‌أحكام حضور المرأة المسجد

- ‌أولًا: حكم حضور المرأة المسجد:

- ‌ثانيًا: شروط حضور المرأة المسجد:

- ‌أهم الأحكام التي تنفرد بها المرأة عن الرجل في الصلاة

- ‌موقف المرأة خلف الإمام:

- ‌موقف إمامة النساء:

- ‌مرور المرأة بين يدي المصلي:

- ‌باب: صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم

- ‌استقبال الكعبة

- ‌القيام

- ‌صلاة المريض جالسًا

- ‌الصلاة في السفينة

- ‌القيام والقعود في صلاة الليل

- ‌الصلاة في النعال والأمر بها

- ‌الصلاة على المنبر

- ‌السترة ووجوبها

- ‌ما يقطع الصلاة

- ‌الصلاة تجاه القبر

- ‌النية

- ‌التكبير

- ‌رفعُ اليدين

- ‌وضع اليمنى على اليسرى والأمر به

- ‌وضعهما على الصدر

- ‌النظر إلى موضع السجود والخشوع

- ‌أدعية الاستفتاح

- ‌القراءة

- ‌القراءةُ آيةً آيةً

- ‌ركنية (الفاتحة) وفضائلها:

- ‌نسخ القراءة وراء الإمام في الجهرية

- ‌وجوب القراءة في السرية

- ‌التأمين وجهر الإمام به

- ‌قراءته صلى الله عليه وسلم بعد الفاتحة

- ‌جمعه صلى الله عليه وسلم بين النظائر وغيرها في الركعة

- ‌جواز الاقتصار على الفاتحة

- ‌الجهر والإسرار في الصلوات الخمس وغيرها

- ‌الجهر والإسرار في القراءة في صلاة الليل

- ‌ما كان يقرؤه صلى الله عليه وسلم في الصلوات

- ‌1 - صلاة الفجر:

- ‌القراءة في سنة الفجر

- ‌2 - صلاة الظهر:

- ‌قراءته صلى الله عليه وسلم آيات بعدَ الفاتحة في الأخيرتين

- ‌وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة

- ‌3 - صلاة العصر:

- ‌4 - صلاة المغرب:

- ‌القراءة في سنة المغرب

- ‌5 - صلاة العشاء:

- ‌6 - صلاة الليل:

- ‌7 - صلاة الوتر:

- ‌8 - صلاة الجمعة:

- ‌9 - صلاة العيدين:

- ‌10 - صلاة الجنازة:

- ‌ترتيل القرآءة وتحسين الصوت بها

- ‌الفتح على الإمام

- ‌الاستعاذة والتفلُ في الصلاة لدفع الوسوسة

- ‌الركوع

- ‌صفة الركوع

- ‌وجوب الطمأنينة في الركوع

- ‌أذكار الركوع

- ‌إطالة الركوع

- ‌النهي عن قراءة القرآن في الركوع

- ‌الاعتدال من الركوع وما يقول فيه

- ‌إطالة هذا القيام، ووجوب الاطمئنان فيه

- ‌السجود

- ‌الخرور إلى السجود على اليدين

- ‌وجوب الطمأنينة في السجود

- ‌أذكار السجود

- ‌النهي عن قراءة القرآن في السجود

- ‌إطالة السجود

- ‌فضل السجود

- ‌السجود على الأرض والحصير

- ‌الرفع من السجود

- ‌الإقعاء بين السجدتين

- ‌وجوب الاطمئنان بين السجدتين

- ‌الأذكار بين السجدتين

- ‌جلسة الاستراحة

- ‌الاعتماد على اليدين في النهوض إلى الركعة

- ‌وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة

- ‌التشهد الأول

- ‌جلسة التشهد

- ‌تحريك الإصبع في التشهد

- ‌وجوب التشهد الأول ومشروعية الدعاء فيه

- ‌صيغ التشهد

- ‌الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وموضعها، وصيغها

- ‌فوائد مهمة في الصلاة على نبي الأمة

- ‌القيام إلى الركعة الثالثة ثم الرابعة

- ‌القنوت في الصلوات الخمس للنازلة

- ‌القنوت في الوتر

- ‌التشهد الأخير

- ‌وجوب التشهد

- ‌وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌وجوب الاستعاذة من أربع قبل الدعاء

