الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني:
في حكم إقامة الحد بدار الحرب
(1) :
إذا أصاب المسلم فيها ما يوجب حداً في سرقة أو شرب خمر أو نحوها
من موجبات الحدود فهل يقام عليه الحد؟
هذه من مسائل الاختلاف بين أهل العلم، وقد تناولها ابن القيم رحمه الله
تعالى بالبيان والتفصيل، فحكى الخلاف، ودلّل، ورجح. وضرب بها المثال لتغير الفتوى بتغير الأزمنة والأحوال.
اختياره رحمه الله تعالى
(2) :
يظهر جلياً من مباحثه رحمه الله تعالى في ذلك: اختياره قاعدة يرد عليها استثناء واحد
ذلك: أن من باشر ما يوجب حداً في دار الحرب، فإنه لا يسقط عنه الحد بالكلية وإنما يؤخر حتى يقفل من دار الحرب ويعود إلى اْرض الإسلام.
لكن إن كان لمن وجب عليه الحد من الحسنات والنكاية بالعدو ما يغمر
سيئته التي وقع فيها، وظهرت منه مخايل التوبة النصوح فإنه يسقط عنه الحد بالكلية.
سلفه في تقرير هذا الاختيار:
اختياره هذا رحمه الله تعالى يتكون من تقرير قاعدة يرد عليها استثناء وهذا
(1)
أ- انظر في هذا المبحث: أعلام الموقعين 2/307، 3/17- 21، 3/ 155.
ب- دار الحرب، ويقال: دار الكفر. وأرض الكفر. وأرض الحرب كلها بمعنى: دار التباعد والبغضاء.
وهي: دار الكفار الذين ليس بيننا وبينهم عهد ولا أمان (انظر المطلع ص/226) .
(2)
انظر: أعلام الموقعين 3/17- 31
الاستثناء لم أر من سبقه إليه، أما تقريره القاعدة المذكورة فهي مذهب أحمد، وإسحاق (1) ، والأوزاعي (2) وغيرهم.
وقد أوضحه ابن القيم رحمه الله تعالى فقال (3) :
(وقد نص أحمد، وإسحاق والأوزاعي وغيرهم من علماء الإسلام على أن الحدود لا تقام في أرض العدو. وذكرها أبو القاسم الخرقي (4) في مختصره (5) فقال (6) : لا يقام الحد على مسلم في أرض العدو) .
وعدم إقامته في أرض العدو يعني تأخيره حتى يعود إلى أرض الإسلام فيقام الحد إذاً على مرتكب موجبه. وهو كذلك مصرحاً به عند من حكى مذهب هؤلاء أو بعضهم كالترمذي وابن قدامة، وابن الهمام. وغيرهم.
قول الترمذي (7) :
(1) هو: إسحاق ابن إبراهيم ابن مخلد ابن راهويه الحنظلي المروزي المتوفى سنة 238 هـ. من كبار الحفاظ وأعلام المجتهدين (انظر: تقريب التهذيب 1/54، وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/433) .
(2)
هو: شيخ الإسلام أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي الحافظ المتوفى سنة 157 هـ. (انظر: تذكرة الحفاظ 1/178. وقد ألف بعض البغاددة المعاصرين وهو الأستاذ: عبد الله الجبوري كتاباً في فقه سمّاه (فقه الإمام الأوزاعي) ط سنة 1347 هـ. بمطبعة الإرشاد في
بغداد. ولم يذكر هذه المسألة في فقه الأوزاعي.
(3)
انظر، أعلام الموقعين 3/17.
(4)
هو: أبو القاسم عمر ابن الحسين ابن عبد الله الخرقي الحنبلي المتوفى سنة 334 هـ. (انظر: طبقات الحنابلة 2/76 - 119) .
(5)
اشتهر كتابه باسم (مختصر الخرقي) وهو في فقه الإمام أحمد ط سنة 1384 هـ بالمكتب الإسلامي في دمشق. وعلى هذا المختصر جاء شرح ابن قدامة له في كتابه الشهير (المغني) .
(6)
انظر: نص العبارة في مختصر الخرقي ص/305. وانظر: المغني 10/537.
(7)
هو: الإمام المحدث الكبير بكتابه الجامع: محمد بن عيسى بن سورة بن موسي السلمي البوغي الترمذي المتوفى سنة 379 هـ. (انظر: التقريب 2/198 والأعلام للزركلي 6/ 322) .
قال بعد سياق الحديث في النهي عن القطع في الغزو (1) :
(والعمل على هذا عند بعض أهل العلم منهم الأوزاعي، لا يرون أن يقام الحد
في الغزو وبحضرة العدو مخافة أن يلحق من يقام عليه الحد بالعدو، فإذا خرج الإمام من أرض الحرب ورجع إلى دار الإسلام أقام الحد على من أصابه) .
قوِل ابن قدامة (2) :
قال في بيان مذهب الإمام أحمد (3) :
(من أتى حداً من الغزاة أو ما يوجب قصاصاً في أرض الحرب لم يقم عليه حتى يقفل فيقام عليه الحد وبهذا قال الأوزاعي وإسحاق) .
قول ابن الهمام (4) :
قال بعد سياق قول الترمذي المتقدم (5) :
(واعلم أن مع الأوزاعي أحمد وإسحاق فمذهبهم تأخير الحد إلى القفول) .
(1) انظر: سنن الترمذي 4/53.
(2)
هو: الإمام العلاّمة فقيه الحنابلة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة العمري الحنبلي المتوفى سنة 620 هـ.
(انظر: شذرات الذهب 5/88، والأعلام 4/ 191) .
(3)
انظر: المغني مع الشرح الكبير 10/537. ط الأولى سنة 1348 هـ بالمنار في مصر.
(4)
هو: كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي توفي سنة 861 هـ. (انظر: الضوء اللامع للسخاوي 8/127 وما بعدها، وشذرات الذهب 7/289، والأعلام 7/134-135) .
(5)
انظر: شرح فتح القدير 5/47 ط بولاق بمصر سنة 1134 هـ