- ‌الدعاء قبل السلام وأنواعه

- ‌التسليم:

- ‌وجوب السلام

- ‌باب: سجود السهو

- ‌ الزيادة

- ‌السلام قبل تمام الصلاة

- ‌النقص

- ‌1 - نقص الأركان:

- ‌2 - نقص الواجبات:

- ‌الشك

- ‌سجود السهو على المأموم

- ‌حكم تارك الصلاة

- ‌ما يترتب على الردة بترك الصلاة أو غيرها

- ‌أولًا: من الأحكام الدنيوية:

- ‌ثانيًا: الأحكام الأخروية المترتبة على الردة

- ‌مخالفات الطهارة

- ‌مخالفات الصلاة

- ‌بعض المخالفات المتعلقة بالمساجد

- ‌مخالفات تتعلق بالجمعة

- ‌مخالفات الطهارة

- ‌مخالفات تتعلق بالصلاة

- ‌مخالفات تتعلق بالمساجد

- ‌مخالفات تتعلق بالجمعة

- ‌فتاوى الصلاة وحكم تاركها

- ‌حكم ترك الصلاة عمدًا

- ‌حكم تارك الصلاة

- ‌هل وجوب الصلاة مع جماعة في المسجد مرتبط بسماع الأذان

- ‌صلاة الحارس

- ‌الحركة في الصلاة

- ‌حكم العبث والحركة في الصلاة

- ‌شرود الذهن في الصلاة

- ‌ذكر سجود السهو

- ‌حكم نسيان سجود السهو

- ‌منع السائقين من أداء صلاة الجماعة

- ‌وقت صلاة العشاء

- ‌حكم تأخير الصلاة إلى الليل

- ‌حكم تأخير صلاة الفجر عن وقتها

- ‌حكم التهاون بالصلاة

- ‌المصافحة بعد الصلاة

- ‌قراءة الفاتحة

- ‌صلاة المفترض خلف المتنفل

- ‌إدراك المسبوق للتشهد الأخير

- ‌حكم أخذ المصحف من المسجد ومد الظهر جدا في أثناء السجود، والعبث في الصلاة

- ‌كيفية أداء‌‌ الصلاة في الطائرة

- ‌ الصلاة في الطائرة

- ‌تقسيم الوتر

- ‌الحكمة من إدخال قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد

- ‌حكم الصلاة في مسجد فيه قبر

- ‌حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر

- ‌وجوب أداء الصلاة في الجماعة

- ‌ترديد الأذان

- ‌من سمع النداء ولم يذهب للمسجد

- ‌فضل الجماعة

- ‌حكم التهاون بصلاة الجماعة

- ‌الصلاة بالثياب الخفيفة الواصفة

- ‌أكل البصل والثوم عند الصلاة

- ‌حكم أكل الكراث والبصل والثوم وإتيان المسجد

- ‌ساعة الإجابة يوم الجمعة

- ‌حكم الذهاب إلى المساجد البعيدة للصلاة خلف القارئ الجيد

- ‌صلاة التراويح

- ‌القرآن يوم الجمعة والابتهالات قبل الفجر

- ‌القراءة قبل صلاة الفجر بمكبرات الصوت

- ‌تنبيه الإمام حتى ينتظر

- ‌انتظار الإمام المأمومين في أثناء الركوع

- ‌المدخنة أمام المصلين

- ‌الصلاة أمام المدفأة

- ‌معيار الإطالة والتخفيف في الصلاة .. السنة وليس الأهواء

- ‌السنة تسوية الصفوف

- ‌استعمال السواك

- ‌المسبوق منفرد فلا يسمح للمار بين يديه

- ‌الإمام حسن الصوت ينشط المصلين

- ‌إمام لا يجيد قراءة القرآن

- ‌حكم إمامة المرأة للنساء

- ‌الصلاة خلف الحليق والمسبل

- ‌حكم إمامة المسبل

- ‌الإطالة في الدعاء

- ‌تتبع الأئمة

- ‌تقليد القراءة في صلاة التراويح

- ‌تغيير الصوت في دعاء القنوت

- ‌دعاء الاستخارة .. متى يكون

- ‌دق جرس الباب وأنا في الصلاة

- ‌أتمم ما نسيت ما دام الوقت قصيرًا

- ‌متابعة الإمام

- ‌السترة أمام المصلي

- ‌الصلاة في الثوب الذي فيه صور

- ‌صلاة الجماعة وتأخير الصلاة

- ‌الصلاة الجهرية والأذان للمنفرد

- ‌لا صلاة لمنفرد خلف الصف

- ‌الائتمام بالمنفرد

- ‌الائتمام بالمنفرد أيضًا

- ‌جلسة الاستراحة ليست واجبة

- ‌الإسراع والركض لإدراك الصلاة

- ‌من أين يبدأ الصف

- ‌المسافر لمدة سنتين هل يقصر الصلاة

- ‌حكم من مات وهو تارك للصلاة والصوم

- ‌مراعاة ترتيب السور عند القراءة

- ‌فعل المكروه وحكم فاعله

- ‌الصلاة جماعة في مبنى منفصل عن الإمام

- ‌ترك النساء الصلاة بحجة العذر كذبًا

- ‌رد السلام أثناء الخطبة

- ‌إذا صلى الإمام وهو جنب

الفصل: ‌الحكم الثامن عشر إقامة جماعة غير معتادة لمن فاتتهم الصلاة

الصلاة؛ بدليل حديث ابن عباس رضي الله عنهما عندما بات عند خالته ميمونة، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقام معه عن يساره، فجعله عن يمينه (1). ففيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم نوى الإمامة في أثناء الصلاة (2).

قال ابن عبد البر: (فيه رد على من لم يجز للمصلي أن يوم أحدًا إلا أن ينوي الإمامة مع الإحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينو إمامة ابن عباس، وقد قام إلى جنبه فأتم به، وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الإمامة؛ إذ نقله عن شماله إلى يمينه)(3).

وهناك أدلة أخرى تفيد اقتداء الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينو الإمامة من أول الصلاة، فأتم بهم، ولم ينكر عليهم، فدل على أن نية الإمامة ليست شرطًا.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (ولا فرق بين الفريضة والنافلة؛ لأن الأصل التسوية بينهما في الأحكام، إلا ما خصه الدليل ولا مخصص هنا فيما أعلم، والله أعلم)(4). فإن لم يجد أحدًا يصلي طلب من الحاضرين أن يصلي أحدهم معه؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلًا يصلي وحده، فقال:"ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"؟ فقام رجل فصلى معه (5).

وعموم الحديث يفيد أن المصلي مع الجماعة يصلي مع هذا المتأخر ولو كانت المغرب أو العصر، وسأذكر ذلك، إن شاء الله (6) أو يخرج إلى مسجد آخر فيصلي فيه إذا كان يطمع في إدراك جماعته، وقد ورد في صحيح البخاري أن الأسود بن يزيد النخعي -أحد كبار التابعين- كان إذا فاتته الجماعة ذهب إلى مسجد آخر.

وقد أورد البخاري رحمه الله هذا الأثر في باب "فضل صلاة الجماعة"، وبين الحافظ ابن حجر أن البخاري قصد بإيراده في هذا الباب أن الفضل الوارد في صلاة الجماعة مقصور على من جمّع في المسجد، دون من جمّع في بيته -مثلًا-؛ لأن التجميع لو لم يكن مختصًا بالمسجد لجمّع الأسود في مكانه، ولم ينتقل إلى مسجد آخر؛ لطلب الجماعة (7).

فينبغي لمن فاتته الجماعة في مسجده أن يحرص على تحصيل ثوابها ولو في مسجد آخر؛ لا سيما إذا كان قريبًا من منزله لا يشق عليه، وفي وقتنا هذا كثرت المساجد في الأحياء، وقد يكون هناك فارق في وقت الإقامة بين مسجد ومسجد، مما يكون سببًا في إدراك الصلاة في مسجد آخر.

‌الحكم الثامن عشر إقامة جماعة غير معتادة لمن فاتتهم الصلاة

إذا دخل المصلي المسجد فوجد الإمام قد فرغ من الصلاة، أو في التشهد -كما مضى- فإن له أن يقيم جماعة ثانية هو ومن معه، ولا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، لكن لا ينبغي للجماعة الثانية أن يصلوا إذا وجدوا الإمام في التشهد إلا بعد أن تنتهي الجماعة الأولى التي مع الإمام الراتب؛ لئلا تجتمع

(1) هذا قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري (699) وفي مواضع أخرى، ومسلم (763).

(2)

انظر فتح الباري (2/ 192).

(3)

التمهيد (13/ 210).

(4)

انظر فتح الباري (3/ 14).

(5)

المرجع السابق. والحديث يأتي تخريجه -إن شاء الله-.

(6)

انظر: الحكم التاسع عشر.

(7)

انظر فتح الباري (2/ 131).

ص: 111

جماعتان في مسجد، سواء كانت الجماعة الثانية مع الأولى في مكان واحد من المسجد، أو لا؛ لئلا يكون ذلك افتياتًا (1) على الإمام.

واعلم أن من تأمل مصادر الشريعة ومواردها وما اشتملت عليه من المصالح والرغبة في الاجتماع والائتلاف، وعدم التفريق والاختلاف؛ علم أن إقامة جماعة ثانية غير معتادة أولى من تفرقهم وصلاة كل واحد منهم منفردًا.

وقد دلت نصوص الشريعة على هذا، وسأذكر -بعون الله- بعض هذه الأدلة، وشيئًا من كلام أهل العلم في هذه المسألة المهمة:

فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "

وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل" (2).

فدل الحديث بعمومه على أن من صلى مع رجل فهو أزكى من صلاته منفردًا، فيدخل في ذلك إقامة جماعة ثانية لمن فاتتهم الجماعة مع الإمام الراتب.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلًا يصلي وحده، فقال:"ألا رجل يتصدق على هذا، فيصلي معه؟ فقام رجل فصلى معه"(3).

وقد بوب ابن خزيمة على هذا الحديث فقال: "باب الرخصة في الصلاة جماعة في المسجد الذي قد جمّع فيه ضدّ قول من زعم أنهم يصلون فرادى إذا صلى في المسجد جماعة مرة"(4).

قال البغوي: (ففيه دليل على أنه يجوز لمن صلى في جماعة أن يصليها ثانيًا مع جماعة آخرين، وأنه يجوز إقامة الجماعة في مسجد مرتين، وهو قول غير واحد من الصحابة والتابعين)(5).

وقول المانعين: إنها صلاة متنفل وراء مفترض فيجوز تكرارها، وأما بمفترض فلا يجوز. فهذا فيه نظر قوي؛ فإنها إذا جازت بمفترض ومتنفل فما الذي ينفي جوازها بمفترضين؟ ومن ادعى الفرق فعليه الدليل (6).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"(7).

فهذا الحديث نص صريح في فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد، ولم يرد تقييد ذلك بألا تكون جماعة ثانية، بل جاء مطلقًا في كل صلاة الجماعة، والرجل مع الرجل جماعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل التضعيف لغير الفذ، فعلم أن ما زاد على الفذ فهو جماعة، فإذا أقام رجلان جماعة ثانية حصل لهما التضعيف -إن شاء الله- لهذا الحديث، والله أعلم.

(1) افتات عليه في الأمر: حكم، وكل من أحدث دونك شيئًا فقد افتات عليك فيه. "اللسان"(2/ 69).

(2)

أخرجه أبو داود (2/ 259)، والنسائي (2/ 104) وإسناده صحيح، قاله الألباني.

(3)

أخرجه أبو داود (2/ 282) وإسناده صحيح.

(4)

صحيح ابن خزيمة (3/ 57).

(5)

شرح السنة (3/ 438)، وانظر شرح المهذب (4/ 222).

(6)

انظر تحفة الأحوذي (2/ 11).

(7)

أخرجه البخاري (619)، ومسلم (650).

ص: 112

ولقد كان السلف الصالح من هذه الأمة أفهم منا لمدارك النصوص وأعلم بمقاصد الشرع، فجاء عن عدد منهم إقامة جماعة ثانية في مسجد قد صلى فيه، حين فاتتهم الجماعة الأولى. فقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه دخل المسجد وقد صلوا فجمّع بعلقمة ومسروق والأسود (1).

وجاء أنس رضي الله عنه إلى مسجد قد صُلّي فيه فأذن وأقام، وصلى جماعة (2).

وعن ابن جريج: قلت لعطاء: نفر دخلوا مسجد مكة خلاف الصلاة -أي: بعد الصلاة- ليلًا أو نهارًا أو يؤمهم أحدهم؟ قال: نعم، وما بأس ذلك؟ (3).

وهناك آثار وأقوال أخرى تفيد جواز ذلك (4)، وفيما ذكر كفاية إن شاء الله.

وأما ما ورد عن السلف من كراهية جماعة ثانية وأنهم يصلون فرادى فلعله محمول على ما إذا اعتاد أناس إقامة جماعة دائمة في مسجد لا إمام راتب، يصلون وحدهم، ويخرجون وحدهم، فهذا لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى تفريق الكلمة، والقضاء على وحدة المسلمين واجتماعهم، كما أنه سبب لاختلاف القلوب، والتهاون بالصلاة مع الإمام، ولئلا يرغب رجال عن إمامة رجل فيجدون غيره إمامًا، فيؤدي ذلك على تقليل الجماعة مع الإمام الراتب وهذا ممنوع (5).

ولا ريب أن إقامة جماعة ثانية بصفة دائمة لم يكن في عصر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما حدث ذلك فيما بعد، فيكون من البدع، كما نص على ذلك جمع من أهل العلم، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (6).

ومن الملاحظ أن إقامة جماعة ثانية لا يكون في الغالب من قوم كثر، بل يصلي واحد بمثله أو باثنين أو ثلاثة، ولا أظن أن أحدًا منهم يجري على باله تفريق الكلمة، أو التأخر عن الجماعة مع الإمام الراتب، ثم إن مثل هذه الجماعة إن وجدت في مساجدنا فهي في الغالب من عابري سبيل ليسوا من جماعة هذا المسجد الذي صلوا فيه، فالقول بجواز الجماعة الثانية على الصفة المذكورة وجيه، لما ذكر. والله أعلم.

أما ما يقع في المساجد التي على ظهر الطريق مما ليس فيه مؤذن راتب، ولا إمام معلوم، فيصلي فيه المارة جماعة جماعة فهذا لا محذور فيه؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي تقدم من تفرق الكلمة، وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيجدون غيره إمامًا. قال النووي:(إذا لم يكن للمسجد إمام راتب فلا كراهة في الجماعة الثانية والثالثة بالإجماع)(7).

وقد استدل المانعون من إقامة جماعة ثانية في المسجد بحديث أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منزله، فجمع أهله فصلى بهم (8).

(1) أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 323). قال في بلوغ الأماني (5/ 344): إسناده صحيح.

(2)

أخرجه البخاري تعليقًا (2/ 131 الفتح). قال الحافظ في تغليق التعليق (2/ 277): هنا إسناد صحيح موقوف. اهـ.

(3)

المحلى لابن حزم (4/ 237، 238).

(4)

المصدر السابق، وانظر: فتاوى ابن باز (12/ 165 - 173) وابن عثيمين (15/ 93).

(5)

انظر الأم للشافعي (1/ 180).

(6)

مجموع الفتاوى (23/ 258).

(7)

المجموع شرح المهذب (4/ 222).

(8)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 304) وقال: "لهم لم يرو هنا الحديث عن خالد الحذّاء إلا أبو مطيع معاوية بن يحيى، ولا يروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد" قال في التقريب: "معاوية بن يحيى الطرابلسي، أبو مطيع،

صدوق له =

ص: 113